أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات الموسيقى في المسرح. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الموسيقى في المسرح. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

فن الرقص والباليه

مجلة الفنون المسرحية


فن الرقص والباليه

سعاد خليل – ليبيا

يقول الناقد فرانكلين ستيفنز: “كلنا راقصون، نحن نستخدم الحركة للتعبير عن أنفسنا، عن جوعنا، عن الأمن، عن غضبنا، عن أفراحنا، عن اضطراباتنا، وعن مخاوفنا، قبل استخدامنا للكلمات بكثير؛ ونحن كذلك نفهم معني الحركات قبل ان نفسهم معاني الكلمات بكثير”.

فن الرقص هو أكثر الفنون انتشارًا خصوصًا في أمريكا حاليًا، ومن أكثر الفنون فيها بحثًا وتنوعًا وتجريبًا.

ما هو الرقص؟ وكيف بدأ وكيف تطور؟

الرقص هو أقدم الفنون، فعمره التقريبي يبلغ 25000 سنة. النقوش الفرعونية القديمة تصور راقصين وراقصات، وتذكر التوراة كيف رقص داوود أمام الرب، كما يخبرنا هوميروس عن الرقص عند الاغريق، في “الالياذة” و”الاوديسة”، والأهم من كل هذا هو أن نعلم بأن الرقص كان آنذاك.

وظل لعصور طويلة حاجة اجتماعية يشارك فيها الناس، وكان في مناسبات كثيرة احتفالًا طقوسيًا يعبر عن الأفراح والأتراح. في بداية البداية، أي في المجتمع القبلي، ارتبط الرقص بساحر القبيلة والطقوس التي كان الناس يؤدونها لوصف الصيد أو الحصاد أو الحرب أو الزواج… ألخ. كما ارتبط احيانًا بالسحر والأديان الوثنية. إن راقصي قبائل (الفودو) في هاييتي وراقصي سهول شمال أمريكا، وراقصي الزولو، في جنوب أفريقيا، هم المؤسسون الأوائل لفن الرقص، ويبدو أن تأثيرهم عاد اليوم إلى خارطة الرقص الحديث في أمريكا وأوروبا. ورقصهم كما ذكرنا كان جزءًا من النشاط الاجتماعي، وأساسًا في احتفالات الولادة والزواج والموت. وهذا يشمل جميع الديانات والمجتمعات القديمة، حتى الهندوسية.

إذًا الرقص يعتبر شكلًا من أشكال الفن، فيستطيع أن يعبر عن جميع العواطف الإنسانية حب، كره، ألم، سعادة.. إلخ.. ويستطيع أن يعبر عن شعورنا بالحياة. كما نوهت أن الانسان القديم عرف الرقص للتعبير عن كينونته وقيمه وانفعالاته المختلفة، فقام بنقلها للمشاهد من خلال الحركات البدنية المنظمة وتنوعها كوسيلة نقل، ومن ثم أمكنه التعبير والايحاء عن جميع المشاعر والايماءات. وقد ظهرت عدة ألوان من الرقص تختلف وتتباين حسب الثقافات، ومراحل التطور التي تسود البلاد، خلال فترات ظهور وانتشار كل من تلك الرقصات؛ حيث يوضح هذا الاختلاف والتباين مدى تأثير الأفكار والتقاليد والقوميات على تنوع ألوانها، وقدرته الواسعة في انتاج أشكال كثيرة تعكس الإحساس بالحياة. هذه الاشكال والانواع لا يمكن أن تتشابه عند الشعوب باختلافاتها الواضحة؛ فهناك الرقص الشعبي والرقص النقري ورقص الجاز ورقص الباليه الكلاسيك،.. إلخ. كل نوع من هذه الرقصات له ما يميزه من العناصر الحركية التي تثير عدة عواطف مختلفة في وجدان المشاهدين عن مثيلاتها من العناصر الحركية للرقصات الأخرى لديهم.

وفي قراءة للكاتب رياض عصمت في كتاب شيطان المسرح وهو يسلط الضوء على عدة تجارب ومعلومات وانطباعات عن المسرح وضمنها الرقص، يؤكد أنه بعد انتشار المسيحية في أوروبا بفترة قصيرة انفصل الرقص عن الدين؛ ففي القرن الثالث عشر تحديدًا وقفت الكنيسة التي سبق أن رحبت بالرقص في البداية كجزء من طقوسها موقفًا معاديًا منه، واعتبرته إلحادًا، وهكذا بقيت رقصات المرحلة السابقة، ولكن بعد أن فرغت من مغزاها الديني.

وما لبث الرقص أن انتقل إلى مرحلة جديدة عندما دخل البلاط الملكي، خصوصًا في فرنسا وإيطاليا، وتميزت رقصات تلك الآونة بالثياب الثقيلة الفاخرة، والإقلال من قوة الحركات، وامتزجت الرقصات بالدراما بحيث عالجت مواضيع الحب واللياقة في القصور. لقد كانت مرحلة انعزال الرقص عن الجماهير الواسعة، وميله ليكون ترفًا خالصًا، ولكن هذا ساعد من جهة أخرى طبقة الحكام على الاهتمام الجدي بالفن الصاعد، ومنحه مباركتها الرسمية. فمع القرن السادس عشر، تغيرت شعبية الرقص وازداد انتشارًا في صفوف الطبقة المتنعمة.

   تعود النشأة الأولى لفن الباليه إلى إيطاليا، وخاصة في عصر النهضة، كما أطلق عليه في القرن الرابع عشر والخامس عشر، وقد ظهر  الباليه في تلك الفترة عن طريق حفلات البلاط وتنافس الملوك والأمراء في مجال الفن، ولما كان الرقص عنصرًا أساسيًا في تلك الحفلات ظهر نوع من الرقص سُميّ فيما بعد بفن الباليه، وهي كلمة إيطالية مشتقة من بلاري أي رقص على الرغم من أنه في تلك المرحلة لم يكن التكنيك هو الأساس الذي يقوم عليه الرقص، بل كانت النواحي الجمالية في الخطوات والتشكيلات الجماعية، ولم تكن الموهبة الفنية تعني شيئًا في ذلك الوقت، ويمكن أن نرجع ذلك إلى صعوبة التحرك بحرية كبيرة مع ارتداء الملابس الطويلة والثقيلة والإكسسوارات الكثيرة التي كانت سمة من سمات  تزيين الملوك والأمراء في تلك الحفلات، كما ذكرت اعلاه.

أسس لويس الرابع عشر عام 1661 الأكاديمية الملكية للرقص، بهدف تخريج راقصين محترفين، وهنا يذكر التاريخ الفني موهبتين رائدتين هما: (جان باتسيت لولي)، و(بيير بوشامب)، ولكن أقصى نجاح للرقص حققه، ليس مصممو الرقصات فقط، بل راقصون وراقصات مبدعون. على سبيل الذكر، كانت (ماري تاغليوني) أولى هذه الأسماء عندما ظهرت في باريس عام 1833، وفي هذه الفترة ظهر حذاء الباليه التقليدي وملابسه، وكان باليه (جيزيل) الشهيرة أول معالم هذا الفن الجديد آنذاك. كان الاهتمام بالرقص كأحد أهم الفنون بالعالم الاوروبي والأمريكي، وبدأ هناك العديد من المصممين للرقص يظهرون لوضع اسم ومعايير الابداع كالمصمم (اوغست بونوفيل) والفرنسي (موريس بيتيبا)، فهو أول من صمم رقصات (بحيرة البجع، وكسارة البندق، والحسناء النائمة) للمسرح الإمبراطوري بسانت بطرسبرغ في روسيا.

والباليه Ballet، حسب تعريفه العام، هو شكل من أشكال الأداء المسرحي يقوم على تقنيات الرقص التعبيري ترافقه الموسيقى والإيماء والمشاهد المسرحية. من أهم خصائص الباليه الحركية، الرقص على رؤوس أصابع القدمين، إذ كانت بداياته مشاهد تؤدى في البلاط الإيطالي لتسلية الضيوف، ثم أطلقه الفرنسيون على حركات الرقص وتقنياته. وقد اكتسب رقص الباليه التقليدي تقنياته من تطبيق نظام صارم في التدريب والتجارب على مدى أربعة قرون ونيف، وجعلت الجسد يتحرك فيها بأكبر قدر ممكن من المرونة والسرعة والسيطرة والرشاقة.

لقد تطور الرقص من الطقسي إلى الباليه، وهكذا أفسح المجال أمام حركات التجديد العصرية للرقص في الظهور. وكذلك الاشتهار، وعلى سبيل الذكر كانت الراقصة الامريكية (ايزادورا دانكان) من أوائل المجددات، بحركاتها البعيدة عن الباليه التقليدي، وملابسها الفضفاضة، والموسيقا المرافقة التي توحي باستحالة الرقص على أنغامها، وتركت أثرًا حتى على جمهور وفناني روسيا عندما رقصت هناك عام 1905، بعدها ظهرت راقصة أخرى هي (روث سانت دنييس) في نفس فترتها.

وقبل أن يصل هذا النوع من الفنون إلى أمريكا، انتقل إلى فرنسا عن طريق الملك فرانسوا الأول الذي كانت علاقته وثيقة مع معظم شخصيات عصر النهضة، حيث كان يؤمن بالأفكار الفنية والنواحي الجمالية، فعمل على إقامة الكثير من هذه الحفلات الفنية الراقصة، حتى جاء ولي العهد هنري الثاني وتزوج من (كاترين دي ميدتشي) التي يرجع لها الفضل في نشأة الباليه في فرنسا التي جاءت به من موطنها إيطاليا. وقد رعت عام 1581 عرضًا للباليه كلّف حوالي ثلاثة ملايين فرنك، وكان الراقصون من النبلاء والنبيلات. هذا النوع من الرقص سمي الباليه.

نعود إلى ما جاء في كتاب الاستاذ رياض عصمت من أن (ميشيل فوكين) وهو مصمم روسي ويعتبر من أبرز المجددين أصدر بيانا عام 1914 دعا فيه إلى مفهوم جديد للبالية والرقص، واحتج على أسلوب (بيتيبا) السابق المتسم بالكلاسيكية والقواعد الصارمة الثابتة أبدًا، مطالبًا بأن تتبع الخطوات والشخصية من الموقف الدرامي نفسه ومن عنصر الرقصة، وهذا ما جعل فوكين الذي لم يهجر أصول الباليه وإنما اقتبسها وطورها أعظم مصمم للرقص منذ بيتيبا. لم يستمر فوكين وترك مكانه لمجددين آخرين أمثال، (ليونيد ماسين)، و(سيرد دياغهيليف) بفرقته التي ظلت – حتي موت دياغهيليف عام 1929 – مسيطرة على فن الباليه في العالم، وذلك بفضل تعاونه مع عدد من المبدعين في فنون شتي؛ كما برز راقصون بارعون مثل (نيجنسكي)، و(بافلوفا)، و(كارسافينا)، ومؤلفون موسيقيون مثل (اثغور سترافنسكي)، و(ميلي بالاكيريف).

كان الرقص الطقسي القديم على جماعيته واحتفاليته محدودًا بغرض مباشر، ومحدودًا أيضًا بالطبيعة الاجتماعية والجغرافية للقبيلة، بحيث لا تعني رقصات الزولو شيئا للهنود، ولا العكس، أما الباليه الذي تطور عبر العصور، واتخذ أشكالًا مختلفة، فهو فن الرقص الانساني الذي ينتقل بلا حدود عبر مجتمعات متباينة، يخاطبها ويرضي نزعتها للجمال، ولولا هذا لما تطور الرقص وتحرر اليوم من الباليه الكلاسيكي الذي وصل لأقصى مراتبه عند الراقصين السوفييت، نحو استكشاف آفاق جديدة.

إن فن الباليه هو الفن الارستقراطي الذي تحبه طبقة الملوك والامراء، وتجلي حبهم لهذا الفن بمشاركتهم في الأداء بما قي ذلك الملك والملكة نفسيهما، وتشهد الأكاديمية الملكية للموسيقا والرقص بباريس التي أنشأها الملك لويس الرابع عشر – كما ذكرت سابقًا – بذلك، حيث بدأت هذه المدرسة أو الاكاديمية باحتفالات البلاط الملكي الفرنسي وزاد أمدها بثلاثة عشر مدرسًا من فرنسا وإيطاليا، وذلك للعمل على إعادة تأسيس هذا الفن على مستوي عالٍ في فرنسا، واشتهرت هذه الأكاديمية بحركاتها الرشيقة، ولم تعتمد على البراعة الفنية الفائقة، وأمتد نفوذ هذه الأكاديمية إلى كل انحاء اوروبا.

عندما نتحدث عن فن الباليه ومفهوم الجمال فيه، نتبين علاقة الفن الجمالي بالباليه: فهو يعتبر عمليات التجميع الهندسي لأفراد يرقصون معًا ويصاحبهم التناسق المتنوع لعديد من الآلات والأدوات. هو فن صامت يتحرك فيه الراقص في الزمان والمكان مستندًا على الموسيقى، وتتحد فيه الروح والجسد ليعبر عن أحاسيس معينة، متصلة بفكرة معينة، وله قواعده وأسسه التي رسخت عبر القرون، وأصبحت تدرس بجميع مدارس الباليه في العالم كفن عالمي أكاديمي موحد.

إن فن الباليه يعتبر فنًا مسرحيًا لغته هي لغة راقصة تعبر عن فكرة من خلال رقص جماعي أو فردي. هو فن مركب يحتوي على الكثير من الفنون الأخرى مثل الدراما والموسيقي، والحركة والديكور إضافة إلى الازياء والاضاءة والاخراج الخ، معتمدًا على تقاليد وعناصر مقننة ومعبرة. أي هو دراما حركية تنقل إلى المشاهد عن طريق الرقص الأكاديمي أو الأداء التمثيلي الصامت، مصاحبًا بالموسيقي والعناصر التشكيلية.

باختصار هذا النوع من الفن يختص بكل عناصره التي تهدف إلى انتاج الجمال، فهو يحدد طبيعية الحكم الجمالي لدى المتذوق أو الاعجاب الذي يظهره المشاهد بالمبادئ الجمالية والثراء التكنيكي الحرفي والوسائل التعبيرية والتشكيلات الهندسية.

المراجع:

رياض عصمت، شيطان المسرح، دار طلاس للدراسات والنشر، دمشق، 1987.

راجية عاشور، تذوق فن الباليه، دار الشرق، القاهرة، 2000.

.

السبت، 25 أبريل 2020

الموسيقا لا تطرق الابواب لتساند الانسان Music does not knock on doors to support people

مجلة الفنون المسرحية

الموسيقا لا تطرق الابواب لتساند الانسان
Music does not knock on doors to support people

أنيس حمود 

العراق/ جامعة بابل/ كلية الفنون الجميلة/ قسم الفنون المسرحية
ANIES HAMOOD 
University of Babylon /Iraq
Faculty of Fine/Theater Arts Department

المقدمة.
تعد الموسيقا لغة جمالية تخاطب إحساس ووجدان جميع الشعوب رغم اختلاف
لهجاتهم وثقافاتهم، فهي فن متكامل يرتكز على عناصر هامة واساسية لإظهار شكله، وتؤدي دورًا مهماً في حياة الإنسان، فهي تسمو بالفكر وترتقي بمستوى الوعي الفني وتنمية ملكة الابتكار والابداع.
الموسيقى جزء لا يتجزأ من المجتمع في جميع أنحاء العالم تغذي الروح وترسم خريطة العواطف, في عصرنا أصبحت فيه الموسيقا سهلة المنال, نتيجة التحول إلى العصر الرقمي الذي لا يمكن إنكاره في عالم الموسيقا, وبغض النظر عن المسار الذي تسلكه الموسيقا, هناك دائما شيء واحد بقي كما هو, حتى وقتنا هذا وهو عندما يتوقف الموسيقيين عن العزف فان الموسيقا تتوقف.
حينما يبدو العالم كطفل خائف أمام فزع كبير, ظلت الموسيقا اللغة الوحيدة التي تربط بين مختلف الشعوب، تواصل دورتها ودورها، توثق الأوضاع، وتُسكن آلام المتضررين, يقف العالم لحظات صمت وحزن في الأزمات والحروب والأوبئة, أحيانا عندما تزداد الأمور قتامة، عليك أن تقاومها بضحكة كبيرة، وبينما يتسابق الباحثون والحكومات حول العالم للعثور على لقاح يكافح الفيروس, هناك بعض الدول التي تحاول تجنب الذعر بالقليل من الموسيقا, في محاولة للتغلب على هذا الخوف, وكآلية للتنفيس كنوع من التخفيف, وليس استهانة بالفيروس وما يسببه. 
الهدف من الورقة: بيان أهمية الأدوار المتنوعة التي تؤديها الموسيقا, في مساندة الانسان.
استعملت دول الحلفاء سيمفونية بيتهوفن الخامسة, التي تعني حركاتها الافتتاحية الأربعة
حرف V في شيفرة مورس, كرمز للمقاومة ضد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية,  وبالتالي أصبحت الرموز (نقطة-نقطة-نقطة-شرطة) بمثابة موتيف موسيقي, وبدأت محطات الراديو بثها 
مصحوبا بالصوت الشهير لسيمفونية بيتهوفن "تا تا تا دا" الذي أُطلق عليه (القدر يقرع الباب). 
ما السر وراء بضع حركات موسيقية؟ هناك الكثير على ما يبدو, فالموسيقا لها قوة تهابها الأنظمة المتسلطة, ما يدفعها لفرض رقابة على التعبير الموسيقي الذي لا تخدم الحاجات الإيديولوجية للدولة, والموسيقى كانت دوما مساحة للتعبير القوي عن المقاومة خلال الحروب.
أدّى "شوستاكوفيتش" سيمفونيته (حصار ليننجراند) لأول مرة أثناء حصار المدينة, وفي حركتها الاخيرة توحي بقرب الانتصار, فكانت الموسيقا خير أنيس لهم, لقد باتت في ذلك الوقت رمزا قويا للمقاومة, ومنحت المحاصَرين أملًا ورفعت معنوياتهم, ومثلت تحديا ضد محاصِريهم.  
لقد كان للبوق فضائل كثيرة, باعتباره أداة تكتيكية لإرسال الإشارات في أرض المعركة فصوته بإمكانه اختراق ضجيج المعركة, قبل ذلك, استخدمه الرومان للاتصال وتكوين التشكيلات العسكرية, اذ تُبعث رسائل القادة على هيئة نغمات يلتقطها الجنود فيشرعون في الامتثال لأوامرها, وحتى لإلهاب حماسة الجيش.
إن استخدام الموسيقا في ميدان الحرب له دوران رئيسان, أحدهما نفسي، بهدف رفع الحالة المعنوية للجنود وحثهم على المحاربة بكل قوة، والآخر يرتبط بالتواصل بين أفراد الجيش الواحد ولما للموسيقا من قوة تأثير, استعملتها الحكومات كأداة دعائية لشن الحروب النفسية, بينما كانت الترانيم الوطنية الوسيلة الدعائية الأبسط والأكثر فعالية في تعزيز الروح الوطنية, إن تحديد محتوى واتجاه الموسيقا يمكنه أن يساعد في الترويج لسردية بعينها.
ومما لا شك فيه ان النشيد الوطني هو أحد أهم الرموز الوطنية للدولة، ويقوم بدور كبير في شحذ الروح المعنوية للمواطنين, وجمعهم على أهداف سامية تسعى لها البلاد , فهو  شعرٌ ولحنٌ يسموان على كل الأشعار والألحان, يُلقى ويُستمع إليه وقوفاً، تعبيراً عن الاحترام الذي يليق به, قد لا يستغرق إلقاؤه أكثر من دقيقة، ولكن يا لها من دقيقة مهيبة، ويا لعظمة الصور التي تتوالى خلالها, تختزل مجموعة قِيَم، مهما تنوَّعت وتلوَّنت، تبقى مصدر فخر واعتزاز. 
كل ذلك يوضح الوظيفة المهمة للموسيقا, سواء كانت كلاسيكية أو شعبية, إن الأمل هو روح الثورات, والموسيقا هي وقود ذلك الأمل, قد لا يكون بوسع الموسيقا كسر حصار, أو الإطاحة بحكومة, أو تغيير سياسة, لكنها ستقوي عزيمة الناس وتبث فيهم الأمل لفعل ذلك. 
والموسيقا أداة تنددا بالعدوان وادانة الحروب وتدعو للسلام, هي اداة التعبير عن مقاومة 
الشعوب وآمالها, الموسيقا والسلام كيان واحد لا يجتزئ لا يوجد سلام من غير موسيقا 
ولا موسيقا من غير سلام, ولها دورٌ فعال في البناء وعملية التوجيه السلوكي والتربوي, وفي تعزيز قيم المحبة والتآخي والسلام، ونبذ العنف والكراهية.
كان أفلاطون أول من منح الموسيقا وظيفة واضحة فقال: يجب عزف موسيقا تثير التفاؤل والشجاعة لسكان المدينة الفاضلة, لا تحتاج الشعوب في تواصلها للغة منطوقة، لأن هناك لغة تستغني عن المترجمين، وهذا ما استند إليه منظمة الصحة العالمية, اذ اجتمع نجوم العالم لمدة 6 ساعات, يقدمون افضل اغانيهم للمليارات حول العالم يغنون مجانا, بحفل افتراضي (عالم واحد, معا في المنزل) لجمع التبرعات, ولتكون وحدة عالمية في مكافحة كوفيد 19, قد نكون متباعدين جسدياً, لكن بإمكاننا الاتحاد معًا على الإنترنت من خلال الموسيقا, إن حفل One World: Together at Home يجسد اتحادنا معًا ضد عدو مشترك.
في البلد الذي نشأ فيه الفيروس، اجتمع أبرز نجوم الأفلام والرموز الموسيقية الصينة كجاكي شان، وغيره, لغناء((Believe Love Will Triumph لرفع معنويات الشعب ومنحه الأمل, وتقول كلمات نشيد(نحن العالم)الذي يبث عبر وسائل الإعلام الرسمية الصينية: 
من أجلك  أقاتل بحياتي حتى في مواجهة أمطار الرصاص.
عبر باب الحياة والموت  أتعهد بأنني لن أتركك.
أصعب شيء هو الاستسلام  لذا سأبقى هادئًا من أجلك.
(منا، لأجلكم) اجتمعت أوركسترا روتردام الفلهارمونية الهولندية, 19 موسيقيا وعازفا، عزلوا أنفسهم في منازلهم، لتقديم عرض افتراضي لمقطع كورالي من السمفونية التاسعة للموسيقار الألماني الشهير بيتهوفن, وقصيدة الفرح (نشيد الفرح) التي كتبها الشاعر والمسرحي شيلر في عام 1785، ولحنها بيتهوفن وأدرجها في المقطع الرابع والأخير من السيمفونية ، وهي تستعمل اليوم كنشيد قومي للاتحاد الأوروبي, وقام العازفون 19بتسجيل كل مسار صوتي أو مقطع موسيقي، في الوقت المناسب في غرف بمنازل الموسيقيين، ثم جمعت معا لتشكل القسم الأخير
الرائع من (الكورال)، ثم أضافوا صوت الجوقة الغنائي إلى عزفهم، وكانت النتيجة رائعة للغاية.
  وقال الموسيقيون، الذين عرفوا بأنفسهم: نحن نتكيف مع واقع جديد، وعلينا إيجاد الحلول لدعم 
بعضنا البعض, وأضافوا "تساعدنا القوى الإبداعية، دعنا نفكر خارج الصندوق، ونستخدم الابتكار للحفاظ على اتصالنا وجعله يعمل معا, لأنه إذا فعلناها معا، فسننجح".
فاجأ نجوم الغناء في العالم بحفل استثنائي لمصلحة المحاربين ضد فيروس كورونا من
أطباء وممرضون وعلماء في الصفوف الأمامية, قدم هذا القدر اليسير من التوعية والترفيه في أن يغذي ويوقد العزيمة, وحمل اسم(I Heart Living Room Concert for America)  حيث امتزجت أصوات المطربين من منازلهم، في مبادرة خيرية كان الهدف منها النصح وحث جمهورهم على البقاء في منازلهم، وعدم التواجد في الأماكن المزدحمة, ولدعم الجهود الرامية لمحاربة تفشي كورونا, واستمر الحفل ساعة واحدة، بثت ممن محطة فوكس دون إعلانات، وهو أكبر جهد فني مشترك لرفع الروح المعنوية خلال فترة مكافحة الوباء، ولجمع الأموال، دعماً لمن يواجهون المرض في الصفوف الأمامية ولتذكير بغسل الايادي باستمرار، والحفاظ على التباعد الاجتماعي لمنع انتشار الفيروس
وتم تصوير كل الفقرات التي تضمنها الحفل بالهواتف الذكية، أو الكاميرات المنزلية، أو عبر منصات على الإنترنت, وتضمنت رسائل وقصص شخصية رواها أطباء وممرضون وسائقو شاحنات وعاملون في متاجر, وآخرون من الذين ينزلون لأعمالهم, فيما يخضع ملايين البقاء في المنزل, وشجع الحفل، المستمعين والمشاهدين على التبرع لمنظمتين خيريتين. 
فالموسيقا ما هي إلا صوت خلقها الله تعالى فحسنها حسن وقبيحها قبيح, ان ما قدم تضمن مساندة فعلية في هذه الأزمة الحالية, فالجميع بذلوا مالا وجهدا ليقدموا موسيقا, ولم يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه الأزمة, رغم أن يطرح في وقت استثنائي، ولا يوجد مزاج عام للناس, لكن هذه الموسيقا قد تكون سببا في حماسة الناس وقت الأزمة الحالية, عبر رسائل إنسانية وطنية وتوعوية، تعزز المسؤولية المجتمعية، وتنشر أهمية الحفاظ على الوطن والنفس، والالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية.


الثلاثاء، 11 أبريل 2017

الموسيقى وأهميتها فى المسرح / محسن النصار

مجلة الفنون المسرحية


الموسيقى وأهميتها فى المسرح


 تعد اللغة الموسيقية واحده من أهم اللغات الفنية المجردة، فإذا كانت الكلمات والجمل المنطوقة والمكتوبة لها دلالاتها الواضحة التي يدركها ويفهمها الإنسان ويستوعبها العقل بشكل مباشر ويعي ما تعنيه ، فإن العبارات والجمل الموسيقية هي لغة الأحاسيس والمشاعر الإنسانية لذا أطلق على الموسيقى بأنها   ” غذاء الروح” وذلك لان تلك اللغة المجردة تخاطب المشاعر والوجدان الذي يغذى الروح.”وهذا التأثير الأخلاقي يجعل المشاعر الإنسانية أكثر نبلاً . وفي المسرح تساعد الموسيقى على إيصال الأفكار إلى المتفرجين . بمساعدة اللغة التعبيرية والفعل الفيزيقي . وما تنتجهُ هذه العملية من تأثيرات حسية ونفسية في إضفاء الجو الروحي العام للعرض المسرحي وهما معاً “الموسيقى واللغة التعبيرية للجسد” يحددان إيقاع المشهد . وبالتالي من إيقاعات المشهد يتحدد إيقاع المسرحية ككل
  ” الموسيقى  لغة علينا أن نفهمها كي نعرف كيف نوظفها بشكلها السليم ولا ضير إذا استخدمنا الموسيقى بدلا من ديالوج حواري أو حتى مشهد “لان الموسيقى هي لغة يمكن لجمهور إن يتلقاها إذا ما استخدمت استخداما صحيحاً “.
   ” دور الموسيقى في المسرح في كونها ” تساعد المخرج في دعم الصورة الإيقاعية للعرض التي ستعطي فيما بعد قدرة المحاكاة الحقيقية أو الصدى الحقيقي للموسيقى الداخلية للعرض المسرحي ” . أنها الجو الذي يعتنق ذلك النضوج الداخلي ، كفكر غير منظور يسري كالعدوى ليستقر في الروح فيستمر لينمو ويولد المعرفة في القلب .
 الموسيقى في المسرح تبدأ في الكلام ، وتستمر في الحركة وفي الإيقاع وفي ميلودي الصوت .مثلها في ذلك مثل نشأتها ، وتعامل الانسان معها ، وبالأخص الفنان الاول والانسان الاول الذي حاكى الطبيعة وتعلم منها ، واراد التعامل معها بمختلف الوسائل الصوتية والحركية والتشكيلية . فاستثمر جمالها بالرسم والنحت والشعر والغناء والموسيقى ، وحاكى تضاريسها من جبال ووديان وانهار وحيوانات واصوات الذي ذكرناه جميعا . ومنها وبها شكلت الموسيقى المحتوى الحقيقي للرؤيا المسرحية و”العرض المسرحي لا يمكن أن يكون عرضا إيقاعيا إذا لم يكن موسيقيا  . من خلال الكلام ، الحركة ، الإيقاع ، ميلودي الصوت ، اللون ، الصمت ، السكون ، الظلام .. إلى غير ذلك . لأن العرض بدونها سيكون سيئا .

        ففن الموسيقى يعلمنا كيف أن تغيرا طفيفا في الإيقاع سينتج زيفا . ان الشكل في الموسيقى يعلمنا الحرفة ، والمضمون فيها يعلمنا الإحساس والشعور بها روحيا . ومن كلاهما نسمع ذلك اليومي الذي نطلق عليه {الجو العام} أو {المواطنة في الفن} كما يسميها توفستونوكوف الذي يقول “إذا تصورنا أن الفن المسرحي هو أوركسترا سمفونية ، فأن الموسيقى هي آلة من الآلات العرض المسرحي  . وعليه يجب ان ترتبط الموسيقى مع جميع الأدوات المعروفة للعرض من اجل التكامل الفني في العرض المسرحي . وهو يعني أيضا ، أن الموسيقى في المسرح هي جزء من الكل لا يمكن أن تجلب الاستحسان بمعزل عن بقية العناصر المسرحية ، وان انسجام الأداء مع الموسيقى أمر ضروري . وعندما يتوجب وجود الموسيقى في المسرحية فعلينا أن نجد لها المكان الملائم كما يرى ذلك مايرخولد . مما تقدم يتأكد أن الموسيقى واحدة من الوسائل المهمة في المسرح هذا الفن متعدد الجوانب .

        إننا نعيش في الطبيعة ونحن محاطون بالأصوات المختلفة ، القبيح منها والجميل وبما أن المسرح هو محاكاة الطبيعة ، إذن لابد لتلك الأصوات أن تصاحب أحداثه ، وترافق حواراته ، وحسه الموسيقي ” تساعد الممثل على إظهار المعنى الباطني الاجتماعي ، والأساس تجمل علاقات الحدث المسرحي  . إذن هل يعني ذلك أن للموسيقى تأثيرا أخلاقيا وروحيا على حياتنا ؟ وهل تجعل من مشاعرنا اكثر نبلا ؟؟؟ . يقول ألن دانيلو :”أن الموسيقى تعد وسيلة لفهم عمل أفكارنا إضافة إلى إحساساتنا العاطفية . كنوع من الترابط بين الرقم والفكروهذا التأثير
الأخلاقي يجعل المشاعر الإنسانية أكثر نبلاً .
        وفي المسرح تساعد الموسيقى على إيصال الأفكار إلى المتفرجين . بمساعدة اللغة التعبيرية والفعل الفيزيقي . وما تنتجهُ هذه العملية من تأثيرات حسية ونفسية في إضفاء الجو الروحي العام للعرض المسرحي وهما معاً “الموسيقى واللغة التعبيرية للجسد” يحددان إيقاع المشهد . وبالتالي من إيقاعات المشهد يتحدد إيقاع المسرحية ككل  وما أكد أيضاً يوري زافادسكي هو تحديد مكانة المؤلف الموسيقي ضمن المجموعة المسرحية بكونه يساعد المخرج في دعم الصورة الإيقاعية للعرض مما يتيح إمكان المحاكاة الحقيقية للموسيقى الداخلية . ذلك لأن الموسيقى تعلمنا الشعور بما هو يومي وحياتي في مسرحنا . وهو ما نسميه الجو العام للعرض المسرحي . لأنها – كما قلنا تمتلك الأهمية الأساسية في خلق الجو المطلوب للعرض المسرحي . والذي من خلالهُ تصبح التجربة الروحية واقعاً ملموساً . وكما إن الأفكار والأهداف العامة والرئيسة محددة في المسرحية . كذلك فإن التأليف الموسيقي يجب أن يتم في ضوء تلك الأهداف والأفكار ويجب أن يكون التأليف الموسيقي متماسكاً مع مكونات العرض المسرحي وصولاً إلى التكامل الفني المطلوب للعرض المسرحي ككل . إلى الذي نستطيع معه أن نميز تلك الموسيقى المؤلفة خصيصاً للمسرحية حتى إن تم سماعها بمعزل عن مشاهدة العرض ، وانطلاقاً من ذلك التحديد نستطيع القول إن الموسيقى التي يتم تأليفها لمسرحية ما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصلح لمسرحية أخرى حتى لو إتفقت معها في النوع ، وتقاربت في الأهداف العامة ، وفي الأفكار . وإنه في حالة إستخدامها سنشعر بالفارق ولو كان بسيطاً . وعليه فإن الشكل الموسيقي للعرض المسرحي يأخذ الحيز الكبير الأخير في عمل عدد من المخرجين حين يحددا الوحدة الأسلوبية والفنية للعرض .
        وعلى العموم فأن الموسيقى التي يتم وضعها للدراما المسرحية لا تتم إعتباطاً ، لسد نقص في الإخراج ، أي للإفراغ في المسرحية بل على العكس من ذلك أن الموسيقى تشكل جزء اً هاماً وأكيداً وفاعلاً تماماً في أهميتها كالممثل والإضاءة والديكور . وغيرها من المستلزمات الهامة في تكوين العرض المسرحي . أن الموسيقى تعني خللاً كبيراً يؤثر على العرض المسرحي إذا أسيء استعمالها في العرض والعكس صحيح الموسيقى تعني كياناً كاملاً من الأحاسيس والمعاني تساعد في توصيل الأفكار والمعاني إلى المشاهد أو أنها تفك رموز ما كان غامضاً من تلك المعاني و الأفكار فأن كل آلة فيها يمكن أن تمثل شخصية من شخصيات المسرحية فالموسيقى بالأساس وجهة نظر مهمة . لشخصية في المسرحية ومجموعة أشخاص تعبر عن ما في داخلهم من وجهة نظر أي أنها تفكير الشخصية بصوت مرتفع ، يمكن للجمهور إدراكه وفهمه . 
إذن نخلص إلى القول ” أن الموسيقى في أهميتها تكمل العرض المسرحي ، وعليه يجب أن ترتبط الموسيقى مع جميع الأدوات المعروفة للعرض من أجل التكامل الفني في العرض المسرحي “.
        ” الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية قديمان قدم المسرح، فنشأت من أصوات حفيف الأشجار وأصوات قرع الطبول والأجراس البدائية التي كانت ترافق الإنسان في الصيد والحروب والنزالات والطقوس الدينية إلى الصوت والموسيقى المصاحبة للعرض المسرحي الحديث. وغالباً ما يعدّ الصوت والموسيقي جزءين متممين للعمل المسرحي الناجح “.
        ” أن الموسيقي المسرحية تزامنت بداياتها مع بدايات المسرح نفسه، فالإنسان عرف فن الموسيقى منذ قديم الزمان، وكان من البديهي أن يستخدمه عاملاً مساعداً في الفن المسرحي. وكل من قرأ شكسبير لا بد أن يدرك أهمية الصوت والموسيقي في المسرح الإليزابيثي، ولوحظ مما دوّن من مذكرات عن الصوت أنها تكّون نسبة كبيرة من التوجيهات المسرحية، بينما نجد مثلا “موسيقى ناعمة”، “موسيقى جدية وغريبة”، “أبواق من الداخل”، “نداءات السلاح”، “طبول وأبواق”، “عاصفة ورعد”، وهكذا.
        وقد بلغ استعمال الموسيقي والمؤثرات حد الدقة في حالة الميلودراما وكما يفرض الاسم على هذا النوع من المسرحيات أن يعتمد اعتماداً كبيراً على الموسيقي بعنصر مهيأ للجو خاصة في مشاهد الحب واستدرار الشفقة أو الصراع العنيف لمواقف الشر. والواقع أنه لم يحدث أي تغير جوهري بالنسبة للمؤثرات الصوتية والموسيقي التصويرية منذ عهد شكسبير حتى القرن العشرين الميلادي”. 
        ”  وعلى المخرج الذي يريد استخدام الموسيقى والمؤثرات الصوتية في عمله المسرحي عليه أن يحسن اختيار الموسيقى التي تجذب الجمهور وان لايبالغ في استخدامها. إذا على المخرج إن يكون ذواقاً في عملية اختيار وتصميم الموسيقى لان مفتاح نجاح العمل بيده وان يكون فكرة (للدراماتورج) أثناء التأليف الموسيقي من خلال تصميم مجموعة من المعزوفات المختلفة التي تجمعها وحدة موضوع وهي فكرة العمل المسرحي وعليه أن يميز بين استخدام الموسيقى في المشاهد وان يستطيع أن يكون دراما موسيقية متكاملة كأن تكون صراعاً بين الخير والشر أو الحياة والموت أو الحزن والفرح وغيرها.
         وعليه أن يجعل جميع الموسيقى التي يستخدمها في عمله المسرحي مرافقة لحركات ورقصات درامية وان لا تكون مجرد موسيقى لملء الفراغ مما يسبب مللا لدى المتلقي من تكرار الموسيقى أو طولها غير المبرر. ومن أهم الفنون المسرحية التي تعتمد على الموسيقى في عرضها هي (الاوبريت ومسرح العرائس والأوبرا والباليه والبانتو مايم “المسرح الصامت “والدراما دانس (الرقص الدرامي)” “.
        
