أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 11 أغسطس 2024

ياراجويا.. صراع التعلل والإنتقال المونودرامي

مجلة الفنون المسرحية


ياراجويا.. صراع التعلل والإنتقال المونودرامي

*د. هايل علي المذابي


 تطالعنا تيمة المرآة كأول شيء نجده في مونودراما "يارا جويا" للكاتب المسرحي عادل البطوسي، والمرآة رمز يحيل إلى إنقسام الوعي على ذاته إلى نصفين ويتسع أكثر من خلال المشهد التي تطالعنا به المسرحية المونودرامية إلى أكثر من ذلك فنجد يارا من خلال هذا الحديث مع المرآة تؤكد فكرة الثنائية الجنسية للإنسان ومبدأي التعلل والإنتقال ومؤداها بحسب عالم النفس النرويجي "كارل يونج" أن هناك رجل داخل كل أنثى وأنثى داخل كل رجل وهو ذاته قول درويش الذي سطرنا به القراءة "أنا وأنا الأنثوية" فتصبح الأنيما التي تسكن الرجل والأنيموس التي تسكن المرأة وإشباعهما هما ما يحققان للإنسان التوازن في نفسه وفي واقعه وعليه فإن الصراع بحسب المسرحية وبحسب يونج بين الرجل والمرأة هو صراع عقيم لايولِّد إلا المزيد من التردي والنكوص في المجتمعات كفكرة عامة تؤكدها المسرحية في بنائها وسياقها العام، وهذا يؤكد لنا علة تسمية الكاتب البطوسي لمسرحيته ووصفه لها بالمونودراما المزدوجة، بمعنى أن بنائها كما يبدو لي - على الأقل - بوعي وبدون وعي كان على هذا الأساس وبناءً على مبدأي التعلل والإنتقال بين شخصية يارا وجويا اللذين كما يظهر في نهاية المسرحية ليسا سوى شخص واحد هو "جويا" الذي تسكنه الأنثى لكن توظيف هذه النظريات في المسرحية كان بطريقة ما بعد حداثية. الأمر ذاته تطرقت إليه الناقدة القديرة والأستاذة الجامعية لارا حتّي وأوردته في بعض صفحات المسرحية المونودرامية بطريقة ممهدة وهو أن تعدد الموضوعات في مسرحية البطوسي سمة من سمات المونودراما الحداثية وما بعدها، ولا بأس أن نتفق على رأي الناقدة حّتي وهي المتخصصة في شئون دراما ومونودراما ما بعد الحداثة، للإنتقال من ثمّ إلى أمور أخرى تهتم بموضوعية المسرحية بعيدا عن بنائها والمدرسة التي ينتمي إليها، فنجد في موضع آخر أن البطوسي يجسد مأساة هاملت رائعة شكسبير في شخصية جويا كإمتداد للمأساة في مسرحية " هاملت " لشكسبير، مثلما فعل ذلك الكاتب المسرحي الكبير علي أحمد باكثير في مسرحيته "شايلوك الجديد" فكانت إمتدادا لمسرحية شكسبير "تاجر البندقية" وإظهارا وقولا لما لم يقال حينها أو يظهر في زمن شكسبير وعلى لسانه، والبطوسي يفعل ذلك فتتضح لنا من قسمات الأمر ما خفي عن شكسبير مثلا في رائعته مأساة هاملت كأن هاملت مثلا كان يعاني حقا من عقدة أوديب أو كما تظهر مسرحية البطوسي عن جويا على الأقل وهذه إمتدادات مشروعة في الكتابة الحداثية وما بعدها. ثم نجد تيمة أخرى يتكشف من خلالها نوعية الصراع الدائر في المسرحية وكذلك البناء العام لمجمل المونودراما "يارا جويا" وهي تيمة التمثال الذي يصنعه جويا وهذا إستعارة لهيكل أسطوري واضحة تستحضر لنا أسطورة بجماليون الذي صنع تمثالا ثم عشقه فكان ذلك التمثال الذي صنعه جويا ليارا أولا ثم عشقه تأكيدا لهذه العقدة عقدة "بجماليون" وقد تناولها الكثير من الكتاب المسرحيين العالميين ولكن استعارتها في المونودراما "يارا جويا" من قبل البطوسي كان بطريقة حداثية شأنها في ذلك شأن باقي إستعاراته ...
وختاما أقول أن مسرحية البطوسي المونودرامية " يارا جويا " إن لم تكن قد حققت ريادة في إزدواجيتها كما يقول عنها كاتبها فإنها قد حققت بالفعل قفزة كبيرة في فن كتابة المونودراما مابعد الحداثية، واستطاع البطوسي أن يجد لنفسه بهذه المسرحية مكانا سامقا وراقيا يضعه في مصاف أهم ما وصلت إليه المونودراما في العالم بعصريها الحديث والقديم ...

*مسرحي من اليمن
وعضو مجلس أمناء الهيئة العربية للمسرح بالشارقة / الإمارات

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption