(عزرائيل) ..الحياة والموت في مقاربة مسرحية ناجحة / د. جبار خماط حسن
مجلة الفنون المسرحية
من فرضيات التفكير المأساوي لدى الانسان ، تفكره بالموت ، اذ يبقى متمسكا بالحياة لانها مشروع دائم لم يكتمل ، لذا نجد الانسان تناسي الموت وليس نسيانه ، لانه ان بقي في فكرة الموت ورعبها ، توقف الفعل البشري ولم تتقدم الحياة ، لهذا نجد الانسان ابتكر فعل دفاعي يواجه الموت ، اطلق عليه التناسي ، اي تأجيل حضوره بارادة العمل . حتى أن الفيلسوف الفرنسي ((ادغار موران )) يردد قوله" احمق من يفكر بالموت احمق من يفكر .. ب فالتفكير بالموت صناعة له ! نجد الرجل البدائي الذي لخص وجوده بعالم ثاني خالد ، لانه نسي التفكير بالموت المعطل لاستمرارية العالم !
ثمة من تمسك بالحياة وفقدها رغبة منه ، حين تلبي نداء الوطن دفاعا عنه !
هكذا هو الانسان ييعيش وجوده اللامعقول ، يصنعه ويدعو له تفكيرنا ! اليس هذا نوعا من الحماقة .
عرض مسرحي ( عزرائيل ) تأسس على فرضية تتلخص بالاتي : عبث الحياة وجدوى الموت ،
يظهر لنا ملك الموت انيقا ، يتجول في المكان ، يتأخر في قبض روح المرأة ، حوار فائض عن حاجة عزرائيل ، فهو موكل باتمام المهمة ، تنغلق ابواب السماء ، يبقى ( عزرائيل ) في الارض يجدها موحشة ، لا تستحق البقاء فيها مدة اطول ، ينفتح ابواب السماء ، يذهبان معا في رحلة ما بعد الموت .
عرض مسرحي تحقق فيه اجتهادا دراميا من لدن كاتب ماهر (( مثال غازي)) ومخرج (( اسامة ا لسلطان )) اوجد لنا عرضا مسرحيا ، من دون زوائد واستطالات ، حساب متقن الايقاع ، ملاحقة للفكرة المتحكمة بالعرض ( جدلية الموت والحياة ) في انساق بصرية وسمعية وحركية ، فلا تعقيد في الصورة المسرحية ، انسياب للاحداث وتحولاتها على نحو يسير تفاعل معه الجمهور ، شخصيتان عاشتا في بيئة متحولة ( غرفة الملابس ، مكان عزرائيل في السماء ، الشارع العمومي ) ثلاث امكنة اعطت للاداء جغرافيا انفعالية غير مستقرة ، لانها تتراوح بين الهدوء والانفعال والصمت ، تتناسب مع شكل ونمط البيئة المحيطة بالشخصيتين / المرأة الممثلة وعزرائيل .
اظهر العرض المسرحي عزرائيل سينوغرافيا انيقة من دون ثرثرة بصرية ، تعمل بفاعلية الاضاءة وانقسام المنظر الى مستويين يعمل ببتدخل بشري / المجموعة التي نجدها الفاعل السببي لافتاح البيئة وانغلاقها.
للتمثيل افقه الابداعي في العرض ، تنافس عليه كلا الممثلين ((بشرى اسماعيل )) و (( جاسم محمد )) سجال جمالي اكسب العرض حضوره واثره ، في حساب ادائي محسوب بعناية يتناسب مع الحالات الوجودية للمرأة / التمسك بالحياة .يقابلها مندوب الموت السامي / عزائيل الذي يستعجل مهمة قبض الارواح ، لكنه يتأخر مع المرأة . مما اوجب لعبا ادائيا ثنائيا ، اظهر احساسا في الانتقالات بين الواقع واللاواقع ، الفكرة ونقيضها ، اسهم في ايجاد معادلة ادائية متصاعدة لدى بشرى اسماعيل وجاسم محمد ، مع تناغم بيئي للمجموعة بحساب ايقاعي ورقابة ذهنية لعلامات الجسد والصوت .
(عزرائيل ) عرض مسرحي يعمد مخرجه (( اسامه السلطان)) الى فن النقيض الجمالي في التكوين وصناعة الاداء ومراقبة عمل السينوغرافيا ، يستدعي لدى الجمهور القدرة والمراقبة وكسر افق توقعه ازاء ما يحصل في مقولتي الحياة والموت في مقاربة مسرحية ناجحة .
0 التعليقات:
إرسال تعليق