أختيار لغة الموقع
أخبار مسرحية
آخر المنشورات في صور
إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
الجمعة، 7 يوليو 2017
الجمعة، 30 يونيو 2017
التحول في مفهوم الفرجة وقصدية القطع مع صيغ الحكي التقليدية
مجلة الفنون المسرحية
التحول في مفهوم الفرجة وقصدية القطع مع صيغ الحكي التقليدية
عبدالرحيم الإدريسي - مجلة الفيصل
وإن هذا الاستسهال لا يمكن دفعه إلا بمداخل نظرية، أهمها:
أولًا- يعد الدرامي أصل بناء الحكي Le recit. والحكي لا يشير إلى الخطاب، بل إلى المؤدَّى السردي، بخلاف السرد الذي يضطلع بتعيين محفل الأداء والتلفظ ويدل على فعل السرد الذي له طبيعة تداولية تستند إلى تحققات نصية وغير نصية مفتوحة، وتجعل الحكي المسرحي يتحقق بوسائل أخرى غيرِ اللغة مثل الأداء المسرحي والصورة والوثيقة. ويبدو من الصعب في الفرجات المعاصرة عرضُ فعل من دون أن نحكي شيئًا، ولا يُهم أن يكون الأثر السردي حكايةً مبنية أو مجردَ مُسَوَّدة حكاية. في كل تجربة درامية أو ما بعد درامية نكتشف بداية محكي أو إمكانية حكاية يُقدم المتفرج على إكمالهما أو تخيلهما. إننا دائمًا نحكي شيئًا.
ثانيًا- نفترض نظريًّا السردَ Narration خاصيةً قد ترد في نصوص تخييلية مختلفة غيرِ حكائية (الشعر والمسرح والسينما)، أو غيرِ تخييلية (الإشهار، والتاريخ، والوثيقة، ومحضر حول واقعة أو اعتراف، وقصاصات صِحافية وتحقيقات…). ولا يمكن بموجب هذا الحد عدُّ السرد عنصرًا حاسمًا في تحديد هوية النوع المسرحي، إنما يمكن أن يتساوى مع مكونات أخرى في هذا التحديد، ويرسمَ طريقة تجريبية ملموسة في التمثيل، تتسع فيه دوائر التخييل واللاتخييل وتتنوع أشكالها.
ثالثًا- إن فعالية السرد في مسرح ما بعد الدراما تتحقق في خبرة تتخذ من التخييل وسيلةً أساسًا لها. وتكتسب هذه الخبرة صبغة تمثيل Représentation وإدراكٍ معرفي وثقافي لا تتسع للحكايات الكبرى والأنساق المغلقة. وهذا أمر بالغ الدلالة في الفنون الأدائية، فالتمثيل السردي في المسرح ليس خلقًا لوهم المركزية أو إحالةً على عوالم يمكن أن تُنكرها «الحقائق الخاصة»، بل هو تخييل يقوم على الانتقاء والفصل وعزل عالم مصغر ووضعِه بين صيغتين (صيغتا الواقع والتخييل) ما يؤدي إلى خلق طبقات تخييلية فرجوية تحكمها «مرجعيات مفتوحة»، هي المرجعيات التي تستند إليها دراماتورجيا المتفرج وتسقط التخييل على الواقع. لذلك، فإن الأداء، من هذه الزاوية، وهو يسعى للتخلص من أسبقية المعايير الدرامية، لا يشكو من «انكفاء الفعل» ولا يحرص على مركزيته، فهو في كل مكان، لكنه (الأداء) يحتاج إلى «محكيات جزئية» يحولها إلى عالم فرجوي مكتفٍ بذاته ومنشغل بسؤال الكتابة وما يشترطه في العرض من حرية ومن إمكان الاستهداء إلى الذاكرة والاشتباه بين الواقع والتخييل.
الاحتفاء بانهيار المعنى
من أعمال وجدي معوض |
(Anne Monfort. Après le postdramatique: narration et fiction entre écriture de plateau et théâtre néo-dramatique. Mondes en narration N.3 | 2009.)
يقوم المنحى الأول على رصد تصور هذه الفرجات للسرد كلغة وإمكانية قبل تحقق تتبعِها في المنجز المسرحي، أفضى هذا التتبع إلى استنتاج أساسه أن المسرح المابعد الدرامي يستند إلى السرد في تركيب انشطاري دالّ على قصدٍ في عدم الانشغال بتأمين الوشائج بين مِفصل السرد ومفاصل أخرى، بقدر ما هو حريص على استنبات التدمير الذاتي والاحتفاءِ بانهيار المعنى والأشكال المعهودة، بقطعها وإعادة بنائها بالمجاورة، وتمكينِ السرد من عرض التخييلي واللاتخييلي. أما المنحى الثاني فيتغيا تأمل فعلِ السرد في الفرجات البديلة من خارج سياقه النوعي (السرديات اللغوية) بما يتيح تحليل صورٍ لخصائصِ الفرجات البديلة التي لا تتحقق بين الكتابة والعرض، إنما تنبني سيرورتها المشهدية عبر الفرجة وفي أثنائها. هذان المنحيان يقودان إلى صلب الأسئلة المربكة، من قبيل: لماذا المسرح المابعد الدرامي مثلًا انعطف إلى السرد، على الرغم من حضوره في المسرح الدرامي؟
إن الفرجة المابعد الدرامية أكدت قصدية القطع مع كل صيغ الحكي التي تشير إلى الأشكال الدرامية التقليدية، ومفهوم السرد هنا غيرُ أشكال الحكي التي تصنعها مثلًا محكيات التراجيديا القديمة أو الحكي الداخلي في عمل درامي، بل سرد ينظر إليه من جهة حصيلته الأدائية، حيث إن الفرجة انحازت إلى سردية فرجوية تَحوَّل معها هذا الانحياز إلى إِشكال، سواء من منظور مشروعه الدراماتورجي كفعل فرجوي أو من منظور التلقي المسرحي.
منذ عشر سنوات تَشكَّل في الفرجات الأوربية توجهان يمكن أن يوصفا كتحقق للمسرح المابعد الدرامي:
الأول: الكتابة الرُّكحية « Lécriture de plateau » كما يحددها Bruno Tackels (Tackels, Bruno (2001) : Fragments d’un théâtre amoureux.Les Solitaires intempestifs). التي حوَّلت مفهوم الكتابة السردية إلى مركز المشروع الدراماتورجي بمكوناته البصرية والكوريغرافية، فتؤدَّى الكتابة ُالسردية من خلال مجموعِ الوسائط المكونة للفرجة، ويتحكم في هذه الكتابة وضعٌ خاص على مستوى التلقي، مثلًا في السرد البصري يُصبح من اللازم إخراجُُ الصور من مستواها البصري إلى سياقها الفني المسرحي، ولا يمكن لهذه الخطوة أن تتحقق إلا بوجود متلقٍّ قادر على تحويل الصورة من خطها البصري كلغة إلى الحقل الذهني؛ لاستيعاب ممكنات ظهور المعنى لدى المشاهد، فنكون في هذا المستوى أمام فرجة تتحول العين معها من الإبصار إلى النظر.
الثاني: مفهوم مسرح الدراما الجديدة «Théâtre néo-dramatique» وهو تمسرح يقوم فيه نص الشخصيات والتخييل على أساس عمل مشهدي Travail scénique حتى لو قُوِّض النصُ وحُطِّمت الشخصيات، وصار التخييل محلّ سؤال، وبخاصة أمام تدفق الموضوع الوثائقي وانتفاءِ التخييلي من السردي (مجدي معوض)، مثلما نرى في محكيات القول الصحافي. في ضوء هذا التصور ترى «آن مونفور Anne Monfort» في مقارنتها بين مفهومي الكتابة الركحية ومسرح الدراما الجديدة، أنهما معًا يتجهان إلى إعادة النظر في المقولات الكلاسيكية للمحاكاة والحكي بما أنهما يتأرجحان بين الافتراضية والواقعية، فيتكفل الحكي، بالمقابل، داخل التمثيل المسرحي المعاصر بضمان التحول من خلال مستجدات الأحداث، ويصبح الجمهور أمام عالم مستمر الدوران السردي الذي به يصل المتلقي إلى تشكيل صورته التخييلية الخاصة.
الوهم الواقعي
لكن في أشكالِ كثيرة للكتابة الركحية مثلما في الرقص المعاصر أو الفرجة يصبح التخييل الذاتي أو الجماعي إبدالًا سرديًّا، كأن يضع الكاتب ذاتَه في المشهد حين يمر مفهوم التخييل الذاتي من الكاتب إلى الممثل، أو أن يؤدي الممثلُ فيه محكياتِه الذاتية باسمه كسارد، فيتقلب دوره بين التمثيل والأداء، محدثًا بذلك كسرًا – فجوةً كامنة في العرض بين التخييل واللاتخييل، هذه الوضعية عكست لدى «ليمان» سؤالًا مؤسسًا للمسرح المابعد الدرامي تتحين فيه من خلال هذا الكسر الكامن، صورُ التعايش أو التجاورِ بين مستويات التخييل واللاتخييل. Lehmann. P.205) ) وهذا هو مصدر «الوهم الواقعي»؛ لأن العرض يحكي «الواقع» من خلال التخييل، ولا يمكنه أن يستند إلى التخييل إلا من خلال إسقاط الواقعي المرئي والمحسوس عبر اسم الكاتب أو الممثل وبعضِ إحالاتهما هنا وهناك. فلا يمكن لمحكيات «واقعية» أن توجَد إلا من خلال ممكنات التخييل ذاتِه للإيهام بحدث درامي. وهذا الوضع لا يخص حجم «الحقيقة»، بل يدل على صيغة في تصورها. إن الوهم هو ما يأتي من الواقع، أما الحقيقة فموجودة بين مكونات العرض المتعددة والمفتوحة.
لذلك، فالمؤدي لا يفكر في «سيرته»، كصورة طبق الأصل، بل يريد صوغًا سرديًّا من صنع «ذاكرته»، لا من صنع الوقائع فقط. وذاك ما تدعو إليه الفرجة وتقوم بالتمثيل له من خلال كل محكياتها؛ فالكاتب – المخرج – الممثل ذاتُه ليس سوى نسخة، أما الأصل فموجود في مكان آخر، هو الشخصية، الصوت الخفي – الظاهر الذي يكتب أو يؤدي حكايات الممثلين بطريقته الخاصة. لكن هذا الأمر لا يعني تقابلًا بين «واقع» و«خيال»، بل نحن أمام تأرجح بين «أنا» اليقين الواقعي في حكايات الممثلين من جهة، وبين «أنا» الاشتباه التخييلي والتمثيلِ اللاحق الذي سيُحول الوقائعَ الحياتية إلى محكيات مسرحية، توهم بالقطعية، وهي، تبعًا لذلك، مدرجةٌ ضمن «ميثاق واقعي» يضمنه اسم المؤدِّي، من حيث توقّعُ دورِه في الكتابة وتقطعاتُ صور من حياته داخل حالات حكيِ واقعي، هو في الأصل جزء من انسيابية إيقاع مألوف، لكن التحويل المابعد الدرامي يقطع تحبيك هذا الإيقاع ويوقف سريانه بما أنه نسيج بنائي تقليدي رابط. إن الإيحاء بواقعية الحكاية هو الذي يسوغ تخييلية السرد التي يواجه الأداءُ المسرحي تعذرها تحت ضغط نفور مسرح ما بعد الدراما من مكونَيِ «الحدث» و«الحكاية» fable واستنادِه إلى سردية «موقف» أو حالة. وذاك هو مصدر «الصنعة» السردية في هذه الممارسة المسرحية وقيمةُ المضاف فيها أيضًا.
الخميس، 29 يونيو 2017
غنام غنام.. الشيخ الكنتي.. قراءة في مسرح الجلسة..
مجلة الفنون المسرحية
غنام غنام.. الشيخ الكنتي.. قراءة في مسرح الجلسة..
هايل المذابي
غنام غنام.. الشيخ الكنتي.. قراءة في مسرح الجلسة..
هايل المذابي
في جدول "بريخت" كان "أرسطو" يشدد على ضرورة تماهي الفنان في الشخصية و لدى "بريخت" فإن على الفنان الابتعاد عن التماهي.
و لعل المدهش عربياً و في تجربة "غنام غنام" التي أطلق عليها "مسرح الجلسة" أن "غنام" يؤكد بعيدا عن رأي "أرسطو" و "بريخت" على أن الجوهر في المسرح هو التفاعل و المشاركة بأنواعها الثلاثة:
وجدانية
و حركية
و إدراكية
و يعزز ذلك بخصائص الحكاية التي تتطلب التداعيات لإحداث التفاعل و المشاركة لدى المتلقي بل و التأثير الذي قد يستمر لديه لأوقات طويلة و يحثه كدافع خارجي لفعل أشياء كثيرة و هذه كلها سمات عصرية و حيوية..
لماذا إلتزم "غنام" طريق القص و الحكاية و السير الشعبية..؟
كانت العرب قديماً، تسمي الشيخ الكبير بالشيخ الكنتي ( مِن كنتُ ) لأنه يحكي قصصه، يحكي كثيرا، يحكي أكثر من الذي لا يجد ما يحكي لأنه لا يزال في دوامة الأحداث . و يحكي أكثر ليعيد بناء هوية قوامها صنع الحدث، لكنها اليوم بعيدة عن تلك الفاعلية، هي، بعبارة محددة، مهددة بالفناء و تريد البقاء و ( الوجود ).
من هذا أستطيع أن أطلق على "غنام" لقب "الشيخ الكنتي" لأنه فعلها بامتياز و حمل على عاتقه ألا تضيع القضية و ألا تضيع حكاياتها..
إن الفرد مثل الجماعة يحكي ليجدد هويته، وليستبصرها عميقا، وليمدها بمعرفة تبدو – وهماً - معروفة من قبل لكنها تغدو معروفة - حقاً- عبر التشفير الرمزي ؛ أي تحويلها إلى أشكال رمزية كما يرى السيميائي" كاسير".
وبذلك تنتقل من هلام مفكك يتمدد في الوعي واللاوعي إلى صور محددة في الإدراك المتعيّن باللغة. تمارس الذوات المفردة حكاياتها لتعلن عن وجودها ( أنا أحكي إذن أنا موجود ) ، فوجودها بدون الحكي يعني الوجود غير المبين.
اللغة داخل خطاب السرد هي من يهبنا صورةً بنيوية، و إلا فنحن حكايات مشتتة ؛ حكايات لا هوية لها ، ولا تأخذ هويتها إلا بالسرد. هكذا يرتبط الحكي بالجماعة كما يرتبط بالفرد.
أيّ جماعة تحكي لتشكل هويتها، تحكي لتكون، وفي عوالم أقطاب الدراسات الثقافية فإن الحكي هو الأمة The Narration Is The Nation، و كل حكي يشمل " مجموعة قصص وصور ومشاهد وسيناريوهات وحوادث تاريخية ورموز وطقوس قومية ترمز إلى أو تمثل التجارب المشتركة والمآسي والانتصارات والويلات التي تضفي على الأمة معنى.
و إذا كان الأمر كذلك ، فالأمة تحكي لتعيد تشكيل ذاتها ؛ لترسم معالم هويتها ؛ لماذا يحكي السود رحلة العذاب والعبودية بين أفريقيا والعالم الجديد ؟
ولماذا يحكي اليهود الشتات ؟
ولماذا يحكي العرب سيرة أجدادهم في هذا الزمن بالذات ؟.
السؤال: لماذا نحكي ؟
الإجابة على هذا السؤال تقول لا يوجد سوى أسئلة أخرى للإجابة عليه: لماذا الحب؟
لماذا الإنسانية؟
لماذا المجتمع؟
و لماذا تنتظم الأكوان و تتحرك و تسير إلى غاية؟
هنا يحين الجواب:
إن طلب التجمع أصيل في أعماق كل موجود، فهو عنوان على الوحدة، و على وجود المتنوع من أبناء الأسرة الواحدة، و على رجو الذرية إلى أمها الكبرى " الأرض".. في بعض قبائل أفريقيا يوجد تقليد يسمونه "تقليد أكين" و الأكين هو الذاكرة التي تحفظ و تحكي حكايات القبيلة و عندما يشعر بأنه سيموت يختار أكيناً آخر و يخبره بكل أسرار القبيلة و حكاياتها و هكذا تحفظ القبيلة أمجادها و انتصاراتها..
إن "غنام" يقدم نموذج المسرحي الإنسان صاحب القضيتان "قضية المسرح و قضية فلسطين" الأولى من أجل الثانية و من أجل الإنسانية و الثانية من أجل الكرامة و الحرية و العدالة..
هذا النموذج من المسرح يشبه فرق السيرك الجوالة لكنه نموذج يحمل قضية و في سبيلها يهون كل شيء..
الأربعاء، 7 يونيو 2017
تصور جديد للفضاء المسرحي وجماليات العرض
مجلة الفنون المسرحية
تصور جديد للفضاء المسرحي وجماليات العرض
عواد علي
يشير مفهوم “المثاقفة” إلى التفاعل بين الثقافات، والسعي إلى الانفتاح من دون انصهار، وإبراز الذات من دون انغلاق. وقد عرّف عالم الاجتماع الفرنسي ميشيل دوكوستر المثاقفة بكونها جماع التفاعلات التي تحدث نتيجة شكل من أشكال الاتصال بين الثقافات المختلفة كالتأثير والتأثر والاستيراد والحوار والرفض والتمثّل، وغير ذلك مما يؤدي إلى ظهور عناصر جديدة في طريقة التفكير وأسلوب معالجة القضايا وتحليل الإشكاليات.
المثاقفة من المفاهيم الشائكة التي تضعنا أمام إشكالات من قبيل “استغلال ثقافات الضعفاء”. ويُعد الفن المسرحي من أبرز حقول المثقافة، فهو لا يعيش إلاّ في إطار الحوار الفني والتلاقح الثقافي بين الشعوب، وأي تصور انطوائي سيحكم عليه بالموت والانتحار البطيء.
وبرزت الحاجة إلى المثاقفة المسرحية في المسرح الغربي المعاصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ليس بهدف الانفتاح على الثقافات الفرجوية الأخرى، بل لتجاوز حالة العقم التي عمت مجموعة من المسارح الأوروبية.
ذلك ما يؤكده الباحث المسرحي المغربي خالد أمين في تقديمه لكتاب الباحثة الألمانية إيريكا فيشر ليشته “مسرح المثاقفة وتناسج ثقافات الفرجة”، الذي ترجمه إلى العربية، وصدر عن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة في طنجة.
مسرح المثاقفة حين يسعى إلى ترسيخ مسرح كوني، كما هي الحال بالنسبة إلى بروك، لا يهتم بالهويات الثقافية
استبدال التناسج بالمثاقفة
تعمدت فيشر استبدال مفهوم “التناسج” بـ”المثاقفة” لإحالته على النسيج، والأهم من ذلك هو ازدواجية وظيفته التي تعمل على مستويين: الكثير من الخيوط الحريرية تلتئم في ضفيرة واحدة، كما تنسج هذه الضفائر بدورها لتشكل قطعة ثوب.
بنفس التشابك المعقد، تتناسج الثقافات المسرحية في ما بينها بحيث يصعب عزل عناصر بعينها عن أخرى، ذلك أنها تخضع لمنطق التحول التاريخي، الجمالي، والفضائي أيضا، ومن ثم تكون مشرعة على إبداع فضاءات ثالثة.
يستشرف مشروع تناسج الثقافات المسرحية أفقا جديدا من التنوع الفرجوي عوض السقوط في أوربَة أو تنميط الثقافات المسرحية غير الغربية، ذلك أن المفهوم الجديد يضع اليد بشكل دقيق على جوهر الثقافة من حيث هي سيرورة مستمرة ومجددة لبنية الاختلاف.
وبفضل ظاهرة التناسج يتضمن المسرح قابلية هائلة لانصهار الهويات الهاربة والمجموعات المهاجرة واندماجها، لكن البحث المسرحي لم ينتبه لهذا الجانب إطلاقا.
في السياق ذاته ما زالت القابلية المثالية الكامنة في الفرجات التي تعتمد على تفاعل فنانين من ثقافات وتقاليد مختلفة في ظل عالم معولم وسريع التحول، حسب فيشر، في حاجة إلى اهتمام نقدي أكثر دقة من مجرد احتفاء بالتنوع.
يحتوي الكتاب على ثلاثة فصول تتدرج في إطار أطروحة تسعى إلى تحديد دواعي الانتقال من مسرح المثاقفة إلى تناسج ثقافات الفرجة. بعنوان “مسرح المثاقفة”، تركز فيشر على النصف الأول من القرن العشرين، عادّة إياه فترة مؤسسة في تطور المسرح، نهل خلالها بعض رواد المسرح الغربي من المسرح الشرقي.
وكان من ثمار هذا الانفتاح دحض كل ما هو أدبي وواقعي نفسي في مسرح الوهم، وتقديم تصور جديد للفضاء المسرحي وسيرورة العرض المسرحي. وبالمقابل آمن دعاة المسرح الجديد في الشرق بأن الأشكال المسرحية التقليدية أضحت بائدة وتقليدية وعاجزة عن مواكبة هموم وقضايا المجتمع الحديث.
على غرار أطروحة الناقد الهندي رستم بهاروشا، ترى فيشر أن مسرح المثاقفة حين يسعى إلى ترسيخ مسرح كوني، كما هي الحال بالنسبة إلى بروك، لا يهتم بالهويات الثقافية، لأنه يولي “التجانس الإنساني” اهتماما بالغا، كون “المثاقفة المسرحية” لها جانب سياسي أيضا ينبغي عدم تجاهله، وهو مرتبط بالعلاقات السلطوية بين الثقافات.
كما تصطلح فيشر على عملية تبني التقاليد الفرجوية الوافدة بـ”التلقي المنتج”، ففرجة المثاقفة في سعيها نحو التلقي المنتج تخضع العناصر المسرحية لتغيير جذري بهدف توسيع الإمكانات التعبيرية، أو إحداث شكل مسرحي جديد.
العلاقات السلطوية
تحت عنوان “تناسج ثقافات الفرجة”، تعتبر فيشر أن اتساع التفاعل بين عناصر فرجوية يعزى إلى انتمائها إلى ثقافات مختلفة تنقل الفنانين بين العوالم بفضل وسائل النقل والمهرجانات، بحيث أصبح تداخل الثقافات داخل الفرجة ممارسة شائعة؛ لأن العروض تسافر من بلد إلى آخر ومن قارة إلى أخرى ومن مهرجان دولي إلى آخر.
وأثناء عملية الارتحال تكتسب الفرجة بعدا جماليا جديدا، إذ تخضع للتغيير حسب متطلبات السياق الجديد والحاضن إلى الحد الذي يصعب معه تحديد منبع الفرجة وانتمائها الهوياتي.
أما الفصل الثالث المعنون بـ”حوار المثاقفة المسرحية”، فيضم حوارا ذا أبعاد ثقافية تشي بدور رستم بهاروشا وخالد أمين في تعميق النقاش الدولي حول مسرح المثاقفة. تكشف فيشر في هذا الحوار عن تاريخ بدء تداول مصطلح “المسرح بين- الثقافات” وهو ثمانينات القرن الماضي، بالتزامن مع قمة عطاءات بيتر بروك، وأريان منوشكين في إنتاجاتها الشكسبيرية في مسرح الشمس بباريس، ثم روبرت ويلسون بمسرحه البصري.
وفي اليابان ارتبط اسما تاداشي سوزوكي ويوكيو نينا جاوا بهذا المسرح. وفي وقت لاحق جرت تسمية بعض الاقتباسات الأفريقية من ريبورتوار المأساة اليونانية أو شكسبير بـ”بين ثقافية”.
وبعد ذلك، أحييت أشكال الأوبرا الصينية التقليدية في الصين، من خلال اقتباس شكسبير، أو بريشت، أو إبسن. وفي هذه السياقات لم تكن النصوص المسرحية وحدها ما تغير بفعل الأساليب الفرجوية الجديدة، بل تلك الأساليب نفسها.
لكن لم يفكر أحد في تسمية أي من هذه الأشكال “مسرح بين- الثقافات” أو “مسرح مثاقفة”. كانت تلك الأساليب الجديدة بمثابة تحولات لأشكال مسرحية قائمة بالفعل بوسائل مختلفة، والتي اهتدت إلى استشراف رحابة الثقافات الأخرى.
لذلك عندما سنحت الفرصة لإنشاء المعهد الدولي لتناسج ثقافات الفرجة التابع للجامعة الحرة ببرلين، جرى تفادي المفهوم بحمولاته والبحث عن مفهوم آخر مناسب لتطلعات الدارسين البحثية واستشرافاتهم المستقبلية، وهكذا توصلوا إلى مفهوم “التناسج”، وارتأوا استعماله للنظر في جميع الأنواع الجديدة والمختلفة من التفاعل والتعاون داخل الفرجة.
-------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب
السبت، 20 مايو 2017
نساء برشت المقدسات
مجلة الفنون المسرحية
نساء برشت المقدسات
لطيف الحبيب
دع المرأة حيث هي!
لديها ذراعيها وساقيها أيضا
كما ترى،
فلا علاقة لك بها اكثر من ذلك ايها الرب
انها قادرة وحدها على الخلاص.
برتولد برشت
لم تغب عن ذهن الباحث الاوروبي في تاريخ المبدع من ابناء جلدته جزئيات الحياة اليومية التي يعيشها او عاشها , فهي عناصر مهمة في تكوين البحث الجاد , ومفصل اساس في سيرورة الانتاج الابداعي المتميز في العلوم والفنون والادب وكل اشكال المعرفة الانسانية , فالاكل والشرب والنوم والسهر والنزهة ,علاقاته الاجتماعية ,الحب والعشيقات والزوجات ,"بانورما"يمكن النفوذ من خلال بعض مشاهدها الى عالمه الخاص, غالبا ما يتضمن المنتَج الابداعي في نواحيه المعرفية المتعددة جزء من شخصية المبدع ,وبعضها الاخر , تسردها رموز ولمسات تتبطن النص, وتعلن بشكل دقيق وتفصيلي عن نزعات الشاعر والتشكيلي والروائي وكل من ابدع , افصح برشت عن طباعه وسلوكه وبعض عاداته اليومية واودعها في شخصية بطله"بعل"في اولى مسرحياته عام 1918. اما نحن فطرحنا برشت معلما جادا مقطبا لا يعرف المزحة والعشق, خضنا وجدفنا في اطروحات مسرحه الملحمي والتعلمي وقيمناه وقرأناه كاتبا واقعيا اشتراكيا , لم نلتفت الى ديونه الشعري ,لم نتحسس علاقته الانسانية وعشقه للنساء, مثلما البسنا"روزو لوكمسبورغ"لبوس العفة النضالية وانتزعنا عنها انوثتها , وجزعنا في"فلم رزا"حين تضاجع حبيبها في فراش جميل على الشاشة البيضاء واقسمنا اغلظ الايمان , ان روزا لا تفعل مثل هذه الافعال , انها مناضلة وما هذه اللقطة الا تشويه لعفتها.
عندما نشرت"قصائد عن الحب"لبرتولد برشت لأول مرة بعد وفاته، تصاعدت موجات حادة من الانتقادات اللاذعة ضده , وتنافس النقاد في الشجب والاتهام , ودونت عبارة ما كان احد يجرئ على طرحها في حياة برشت ,مثل"اصوات باهتة بائسة من الشعر"أو"وصفة شهرية من صيدلية منزلية","قصائد تكنوقراطية جنسية من محرك معطوب", استعر واندلع النزاع مرة أخر حول حياة برشت الخاصة, ولا سيما علاقاته مع شريكات حياته، تستحضر القصائد مرة أخرى صورة برشت المتساهل والمتراخي امام جمال وانوثة المرأة.
تابعت الكاتبة"سابينا كيبر"من المهتمين بتاريخ برشت"مقالات النقاد , وبطريقة شخصية جدا, اعدت مقالاتها للرد على المادة النقدية التي استخدمها النقاد ,عبر دراسة السير الذاتية وتراجم شخصية لحياة برتولد برشت , نشرت في الآونة الأخيرة ,والبيانات والتصريحات والحكايات وما شابه ذلك ,المتوفرة في صحافة ذلك الزمان , خلال قراءتها التحليلة وتفسيراتها الجديدة لقصائد برشت الغزلية, توصلت وطرحت وجهة نظر مثيرة للدهشة.
"المساواة والاستقلالية للمحبين، والبعد والقرب، وحتى الخلافات هي تبادل للقوة والضعيف بين الشركاء الرجل والمراءة، مفاهيم ميزت العلاقة بين برشت والنساء،على الرغم من ما تسببه هذه المفاهيم من معاناة وصراعات بينهما", هذا القراءة كانت وما زالت مساهمة مثيرة للاهتمام بوجهات نظر برشت المثيرة للجدل حول علاقاته بالنساء, وأيضا مساهمة لنقل الحوارالجاري حول العلاقات بين الشركاء والعشاق والمحبين، وهم الناس الذين، مازالوا يحملون صفة امرأة ورجل.
لم يُظهربرشت من خلال الكتابة اوعبر نصه أن حبَّه للمرأة كان مجازيا ورغبة للاقامة في ملذات مفاتن جسدها، انه يعشقها من خلال عملها المتفرد الذي تمارسه، من خلال خصوصيتها الاستثنائية التي تربط المجتمع بالعالم، فلا يمكن ان تختلف المرأة عن الآخر ان لم تكن متفردة في خصوصيتها , فخلال حياته القصيرة نسبيا،عشق برشت الكثير من النساء، تصفه حبيبته في بدأ شبابه"باولا بانهولزر", ابنة تشارلز بانهولزر، طبيب ممارس شهير متخصص في اوغسبورغ ولدت عام 1901"أنه دائما مهذب، لطيف مثير للاهتمام وساحر للغاية. في عام 1919 أنجبت ابنها فرانك منه ,ولكن برشت لم يتزوجها. اقترن لاحقا بزوجته الأولى الممثلة"ماريانا تسوف"ولدت في النمسا عام 1893, ابنة مفتش السكك الحديدية وأخت الكاتب أوتو تسوف , درست التمثيل والغناء في فيينا، ولدت بنته"هانا"في عام 1923 ,لكن هذا الزواج لم يدم طويلا , ففي العام نفسه بدأ علاقة غرامية مع الممثلة"هيلينا فايجل"في سن السادسة والعشرين ,ولد له الطفل الثالث"ستيفان"منها, في تلك السنوات الأولى كان لديه ثلاثة أطفال من ثلاث نساء مختلفات. في عام 1924 طلق برشت زوجته الاولى الممثلة ماريان تسووف، و تزوج بعد خمس سنوات، في عام 1929، من صديقته التي رافقته فترة طويلة،"هيلينا فايجل", ولدت1900 في فيينا ابنة مدير وصاحب شركة لصناعة اللعب.
بعد ان اكملت مدرسة الدراما في فينا عام 1919، سافرت إلى فرانكفورت وبرلين ودرست الدراما على يد ماكس راينهارت عام 1922. استمرعقد هذا الزواج حتى وفاة برشت 1956, محفوفاً بمخاطرانفراطه لعلاقات برشت المستمرة بنساء أخريات.
كان برشت يرى استقلاليته الخاصة هي الأكثر أهمية في حياته وحرياته الشخصية لا يُعلى عليها ,لا يمكن ان تحكمها عقود الزواج او يتخلى عنها بسبب اشتراطات اجتماعية,كان يرفضها جملة وتفصيلا. امرأة مهمة أخرى من العاملين معه , برزت في حياته كانت عاملا مهما في نجاح بعض اعماله"إليزابيث هوبتمان"ولدت عام 1897 بنت طبيب، معلمة وكاتبة، فمسرحية"أوبرا القروش الثلاثة"لم تتكلل بالنجاح, لولا ترجمتها من قبل اليزبيث من الإنكليزية إلى الألمانية.
في وقت مبكر من اعوام الثلاثينيات بدأت علاقة حب مع زميلته وصديقته"مارغريت شتيفن",كانت كاتب ومترجمة وممثلة ,لها إنجازاتها الادبية الخاصة ولكنها بقيت تحت ظل برشت. سافر برتولد برشت مع عائلته إلى الاتحاد السوفييتي للعبور الى اميركا كان الطريق الأخير السالك إلى الولايات المتحدة من دون الوقوع في قبضة حكومة هتلر , رافقته صديقته"مارغريت شتيفن"،وكانت مصابة بمرض التدرن الرئوي الخطير في ذلك الوقت، غادر برشت وعائلته الاتحاد السوفيتي ,و بقيت مارغريت في المستشفى , في طريق رحلته إلى الولايات المتحدة علم بوفاتها ,رثاها بلوعة"هوى جنرالي / سقط جنديي / غادرني معلمي / تركني تلميذي / ممرضتي عادرتني / انتزع طفلي من حضني.
آخر علاقات برشت الغرامية مع الصحفية والمصورة الممثلة"روث بيرلاو"وتكنى"روث الحمراء"ولدت عام 1906في كوبنهاغن. تذكر"روث بيرلاو"وبفخر في مقابلة صحفية، انها تحرص على توفير قهوة الصباح لبرشت الذي ينهض دائما في وقت مبكر في المنفى الفنلندي ,لا غنى له عنها ليبدأ عمله , روث بيرلاو عضوة الحزب الشيوعي الفنلدي والمناضلة من اجل تحرير المرأة وتمكينها من حقوقها , توفر لبرشت القهوة في اشد ازمات البن في فلندا , استأجرت روث فندقا قريبا من سكن برشت وعائلته , يقدم فيه افطارا صباحيا مع القهوة , كانت تعبأ القهوة في وعاء تحمله في حقيبتها اليدوية دون أن يلاحظها أحد من ضيوف الفندق كل صباح، وتهرع خارج الفندق مسرعة الى سيدها برشت ,الذي ينتظرها الساعة السابعة صباحا مطلا من نافذة منزله , ولكن هل تذوقت روث قطر من القهوة الثمينة؟ لم تصرح بذلك. كانت تقوم بالمهمة دون ان تتبادل معه كلمة واحدة , يزورها برشت الساعة الثالثة عصرا بعد ان ينجز ما اختمر في ذهنه على الورق , ويبدأ نقاشه معها حول ما كتب"وتقول روث انها يتحدث اليها فقط عن اعماله",في نفس المقابلة كشفت روث المزيد من التفاصيل حول الرعاية الانثوية الشفافة والشاملة التي تحيط حياة برشت دوما من قبل نسائه ,وتحدثث ايضا عن زمن برشت في هوليود تقول: في االوقت الذي كانت هيلين فايجل تنقل مخطوطات برشت باليد في غلاف جلدي وتنجز اعمال البيت والعناية بالأطفال, كان الشاعر يتناول طعام الغدا دائما معي في هوليوود. لم تتمكن هيلين فايجل من فهم علاقات زوجها وحبه لمارغريت شتيفن والعديد من النساء، رغم ذلك بقيت معه منشغلة في الاهتمام بالأطفال والعودة إلى التمثيل ثانية. بعد وفاة برتولد برشت 1956 أسست هيلين فايجل"أرشيف برشت",يقع الآن في الطابق الثاني في شقة برشت في شارع شاوسيه 125. عاشت هيلينا في شقة برشت حتى وفاتها1971, كان السكن ملاذا لها للنهوض بأعباء العمل بوصفها ممثلة للأدوار الكبيرة لمسرحيات برشت ومخرج لمسرح"برلينر انسامبل".والمسؤول عن ارث برتولد برشت, ليس بعيدا عن مسكنه وهيلينا فايجل دفن برتولد برشت في مقبرة دوروتن شتيدشن.
قرأنا الكثير عن الرعاية والاهتمام الأنوثي الذي أحيط به برشت في حياته ,وطفحت طاحونة القيل والقال , وستستمر هذه التقولات خاصة بعد وفاته الى دهر ,طالما بقيت اعماله تثير دهشة واهتمام النساء وهذا ديدن كل عبقرى. في سنوات لاحقه بعد وفاة برشت, قررت احد العاملات المنظفات في مسرح البرلينر انسامبل, ان تزور قبربرشت في مقبرة دورتين شتيدشن ,وقفت المرأة عند قبر برشت ,انتابها غضب شديد لما لحق قبر هذا العظيم من اهمال وقلة رعايه ,وانبها ضميرها لتقصيرها في زيارة القبر , نبتت الاعشاب والحشائش في زواياه , دون تردد، بحثت عن محل لبيع الزهورواشترت باقات من زهرة الربيع وباقات من ورد اصفر,عادت إلى قبر برشت، وبدأت في تنظيف حواف القبر وإزاحة الاعشاب وزرع الزهور,بعد برهة قصيرة، جاء يعدو من بعيد رجل عجوز لاهثا صارخا بها ,ان توقف العمل فورا ,وان تبعد يدها عن اعشاب القبر"بحق السماء توقفي عن قطع الاعشاب , انها اعشاب بذور جمعتها"هلينا فايجل"من جميع بلدان المنفى التي عاشها برشت".
لم ينته اويهدأ التنافس بين الإناث على رعاية برشت، سوا في العمل معه او عشقه وحتى بعد موته الى يومنا هذا. ادعت احداهن انها كانت في خدمة برشت وفي استراحته يركن الى سريرها,وحين باعت ذلك السرير لم تذق طعم النوم، حذرت اخرى بل وهددت علنا من تحاول الوقوف بوجهها في اخذ مكانها في الجنة بجوار برشت , وانها ستمنع هلينا فايكل من غمزه. وقيل عنه ايضا ووصف انه صنو بطله"بعل""كان الشاعر معشوق النساء ليس اكثر من زير نساء، بل هو أسوأ من"بعل"بطل مسرحيته الاولى اذاق حبيبته"املي"انواع العذابات انزالها الى قيعان العبودية والاستغلال الجنسي ,عاملها كحيوانات العمل, تكدح طول اليوم من اجل ان توفر له لقمة عيش , ويواصل هو انتاجه الابداعي,كان بعل شاعرا مثقفا ولكنه سكير فك مفترس للنساء.
تصف الكاتبة"كيبر"في كتابها عن برشت"رجل مقبول"الصادر في عام 1987"لكن هذه هي الشائعات، التي يجب علينا أن نسمعها إلى درجة معينة ,وكلما تعمقنا أكثرفي البحث تصاعدت روائحها تزكم الانوف , فيزداد قلقنا على الشاعر,تتصاعد حدة الانزعاج منه، فيبدولنا وكأنما أنه وقع في اسارنساء جميلات وإناث ينزعن الى الماسوشية. ان النظرةالفاحصة للسنوات المبكرة في شباب برشت في مدينة اوغسبورغ تفصح عن حياتيه الملتبسة مع النساء",وشيئ مهم اخر"غيرة"النساء المحيطات به ,فمارغريت شتفن -عاشت أيضا مقربة من عائلة برشت- التي زعمت انها لم تعمل كثيرا مع برشت في مسرحية"بونتلا وتابعه ماتي"لان مزاحها كان متعكرا وفي الحقيقة , انه تلميح الى"دراما الغيرة بين النساء"التي كانت تمر بها نساء برشت في ذلك الزمان.
كان برشت الشاب يفترس الحياة كتب صديقه"فويشت فاكنر"عن ذلك الزمن ويتفق معه الكثير من مجايليه"لقد أمتلئ برشت من البعلية"مسرحية بعل"ويشعر بالوفاء لها. نقلت الواقع ومذكرات, الشاعرترديده مثل نيتشه"اذا كنت تريد الذهاب الى انثى لا ننسى السوط", ويلاحظ في مذكراته الجملة التالية"من أجل االحصول على الفكر القوية النابهة سأضحي بكل امرأة"واضاف على الفور مستدركا"تقريبا كل امرأة".
رغم ان رؤية برشت لتحرر المرأة موضوع خلاف , تقول الكاتبة كيبر عنه:"لا يسعني، بعد كل شيء من إيجابيات وسلبيات في رؤى وتعامل برتولد برشت مع المرأة التي يتلمسها بقصائد مفعمة بالحب والعشق , تلهث في ضباب صباح مبكر , الا ان ارى ومضة رجل مقبول في صورة مظللة".
ولد برتولد برشت في أوجسبورغ في 10 فبراير/شباط 1898 – مات في برلين في 14 أوغسطس/آب 1956) شاعر وكاتب ومخرج مسرحي ألماني. يعد من أهم كتاب المسرح في القرن العشرين. كما أنه من الشعراء البارزين.من اشهر اعماله المسرحية:
1918 بعل، 1919طبول في الليل، 1921غابة المدن، حياة إدوارد الثاني ملك إنكلترا، الرجل هو الرجل، مؤتمر غاسلي الأدمغة، صعود وسقوط مدينة مهاجوني، أوبرا القروش الثلاثة،حياة جاليليه، الأم البؤس والخوف في الرايخ الثالث، 1937 الأم شجاعة وأبنائها 1937، بنادق الأم جيرار، الإنسان الطيب من سيتشوان، الاستثناء والقاعد،,
1940 بونتلا وتابعه ماتي، 1941 الصعود المقاوم لارتورو اوي، 1943 حكاية سيمونه ماخورد، 1944 الجندي شفيك في الحرب العالمية الثانية، 1945 دائرة الطباشير القوقازية, 1948 يوم الكومونة , 1952 قضية جان دارك, 1952 دون جوان السيد بو، قديسة المسالخ ومسرحيات من فصل واحد: الزفاف،الشحاذ..أو اليد الميتة، كم يكلف الحديد، الخطايا السبعة المهلكة.
---------------------------------------
المصدر : الحوار المتمدن
مفهوم الكتابة عند برشت.. تحطيم الأشكال الجاهزة
مجلة الفنون المسرحية
مفهوم الكتابة عند برشت.. تحطيم الأشكال الجاهزة
مفهوم الكتابة عند برشت.. تحطيم الأشكال الجاهزة
ناجــي حســين
في الوقت الذي كان فيه لوكاش يأسر نفسه ضمن أُطر معينة في الواقعية كان برشت يحاول تحطيم كافة الأشكال الجاهزة , وبناء واقعية جديدة ملائمة للتغيرات الاجتماعية , ومتوافقة مع دور الأدب السياسي في اتمام مهام الثورة الاشتراكية. فدعا إلى"الواقعية المقاتلة"كشكل أدبي يستجيب كليا لديالكتيك الحياة ويعبر عن الصراع الاجتماعي في كل أبعاده الممكنة ,
ولم يكتف برشت في قراءة العملية الأدبية في تاريخ الأدب أو في تاريخ الفلسفة فحسب , بل كان يرصدها في مجمل النشاطات الاجتماعية , بحيث يعيد صياغتها من جديد كعملية فاعلة ومتفاعلة على السواء مع النشاطات الأخرى في الزمان والمكان , كما أنه لم يضع لهذه العملية أي حدود , ولكن فسح المجال رحبا لأن تتم عملية التفاعل بحرية. أن هذا الأمر يحتاج بالضرورة , إلى تعريف الأدب كعلاقة اجتماعية قائمة في منظومة كاملة للعلاقات الاجتماعية المتفاعلة , يقول برشت"الأدب ممارسة اجتماعية متميزة , ترتبط بمجمل الممارسات اجتماعية". وتأكيدا على ما سبق عرف برشت الواقعية كممارسة متعددة المركبات:"الواقعية ليست قضية أدبية فحسب , أنها أكبر من ذلك بكثير , فهي قضية سياسية , فلسفية , عملية , ينبغي أن ترى كذلك وتعالج كذلك , أي كقضية تمس مجمل الحياة الاجتماعية". وانطلاقا من قناعاته السياسية ورؤيته بأن وظيفة الأدب والفن تكمن في تحقيق الثورة الطبقة العاملة وجميع الكادحين , قدم برشت مفهوما جديدا ومتجددا للواقعية , برشت السياسي لم يكن على الأطلاق يفصل بين الفن ووظيفته , فالفن عنده محدود بوظيفته , ويتطور ويتشكل وفقا لأهداف هذه الوظيفة , المؤطرة بأطر سياسية , بمعنى أخر فان برشت يرى الالتزام السياسي والموقع الطبقي هما الأساسي لأي بناء أدبي , وانطلاقا من ديالكتيك الفن والسياسة من تصوره الماركسي يؤكد برشت على المعرفة الأدبية ويدعوا إلى أدب وفن منتجين للمعرفة , فقد بين المعرفة الأدبية والقانون العلمي حتى درجة المبالغة , أحيانا , حتى انكر عفوية الأديب , واستبعد اية علاقة لا تخضع للمحاكمة , وجعل من العمل الأدبي وسيلة لشرح علاقات الواقع الموضوعي , وأداة فعالة من أجل هدم الأوهام التي ينتجها , يقول"برشت":"اذا أردنا أن نكتب حقيقة فاعلة عن حالة اوضاع سيئة , فينبغي كتابتها بطريقة تمكننا من التعرف على أسبابها". ويقول أيضا:"لنلق جانبا كل الأشياء التي تمنعنا من الكشف عن السببية الاجتماعية بشكل كامل". أن محاولة برشت التأكيد على"التعرف"وعلى"السببية الاجتماعية"قد قاده إلى أعتبار الأدب مجالا رحبا للبحث والتقصي. في كل ميادين المجتمع والمعرفة , ولهذا فانه يقول:"يحتاج الكاتب في زمن الصعوبات والهزات العظيمة , إلى معرفة الديالكتيك المادي والأقتصاد والتاريخ". أي أن معرفة هي ضرورة للكاتب من اجل التعامل الصحيح مع زمانه والتفاعل معه , أو من أجل انتاج معرفة جديدة قادرة على تغيير هذا الزمان إلى الأمام. مهما يكن من أمر فأن مفهوم"الواقعية المقاتلة"قد دفع برشت إلى آفاق جديدة في المعرفة والعمل باتجاة أنشاء آلية جديدة في فن الكتابة والقراءة على حد سواء , آلية وظيفة تحدد بداية الكتابة ونهايتها , وتجعل من النتائج السياسية حكما مطلقا لبدايتها ونهايتها , فهدف الكتابة هو في نهاية المطاف تحقيق امر ما مشخص. والوصول إلى نتيجة مفيدة وصالحة للأستعمال:"ينبغي أستخلاص حقيقة نستطيع أستخدامها من أجل شيء ما". اما هذا"الشيء"الذي تدور حوله الكتابة فهو الثورة الاجتماعية , بمعنى آخر أكثر دقة , انتاج الإنسان القادر على تحقيقها.وعلى ضوء رؤية برشت يجب أن نكتب ونقل الحقيقة التي تقع على عاتق الكاتب والمثقف العراقي الوطني على ما حل بالعراق من الخراب والدمار , لماذا نرى كتاب الغرب يكتبون ويفضحون أدارة المجرم بوش التي زيفت وثائق كي تستخدمها ذريعة لقرار شن الحرب على العراق. حين يقرأ أي مواطن عراقي أو عربي كتاب جورج تينيت «قلب العاصفة"الصادر في عام 2007 يتوصل فورا إلى الحقيقة المؤلمة دون مشقة , ذلك أن الخراب الذي حلّ بالعراق كان عن سابق إصرار وبطريقة منهجية استخدمت فيها آلة التضليل والكذب والنفاق الإيديولوجي لتحقيق الأهداف السياسية، لاسيما المعلومات التي صيغت بطريقة مخادعة والتي تم الاستناد إليها باعتبارها حقائق لا يرقى اليها الشك، خصوصاً بشأن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وعلاقة الحكومة العراقية بالارهاب الدولي وتنظيم القاعدة. لعل مثل هذه الأكاذيب خدعت الشعب الامريكي وجميع الشعوب العالم , كلنا يعرف حروب العالمية التي نشبت رغم ما يقال عنها وعن مبرراتها وأسبابها ومسوّغاتها سببت ويلات وآلاما ومآسي لا حصر لها، الا أن الحرب على العراق كانت وتكون هي أكثر انحطاطاً في التاريخ، وذلك بسبب حجم الزيف والخداع والكذب الذي رافقها، ويؤكد تينيت مدير وكالة المخابرات المركزية في كتابه إنه حذر تشيني نائب المجرم بوش عن عدم صحة شراء اليورانيوم لغرض الاعداد لسلاح الدمار الشامل, ثم قدم تقريرا إلى المجرم بوش يشير بعدم صحة معلومات، لكن ماكينة الدعاية ظلّت تلفق وتلفق لتضخ بالأستمرار دون توقف، تلك المعلومات المضللة باعتبارها حقائق. وقد كتب كنعان مكية وغيره من صانعي الأكاذيب ومؤيدي الحرب الذين ندموا على مشاركتهم في دمار العراق, يشير زلماي خليل زاد المنسق مع المعارضة العراقية الموالية لواشنطن ولإيران قبل الاحتلال , على درجة عالية من التنسيق والتفاهم، لاسيما بعد الاحتلال مباشرة، حيث وافقت على الاشتراك في مجلس الحكم الانتقالي السيء الصيت الذي أسسه بول بريمر، والذي كان بداية المحاصصة الطائفية- العرقية. نتج عنه استشراء ظاهرة التفكك المجتمعي والانقسام الطائفي، وانتشار الميليشيات، وتكريد مدن العراقية، وشيوع ظاهرة الفساد والرشوة على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ. وجدير بالذكر سوف يصدر قريبا في الولايات المتحدة كتاب جديد هو"طريق العالم"كتبه الصحفي رون سوسكينا، الذي نال في الماضي جوائز عديدة على عمله. يكشف النقاب عن فضيحة تزييف وثيقة تدعي بان رئيس الاستخبارات لدى صدام حسين كان عميلا لبريطانيا وبعد ذلك أصبح عميلا لـ (سي.أي.إيه). ويزعم الكتاب بانه بعد بضعة أشهر من احتلال الولايات المتحدة العراق في حرب الخليج الثانية طلبت بفبركة الرسالة الشهيرة (سي.أي.إيه) من طاهر جليل حبوش التكريتي أن يكتب بخطه على ورقة رسمية للحكومة الاحتلالية في بغداد, حملت تاريخ 11-9-2001 تضمنت مزاعم عن استقبال العراق لمحمد عطا، الذي وقف على رأس فريق نفذوا العملية في البرجين التوأمين في الولايات المتحدة، تدرب في العراق استعدادا لتنفيذ المهمة. كما كتب التكريتي في الوثيقة بان منظمة القاعدة ساعدت العراق على الحصول على اليورانيوم من نيجيريا. ويزعم الكتاب بان الوثيقة المزيفة نشرت بعد ذلك على الصحافيين في الولايات المتحدة، بريطانيا وفي العراق المحتل , والسبب من نشرها خلق الانطباع وكأنها وثيقة أصيلة اكتشفتها القوات الامريكية في أرشيف وزارة الخارجية العراقية. وقد صدق بعض الصحافيين هذه القصة، ونشرت الوثيقة المزيفة ضمن صحف اخرى في الصحيفة البريطانية"ديلي تلغراف". وكانت هناك صحف نشرت الوثيقة ولكنها شددت على أن مصداقيتها موضع شك. كما يزعم الكتاب بانه في الشهرين قبل شن الولايات المتحدة حرب الخليج الثانية التقى التكريتي سرا مع مسؤوليه البريطانيين في الأردن وقال لهم أن صدام حسين لا يطور على الاطلاق سلاحا نوويا وأنه تخلى عن نيته هذه في التسعينيات. هذا ونفى البيت الابيض و(سي.أي.إيه) هذه المزاعم التي يذكرها الكتاب في هذا الشأن, وكعادتهما ينكرون جميع الحقائق, بينما أسلوب التضليل والخداع والأكاذيب هو المنهج السائد لدى غزاة المحتلين وأذنابه الاحتلالية في تدميرالدول وقتل شعوبها. من الضروري الوجوب الكتابة عن الحرب الكارثية والقذرة ضد العراق من موقع الوطني والإنساني , ومطالبة المجتمع الدولي بتقديم مجرمي الحرب كل من أدارة بوش وبلير وملالي إيران ودول الخليج وبعض من أنظمة العربية وجميع الأحزاب العراقية التي تعاونت ونسقت مع الاحتلال إلى محاكم دولية لأرتكابهم خيانة عظمى وجرائم حرب ومحو الجنس البشري بإستخدام الذخائر المصنعة من النفايات النووية مما يزيد من المخاوف أن أغلبها إستخدمت في حرب عام 1991 من ذخيرة اليورانيوم سقطت على جنوب العراق، وخاصة البصرة والمناطق المحيطة بها والقريبة من الحدود الكويتية، بينما في حرب عام 2003 قصفت القوات الأمريكية والبريطانية كافة أنحاء العراق، وإستهدفت حتى المناطق الكثيفة بالسكان، وتبين ان الذخائر المستخدمة كانت مطورة كثيراً وذات قدرة تدميرية رهيبة، وأكثر فتكاً. تقدر وزنها 320 – 800 طناً إستخدمت عام 1991.. ولا يعرف أحد، إلا الله، ما الذي ينتظر الشعب العراقي من أضرار كمية وزنها 2000 طنا من القذائف المطورة والأكثر فتكاً بالبشر، إستخدمت عام 2003 ضد العراق.. تعتبر جرائم أبادة بحق الإنسانية وفقا للقوانين الدولية. يؤكد برشت على"الواقعية المقاتلة"في تمهيد نحو ثورة شعبية , وأنني أثني على دور"الأدب المقاومة"و"المثقف المقاتل"من أجل التعامل الصحيح مع وطنه في محنته الكارثية وفي تهيئته الجماهير القادرة على تحقيقها, وهكذا فأن دور الكتابة , يتحدد قبل كل شيء باعداد القارىء وتربيته وتهيئته وتحريضه , لخوض غمار الثورة , فالثورة ترى الكتابة في مردود القراءة وفي القارىء الذي يترجم تعاليم الكتابة بممارسات أجتماعية تطلب على الدوام بالتغيير نحو الأفضل.
-----------------------------------------------
المصدر : ملحق منارات
برشت والتراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي
مجلة الفنون المسرحية
برشت والتراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي
برشت والتراث الشعبي في المسرح العراقي والعربي
فاضل سوداني
أولا:ملحمية التراث المسرحي العربي
بالرغم من ان برشت ظاهرة أوربية وان المفاهيم الفكرية والمشاكل الاجتماعية التي عالجها تتعلق بالمجتمع الاستغلالي وصراع الطبقات وكذلك كشف البعد الطبقي للانسان البرجوازي الاوربي، إلا ان الفنان العربي يجد نفسه قريبا فكريا من مفهوم التغريب والرؤيا التاريخية والوعي الجدلي لهذه ا لمفاهيم بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية و السياسية
التي تحرم إنساننا من حريته والعيش في مجتمع الديمقراطية. وبما ان الفن ينشأ لتلبية الحاجات الاجتماعية، فمن السهولة ان نكتشف في الفعاليات الفنية والثقافية التراثية تلك العلاقة التي تتسم بالحميمية بين المؤدي والجمهور. من هذه الزاوية ينحو المسرح العربي المعاصر لتحقيق تاثيره الاجتماعي والجمالي وبناء الوعي الفكري للإنسان في المجتمع العربي، وخلق العرض المسرحي الشعبي استنادا الى الغنى والتنوع في الاشكال التراثية الشرقية وارتباطا بمكتشافات المسرح الاوربي المعاصر ومنها المفاهيم الملحمية البرشتية.
اذن هنالك ممهدات هيأت الجمهور العربي لاستيعاب ظاهرة المسرح ومن ثم تقبل المفاهيم المسرحية الملحمية البرشتية:
يمكن القول بأن المجتمع الإسلامي القديم عرف بعض من الأشكال والممارسات التي تحتوي على الكثير من العناصر ألما قبل الدرامية، والتي مورست كطقوس وفعاليات ثقافية، مثل الطقوس والأغاني الدينية المختلفة والرقصات الصوفية الفردية والجماعية،، وبعد ذلك الأشكال البدائية ما قبل المسرحية.،
فمن خلال دراسة هذه الجذور المسرحية نستطيع ان نعثر على الملحمية وكذلك على ملامح من التغريب في ذات الوقت والتي يمكن ان تخلق علاقة جدلية ديناميكية بين المؤدي والمشاهد، وتؤدي به الى ان يتحول الى مشاركا في الحدث ـ الطقس (كان المتفرجون يحتشدون حول مكان الحدث سواء كان الاحتفال ياخذ طابعا دينيا اودنيويا، من هنا جاءت فعالية المتفرجين القصوى حيث لايحس الواحد منهم انه مجرد مراقب بل هو مشترك ضروري في كل مايحدث امامه. ولهذا فان عملية التقبل والخلق في الفن البدائي كانت تتمان في نفس الوقت)(انظر بوتيتسيفا. ألف عام وعام على المسرح العربي)
ان الحياة الثقافية في الشرق القديم وبالذات الثقافة العربية اعتمدت على الحكاية والسرد الشفاهي، ولعب الراوي (الحكواتي)دورا كبيرا، حيث كان يسرد قصصا تاريخية واقعية او اسطورية متخيلة مشحونة بالحكمة الاجتماعية والفلسفية المستقاة من حكايات الف ليلة وليلة والملاحم والاساطير والحكايات القديمة وحكايات كليله ودمنه والتاريخ العربي والاسلامي،وتلك البطولات العربية القريبة في عظمتها وغرابة احداثها وعجائبيتها وسحرها التي كانت تضاهي عظمة الالياذة والاوديسة او المهابهاراتا الهندوسية مع اختلاف الزمان والمكان.
ان التطور الذي حدث في اداء الراوي بعد ذلك هو ان حكاياته لم تعد تروى شفاها وانما ارتبطت بنص مكتوب يحمل طابع الحكاية الدرامية القديمة (كما في حكاية ابي القاسم البغدادي ـ لمؤلفها احمد الازدي) حيث كتب هذا النص مابين القرن السابع والتاسع الميلادي. والذي يتحدث فيه حواريا عن مختلف الشخصيات والاحداث التاريخية في المجتمع انذاك. وعثر آدم سميث 1902 على هذا النص وترجم للالمانية.(فن التمثيل. د.الاعرجي)
وقد يحدث ان يوجد اكثر من راوٍ من اجل توصيل الحكاية الى الجمهور، وقد ابتكروا العديد من الوسائل والاساليب لتوصيل حكاياتهم كالشعر والامثال والنوادر الشعبية والاغاني واللآلات الموسيقية الشرقيةوغيرها. (لقد كانوا يعيدون إحياء الحكاية عن طريق المحاكاة والحركات والإشارات والرقص والتقمص Embodiment والارتجالImprovisation والتشويق الدرامي وفي هذا يكمن الجانب الفني. كان الفعل في القصة يتصاعد نتيجة الاتصال الذي لابد أن يتم بين الراوي والجمهور. وكانت قوانين الطقس والفرجة تفرض على الراوي خلق الاتصال من اجل أن يشترك الجمهور في الحكاية والحدث.) وقد تناقل الرواة هذه القصص على مر الأجيال حتى وقتنا الحاضر، حيث مازلنا نسمع بعضها من الرواة المعاصين في الاسواق والساحات العامة خاصة في المغرب العربي.ان الراوي في العصور اللاحقة اصبح لا يستغني عن الغناء والشعر فمن خلال الاغنية يقوم الراوي بسرد الاحداث المثيرة ولذلك فان استخدام الاغنية المعبرة يمكن ان يخلق شكلا متميزا للعرض المسرحي الشعبي.
وحينما احتل الممثل من غير الرواة مركز الطقس ـ العرض المسرحي فان دور الراوي بقي على أهميته غير ان مهمة الراوي ـ الممثل لم تقتصر على اداء الشخصية وانما عرضها ايضا عندما يخلق تلك المسافة بينه والشخصية ليتحدث عنها وهي خارج التقمص. اضافة الى هذا فان الراوي (الحكواتي) يقوم ايضا بتغريب اللاحد ا ث من خلال ابراز تضخيمها وإبراز نواقصها.
وعندما استخدم برشت وسائل المسرح الاسيوي (وخاصة الاغنية والراوي وتغريب الحدث كما في المسرح الياباني) فانه كان واعيا بأهمية هذه الوسائل في خلق العلاقة الجدلية بين عناصر العرض الملحمي، وهي تشكل اساسا تمايز التراث الشرقي.
وهنا يؤكد فابيون باورز في كتابه المسرح في الشرق (ان المسرحيات الاسيوية تتطلب وسيلة خاصة للتعبير وتلك هي الراوي، فالدراما في جميع انحاء آسيا قد نشات من الكتب القديمة والاشعار الملحمية (.
ان الجمهور كان مهيأ لمشاهدة اشكالا فنية من تراثه وفولكلوره مادامت هذه الفعاليات تعرض امامه في اماكن تواجده، ولذلك فانه يتعرف على اشكال تراثه الفني في حياته العامة، وهذا هو السبب في انسجامه مع (المقامات) مثلا وهي حكايات غنية بالاحداث الدرامية والمنالوجات والحوارات المثيرة التي تدعوا الجمهور للمشاركة الفعالة فيتحول العرض الى طقس احتفالي جماعي (وهذا مادفع الطيب الصديقي / والمدني وغيرهم الى استخدامها في المسرح). وتعتبر(المقامات) احد الاشكال المسرحية البدائية التي تتطرق للمشاكل الاجتماعية بشكل كوميدي ساخر وتعتمد على (ممثل واحد) امام جمهور الاسواق العامة والساحات او في قصور الخلفاء.
لكن الطقوس التي لها علاقة بالدرامية والاحتفالية والفرجة هي طقوس كانت تمارس لوقت قريب مثل خيال الظل والحكواتي، وكذلك التعزية، باعتبارها طقس ديني ودرامي يخلق الفرجة الشعبية التي تتحقق من خلال العناصر الدرامية الموجودة في هذا الطقس الذي يذكرنا ببعض الطقوس التراجيدية البابلية أو اليونانية القديمة.
وتعتبر هذه الطقوس وخاصة خيال الظل، تعبيرا ديناميكيا عن طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإسلامي القديم، لأنها تعكس الواقع بكل قسوته، وتشير إلى المشاكل السياسية والاجتماعية مما يُغني ويحفز الرغبات الداخلية المشحونة بالمواقف النقدية التي يتبناها الإنسان في علاقته بالسلطة، لكن من خلال التركيز على الجانب ألا متاعي والترفيهي والذي يعد تذوقا جماليا متماشيا مع مقاييس المجتمع القديم.وبالتأكيد فإن هذا هو السبب الأساسي لديمومتها في حياة المجتمع الشرقي بالرغم من تعرض القائمين عليها لأشكال مختلفة من الاضطهاد والمنع.
وبتأثير المفاهيم البرشتية للمسرح الملحمي الهادف للمتعة والمعرفة،أمكننا اكتشاف هذه الوسائل الملحمية بجذورها البدائية في الاشكال التراثية الماقبل المسرحية في التراث العربي، وبهذا فان برشت منح الفنان العربي كيفية البحث في اشكاله التراثية من اجل خلق خصوصية مسرحه المعاصر حيث ومن خلال هذه المفاهيم البرشتية بدأنا البحث عن القيم الدرامية في تراثنا وعن الحكواتي / الراوي و الكوال والاغنية الدرامية والرقص التعبيري وغيرها.. يمكن تحديد اتجاهين في المسرح العربي المعاصر:
1 - المسرح التراثي
وضع الفنان العربي أمامه مهمة اكتشاف وتحديد المفاهيم والأشكال المسرحية التي تخدم أفكاره الفنية من أجل معالجة مشاكل مجتمعه، وقد حتم هذا الرجوع إلى التراث القديم مع أهمية الاستفادة من كل تطورات الفن المسرحي الأوربي، من اجل الوصول إلى أشكال مسرحية بعيدة عن المفهوم الأوربي الغربي. وبما إن المسرح يفترض الروح الجماعية في تحقيق المعرفة واكتشاف الجمال، لذلك فان الفنان عمد إلى إرجاع المسرح إلى كونه ظاهرة احتفالية شعبية وطقوس يمكن أن تقام في كل مكان، وحتم هذا أيضا تغير شكل العرض أي استخدام شكل العرض المسرحي المفتوح، وبالتأكيد فان هذا يتطلب تغير مفاهيم التأليف المسرحي"المعتمدة على مفاهيم أر سطو".أي تغيير علاقة المؤلف بفضاء النص وبنيتة والمواضيع التي يعالجها وفرض هذا تغيير علاقة المسرح بالجمهور. وبالرغم من أهمية رفض (مسرح العلبة المغلقة حسب مفهوم المسرح الأوربي) إلا أن الضرورة تفرض الاستفادة من أشكال المسرح الأوربي وخاصة مسرح برشت الملحمي.
2ـ العرض التراثي الشعبي وافهومة برشت
تأثر المسرح العربي المعاصر بالكثير من اتجاهات الفكر والمسرح الأوربي وخاصة مسرح اللامعقول
Absurd Theatre في فترة الستينات من هذا القرن كمسرح يونسكو، بيكيت، آدا موف مما فرض مفاهيم جديدة على الجمهور العربي، فقد كتب توفيق الحكيم مسرحية ياطلع الشجرة،ومسرحية الفرافير والمهزلة
الأرضية ليوسف إدريس و مسرحية الوافد، والخطاب لميخائيل رومان، وبالرغم من وجود بعض المعقولية
في الأحداث وعلاقات الشخصيات الا أن هذه المسرحيات كانت تحاول التعبير عن عبثية الحياة بمفهومها الغربي (حسب د. حياة جاسم - الدراماالتجريبية في مصر)
ولكن سرعان ماإنحسرت هذه المفاهيم، لأنها كانت غريبة عن الهموم الحقيقية للإنسان العربي المبتلى بمشاكله الاقتصادية والسياسية والفكرية وأنظمته الدكتاتورية التي تحرمه حريته وحقوقه. فعبثية الحياة العربية متأتية من الخلل في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وشيزوفرينيا الذات العربية، وليس هنالك غربة حقيقية بالمفهوم الأوربي في المجتمع العربي.
وضمن التزام المؤلف العربي بمعالجة مشاكل مجتمعه انطلاقا من واقعه، واستخداما لتراثه الغني مع التطبيق التقليدي للمفاهيم البرشتية أدى في فرض الالتزام السياسي ـ الاديولوجي في الكثير من المعالجات لدرجة وصف فيها المؤلف المصري الفرد فرج بانه كاتب برشتي، ويمكن ملاحظة الكثير من التأثيرات البرشتية عليه وخاصة في مسرحية (علي جناح التبريزي وتابعه قفا) واتهمها الكثير من النقاد بانها اقتباسا من مسرحية (السيد بونتلا وتابعه ماتي). وتؤكد د. لميس العماري بان موضوع وهدف مسرحية المؤلف الفرد فرج ليس بعيد عن مسرحية برشت (بونتلا) ولكنها ليست اقتباسا لها. لهذا يمكن اعتبارها مسرحية عربية تراثية تستخدم بعض مقومات الكتابة المسرحية البرشتية.
ثانيا: في فضاء الكتابة والعرض المسرحي
امتلك فن الاخراج المسرحي أهميته في القرن العشرين، حتى بات يطلق على المخرج، بانه الخالق والمبدع لقوانين العرض المسرحي، والواعي لتطور الطبيعة والمجتمع. وبات المخرج يفرض وجوده على كل العناصر الفنية الاخرى التي تدخل ضمن العملية الابداعية للعرض، بما فيها النص ايضا. ومن المنطقي القول بان لكل عصر مؤلفه الواعي، فكذلك يمكن القول بان المخرج يمكن ان يكون مؤلفا ثانيا للنص. من خلال استخدامه للوسائل الفنية الاخرى في العرض، وقد حتم هذا اهمية مسرح برشت الملحمي وبالذات مبدأ التغريب في المسرح للتعبير عن مشاكل الانسان العربي المعاصر.
وفي الوطن العربي يمكن القول بانه في ثلاثينيات وأربعينيات هذا القرن بدأ الاخراج المسرحي في المسارح العربية يتحول الى مهنة تتطلب ثقافة خاصة وتجربة غنية.
وفي كل بلد عربي هنالك اتجاهين في الاخراج المسرحي: الاول، نقل لربرتوار المسرح الغربي وعرض مسرحيات اوربية ذات طابع انساني شمولي، تبدو بعيدة عن مشكلات المسرح العربي الذي مازال بعيدا عن الاغتراب في المجتمع الاوربي. والاتجاه الثاني: استخدام الاشكال التراثية والفلوكلورية العربية والشرقية واشكال ماقبل المسرح في محاولة لتأصيل المسرح
(لكن التعرف الحقيقي على برشت والمسرح الملحمي من قبل الفنان العربي كانت في فترة الستينات من القرن الماضي، وجرت اولى التجارب لتقديم المسرح البرشتي في مصر من خلال نص دائرة الطباشير القوقازية الذي اعده صلاح جاهين. وكان سعد اردش من الاسماء الاولى في اخراج بعض مسرحيات برشت).
وبتاثير المسرح السياسي والمسرح الملحمي البرشتي استخدم المخرج العربي الكثير من الوسائل التي تخلق العلاقة بين المتفرج والعرض المسرحي: كالمسرح داخل المسرح. او توزيع الممثلون في الصالة وجعلهم جزءا من سينوغرافيا العرض المسرحي حيث يجلس الجمهور حول خشبة المسرح ويصبح العرض دائريا، كما في مسرحية"المهرج"للسيد الشوربجي والفرافير ليوسف ادريس. وبعد ان يموت الملك لصلاح عبد الصبور. ومسرحية الليلة نضحك لميخائيل رومان. وامتد هذا التاثير كذلك على تجارب المخرج العربي مثل الطيب الصديقي ونجيب سرور وكرم مطاوع وابراهيم جلال، سامي عبد الحميد ود.صلاح القصب و د.فاضل خليل وفاضل سوداني وسهام ناصر ويعقوب شدراوي وريمون جباره ونضال الاشقر وقاسم محمد وعز الدين قنون وفاضل الجعايبي ومحمد ادريس وصقر الرشود. ولم يقتصر التاثير على المسرح المشرقي وانما كان له تاثيره في المغرب العربي ايضا.
فمن المتاثرين ببرشت في المسرح الجزائري الروائي والمؤلف المسرحي كاتب ياسين الذي عاش في فرنسا ابان الاحتلال الفرنسي لبلاده وساهم هناك في الدفاع عن قضية شعبة أمام القارئ الفرنسي من خلال رواياته الشهيرة مثل رواية"نجمة"التي حاز عليها عدة جوائز وكذلك مسرحياته كمسرحية:الاجداد يزدادون شراسة. ومسرحية مسحوق الذكاء. والجثة المطوقة، التي تناقش عنها مع برشت عند زيارة البرلين انسامبل الى باريس عام 1955. وبعد التحرير أصبحت نظرته كوسموبولوتية (عالمية) وبدأ في الكتابة التي تخدم نضال الانسان عموما كما في مسرحية"الرجل ذو الحذاء المطاطي"التي كتبها عن نضال الشعب الفيتنامي انذاك. وقد انتقل للعيش في بلاده نهائيا وترك الكتابة بالفرنسية واستقر بين الجماهير الفقير ة في الريف وبدأ بالكتابة عن همومها (حتى وفاته). ومشاكلها وخاصة قدرية التخلف المتأتي من التزمت الديني السلفي وأثره في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال. وقد استفاد كاتب ياسين من المسرح البرشتي، لانه يعتبر برشت فنانا ديالكتيكيا واعطى اهمية كبيرة لاستخدامه في المسرح الجزائري والمسرح العربي لكن بشئ من الحذر.(غير ان مبدأ التغريب الذائع الصيت لايمكن الاستفادة منه في ظروف الجزائر، لان الجمهور في بلادنا ـ خلافا للجمهور البرجوازي الالماني الذي صاغ برشت هذا المبدأ من اجله ـ لم يتشوه بعادة الاندماجEmpathy مع الحدث او الشخصية. ان هذة العدة لاتشكل خطورة بالنسبة لنا.ولهذا فنحن نحذفها من قائمة استفادتنا من مسرح برشت الملحمي).
ان هدف التغريب لا يعني فقط الحيلولة دون حدوث الاندماج بين الشخصية والجمهور. التغريب هو جزء عضوي من نظرة ديالكتيكية للعالم، وهذه النظرة هي التي تتحكم في عملية الخلق الفني برمتها. انه في الواقع موقف من الحياة.(كما كتبت د. لميس العماري).
وبالرغم من اهمية عنصر التغريب في المفاهيم البرشتية وتكيفها لتنسجم مع الكثير من الثقافات والمسارح لمختلف البلدان، إلا ان اطروحة كاتب ياسين وحذره من استخدام التغريب في المسرح الجزائري لها اهميتها
في الوقت الحاضر وتمتلك مكانتها في المناقشات عند ما تحتم الضرورة اعادة صياغة المفاهيم المسرحية الجديدة للمسرح العربي.
ويعتبر المؤلف والمخرج المسرحي عبدالقادر علولة (اغتيل في الجزائر دفاعا عن حرية الفن والديمقراطيةوضد الظلامية) واحد من اهم المخرجين العرب والجزائريين الذين يعملون على تكييف افكار برشت وانجازات المسرح الملحمي للجمهور الجزائري من خلال ربطها مع المخزون الهائل من التراث والثقافة العربية. معتمدا على أهم وسائل التوصيل التي تحقق العلاقة الفعالة بين الفنان والمشاهد. ولهذا فانه يبحث في التراث الجزائري والعربي عن تلك الاشكال الماقبل المسرحية او المسرحية وربطها بمفاهيم المسرح الملحمي التي تنسجم مع متطلبات عرض مسرحي لجمهور ومجتمع ليس اوربيا. وقام علولة باحلال وظيفة الكوال بدل الراوي البرشتية وهي شخصية يمكن ان نجدها في التراث الشعبي العربي وتراث المغرب العربي بالتحديد. ومهمة هذه الشخصية هي رواية وتمثيل الاحداث والقصص التاريخية التي لها مكانتها في الذاكرة الشعبية وكذلك الاحداث المعاصرة في الاسواق والساحات العامة وا ماكن تجمع الناس الذين يشكلون جمهوره عادة. و يمكن حتى يومنا هذا مصادفة الكوال في اسواق المغرب العربي الشعبية وهو يقص على الجمهور حكاياتة التاريخية او المعاصرة مازجا اياها ببعض المشاكل السياسية التي تثير جماهير السوق.. وبهذا فان الممثل في مسرحيات هذا المخرج اصبح كوالا ووظيفته"كراوية"اصبحت اكثر تأثيرا، عندما امتزجت بتقنية التجربة العالمية، بحيث اصبح الكوال يلعب الدور الاساسي في الحدث.واصبح العرض المسرحي سرديا وبهذا فانه اقترب من المسرح الملحمي البرشتي. فيقوم الراوي (الكوال) بكسر مجرى الاحداث ليس في النص فحسب (ان المخرج علولة هو الذي يكتب ويعد مسرحياته عادة) وانما في الاداء والعرض. ولهذا فان الممثلين هم رواة اوكوالون، اضافة الى كونهم يؤدون اكثر من دور. (ويعتبر هذا تحولا جديدا في المسرح الجزائري والعربي عموما) ومن اجل التأكيد على كسر الايهام في الحدث والاداء، فان علولة يمزج في عروضه بين ماهو واقعي وماهو رمزي، بحيث يتم التاكيد للجمهور بانهم في مسرح وان هنالك ممثلون على الخشبة يروون حكايةما.فالمسرح لايكتفي بالسرد من قبل الراوية وانما يجب ان يخضع كل شئ لمتطلبات اللغة المسرحية بحيث يخدم المشكلة الاجتماعية. وبغية الوصول الى تغريب الحدث والشخصية فان المخرج الجزائري يعمد الى خلق تلك المسافة بين الممثل والشخصية باستخدام صيغة الشخص الثالث كما هو الحال لدى برشت. أي ان الممثل يمثل الشخصية ويستعرضها بشكل مبدع وليس بشكل ميكانيكي. وبهذا فان الجمهور يمتلك تصوره عن الشخصية. واستمر التأثير الكبير للمسرح البرشتي على الفنان العربي وجمهوره ايضا نتيجة لطموحات هذا المسرح الفكرية والسياسية في العمل على تغير وعي الإنسان وعلاقاته بالمجتمع، وقد تأثر الكثير من المؤلفين المسرحيين بأفكار برشت بهدف كتابة مسرحية للكشف عن طبيعة المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تعاني منها مجتمعاتهم مثل سعد الله ونوس،نجيب سرور، يوسف إدريس يوسف العاني قاسم محمد الطيب الصديقي ومحمود دياب جلال خوري و الفريد فرج، عزالدين المدني و عبد الكريم بورشيد، عبد العزيز السريع، نو الدين فارس وعادل كاظم وغيرهم. مما ادى هذا الى تشكيل ملامح عرض مسرحي عربي بتأثير التغريب البرشتي في ربرتوار المخرج العربي. ومازالت الكثير من العروض العربية تنهل من المفاهيم البرشتية سواء كان ذلك في الأسلوب الملحمي للكتابة اوالفكر الإخراجي لصورة العرض المسرحي.
-------------------------------------------------------
المصدر : ملحق منارات
الثلاثاء، 16 مايو 2017
جماليات المكان الحر( الممسرح ) في العرض المسرحي المعاصر
مجلة الفنون المسرحية
جماليات المكان الحر( الممسرح ) في العرض المسرحي المعاصر
جماليات المكان الحر( الممسرح ) في العرض المسرحي المعاصر
د. سامي الحصناوي
مقدمه لابد منها
غالبا ما تتصارع الايدولوجيات لتثبت إن احدها الأحق بألبقاء من الأخرى ...وكذا النظريات التي تحاول أن تزيح مثيلتها او غريمتها لتتسيد الساحة وتعلن أنها هي صاحبه الرياده والأولى في البقاء والوجود .. وكذا النظريات ألمسرحيه منذ نشأتها كانت تتبلورعلى وفق معطيا ت المحيط والبيئه والظروف التي نشأ ت بها ،حيث مثلت جمله حقائق أفرزتها طبيعة المجتمع وأفكاره بعد تبنيها على مستوى الاقتصاد أو السياسة أو التكنولوجيا ... فمن الكلاسيكية ألقديمه لليونان والقوانين الصارمة في الوحدات الثلاث و التطهير الى الكلاسيكية الجديدة في منتصف القرن السادس عشر وفهمه على الأسس ألقديمه في النظام والوضوح والمثاليه مع الابتعاد عن المواضيع الاسطوريه او الصراع الخارجي بين الانسان والقوى الخارجيه وضعف الالتزام بالوحدات وابتعادها عن التطهير ومحاوله مزج الكوميديا مع التراجيديا ،ثم جاءت الرومانتيكيه كرد فعل على تزمت الكلاسيكيين ورجعيتهم،فكانوا ميالين الى مناقشه المواضيع الحديثه وترك الوحدات نهائيا وضروره عرض الحوادث في اماكنها الطبيعيه وجعلها تتحدث عن ذات الانسان لا الجماعه ..ثم جاءت الواقعيه لترسخ مبدأ الجماعه والهم العام لسواد الطبقه المسحوقه ...ثم اتت الطبيعيه ربيبه الواقعيه لتكرس مبدأ حقيقه الشئي ونسخ الحياة على خشبه المسرح بلا ادنى رتوش ، وهكذا استمر هذا الحال الى عصرنا الحديث والمعاصر حيث ظهر ( فرويد ) فمتزج علم النفس بنظرياته المعقده مع خطورة تحليل الشخصيه وسلوكها ،حيث جاء ( ستانسلافسكي ) بطريقته الاندماجيه واقامته الجدار الرابع ،وكذا جاء (برخت ) حيث ازال هذا الجدار الوهمي ليعلن تغريبه المسرح ،وهكذا باتت تترسخ فكرة الاحلال والحداثه ليكون المسرح عرضه للنفلات المبدع على الصعيد الفكري والشكلي وليعلن روح الحريه والثوره على اشكاله التقليديه وخروج الممثل من رق جدرانه المتحكمه الى ساحه الانعتاق في المسارح البسيطه العدد والاتجهيزات ومن ثم الى الشارع والجبل والسهل والكهف والمقهى والكنيسه والهواء الطلق لينفتح عصر جديد من تحرير المكان المسرحي في تقليديته على اعتبار ان الخشبه هي اعادة بناء وليست طبيعتها البنائيه التي تجعلها خشبه مسرح بل حقيقه كونها تمثل مكانا دراميا . وليكون هدف تلك الاماكن الجديديه والممسرحه حديثا هو ازاله حدود الفضاءات والمساحات الوهميه المفترضه ولتكون وحدة امتزاج الخشبه مع الصاله هما هدف هذا المكان الممسرح وأبراز جمالياته على وفق عشوائيته وتكوينه الوظيفي او الفطري الاول ، ولكن ثمه اشكالات في تجربه مسرحة المكان ..اهمها...هل يفترض ان هناك صلاحيه او تطابق بين النص المكتوب وتفاصيل وطبيعة ذلك المكان الممسرح ؟ .ثم مدى قدرة ذلك المكان الحر(الممسرح ) على استيعاب حركة الممثل مع الجمهور والعناصر المسرحيه الاخرى ؟ ثم ماهي نسبة الالفه بين ذلك المكان الممسرح والممثل والمتلقي في اجواء قد تبدو غير مريحه نوعا ما ؟ وما قدرة ذلك المكان الممسرح على التأثيرالدرامي على الممثل والمتلقي في ان واحد ؟ ومدى السيطره الميدانيه للممثل على المؤثرات الجانبيه من ضوضاء وصخب على تركيزه وانتباه ؟ واخيرا ما هي الجماليه من الممارسه في تلك الاماكن في الشكل والمضمون ؟ وبتالي هل يمكن للمكان المسرحي ( الحر) ان يمنح العرض المسرحي بعداً جمالياً ذا تاثير فكري وبصري ؟؟
وتعاريف لابد منها
1 - الجمال :-
يعرف الجمال لغوياً بأنه " صفه تلحظ في لاشياء وتبعث في النفس سروراً ورضا ،وعلم الجمال باب من ابواب الفلسفه يبحثفي الجمال ومقايسه ونظرياته ،ويقال جمالك :اصبر وتجمل وجمالك الاتفعل هذا :لاتفعله والتزم الامر الاجمل "[1] . كما يعرف الجمال اصطلاحاً بأنه " نزعه مثاليه تبحث في الخلفيات التشكيليه للانتاج الادبي والفني ، وتختزل جميع عناصر العمل في جماليه "[2] وكذالك " تفيد الجماليه بمعناها الواسع محبة الجمال ،كما كما يوجد في الفنون بألدرجه الاولى وكل ما يستهوينا في العالم المحيط بنا "[3] كما يعرف " بأنه اللذه المتحققه موضوعياً "[4] .
2 - المكان :-
يعرف المكان لغوياً بأنه " مكان ، يستقرفيه- ومن الشئ: قدر عليه او ظفر به "[5] . وجاء في كتاب التعريفات بأن " المكان المعين له اسم نسميه به بسب أمر داخل في مسماه ، كالدار فان تسميته لها بسبب الحائط والسقف وكلها داخله في مسماه "[6] . وفي موضع اخر فأنه " المشهور بين الناس جعل الارض مكاناً للحيوان والهواء المحيط به حتى لو وضعت الدرقه على رأس فيه بمقدار درهم لم يجعلوا مكانها الا القدر الذي يمنعها من النزول كذا "[7] . اما المكان اصطلاحاً فأنه"المكان الاليف وذلك هو البيت الذي ولدنا فيه أي بيت الطفوله ،انه المكان الذي مارسنا فيه احلام اليقظه وتشكل فيه خيالنا،فألمكانيه في الاول هي الصوره الفنيه التي تذكرنا او تبعث فينا ذكريات بيت الطفوله ومكانة الادب العظيم تدور حول هذا المحور"[8] .
3 - المكان الحر ( الممسر ح ) :
يعرف الحر بمعناه اللغوي بأنه "خلاف العبد ، ومنه التنزيل ( اني نذرت لك ما في بطني محررا "[9] . اما في معناه الاصطلاحي المسرحي فهو " تحرير مفهوم الخشبه من قيودها البنائيه"[10] . وكذلك فأن المكان الممسرح ( الحر ) ليس فيه من " الضروري ان يكون فضاء الخشبه فضائاً ، لأن الصوت يستطيع ان يكون الخشبه والموسيقى تستطيع ان تكون الحدث الدرامي والمشهد ان يكون النص "[11] . وكذلك يمكن "ان يكون مسرحاً بشرط ان يوفر مكاناً كافياً لتحريك الممثلين ووجود الجمهور "[12] .واخيراً فأن المكان الحريعني " توليد اشارات مسرحيه بلا حدود ومعاني لا متناهيه ناتجه عن امكانية اعادة تشكيل لانهائيه لمساحة المسرح "[13] .
4- المكان المسرحي :-
هو المكان المسرحي الذي " يتحدد بعلاقته الماديه والمعماريه بالمدينه من الاماكن المسرحيه ( المسرح الاغريقي ،مدرج المسرح الروماني ، اوبرا باريس )"[14]. وفي موضع اخرهوالمكان " المحافظ دائماًوبشكل صارم على حدوده الفاصله والنظم الانسانيه حددت هذه الحدود بأنشاء مبان مخصصه للمسرح بل وتحمل اسم المسرح ،ولكن المباني المؤقته التي التي يتم اقامتها في الساحات اوفي الملاعب ليست اقل انعزالاً وتحديداً بشكل تقديري ان لم بشكل مادي عن بقية العالم"[15] . وكذلك يعني " ان يكون المكان المنصي بالنسبه للفنان الممارس كما هوبالنسبه للجمهور من المعطيات المهمه التي ينبغي له ان يعرف كيف يتصرف حيالها"[16]
المحطه الاولى :- العرض المسرحي بين العلبه و مسرحة المكان .
يدرك الجمهور الاغريقي عندما يتوجه الى مسرحه ويشاهد احدى عروضه فأنه سيرى ان ذلك المسرح بلا سقف وان السماءفوقه يعجز ان يتجاهلها وان الريح والدخان والمطر وضوء الشمس داخله اليه في اي لحظه لامحال ،ومثل هذا التواجد كان يسبقه ارث بدائي في المشاهده ،ففي بداية الامرلم يكن المسرح الاغريقي يعرف هذا البناء المهول من المسارح الكبيره بل كان يقدم عروضه الاولى في زمن ( ثسبيس ) عام (535ق.م ) على عربات حيث يذكر" هوراس شيئاً عن (عربه) ومنها يمكن الاستنتاج ان ثسبيس لابد وأنه كان يقف على عربه في وسط الكورس وانه كان يمثل لجمهوريحيط به من كل ناحيه "[17]، هذه البدايه الصعبه للمسرح الاغريقي قد بدأت في فضاء بعيد عن المساحات التقليديه للمسرح ،ومثل هذه العروض كانت تقدم في الاسواق والقرى ،ولكن بتطور الدراما الاغريقيه بعد ذلك وظهورالمسابقات الرسميه ظهر المسرح المفتوح الواسع حيث " اتخذ المسرح الاغريقي شكله المعروف بمدرجاته التي تستقرعلى الارض الصلبه في اسفل الجبل ، ولعل مسرح ( ديونيزيوس) بأثينا الذي قدمت عليه لاول مره مسرحيات ( اسخيلوس ،وسوفكلس،ويوربيدس،وارستوفانيس ) اشهر المسارح الكلاسيكيه"[18] ثم بعد اقيمت بعد ذلك المدرجات الكبيره على شكل نصف حدوه ليأخذ الشكل النهائي في تقديم العروض اللاحقه حيث اصبح الجمهور الاغريقي يرى العروض من مكان مرتفع خلاف المرحله السابقه حيث كان يجلس بمستوى واحد في مسرح دائري كبير، فقد" تطورفعل المشاهده بطريقه متأمله من فعل المشاهده التلقائي بطريقه تنطوي على المشاركه ومن تحديد فضاء مخصص للمشاهده كما يتجلى في نشاط المسارح المتقدمه التي تأخذ شكل حدوة الحصان"[19] . اما في العصر الروماني فقد اخذ الكثير من التصميم العمراني الاغريقي بالاضافه الى انشاء مسارح ذات خشبه عملاقه تميزت بخشبه مسرح طويله وضيقه تمثل شارع تحيط به عدة منازل ، حيث ان " بعض هذه المسارح المؤقته كانت من النوع الذي يستخدم في الاحتفالات الخاصه بالانتصارات العسكريه اكثر من استخدامه لاحتياجات العروض المسرحيه"[20]. ولكن بعد ذلك ظهرت الحاجه الى بناء مسارح من الحجر ،حيث باتت النزعه المتعاليه الرومانيه تتفاخر بهذا السمو ففي عام " 154 ق،م تم بناء مسرح روماني من الحجر ولكن مجلس الشيوخ الروماني الذي كان مشهورا بتزمته قد اصدر حكما بهدم هذا المبنى ، ثم بعد ذلك بمائه عام (55-52) بنى بومبي اول مسرح ثابت "[21] . اما في العصور الوسطى وبعد سقوط روما عام 476 ظهرت الدراما من جديد في القرن العاشر ظهرت عدة فرق من الممثلين المتجولين حيث كان هناك ثلاث انواع من المسارح التي كانت تعرض في الهواء الطلق وكانت متحركه لانها تمثل على عربات او على مصطبات مؤقته فألاول هو " مسرح المصطبه المؤقت للفرق التمثيليه الجواله والثاني المسارح المتصله المستخدمه في تقديم مسرحيات الاسرار والمعجزات والثالث مسارح العربات المستخدمه في تقديم مسرحيات الاسرار الانجليزيه والالمانيه "[22]. ولكن عندما عادت الكنيسه للاهتمام بالدراما الدينيه وتبنت هذه العروض وادخلتها بين اسوار الكاتدرائيه لتدخل المسرحيه الان من فضائها الرحب والمتحرك المتجول الى دهاليز الكنيسه وزخرفتها الجميله حيث " شغلت دراما الطقوس الدينيه التي ازدهرت داخل الكاتدرائيه مكانه ما بين الشعائر الدينيه والاطارالفني للمعمار والنحت والزجاج الملون "[23] وقد استفاد العاملون من زوايا الكاتدرائيه مثل سرداب الكنيسه والمقابر الملاصقه ، والغريب ان معظم الفرق كانت تطوف الشوارع قبل دخولها للعرض داخل الكنيسه وكأن المدينه باتت هي المكان المسرحي الخاص بهم ، وفي عصر النهضه باتت النزعه الارستقراطيه هي المهيمنه على مستوى البلاد ، لذا فان معظم هذه المسارح المزخرفه اصبحت داخل قصورالامراء والارستقراطيين ، ولكن هذه الاحتكاريه للعروض داخل القصورحثت مجموعه الشباب البحث عن عروض خارجها والتوجه نحو اسلوب راديكالي شعبي يحقق الذات لهذه المجموعه من الممثلين فقد " شجع مركب من الاماكن المسرحيه التقليديه المحدوده ورغبه مخرجين تجريبيين في تجريب اماكن غير تقليديه شجع ذلك على استخدام الميادين وساحات القرى "[24] . وبذلك تبنت تلك المجموعات الخروج الحر الى الاماكن العامه لاول مره في عصر النهضه من خلال ادراك واعي بالاسلوب التجريبي وعدم حصر العروض داخل الابنيه المشيده لهذا الغرض بالذات ، ورغم ذلك فقد تبنت في عصر النهضه مسارح ضخمه تعبر عن الزخرفه المعماريه في هذا العصر التنويري ، فقد كان هناك المسرح الاولمبي الذي بني على الطراز الكلاسيكي ثمرة الجهود المستمره لجماعة عصر النهضه ، والذي يهمنا هنا هي الاماكن التي مسرحت واخذت تقدم العروض خارج نطاقها التقليدي او الوظيفي بحثا عن مصاهره طبيعيه بين النص واحداثه وبين بيئه التقديم حين تكون هناك ملائمه حقيقيه بين احداث النص والمكان الذي اصبح عنصرا دراميا وجزء من التركيبه
المعماريه للعرض المسرحي سواء كان ذلك العرض داخل غرفه الرياضه او النوم او السوق او الكنيسه اوالمعمل او السجن او غابه او جبل او كان ذلك المكان الممسرح فيه سقف او بلا ،
فالغرض هنا هو الخروج من مسرح العلبه الايطاليه والتحول الراديكالي في مكان العرض المسرحي ، لقد تمرد التجريبيون اواخر القرن التاسع عشروبداية القرن العشرين على النمط المتكررللعروض التقليديه واماكن عرضها حيث ان " التيارات المسرحيه في القرن العشرين اظهرت رد فعل مضاد لهذا الاتجاه وشهد هذا القرن الابتعاد عن الفضاء المسرحي المعماري الجامد وانتشار مفهوم مواءمه الفضاءات التي تصنع المسرح والقدره على ان نتخذ اية مساحه فارغه ونعتبرها خشبه مسرح عاريه "[25]. وقد يكون الرومانسيون وفي مقدمتهم ( فيكتور هوجو ) من شجع على الخروج الى اماكن اكثرقدره على امتلاء الروح وامكانيات المشاهده ، حيث اصر(هوجو) كجزء من جداله ضد الوحده التقليديه للمكان على اهمية تحديد المكان في الدراما فأن " الموقع المحددهو واحد من اوائل عناصر الواقعيه ، فلا تستطيع الشخصيه المتحدثه او المؤديه وحدها ان تترك انطباعاً صادقاً في روح المشاهد عن الحقائق ويصبح المكان الذي تحدث فيه مثل هذه الكارثه شاهداً قوياًلاينفصم عنها "[26] . ثم توالت هذه التحديات لتعلن عن ولادة المخرج ( ماكس راينهارت ) ففي بداية القرن العشرين قدم مسرحية (كل انسان) على مسرح في الميدان المقابل للكاتدرائيه الكبرى في سالزبرج مستفاداً من الشوارع المحيطه وببرج الكنيسه ، كما قدم مسرحيه ( حلم منتصف ليله صيف ) في الثلاثينات من القرن العشرين في غابه حقيقيه ،وفي الستينات كان اكثر العروض نجاحاً ذلك الذي قدم في " الاكروبوليس في اثينا وفي برج دافيد في القدس وفي باريس وفي الاهرام في مصر وفي برسيوليس في ايران "[27]. وكذلك العرض الذي قدم في الستينات والسبعينات وهو بعنوان (ست فصول شعبيه) في مصنع مهجور في بلجيكا ، والذي عبر هذا العرض عن ديناميكيه ابداع هذا النوع من الدراما ، وكذلك قدم في الثمانينات مسرحيه (كما تشاء) ومسرحيه (شكسبير المخلص) في الغابه حيث علق عليها " لم تترك الصوره أي شيئا للخيال فقط ، لقد كانت ادق من تقليد للواقع بدقه تصل الى دقه التصوير الفوتغرافي بل كانت الواقع نفسه "[28]. من هذا نرى المحاولات الحثيثه للتمرد على الخشبه التقليديه واقامه العروض في اماكن قدتتطابق بنيتها مع احداث العرض ، وهذا يكون اكبر في المسرحيات التاريخيه حيث يطالب دعاة المسرح الواقعي اكثر ملائمه وانسجام بين احداث العرض والبيئه الجغرافيه الاجتماعيه لذلك العرض وكذلك وحدة الاندماج الموضوعي بين المؤدي والمتلقي ،والمدافعون عن هذا النوع في الخروج المكاني يقولون ان المهم هو اداء الممثل لا الزخرفه المكانيه وحجمه ودقه بناءه ، ان الخروج على الخشبه التقليديه في الوقت الراهن بات امرا معروفا لا سيما عند الفرق الجواله التي لا تملك الامكانات للعرض الثابت حيث" تعمل فرق كثيره كجماعات متجوله في مدى صغير او متوسط دون ان يكون لها مسرح خاص بها "[29]. ومنذ بدايه القرن العشرين لاسيما النصف الاخير منه جرت محاولات حثيثه لركوب موجة الانزواء عن التقليديه في العروض المسرحيه وباتت وكأنها قد صنعت مستقبلاً لستقبال احداث العرض المسرحي نحو الاهتمام بالشكل لا المواءمه بين جغرافيه المكان واحداث العرض ، وانطلقت تجريبيه المسرح وعشوائيه مكان العرض من " المسرح الدادي ، وهي حركه فنيه انتشرت في فرنسا وسويسرا حوالي ( 1916- 1920) وتؤكد على حرية الشكل بعيده عن القيود التقليديه ، وقد استمرت مع مسرح (ارتادو) المتسم بالقوه والمسرح الملحمي لبرشت "[30]. وقد اطلق على هذا المسرح اشكال مختلفه كألمسرح البيئي والفن الادائي ثم المسرح ذي الموضع المحدد، ولكن هذه الحريه في الشكل الفرضي لحرية المكان المسرحي وعدم اهميه التطابق بين النص واحداثه وبين البيئه المكانيه للعرض جاورها مهتمون ايضا برفض الخشبه ولكنهم جعلوا من مسرحة المكان عنصر الهام او مؤاءمه شديده بين جغرافية المكان الممسرح وبين احداث العرض من خلال "تشكيل الافكار التقليديه لمواقع الفضاء المسرحي بدقه شديده "[31]. وهكذا ينطلق المكان الحر او الممسرح بلا حدود ويعمل على بلورة الغاء المساحات الفضائيه وتصنيفها او الحدود الفاصله لتكون مساحه واحده لاتفرق بين الصاله والخشبه او مؤدي ومتلقي ولتمتزج كل عناصر المسرح في بودقه واحده معلنه كسرحدود الفضاءات وعلانها منطقه فضائيه واحده ليدخل المكان الممسرح الحر حاله من صيرورة الاندماج الذاتي مع عناصره ليكون سينغرافيه طبيعيه قائمه بذاتها .
المحطه الثانيه :- العرض المسرحي بين جمالية المكان الممسرح والمكان المسرحي
ان جمالية المكان المسرحي او المكان الممسرح تعتمد في البدء على عنصر الخيال الذي يخلقه او يصنعه الممثل عندما يوهم المتلقي على ادراك انه عندما يشيرالى فراغ فلابد ان يقنعه
بوجود شيئا ما في حين ان خشبه المسرح هي عاريه ، وهذا يتطلب امتزاج وعي واحساس المتلقي مع الممثل وخياله المتربص تلقائيا في ان مايشاهده هو حقيقه ماثله امامه " فألمؤدي يعتمد على استعداد المتفرجين والمستمعين للتعاون معه في تحويل خشبة المسرح العاريه الى عشب اخضر عن طريق الخيال"[32]. هذه القناعه المتخيله تتحول تلقائياً الى مدرك حسي بواقعيه المكان وكذلك حدوده الجغرافيه والزمانيه ففي " العرض المسرحي يفضي الوعي بوظيفه نقيضه المكمل فأدراكنا لخصوصيه المكان المسرحي يشحذ وعينا بالمكان الواقعي المناظر له"[33]. حيث تتفاعل صفة الترابط بمسلمات الثنائيه ( الوهم والحقيقه) فيحصل التحول في ذهنية المتلقي من مجرد تصور باللعبه الحاصله امامه الى وعي بأن ما يشاهده هو حقيقه مرادفه للحياة التي يعيشها ولحظه المشاهده الحاصله زمن العرض، لذا فالمكان المسرحي ( الذي وظيفته العرض المسرحي) او المكان الحر(الممسرح الذي ليس وظيفته الاصليه العرض المسرحي) يعتمد التجسيد الخيالي من خلال توظيفه بالاشاره فهو مكان فارغ اوعشوائي، او أي مساحه خاليه في نظر (بيتر بروك) ففي كتابه(المساحه الخاليه) حيث يذكر كيف " يستطيع فعل الاشاره والتعريف ان يحول أي مكان الى عرض مسرحي"[34]. ويذكر كذلك ان أي اشاره علاماتيه مثلاً، قطع الاكسسوار او أي قطعه من المهمات المسرحيه او حتى الممثل ذاته يشكل امتلاء افتراضي يعني تحول أي مكان عاري الى مكان اخر ممسرح يكون مهيئا للعرض المسرحي فأن" غرس عمود خشبي في الارض يستطيع ان يحول مساحه ما الى مكان للعرض المسرحي ، فالدائره التي يحدها العمود حوله ويشير اليها تصنع حدا فاصلا بين مساحه المؤدي ومساحه المتفرجين ويعتمد العرض المسرحي في مجموعه على هذا التقسيم المبدئ للمساحه الى ثنائيه مكانيه"[35]. رغم ان هذه الثنائيه في محورها تترسخ في المكان المسرحى ولس الممسرح الذي يعتمد في جغرافيته المنتظمه او العشوائيه او الطبيعيه على امتزاج تلك الثنائيه ( ممثل ومتلقي) الى واحده ليس الا، ان جماليه المكان أي مكان اصبح مكاناً للعرض يعني هنا الفته ومطاوعته وما سوف يضيف من قيم جماليه على العرض ، حيث يذكر الكاتب (جاستون باشلا) ان جمالية المكان هو تصور الى البيت القديم ، بيت الطفوله ، هومكان الالفه ومركز تكيف الخيال ، وعندما نبتعد عنه نظل دائما نستعيد ذكراه حيث يقول "حين نحلم بالبيت الذي ولدنا فيه ، وبينما نحن في اعماق الاسترخاء العضوي ، ننخرط في ذلك الدف الاصلي، في تلك الماده لفردوسنا المادي ، هذا هو المناخ الذييعيش الانسان المحمي في داخله"[36]. أي ان هذه الاستعاده للبيت القديم والطفوله تعني الفطره وارتباطها بالمكان، لايخرج عن كونه مكان بكر جرى مسرحته وليس له علاقه بوظيفه العرض المسرحي اصلا فالمكان الممسرح يعني مجازا مكان لم يولوث كما هي الحياة ، ان جمالية المكان تنبع من سكونيته قبل واثناء مسرحته ، من الصمت المنبعث من اعماقه عندما تتحول الى علامات فأن "المكان احالني دوماً الى الصمت"[37]. ولكن ما الذي فجر هذه الرغبه في امتلاك المكان البكراو العشوائي او الطبيعي وسرحته للعرض؟ هل هي الدعوه لحظور الطبيعه ؟ ام الرغبه في الثوره والتمرد على السائد والتقليدي ؟ ام الاثنين معاً ، وفي رأي الباحث ان كلا الاتجاهين قابلين للتصديق والمناقشه فأن " الصيغه الجماليه للمناقشه في التواصل التأملي مع الطبيعه بالنسبه لهذا الانسان المعاصر ليس ثمة ما هو اكثر اعتياديه من ترتيب الاحكام العقليه وتنسيقها بطريقه القياس المنطقي"[38]. ولكن المكان قد يعطي تناقضاً جمالياً في نسبته لنا او نسبتنا له او في ألفته او قسوته ، وبالتالي على الصعيد الدرامي قد يضطر المؤلف المسرحي الى الملائمه او التناقض بين المكان والشخصيه حيث " يستطيع الكاتب ان يصور للقارئ خواص الشخصيه اما عن طريق التشابه او التناقض ، وعند استعمال الطريقه الاولى يكون المكان الذي يختاره الكاتب للاحداث متمشيا مع خواص الشخصيه ، اما عند استعمال الطريقه الثانيه فيجب ان يكون المكان متناقضا بشكل حاد مع خواص الشخصيه "[39]. وهناك العلاقه بين المكان الممسرح في أي مكان خارج المسرح التقليدي او ما يسمى مسرح العلبه الايطالي وبين احداث العرض (ملائمةً او تناقضاً) ،فأذا كان المكان غير متسق مع احداث العرض انتهى دور المسرح كؤظيفه علاماتيه ذات رساله حيث ان " التعارض بين العرض والموقع عاده ما يؤدي الى تحييد تأثير العرض ويفسر لنا هذا عدم قابلية الكنائس للتحول الى مسارح ، ذلك ان الرساله التي يبثها الموقع تظل دائما كنيسه"[40] . اما اذا كان العرض واحداثه وحبكته وثيمته وشخوصه موتوالفه مع المكان الممسرح تزداد قوة العرض وتأثيره ، فعلى سبيل المثال اذا كان من الاصلح تقديم عمل تدور احداثه كلها في الكنيسه فانه سوف " يطرح مشكله جديده تتمثل في الرساله العلاميه التي يبثهاهذا الموقع العارض والتي تحمل دلاله الوظيفه الاولى والدائمه للمكان وهي الصلاه ، فأذا كان العرض المقدم في الكنيسه متفقا في موضوعه ومتسقاً في اسلوبه مع نظام العقائد الذي يكرسه المكان ازدادت قوة تأثيرالعرض ، كما حدث عندما قدمت مسرحيه (ت،س،اليوت ) جريمه في الكتدرائيه في كتدرائية كانتربري"[41]. ولكي نضع اسس حقيقيه لاختيار المكان وتقسيمه او وضعه في خانة انتماء النص ومن ثم العرض اليه اوعكس ذلك لابد من تحديد تلك المواقع على اساس مدى درجة التطابق بين ما يعرض على ذلك المكان ومدى اكتسابه الجماليه الحسيه والماديه لطبيعة مستوى الاقناع الذي سوف يحظى به ام عدم القبول ، اولا سوف نستبعد المواقع الدائمه التي تمثل الحيز الطبيعي للمكان المسرحي ، حيث ان هذه المواقع الدائمه قد خصصت اصلا للعرض المسرحي ووضعت الكراسي في الصاله واصبحت في مقام الرؤيه الواضحه لمكان العرض ، وثبتت على الخشبه الستائر والسايكات والهيرسات واجهزة الاناره والصوت وكل ما يتعلق بتقنيات العرض المسرحي ، ولكن الذي يهمنا هي العروض المسرحيه ومواقعها او اماكنها الحره أي خارج بيئتها الحقيقيه ، حيث يوجد مكانان حران هما " المواقع العارضه ، وهي مواقع تقدم فيها العروض المسرحيه بصوره متكرره لكنها غير منتظمه ، وعاده ما تكون ابنيه عامه مثل الكنائس او قصور الامراء والملوك وغيرها ، اما المواقع المحايده فهي تتمتع بميزه هامه هي غموض هويتها التي تفسح المجال للخيال والتصور وتعدد الدلالات فكأنها تحمل طاقه كامنه تنتظر التحقيق الجمالي "[42]. ورغم ان الباحث يميل الى عنصر المواءمه بين المكان الحر او الممسرح وطبيعة العرض واحداثه الى تكامليه فنيه في جملة تناسق مشترك بين المؤدي والمتلقي قائمه على القناعه بواقعية العرض ،ولكن المكان الحر الاخر الذي هو الموقع المحايد فهويمتلك القدره التي تنتظر الفعل المسرحي دون الاخذ التطابقي بينه وبين احداث العرض فكلما " ازداد المكان حياداً في ملامحه ازداده غموضاً وايحاء لهذه الطاقه التي تعني لها المرونه الدلاليه وقدره المكان على التحول المجازي بسهوله ويسرالى مكان مختلف او امكنه متعدده ، ومن هذه الخاصيه او الطاقه المجازيه التي تميز المواقع المحايده يتولد الصراع الابدي بين رغبة المؤدين المشروعه في الحصول على مكان عام دائم يخصص لعروضهم بصوره رسميه علنيه وبين النموذج الجمالي المثالي لمكان العرض المسرحي كفضاء محايد لاتحده ملامح مميزه ولاتثقله سمات ثابته "[43] . هذا الانفلات الجغرافي والعلاماتي في الاماكن الحره جعلها اكثر تحدياً واكبر قدره على اعطاء التنوع الجمالي بسبب غربة المكان وخصوصيته على طبيعة العرض وشكله ، ولكن هناك امراً لابد ان نأخذه بنظر الاعتبار الا هو وضع المتلقي في الاماكن الحره وكيف تعطيه احساس مغاير لما يحسه لو كان جالسا في موقع او مكان دائم للعرض المسرحي وشعوره بانه هوموضع العرض والفرجه مما يعني زجه داخل بنية العرض في ذلك الموقع والاعتقاد بانه هو الممثل حيث تسلط عليه الاضواء شانه شأن الممثل الحقيقي لانه داخل رقعة الحركه والتمثيل، وبذلك تتحجم غربة المكان وغموصه وتزداد جماليته الفطريه وسوف يزول الاحساس بصعوبة الجلوس او الرؤيه لعشواية هذا المكان فيزداد الاصرار على الخضوع لتجربه مغايره بها نوع من الصعوبه والمتعه واحساس الجمهور بانه جزء من هذه العمليه ومشاركاً فيها ذلك الاحساس يجعلنا نحس بأننا " جزء من مناسبه اجتماعيه ما او من واقعة ما تحدث الان امامنا "[44]. وقد يكون المخرج ( ايوجينيوباربا ) من الذين انتفظو على الخشبه التقليديه واخذ يقوم بتمارينه المسرحيه في الهواء الطلق ، واكد على عروض الشارع وجعل المتلقي جزء من العرض كما حدث سابقا فمن " اهم ماجعل باربا يطوير مسرح الشارع هو تفكيره في المشاهدين ، فعلى عكس المسرح التقليدي الذي يحتوي على جمهور مسحور من المشاهدين الذين يجلسون حسب التصميم السائد في حيز العرض ، فأن الممثلين يجب عليهم في مسرح الشارع ان يجذبوا المشاهدين وان يكونوا حيز العرض "[45]. وعليه فان المكان الحر هو مكان اصبح ( بعد مسرحته) مكان مادي مشغول من خلال وجود الممثلين وعلاماتهم وعلاقاتهم بالجمهور ، وهو كذلك اكتسب صفه الفضاء المسرحي الواحد القائم على وحدة الصاله والخشبه ، لاكما يحدث في المسرح التقليدي القائم على الفصل بين مكان العرض ومكان المشاهده ، وبما ان المكان الحر او الممسرح مكان طارئ فأنه سوف تنتفي فيه صفة المسرحه حال انصراف الجمهور عنه بعد العرض ، فألشارع "على سبيل المثال اذا تحول الى فضاء منصي فتره فانه يعود الى وظيفته الحيا[46]تيه لمجرد انصراف الممثلين"3. فالمكان الحر يكسب جماليته من كونه فضاء فطري او عشوائي او طبيعي تتحرك فيه العلامات وتتطور على وفق عشوائيتها الجغرافيه ، اي انه كتله واحده او فضاء واحد عكس المسرح التقليدي الذي يشمل فضائيين (للمؤدي + المتلقي)، ان الفضاء النفسي هو الذي يحدد الفضائين وهو نفسه الذي يحدد الفضاء الواحد في المكان الممسرح وذلك لغياب القواعد المسبقه في عملية الانشاء والتكوين وحظور الفطره المكانيه في وجود حيز ياخذ شكلاً ما في المكان المنصي (مكان التمثيل) ممتزجاً مع مكان الجمهور، ومن ثم يستطيع الفضاء النفسي ان يحدد او يوحد او يلغي الفضاءات ،وعلى هذا الاساس هناك فرق كبير بين المكان المسرحي والمكان الممسرح او الحر ، فالمكان المسرحي " يتحدد بعلاقته الماديه والمعماريه بالمدينه ،من الاماكن المسرحيه ( المسرح الاغريقي - مدرج المسرح الروماني- اوبرا باريس )"[47] . أي ان المكان المسرحي مكان ثابت ووظيفته الاولى والاخيره هي العروض المسرحيه وتنتمي اليه فسحه مستقله للتمثيل (خشبة المسرح) ووجود المقاعد (الصاله) وغير ذلك الانتماء النفسي والحسي للمثل والمتلقي لذلك المكان ففي " معظم الحالات يكون المكان المنصي بالنسبه للفنان الممارس كما هوبالنسبه للجمهور من المعطيات المهمه (قاعده سوسولوجيه) التي ينبغي له ان يعرف كيف يتصرف حيالها ، ان المكان المسرحي هو جزء من هذه السوابق التي على اساسها يشكل النص الجنيني او النص المبدئى الذي يصفه الكاتب وكذلك عمل الفنان الممارس او المخرج"[48]. اما المكان الحر او الممسرح فهو يشترط كي يحقق هذه المسرحه هو حركة الممثل فيه ووجود الجمهور داخل حيزه او قريبا منه معتمدا على نمط عشوايته او شكل تكوينه الطبيعي او المعماري ، وهو مكان مُسرح في غير وظيفته الاصليه ، فقد يكون كنيسه او محطة قطار اوحمام او مكتبه او غابه او سهل ، وسوف يرجع الى وظيفته الاولى حال انتهاء العرض ومغادرة الممثلين والجمهورذلك المكان ، وعليه فان فضاء المكان الممسرح هو فضاء محدد وهذا ما يؤدي الى ان تتحد باقي الفضاءات او تمتزج مع بعضها ، وحتى سينوغرافية هذا المكان سوف تشمل المكان المنصي والجمهور لانه جزء من حركية الفعغل الدرامي والمكاني اوالجغرافي للعرض ، في حين ان تصميم سينوغرافية المكان المسرحي تركز على المكان المنصي دون اهمال مكان المتفرجين او ارتباطها مع عمل عناصر العرض المسانده ، وفي رأي الباحث ان مفهوم الفضاء الوهمي القائم على رؤية ابعد من حدود الفضاء المنصي يعمل في المكان المسرحي المنفلت الحدود الافتراضيه والمصرح به للخيال ان يعمل فيه ما يشاء ولكنه لا يستطيع ان يعمل مباغته خياليه في المكان الحر او البيئي او الممسرح لان حدوده الجغرافيه محدوده وواضحة المعالم ولاتسمح التحديدات الارضيه واجانبيه ان تعمل فعل الفضاء الوهمي وتشظيه على اعتبار ان الفضاء المنصي هو الذي يوحي للفضاء الوهمي على الاشتغال ومشاكسة خيال الممثل والمتلقي على حد سواء نحوابعاد اكثر من حدود الرؤيه الانيه ولحظتها المميزه للانطلاق تحت وطئة الفضاء النفسي الدفين ، حيث انه ومن المعروف " ان الصعوبه التي تصاحب قراءة الفضاء المنصي في مجال الفضاء النفساني تاتي من الطبيعه الفرديه للوهم او الخيال الذي يشكل الفضاء النفساني عند كل فرد "[49]. ومادام الفضاء المسرحي في المكان المسرحي التقليدي فضاء ذو ثلاث ابعاد ومن بينها عمق المكان المنصي ، فأن هذا العمق غير محدد وغير ثابت في المكان الحر او الممسرح وبتالي فهو خاضع لابعاد متفاوته تبعاً لشكله الهندسي او عشوايته الطبيعيه ، لذا فأن فحوى الفضاء المسرحي سوف يخضع جدلياً للتكوين الجغرافي لابعاد ذللك المكان الممسرح ، ومادامت الحدود الجغرافيه وأبعادها غير موجوده في حدودها المختاره لما هي عليه بألفعل وليس كما هو محدد بالدقه في المسرح التقليدي فأن الحدود كلها باتت متداخله بأبعاد فطريه تخضع لارادة حركة الممثل وترتيب مهماته المسرحيه لذا فأن " المفتوح والمعلق والمرتفع والمنخفض والداخل والخارج ، كل ذلك يعمل معاً وفي جو من التناقض "[50]. لذا فأن المكان الممسرح قد يعطي المتلقي الوعي بألمشاهده او الاحساس انه يشاهد عرضاً طيلة الوقت او لعباً دون الاحساس بألفضاء التخيلي او الوهمي بسبب انه جالس في مكان غير المسرح الحقيقي وانه غير خاضع للوهم في حدود الفضاء داخل الفضاء التي تصنعه الاضاءه ، والذي ينشأ من خلال اظلام حدود مكان الجمهور واضاءة المكان المنصي للمؤدي , بينما هذا الاحساس غير غير موجود في المكان الحر لسببين ، الاول هو- ربما يكون العرض في الاماكن الممسرحه ( الحره) نهاراً في الهواء الطلق وبذلك تنتفي الفضاءات الوهميه والنفسيه والتخيليه وحتى لو كانت هناك اضاءه فان الفضاءين ( فضاء الجمهوروفضاء المنصه) اصبحا وحده مندمجه لعدم ترسيم ارضي للفصل بينهما ، حيث " يعني استخدام الاضاءه اننا يمكن ان نخلق فضاءاً داخل فضاء ، ان دخول الاضاءه ادى الى وضع تقليد اظلام صالة المتفرجين وحددت الوعي المكاني للمتفرج بمساحه خشبة المسرح ، وهو وعي مختلف اختلافاً حاداً عن وعيه في المسارح النهاريه المقامه في الهواء الطلق "[51]. وقد يقودنا سؤال عن علاقة المكان الممسرح وطاقة الممثل على اعتبار ان العشوائيه الجغرافيه تبقى على حالها في شكل ومحتوى المكان المختار للعرض وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طردياً ونلك العشوائيه وبذلك فأن طاقة الممثل في المكان الممسرح اذا كان محدود الابعاد ربما وعلى الارجح لاتصل الى مستوى تلك المبذوله -في المكان المسرحي ذو الابعاد المرسومه بمساحات ذات اعماق وابعاد ربما تصل الى حدود واسعه لاسيما في المسارح الكبيره لذا " فأن مجابهة قوة الجاذبيه او المقاومه السلبيه تعني استثمار كميه اكبر من الطاقه ،ومن ناحية اخرى اذا كان جزءاً فقط من الطاقه المستثمره بهدف اداء فعل ما تتحررعلى هيئة حركه فينتج عنها تبديد مادي بالنسبه لاقتصاد الحركه ذاتها "[52]. ولكن فائض الطاقه قد يكون اكبر اذا كان المكان الممسرح ذو جغرافيه صعبة التضاريس كوجود العرض في جبل او مرتفع او غابه مما يتطلب من الممثل التسلق او الحفر او الجري بعكس الاماكن الممسرحه ذاتها في الغرف داخل المستشفى او السجن او الممرات او محطة القطار ، ان تلك الطاقه المتوفره عند الممثل في اداءه داخل المكان الممسرح وعشوايته الجغرافيه قد يعطيه الانفلات في الارتجال لغياب عنصر الضبط النفسي بسبب غياب التقنيات المعروفه مثل فتحه المسرح والعمق والستاره والكواليس او الجلوس العشوائي للمتفرجين والمتداخل مع الممثل قد يدفع الممثل الى نوع من التمرد او المشاكسه على الارتجال والذي يعني " فن الخلق في نفس لحظة التنفيذ "[53]. وهذا قد يحصل في ظل ظرف هو نفسه ارتجالي او غير مألوف في المعايير القيسيه المتداوله للعرض المسرحي التقليدي ، وهذا امر غير مرغوب فيه حتى لو كان العرض ليست فيه الموازين الحقيقيه المفترضه في العرض التقليدي ، ان تجربة المكان الحر او الممسرح نابع من هواجس صانعيه القائمه على امكانية توليد علامات متدفقه يعجز المكان المسرحي عن الافصاح عنها ، فألمكان الممسرح غايته " توليد اشارات مسرحيه بلا حدود ومعاني متناهيه ناتجه عن امكانية اعادة تشكيل لا نهائيه لمساحة المسرح "[54]. ان النمطيه غير الثابته لجغرافية او عمران او طبيعة المكان الممسرح يخلق تلقائياً جواً من التحفيز العلاماتي بصيغته الايقونيه او الاشاريه او الرمزيه والقدره على التحول من علامه الى اخرى والتشظي الحاصل في نفس العلامه ، وبذلك يصبح هذا المكان الجغرافي منتجاً فعالاً للعلامات وكذلك لضخ الشفرات المكانيه التي لاتتكررفي مكان اخر او لاتظهر بشكلها الطبيعي في المكان المسرحي الا بتصنيعها او تشكيلها عن عمد ، ان الخصوصيه المفتوحه وغير المنتظمه احياناً للمكان الممسرح تعطيه فرصه او قاعده للامتلاء ، أي ان طبيعته حسب شكلها سوف تفرض عشوائيه ليس في التنظيم فحسب وانما الوجوب المحتم على امتلاء مساحته وتقاطع خطوطه واشغالها بالحركه او المهمات وذلك لتلاشي الخطوط والفضاءات والتداخل الذي يحصل بينهما فأن " امتلاء المساحه والطرق المتعدده التي تنتقل عن طريقها المساحه وتنقل لفضاً وتضج بالحية ، هي اساساً تصميم المسرح البيئي،ان هذه المساحه الحيه تتضمن كل المساحه في المسرح وليس ما ندعوه خشبه المسرح فقط "[55]. ومن هنا وهذه الحيويه للمكان الحر الممسرح فأنه يدعو لوحدة بيئيه والهجوم على التنظيمات المساحيه للمسرح ونرفزة التقسيم الافتراضي للمكان ، حيث يرفع هذا المسرح شعار وجوب وجود مؤدين ومشاهدين قائم على استخدام كل المساحه المتاحه جغرافياً في موقع المكان لاتقسيمه الى وحدات حيث " لاتوجد خشبة مسرح بلا حياة ولاتوجد نهايه او حدود لخشبه المسرح "[56]. وهنا تكمن جمالية المكان الحر الممسرح والتي تنبعث من خلال عشوائيته او فوضويته كما هي وبدون تحوير او تزويق وبكل تضاريسه وخطوطه او تعرجاته او تعداد زواياه او التواء جدرانه او تخسفات ارضه او بسقفه او بدونه ، حيث تعطي تلك التكوينات الجغرافيه تنوعاً قد يقتصر على عرض واحد او اثنين ثم البحث عن تنوع في مكان غير مألوف اخر ، ومن هنا اطلق على هذا المكان الممسرح تسميات اخرى مثل المسرح المفتوح او المسرح الحي او المسرح البيئي او المسرح الحر وهي تسميات انطلقت من " رؤية انتونين ارتاود عن مسرح القسوه والذي يلغي دور خشبة المسرح وقاعته ويستبدلها بموقع واحد فقط ، وبذلك يصبح المشاهدون في وسط الاحداث "[57]. ان قيمة وجمالية المكان الحر الممسرح ينبع من ما يحيط به من مادة خام لم يتدخل الانسان في تكوينها او تصميمها لغرض العرض المسرحي كوظيفه اولى لها بل هي موقع بكر لاعلاقه للانسان بها مثل ( غابه - جبل - سهل -كهف ) او صممها لاغراض او وظيفة غير المسرح او العرض المسرحي مثل ( كنيسه- معبد- سجن- مستشفى- شارع) هذا التنوع الجمالي حث على اغناء ذهنية المخرج والممثل وكل التقنين في المسرح على تحدي جغرافيه طارئه عليهم حيث ينتقل هذا التحدي الى مواءمه ورتباط حسي وعاطقي مبعثه تكوينات جديده وغير مكرره او مألوفه في زخرفة هذه الماده الطريه الخام، فألمسرح الحر" كل مايحيط به ماده خام وان يختار القيم الجماليه والقيم المسرحيه التي يجعلها تدور مثل الدوامه امام عينيه لكي يقوم بتفسيرها بلغة المسرح "[58]. وينطلق( بيتر بروك) في اعطاء مساحه العرض المسرحي شكلاً نسبياً يخضع له حجم ما يملاْ من ادوات ، لذا فهو لايهتم بالمساحه من الناحيه النظريه بل المساحه كونها اصبحت اداة ، ويركز ايضاً على جمالية العلاقه في المسرح الحرالممسرح في مفهوم العلاقه بين الممثل والطبيعه ، رغم انه يعتبر الاداء في خارج حيزه التقليدي يواجه بميزات واخرى عقبات ، فهو يقول : " حين تترك المساحات التقليديه وننطلق نحو الشارع او الريف او الصحراء او نحو حظيره او أي مكان في الهواء الطلق فان هذه يمكن ان تكون ميزه وعقبه في ذات الوقت ، الميزه تتمثل في علاقه ستقوم على الفور بين الممثلين والعالم ، وهذا يعطي انفاساً حيه جديده ودعوه الجمهور الى تحطيم عاداته الشرطيه "[59]. ولكن مع ذلك فان بيتر بروك يعطي بعض العقبات خلال العرض خارج حيزه التقليدي منها (التركيز) وهوايضا خاضع لذات المكان وقربه من مصادر الازعاج ( سيارات - شوارع - معامل ) ، وكذلك ربما تكون القدره على الرؤيه رديئه فيكون من الصعب التركيز الا اذا توحدت الرؤيه في ظل ظروف ذاتيه موضوعيه بين المساحه والاداء ، فسيكون من المنطقي رؤية تركيز عالي القدره على الانتباه ، ومن هذا فأن طبيعة الاداء في هذه الاماكن يكون ذا خلق وارتباط مبدع بالمكان ذاته ، ومن هنا فان ما يطلق على لفظة التقسيم في المسرح الحر هو غير مطروح نظريا وعمليا لوجود هذا التداخل في كل عناصر العرض التي فرضتها طبيعة المكان وجماليته فهو" المكان الموحد وطريقه للعرض ، حيث يتداخل ويتحد كل من خشبة المسرح وصالة العرض واستخدام الردهه من اجل اهداف دراميه قد يكون خطوه نحو خلق الحيز الحولي التام في المسرح البيئي وبالتالي يصبح اقل تحديدا لان هناك نوعا من المشاركه المكانيه "[60]. والمقصود بالحيز الحولي ، الشموليه في اندماج المساحات التي يخلقها العرض بطبيعته الجغرافيه الفطريه او المشيده لاغراض غير العرض المسرحي المنوعه حيث ينشأ نظام مبني على حولية الحركه واتحاد الحيز المكاني العام ساحه للاداء والمشاهده ، فأن " الاهتمام بالحيز (الفراغ ) والمكان كان اساساً للعديد من افضل القراءات للمسرحيه خاصه كتابات ( إيرفينج واردل ) الذي قال صراحةً : ان المسرحيه يجب فهمها بمفاهيم مكانيه والا لن نفهمها "[61]. فالمكان الحر الممسرح يشكل العرض ويشكل طبيعة الاداء على الصوت والحركه والزوايا والفراغات التي تجبر الممثل على التحرك خلالها بفعل تكوينها الاصلي المتطابق مع وظيفتها الاصليه الاولى ، وبالتالي تفرض شكل جمالي فطري بعيد عن الصنعه وخاضعه لمنطق الجمال الطبيعي ، والذي يتشكل بالضروره من الوحده التكامليه للعرض بعناصره الطبيعيه والصناعيه التي اضيفت لاحقا عليه ، وعليه فأن المكان الحر الممسرح هو ذلك المكان الذي يشير الى ان الوظيفه الصوريه للخشبه لاتعتمد البناء المعماري بل قيمة ما يقدم من شكل ومضمون ذلك العرض وقيمة اداء الممثل لتحقيق ذلك المعنى سواء كان ذلك داخل بناء معماري أي كان ، او في الهواء الطلق او أي مكان اخر وظيفته السابقه غير العرض المسرحي .
مؤشرالمحطتين
•1- جمالية المكان هو تصور لمفهوم العوده الى البيت القديم ، بيت الطفوله ، هو مكان الالفه ومركز تكيف الخيال.
•2- جمالية المكان تنبع من عشوايته و سكونيته الملهمه قبل واثناء مسرحته ، من الصمت المنبث من اعماقه قبل ان يتحول الى علامات ودلالات متشظيه .
•3- تقدم العروض خارج نطاقها الثابت (التقليدي) بحثاً عن مصاهره بين النص وبيئة التقديم الملاءمه .
•4- مسرحة المكان يعني الخروج الى اماكن اكثر قدره على امتلاء الروح وامكانات المشاهده كجزء من رفض الوحده التقليديه للعرض المسرحي.
•5- المكان الحر الممسرح يعمل على بلورة الغاء المساحات وحدودها الفاصله لتكون بالتالي مساحه واحده للمتلقي والمؤدي .
•6- المكان الحر الممسرح هو كسر خطوط الفضاءات واعلانها منطقه واحده لتكون في صيروره الاندماج الذاتي مع عناصر العرض الطبيعيه المكتسبه لتتصبح بعيده عن الصنعه الزخرفيه المتكرره .
•7- المكان الحر يعتمد على توظيفه بالاشاره بعتباره مكاناً فارغاً او مساحه خاليه في نظر(بيتربروك) ، حيث تستطيع تلك الاشاره ان تحول أي مكان الى اخر للعرض .
•8- يكتسب المكان الحر جماليته من كونه فضاء صاخب ومنفلت ، تتحرك فيه العلامات بسهوله وتتطور الاشياء فيه منغرابة جغرافيته .
•9- هناك فرق بين المكان المسرحي والمكان الممسرح ، الاول مكان ثابت مكرر للعرض له شروط ، وحدوده الفاصله بين المساحات والفضاءات ، اما الثاني فهو مكان للعرض المؤقت تنتفي فيه الخطوط والفضاءات ويرجع الى وظيفته السابقه حال انتهاء العرض .
Oالحصناوي في مسرحيه حوته يا منحوته
التطبيق التحليلي للمحطتين
مسرحية : عزلة في الكرستال
اشعار : خزعل الماجدي
اخراج : صلاح القصب
مكان العرض : ممرات في كلية الفنون الجميله
تاريخ العرض : 1990.
يبدو ان توجه المخرج ( صلاح القصب ) في اخراجه للقصيده الشعريه (عزله في الكرستال ) قد اقترب كثيرا من المنطق العبثي في توجهاته الفلسفيه وفي علاماته ودلالاته التاويليه والتي غالبا ما توحي او ترمز الى مفهوم اساسي في نظر العبثيين الا هو غربة وضياع وتهميش الانسان في عالم ملئ بألخداع والزيف الذي يغلفه بريق الكرستال وجمال زخرفته والوانه الخادعه وفي زمن الانحطاط الاخلاقي والعبث والموت والحروب ، صار فيه الانسان غارقا في العتمه يحاول النجاة دون طائل ، مستعيننا بالهروب الى عمق البحر حيث الطهاره والالفه والولاده الجديده ، وازاء هذه السوداويه جاء العرض متطابقاً مع روح وفلسفة المكان الحر الممسرح وختياره المعبر عن ضيق فسحة الامل واليأس من محاولات الاخلاص بلا طائل ، فالمكان كان عباره عن فسحه بين بنايتين عاليتين متقابلتين هما قسم التصميم والاخر قسم الفنون السمعيه ويجاورهما بناءاً ثالث يحتوي على سلم ضخم هو مسرح الكليه وبناية التسجيل ، ان هذه الفسحه او المساحه او الفراغ في هذا المكان الممسرح جاءت للتدليل على الهاويه السحيقه التي يعيشها الانسان من خلال ضيق المكان الحركي للاداء ومن ارتفاع البنايات والرؤيه التقزميه للفراغ الارضي الذي هو مكان الحدث والتمثيل والتلقي ، مدركاً ان هذه العموديه في العرض جعلت من الممثلين والجمهور كما انهم داخل قبور محشورين فيها وسط ثلاث ابنيه عاليه ومساحه ضيقه بالكاد يتحركون فيها ، لايتنفسون الا من خلال الشبابيك المفتوحه لتلك الابنته المطله على باحه العرض ، لتعززمساحة الهوه والفوضى وتناقضات الحياة وسخرية الناس الساكنين خلف تلك الشبابيك ومشاهدة مأساة مايحصل تحتهم في تلك الحفره السحيقه الضيقه ، لقد تعمد مخرج العرض ان يملاٌ ارضيه الفراغ او المساحه المحصوره بين البنايتين بالرمل الاحمر ليعطي دلالات الجفاف ولون الصحراء وخلوها من الحياة ، كما هي تلك الهاويه المحصوره بين عمودية البنايات معززا غربة المكان الممسرح وغموضه وانسحاقه باضافه المهمات المسرحيه في ابراز جوانب التناقض في هذه الحياه من خلال تنافر اشكال هذه القطع الاكسسواريه وغرابتها بل وفي تناقض مهماتها ووظائفها وغربتها عن المكان او الحدث ، مثل (التابوت- الجذع - الاله الكاتبه - التراب-المطرقه - النار) ، ليعزز فكرة التناقضات في الحياة ووحشة الانسان المستلب وصراعه مع قوى تستخدم تلك الانظمه او المهمات بغيرما تعطيه من فائده له، لقد استخدم المخرج (صلاح القصب) مواقد النار ولهيبها المتأرجح ليعطي دلاله على عدم الثبات في اشاره الى ضياع القيم وانسلاخها عن اخلاقيات المجتمع ، هذه الديناميكيه وظفها المخرج في حصر او تأطيرفضاء العرض في دائره امتزج فيها فضاء المنصي (فضاء التمثيل) مع فضاء الجمهور في كتله واحده ، جاعلاً منها ساحه مباحه لمهرج متهور يرمي بألعبات السود على تلك المساحه الضيقه (ساحة المؤدين والتلقي ) ليؤكد قوة الشر المسيطره على الارض وعدم قدرة الانسان المشلول في ذلك الجحر على الحراك او الوصول الى مصدر الشر او النيل منه او القضاء على مراميه الشريره، بل اعطى دلاله على حجم الهوه في ذلك المكان الممسرح من خلال التناقض في حجم الكتل في الشكل البنائي من خلال ارتفاع البنايات وصغر مساحة حركة الممثل والتلقي التي تشبه القبر المحصور بين الكتل الاسمنتيه او افران الحرق ، وليس من متنفس الا من شبابيك ضيقه عباره عن فتحات ينظر منها بشر ساكنون جامدون لاحول لهم ولاقوه غير قادرين على التعبير او ابداء الرأي او من قدرة تغييرما يجري تحت ، او وقف ما يحصل في ذلك القاع ، او تلك الابواب الداخله للبنايات حيث تفتح من خلال اشباح غير مرئيين فتنطلق منها دراجه بخاريه قاطعةً فضاء المسرح الشاحب مدويةً بضجيج عالي صوب الفراغ المجهول في اشاره الى صخب الحياه او ربما تمثل هذه السرعه وجودنا في هذه الحياة والسرعه في الغروب عنها ، تنطلق هذه الدراجه في العتمه الامن ضوء المواقد المترجح جاعلا من الفضاء داخل الفضاء تعبيرا عن ومضات الامل التي ربما لاتخلو منها الحياة ولتجعل من الخيال والتأويل مسيطراً على مجريات الفعل الدرامي ، ان المكان الحر الممسرح في هذا العرض يعطي جمله من التأويلات في صخب مايحصل في تلك السوداويه المتمثله في شكل الفراغ المحصور وضيقه بين البنايات المعلقه في السماء او حبال شنق يلامس الموت مكرساً غربة المكان في شكله الحاد وتكويناته المسننه بين الارتفاع والانخفاض وقعروية الارض واغتراب ذلك المكان وشكله المرئي والمتخيل، وفي بؤرة التزاوج بين الفضاءات كان الجمهور حراً في مشاهدته للعرض من أي زاويه يختار سواء كان جالساً ام واقفاً او في الفراغ بين البنايتين او من خلال السلم الذي يلتصق او الخارج من بناية مسرح الكليه ، وبذلك جعل المخرج من فوضوية حركة او تحريك المهمات المسرحيه او توزيعها او حرية التلقي ديناميكيه مضافه للمكان الحر الممسرح سواء للمؤدين او المتلقي وحركته اثناء المشاهده او ختياره اللقطه في أي اتجاه يشاء او أي اتجاه يتحرك ومن خلالها يكون مشاركاً المؤدي همه وحسه وغربة الحياة واشتراكه ذات المأساة ، منتبهاً الى ان العرض في هذا المكان الممسرح قد بدأ بواسطة ابواق رافعاً رأسه مجبراً على النظر اعلى اسطح البنايات يشاهد المهرج الذي يتحكم في استدارة رأسه منتبهاً الى العباءات التي ترمى من اسطح البنايات لينظر على ماسوف تنتهي في مستقرها على الارض ، مستسلماً الى قوانين الطغاة ، بينما يظل محدقاً الى اعلى واسفل لايعرف ماذا عليه ان يفعل غير قادر على تغيير مسار ما يجري ، ان جمالية المكان الممسرح واثرها في هذا العرض احدثته الصدمه في التناقضات المكانيه وغرابتها او في تنوعه العلاماتي بين شكل وعدم انتظام البنيات وبين الارض المحصوره بينها او بين العلاقه بين الفراغ والمهمات المسرحيه وحالة الامتلاء وعشوائية التوزيع وديناميكية الحركه للممثلين او تلك المهمات على مجمل توالي الارتفاع وستمراريته او بين الفراغ والمتلقي وحركته المنفلته في ارجاء مساحة العرض او بين الممثل ذاته في صنع المتعه بينه وبين فراغ قد امتلا بألحركه وسيادة صخب الايقاع وفعل الحركه والفعل لعرض شكله المكان واضافه اليه المخرج ايقاع متوازن بين احداث النص وسكونيتها وبين العرض المكاني وصخبه .
المحطه قبل الاخيره
•1- تتشكل جمالية المكان الحر الممسرح من خلال تناقض المساحات في جغرافيته البكر او المكون الانشائي لغير وظيفة العرض المسرحي ، كما تبين في عرض (عزله في الكرستال ) التنوع في وجود ( بنايات + ارض محصوره) .
•2- تنشأ جمالية المكان الحر الممسرح من شكل حرية حركة الممثل والمتلقي خلال منطقه واحده فرضتها جدلية وجود قانون الغاء الفضاءات وصيرورتها الى فضاء واحد ( حركة الممثلين والمتلقين في عرض (عزله في الكرستال ) في مختلف جوانب المكان الحر.
•3- تتكون المنظومه الجماليه للمكان الحر الممسرح من حرية المشاهده وختيار المتلقي الجلوس او الوقوف او اختيار أي زاويه لمشاهدة العرض.
•4- تنبع جمالية المكان الحر الممسرح من خلال ديناميكية توزيع المهمات المسرحيه على طبيعة ماتمثله جغرافية المكان البكر او بحتواء المكان او ملئه بالحركه والفعل الدرامي ( توزيع مواقد النار ، حركة الدراجه ، ظهور واختفاء المهرج من على اسطح البنايات ) .
•5- تنشأ جمالية المكان الحر الممسرح من قدرته على صنع واستحداث العلامات بفعل العشوائيه في نمط شكله وزواياه المتنوعه المسانده على تكوين ديناميكيه في تأسيس حراك للعلامه .
•6- تتولد بفعل لامألوفية و شكل المكان الحر الممسرح لحظة الدهشه والمتعه غير التقليديه في الاداء والمشاهده .
•7- العمق المساحي لجغرافية المكان الحر الممسرح خاضع لابعاد متفاوته لجدلية التكوين الطبيعي له ، لذا فأن الحدود كلها متداخله بأبعاد فطريه تخضع لها ارادة حركة الممثل وترتيب المشاهده وتوزيع المهمات المسرحيه .
•8- قيمة وجمالية المكان الحر الممسرح تنبع مما يحيط به من مادة خام لم يتدخل الانسان بها ، ولم تنشأ اصلاً لغرض العرض المسرحي بل شكلها لوظائف اخرى .
•9- عند توحيد الرؤيه في ظل ظروف ذاتيه وموضوعيه بين المساحه والاداء سيكون من المنطقي رؤية تركيز عالي القدره على الانتباه .
المحطه الاخيره
•1- لايمكن وجود رؤيه جماليه للمكان الحر الا بتوحيد الفضاءات المتلاصقه او المتجاوره في حيز مساحة العرض.
•2- لا يستطيع الفضاء الوهمي القائم على رؤية خارج الفضاء المنصي في المكان المسرحي التقليدي ان يعمل مباغته خيليه او متخيله في المكان الحر لان الحدود الجغرافيه فيه مقيده ولاتسمح التحديدات الارضيه او الجانبيه ان تعمل حقل الفضاء الوهمي او تنشيطه.
•3- ينعدم احساس المتلقي بألفضاء النفسي الوهمي في المكان الحر حيث ينشأ الوعي المكاني بألمشاهده ، لاسيما في العروض النهاريه الخارجيه او ان الا ضاءه باتت لاتفرق بين حدود المكان المنصي ومكان الجمهور ، حيث لامجال لصنع مستوى فضاء داخل فضاء.
•4- طاقة الممثل الادائيه مفتوحه في المكان المسرحي ، ولكنها تتفاوت في نسبتها في المكان الحر بأختلاف التأثيرات الجغرافيه لذات المكان .
•5- قد تعطي العشوائيه الجغرافيه للمكان الحر الممثل انفعالات تحفزه الارتجال لغياب عنصر الضبط النفسي وفي غياب تقنيات المسرح المعروفه والجلوس العشوائي المتداخل بين المتلقي والمؤدي .
•6- لاتنبع خصوصيه جماليه للمكان الحر الممسرح الا من خلال شموليه الحيز الحولي في صيغة اندماج المساحات التي يشكلها العرض بطبيعة المكان وجغرافيته المونوعه ، حيث ينشأ نظام مبني على حوليه الحركه المبني هو الاخر على اتحاد الحيز المكاني العام كمساحه للاداء والمشاهدهالاحالات
[1] - مصطفى ، ابراهيم واخرون :المعجم الوسيط، ( طهران : دار الدعوه ) ، ج1 ،ج2، ص136
[2] - علوش، سعيد : المصطلحات الادبيه المعاصره ، ( الدار البيضاء : المكتبه الجامعيه ، 1984) ، ص36
[3] - جونسن،ر، ف :الجماليه ، تر : عبد الواحد لؤلؤة، ( بغداد : منشورات وزارة الثقافه والاعلام ،1978) ص8.
[4] - نجم، حيدر : خيال وابتكار ، ( جامعة الموصل ، دار الكتب للطباعه والنشر ، 2001) ، ص118.
-[5] مصطفى ، ابراهيم واخرون :المعجم الوسيط، (طهران : دار الدعوه ) ، ج1 ،ج2، ص881 .
[6] - الشريف الجرجاني، علي بن محمد : كتاب التعريفات ، ( بيروت : مكتبه لبنان ، 1978) ، ص245.
[7] - التهانوي،محمد أعلى بن علي : كشاف اصطلاحات الفنون ، ( بيروت : دار الصياد ، ب ، ت ) ، ص1277
[8] - باشلار، جاستون :جماليات المكان ، تر : غالب هلسا ، ( بغداد : دار الجاحظ للنشر ، 1980) ، ص7
[9]- الشجري ،علي بن محمد بن علي : ما اتفق لفظه واختلف معناه ، ( بيروت : دار الكتب العلميه ، 1996) ،ص85
[10] - هونزيل، يندريك :سيمياء براغ للمسرح ، تر: ادمير كوريه ( دمشق : منشورات وزارة الثقافه ، ص98
[11] المصدر نفسه، ص99
[12] - المصدر نفسه
[13] - المصدر نفسه
[14] - سفليد، ان أوبرا : مدرسة المتفرج ، تر :حماده ابراهيم ، ( القاهره: مهرجان القاهره الدولي للمسح التجريبي،1996)، ص56
[15] - سفليد ،ان وابرا ،المصدر نفسه ، ص59
[16] - المصدر نفسه ، ص60
[17] - هوايتنج،فرانك :المدخل الى الفنون المسرحيه ، تر: كامل يوسف ،( القاهره :دار المعرفه ،1970) . ص285
[18] - المصدر نفسه ،ص286.
[19] - استون، الين:المسرح والعلامات ، تر:سباعي السيد :( القاهره :مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي ،1996)ص160
[20] - هوايتنج،فرانك ، مصدر سابق ، ص290
[21] - المصد نفسه ، ص291
[22] - هوايتنج ، فرانك ، مصدر سابق ، ص292
[23] - كارلسون ، مارفن : أماكن العرض المسرحي ، تر : ايمان حجازي ،(القاهره : مهرجان القاهره للمسرح التجريبي ،2002) ، ص28
[24] - المصدر نفسه ، ص45
-[25] استون، الين ، مصدر سابق ، ص161
[26] - كارلسون ، مارفن ، مصدر سابق ، ص46
[27] - المصدر نفسه ، ص48
[28] - المصدر نفسه ، ص47
[29] - استون، الين، مصدر سابق ، ص160
[30] - كارلسون ، مارفن ، مصدر سابق ، ص28
[31] - المصدر نفسه ، ص28
[32] - هلتون،جوليان : نظرية العرض المسرحي ، تر : نهاد صليحه ، ( القاهره :هلا للنشر والتوزيع،2000)، ص36
[33] - المصدر نفسه ، ص36
[34] - المصدر نفسه ، ص36
[35] - المصدر نفسه ، ص38
[36] - باشلار، جاستون ، مصدر سابق ، ص45
[37] - المصدر نفسه ، ص29
[38] - غاتشف،غيوري:الوعي والفن ،تر:نوفل تيوف،(الكويت:المجلس الوطني للثقافه والفنون ،عالم المعرف(146)،1991) ص13
[39] - محمد رضا،حسين رامز: الدراما بين النظريه والتطبيق ،(بيروت: المؤسسه العربيه للدراسات والنشر،1972)،ص402
[40] - هلتون،جوليان،مصدر سابق ، ص42
[41] - هلتون،جوليان، مصدر سابق ،ص42
[42] - المصدر نفسه ، ص39
[43] - المصدر نفسه ، ص40
[44] - ويلسون ، جلين : سيكولوجية فنون الاداء ، تر: شاكر عبد الحميد ،( الكويت : المجلس الوطني للثقافه والفنون ، 2000) ، ص93
[45] - واطسون،ايان : ايوجينيوباربا ومسرح أودن تر: منى سلام ،( القاهره: مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي،2000)،ص237
[46] - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق ، ص55
[47] - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق، ص56
[48] - المصدر نفسه ، ص60
[49] - - سفليد، ان أوبرا، مصدر سابق، ص74
[50] - المصدرنفسه ،ص118
[51] - استون، الين، مصدر سابق ، ص161
[52]- تافياني،فرديناندو: طاقة الممثل كمقدمه نقديه ، تر، اليان ديشا ، في : كتاب : طاقة الممثل ،( القاهره : مهرجان القاهره الدولي للمسرح التجريبي ، 1999) ، ص130،ص131
[53] - المصدر نفسه ، ص174
[54] - هوري ، أونا شود :المكان المسرحي ( جغرافية الدراما الحديثه ) ، تر : امين حسين الرباط ، ( القاهره : مهرجان القهره الدولي للمسرح التجريبي ، 2000) ، ص29
[55] - هوري ، أونا شود ، مصدر سابق ، ص30
[56] - المصدر نفسه ، ص30
[57] - المصدر نفسه ، ص31
[58] - المصدر نفسه ، ص32
[59] - بروك ، بيتر : النقطه المتحوله ، تر، فاروق عبد القادر،(الكويت : المجلس الوطني للثقافه والفنون والاداب ، سلسة عالم المعرفه (154) ،1991 ) ، ص159
[60] - المصدر نفسه ، ص63
[61] - المصدر نفسه ، ص137
--------------------------------------------------------------
المصدر : النور