        ” ان نجاح استخدام الموسيقى في العروض ينجم من درايتين وهما الدراية بفن المسرح والدراية بفن الموسيقى. وحين يتوفران عند المخرج بوصفه قائد العرض من شأنهما ان يعيناه في التقاط الدور التوظيفي للموسيقى.لدينا من الموسيقى نوعان: موسيقى آلية “اي خالية من الكلام” والموسيقي الغنائية ــ شعر، لحن، اداء، ايقاع، موسيقى مرافقة وهي غالبا ما تكون ثانوية.الموسيقة الالية، منها السمفونية، الكونشرتو، السوناتا، الافتتاحية، التقاسيم، ويعد استخدام هذه القوالب من اسوأ انواع الاستخدام في العملية المسرحية، فهذي القوالب تسير على وفق نظام خاص في التأليف الموسيقي، فضلا عن موضوعها المستقل الذي صمم له المؤلف جملا موسيقية مركبة تركيبا مقصودا يحاول فيه المؤلف رسم علامات يستدل منها المتلقي لفهم الموضوع، وغالبا ما يستقي المؤلف الموسيقي موضوعاته من الاساطير او الشخصيات المشهورة او قصائد شعرية او من الادب العالمي او بصورة معركة مشهورة وهكذا لا تجد موسيقى خالية من موضوع يخصها. اذن فعملية اشراك موسيقى من هذا النوع يشتت كلا الموضوعين موضوع الموسيقى وموضوع المسرحية
        وهذا الحال ينسحب على الكونشرتو في حالة استخدامها في العروض فالكونشرتو مؤلفة موسيقية آلية تتحاور فيها آلة واحدة مع مجموعة آلات فتارة يهدأان واخرى ينفجران على شكل سرد حواري درامي يعتمد موضوعا معينا، فمخاطر اشراكه في العرض اكثر من غيره.وكأن هذه السطور تتضمن دعوة للعمل الجاد على انتاج ثقافي جديد اسمه مصمم موسيقى العرض اي ذلك الموسيقي الذي يعرف متطلبات العرض اي الذي لا يحاكي الاحداث فيصاحبها، بل ان يتخذ تلك الاحداث او الحدث المعين لاستثارة خياله كي ينجز موسيقى تشترك في بث رسالة العرض. وهذا ما يحتاجه الواقع المسرحي فعلا “.
و” الموسيقى لغة وتلك اللغة لابد وان يكون لها منظومة من القواعد والتراكيب التي تحددها فكما توجد قواعد نحويه للغة العربية يوجد للموسيقى لغة بنائية متمثلة فى القوالب والصيغ الموسيقية التى يعتمد عليها المؤلف الموسيقى فى كتابة مقطوعته الموسيقية. ولكى يستطيع المؤلف ان يخرج المقطوعة الموسيقية المؤلفة الى حيز الوجود لابد وان يختار القالب او الفورم الذى يتناسب وما الفه من موسيقى، ونجد انه هناك العديد من الصيغ والقوالب الموسيقية التى يمكن للمؤلف ان يصول ويجول فى قوالبها بما يترائى له من افكار     
 موسيقية “
  
المصادر
1- ألن دنيور : القيم الروحية والأخلاقية في الموسيقى ، ت:محمد جواد داود ، مجلة القيثارة ، وزارة الإعلام 1989،

2-  كتاب “المدخل الي الفنون المسرحية “تأليف فرانك م.هوايتنج ،القاهرة، دار المعرفة للنشر،1970
3- كتاب “تحليل القوالب الموسيقية “تأليف فيكتور باينكو  ترجمة  عماد حموش، دمشق، منشورات وزارة الثقافة،1998


 ——————————————-

الجمعة، 4 سبتمبر 2015

الموسيقى في المسرح.. الإيقاع روح الدراما

مجلة الفنون المسرحية


الموسيقى في المسرح.. الإيقاع روح الدراما

عثمان حسن - الخليج

جرى العرف أن تصاحب الموسيقى بعض المشاهد المسرحية، وخاصة مشاهد طقوس الزواج التي ترتبط بالسحر والزواج، وتسمى هذه بالموسيقى التصويرية، الموسيقى في هذه الحالة تناسب الأجواء النفسية في تلك المشاهد، ويتضح ذلك أكثر في الأعمال الموسيقية التي تم تأليفها خصيصا لمسرحيات شكسبير كما هو في (حلم ليلة صيف)، وبحسب كتاب (نظرية العرض المسرحي) لجوليان هيلتون، فإنه حين يتضخم عنصر الموسيقى التصويرية ويتسيد العرض، يتحول العمل إما إلى عمل أوبرالي، كما في مسرحيات «عطيل وماكبث» على أيدي الموسيقار فيردي، وإما يتحول إلى عرض من عروض الباليه، كما حدث مع مسرحية «روميو وجولييت» التي قدمت مرارا في صورة الباليه.

النقاد المسرحيون، يؤكدون أن الموسيقي المسرحية، تزامنت بداياتها مع بدايات المسرح نفسه، فالإنسان عرف فن الموسيقى منذ قديم الزمان، وكان من البديهي أن يستخدمه عاملاً مساعداً في الفن المسرحي، وقد بلغ استعمال الموسيقى ومؤثراتها حد الدقة في حالة الميلودراما، التي تعتمد اعتماداً كبيراً على الموسيقى وما تهيؤه من أجواء خاصة في مشاهد الحب واستدرار الشفقة أو الصراع العنيف مع الشر.

في المسرح الإماراتي، هناك نماذج كثيرة ناجحة من استخدامات الموسيقى في عروض قدمت سواء لمسرح الطفل أو مسرح المحترفين، ويلاحظ، أن تلك الاستخدامات في معظمها حققت غرض العرض، بوصف الموسيقى هنا، لغة فنية مجردة، لها دلالاتها الواضحة التي يدركها الإنسان، ويستوعب ما فيها من أثر وجداني، يعبر عن الأحاسيس والمشاعر الإنسانية.
ومن ذلك على سبيل المثال عرض «نمول الشجاع» الذي قدم ضمن فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الإمارات لمسرح الطفل في عام 2010، وأنتجه فرقة مسرح الشارقة الوطني، وهو من تأليف المسرحي عبد الله مسعود، وإخراج حمد عبد الرزاق، والعرض حصل على جائزة أفضل موسيقى ومؤثرات صوتية لعبد العزيز المازم، ويدور عن مجموعة من النمل الأحمر الذي يهاجم مملكة مسالمة من النمل، ويتتبع العرض حكاية نمول الشجاع الذي بوصفه فارساً لمملكة النمل المسالمة، وكان عرضاً مؤثراً تابعه كثير من الأطفال تفاعلوا معه تفاعلاً إيجابياً.
وهناك تجربة ثانية ناجحة للمسرح الحديث في الشارقة، وهي تجربة مقدمة ضمن عروض الأطفال في المهرجان المسرحي الأول للمسرح المدرسي، الذي أقامته مجموعة مسارح الشارقة في عام 2011، وهي تأليف الشاعر كريم العراقي، ومن إخراج مرعي الحليان، حصل العرض على ثلاث جوائز بينها أفضل جائزة وأفضل أغان وموسيقى تصويرية.

يمكن الاستدلال أيضاً بموسيقى العرض المسرحي (باب الأمل) من إنتاج المسرح الحديث واعتباره قدم عرضاً لافتاً للطفل، خلال أيام مهرجان الإمارات لمسرح الطفل وهو من تأليف وإخراج عبد الله صالح، الذي فاجأ جمهور الأطفال بتقديمه شخصيات مسرحية يؤديها ممثلون حقيقيون، لا مؤدون لأدوار بأشكال حيوانات، كما جرت العادة، في المسرح الموجه للطفل، وهو عرض عن تفاصيل العلاقات الاجتماعية التي يجب أن تتمتع بها الأسرة العربية، مثل الاجتهاد والتضحية والحب والصدق والالتزام بفعل الخير، مع ضرورة النهي عن الكسل والجمود والكراهية.
حصلت «باب الأمل» على جائزة أفضل نص مسرحي وأفضل موسيقى وأغان، في ذات السياق يمكن الإشارة إلى مسرحية (آي باد) التي أنتجتها فرقة مسرح أم القيوين الوطني، وهي من تأليف جاسم الخراز وإخراج عيسى كايد، التي عنيت بتقديم مسرح رصين موجه للطفل وشاركت في الدورة السابعة لمهرجان الإمارات مسرح الطفل في 2011، وفازت المسرحية بجائزة أفضل موسيقى، وحصل عليها حميد الرمسي، مصمم الموسيقى والمؤثرات الصوتية في العرض، كما يمكن الإشارة لعرض (ياسمين والمارد الشرير)، وهو أيضاً فاز بجائزة أفضل موسيقى ومؤثرات صوتية، وهي من تأليف الكاتب الراحل سالم الحتاوي، وإخراج محمد سعيد السلطي، وتقديم مسرح دبي الشعبي، وتمثيل نخبة من الفنانين الإماراتيين من بينهم: عبد الله صالح، بدور الشرير، والفنانة بدور ياسمين، وإيمان حسين، وأشواق، وحمد الحمادي.
كثيرة هي الأعمال والعروض التي اهتمت بالجانب الموسيقي، لما له من دور في الإيهام وتحقيق المتعة الفنية من جانب، ومن جانب آخر التهيئة لفرض مناخ نفسي يتلاءم مع مجريات العرض، فالموسيقى في المسرح، هي اشتغال فني بحت كما يرى المختصون، وهي تساعد المخرج على دعم الصورة الإيقاعية للعرض، بما توفره من قدرة على المحاكاة، وهي هنا، بمثابة صدى حقيقيا للموسيقى الداخلية في العرض، كأنها فضلا عن صوتها أو لنقل - إيقاعها اللحني المسموع - هي أيضاً ذات إيقاع حركي داخلي، يطلق عليه «ميلودراما الصوت» وهي ذات صلة بالغناء، وبوجه عام فالموسيقى تشكل المحتوى الحقيقي للرؤيا المسرحية، حيث يرى الخبراء أن العرض المسرحي لا يمكن أن يكون عرضاً إيقاعياً إذا لم يكن موسيقياً، وهي في مستوياتها ذات شكل ومضمون، من حيث الشكل فهي تعلمنا الحرفة، ومن حيث المضمون تعلم المرء الإحساس بها روحياً.
حضرت الموسيقى في مهرجان أيام الشارقة المسرحية عبر دوراته المتعاقبة، وهناك جائزة خاصة بها، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهناك مثلا مسرحية «اللوال» لمسرح الشارقة الوطني، التي قدمت في دورة عام 2007، وفازت بجائزة أفضل موسيقى ومؤثرات صوتية وذهبت للفنان إبراهيم الأميري.
ذات المسرحية، حصدت أهم جوائز مهرجان المسرح الخليجي في دورته العاشرة التي أقيمت في الكويت عام 2009، وحصل فريق المسرحية على خمس جوائز كاملة، في مقدمتها أفضل عمل متكامل، ما أهّلها للفوز بجائزة الشارقة الكبرى للإبداع المسرحي، وقيمتها 100 ألف درهم.

الثلاثاء، 8 يونيو 2010

الموسيقى في المسرح ... بين التأليف والاختيار

مجلة الفنون المسرحية
د.فاضل خليل 

الموسيقى في المسرح ... بين التأليف والاختيار


د. فاضل خليل

رغم أن الموسيقى دائما تدخل في صلب الدراما ، إلا أنها أحيانا تأتي غير منسجمة معها . وفي أحيان اخرى تكون منسجمة مع بقية عناصر العرض المسرحي ، وتتفق مع روح العرض شكلا ومضمونا إذا صادف وان كانت مصنوعة لأجله . أما عندما لا تتفق الموسيقى مع العرض فأنها تقترب من الاعتيادية ، خصوصا إذا كان الهم من استخدامها مرافقة الممثل لأسباب الوضوح وتلافي التقصير . عندها سوف لن تكون مؤدية لأغراضها كواحدة من أهم عناصر العرض . حين يكون اختيارها لملء الفراغ وفقا للإحساس الانطباعي الخاص بالقائم على اختيارها ، فأنها سوف تجانب أغراضها . أن البعض من المخرجين يحمل الموسيقى واجبات خارجة عن مهامها عندما يعتبرها المنقذ السهل لإخفاقاته واخفاق فريقه متناسيا أو جاهلا لدور الموسيقى في المسرح في كونها " تساعد المخرج في دعم الصورة الإيقاعية للعرض التي ستعطي فيما بعد قدرة المحاكاة الحقيقية أو الصدى الحقيقي للموسيقى الداخلية للعرض المسرحي "(1) . أنها الجو الذي يعتنق ذلك النضوج الداخلي ، كفكر غير منظور يسري كالعدوى ليستقر في الروح فيستمر لينمو ويولد المعرفة في القلب .
الموسيقى في المسرح تبدأ في الكلام ، وتستمر في الحركة وفي الإيقاع وفي ميلودي الصوت .مثلها في ذلك مثل نشأتها ، وتعامل الانسان معها ، وبالأخص الفنان الاول والانسان الاول الذي حاكى الطبيعة وتعلم منها ، واراد التعامل معها بمختلف الوسائل الصوتيو والحركية والتشكيلية . فاستثمر جمالها بالرسم والنحت والشعر والغناء والموسيقى ، وحاكى تضاريسها من جبال ووديان وانهار وحيوانات واصوات الذي ذكرناه جميعا . ومنها وبها شكلت الموسيقى المحتوى الحقيقي للرؤيا المسرحية و"العرض المسرحي لا يمكن أن يكون عرضا إيقاعيا إذا لم يكن موسيقيا "(2) . من خلال الكلام ، الحركة ، الإيقاع ، ميلودي الصوت ، اللون ، الصمت ، السكون ، الظلام .. إلى غير ذلك . لأن العرض بدونها سيكون سيئا .
فن الموسيقى يعلمنا كيف أن تغيرا طفيفا في الإيقاع سينتج زيفا . ان الشكل في الموسيقى يعلمنا الحرفة ، والمضمون فيها يعلمنا الإحساس والشعور بها روحيا . ومن كلاهما نسمع ذلك اليومي الذي نطلق عليه {الجو العام} أو {المواطنة في الفن} كما يسميها توفستونوكوف الذي يقول "إذا تصورنا أن الفن المسرحي هو أوركسترا سمفونية ، فأن الموسيقى هي آلة من الآلات العرض المسرحي "(3) . وعليه يجب ان ترتبط الموسيقى مع جميع الأدوات المعروفة للعرض من اجل التكامل الفني في العرض المسرحي . وهو يعني أيضا ، أن الموسيقى في المسرح هي جزء من الكل لا يمكن أن تجلب الاستحسان بمعزل عن بقية العناصر المسرحية ، وان انسجام الأداء مع الموسيقى أمر ضروري . وعندما يتوجب وجود الموسيقى في المسرحية فعلينا أن نجد لها المكان الملائم كما يرى ذلك مايرخولد . مما تقدم يتأكد أن الموسيقى واحدة من الوسائل المهمة في المسرح هذا الفن متعدد الجوانب .
إننا نعيش في الطبيعة ونحن محاطون بالأصوات المختلفة ، القبيح منها والجميل وبما أن المسرح هو محاكاة الطبيعة ، إذن لابد لتلك الأصوات أن تصاحب أحداثه ، وترافق حواراته ، وحسه الموسيقي " تساعد الممثل على إظهار المعنى الباطني الاجتماعي ، والأساس تجمل علاقات الحدث المسرحي "(4) . إذن هل يعني ذلك أن للموسيقى تأثيرا أخلاقيا وروحيا على حياتنا ؟ وهل تجعل من مشاعرنا اكثر نبلا ؟؟؟ . يقول ألن دانيلو :"أن الموسيقى تعد وسيلة لفهم عمل أفكارنا إضافة إلى إحساساتنا العاطفية . كنوع من الترابط بين الرقم والفكر (5) وهذا التأثير الأخلاقي يجعل المشاعر الإنسانية أكثر نبلاً . وفي المسرح تساعد الموسيقى على إيصال الأفكار إلى المتفرجين . بمساعدة اللغة التعبيرية والفعل الفيزيقي . وما تنتجهُ هذه العملية من تأثيرات حسية ونفسية في إضفاء الجو الروحي العام للعرض المسرحي وهما معاً "الموسيقى واللغة التعبيرية للجسد" يحددان إيقاع المشهد . وبالتالي من إيقاعات المشهد يتحدد إيقاع المسرحية ككل (6) وما أكد أيضاً يوري زافادسكي هو تحديد مكانة المؤلف الموسيقي ضمن المجموعة المسرحية بكونه يساعد المخرج في دعم الصورة الإيقاعية للعرض مما يتيح إمكان المحاكاة الحقيقية للموسيقى الداخلية . ذلك لأن الموسيقى تعلمنا الشعور بما هو يومي وحياتي في مسرحنا . وهو ما نسميه الجو العام للعرض المسرحي . لأنها – كما قلنا تمتلك الأهمية الأساسية في خلق الجو المطلوب للعرض المسرحي . والذي من خلالهُ تصبح التجربة الروحية واقعاً ملموساً . وكما إن الأفكار والأهداف العامة والرئيسة محددة في المسرحية . كذلك فإن التأليف الموسيقي يجب أن يتم في ضوء تلك الأهداف والأفكار ويجب أن يكون التأليف الموسيقي متماسكاً مع مكونات العرض المسرحي وصولاً إلى التكامل الفني المطلوب للعرض المسرحي ككل . إلى الذي نستطيع معه أن نميز تلك الموسيقى المؤلفة خصيصاً للمسرحية حتى إن تم سماعها بمعزل عن مشاهدة العرض ، وانطلاقاً من ذلك التحديد نستطيع القول إن الموسيقى التي يتم تأليفها لمسرحية ما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصلح لمسرحية أخرى حتى لو إتفقت معها في النوع ، وتقاربت في الأهداف العامة ، وفي الأفكار . وإنه في حالة إستخدامها سنشعر بالفارق ولو كان بسيطاً . وعليه فإن الشكل الموسيقي للعرض المسرحي يأخذ الحيز الكبير الأخير في عمل عدد من المخرجين حين يحددا الوحدة الأسلوبية والفنية للعرض .
***الموسيقى في المسرح العربي
عندما بدأ المخرج العربي يهتم بالموسيقى المسرحية بوصفها عنصراً هاماً من عناصر العرض ، سعى في البداية إلى إستخدام الموسيقى العالمية لشعوره ، أولاً : إنها ليست مسموعة حد الألفة . وثانياً : لأنها أكثر ملائمة للدراما من الموسيقى العربية ذات الإيقاعات العاطفية المنسابة التي تثير كوامن الإنسان فتجمعهُ يطرب ، فيبتعد عن الجو المسرحي ويمتنع عن التواصل عن المسرحية .
هذا بإستثناء الموسيقى التي تم تأليفها خصيصاً للمسرحية وهي قليلة . وقد ظل المسرح العربي يعاني من هذا النقص الخطير فيه لعدم توفر المؤلف الموسيقي المتخصص الأمر الذي جعلهم – المخرجون - يعتمدون على أنفسهم في حل هذه المشكلة فكانوا يختارون من الموسيقى العالمية التي كانت في أغلب الأحيان مع المسرحي ولكن لا تسايره . ومثلما لا يصح أن تتكلم لغة غير العربية – إلا في حالات نادرة جداً – على خشبة المسرح العربي كذلك فإنك لن تستطيع إستخدام موسيقى غير في عرض مسرحي عربي ذو أجواء عربية – أي – كما من غير إستخدام ( المقام العراقي) موسيقى لمسرحية ( النورس – أنطوان تشيخوف) ذات الأجواء والأصول الروسية .
إن المسرحيات التي استفادت من الموسيقى العالمية شكلت غالبية عظمى في عروض المسرح العربي ، فسقط أكثرها من سوء الإختيار حيث جاءت الموسيقى غير مطابقة للأداء ، وهو ما يؤيد ما ذهب إليه ( مايرخولد) (7) في معالجته للإختيارات الموسيقية الجاهزة غير المؤلفة خصيصاً للعروض والتي إستدعت مخرجيها أن يستعيروا بقصدية لأعمالهم من (ليست) و(شوبان) . بيد أنه مع مرور الزمن وجب أن يظهر مؤلفون موسيقيون متخصصون يكتبوا موسيقاهم للعمل المسرحي المعين بسبب إختياراتهم العشوائية التي جاءت عكس متطلبات عروضهم غيرُ منسجمة مع ذوق المتفرج العربي . وبالرغم من أن الموسيقى حالة إنسانية عالمية تصغي إليها كل الشعوب بنفس الأهمية فتستمع بها وتفهمها حسياً لكن من الصعب أن تكون عالمية لعدد كبير من تلك الشعوب في العالم لا يدركها بسبب دونية الثقافة الموسيقية لديه .
من المسرحيات العربية التي تعاملت مع الموسيقى بالشكل العلمي المدروس ، وكانت ملبية للطموح هي مسرحية ( المفتاح) للكاتب يوسف العاني ، التي ألّف موسيقاها د.طارق حسون فريد(8) ؛ الذي يرى في الموسيقى التصويرية في المسرح العربي قاصدة عن الوصول إلى الحد الأدنى من الحالة التشكيلية واللغوية والنفسية المطلوبة . لذلك انطلق (فريد) في وضعه لموسيقى مسرحية (المفتاح)(9) من واقعيتها الخيالية (وحدودتها) الحكاية الشعبية الفلكلورية المعروفة التي إستخدمها مؤلفها يوسف العاني أصولها من التراث العربي البغدادي ، وهي حكاية تكتمل بالأشعار المألوفة لدى السامع والمتفرج مثل الأهزوجة الشعبية – ذائعة الصيت :- يا خشيبة(1)نودي نودي(2)
وديني (3) على جدودي (4)
جدودي بطرف (5) مكة
جابولي(6)ثوب(7) وكعكة(8) ……الخ (*)
ولهذا جاءت موسيقاها منسجمة مع أغانيها الأمر الذي قربها أكثر إلى المتفرجين إضافة إلى الشكل الشعبي للعرض ذو الإيحاءات الواضحة في أشكاله التي حققها كاظم حيدر .
مسرحيات أخرى استفادت بسبب أجواءها البغدادية القديمة من الموسيقى التراثية مع التأليف الموسيقي المستنبط من تلك الموروثات الغنائية التي جاءت منسجمة مع الأجواء الشعبية التراثية كما في مسرحية ( النخلة والجيران – للكاتب غائب طعمة فرمان(10)) من إخراج : قاسم محمد اختار الأغاني لها وألّف موسيقاها (حسين قدوري)(11) ، وكان هذا الإختيار سبباً مهماً في إصابتها النجاح الكبير على المسرح . وهناك الكثير من المسرحيات قلدت تجربة (النخلة والجيران) موسيقياً الا أنها أخفقت بسبب التقليد ذاك ولذلك فهي لم تترك أثراً يذكر وكانت الموسيقى فيها سبباً مهماً من أسباب الضعف فيها .
ومن المسرحيات الأجنبية التي نجحت في الاستفادة من الموسيقى مسرحية "فيت روك" (12) للكاتب الأمريكي التقدمي( ميكان تيري) وذلك لمعرفة مخرجها جعفر علي(13) الموسيقى مما جعلهُ يؤلف لها موسيقاها .
وقد تكللت المسرحية بالنجاح لترافق الرؤية الإخراجية وبقية العناصر المسرحية ومنها الموسيقى ومما ساعد المخرج في ذلك أغانيها القصيرة الجميلة مع تفسيره الجميل في المعالجة المسرحية ، المتفق مع المعالجة الموسيقية ، إذ انطلق في ذلك من الإيقاع الصاخب لموسيقى الروك آندرول المنسجم مع الإيقاع الصاخب لأصوات "إطلاق الرصاص" من مختلف الأسلحة التي إستخدمها الأمريكان في حربهم ضد فيتنام . ومن الترافق الحركي المقارن بين سقوط (الفيتنامي) متلوياً برصاص أمريكا مع تلوي الأمريكي راقصاً على أنغام (الروك آندرول) وكانت تجربة متميزة تركت أثرها على مجمل المسيرة المسرحية هذه الأمثلة الثلاثة تعرفنا على التعامل المعاصر مع الموسيقى في المسرح العربي ، على أن هذا الإهتمام نسبي من مخرج لآخر ، فبعض المخرجين يولي الموسيقى أهمية كبيرة . بينما يضعها البعض الآخر في مرتبة ثانوية .
وعلى العموم فأن الموسيقى التي يتم وضعها للدراما المسرحية لا تتم إعتباطاً ، لسد نقص في الإخراج ، أي للإفراغ في المسرحية بل على العكس من ذلك أن الموسيقى تشكل جزء اً هاماً وأكيداً وفاعلاً تماماً في أهميتها كالممثل والإضاءة والديكور . وغيرها من المستلزمات الهامة في تكوين العرض المسرحي .
أن الموسيقى تعني خللاً كبيراً يؤثر على العرض المسرحي إذا أسيء استعمالها في العرض والعكس صحيح الموسيقى تعني كياناً كاملاً من الأحاسيس والمعاني تساعد في توصيل الأفكار والمعاني إلى المشاهد أو أنها تفك رموز ما كان غامضاً من تلك المعاني و الأفكار فأن كل آلة فيها يمكن أن تمثل شخصية من شخصيات المسرحية فالموسيقى بالأساس وجهة نظر مهمة . لشخصية في المسرحية ومجموعة أشخاص تعبر عن ما في داخلهم من وجهت نظر أي أنها تفكير الشخصية بصوت مرتفع ، يمكن للجمهور إدراكه وفهمه .
عندما يدرك (عُطيل) في نهاية المسرحية جريمته التي إرتكبها بحق (دزدمونة) من خلال الحقائق التي توردها (إميليا) لحظة الإدراك تلك ، تحتاج إلى توصيلها (موسيقى) من نوع خاص توضح كيف أن (عُطيل) كان مخدوعاً ، متسرعاً ، إستطاع ( ياجو) أن يوصلهُ إلى ما وصل إليه . هنا لابد أن يضع المخرج موسيقى مؤلفة أو مختارة ، لكن السؤال هو أي نوع من الموسيقى تلك التي يختارها المخرج ؟
من المؤكد أنها تعبر عن شخصية (عُطيل) عندما (يدرك) ، كيف يدرك عُطيل موسيقياً ؟ أن شخصية مثل (عُطيل) بأبعادها المعروفة تحتاج إلى (موسيقى) مزيج من الحيرة – كيف يمكنهُ الإنتقام ثم يعيد الحياة إلى دزدمونة ؟ - و – كيف يمكنه الإنتقام من ياجو ؟ - و – كيف يستطيع أن يعاقب نفسه على تسرعها ؟ وأفكار أخرى كثيرة . إذن هو ارتطام الأفكار هل هي سمفونية (القدر) ( لبتهوفن) ؟ أم مزيج من (الترامبيت) و(الجلو) و(الطبول) بأنواعها موزعة بدقة معبرة عن الوضع الذي يعاني من عُطيل ووصل إليه؟ ثم (مغربي) ليكون (الصولو) المعبر عن عُطيل في وضعهِ هذا .
إذن نخلص إلى القول ، أن الموسيقى في أهميتها تكمل العرض المسرحي ، وعليه يجب أن ترتبط الموسيقى مع جميع الأدوات المعروفة للعرض من أجل التكامل الفني في العرض المسرحي .
الهوامش
1) يوري زافادسكي : حديث أمام المؤتمر الاتحادي العام للمخرجين . نشر في مجلة الفن السوفيتي عام 1940 ، ص276 .
2) يوري زافادسكي : نفس المصدر السابق .
3) جورجي توفستونوكوف : حول مهنة المخرج ، سلسلة علم وفن ، بلغاريا – صوفيا 1970 ص287 .
4) برتولد بريخت : نظرية المسرح الملحمي ، ت: جميل نصيف ، منشورات دار الحرية ، بغداد1970 ، ص260 .
5) ألن دنيور : القيم الروحية والأخلاقية في الموسيقى ، ت:محمد جواد داود ، مجلة القيثارة ، وزارة الإعلام 1989، ص32 .
6) يوري زافادسكي : حديث أمام المؤتمر الاتحادي العام للمخرجين ، ص277 .
7) فيسفولد ماييرخولد : Vesvold Emilievich Mayerhold 9/2/1874 – 2/2/1940 ) واحد من أهم طلاب ستانسلافسكي ودانجنكو ، وواحد من أهم رجالات المسرح الروسي فيما بعد كتب واخرج العديد من المسرحيات لكبار الكتاب ، عمل مخرجا في مسرح ( كوميسارجيفاسكايا ) ، وبعدها مخرجا في مسرح ( أوبرا مارينسكي ) . أسس مسرحه الخاص وقاده من العام 1920 وحتى العام 1938 . هو وفاختانجوف رافقا جوردن كريج عند إخراجه لمسرحية (هاملت) في مسرح موسكو الفني ، بدعوة من ستانسلافسكي . أضاف لعمل المخرج في المسرح (ممثل المستقبل) و(البايو ميكانيكا) 0
8) طارق حسون فريد : أستاذ الموسيقى في معهد الدراسات النغمية و معهد وكلية الفنون الجميلة . مؤلف موسيقي . ألف واختار موسيقى العديد من المسرحيات ومنها مسرحية (المفتاح) . له بحوث ودراسات مهمة ، أشرف ويشرف على العديد من مراكز التوثيق الموسيقي في العراق وبعض الدول العربية . لا يزال يدرس الموسيقى في قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة – بغداد .
9) مسرحية المفتاح تأليف : يوسف العاني وإخراج : سامي عبد الحميد .
1] خشيبه : تصغير لكلمة خشبه . 2] نودي : ميلي يمينا ويسارا ، أو ، ميلي أمام وخلف
3] وديني : بمعنى خذيني 4] جدودي : أجدادي ، مفردها (جد) أي والد ألأم أو الأب
4] بطرف : أي بأطراف 5] جابولي : قدمولي هدية 6] ثوب : جلابية 7] كعكة: حلوى
10) غائب طعمة فرمان : هو واحد من أهم الروائيين العراقيين ، ولد ببغداد عام 1926م ، ومن أهم رواياته : النخلة والجيران ، المخاض ، الآلام السيد معروف ، خمسة أصوات ، القربان ، ظلال على النافذة ، المرتجى والمؤجل ، حصيد الرحى ، مولود آخر وغيرها . ترجم عن الروسية العديد من الكتب والروايات من إصدارات دار التقدم (رادوغا) ، أهمها المجموعة القصصية والروائية لكل من : تولستوي و تورغنيف ، وآخرين . عاش اغلب سني حياته في موسكو حتى مات فيها عام 1990م ، في بدايات القرن الواحد والعشرين .
11) حسين قدوري : أحد كبار المؤلفين الموسيقيين ، ولد بقضاء المسّيب في مدينة الحلة عام 1929م ، له بحوث في الموروثات الموسيقية الشعبية ، باحث متخصص في مجال الأغاني ولعب الأطفال العراقية والعربية وله أكثر من عشر مؤلفات في هذا المجال ، عمل على جمع أغاني الأطفال ، مع نوتاتها . عمل أستاذا للموسيقى في معهد الفنون الجميلة ومعهد الدراسات الموسيقية . أحد أعضاء فرقة الرباعي الوتري الموسيقية : مع غانم حداد ، سالم حسين ، حسين عبد الله . ألف واختار الموسيقى لعدد من المسرحيات منها مسرحية( النخلة والجيران ) لقاسم محمد 1969م .
12) فييت روك : عنوان مركب من [ فييت : وهي الجزء الأول من أسم (فيتنام) ] [ روك : وهي الجزء الأول من اسم الرقصة الأمريكية الشهيرة (روك – أند رول) ] . أما المعنى المطلوب فيراد به المقارنة بين سقوط (الفيتنامي) متلوياً برصاص الأمريكان ، شبيه بتلوي الأمريكي راقصاً على أنغام (الروك آندرول) .
13) جعفر علي : ولد في بغداد عام1933م ، ودرس السينما في أميركا في جامعة ايوا ، أخرج أفلاما تسجيليه وأربعة أفلام روائية هي : (الجابي 1968 ) و(المنعطف 1975) و(سنوات العمر1976) و( نرجس عروس كردستان 1991) ، أسس فرقة [ مسرح اليوم ] عام 1969م مع قاسم حول ونور الدين فارس وأحمد فياض المفرجي ونجيب عربو عمل أستاذاً و رئيساً لقسم السينما في الأكاديمية . اخرج عددا من المسرحيات منها : (فييت روك) و (أين تقف؟) . وأخرج عدة تمثيليات للتلفزيون . ألف وترجم العديد من الدراسات والمسرحيات والسيناريوهات والسينمائية منها كتاب (فهم السينما) الذي ألفهُ لوي دي جانيتي وترجمه جعفر علي . كان فنان متعدد المواهب فهو موسيقي بارع ومترجم وممثل أيضا . توفي عام 1997م ببغداد .
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption