الموسيقا لا تطرق الابواب لتساند الانسان Music does not knock on doors to support people
مجلة الفنون المسرحية
الموسيقا لا تطرق الابواب لتساند الانسان
Music does not knock on doors to support people
أنيس حمود
العراق/ جامعة بابل/ كلية الفنون الجميلة/ قسم الفنون المسرحية
ANIES HAMOOD
University of Babylon /Iraq
Faculty of Fine/Theater Arts Department
المقدمة.
تعد الموسيقا لغة جمالية تخاطب إحساس ووجدان جميع الشعوب رغم اختلاف
لهجاتهم وثقافاتهم، فهي فن متكامل يرتكز على عناصر هامة واساسية لإظهار شكله، وتؤدي دورًا مهماً في حياة الإنسان، فهي تسمو بالفكر وترتقي بمستوى الوعي الفني وتنمية ملكة الابتكار والابداع.
الموسيقى جزء لا يتجزأ من المجتمع في جميع أنحاء العالم تغذي الروح وترسم خريطة العواطف, في عصرنا أصبحت فيه الموسيقا سهلة المنال, نتيجة التحول إلى العصر الرقمي الذي لا يمكن إنكاره في عالم الموسيقا, وبغض النظر عن المسار الذي تسلكه الموسيقا, هناك دائما شيء واحد بقي كما هو, حتى وقتنا هذا وهو عندما يتوقف الموسيقيين عن العزف فان الموسيقا تتوقف.
حينما يبدو العالم كطفل خائف أمام فزع كبير, ظلت الموسيقا اللغة الوحيدة التي تربط بين مختلف الشعوب، تواصل دورتها ودورها، توثق الأوضاع، وتُسكن آلام المتضررين, يقف العالم لحظات صمت وحزن في الأزمات والحروب والأوبئة, أحيانا عندما تزداد الأمور قتامة، عليك أن تقاومها بضحكة كبيرة، وبينما يتسابق الباحثون والحكومات حول العالم للعثور على لقاح يكافح الفيروس, هناك بعض الدول التي تحاول تجنب الذعر بالقليل من الموسيقا, في محاولة للتغلب على هذا الخوف, وكآلية للتنفيس كنوع من التخفيف, وليس استهانة بالفيروس وما يسببه.
الهدف من الورقة: بيان أهمية الأدوار المتنوعة التي تؤديها الموسيقا, في مساندة الانسان.
استعملت دول الحلفاء سيمفونية بيتهوفن الخامسة, التي تعني حركاتها الافتتاحية الأربعة
حرف V في شيفرة مورس, كرمز للمقاومة ضد الألمان خلال الحرب العالمية الثانية, وبالتالي أصبحت الرموز (نقطة-نقطة-نقطة-شرطة) بمثابة موتيف موسيقي, وبدأت محطات الراديو بثها
مصحوبا بالصوت الشهير لسيمفونية بيتهوفن "تا تا تا دا" الذي أُطلق عليه (القدر يقرع الباب).
ما السر وراء بضع حركات موسيقية؟ هناك الكثير على ما يبدو, فالموسيقا لها قوة تهابها الأنظمة المتسلطة, ما يدفعها لفرض رقابة على التعبير الموسيقي الذي لا تخدم الحاجات الإيديولوجية للدولة, والموسيقى كانت دوما مساحة للتعبير القوي عن المقاومة خلال الحروب.
أدّى "شوستاكوفيتش" سيمفونيته (حصار ليننجراند) لأول مرة أثناء حصار المدينة, وفي حركتها الاخيرة توحي بقرب الانتصار, فكانت الموسيقا خير أنيس لهم, لقد باتت في ذلك الوقت رمزا قويا للمقاومة, ومنحت المحاصَرين أملًا ورفعت معنوياتهم, ومثلت تحديا ضد محاصِريهم.
لقد كان للبوق فضائل كثيرة, باعتباره أداة تكتيكية لإرسال الإشارات في أرض المعركة فصوته بإمكانه اختراق ضجيج المعركة, قبل ذلك, استخدمه الرومان للاتصال وتكوين التشكيلات العسكرية, اذ تُبعث رسائل القادة على هيئة نغمات يلتقطها الجنود فيشرعون في الامتثال لأوامرها, وحتى لإلهاب حماسة الجيش.
إن استخدام الموسيقا في ميدان الحرب له دوران رئيسان, أحدهما نفسي، بهدف رفع الحالة المعنوية للجنود وحثهم على المحاربة بكل قوة، والآخر يرتبط بالتواصل بين أفراد الجيش الواحد ولما للموسيقا من قوة تأثير, استعملتها الحكومات كأداة دعائية لشن الحروب النفسية, بينما كانت الترانيم الوطنية الوسيلة الدعائية الأبسط والأكثر فعالية في تعزيز الروح الوطنية, إن تحديد محتوى واتجاه الموسيقا يمكنه أن يساعد في الترويج لسردية بعينها.
ومما لا شك فيه ان النشيد الوطني هو أحد أهم الرموز الوطنية للدولة، ويقوم بدور كبير في شحذ الروح المعنوية للمواطنين, وجمعهم على أهداف سامية تسعى لها البلاد , فهو شعرٌ ولحنٌ يسموان على كل الأشعار والألحان, يُلقى ويُستمع إليه وقوفاً، تعبيراً عن الاحترام الذي يليق به, قد لا يستغرق إلقاؤه أكثر من دقيقة، ولكن يا لها من دقيقة مهيبة، ويا لعظمة الصور التي تتوالى خلالها, تختزل مجموعة قِيَم، مهما تنوَّعت وتلوَّنت، تبقى مصدر فخر واعتزاز.
كل ذلك يوضح الوظيفة المهمة للموسيقا, سواء كانت كلاسيكية أو شعبية, إن الأمل هو روح الثورات, والموسيقا هي وقود ذلك الأمل, قد لا يكون بوسع الموسيقا كسر حصار, أو الإطاحة بحكومة, أو تغيير سياسة, لكنها ستقوي عزيمة الناس وتبث فيهم الأمل لفعل ذلك.
والموسيقا أداة تنددا بالعدوان وادانة الحروب وتدعو للسلام, هي اداة التعبير عن مقاومة
الشعوب وآمالها, الموسيقا والسلام كيان واحد لا يجتزئ لا يوجد سلام من غير موسيقا
ولا موسيقا من غير سلام, ولها دورٌ فعال في البناء وعملية التوجيه السلوكي والتربوي, وفي تعزيز قيم المحبة والتآخي والسلام، ونبذ العنف والكراهية.
كان أفلاطون أول من منح الموسيقا وظيفة واضحة فقال: يجب عزف موسيقا تثير التفاؤل والشجاعة لسكان المدينة الفاضلة, لا تحتاج الشعوب في تواصلها للغة منطوقة، لأن هناك لغة تستغني عن المترجمين، وهذا ما استند إليه منظمة الصحة العالمية, اذ اجتمع نجوم العالم لمدة 6 ساعات, يقدمون افضل اغانيهم للمليارات حول العالم يغنون مجانا, بحفل افتراضي (عالم واحد, معا في المنزل) لجمع التبرعات, ولتكون وحدة عالمية في مكافحة كوفيد 19, قد نكون متباعدين جسدياً, لكن بإمكاننا الاتحاد معًا على الإنترنت من خلال الموسيقا, إن حفل One World: Together at Home يجسد اتحادنا معًا ضد عدو مشترك.
في البلد الذي نشأ فيه الفيروس، اجتمع أبرز نجوم الأفلام والرموز الموسيقية الصينة كجاكي شان، وغيره, لغناء((Believe Love Will Triumph لرفع معنويات الشعب ومنحه الأمل, وتقول كلمات نشيد(نحن العالم)الذي يبث عبر وسائل الإعلام الرسمية الصينية:
من أجلك أقاتل بحياتي حتى في مواجهة أمطار الرصاص.
عبر باب الحياة والموت أتعهد بأنني لن أتركك.
أصعب شيء هو الاستسلام لذا سأبقى هادئًا من أجلك.
(منا، لأجلكم) اجتمعت أوركسترا روتردام الفلهارمونية الهولندية, 19 موسيقيا وعازفا، عزلوا أنفسهم في منازلهم، لتقديم عرض افتراضي لمقطع كورالي من السمفونية التاسعة للموسيقار الألماني الشهير بيتهوفن, وقصيدة الفرح (نشيد الفرح) التي كتبها الشاعر والمسرحي شيلر في عام 1785، ولحنها بيتهوفن وأدرجها في المقطع الرابع والأخير من السيمفونية ، وهي تستعمل اليوم كنشيد قومي للاتحاد الأوروبي, وقام العازفون 19بتسجيل كل مسار صوتي أو مقطع موسيقي، في الوقت المناسب في غرف بمنازل الموسيقيين، ثم جمعت معا لتشكل القسم الأخير
الرائع من (الكورال)، ثم أضافوا صوت الجوقة الغنائي إلى عزفهم، وكانت النتيجة رائعة للغاية.
وقال الموسيقيون، الذين عرفوا بأنفسهم: نحن نتكيف مع واقع جديد، وعلينا إيجاد الحلول لدعم
بعضنا البعض, وأضافوا "تساعدنا القوى الإبداعية، دعنا نفكر خارج الصندوق، ونستخدم الابتكار للحفاظ على اتصالنا وجعله يعمل معا, لأنه إذا فعلناها معا، فسننجح".
فاجأ نجوم الغناء في العالم بحفل استثنائي لمصلحة المحاربين ضد فيروس كورونا من
أطباء وممرضون وعلماء في الصفوف الأمامية, قدم هذا القدر اليسير من التوعية والترفيه في أن يغذي ويوقد العزيمة, وحمل اسم(I Heart Living Room Concert for America) حيث امتزجت أصوات المطربين من منازلهم، في مبادرة خيرية كان الهدف منها النصح وحث جمهورهم على البقاء في منازلهم، وعدم التواجد في الأماكن المزدحمة, ولدعم الجهود الرامية لمحاربة تفشي كورونا, واستمر الحفل ساعة واحدة، بثت ممن محطة فوكس دون إعلانات، وهو أكبر جهد فني مشترك لرفع الروح المعنوية خلال فترة مكافحة الوباء، ولجمع الأموال، دعماً لمن يواجهون المرض في الصفوف الأمامية ولتذكير بغسل الايادي باستمرار، والحفاظ على التباعد الاجتماعي لمنع انتشار الفيروس
وتم تصوير كل الفقرات التي تضمنها الحفل بالهواتف الذكية، أو الكاميرات المنزلية، أو عبر منصات على الإنترنت, وتضمنت رسائل وقصص شخصية رواها أطباء وممرضون وسائقو شاحنات وعاملون في متاجر, وآخرون من الذين ينزلون لأعمالهم, فيما يخضع ملايين البقاء في المنزل, وشجع الحفل، المستمعين والمشاهدين على التبرع لمنظمتين خيريتين.
فالموسيقا ما هي إلا صوت خلقها الله تعالى فحسنها حسن وقبيحها قبيح, ان ما قدم تضمن مساندة فعلية في هذه الأزمة الحالية, فالجميع بذلوا مالا وجهدا ليقدموا موسيقا, ولم يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه الأزمة, رغم أن يطرح في وقت استثنائي، ولا يوجد مزاج عام للناس, لكن هذه الموسيقا قد تكون سببا في حماسة الناس وقت الأزمة الحالية, عبر رسائل إنسانية وطنية وتوعوية، تعزز المسؤولية المجتمعية، وتنشر أهمية الحفاظ على الوطن والنفس، والالتزام بالإجراءات الاحترازية والوقائية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق