مسرحية " خراب الدورة الدموية " تأليف : بسام الحافظ
مجلة الفنون المسرحية المشهد الأول
المكان إستديو " التصوير داخل البلاتو " تعلق بوسترات – ملصقات لأفلام –
المصور يقعد خلف الكاميرا ، وبجانبه مساعد المخرج (الكلاكيت ) المخرج يناقش
الممثلة " ناهدة سعيد " متبرجة ، وتكون قد غالت كثيراً بوضع المكياج ( مكياجاً
صارخاً ) وهي مليحة القد ، وتمتلك جمال الوجه ولو يجعلها المكياج أجمل .. بطلة
الفيلم وبيدها نسخة عن النص ، وهي منفعلة ومتوترة وفي حالة حيص وبيص .
ناهدة : من المستحيل أستاذ بهجت أن أوافق على هذا المشهد . من غير المعقول ،
استغراق القُبل أكثر من دقيقة . يارجل ! ولماذا ؟
بهجت : " ديموزيل " ناهدة .إنَّ نفذتي هذا المشهد ، ستكتب عنه كل صحف البلد،
وربما تصلين إلى العالمية . نعم ، وفي وسط هوليود وبوليود .
ناهدة : ( مستغربة وممتعضة ) ماهذا الكلام أستاذي ، وهل أنا داشرة أو سوقية
بنظرك ، أقول لك المشهد فيه أثارة وخلاعة ..أليس لي عائلة ، وهل أنا بلا حياء
وماذا أقول لجيراني ، وأبناء عمومتي !
بهجت : سأُقرب لك ذلك . في فيلم " أبي فوق الشجرة " أكثر من مائة وخمسة وسبعون
قُبلة ، وقد حصد شباك التذاكر ملايين الجنيهات ، ونال فيلم " ماذا فعلتم بسولانج "
نجاحاً هز السينما العالمية ، ولماذا ! فقط لأن مشهد غرفة النوم وما فعلاه العاشق
وعشيقته ، وحضرتك ترفضين العالمية ؛ يكفي الحديث عن العيب والخجل . يكفي
هل شاهدتي فيلم " قتل العجول المسمنة "ما الحال الذي وصلن إليه فتيات هذا الزمن
من ألبسة ضيقة ( للفيزونات) الشفافة والبناطيلُ المطاطية والمفصَّل لجسدهن . هذا
هذا ليس عيباً ! يراهن السابلة . نعم . كل من هب ودب ، هذا مسموح حجة الموضة
الدارجة.
ناهدة : ( تضرب بيدها النص وبعصبية زائدة ) يا أستاذنا . ماعلاقتي بتلك الأفلام
يقول الكاتب هنا : يلثمها عشيقها قُبلة ويغيبان ، ثم تزرع وجهه بقُبلات تترا . وهي
تقول له " أقتلني بالقُبلات " وكلامها هذا عنوان فيلم أجنبي . مسخرة المساخر . هذا
بالنسبة لي مرفوض جملة وتفصيلاً( تقعد وتشعل دخينة وهي ترتعش مضطربة )
أقول القول الصراح ، النسخة الأصلية التي وافقت عليها ،غير النسخة التي بيدي
بهجت : ( يرتبك ويتلعثم ) سأطلب من الكاتب والمنتج ، تخفيف القُبلات ( يبتعد
جهة زاوية ويدعي أنه يتصل هاتفياً عن طريق الموبايل مع المنتج بامتعاض )
تحياتي أستاذ " دعبول " لا والله " الديموزيل" ناهد ترفض مشهد القُبلات الساخنة
.. لا. لم نتحدث عن زيادة الأجر.. هي غاضبة .. طرحت عليها ، من الممكن
تخفيف القُبل والوضع النفسي لكليهما.. تمام . سأتصل به .. ( يلتفت جهة ناهدة )
وافق ، وطلب الاتصال بالكاتب .( يتصل بالكاتب ) تحياتي أستاذ " يوسف " لا..
حالياً توقفنا .. نطلب منك أن تسمح .. لا أستاذ وفق رؤيتي الإخراجية .. مشاهد
القُبل عند ضفة النهر .. هي ترفض كل مشاهد القُبل ، حتى موضة الثياب التي
تعتبرها مخلة بالذوق العام .. حرقت أعصابي .. والله أنا متعب .. غير موافقة
بالمطلق .. تمام .. ( يغلق الخط ويلتفت جهتها ) كذلك وافق الكاتب . كان عليك
بعد قراءة النص تعترضين ديموزيل ناهدة .
ناهدة : ( تنظر جهة مدخل الاستديو وتدفع بصوتها ) فواز ..هات لنا قهوة بلا سكر.
بهجت : عادت الدماء إلى وجهك . ( يقعد بجانبها ويأخذ سيجارة من علبتها )
أنا لم أفهم سبب رفضك وقد قرأتي النص ، ولم تعترضي إلا ساعة البدء بالتصوير!
ناهدة : ( يقدم عامل البوفيه القهوة ) لماذا لم ترد عليًّ ..! لقد تم إضافة القبل إلى
النص الذي وافقت عليه .. أبي عصبي المزاج ، ولايمكن مشاهدة ذلك . أعتقد
سيذبحني داخل صالة العرض . ألا ترى إنها مثيرة للمُشاهد وخاصة الشباب منهم
( رافضة بحرقة ) لا. لا . يا أستاذ بهجت .حتى أسم الفيلم مسروق من فيلم أجنبي
يحمل نفس العنوان وهو ( a man and woman ) " رجل وامرأة " فيلم
فرنسي سيناريو وإخراج ( كلود ليلوش ) حصل على جائزة الأوسكار والسعفة
الذهبية ، وإذا كنت غير مصدق ابحث عنه .. واجه كاتب الفيلم وقل له : هكذا قالت
ناهدة.
بهجت : ( يرتبك وبتودد ) الأن هي موجة الأفلام الحديثة ، نعم . بالنسبة لنا
ستعتبرأفلام جريئة ومتحررة من القيود ، ومن مقص الرقابة ، نعم . الخروج من
عنق الزجاجة ، ولقد قمنا بتعديل النص وفق ما يرغبه الشباب . تصوري أفلام
( بوليود الهندية ) تخطت الحواجز ، وكسرت مقص الرقابة ، لم تكن أفلامهم تسمح
للممثل أن يحتضن الممثلة ( يتذكر وبلهفة ) لقد تأخرثامر ! ( يفطن ويرد ) لنقلب
أسم الفيلم امرأة ورجل . وننهي موضوع السرقة .
المساعد : ننتظره ساعة من الوقت . مارأيك أستاذ بهجت نضع الخلفية ، على الأقل
نستمتع بالبحر وتلاطم أمواجه ، طالما تصويرنا داخل البلاتوه ( توضع خلفية المشهد
.. البحر وتلاطم أمواجه ..) علينا أن نبتعد عن التقليد الأعمى .. تغرينا الأشكال
ودماثة الكلام .(يصفقون له )
بهجت : ( يتملقها ) والله يا أستاذه ، لوتركنا المشهد الجديد ، ستتجاوزين جميع ممثلات
مصر ، وحتى ممثلات الهند " ممتاز محل ، وآشا باريخ " . وجهك تقبله الكاميرا ،
خاصة إذا كانت لقطة كلوز أب . ركبتي رأسك .. والقُبل ليست إلا تحلية الفيلم وإظهار
تعلق الحبيبة بحبيبها .. (يدخل ثامروهو يلهث ويشير لعامل البوفيه أن يأتي له بكأس
ماء ، ثم يتهالك قرب المخرج) .
ثامر : آسف ياجماعة . حدثت مشادة كلامية بين أبي ووالدتي .( غير مصدق ) وعلى
ماذا ! على ماذا نطبخ غداً ( يضحك الجميع ) كيف حالكِ رائعة السينما الجادة .
ناهدة : ( تدفع بصوتها جهة البوفيه ) قهوة فواز وبسرعة . ( تتنهد وبحسرة ) ونحن
هنا حدث خلاف .
( بهجت يحادث مساعده الذي حمل لوحة الكلاكيت ، وقد كتب على اللوحة .. فيلم
أقتلني بالقُبلات . المخرج بهجت التواب . المشهد العاشر .. الخ .. يشاركهما
المصور في الحديث) لقد تم تعديل مشهد البحر .
ثامر : ( مستغرباً ) لم يخبرني الأستاذ بهجت . وكيف يريد أن يكون المشهد؟!
ناهدة : كل مشهد البحر .. الممثل يلثم عشيقته قُبلات . وما علاقتك أنت بأفلام بقية
المخرجين ؟! ( بامتعاض ) ليقل لنا الفيلم إباحي ، بل هو يريد تحويله إلى ذلك ..
أنا رفضت ، ونكتفي بالحوار . وليحدث الطوفان . حتى بعض الكلمات سوقية يقشعر
البدن حين لفظها .. أراه يخاطبني بقوله ( ديموزيل ) ؟! فعلاً كما قال الأستاذ المساعد
دماثة الكَلِم ..(تهمس ) هو أضاف ذلك .
ثامر : إلى هذا الدرك وصلنا ..أنا لن أقبل حتى بالقُبلة الخاطفة . ( يلتفت بهجت
جهتهما )
بهجت : كلاكيت . جاهز . ( يتحضران للمشهد ويتقدم مساعد الكاميرا يحمل لوحة
الكلاكيت ويردد )
المساعد : المشهد العاشر الكاميرا ١.. أكشن . ( يبدأ التصوير .. ناهدة وثامر يقفان
وجهاً لوجه ممسكاً بيدها ويلقي لها بيت شعر .. )
ثامر : ثم قالوا تُحبُّها قلت بهراً عَدَد النَجم والحصَى والترابِ
قاله الشاعر عمر بن أبي ربيعة .. هو من أرق شعراء عصره، ولم يكن في قريش
أشعر منه ، ويعد من زعماء فن الغزل في زمانه ..
( يصمتان .. فيصرخ بهجت ويتقدم جهتهما وبنزق )
بهجت : ستوب .. أين النظرات والتأثر ببيت الشعر ..هنا تم التوافق على قُبلة خاطفة
أستاذة ناهدة .أين تعابير الوجه وملاح تؤكد الشوق ولحظة اللقاء . ياجماعة سنخسر
بعضنا ، ونخسر سمعة الشركة . وأنا سأضيع في تللك الزحمة ، وهل سنقضي كل
وقتنا هكذا ! أستاذة أنتِ وافقتي على القبلة الخاطفة .
ثامر : ( بلا اشتهاء ) لو حذفت كل القُبل ماذا يعني ؟! . دعونا نعمل وفق النسخة
الأصلية . نشطب كل هذا القرف من النص ، ولنخجل .
بهجت : كأنكما تريدان أن ترفضا العمل . هل تعلمان أن قصة الفيلم ، من أروع
ما كتبه الكاتب " يوسف عزالدين " لقد سمح لنا الكاتب بالتصرف . فما سبب رفض
القُبلة ؟!.
ناهد ة : يا أستاذ بهجت . لا يعني أن تتصرف بالجزء الذي ترغبه أنت .. كل مشهد
فيه قبلات عميقة مرفوضة . ولا علم لدي إن كان الأستاذ ثامر يوافق على ذلك.
ثامر : أستاذ . وفق كلام الزميلة ناهدة . حشرت بعض الإضافات من قبلك ، وكادركم
الكريم على إطلاع ، وأقصد متفق عليه .. لايمكن أن تكون تلك المشاهد الساخنة ، قد
كتبت . إن كان العمل بهذه السوية ، أقف بجانب الزميلة .
المصور : أنت على علم ودراية ، أن المخرج هو المسؤول وهو الأول والأخير .
أرجوك لا تحشرني بهذا الخلاف . بالعربي الفصيح ، أنا خلف الكاميرا وتحت تصرف
المخرج .
المساعد : تستطيع القول ، ردي هو صورة طبق الأصل عن زميلي المصور ( يدفع
بصوته جهة البوفية ) قهوة أخي فواز .
ناهدة : ممكن أستاذ تصوير المشاهد الباقية ، ومن ثم نتحاور حول المشاهد الساخنة
بهجت : ليكن ذلك . ( يأتي فواز بالقهوة )
فواز : أستاذ بهجت . على الباب والدة الأستاذة ناهدة ( ترتبك ناهدة وتخرج من
حقيبتها شالاً تغطي به رأسها مضطربة )
ناهدة : أمي .. ( ترتبك ولا تعد تعرف ماذا تقول ) ماذا تريد مني ؟!
بهجت : دعها تدخل .. ( يغادر فواز .. تدخل والدة ناهدة مرتدية الزي النسائي الشامي
وقد غطت وجهها بالقنوع )
الوالدة : السلام عليكم . ( يرد الجميع السلام .. تستقبلها ناهدة وتأخذ بيدها إلى زاوية
من الزوايا .. يتناول ثامر والبقية القهوة )
ناهدة : لماذا حضرتي إلى هنا يا أمي ؟!.. ممنوع .
الوالدة ( تتحدث محاولة أن يسمعها الجميع ) أريد التأكد من وضعكِ الشال على رأسك
ولا تقبلي أن يلمس يدك الممثل .. ما هو اسم الفيلم .. لقد شرحت لوالدك كل شيء
عن الفيلم ، وقلت له عن اسمه ( نساء محترمات جداً ) ربما ، أقول ( تختلس نظرة
للتأكد أن الجميع ينظرون ويستمعون ) ربما يحضر ليتأكد من كلامي يا ماما .. كوني
حذرة من الكاميرا .. وضعية القعود والحركة ..
ناهدة : ( تؤكد وهي تهزلها برأسها ) حذرة ، وسأكون كذلك .. أماه . مشوار التصوير
طويل ، فلا ينشغل بالكم ، وقد نعيد بعض المشاهد .دائماً سأحضر عند صلاة المغرب
الوالدة : لا تنسي وقت الصلاة . ولاتنسي أن تعطي عامل البوفيه حصته مما سيرزقك
الله . حضرت لك ثيابك الطويلة وهي جاهزة .. دافعي عن المرأة المظلومة ، وارفعي
صوتك عالياً ضد الرجل الذي يقمع المرأة .
ناهدة : ( تربت على كتف والدتها ) لا ينشغل بالكم .. كل الأمور جيدة ( تعودان
صوب الكادر . تبتسم ناهدة وتشير جهة والدتها ، و تمضي في تعريفها بالحضور )
السيدة الطيبة والحنونة . ماما . مدرسة التربية الدينية في ثانوية الأمل . أمي . الأستاذ
بهجت مخرج الفيلم ..مساعد الكاميرا ، والأستاذ المصور الرائع وأخيراً زميلي الممثل
ثامر الحسواني . ( يرحبان بها )
الوالدة : وفقكم الله لما فيه خير لهذا الوطن ..لقد أحضرت ناهدة مفتاح الباب الخارجي
للبيت ، وأنا أضعت المفتاح الخاص بي .. شكراً لكم جميعاً ( تغادر الوالدة البلاتو
برفقة ناهد لغاية الباب الرئيس وتعود وهي تتنهد وترفع الشال عن رأسها )
ناهد : لا علم لي بحضورها .
بهجت : فعلاً أم فاضلة .
المصور : لا تزال محافظة على الزي الشعبي .
المساعد : ( مندهشاً ) كيف قبلت على أن تعملي في السينما هذه الأم المحافظة؟!
ناهدة : لقد كذبت على عائلتي ..( تنظر إلى بهجت ) عندما التقيت الأستاذ بهجت
صدفة في ( سنترمول ) لحق بي ، وقال لي : أنت الممثلة التي أبحث عنها لفيلمي
الجديد.. وجهك تقبله الكاميرا .. وتم الاتفاق بيننا ، وخوفاً من أهلي ، كذبت وقلت لهم
الفيلم يتحدث عن المرأة .
بهجت : لهذا ترفضين القُبل .. ممكن أن نقول ( ستاند باي) ( التأهب )
المشهد الثاني
في مكان .. ناهدة وثامر يتبادلان الحديث وكل منهما أمامه كأس عصير
ثامر : وعدني والدي أن يسجل بيت الروضة باسمي ويفرشه ، لكن أمي طلبت
التريث .
ناهدة : حتى لا تحدث مشاكل مع بقية أفراد الأسرة .
ثامر : حبيبتي ناهد . ليس عندي أخوة ولا أخوات . أنا وحيد .. ( يتدخل بهجت ويقف التصوير )
بهجت : ستوب .. ثامر . في السيناريو، يمد يده ويداعبها بلطف ، ويحاول أن يشدها
جهة فمه ليقبلها بشوق ، وهل هنا إثارة ( ممتعضاً ) أين القُبلة العميقة ، أين الإباحة
هنا .. أعتقد أننا لن نتفق .. كفاية مناكفة على حساب العمل .
ثامر : أستاذ . علينا أن نعلق الحديث الخاص بموضوع المشاهد المُختلف عليها .
بهجت : لنا ساعات ونحن نتجادل ، هذا مرفوض وهذا يُعدل . والله مذ تخرجت من
المعهد ، لم يعترض أعمالي مناكفة بمثل ما يحدث الآن .. ياجماعة والله عيب !
ناهدة : موقفي كان معك لا لبس فيه ، أي مشهد يتعلق بتفاهات الأفلام الغربية وبعض
العربية . خاصة الأفلام التجارية والمدسوسة بسم تحرر السينما من القيود العفنة
.. نعم هكذا يتمنطق بعض رجالات السينما ، وبعض الممثلات اللائي تتنازل من أجل
المال ، وتبرر أنها تريد أن تعيش .
يعتري الكادر الصمت والتململ.. يأتي فواز ويمسح المكان بنظرة استغراب
فواز : جهزت الشاي الخمير .
بهجت : ( بلا اشتهاء ) قدمه لمن يرغب .. فركش ..
المصور : هل لنا مغادرة البلاتو أستاذ بهجت ، لقد حان موعدي لمتابعة تصوير فيلم
المخرج شعلان ..( حمامات باردة جداً )
بهجت : تفضلا .. غداً نلتقي .
ناهدة : ( تضع الشال على رأسها وترتب حقيبتها وتعلقها بكتفها وتخاطب المصور
والمساعد ) هل لي بمرافقتكما ، ولغاية دوار السبع بحرات ( تبتسم ) طبعاً لن أدفع
لكم الأجر
( يغادر المصور والمساعد وناهدة ) .
بهجت : ( ينادي على فواز يلتفت جهة ثامر ) هات الشاي سيد فواز .. المشكلة لم
يعد بالإمكان التفريط بناهدة ..( يخاطب ثامر) ثامر. وجهها سينمائي ، حتى صوتها
وشخصيتها . نعم . لقد تم التصرف من قبلي لبعض المشاهد ، وغايتي تسويق الفيلم
وزيادة الربح .. لم يخطر لي بأنها ستعترض ، ربما طمعاً بأجرها التي ستتقاضاه من
الفيلم . ( يقدم فواز لهما الشاي وبتردد )
فواز : أستاذ بهجت . ما بكم !
بهجت : والله إن وافقت . لك مني هدية تُرضي به أسرتك .. قل ياالله .
فواز : ( يشعل دخينة ) لم أفهم .
بهجت ( يتنهد ويزفر بحرقة ) ستفهم قريباً .. ( يغادر فواز )
ثامر : ربما هي وافقت حباً لعالم السينما ، ومن حقها أن تعترض على بعض المشاهد.
وهي من عائلة محافظة ، وتوضح ذلك من خلال والدتها .
بهجت : عرفت ذلك مثلما قلت . ولكن لماذا لم توافق عندما عرضت عليها التمثيل؟!
ثامر : لو أنك تعطيها فسحة من التفكير .
بهجت : لن توافق . تَدخل أستاذ ثامر . هي لا تحمل موبايل ، ولم تقيد رقم هاتفها
الأرضي . أقسم لك لم نعرف أين تسكن . ( يسقط وجهه بين كفيه ويدمدم ) متعب
يا فواز .. متعب ..
ثامر : سأتحدث معها أستاذ .. هي قارئة جيدة ، وتمتلك الإحساس المرهف .
بهجت : حاول ثامر ..( يقف ثامر على طوله )
ثامر : وأنت ، ألا تريد الذهاب .
بهجت : ( يضحك بعمق ) حتى أنت يا ثامر ( يشاركه ثامرالضحك ) أنا هنا أبحث
عن الحل .. غداً نلتقي .
ثامر : تصبح على كومة من الحلول الجميلة ( يغادر ثامر.. بهجت وحيدأً وهو يقول في نفسه )
صوته : هل يعقل كل هذا الذي حدث معك سيد بهجت ! أنثى حيرتك ، ليت تلك
الصدفة لم تحدث حتى لا نتقابل . كان عليك أن تعفو نفسك من هذا الفيلم . ولماذا كل
هذا الركض من أجل حفنة من الليرات ؟! .. لا حفنة من الدولارات ، وأكثر ، وإلا
لماذا أنت مصر على اللقطات الجنسية .. يارجل . والدتها امرأة محافظة ، ووالدها..
ثم هي مثقفة . تصور ذكرت اسم الفيلم الأجنبي ولفظت اسمه ، لفظت الحروف بشكل
صحيح .عليك معرفة من هي ناهدة سعيد ..( يتذكر. فينادي فواز.. يأتي مسرعاً )
فواز : نعم .
بهجت : أنا متعب وعليَّ أن أنام .. أنام يا فواز . اغلقوا البلاتو . ( وقبل مغادرته
يلتفت جهة الكاميرا ويغادر ويشير بيده متوعداً )
فواز : حدثت بينهم مناكفة .. ( يتذكر ) المرأة . والدة ناهدة ..! أقول .. كيف سمحت
( يتردد ) .. لا علاقة لك . اسكت .. يذوب الثلج ويظهر المرج ..
المشهد الثاني
داخل البلاتو.. ذات الكادر وبحضور ناهدة وثامر ، ويكون المساعد قد جهز لوحة
الكلاكيت .. ويكتب رقم المشهد والمصور خلف الكاميرا ..دون نداء المساعد . يكتفي
بالطق ويقول أكشن.. ( ناهدة وثامر يأخذان مكانهما وهما في مقهى )
ناهدة : تناثرت أمة الناس في أصقاع العالم . حتى الطيور لم تعد تغرد . الحرائق
أكلت مواسمنا . والأخوة أعداء داخل البيوتات ، ومن أجل المال فقد البعض بقايا
شرفه ، والبعض الآخر صمد وتحمل العوز و.. ( يقاطعها ثامر متأثراً )
ثامر : ويقولون : هذه حرب نظيفة وتلك حرب قذرة .. كلمة حرب لوحدها مرعبة
منذ ولادتي أعرف أن الحرب دمار .. ( تبدو على وجه بهجت ملامح الفرح )
ناهدة : والذي هزني مقتل الأطفال والنساء داخل الملاجئ .. القتل بالجملة ، وبكل
وحشية .. رأى الشاعر حمزاتوف وردة ضعيفة الساق قد نبتت وسط صخرة
عملاقة ، علينا أن نكون هكذا .. نكون أو لا نكون ( يصرخ بهجت )
بهجت : ستوب .. قطارة الدموع بسرعة .
ناهدة : ( تشير بيدها رافضة ) سأجهش باكية .. ( تجهش باكية وتسقط رأسها على
الطاولة .. فيصفق لها الكادر بحرارة ، حتى يحضر فواز ليصفق معهم بفرح )
المصور : مشهد رائع .. لقد أخذت لوجهك ( كلوز أب ) سترونها .( مستغرباً ) كأني
أمام فاتن حمامة ، أو ماجدة .
ثامر : كانت بالنسبة لي هي الأقرب لي منكم . بلا مجاملة ، رأيت وجهها قد تكلم
أكثر من الحوار والله .
المصور : والكاميرا ستؤكد ذلك . صدقت أخي ثامر .
بهجت : قدم لنا القهوة أخ فواز احتفالاً بأجمل مشهد ( يغادر فواز )
ناهدة : ( تشعل دخينتها وتخاطب بهجت مذكرة ) نعم . حكاية الفيلم أو لنقل قصته
تتحدث عن الحب والحرب ، وليس القُبل المخلة بالآداب العامة . لا توافق بين ما
يطرحه الكاتب والحشو الذي رغِبت دسه أستاذنا .
( يأتي فواز على عجالة . يضع القهوة ويعلم بهجت )
فواز : ( مضطرب بعض الشيء ) والد الأستاذة ناهدة عندي ويريد الإذن بالدخول .
ناهدة : ( فزعة ومضطربة وتسرع بإخراج شالها ووضعه على رأسها ) والدي هنا
وماذا يريد ..؟! . ( يضطرب الكادر ويسكن المكان صمت مطبق )
بهجت : أدخله ولا تتركه ينتظر طويلاً.. ( يغادر فواز مسرعاً ، ثم يدخل والد ناهدة
رجل تبدو عليه الهيبة والوقار .. يضع على رأسة طاقية بيضاء وهي التي توضع من
قبل بعض الرجال خاصة وقت الصلاة . وثوبه أبيض اللون وبيده سبحة طويلة وقد
أرخى لحيته .. تسرع ناهدة صوبه وتقبل يده ..يلقي على الحضور التحية، فتجلسه
ناهدة بجانبها .. يمسح المكان بنظرات سريعة ، ثم يتنحنح )
الوالد : ماشاء الله وبارك . هذا هو الاستديو ! كل الفيلم يصور هنا .. وفقكم الله.
الحقيقة حدثتني والدة ناهدة عن مقولة فيلمكم ، شيء رائع .. كيف ترى ناهدة أستاذ؟
بهجت : والله يا والدي كانت مفاجئة . لديها معرفة وإطلاع ، ونعم التربية .
الوالد : الحمد لله .
المساعد : ( يخاطب فواز ) قهوة العم فواز .
ناهدة : لم أتوقع حضورك .. راجعت طبيبك ؟
الوالد : عاودته لتوي ، ويصر على إجراء العمل الجراحي ( يتنهد ) على الله
( يحضر فواز القهوة )
فواز : شرفتنا . تبارك الله ..عائلة ترفع لها القبعة .
ناهدة : لقد تعبت معنا أخي فواز ( تضحك ) لقد أوصتني بك الوالدة ( يضحك الكادر)
الوالد : ناهدة وحيدة ، وبصراحة ، نخاف عليها من الهواء ( يرتشف القليل من القهوة
ويقف على طوله ) لديكم الشغل الكثير . هل تسمح أن ترافقني ناهدة . للمرة هذه ولن
تتكرر ثانية .
بهجت : أنت تأمرنا جميعاً.. تفضلي أستاذة ناهدة .. وفق برنامجنا ( يودع الكادر
الوالد وناهدة لغاية مدخل البلاتو )
المساعد : ( مستفسراً وباستغراب ) ما مرعلينا مثل هذا يا شباب . أنا لا أطعن بهذه
العائلة ، ولكن ملاحقة ابنتهم والخوف عليها . ما رأت عيني وما سمعت أذني .
بهجت : ( يتنهد ثم يضحك ) من داخل غرفته صرخ الولد .. أبي أمسكت حرامي
قال الأب اتركه . قال الولد هو لا يتركني .. ( يرتب المصور والمساعد الأشياء
الخاصة بعملهما وقبل أن يغادران ) غداً عند شروق الشمس . سلامات ..( يلتفت
نحو ثامر) خليك هنا .. هات الشاي الخمير الأسود يا أبا الفوز . سيكون حديثنا سري
للغاية .هل لك أن تخبرني عن ناهدة من الألف إلى الياء .
ثامر : وهل تظن أنني التقيها خارج البلاتو أستاذ بهجت . أبداً. أنا لا أعرفها ،
أعرف أن لد يها حب الاطلاع. وليس لدي أدنى معلومة ، هي من أين ، أو من أي
ملة . أبداً ( يقف بهجت وهو يتفحص الكاميرا ، ويلتف حولها )
بهجت : لقد سكنت دماغي كدودة ملونة ، هذه الكاميرا تعطيك الصورة الملونة سيد
ثامر .. عائلة مُحافِظة ، كيف سمحت لهذه الناقة الجميلة أن تعمل ممثلة . هل سمعت
والدتها ماذا أوصتها . الصلاة . ورب الكعبة سأفقد عقلي .. ثامر . آه لو أنها توافق
على أن أتصرف كمخرج لديه أحلام وطموحات . ناهدة حرمت الكاميرا من تصوير
مشاهد فيها كل الجرأة والتحدي .
ثامر : ( يأتي جهة وقوف بهجت ) هي وفق ما فهمت ، النص يحكي عن الحب
والحرب بين رجل وامرأة ، ولا تريد مشاهد جنسية تثير الغرائز . ناهدة ضد رؤيتك
وترفضها لو أنها تترك هذا البلاتو وتغادر .. لاتريد هذه الكاميرا أن تبرزها للجمهور
على أنها شاذة وتلوكها الألسن .
بهجت : أريد حلاً أخ ثامر . ساعدني أرجوك .
ثامر : القصة جميلة وأريد للمشاهد أن يعيش حرارة الحب الجامح ونار الحرب
المدمرة . فيصفق للحب ويتف على تجار الحرب . لم تفهمني .. ( يضرب الكاميرا
بنزق ) ناهدة .. ( يحضر فواز الشاي ) أين كنت يارجل . لقد يبست لهاتي !
فواز : خشيت أن أُدخل الشاي وأنتما تتحدثان .
بهجت : لا . أنت منا وفينا . هل عرفت من أي بلد الآنسة ناهدة ؟
فواز: لا .( يفكر ) إن لم يكذبني الله . ليست حضرية .
ثامر : ( يضحك ) يقول لك الأستاذ ، من أي مدينة حتى ولم تكن حضرية .
فواز : ( متردداً ) دعوني أفكر داخل البوفية ( يغادر وهويدمدم ) ليست حضرية
بالمطلق ليست .
المشهد الثالث
في كافيتريا بهجت وناهدة.. جلسة يشوبها العتب
ناهدة : رأيت بأم عينك ، كيف نحن نحيا حياتنا . لقد زارني أبي ووثق مني وما قلته
عن الفيلم .. لقد كذبت عليه من أن الفيلم لن يعرض في صالاتنا حتي ينتهي عرضه
في بعض الدول ، وهذا قد يستغرق سنوات . أنت دعوتني إلى هنا فماذا تريد قوله لي؟!
بهجت : رأيت وسمعت ، ولكنكِ تدخلتِ برؤيتي الإخراجية .. طلبتي التخفيف من
مشاهد قلتي أنها لا تليق بكِ . سأعرض عليكِ ، ولاتعتبري ذلك رشوة من أجل أن
تتنازلي عن صهوة حصانك ( يضع حقيبته على الطاولة ويمسح المكان بنظرة سريعة
ويطلب منها أن تفتح حقيبتها .. يخرج رزمة نقود ويدسها في حقيبتها ) أغلقي حقيبتكِ
هذا المبلغ لكِ .. أربعة آلاف دولار .
ناهدة : المقابل ؟!
بهجت : الموافقة على عدم الاعتراض على المشاهد التي لن تكون ساخنة أو السباحة
(بالمايو) ، أو دخول الكاميرا غرفة النوم . والألبسة النصف فاضحة ( يضحك ) وفق
نسخة الفيلم الأصلية . ولن يتم التصوير إلا بعد مناقشته وإعطاء موافقتكِ .
ناهدة : موافقة ، وبالحد الذي أقبله .
بهجت : والأسرة الكريمة ؟
ناهدة : لا عليك منهم .
بهجت : ممكن تخرجي العقد .
ناهدة : ( تفتح الحقيبة وتخرج عقد العمل ) تفضل .
بهجت : العقد شريعة المتعاقدين ، وليس الشك والريبة .
ناهدة : ليتوافق الحب مع الحرب .. كان عنترة بن شداد مقدمة للحب والحرب .
بهجت : سأفعل ذلك ، وربما سنحلق عالياً . سنعيد تصوير المشاهد التي رفضتي أن تكون ساخنة .
ناهدة : لنلغي ذكر تلك المصطلحات أستاذ بهجت ، لأنها تهزني من الداخل .
بهجت : لنقلب الصفحة القديمة ، بيضاء . خلاص . طلقنا المشاحنات.. سوف ترين
النجاح ، سأظهر قوة الحب و ضعف الحرب أمامه .. شكراً ناهدة على تللك الموافقة
الجريئة. ظلام ..
المشهد الرابع
داخل البلاتو .. الكادر بالكامل .. في زاوية يسلط الضوء على ناهدة ووالدها
ووالدتها وبيد والدها كيساً أسود اللون وهم يضحكون طخطخة .. ينزع الثلاثة كل
الإكسسوارات – شعر ناهدة المستعار ورموشها..الخ ، ويعودوا حيث وقوف الكادر..
يسلم الأب الكيس لفواز والجميع تغمرهم الفرحة ..
بهجت : مبارك النجاح .. ( يتقدم كل من شارك بالعمل جهة الجمهور )
قدمنا نصاً تأليف وإخراج جماعي وهو مشروع تخرج طلاب السنة الرابعة في
المعهد العالي للفنون المسرحية .. لن نشرح أكثرحتى لانكرر . قد يحدث هذا في
زمن الحرب .. ( كل من يتحدث مع الجمهور يعرف بنفسه الشخصي .. الاسم الحقيقي
الذي مثل الدور المسند له ، ثم يتراجع )
ناهدة : وحدث أكثر من ذلك . نسيت أن أقول لكم . البطاقة الشخصية ليست لي .هي
بطاقة على أساس عثرت عليها داخل باص النقل الداخلي .
المصور : فقد الوطن شهداء كثر.. صحفيون ومُصوَّرونَ و مُذِيعَاتٌ .. الصور
موثقة.لا يمكن قبول أعمال تخدش الحس وخاصة في مثل هذا الوقت العصيب .
المساعد : ممكن أن تؤخذ الفيديوهات ويطبق عليها الكلاكيت متى نريد . فهذا تاريخ
الوالد : أرا د البعض أن تكون حرباً شاملة .
الوالدة : كذبت حتى في لباسي ، الذي لايزال عنوان العفة والشرف والأخلاق.
فواز : دوري .. ( واحد قهوة واحد شاي )
ستار
بسام الحافظ : قاص وكاتب مسرحي . مواليد الرقة ١٩٥٢ مقيم في دمشق
موبايل ٠٩٦٩٥١٢١٨٠ كتب للمسرح ( محطات ضائعة ) ١٩٧٣ ( ثلاثية الدم )
١٩٧٧( النملة ) ١٩٧٧ ( طيور أتعبها الارتحال ) ٢٠٢١ نشرت في مجلة الحياة المسرحية السورية .. مقالات ( كواليس ) عن المسرح في الرقة . ( إعداد الممثل )
نشرت في مجلة الحياة المسرحية الفصلية السورية ٢٠٢٢- ٢٠٢٣
أخرج للمسرح :
الأرنب الذئبي تأليف ( أيمن أبو شعر ) عريس لبنت السلطان تأليف ( عبد الرحمن محفوظ ) العنب الحامض تأليف جولهيرم فيجو يردو ( المفتاح ) تأليف يوسف العاني فوق هذا المستطيل وقع حادث تأليف (محمد أبو معتوق )
0 التعليقات:
إرسال تعليق