أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 8 فبراير 2018

الــــمــبدع والــمخـــابرات

مجلة الفنون المسرحية



الــــمــبدع والــمخـــابرات 

 نـجيـب طـــلآل


-2-

غــمـوض وردود

إن ملـف الفنان أوالمبدع في ربوع العالم العـربي وعـلاقـته بالجهاز المخابراتي؛ في كثير من المحطات لازلت شبـه غـامضة تلك العلاقـة؛ وتحمل عـدة تأويلات واحتمالات في حـق هـذا أو ذاك ؛ إذ تبقى شـكـوكا أو اتهامات بدون إثبات أو دليل مادي، بل تبقى مجـرد اتهامـات مبنيـة عَـلى تصورات عامة أو إشاعات• لأنه لـم يتم كـشـف النـقاب عـن العَـديد من المبدعين في إحـدى المذكـرات أو التصريحات لـفضح المسكـوت عـنه!
فانطلاقا من غـريزة التساؤل: ألا يـثيـرفي المرء : فنان(ما) أو مثقف(ما) أو مبدع(مـا) شكـوكا ووضـع عـلامات الاستفهام (؟؟) حـول  تحـركاته هنا وهناك وسـفـرياته عـدة مـرات في الموسم الواحـد؛ لعـدة تظاهرات ولقاءات فنية وإبداعية؛ ويكرم مئات المرات هُـناك وهنالك؛ ومنوجد في عـدة لـجـن تنشيطية وترفيهية حتى ! ومتقـوقـع في عـدة مجلات وصحف ومواقع إلكترونية كعضو( استـشاري) علما أن ما هـو معروف عـن ذاك أوتلـك؛ ليس لـديهـم خبرة في المجال العنكبوتي أولا وثانيا ليسوا متفـرغين للعمل الفني والثقافي؛ أي منخرطين في وظيفة ما ؛ لأن المبدع في الوطن العـربي في عـموميته  ليس محترفا بالمعني الحـرفي . فكل هـذا وغيره يخلف غموضا وردود أفعال؛ ربما تكون سلبية باستثناء بـعـض اللحظات تكـون هنالك ومضات أو تلميحات حـول فنان ( ما ) كـان مجـندا في صفوف المخابرات ؛ يتلصص بشكـل أو آخـر عـلى حـركات زملائه أوأصدقائه أوطـُلِـب منه ذلك كحالة عمر شريف مثلا مع رئيس المخابرات وقتئذ: إنه يـريد منهما أن يطلعاه أولاً بأول عن أخبار النجـومفـي مصر وخاصة فلان وفلان وحـدد لهم بالاسم عـددا من النجوم فـى ذلك الوقت .....ويصف عمر .....إنه كان يرتعِـد ولم يدر ما يجب أن يقوله وأنقذته زوجته الفنانة - فاتن حمامة – التي أجابت صلاح نصر وبكل وضوح وشجاعة أنها ترفض أن تؤدى هذا الدور ضد أي زميل أو زميلة لها (1) فهـذا التصريح يكـشف عـلانية وبشكل مادي بأن هنالك تجـنيدا رسميا وحقيقيا لبـعض المبدعـين؛ لأن المسألة تتعلق بضبط أي تـحـرك كيفما كان نـوعه؛ وخاصة المجال الفني والثقافي؛ الذي له علائق وطـيـدة بالجماهير وبالنسيج الاجتماعي؛ فارتباطا بما أشرنا إليه قـد أطلق عمر الشريف العنان لسر احتفظ به لما يقرب من أربعـة عقـود: إن المخابرات المصرية .....قـد كـلّفته بعملية تدخل ضمن نطاق العمليات القذرة، تبدأ بإقامة علاقة مع فتاة، تبين بعد ذلك أنها فنانة شهيرة، تمهيدا للوصول إلى والدها وتصفيته، لأنه كان من خصوم الدولة الناصرية. لم يكن الشريف يعرف بطبيعة المهمة، لكنه سارع بالذهاب إلى السفارة المصرية فـى لندن، بمجرد عِـلمه أن ضابط المخابرات القاطن فى السفارة يَـرْغـب فى رؤيته. وهناك تم تكـليفه بالأمر؛ فأبدى قبولا مبدئيًّا، لأنه لم يكـن يمتلك الرفض (2) طبـعا فكـشف مـثل هـذا السر يعـد من الغرابة ؛ وخاصة على لسان فنان عالمي؛ رغم أن هنالك نوعا من الغموض أو المواربة في عملية الـرد أو الدفاع على الاتهامات والأكاذيب التي ألحقـَت ب(صلاح نصر) بالدرجة الاولى؛ باعتباره كان رئيس  الجهازالمخابرات المصرية : وهكذا انتشرت شائعة يأن المخابرات تحد من حرية المواطنين؛ وتراقبهم وتتجسس عليهم مع أنها في الواقـع بعيدة كل البعد عـن هذا الـعمل . إن الانسان السليم لا يهمه حتى أية إجراءات أمـن  تتخذها هـذه الأجـهزة .... إن الذين يبـثون الارهاب في نفـوس المواطنين؛ هم فئة واحـدة، العملاء. لأن المخابرات هي عـدوهم الأول الذي يكشفهم؛ لذلك فإن همهم الأول هو تخريب الجهاز وتدميره حتى يصبح غير قادر على نشاطه الايجابي (3) كيف يمكن ألا نصدق مذكرات – فاتن حمامة – المنشورة في أغـلب الجرائد المصرية؛ والتي تذكي حقائق عِـدة ولتصريحات زوجها – عمر شريف - و لكن حينما نستقـرئ ما جاء بعـد هـذ الإفصاح من لدن الناقد الفني طارق الشناوي الذي :كشف أن القصة لنضال الأشقر وله في الواقع ما يبرره. فهي ابنة عائلة سياسية حتى النخاع، ووالدها هو أسد الأشقر الرئيس السابق للحزب القومي السوري، تجـرّع آلام السياسة ومعاركها(4) هنا العـديد من الخيوط لم تتضح بعـد؛ وخاصة صمت الفنانة اللبـنانية – نضال الأشقر- وعلاقتها بعمر؟ ربما هاته العلاقة لو أفـصحت عنها- الأشقـر- لربما ستكشف عن أسماء وأسماء متورطة في براثين جهاز المخابرات؛ فلما استطاع عمر الشريف قبل وفاته أن اعترف بأنه: فـوجئ كذلك بتمويل وكالة المخابرات الأمريكية لفيلمه "جيفارا" عام 1969، وهو ما استغلته مخابرات "نصر" في اتهامه بالجاسوسية لصالح دول أجنبية (5) فالمسألة لا تـدعـو للشك؛ لأن القرائن في هـذا المضمار متعـددة؛ فالذي يسقـط في شباك المخابرات كعميل/ جاسوس؛ سواء في بلاده أولـدولة أخـرى فإنه لا مـحالة سيقوم بمهمته  داخليا وخارجيا؛ وحتى إن لم يكن مع الجهاز؛ يكـون مع مؤسسة (ما ) كما أشرنا سلفا، وبالتالي ألا يمكن للمـبدع اللبناني  - زياد عـيتاني - الذي تـم توقيفه بتهمة التخابر مع إسرائيل؛ ألا يكـون مخبرا في  لبنان (؟) قبل أن يكـون مخبرا لإسرائيل؟ ولاسيما: في التحقيق معه، وبمواجهته بالأدلة والبراهين، اعترف بما نسب إليه، وأقرّ بالمهام التي كلف بتنفيذها في لبنان".....رصد مجموعة من الشخصيات السياسية رفيعة المستوى، وتوطيد العلاقات مع معاونيهم المقربين، بغية الاستحصال منهم على أكبر كم من التفاصيل المتعلقة بحياتهم ووظائفهم والتركيز على تحركاتهم.... والعمل على تأسيس نواة لبنانية تمهّد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقفين(6) فهـذا الاعتراف؛ خلف صدمة في الأوساط الثقافية والفنية في لبنان. لأن هـذا الفنان : شكّل ظاهـرة مسرحية لا يمكن نكرانها فهو موهوب ومحبوب، يقف منذ 4 سنوات على المسرح وحيداً أكثر من ساعة ونصف كل ليلة، ليقـدم أعمالاً شبه مونودرامية، ويبقى قادراً على جـذب الناس، على مختلف انتماءاتهم وشرائحهم الاجتماعية من خلال أسلوبه الحكواتي بكثير من الطرافة، والقـدرة على تقمص الشخـصيات(7) حقيـقة ؛ القضية تشكل صدمـة واندهاشا؛ بحيث لا تستطيع أي قـوة أن تمنع قـوة العـطاء الابداعـي. ولكـن للأسف ارتمى الفـنان (زياد عـيتاني ) حـضن الجهاز الإسرائيلي؛ وهـو يعرف ما هـو المطلوب منـه و تـلك إشكـالية ! وفي نـفس السياق تفـرض تساؤلات حارقة؛ هـل كان الجمهورورواد المسرح وعشاقه  منخـدعين فيه ؟ هل العيب في سلوك ومسلكيات  المبدع أم في ممارسة إبداعـه؟ هـل كان مخبرا في الوسط الفني والإبداعـي؛ قبل أن تستـقـطبه وتـجـنده إسرائيل ؟ وعـلى ذكر إسرائيل؛ فالملاحـظ أنه كيان دينامي وفاعل في مجال الاستقطاب والتجنيد واختراق كُـل الدول سـواء العـربية والأوربية ! فالمجندين للجاسوسية يتحـدد هـدفهـم الأساس في كـسب  المال؛ وإن كانت إسرائيل توظفه بسخاء فلها من وسائل الضغـط ما يكـفي وخاصة الجانب[الجـنسي] فالأمـوال والنساء، من أهـم الأسلحة التي تستخـدمها المخابرات في استقـطاب عملائها وإسقاط الكثير من الضحايا في شباكها للوصول إلى المعلومات المتوخاة، ووسيلتها هي الرذيلة والإغـراء ومن هُـنا: يمكن الحصول على المعلومات من الشخص الشاذ أسـرع من الشخص الطبيعي؛ لأنـه سيكون واقع تحْـت تأثير الشذوذ وفـضح أمـره..... ليس للـدين دخل في أعمالنا ...فالجسد ليس له قانـون خـاص... وليس لـه أهمية من حيث استخـدامه.. ونعتبره أداة لنجاح العمل القذر وألمانيا الغربية هي أول الدول التي اعتمدت على الجـنـس في عملياتها. تليها إسرائيل !! (8) فهاتـه الـقاعـدة التي سلكـتها المخابرات مـنذ تأسيسها حـسب كل دولة؛ وذلـك من الناحية السيكولوجية التي تـراعي نقاط الضعف في الشخص الذي يراد تجنيده في صفوفهـا. فالقائمون على الاستقطاب يدرسون السمات الشخصية والمزاجية ، قبل الوصول إليه والاقتراب منه. ومن هنا  لـقـد استطاعَـت تنشيط عملية التجـسس واستقطاب عـملائهـا أو مخبريهـا أو المتعاونين معهـا، ولو بصفة مؤقـتة.لكن الأخطر أن جهاز المخابرات الإسرائيلية يشهد له بقوة الاختراق وممارسة كل ما لا يخطر على بال المرء لأن: لها أهـداف وأغراض تفوق قدرة دولة صغيرة مثل إسرائيل ..فهي بمثابة عُـيون وآذان لها سواء في الداخل اوفي الخارج .وهَـذه المخابرات جهازذو أغـراض متعـددة ؛ فهُـوذراع السلطة السرية ...إنه أداة لإثـارة الانقلابات لأعمال العنف .من اغتيال وتخريب ؛ للتدخل السري في شؤون الدول الأخرى لاسيما العربية والافريقية.... تستخدم كل السبل لتحقيق أغراضها من قتـل وتخريب وتدبير الانقلابات واستخدام الجنس والخطف(9) وذلك لجمع المعـلـومات بشتى الطرق والوسائل بما فيها استعمال المال والجنس( المرأة) والمصالح والتقاط الصور؛ لترويض الشخصية المستهدفة ؛ وفعلا حسب التـقاريرالمكشوف عنها ومانطالعه في الصحف أو الكتب ؛إن أعـتى المسؤولين والسياسيين والمعارضين لذاك الرئيس أو ذاك الحاكـم؛ أصيبوا بالضربة القاضية ؛فـسقطوا في شراك المخابرات ؛ وتم التعاون معهم والانصياع إلى طلباتهم !ومن المصادفة أننا نـجد تصريحا/ موضوعا؛ جد مثير في سياق ما أشرنا إليه تحت عنوان: علالالفاسيفيموسوعةالحركةالوطنيةوالمقاومة-بقلم :عبدالقادرالإدريسي؛مفاده:... إننيغيرراضعنعَـددمنأعْـضاءحزبيالذينلهمحياةمزدوجة،يجْـلسونفيمؤسسات(هكذا)وهميعملونمعجهاتمخابراتيةأخرى،ومنهممنحصلعلىمناصبلميكنيحلمبها أجداده،ومنهممندخلصراحة فيالعملالمخابراتي،وحصلعلىهَـداياوهيعبارةعنمشاريعومزارعومال(10)وهاته حقائق وإن كانت تحوم حولها مظاهـر الغموض؛ وتوليد الردود بين صدق ما يرى وما يروى؛ وتكـذيبه أو معارضته !
اســتـرجــاع 
انعـرجت قليلا عن الموضوع ؛ من أجل مـوضعة القرينة فـقط، لكي  لنبين أن مسألة التجنيد والاختراق عند المخابرات سهل؛ مادامت تغلغلت جوانية الأحزاب؛ وفي رحابها و كَـواليسها؛ عِـلما أن للأحزاب ضوابط داخلية وقوانين مسنونة بالاتفاق؛ فكيف لا تستطيع أن تجند  المبدع ؟ وبالتالي إذ لا يمكن لزعيم أن يتكلم هكذا دونما إثبات ؛ وإن كان صاحب الموضوع لم يستسغ تصريح – علال الفاسي – فظل مستغربا للموضوع واعتبره كلاما جِـد مسيء إلى الزعيم علال وإلى القيادات الاستقلالية؛ يبدو أنه لم يطلع على كـتب ( أحمد البخاري) ضابط المخابرات [الكاب 1]  والذي قـدم حقائق رهيبة وجـد مثيرة عـن حقبة الستينيات والسبعينيات ؛ والتي وقـعـت أحـداثها في تلك الفترة، كاشفا أسماء بدون تحـفـظ أو تـرميز. من تورط مسؤولين في السلطة ، وأدوار بعض السياسيين والبرلمانيين وقادة الأحـزاب في التعاون مع المخابرات. فلو تصفحها لما ظل مضطرب الفكر ومتبلبلا نـفسيا؛ ليشير:...هل مثل هذا الكلام ينشر في موسوعة عن أعلام الحركة الوطنية والمقاومة؟ أم هومن جـنس ما تنشره الصحف إياها أوبعض المذكرات التي تكاثرت في هذه المرحلة التي اختلط فيها الحابل بالنابل...إن هذا الكلام الذي يعَـد بالمقاييس القانونية، قـَذفًا وتشهيرًا وتشويهًا للسمعة، مما يقع معه كاتب هو ناشره أيضًا، تحت طائلة القانون. والناشرهنا هـو( المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير)التي تصدرعَـنها هـذه الموسوعة. كلام لا يمكن السكوت عنه، وهو بالنسبة لي شخصيًا، مفاجأة من العيارالثقيل، لأنني أعرف كاتبه (11) هنا أراد أن يكون حكما مستبدا عن كلام له من الوثوقية ما يكفي؛ نظرا لطبيعة الحزب وبعض أعضائه؛ والقرينة تصريحات جد خطيرة أدلى بها- أحمد الخلطي- عـميل المخابرات المغربي سنة 2006  ويذكر الأسماء؛ لـكن ماصرح به ما فجره عميل [الكاب1]أحمد البوخاري في مذكراته،وكتبه يفوق من الحقائق المثيرة ما يكفي والتي أسالت الكثير من المداد واللعاب، لتبيان كيف : أخرست المخابرات المغربية، على امتداد ستينات وسبعينات القرن الماضي، حوار المقاهي وقهقهات الطلبة والشباب خلال التظاهرات وفي الساحات العمومية، وجعلت العديد من عناصر النخبة السياسية والمبدعين والصحفيين والنقابيين يطفون على بحر من الخشية والخوف بعـد أن "اشترتهم" بالوعد والوعيد وتوريطهم في "كبسات" أخلاقية علقت فوق رؤوسهم سيف "ديموقليس" المستعـد ليهـوي على الرقاب في أية لحظة وحين (12) فمن الطبيعي أن جيل ستينيات وسبعينيات من القرن الماضي؛ يعـرفون هـذا جيدا ولا يمكن أن يغالط المرء التاريخ وأحداثه؛ وحتى إن كان هنالك محاولة للتضليل؛ فظاهِـرة البوح؛ بوح العملاء والمخابراتيين؛ أضحت سائدة في أغلب الدول العربية ؛كصحوة ضميرأو محاولة للتكفير عما لحق من أذى على ايديهم في حق العباد وناس البلاد؟ فكيف يمكن أن نفسر شهادة أوقصة K.M في2003 وهو مجرد عميل خضع لأقـسى أنواع الابتزاز والتهديد؛واندفاعه لكشف المزيد من الخروقات الصارخة لأعتى مؤسسة في جهاز الحكم الجزائري؛ حقيقة قصته مروعة ومريبة؛ بحيث استطاع أن يخترق كل الفضاءات والأمكنة و المجالات : خلال تواجدي بجامعة باب الزوار، الضابط عبد القادر (عباس) أمرني بالتجـسس على السيّد عبد المجيد بن حديد رئيس الجمعية الجزائرية لترقية النّشاط الرياضي و الثقافي و التبادل الدولي المقيمة بالقرية الجامعية USTHB، بحجّة أنّه مولودٌ بتونس وأنّه مقرّب من النظام الليبي ويتلقى دعم مالي من القـذافي، وهَـكذا انخرطتُ بهذه الجمعية 03 جانفي 1990، وفي 13 أفـريل 1993 أصبحت نائب رئيس الجمعية ومكلّف بالإدارة والمالية و التنظيم، فكنتُ أعـرف كل خباياه وأشارك في لقاءات الحوار التي قامت بها الرئاسة 1994 وكان يقوم بها أحمد أويحي، وهكذا كنتُ أكتبُ التقاريرعَـنه وعـن كلّ اتّصالاته وبرامجه وأُسلّمها لـ الضابط...(13) أليس هَــذا مـريب للـغاية !!
الإحـــــالات :
1)حكاية عمر الشريف والمخابرات: يرويها / محمد رجب - كتبها محمد صلاح في – الـمـوجـز- في23 يوليو 2015 - 
2) نـــفــــســــــهـــا
3)صلاح نصر يتذكر: الثورة - المخابرات - النكسة  لعبد الله إمـــام  ص92 دار الخيال القاهرة/1999
4) عمر الشريف يعـلن عن قصة الفنانة التي كلفتة المخابرات المصرية بإقامة علاقة معها تمهيدا لقتل والدها -  متابعة - لـجـريـدة ميدان التحـرير – فـي - 17 مارس 2013 
5)"جيفارا" و"صلاح نصر" أفـسدا العـلاقة بين عـمر الشريف وناصر - أحمد إبراهيم الشريف  لصحيفة اليوم السابـع في - 12 يوليه 2015
6) توقيف الممثل اللبناني زياد عـيتاني بتهمة التخابر مع إسرائيل / بيروت ــ العـربي الجـديد –  في 24 نوفمبر 2017
7 )صدمة بين الأوساط الثقافية في لبنان بعد توقيف الفنان زياد عيتاني بتهمة «التعامل مع إسرائيل» مـوقع سوريتي في 25/11/2017
8) مذكرات اعتماد خورشيد شاهـدة عـلى انحرافات صلاح نصر- ص110/111ط 3/1988 مؤسسة أمون الحديثة – القاهـرة -
9) صلاح نصر يتذكر: الثورة - المخابرات – النكسةلـعـبد الله إمـــام  ص74/75 دار الخيال القاهرة/1999
10)عــلال الفاسي:نـهرمن العلم الجاري والوطنية الخالدة  ص  -  203 – تحت إشراف  /عبدالحق عـزوزي الطبعة الأولى /2010
11)نــفــــســــهـاص 204
12)كيفوظفتالمخابراتالمغربيةسلاحالجنسللإيقاعبألذأعـداءالنظام؟الجزءالأول :فيصحيفةأخبارالجـنوب : نقـلاعـنأسبوعيةصحيفةالمشعلفي 17/09/2012
13)قصةالعـميل- ك.م -فيمسلخالمخابراتالجزائرية: الشياطينالبشرية-منشورفيمعهدالأدبالعربيلجامعةحـسيبةبنبوعليبتاريخ 4/03/2014

أحلام مواطن عربي...فواصل في مهرجان المسرح العربي

مجلة الفنون المسرحية

أحلام مواطن عربي...فواصل في مهرجان المسرح العربي

محمد شماني  - الجمهورية 


قدر البدايات نهاياتها و قدر المهرجان بداية ونهاية طبيعية، لبداية حكاية أخرى أسس لها الجميع عبر العاشرة بصدق و رفق و إن اختلفنا فلنرحم بعضنا بما يعرف عارف ويجعل عارف، فيحدث التعارف و المعرفة، تتجدد الحكايا و تؤسس للقادم العربي الذي ننشد جميعا، لكن قبل أي نقطة من هم نجوم المهرجان ؟ حسن التميمي مسؤول الإعلام الالكتروني وعبد العزيز التميمي و سالم العسيري في التصوير، رفقة ناصر أل علي مسؤول التشريفات في الهيئة العربية للمسرح، مع الفنان غنام غنام العائد من حيفا إلى حيفا هم النجوم و مع احترامي للجميع هم المختفون وراء كواليسنا جميعا، نجدهم في أبواب الريو و مدخل الفن الرابع و الباردو و ابن عشير و المونديال و الفنادق و المرافق ...نعم مع احترامي هم المهرجان أينما كانوا و كيفما كانوا لأنهم صبروا علينا جميعا و عملوا ليلا نهارا لساعات طوال بتعب بكد بلا ملل لتكونوا و نكون في العرض .يحل التقنيون، فيرفع الستار و تبدأ الحكاية ونبحث عن قابضة العرض جميعا ، في الظلام نفتش عمن يحرك الديكور ومن يصنع الإكسسوار و الإضاءة ...الزمن هاجسهم و متعبهم، لكنهم يعملون يتعبون يسهرون و لا يرتاحون ...إلا لراحاتنا بحب وصدق و فرح و تشنج مبرر أحيانا ، لأننا نحملهم كل شيء في النهاية . فواصل المهرجان سفر حقيقي في المشاكل و الحلول وخلايا تعمل ، تتحرك ، تصنع الفارق اللوجستيكي للعاشرة، مثلما حدث منذ البداية ومثلما سيحدث بلا نهاية بجودة العمل و الرهان على كفاءات عربية من المحيط إلى الخليج يجمعها عرق المسرح و قدسية الخشبة التي لا ترحم السيء من الجيد إلى الأجود، خاصة إن كان الحراك التونسي في الشارع مكسبا بسقطاته لصناعة فن حقيقي ينبع من " الرهوط " ليكون " صولو " بلا "حرب طراودة" ولا "رائحة حرب" ..حينها ستكون تونس و المهرجان "فريدم هاوس" بلا " غصة عبور " و بلا "خوف" ..حينها سنعلن انتهى الكلام أو "ما بقات هدرة ". 
هي أحلام مواطن جزائري متربص في الحياة لا بها يحمل رسائل طفولة من زمن محي الدين بشطارزي و العميد العتيد مصطفى كاتب في مدينة ودولة يعرفها جيدا ..هنا وهناك مر الكبار من سيد علي كويرات و بوعلام رايس و القافلة تسير ...هنا استحضرت المسار بحس جزائري درس وأحس مسرح الكبار بلا جدل بحكاية " الخالدون " و " أبناء القصبة " و "دم الأحرار " ...هي القصة الجزائرية العربية التي تتجلى في كل شبر من وطننا العربي بدون ثورات وبها، لأن ثورة الفكر أكبر و أهم ولأنها الرهان الأكبر اليوم من تونس إلى كل الأقطار. ثورة على الأفكار الخاطئة والمعتقدات البائسة و اليائسة لطمس وجود شعب بالأساس يؤمن بالحرية وإن كانت على طريقته واختلاف فهمها لها، لكنه يستحق الحياة والوطن . هي أحلام مواطن عربي فقط، بعيدا عن الحزبية و الشللية و الضبابية و الظلامية و الوسطية والسلفية و بعيدا عن الديكور الجميل ...بعيدا عن الخشب و لغته و لهجاته وبعيدا عن الندوات النقدية التطبيقية و المؤتمرات و المؤامرات الجميلة، حكاية عربية بلسان تونسي أصيل حداثي جامع بينهما على مسافات قريبة من جامع الزيتونة ..هناك أين مر العلم و الفكر و الدين و صوت العقل قبل القلب ...قلب يجمعنا في المآسي ويفرقنا في مفترق الطرق لذا وجب على العقل أن يوحدنا دوما على درب سعد الله ونوس و علولة و المدني و أسماء أخرى تستحق الحضور في مساراتنا داخل وخارج العرض و بالطول و العرض .

الخميس، 1 فبراير 2018

الــمــبــدع والـمـخابـــرات

مجلة الفنون المسرحية

صورة ذات صلة
الــمــبــدع  والـمـخابـــرات  

نـجـيــب طـــلال


- 1-
عـــتـبـة المشـهــد :

لماذا هـذا الموضوع والذي ( ربما) يبدو فيه حساسية لفنان أين ماكان وكيف ما كان وفي أي مجال كان اهتمامه ؟ وفي نفس اللحظة؛ موضوع ذوطبيعة سياسية ؛ باعتبارأن جهاز المخابرات يعـد صمام الأمان للأمن الـقـومي وهوالعين الساهـرة لرئيس الدولة؛ التي  تـخبره بما يُـدبـرلهأوللوطن؛ لتقـوم بدورها؛ لكي تبطل أو نسف ما يحاك ضده من أقاويل و مــؤامرات ودسائــس. 
وبعيدا عن كل هـذا؛بكل بساطة؛أثــارني الجـدل والنقاشات الحادة بعـد نشر التسريبات الأخيرة التي اذيعت؛ محـدثة ضجة إعـلامية وصحفية مرفـوقة  بردود أفعال مثيرة ؛ بعـدما :  أذاعت قناة “مكملين” وعدد آخر من القنوات تسريبا صوتيا لاتصالات جرت بين ضابط بالمخابرات برتبة نقيب يسمى أشرف الخولي وبين الفنانة يسرا وعدد من الاعلاميين المصريين المؤيدين لنظام الرئيس السيسي، وهي الاتصالات التي أشارت اليها في تقرير موسع صحيفة :نيويورك تايمز″ الأمريكية ( 1) 
فهاته القضية  مهما حاولت بعْـض الاطراف نفيها كالهيئة العامة للاستعلامات ؛ وإن اكتفت  بنفي تام بوجود ضابط مخابرات مصري مزعوم يدعى (أشرف الخولي) ! وهناك بعض الأفـواه صنفت التسريبات في مشهـد الأوهـام الإعلامية ؛ أوبمثابة  حرب باردة ضد الدولة – المصرية – لكن : لكن اللافت في الأمر بعد إذاعة التسريبات، هو الصمت في وسائل الإعلام المصرية إلى الآن، سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية، كأن لم تسمعها، وهو الأمر الذي يثير الجـدل، ويزيد الغموض حول هيمنة الأجهزة الاستخباراتية عـلى الإعلام المصري (2) ولكن لم تصمت العديد من الوسائل الإعلامية ؛ التي أشادت وصفقت لجهاز المخابرات العامة المصرية ؛ حينما أقـدمت على نعي الفنان الراحل محمود ع العـزيز.ولاسيما أن ذاك النعي فجر: موجة سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي مستغربين الحالة التي وصلت لها الأجهزة الأمنية في مـصر.ومحـاولات تجميل صورتها أمام الشعب إذ أقـدمت مؤخراً الاستخبارات العامة على توزيع وجبات غذائية على المواطنين وتنظيم قوافل طبية على الرغم من الإمكانيات الكبيرة جـدًا، لدى وزارة الصحة، لكن لا أحد يعلـم ما الذي يجـري(3) فهاته المسألة ؛ بدورها نضع عليها علامة استفهام كبرى؛ وذلك من خـلال السؤال التالي من يـدير الإعـلام والفـن في العالم العـربي؟ وبالتالي فهـل المخابرات قـدمت الـنعي على أسـاس الاشـراقة الأسطـورية الـتي جَـسـدها في مسلسل- رأفـت الهجان - كـبطل تابع لجهاز المخابرات العامة المصرية ، بعـدما استطاع اختـراق الأراضي الإسرائيلية، لمدة تزيد عـن 17 عـاما، مجـندا لصالح وطـنه؟ أم أن الراحل انخرط بطريقة غـير مباشرة في لعبة الفن والمخابرات ؛ كما هو معروف في المحيط المصري ؟ محيط استطاعت المخابرات أن تخترق الفـن وتـجَـند العـديد من الفنانين ؛ هنا وإن كان النعي بريئـا؛ وأرادت المخابرات تلميع صورتها أمام الشعـب؛ فهناك آراء تقـول :لكـن الاستخبارات العامة التى كان يترأسها سليمان، لم تكـن من ضمنهم بالمرة، وهو ما جعل التعجب يشتد عبر وسم نشره النشطاء وتصدر موقع تويتر منذ ظهر اليوم......لكن هـذا يجعلنا نبحث عـن نعى المخابرات......لـ رفعت الجمال، (صاحب شخصية الهجان) ولم نجـدها أيضًا(4)فـعـدم وجـود لنعي لرفِعت علي سليمان الجمال (رأفت الهجان) الـذي توفي  في ألمانيا بسبب إصابته بسرطان الرئة في 30 (يناير) 1982 يطرح عـدة أسئـلة؛ لأن هنالك ملفات ومذكرات تكشف عن حقائق مرعبة بين الفنانين والمخابرات؛ وهـذا ما يجـعل المرء يتساءل أو يشك في ظهور فنان أو مبدع أومثقف بشكل مفاجئ وبتحركاته وسفرياته المتكررة هنا وهناك؛وحضوره الدائم والمتكرر في المهرجانات والحفلات والسهرات وتكريمه ألف مـرة وفي أغلب الجهاتلأن:الوسط الفني يصعب فيه الشرف وتسهل فيه الرذيلة ..هكذا قال الفنان الكبير محمد صبحي عندما سئل عـن أسباب عدم ظهوره في كثير من السهرات الفنية (5) فتلك الجملة بقصرها تحمل تكثيفا لعـدة معاني وألغاز؛ تغتزل في طياتها عدة تساؤلات ؛ لأن الرذيلـة المشار إليها؛ كل ما يتنافى مع الأخلاق العامة والسلـوكات السوية؛وبالتالي فتجنيد فنانين واستقطابهم في سلك التخابر لكي يـكـونـوا بمثابة الآذان والعيون على بعضهم البعض خصوصا في التجمعات والكواليس والسهرات واللقاءات الفنية الخاصة؛ وفي السفريات؛ حيث لا توجـدحَـواجـزأوتحـفظات؛ وبالتالي تتفجر التموقـفات والقضايا التي يبوح بها الضميرومافيالقلب؛ سواء بواسطة الحركات أواللسان ! وبالتالي فالتجسس كيفما كان يعتبر نشاطا إجراميا؛ بكل المقاييس. فإفـشاء أسرار ونوايا وتموقـفات زميله أورفيقه؛ عن طريق تقارير مرسلة أوشفـوية؛ هـو في حـد ذاته تصرف خائن؛ لآن تلك الوشايات و الإخباريات ستحلق بصاحبهـا ضررا واقعيا أو محتملا؛هَـذا نتيجة تقربهم من السلطة لأنه: يقنع بعض الفنانين والفنانات من هنا وهناك؛ بالقـدر الذي حقـقوه من الشهرة، فـراحوا يبحثـون عـن النفوذ. في حين سعـى بعضهم إلى  الإثارة ؛ فراحوا يحومون كـفراشات ملونة حـول السلطة ولم يتبينوا لفرط سـذاجتـهم – الفارق بين الضوء الأخضرالـذي يسمح لـهم بالعبوروالنـفاذ، والضوء الأحـمرالـذي يـحـذرمـن الاقتراب ويعلنها منطقـة نفـوذ ! (6) لكن هناك نوع من الجاسوسية؛ يصنعها الوزير والمسؤول عـن قطاع مؤسساتي/ خـدماتي؛ ليضبط ما يقال عنه وما يحـاك ضده من مؤامرات وتلاعبات,مراعاة لمصلحته الشخـصية وحماية موقعه .
وفي تقديري هـذا يـعَـد من أخطر الجـرائم ضد الإنسانية!فتلك { العيون} تجني على أشخاص في عملهم؛ وانقطاع رزقـهم نتيجة غـيرة أو حـقد دفين؛ والأخطر في ذلك تدمير أسـر في معـيلهم؛ وتشريد أبنائه وعياله. لكـن ليس هناك فصل في قانون العـقـوبات ؛ يجرم تلـك {العـيون/ الآذان } لأنها لا تنـدرج ضـمن أسرار الـدولة !
وبالتالي: هـناك فـرق شاسع بين ضابط المخابرات المكلف بجمع المعلومات بطرق سرية وبين العميل ؛ فالأول عضو في جهاز المخابرات ؛ وهو مواطن ينتمي للدولة ؛ ويقوم بعمله في مكان ما كأي موظف آخـر في الدولة ؛ سواء كان هذا العمل داخـل البلاد أو خارجها . أما الشخص الذي يستأجـره ضابط المخابرات ويخضعـه لإراداته كي يشغـله في ميدان التجسس ؛ فيطلق عليه العميل أو الجاسـوس؛ وهو إنسان خـائن ؛ عـلى استعـداد بأن يطـأ بقـدميه كـل القيم في سبيل تحقيق أغـراضه الشخصـية ؛ وإشباع رغـباته الرخيصـة (7) فـطبيعي أن يكون هناك جهاز استخباراتي لأنه ضمـن بناء دولتي؛ يضبط تحـركات وتفكير الدولة المناوئة ؛ وماذا تخفي من أسرار؛ وذلك لحماية الأمن القومي؛ من الاختراق والانقلابات والاضطرابات وتجنيد بعض أفرادالشعب ضد دولته؛ هـذافي إطار الدفاع الخارجي. وفي نفس الاتجاه على مستوى الداخلي؛يقوم الجهاز بضبط التموقـفات والإيديولوجيا المتناقضة وسياسة الدولة؛أوما يُـحاك من تجمعات لخلق الفوضى والقلائل. 

الـمـشهـد الـعـــام :
من الطبيعي أن السلطة السياسية الحاكمة؛ تتغذى وتتقوى من عطاءات الإبداع والمبدعين؛ ونفس التبادل يحققه الإبداع إبان القضايا الوطنية والمصيرية؛ وذلك لدعم السلطة الوطنية وتصوراتها؛ وخلق الحماسية في صفوف الجماهير؛ وعلى سبيل المثال:فقد لعبت الفنون على اختلاف أنواعها: سينما ؛ مسرح؛ وأغنية دورا خطيرا في الترويج لقيم ومبادئ الثورة الجديدة؛ وكانت الثورة من الذكاء بحيث عـرفت حجم هـذا التأثير من جانب الفن على الجماهير؛ فراحت تمد يدها لخلق نوع من التعاون المشترك المثمر ؛بينها و بين أنـواع الفـنون المختلفة (8) من هنا ينجر الفنان والمبدع في براثين وشباك المخابرات ؛ليصبح عميلا / بصاصا/ وذلك لتقوية وجـوده ؛ وإنماء رصيده البنكي في ظل السلطة.
ومن باب التحليل العـدمي أوالتفكـيرالسطحي والساذج؛ بـأن يحصر أي كاتب أو باحث؛ بأن لعبة المخـابرات بالمبدعـينأو تـداخل المخابرات بـالفـن؛ إلا في– مصر- وحـدها  في العالم العربي التي تمارس استقطاب وتجنيد الفنانين والصحـفيين والمبدعين والمثقفين ؟ بالعكـس فالـدولة البوليسية والعـسكـرية؛ تكـون المخابرات بأنواعها وفروعها متغلغلة في المفاصل وعـظام المجتمع؛ قبل كل هـذا فتاريخيا ظاهـرة { البصاصين}كانت نشطة وفاعـلة في المجتمع العربي؛ عبـرتـقـلبات أحــوال أنظمته؛ وأبرزها ما استخـدم في عصر المماليك/ الفاطميين/.../علما أن الظاهرة كانت قبل نشوء الدول العربية/الاسلامية :ولذا أصبحت الجاسوسية بَـدءا من الأوامر التي أعطاها موسى لأثنى عشـر رجلا الذين بعـث بهم للتجسس على الكنعانيين؛ أصبحت كما لو كانت أمـرا سماويا مقدسا بالنسبة لليهود من التوراة لأنـها جاءت على لسان نبيهم وقائدهم ومخلصهم من فرعون مصر، وأصبحت الجاسوسية ليست عملية عسكرية ولا نشاط عادي.. بل هي أمر إلهي في معتقدهـم(9) فمن هاته الزاوية نجد حضور الجاسوسية متغلغلة في الوسط العـربي؛ نتيجة الصراع العربي/ الإسرائيلي؛ وهَـذا مايشكـل انـواجاد – مصر- في واجهة الأحـداث المخابراتية . منذ تأسيس الجهاز على يد( صلاح نصر) لكن قراءتي للموضوع يرتبط بالمشهد العام؛ الذي يتحـرك فيه التخابر على مستوى الداخل أوالخارج أوالمؤسسات. وبالتالي فـهذا الموضوع كان من بين المسكـوت عـنه؛ في أجندة الصحفيين والمبدعين في العالم العـربي؛ أما جهاز المخابرات؛ ليس من حـق ضباطه أن يدونوا أحْـداثا ومعطيات في الصحـف أو في كتاب؛ لأن عملهم يـرتبط بالسرية التامة؛ لكـن – مصر- الدولة العـربية الوحيدة التي كـشفت بعض الفعاليات وضباط الاستخبارات؛عـن الجهاز وممارساته وألاعـيبه وطرق استقطابه. ربما كرد فعل عن جهاز المخابرات الإسرائيلية لأنه: ظهر العديد من الكتب الصادرة عنجهاز المخابرات الإسرائيلية"الموساد" وعـن دورنشرمدعـومة منه.. تمجـد في بعض منها أعمالا إسرائيلية.. وتسـفه في بعض آخـر أفـعالا عربية.. وتحاول القيام بعملية غسل مـخ لتفريغ العـقـل العربي في الأجيال الجديدة بالذات ؛ من محتـواه.. فتسعى إلى مـحـو الذاكـرة العـربية بتشويه أحـداث التاريخ والتقول على رجالاتـه وتصويرأننا لم نـكن سوى عـرائس خـشبية تحركنا خيوط ممتدة لمـن يحركها هُـناك بعيدا عـنا!(10) هـذا طرح منطقي؛ ولكن هنالكالعديد من المذكراتبشكـل أو أخر تحاولإثبات ذات أصحابها والدفاع عن نفسها؛: كان لقائي مع الوزير - أمين هـويدى - رئيس جهاز المخابرات بعْـدإقـالة  نـصر..مثيرا ومفزعا.. رويت فيها بناء على استدعاء لي من الجهاز..كل حقائق علاقتي بالـمديرالسابـق صـلاح نصر؛ وما شاهـدته وشاركت فيه من احداث وما عرفته من وأسرار ووقائع ؛ قام معاونه بتسجيلها في حينها على الأجهزة الحديثة. ولكن أن التقي بالرئيس عبد الناصر، فأمر مخيف حـقا !! (11) وهناك كتابات سعـت جاهدةالتصدي للافتراء وتزييف الحقائق على كتب تحمل مغالطات في حق الأشخاص والأحـداث؛ أواتهمـوا زورا فحاولوا تبرئة ذمتهم وتبديد مانـزل عليهم من ظلم وتعسف تاريخي: بعـدما انسدت في وجوههم الصحف والجرائد :ولـقـد سلكتُ سبيل الصحافة في بادئ الآمر؛ فتصديت وأنا لازلت خلف القضبان لحديث الإفـك؛ ورفعت صوتي وأنا رهين المحبسين أحَـذرمن التضليل والزيف؛ ولجأت إلى الصحف كي أقول كلمتي؛ فأرسلت ردودا عِـدة على الافتراءات؛ بعضها خلال فترة تقييد حريتي؛ والبعض الآخر بعْـد استردادي لها، ولكنجهودي باءت بالفشل. لأن هـناك أخطبوطا في دار أخبار اليوم يمثـل الأخوين أمين؛ يخنق بأذرعـه كـل كلمة حق؛ ويرهـب بعـدوانه كل من يحاول أن يدين الخيانة والتآمـر(12) هـذه تبدو حقيقة ساطـعة بالنسبة لمن يطلع على هـذا الكتاب ؛ ولكن في المقابـل هناك حقـائـق أخـرى تـفـنـدها يمكن أن نستخلصها في : والمؤسف في قضية انحراف صـلاح نـصر. إنـها قضية سـلوك شاذ.. وتصرف مريض فـلاالـدين  ولا الواجـب.. ولا الأخـلاق تـقِـرٌّ مـافعله صـلاح نـصر..في حـق الشعب والتاريخ (13)
لكـن الملاحـظ أثناء دخول عـقـد التسعـينيات من القرن الماضي؛ وفي سابقة من نوعها في بعض الدول العـربية، أمست بعض الأقلام تـدون عوالم الأجهزة الاستخباراتية؛ وتكـشف عن أدق التفاصيل في الجهاز؛ وضباط قـدامى في خدمة الجهاز يصرحون تصريحات مريبة جـدا؛ ربما أن الأوضاع العربية وظروفها أمست رياح التغيير يلامسها ؟ أوأمسـى الجهاز يعرف نوعا من الضعف نتيجة الغزو الإلكتروني واتساع رقعة الشبكة العنكبوتية؟ أوحرب الخليج الأولى/ الثانية كانت سببا في تغيير استراتيجية التحكم في الجماهير عن طريق المخابرات؟ : أكثر ما أرهَـب العراقيين.... هـو جهاز مخابراته بتفرعاته وشعابه الامنية داخل الدوائر المتخصصة ومحافظات العراق بحسب متطلبات التمركز الجغرافي.كانت عيون المخبرين تراقب المدنيين والعاملين في الادارات في كل مكان، الامر الذي جعل فـرحة العـراقيين باختفاء نظام صدام تتبلور أساسا من خـلال تفكـك «القبضة الحـديدية» التي مثلها جهاز المخابرات ورجالاته. فقد استعادوا راحة نفوسهم بالتعبير عما يخالجهم جهرا بدون رقيب يترصد مكالماتهم وتحركاتهم. فلا احد منهم كان يستطيع ان يتسلم منصبا او يرأس ادارة في السابق قبل أن يستوفي الشروط التي توضحها وثائق تابعة لأجهزة المخابرات العـراقية بما فيها من اشارات الى ديانة الشخص وعلاقاته والأسفار التي قام بها الى خارج البلاد(14)هـذاالوضع كان سائدا في ربوع العالم العـربي بدون استثناء؛ نتيجة الظروف التاريخية للمجتمع الذي خرج منهوكا من شرنقة الاستعمار؛ وانخراطه في الثورات وإيـمانه بوهْـم القـومية العربية؛ التي تم استغلالها من لدن بعض الحكام العرب !إضافة أن الجهاز المخابراتي كان خارج سياق القانون؛ فـرجاله كانوا يفعـلون ماشـاؤوا في حـق الأفراد؛ وهـذا مثبت في عـدة تصريحات وكتب ومذكرات الآن؛ ومن الصعْـب استرسالها كلها هـاهنا. لكن ما يلفت النـظر؛ أن ملف الفنان والمبدع في ربوع العالم العربي و عـلاقـته بالجهاز؛ لازلت شبـه غامضة ولم يكـشف النقاب عـنها أحـد في مذكراته أو تصريحاتـه ! لمـاذا ؟
                                                                    يــتـــبــع

الإحــــــــــــــــــالات :

1)صحيفة – رأي اليـوم –القاهـرة  تغطية لمحمود القـيعي في 7 يناير 2018
2) بعد فـضيحة تسريبات “نيويورك تايمز”.. من يدير الإعلام في مصر؟ لجلال إدريس  
صحيفة العـدسة  - فـي- 13 يناير 2018 - 
3) نعي المخابرات لـ”محمود عبد العـزيز” يثير ضجة.. فعلوها من أجل فنان ولم يفعلوها من أجل رئيس الجهاز ! الكاتب : وطن 14 نوفمبر، 2016
4) )"نعى" المخابرات العامة يُشعل منـصة تويتر فعلوها من أجل فنان ولم يفعلوها من أجل رئيس الجهاز السابقجـريدة الشعب بتاريخ 08/11/2016
5)الأسماء..فناناتعلىبلاطالمخابرات..! لمحمدصلاح - جـريدة الموجـزفي 25/9/2015 
6)الفنانون والمخابرات:للطاهر البهي ص30 سنة 2003 مدينة نصر
7)عملاء الخيانة وحـديث الإفك: لصلاح محمد نصر ص21 منشورات الوطن العربي 1975
8)الفنانون والمخابرات: للطاهر البهي ص20 سنة 2003 مدينة نصر
9)ملف الثمانينات عن حرب المخابرات : لسعيد الجزائري ص 12- ط 3 / 1993 دار دمشق
10)جاسـوس في القـاهرة: لمحمودمـراد - ص5/1988تـوزيع الأهــرام
11) مذكرات اعتماد خورشيد شاهـدةعلى انحرافات صلاح نصر ص 15 ط 3/1988 مؤسسة أمون الحديثة– القاهــرة -
12)عملاء الخيانة وحـديث الإفك: لصلاح محمد نصر ص5/6 منشورات الوطن العربي 1975
13) فاروق فهمي: مقدمة لمذكرات اعتماد خورشيد شاهـدةعـلى انحرافات صلاح نصر         ص 6 ط 3/1988 مؤسسة أمون الحديثة – القاهـرة - 
14) وثائق المخابرات العراقية : لنادية محـديد- صحيفة الشرق الأوسط: عدد 891425 ابريل 2003


السبت، 20 يناير 2018

نعم، للمهرجان لا، للمهرجة..الدكتور عقيل مهدي: الممكن المحتمل بالتعدد والافتنان

مجلة الفنون المسرحية

نعم، للمهرجان لا، للمهرجة..الدكتور عقيل مهدي: الممكن المحتمل بالتعدد والافتنان

د. نادية هناوي 

تتميز كتابات الدكتور عقيل مهدي بنزوعها الأكاديمي نحو التفنن والتعددية، نظراً لتنوع مواهبه وإمكانياته، فضلاً عن تمتعه بحس إبداعي عال، وذائقة جمالية راقية أهّلته لأن يراود مختلف ميادين الفن والجمال، طارقاً أبوابه الإبداعية والأكاديمية بتجدد إنتاجي متنوع ومعطاء.


وحاز لديه المسرح على اهتمام أثير، سواء بالتنظير له أو "التأرخة" لأصوله أو التتبع لتطوراته وتحديد محطاته العربية والعالمية..حتى لا مجال لأي دارس في الجمال أو باحث في فلسفات الفن وأصول التمثيل والإخراج المسرحي، من الرجوع إلى كتاباته ومؤلفاته التي تصب في الفن والجمال والمسرح والسينما على اختلاف مساربها وتياراتها.
وإذا كانت الأكاديمية بمعناها العلمي تعني فيض العلم وتشاركيته وغزارة المعارف والخبرات التي يتم نقلها وتبادلها في إطار حواري؛ فإن الدكتور عقيل مهدي تحلى بالأكاديمية في أوسع مدياتها وأرحب فضاءاتها مكرساً جهوده لها، حريصاً على تطبيقها بوسائل متعددة في مختلف مراحله العلمية والبحثية.
ولطالما عرف الدكتور عقيل مهدي بالتزامه المبدئي وانخراطه الواعي والصميم في الحياة انتصاراً لقضايا الواقع المعاصر وتطلعاته، مشاركاً في الساحة الثقافية والفكرية بقوة وثبات موجها طلبته ومحرضاً لهم على العطاء والاخلاص في الميدانين الثقافي والجامعي..كما عمل د. عقيل مهدي منذ وقت مبكر من مشواره الجامعي على توثيق صلته بالوسط الثقافي العراقي سواء أكان ذلك في عضويته لاتحاد الأدباء أو في تواصله مع المنظمات الفنية والتجمعات والملتقيات الثقافية في سعي منه إلى توكيد أهمية أن تمد الجامعة أواصر تواصلها مع المجتمع لتؤدي دورها المنوط بها في النهوض والتغيير. 
انعكس هذا بالمجمل على فلسفته التي تمثلت جلية في أعماله المسرحية التي تجمع الذوق بالفكر ليكون من الجيل ما بعد الريادي الذي خطا بالمسرح العراقي خطوات تقدمية إلى أمام بأبعاد جمالية لا تخرج عن المنظور الأرسطي للواقع.
وهذا النزوع العملي نحو المسرح جعل د. عقيل مهدي صاحب رسالة تربوية أهم ملامحها الإيمان بالفن، وقد اتضح تفننه في الإيمان بالفن على المستوى العملي في ما نقله إلى طلبته من خبرات وتصورات على شكل محاضرات قدمها لطلبة الدراسات العليا كما في كتابه( فلاسفة ومسرحيون) الذي تناول فيه تجارب مسرحية بعينها ولخص جماليات مارتن هيدجر وجان بول سارتر ومرلوبونتي وجان فرانسوا ليوتار وميشيل بوتور ووقف عند مناهج النقد المعاصر، كما تحدث عن مسرح الموت وفن الضحك المسرحي 
وفي كتابه (شخصية المثقف في الرواية العراقية) مارس د. عقيل مهدي دوره كناقد روائي متتبعاً تفاعل الإنسان ضمن صراع القيم ولم ينفصل اشتغاله كناقد روائي عن انهماكه كناقد مسرحي مهتم بمسرح الطفل في كتابه( التربية المسرحية في المدارس) الذي تتبع فيه جذور المسرح التاريخية بدءا من اليونان ومرورا بالدراما في القرن الثامن عشر وانتهاء بالعصر الحديث متناولاً الإطار المنهجي كمنظور ورؤية فنية في حدود السن ما قبل الدراسة الابتدائية، عاداً ذلك بمثابة النقطة المتحركة في الفضاء التي سترافق الطفل في مراحله اللاحقة والجانب الجمالي عنده سيتوثق محققا الهدف التعليمي وبانيا شخصيته.
ولقد أكد د. عقيل أهمية التقنيات في انجاز الفعل الفني في مسرح الطفل من ناحية تصميم الأداة كالقفاز والدمية والصندوق المحمول بحمالات ومسرح الطاولة أو الجدران، ووجد تقاربا بين مسرح الطفل والمسرح المدرسي وأن شروطه تشبه شروط مسرح الكبار من ناحية تنظيم البرنامج المسرحي واعتماد البناء الفني الدرامي مع ملاحظة أن مسرح الطفل من تقنياته دمى القفاز والدمى الخيطية أو ستارة خيال الظل وإشراك المتفرج الصغير بالفعل الفني محدداً خصائص اختيار النص المسرحي ومعماره الفني من ناحية اللغة والشخصية والصراع وبناء الحدث ، كما وضح خصائص كل عنصر من هذه العناصر، و طبّق ذلك على مسرحية النهر لسليمان العيسى. 
وأولى مهدي المؤلف والحبكة الفنية من ناحية البنية والوظيفة اهتماماً، شارحاً كيفية تكوينها في عالم مسرح الطفل من زاوية الشكل الفني والعناصر الإخراجية وحدد ما ينبغي أن يتمتع به مسرح الدمى في ملامح الدمية وحركتها واتبعها بتطبيقات عن التعليم الفردي والمستوى الابتكاري وخطوات التعلم المسرحي عند التمرين وما ينبغي على مدرس التربية الفنية أن يقدمه من متطلبات العرض المسرحي مع ضرورة مراعاة قيم التوازن والتكوين والتباين والانسجام وكيفية تهيئة البرنامج التعليمي المناسب للنشاط المسرحي .
وللنص الدرامي سواء في مسرح الطفل أو مسرح الكبار ـ كما يشير د. عقيل مهدي الى تطورات في شروط الكتابة ومنها ضرورات الإخراج وتقنيات المنظر المسرحي كالمنصة واللون والضوء ووظائف الإضاءة في المسرح كالتبئير والفوكوس ضمن نطاق المرئيات. 
وعلى الرغم من أن هذه المكونات تجتمع في السينما أيضا إلا إن الفرق عند د. عقيل يكمن في أن المعالجة السينمائية للمكان والزمان والحركة تظل مرتهنة بالكاميرا والمونتاج والسيناريو والإخراج وغير ذلك بينما يتميز المسرح بالقصدية في توظيف البنية السطحية والبنية الملمسية والمعمارية. 
ولا يخفى إن دخول الدكتور عقيل مهدي معترك هذه الممارسات الجمالية والفنية ليس بالأمر السهل كما أن الاتزان في تطبيقاته ليس يسيراً ومع ذلك أظهر تفننا في كل ذلك مدللا على اخلاص وولع كبيرين تمتعت به نفسه التواقة الى الجمال..كذلك احتل علم الجمال كنظريات وعلاقات بالفن والحياة والحساسية التعبيرية مكانة مهمة عنده وخصص له بعضا من فصول كتابه( أقنعة الحداثة)..ومن المسارات المنهجية في هذا الكتاب إنهاؤه كل فصل من فصول الكتاب بأسئلة هي بمثابة استنتاج استقرائي يختبر به أذهان قرائه مؤكداً أهمية الأسئلة وأنها ديدن كبار المنظرين والفنانين في فلسفة الفن وعلم الجمال وتقنيات النتاج الفني والإبداعي منحازاً إلى المصادر والمراجع الغربية والعربية التي تمتاز بالجدة والابتكار واضعاً ملاحق بأسماء الأعلام الغربيين الذين وردت أسماؤهم في متن الكتاب مثل مانيه ومونيه أو المفاهيم التي تطرق إليها في الدراسة مثل المنظور والتجريد ووجهة النظر..
لعل اهم ما يَشخَص واضحاً في عطاء الدكتور عقيل مهدي هو المقصدية الخالصة لوجه الفن بجدية سقراطية وروح افلاطونية ترى الجمال في كل شيء وتقدس حرية الفكر التي لولاها ما كان لسان افرمون ومونتسكيو ونقدهما للفلسفة والتاريخ على السواء أن ينمو ليحل العلم محل العلم الإلهي. 
ولقد تخرج في مدرسة د. عقيل مهدي متعلمون كثر أخذوا من أكاديميته وأفادوا من عطاءاته فكانوا اساتذة ومبدعين ليس هذا فحسب بل أفادوا أيضاً من الإنسانية الثرة التي تمتع بها الدكتور كمثال للمربي الفاضل والقائد التربوي الذي أتقن عمله فأحسن تمثله والذي انطبع بخلق رفيع حتى قلَّ من يناظره في أدائه.. 
ولا خلاف إن ما تمتع به الدكتور عقيل مهدي من مواهب فنية وما تمنهج عليه من التفنن والإبداع قد وظفه في التدريس الجامعي بنوعيه النظري والعملي كما مارسه في التمثيل بنوعيه التلفزيوني والمسرحي واثبته ايضا في قدرته النقدية التي خاض عبرها تحليل مختلف صنوف السرد متأثراً بالمذهب الواقعي الاشتراكي ومنبهرا بما فيه من أبعاد غيرية تتمثل في النضال في سبيل المبادئ منضماً إلى صفوف الكادحين والمحرومين، مطالباً بحقوقهم في التحرر والعيش الكريم.
وهكذا تموقع عطاء الدكتور عقيل مهدي شاخصاً ليحتل مكاناً مميزاً في خارطة الإبداع العراقي والعربي جامعاً المنهجي بالإبداعي، والمدرسي بالعملي، والفني بالثقافي، مؤطراً ذاته في لوحة خاصة تظل ممدة ناظريها بالجديد والأصيل.

مسرح الشارع وماذا يُقدم فيه؟! / سامي عبد الحميد

مجلة الفنون المسرحية

مسرح الشارع وماذا يُقدم فيه؟! / سامي عبد الحميد

هناك العديد من فنون الأداء تقدم في شوارع المدن وساحاتها وحدائقها يقصد القائمون بها اظهار مهاراتهم للعابرين من الناس أو توفير المال الكافي لديهم لتأجير بنايات خاصة لعروض تلك الفنون، فهناك الألعاب السحرية وهناك الاكروباتيك وهناك المشاهد التمثيلية، وتؤدى تلك الفعاليات بأدنى حدٍ من الوسائل. مسرح الشارع قديم قدم بداية الفن المسرحي كنشاط مدني فقد كان الممثل الاغريقي (تيبيس) يتجول في عربته في شوارع اثينا ليقدم مقطوعات تمثيلية مقتبسة من الأساطير والقصص الشعبي أو من كتبه الشاعر (أوريون).
يرتبط مسرح الشارع أيضاً مع الكرنفالات والمهرجانات والاحتفالات وتجمعات التمرد والاحتجاج تحدياً لسلطات الدولة وفي العصر الوسيط ظهرت فعاليات مسرح الشارع في أوروبا على شكل الرواة او الحكواتية أو ممثلي المحاكاة الصامتة بأقنعتهم وفي تلك التقاليد الفجة والخطرة أحياناً فان مسرح الشارع يمكن أن يكون رائعاً ومضحكاً ومزيفه وغير ناضجة وقد تكون محرضة احياناً.
أصبح مسرح الشارع في البلدان الأوروبية المتحضرة خلال القرنين الآخيرين نشاطاً منتظماً ومنتشراً وله أبعاده الفظيعة لدى عامة الناس خلال القرن التاسع عشر متمثلاً في عروض الدمى. وفي أميركا ظهرت عروض الزنوج الغنائية الراقصة والتي سميت (منستريلسي) ثم ظهرت عروض فرق (مسرح الخبز والدمى) وكان النحات ومحرّك الدمى الالماني (بيتر شومان) أبرز مؤسسي ذلك النوع من المسرح وقد بدأ عمله في مسرح الشارع عام 1961 في الاحياء الفقيرة من مدينة نيويورك حيث يقدم أفراد الفرقة بتوزيع قطع الخبز على الجمهور خلال العروض التمثيلية والتي يشترك بها ممثلون ودمى كبيرة وتتناول موضوعات ذات طابع احتجاجي ضد الرأسمالية وضد الحرب في فيتنام. وتستخدم في تلك العروض الشعارات والاقنعة وتلقي احياناً مقاطع من الأنجيل تتضمن الدعوة لرفع الظلم عن البشر. وهكذا فقد استخدم أصحاب مسرح الشارع في أوروبا وفي أميركا فنون الاداء المختلفة لغرض التوعية والتحريض وصولاً إلى أوسع الجماهير وتجاوزاً لجمهور المسرح البورجوازي الذي يرتاد أبنية المسارح الخاصة وهنا نشير إلى أبرز أعمال مسرح الشارع في أميركا إلا وهو مسرحية (بنت روك) لمؤلفتها (ميغان تيري) والتي كانت تحرض ضد استمرار الحرب في فيتنام وقدمت عروضها في شوارع مدينة نيويورك، وهنا في العراق قام المخرج الراحل (جعفر علي) بترجمة نص المسرحية الى العربية وأخرجه لطلبة كلية الفنون الجميلة في مسرح الكلية الصغير ونقل عرضها في آثار الأخيضر.
وبناءً على ما تقدم فقد كانت محاولة التدريسي في معهد الفنون الجميلة (كريم خنجر) في تأسيس مسرح الشارع مبادرة حميدة حيث قامت مجموعات مسرحية من عدد من محافظات العراق بتقديم عروضها على منصة أقيمت في المركز الثقافي البغدادي وهو اليوم ينوي إقامة مهرجان عربي لمسرح الشارع تشارك فيه فرق مسرحية من العراق ومن بعض البلدان العربية وان لا تقتصر عروضها على منصة المركز المذكور أعلاه بل تتعداه إلى أماكن أخرى. ولا بد من الإشارة إلى مبادرات أخرى قام بها مسرحيون في محافظات الوسط والجنوب وخصوصاً في البصرة وفي الحلة وفي الناصرية وكلها تنتمي إلى ما يسمى مسرح الشارع وبلا شك فأنها ظاهرة جديدة من ظواهر المسرح في العراق.
وهنا لا بد أن نشير إلى نوعية العروض التي تقدم في مسرح الشارع وموضوعاتها اعتماداً على ما هو مطروح في مسرح الشارع في أوروبا واميركا حيث تكون النوعية والتوجيه والتحريض ضد كل ما هو سلبي ومتخلف في المجتمع وفي الدولة من الأهداف الرئيسية لهذا النوع من المسرح بغية التغيير والإصلاح.

--------------------------
المصدر : المدى 


الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

النساء في مسرح شكسبير

مجلة الفنون المسرحية

النساء في مسرح شكسبير

سامي عبد الحميد - المدى 



وأنا بصدد ترجمة كتاب بعنوان (النساء في مسرح شكسبير) للكاتبة (جوديث كووك ) تعرفت على التحليل العميق ومن الأوجه المختلفة للشخصيات النسائية في جميع مسرحيات شكسبير من الملكات والأميرات والزوجات والتابعات وغيرهن ، ورحت أقارن بما نقوم نحن حين نتصدى لأنتاج إحدى تلك المسرحيات وكيف نحلل شخصياتها على وفق أبعادها المختلفة العضوية والاجتماعية والنفسية والتاريخية وكيف تقتضب وتوجز ونجتزأ من باب الاستسهال والاستعجال . 
في كتابها المشار إليه أعلاه تبدأ المؤلفة أولاً بتعريف القارئ بالمصادر التي اعتمدها شكسبير عند تأليفه مسرحياته وبالأخص التاريخية منها ، وفي الفصول الأربعة عشر تتعرض للممثلات الأقدم والأحدث اللواتي مثلن أدوار النساء في مسرحيات شكسبير وتورد أقوال النقاد حول أدائهن وحول صفات الشخصيات . 
استعرضت مؤلفة الكتاب ما نشر عن بطلات مسرح شكسبير تاريخياً فكتبت (انا جيمس) كتابا بعنوان (خصائص نساء شكسبير الأخلاقية) وقد صنفت تلك الكاتبة النسوة على الوجه التالي : نساء ذكيات مثل (بورشيا) و(روزا لند) و(أيزابيلا) و(سيليا) ونساء عاطفيات خياليات (جوليت) و(هيلينا) و(أوفيليا) ونساء ودودات (هرميون) و(دزدمونة) و(كونستانس) .
من الصعب وضع تصنيف تراتبي ولكن المؤلفة (كووك) صنفت نساء شكسبير كالتالي : النسوة التاريخيات والرومانيات والبريطانيات ، مثل (بورشيا) و(كاربولينا) و(ملكات انكلترا) ، النساء الأرضيات مثل (المحظية كويكلي) والشابات التراجيديات مثل (روزالند) و(فيولا) والصريحات مثل (كيت) و(بياتريس). من الممثلات الانكليزيات القديمات اللواتي مثلن أدوار نسوية شكسبيرية كانت (ألين تيري) و(سارة سيدونز) ومن الممثلات الحديثات كل من (جانيت سوزمان) و(بيغي اشكروفت) و(جودي ديبج) و(باربارا جينورد) و(فينيسا ريدغريف) و(غليندا جاكسون) وكلهن أعطين آراءهن بالادوار التي مثلنها.ورغم أن أدوار النساء في زمن شكسبير كان يمثلها الفتيان ، حيث لم يكن مسموح للنساء أن يصعدن على خشبة المسرح أنذاك ، إلا أن شكسبير اسبغ على نسائه كل الصفات الأنثوية مثل الجمال والرقة والعناد والبراءة وغيرها ، وهكذا كان شكسبير متنوعاً في اختياراته ، متنوعاً ليس بالصفات وحسب بل في الإعمار وفي التوجهات وفي العلاقات مع الرجال وفي المصائر . كل ذلك ثم شرحه في الفصل الأول من الكتاب . 
وفي الفصل الثاني تطرقت المؤلفة إلى النساء اللواتي أحببن رجلاً مثل (جوليا) و(روزالند) و(فيولا) وفي الفصل الثالث تطرقت إلى فطنة البعض منهن امثال (أدريانا) و(كاترينا) و(روزالين) و(بياتريس) . وفي الفصل الرابع تعرضت إلى النسوة اللواتي تظاهرن بانهن قانونيات مثل (بورشيا) في (تاجر البندقية) . في الفصل الخامس تكشف المؤلفة عن فضائل الشابات العديدة ، وهكذا تفصل في الفصول الأخرى إلى أن تصل إلى الفصل التاسع حيث المصير المظلم لعدد من بطلات شكسبير مثل (جوليت) و(أوفيليا) و(دزرمونة) و(كورديليا) وكلهن ينتهين إلى الموت ظلماً وبدون وجه حق وتختم المؤلفة (كووك) كتابها بمناقشة دور الشريرة (ليدي ماكبت) التي حرضت زوجها لقتل الملك لكي يجلس هو على العرش ، ومناقشة دور (كليوباترا) وصفاتها السيئة والحسنة وأسباب حبها للقائد الروماني (انطوني) وصراعها مع نفسها بين حبها لوطنها وحبها للاجنبي المحتل .ولأن المسرح العراقي قد شهد عدداً من عروض لمسرحيات شكسبير اخرجها مخرجون من الرواد ومن الجدد ، ونذكر على وجه الخصوص (تاجر البندقية) و(يوليوس قيصر) و(هاملت) و(ماكبث) و(انطوني وكليوباترا) و(حلم ليلة منتصف صيف) و(الملك لير) وحالياً يتم انتاج (ريجارد الثالث) وعليه أذكّر من يتصدى لأخراج إحدى مسرحيات شكسبير أن لا يستسهل الأمر وان لا يسيء إلى نصوصه العظيمة بالحذف والاجتزاء والتحريف ، بل عليهم أن يدرسوا تلك النصوص بتمعن وأن يحللوا معانيها الظاهرية والخفية وعلاقاتها مع الشخصيات الأخرى وأهدافها وأفعالها الرئيسية والثانوية وبالتالي التأكيد على ثيماتها من وجهة نظر شكسبير نفسها وفق وجهة نظر المخرج الجديد.

الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

متى يصبح المسرح ضرورة حياتية عندنا؟!

مجلة الفنون المسرحية

متى يصبح المسرح ضرورة حياتية عندنا؟!

المدى الثقافي 

في الدول المتقدمة أصبح المسرح ضرورة من ضروريات الحياة وحاجة يطلبها المواطنون في حياتهم اليومية ففي المراكز المسرحية في تلك الدول هناك العشرات من دور المسارح يتقاطر إليها الجمهور ويتزاحمون لمشاهدة هذه المسرحية أو تلك ومن شتى الأنواع – الدراما الحديثة والتراجيديا القديمة والكوميديا والمسرحيات الموسيقية . ونادراً ما تجد أبواب مسرح معين مغلقة لفترة معينة بل هناك عروض مسرحية مستمرة على مدار السنة وهناك أكثـر من عرض واحد في اليوم في بعض المسارح – عرض الماتينية وعرض السواريه.



وهناك العديد من المواطنين من يشتري تذاكر الدخول إلى المسرح لمشاهدة عرض معين بوقت يسبق موعد العرض بأيام . المسارح التجارية تعتمد العروض الطويلة الأمد لمسرحية معينة قد تدوم سنوات ، ومسارح الدولة تعتمد نظام (الربوتوار) الخزين المسرحي حيث تتنوع عروضها في مواعيد معينة فمن يفوته مشاهدة هذا العرض ينتظر لأيام كي تسنح له الفرصة لمشاهدته عند الاعادة . 
المسارح التجارية تدر على أصحابها مبالغ خرافية أحياناً مما يشجعهم على استمرارهم في انتاج مسرحيات تجتذب أوسع الجماهير ، ومسارح الدولة – فرق المسرح الوطني تحظى بدعم مالي من الدولة لأن مواردها المالية لا تكفي لتغطية كلف الانتاج وأجور العاملين ، وبالاضافة إلى مسارح الدولة والمسارح التجارية هناك الفرق المسرحية الخاصة وهناك فرق المسرح التجريبي التي تقدم عروضاً مسرحية تستهوي فئة معينة من المواطنين تحاول أن تستقطب جمهوراً أوسع . وكونت تلك المسارح ذائقة فنية متطورة لدى فئات كبيرة من المواطنين حيث يبدأ تطوير مثل تلك الذائقة بواسطة مسرح الاطفال والمسرح المدرسي ومسرح الجامعات. 
اعتمدت ضرورة وجود الفن المسرحي في هذا البلد أو ذاك على محاور عديدة هي كالاتي:
أولاً: محور الضرورة الدينية: حيث نشأ المسرح أصلاً من الطقوس الدينية في بلاد الأغريق، نشأ أيضاً من الاحتفالات الشعبية التي ترتبط هي الأخرى بالمعتقد الديني وبقى تأثير الممارسة الطقسية ملازماً للفن المسرحي حتى بعد أن تحوّل إلى نشاط مدني ، حتى أن العديد من المنظّرين لهذا الفن يؤكدون على أن ممارسة الطقس شرط من شروط الفن المسرحي وراحت بعض الأمم تعمل على إحياء العناصر الطقسية الدينية وإعادة تقديمها بأشكال مختلفة ومنها إحياء المسرحيات الدينية التي تبنتها الكنيسة في القرون الوسطى – الاسرار والمعجزات والاخلاقية وهناك من قام بتحديث تلك المسرحيات كما فعل المخرج الالماني المشهور (ماكس راينهارت) في مسرحيته (المعجزة) التي قدمها أوائل القرن العشرين، وهناك أمثلة اخرى على أحياء المسرح الديني في اوروبا، واصبحت (التشابيه) تلك الشعائر الدينية التي تقام خلال الأيام العشر الاولى من عاشوراء والتي تقدم فيها أحداث من معركة الطف . واستشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وعدد من صحبه، نموذجاً اسلامياً للمسرح الديني حيث تقام تلك الشعائر سنوياً في عدد من مدن العراق وبالأخص في كربلاء المقدسة وتضم (التشابيه) جميع عناصر العرض المسرحي ابتداءً من النص إلى التمثيل والاخراج والى الأزياء والمناظر والملحقات، وهكذا اصبح المسرح من الضرورات الدينية.
ثانياً: محور الضرورة الاجتماعية الدنيوية: فما أن تحولت الطقوس الدينية إلى ممارسة دنيوية حتى تبنتها المجتمعات ابتداءً من مجتمع أثينا (خمسمائة سنة قبل الميلاد) ، وأحست المجتمعات المتطورة بأن المسرح ظاهرة فنية تجمع أفراد المجتمع وتوحدهم في مشاهدة العرض المسرحي وتفرقهم ذائقة كل فرد وتلقيه الخاص المعتمدة على المحاكاة التي هي إحدى ركائز الفن المسرحي وهي غريزة من غرائز الإنسان وهكذا كتبت نصوص مسرحية مستقلة عن النصوص الشفاهية للطقوس الدينية وإن اعتمد البعض منها على مضامين وأشكال تلك الطقوس ، وشيدت بنايات خاصة للعروض المسرحية بعد أن كانت العروض الطقسية تقام في الأماكن العامة. وتحوّلت مضامين المسرحيات من الغيبيات ومن الأساطير والملاحم تلك التي كانت تعبيراً عن أفكار ومعتقدات أفراد المجتمع وتقاليده إلى أحداث وشخوص قريبة مما هو موجود في واقع المجتمع وما فيه من مشاكل وصراعات بين الأفراد أو بين الأفراد والمجموعات أو بين الافراد والقوى العليا، وهكذا نزل العمل المسرحي من الأعالي إلى الأرض والى الإنسان الذي يعيش على هذه الأرض بل وحتى إلى أعماقه ودواخل نفسه وإلى (لاوعيه) وإلى (الهو) و(الأنا) و(الأنا الأعلى) .
وكان لا بد من تظهر نظريات تتعرض للظاهرة المسرحية كونها ظاهرة تخص المجتمع وافراده وكان (ارسطو) أول من نظر للتراجيديا وللكوميديا في كتابه (فن الشعر) متخذاً من مبدأ المحاكاة منطلقاً لتنظيراته وراح كتّاب المسرحية في زمنه وفيما بعد يرجعون اليه عند ممارستهم تأليف المسرحيات، ثم بعد ذلك ظهرت نظريات معاكسة لطروحات أرسطو ، وطبقاً لحاجات المجتمع وطبيعة تكوينه ظهرت أسانيد مختلفة من كتابة المسرحية تنوعت من الكلاسيكية والرومانتيكية والواقعية والرمزية إلى التعبيرية والسوريالية والملحمية واللامعقول وكانت تلك الانواع ومازالت تعكس ما في المجتمع من أزمات ومن طموحات نحو تغيير المجتمع إلى ما هو أفضل. 
واذا كانت بعض المسرحيات قد يكشف تأثيرات البيئة والوراثة على أفراد المجتمع فان تلك التأثيرات قد لعبت دورها في تشكيل اسلوب كتابة المسرحية ، كما أثرت انجازات العلوم الانسانية والعلوم الصرفة في اسلوب كتابة المسرحية وعرضها على خشبة المسرح كعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ والفيزياء والكيمياء والرياضيات اضافة إلى الفنون التشكيلية والعمارة وفنون الموسيقى والرقص وكلها ظواهر اجتماعية. 
ثالثاً: محور الضرورة التعليمية: نعم المسرح يُعلم ويقدم المعرفة في حقولها المختلفة إلى جمهوره ، ويعلم المسرح ويطور مهارات العاملين فيه، يعلمهم التعاون فيما بينهم ويعلمهم الالتزام ويعلمهم القيم النبيلة ويعلمهم التضحية بالذات لصالح المجموع ومصالح الانتاج ومستواه الفني والفكري . المسرح يوفر لجمهوره دروساً في الأدب وفي التاريخ والجغرافيا وفي مختلف العلوم والفنون وذلك عبر ما تحتويه المسرحيات من مضامين وأحداث وشخوص وأزمات وصراعات وتحولات وأكثر من هذا وذاك ، منذ استخدام العمل المسرحي كوسيلة ايضاح في تدريس المواد الدراسية على اختلاف أنواعها كما افتتحت معظم الجامعات والكليات في العالم اقساماً لتدريس الفن المسرحي نظرياً وعملياً بل وراحت تعد برامج للعروض المسرحية يعدها وينتجها اعضاء الهيئة التدريسية وطلبة الاختصاصات المسرحية المتنوعة ، بل إن عدداً من الدول أدخلت في مناهج التدريس في المدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية مادة الفن المسرحي بينما عمدت دول أخرى الى انشاء مسارح خاصة للاطفال تقدم مسرحيات مختلفة يبدعها الصغار وتوجه إلى الصغار واخرى يبدعها الكبار لتوجه إلى الصغار وغرضها التعليم . 
رابعاً- محور الضرورة التوجيهية – اضافة إلى وظيفة المسرح التعليمية هناك وظيفة اخرى يقدمها المسرح إلى جمهوره هي التوعية والتوجيه وذلك عن طريق النقد ، نقد كل ما هو سلبي ومتخلف في المجتمع وتركيباته وما هو معيب في سلوك الأفراد وبالتالي الدعوة إلى تغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والتنافس على ما هو أفضل وليس أدل على ذلك من مسرح (بريخت) الملحمي الذي يحوّل المألوف إلى لا مألوف وبالعكس لغرض النقد والدعوة الى التغيير وتوعية الجمهور بما هو سلبي ومتخلف وتحريض المشاهد على ما هو ايجابي ومتقدم . . نعم كان النقد هو الهاجس الأول لكتاب المسرحية منذ البداية والامثلة كثيرة ومنها المسرحيات الساتيرية الاغريقية ومسرحيات ارستوفان وموليير الكوميدية ومسرحيات إبسن وهوبتمان الواقعية والمسرحية التعبيرية التي تنقد الحرب ومآسيها ومسرحيات بريخت الملحمية بل وحتى مسرحيات اللامعقول العبثية والتي تنقد واقع الانسان في المجتمع الرأسمالي والفوارق الطبقية.
خامساً- محور الضرورة الترفيهية : يحتاج المواطن في أي بلد من البلدان الى وسائل وأمكنة للترفيه والترويج والتخلص من اعباء العمل اليومي ، وليس هناك أفضل من المسرح مكاناً لذلك . ما يعرضه المسرح من صور سمعية ومرئية وحركية سواء كانت مبهجة مسِرة أم كانت كئيبة محزنة فهي تبعث المتعة في نفس هذا المتفرج أو ذاك وتعمل على تهذيب ذائقته الجمالية فقد يطرب لإلقاء الممثل أو لغنائه او قد تجذبه أشكال وألوان الأزياء ، أو أشكال وكتل وألوان وملابس المناظر المسرحية ، وقد تحركه حركات الممثلين أو رقصاتهم أو حركة المناظر المسرحية أو حركة الاضاءة المسرحية، وقد يضحك هذا المتفرج او ذاك لموقف او لشخصية تثير الضحك، وقد يتعاطف هذا المتفرج أو ذاك مع معاناة بطل المسرحية وكل ذلك يدعو إلى التفريج عن كربة او إبعاد التوتر النفسي والابتعاد عن هموم البيت ومشاكل العمل لساعة أو ساعتين وهو يتفرج على الصور المسرحية المتلاحقة وما فيها من شخصيات يمثلها ممثلون بلحمهم ودمهم ولهذا السبب لم يتعرض الفن المسرحي للازاحة عندما ظهر فن السينما أو عندما ظهرت العروض الفنية على شاشة التلفزيون وقد تنقل على الشاشة الفضية ما تفعله الصورة المسرحي ولكن هذا اللقاء بين الممثل والمتفرج هو الذي جعل المسرح باقياً حياً متطوراً ، ولعبت جماليات الفن المسرحي دورها في تسلية المتفرج ومتعته . 
سادساً- محور الضرورة السياحية: اتخذت بعض الدول المتقدمة مسرحياً من الفن المسرحي وسيلة لجذب السواح المحليين والاجانب، فهناك سواح يحبون المسرح يتقصدون زيارة باريس لمشاهدة مسرحيات موليير في مسرح (الكوميدي فرانسيز) ، وهناك سواح يريدون التعرف على المسرح الشكسبيري واسلوب الاداء فيه فيزورون مدينة (ستراتفورد ابون ايفن) لمشاهدة احدى مسرحياته. وهناك سواح يهتمون بالفن المسرحي ويريدون مشاهدة مسرحية (الاميرة توراندوت) التي اخرجها المخرج الروسي (فاختانغوف) وتعرض حتى اليوم في أحد مسارح موسكو وكما أخرجها ذلك المبدع الكبير ولا بد أن أذكر بانني في يوم من الايام قدمت مقترحاً إلى وزارة الثقافة العراقية أن تتبنى مشروع تقديم (ملحمة كلكامش) مسرحياً سنوياً في أحد مسارح بغداد أو غيرها أو حتى في أطلال بابل، وان تتبنى مشروع تقديم مسرحيات مقتبسة عن حكايات ألف ليلة وليلة يؤلفها او يعدها مؤلفون مختلفون ويخرجها مخرجون مختلفون وذلك في قاعة (القشلة) عند شارع المتنبي وفي ذلك جذب للسواح الاجانب لاسيما وان موطن الملحمة الخالدة هو العراق وان بغداد يطلق عليها الاجانب مدينة ألف ليلة وليلة.

الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

"هيئة" الأمل المرتجى!

مجلة الفنون المسرحية

المستقبلية وهوّة الحداثة وخيبة الواقع التاريخي

مجلة الفنون المسرحية

المستقبلية وهوّة الحداثة وخيبة الواقع التاريخي

د. عماد هادي الخفاجي - المدى 

 لم يكن إطلاق وعد الحداثة الطوبائي نزوة معرفية أو مغامرة فلسفية بقدر ما كان لحظة تاريخية بادراك العوز والافتقار إلى واقع مستقبلي يتجاوز عالم الطاعون وإرث القرون الوسطى المميت, فما جاء في خطاب (فرانسيس بيكون) الانكليزي بإخضاع العالم للعقل وأصداء ذلك الخطاب المنعكس في فرنسا بتقديم الذات العاقلة إلى مقام القداسة والسمو معياراً للوجود الذي طرحه الكوجيتو الديكارتي (أنا أفكر إذن أنا موجود).

تلك الأصداء التي زلزلت مملكة القرون الوسطى وفتحت النوافذ إلى عصر الإنسان المفكر الموجِد الخالق في عصر التنوير لتشكل لحظة تاريخية هي لحظة الضرورة القصوى لتصور عالم الإنسان المستقبلي فكانت المحاولات الأولى لبرمجة المجتمعات والمدن عبر تكنولوجيا المدينة ماكينة عملاقة للعيش بالتصميم الهندسي والنسب العلمية للشوارع والأحياء والحارات والمؤسسات والتي معها تم هندسة سلوك المجتمعات وإخضاعها لقوانين الأتمتة غير إن معطيات ذلك المشروع الحداثي لم تكن نواتج سهلة متحققة بما افترضه الخطاب الطوبائي بالحداثة فقد عانى طوال قرون من التخبط ما بين المشاريع الإنسانية للرومانسية والواقعية العلمية التي بقت تدور في حيز فهم التجربة الإنسانية والسيطرة عليها لخلق العالم الإنساني الأمثل ثم الارتداد الكبير في مشروع الرمزية التصوفي الغيبي ثم مشروع التعبيرية بخطاب الفجيعة الإنساني وتكريسه لموقف صدمي اتجه هو الآخر اتجاهاً أخلاقياً وإنسانيا بينما جاءت التكعيبية بمشروعها كبداية لتصحيح مسار المشروع الحداثي لخلق عالم المستقبل ومغادرة التراث الإنساني المميت بتكريسها مبدأ العقل والنسبية والتعدد اللانهائي للمنظورات بما أخرج الفكرة عن إطار الواحدية الذي مثل طابع التفكير الإنساني كل تلك المشاريع كانت هي محاولة في تجسير الهوة الميتافيزيقية ما بين الإنسان وعالمه والتي بقيت مشاريع قاصرة وعاجزة عن التحقق ان لم تكن مستحيلة فانفصال الإنسان عن عالمه هو قدر وجودي ولا يمكن انسنة العالم بانتفاء دور المغايرة في صراع الوجود الخلاق لذا جاءت بيانات (مارنيتي) المبشرة بالمستقبل وحتمية واقع القوى والقدرة كقيم خلق وإبداع خارج معيار الثنائيات الأخلاقية التي أسس لها الإنسان وركن إليها في تدعيم مفهوماته وتقييس نشاطه البشري في عالمه فالمستقبلية تطرح زمنها ليس ماضياً رومانسياً ولا انا واقعياً ولا زمناً سرّانياً رمزياً ولكن تطرح زمن المستقبل القادم كمشروع في طور التحقق والتشكل حيث تتسيد القوانين وقيم الفعل لأجل الفعل والدافعية لتوافر القدرة والقوة الخلاقة الموجِدة كحقيقة مطلقة وبذلك تُجسر تلك الهوة ما بين الإنسان وعالمه ليس بأنسنة العالم ولكن بطرح مفهوم الآلة الكونية الهائلة التي يمتد فيها الإنسان المستقبلي ويندمج فيها ويتشكل من مادتها ويكون مركز حدوسها الكونية فلا يعود ذلك الكائن بشريا إنسانيا ولكن كائنا كلي القدرة تام الملكات متصلا بكلية العالم ومتحققا فيه خارج عوامل الضعف الإنسانية والبايلوجيا البشرية وبهذا المنظور سيشهد المستقبل العالم بوصفه آلة من الكمال تحتوي الإنسان مندمجا فيها خارج إنسانيته قويا قادرا مكتف بذاته محققا لإرادته فينحل الفن الإنساني المترع بعناصر الضعف البشري والمتصل بتراث الطفولة البدائية بالجنس البشري حيث تمركزت في المتاحف والمكتبات والتي لا بد من إغراقها وهدمها وإحراقها وقد دعت المستقبلية لينخلق واقع الإنسان الكائن الكوني المستقبلي والشعر الذي سينحل وسيصبح صوت الماكينة أجمل شعر والذي هو فيض التكنولوجيا الذي تسبغه على العالم الماكينة وخلق قيم جمالية لا إنسانية عمادها القدرة والقوة والاندفاع والتعدد والتزامن التي سترسم في ذلك الواقع المستقبلي أجمل ماكينة كونية حدثت وامتدت في العالم.

الجمعة، 8 ديسمبر 2017

إضاءات في نظرية الدراما

مجلة الفنون المسرحية

إضاءات في نظرية الدراما

 طالب كريم حسن - دائرة الشؤون الثقافية 

تعد نظرية الدراما من الفنون التعبيرية الأولى التي كشفت عن توق الانسان الى المعرفة، وقد جسدت تساؤلاته الوجودية في متون محاكاتها ، إذ تمثل حقيقة وجود الانسان وجدلية الوجودية القائمة على أن الصراع متن الدراما الرئيس، وما الحياة الانسانية إلاعبارة عن صراعات متعددة الاسباب، ومن الصراع نتجت المعرفة، وعند تأمل واقع الحياة بشكل مجرد نجد أن كل ما أنتج الفكر الانساني هو عبارة عن أدراك لماهية صراعاته الروحية والمادية، فالدراما هي الادراك الاول للوجود الذي يحقق صداه الاول في الاسطورة، وما الاسطورة إلا تعبيراً عن شكل الصراع الميتافيزيقي، فكان صورة تعبيرية شفاهية مثلت المدرك العام لسؤال الانسان الأول عن أثر الصراع في حياته، ومن هذا المنطلق في قراءة الدراما جاءت فكرة كتاب (إضاءات في نظرية الدراما) لمؤلفيه( د.سافرة ناجي.. وحمد حماد )والذي  جاء في مقدمته. أن أثر الصراع في حياة الانسان كان أحد الاسباب التي أدت الى أن يقييم طقوسه الدينية، ومن جدلية الدراما نتج الدين، وهذا موقف معرفي تحول بالفكر البدائي الاول الى أن يصيغ لهُ رموز تمثل صراعه الميتافيزيقي. ومن الواحد الى الكثير التي أدت الى أنشاء بنى أجتماعية قوامها الفرد ثم العائلة فالقبيلة الى أن توسعت القبائل في دول وأمبراطوريات، وخاصة الانسان الى تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع أستلزم وسائل عديدة وفكر يحدد ويوصف هذه العلاقة.

وعن مجمل أشكالية هذا أخترع وسيطاً للتفاهم، يمكن أن يكون فضاء تواصل ووسيلة من وسائل التفاهم التي أنتجها الفكر الانساني في صورة رموز اللغة على مستوى الصوت أو العلاقة الدرامية بصيغ متنوعة مما ولد نوع من التداخل الفكري في نصوصها، وأذا أخذت الدراما من الاسطورة موضوعاً، لأن الدراما في مولدها الفكري هي السا بقة ولكن مدلولها الحركي المشهدي هي اللا حقة لان فنون المشاهدة الدرامية بحاجة الى بنى معرفية متقدمة من شأنها أن تستوعب الشكل الفني الحي لارسالية الدراما وفنونها، سيما وأن كل التأكيدات والبحوث الفلسفية وآراء المنظرين تؤكد أن المحا كات غريزة أنسانية كامنة في وعي ولا وعي الانسان، هذا المتن التعبيري الذي يواكب ويستجيب الى الفكر، ليكون فضاءاً إبتكارياً للإنسان المعاصر. ولانها تحاكي ماهية الوجود حددها الكثير بأنها تتسم بالتقليد لهذه الماهية، وهذا الالتباس المفاهيمي حاولنا في دراستنا أن نضيئة، وعلى ضوء هذا لم نعيد شرح تفاصيل العناصر المشكلة لإجراءات الدراما في التراجيديا والكوميديا، وأنما قد تم أضائتها من خلال جدليتها المعرفية بوصفها سؤال الانسان الأول/ سؤال الوجود، وتفصيلاً لفكرة الدراسة أشتغلنا على الفكري المعرفي بوصفها دالة الوجود الحضاري للفكر الانساني والشكل له، لهذا حددنا بالعناوين التي ضمتها متن هذه الدراسة، ونعتقد أن هذه الدراسة ستفيد الباحثين والدارسين والمهتمين بفنون الدراما، وكلنا وعي وأدراك أن المعرفة دائرة مفتوحة في السؤال المغاير لمحولات ما أنتج الفكر الانساني، وهذا ما يؤكد عليه قانون الدراما بأنها ذات سيا قات متحولة من أجل إعادة صياغة معنى آخر لهذا الوجود.

وفي استهلال أول تحت عنوان (الدراما سؤل الوجود)  تعد الدراما من الفنون العقلية- الحسية التي تستبطن سؤالاً إشكالياً حول ماهية الوجود الإنساني وحركية تفاعله معه وتعاطيه وماينتج عن هذا التعاطي من موقف جديد.. ولان الانسان والوجود عبارة عن ثنائيات متضادة تحقق وجودها من خلال الصراع بين هذه المتضادات، سيما وأن كل محمولات الوجود هي صورتي ظاهره وباطنه، ولكل من هذه الصورة دوال مفاهيمية يحققها الاستنتاج الذهني لها، ليشكل بذلك موقفاً جديداً، وعلى ضوء هذه التناقضات تحقق الدراما دالتها في أنها مستقرء هذا الوجود من خلال ثنائية التضاد بين العقل والحس وعلى ضوء هذا تعرف الدراما.. وفي باب الفصل الاول الموسوم (محاولة التوفيق بين المتضادات الوجودية لأنتاج موقف جديد) نقرأ: تعد الدراما وعي الإنسان الاول بالوجود، ولكي يعبر الانسان درامياً عن وعيه فهو بحاجة الى أن يبحث عن صياغة معينة أو أطار تعبيري يمكنه من أن يبلور أفكاره عبر أداة التعبير المختارة. وفي الباب نفسه: أن مفهوم الدراما قا ئم على خلق المدركات الواعية بالوجود. بوصفها فن إعادة تركيب مستمر بتجربتنا.. وأنها عملية جدل للاتصال الانساني.

إذ تعيد تنظيم أجراء الوجود الملموس واللا ملموس في صيغ أخرى، وبما أن الدراما معرفة مؤجلة لخلق الصور الذهنية على مستوى النص.. إذ تسعى لتؤسس الى تحقيق معنى اخر مجرد، ففنون الدراما هي إستجابة لكل ماهو أشكالي وفظيع، أنها تعلم الانسان عدم التوقف أو العودة الى الوراء أو الانكماش.. فالدراما تجاوز للواقع بما هو موجود...الدراما والميتافيزيقي.. عنوان محبث .جاء فيه:ان محمولات الدراما الفكرية تنطلق من محاكاتها للحضور المادي للإنسان وجدلية علاقة الغيبية مع الطبيعة ذات المعطيات الماورائية ‘وتشترك كل من الدراما والميتافيزيقيا في انهم فضاءات انشائية معرفية تحاول أن تعبر عن الوجود،أوتجد دالة تشير له معبرة عنه بشكل ما وفضاء المقارنة بين الدراما والمتافيزيقيا في أنهما من(الآن)المتفاعل مادياً في التعاطي مع الوجود،ويعرَّف المذهب الميتافيزيقي على انه((اتجاه أدبي وفلسفي يبحث في ظواهر العالم بطريقة عقلية وليست حدسية صوفية ويمزج العقل بالعاطفة ويبتدع اساليب أدبية تجمع  بين المختلف والمؤتلف من الاخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية ))كما جاء في هذا الباب .الطروحات المتافيزيقية تكتنز جدلية الدراما الفكرية من خلال الواقع  والمشا بهة معه رمزيا إلا انها ايضاً تعارضه في سؤال ماهوي لما بعد الوجود ، لذلك فأن الدراما هي فعل السؤال الدائم عن كل ماهو كامن خلف ماأظهر لنا الضوء من اشكال ،وبمعنى آخران كل مايظهر مع اكتشافه فانه يستتر شيئا آخرغير منظور ،لهذا في كل مرة تقدم الدراما قراءتها له بشكل تعبيري جديد فمرة من خلال الاسطورة وثانية من خلال الشعر واخرى من خلال الملحمة،فهي تقدم توازناً من خلال الذاتي والمحسوس والمادي والموضوعي في صياغة جمالية لاكتشاف الوجود ،لذلك فأن قراءة عقلية حسية لتغيير ظواهر الوجود بتعدد اشكالها،.ومن خلال ما تقدم يمكن القول بأن الدراما هي القراءة الكلية الجدلية الفكرية لظاهرة الوجود الانساني بكل مايظهر ويحتجب عن العقل الانساني،فهي فضاء ادرك العالم (المثل\الميتافيز يقيا)،تعمل على ادراك عالم المثل من خلال العالم المحسوس ،التي يظهرها الخيال القادر على صياغة ما تفترض الدراما ان يكون عليه العالم من حوله ،ومن هنا يمكن القول ان علاقة الدراما بالميتافيزيقيا هي البحث عن اسرار الوجود وسؤالها الاستفزازي له مدركات حسية .وفي (الدراما والاسطورة)نقرأ:تعد الدراما تجسيدا للصراع الدائر في الحياة ،في محاولة للكشف عن جوهر هذا الصراع ،اي انها ليست مجرد تصوير للصراع،لكونها تضفي عليه ادراكها وفهمها لقوانينه ،فتقدمه بحلّة جديدة من خلال الرؤية والمعالجات التي تطرحها للحياة في صورة درامية واعية .كما جاء في الكتاب:هل ان الاسطورة الحديثة تتوازى مع الاسطورة القديمة؟-ان الاسطورة لاتشكل بؤرة لنصها الجديد من كونه يعتمد على الابتكار والخلق،فهي تنشأ من اعماق الذات الانسانية المعاصرة لتنسجم مع مشكلاتها وقلقها المعاصر،ومع هذا فأن الاسطورة القديمة والحديثة يتوازيان مع كونهما يمثلان صورة من الخلق الألهي،ومن هنا نستخلص بأن الاسطرة الدرامية هي سلوك اجرائي فني يختص بالبناء وآليات التشكيل الداخلي للنص،من غير ابتكار قيمة معيارية لمثله الجديد،إذ ترسم رؤيتها عبر اسطورتها الجديدة.وقد استشهد المؤلف بمعادلة (الأسطورة+دراما=اسطرة)ومن ذلك نستخلص بأن الدراماهي الفكر المؤسطر لقيم المثال ،ولهذا تعد الاسطرة هي الاجراءات التقنية التي يجريها الكاتب في تشكيل البنى الداخلية للنص الدرامي ،أي ان الاسطرة هي كل ما يقدمه المبدع في شكل تعبيري عن الواقع الانساني.وعليه نجد ان الدراما واجراءها الاولي الراسخ في الاسطورة هي الشكل الاول الذي ظهرت به الدراما المتوافقة مع فكر الانسان البدائي آنذاك .وفي باب (الدراما والرمز)ان محاكات الدراما الاسطورية تتخذ  من الرمز مدخلاً لايجاد معادلات موضوعية لحركية الوجود.لذلك نجد الدراما توظف أو تستعير تعابير رمزية لتمثل مفاهيم  لانكون قادرين على تحديدها أوادراكها تمام الادراك .وفي (الدراما والشعر)يتداخل نسقي الدراما والشعر على أعتبار ان الشعر شكل من اشكال المحاكات التي لهما نظامهما المتداخل درامياً لذلك فأن العلاقة بين مفهوم الدراما لمدركات الواقع الانساني والشعر ،أوغنائية الوجدان الذاتي هي علاقةحركية متداخلة في البوح ،إذ كلاهما يجمع بين المنطق الخاص للبوح الفردي وبين المنطق العام للبوح الجماعي مادامت الدراما تمثل فضاء هذه الحركة بانساقها المتداخلة جمالياً،لهذا يعد الشعر عند(ارسطو)هو "فن المحاكات:ان الشاعر محاك مثله مثل المصور أو أي محاك آخر"، مايؤكد على عمق التداخل بين الدراما والشعر،ولاسيما كلاهما يكشف عن حاجات الانسان  ويناقشها جماليا، لذلك تعد الدراما هي"ذلك النوع الفني الذي يمثل التركيب النهائي للشعر عموما".وفي(الدراما والفلسفة)كتبوا:تعد الفلسفة هي السؤال الذي يبغي الحقيقة وادراكها،وعلاقة الدراما بالفلسفة هي علاقة تحقق المجرد عند زجه في فضاء التجريب الجمالي ،  وهذا يشير الى ان الدراما هي فضاء فحص التساؤلات الكونية   لان"الفلسفة تنتج نظاماً مترابطاً من المفاهيم التجريدية تدعي تفسير العالم،والدراما تقدم نظامها المترابط لمفاهيم الفلسفةالمجردة في حدها الجمالي وتوظيفها في خلق نظام انساني ذو نظام تراتبي،وبناء على هذانجد ان تعاطي الدراما مع الفلسفة هو أحد التقنيات الفكريةالتي كشفت عن الوجود وصراعه الفكري في ماهية الكون والاشياء ،وعليه فان الدراما والفلسفة هما حدي الوجود.وتناول الكتاب عدة محاور مثل :الدراما واللذة الجمالية،والدراما والقدر،والدراما والملحمة،وفي هذا المحور:تنفرد الدراما عن الملحمة في انها تكشف عن الشخصية ،سيما الملحمة تشرح كل شي للمتلقي وتغلق عليه دائرة البحث أو التوقع لما يمكن ان يحدث لمستقبل قص الحدث،والابرز في ذلك ان المشكلة العامة هي التي تتحكم في الملحمة،بينما الشخصية في الدراما هي من يمنح المشكلة قيمتها،ولاسيما فيالدراما الحديثة.كما جاء في الكتاب محاور:الدراما والشكل،والدراما وقانون التراجيديا، وقانون الكوميديا الدرامي، وثنائية التضاد،والدراما وقانون الحبكة،وايقاع الفعل الدرامي،والدراما ومفهوم البطل التراجيدي،والدراما وتقنية الاكتشاف والتحول،والدراما والزمن والمكان،والعقدة والفعل،والدراما ومفهوم التما ثل،والدراما ومفهوم السرد،وفيه:الوجود عبارة عن سرد متواصل وحكاية انسانية طويلة،وما الافعال الانسانية إلاشكل من اشكال الحكاية حتى وان تعددت انساقها الثقافية ،لذلك يعني السرد بصوت عال ،وبما ان الدراما تمتاز بخصوصية زج جميع الاجناس الفنية الاخرى في خطابها ،فعندما تستعير اللغة لتقديم الفعل الدرامي عن طريق الشخصيات فهي تمارس عملية السرد ولكن بتقنية التقديم لا العرض.اما محاور الكتاب الاخرى:الدراما ومفهوم التطهير،والدراما والاسلوب،ومنه الاسلوب الدرامي له قيمة اسلوبية خاصة به تحددها طبيعة الموضوع المحاكى وهذا نجده حاضراًفي الفنون المجاورة للدراما،إلا ان الاسلوب الدرامي هو الانحراف بالكا مل عن الواقع بغض النظر عن الشكل الذي يظهر فيه،فهو يكتنز الانحراف متناًجمالياً.وفي محور الكتاب الاخير الدراما والمجتمع  ،نجد ان هناك تخصصاًفي المتن الداخلي لهذه النصوص،وعليه نجد ان علاقة المجتمع بالدراما الآن تغيرت من منظور الخصوصية البحتة شكلاً ومضموناً،ليكون محاكاتها موضوعاً انسانيا عاماًبالدال العام وشيوع المدلول..ومن خاتمة الكتاب نختزل :الدراما متن تعبيري ذات مسارات فكرية تبحث عن حقية الوجود عبر نسقاها الاجرائي الرئسيين التراجيديا والكوميديا.وما الفلسفة واسئلتها عن الحقيقة إلا أنثيالاًعن الدراما،سيما وان الدراما تؤكد على فاعل ومحرك الوجود (الانسان)بما يمتلك من قدرة تخيلية على صنع الرمز، فان المثل وصورتها(الافلاطونية)ما هي إلا من صناعة هذا الفاعل،فحقيقة المثال هو الانسان ،ولتحقيق ذلك فانها تؤكد على قانون تقديم الفعل لاسرده،لان الاول ينتج فكر والثاني يكمم الفكر،لذلك قانون الدراما انتاج المدلولات اللامتناه ،لهذا نؤكد ان الدراما هي الفن التعبيري الاول وما الاسطورة والغنائية والملحمية إلاموقف جمالي من مواقف الدراما من الوجود،وكما تأكد ذلك في ان الدراما قانون متحول دائماً لكل عصر جديد فأن الاسطورة هي تعبيردرامي عن الوجود ومحدداته الفكرية  آنذاك ،وكما في باقي فنون التعبير..


السبت، 2 ديسمبر 2017

صورة اليهودي في الأدب العربي مسرحية " الاغتصاب "لسعد الله ونوس نموذجا

مجلة الفنون المسرحية
الصورة لمسرحية "الأغتصاب " لسعد الله ونوس عرضت في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت 

الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

ما المقصود بالمسرح الرقمي؟

مجلة الفنون المسرحية


ما المقصود بالمسرح الرقمي؟


عماد هادي الخفاجي - المدى 


من المقلق والمريب معرفياً مجانية المصطلح الذي يتم تداوله دون استيلاده من مخاض معرفي عميق ليعكس واقع وعي مجتهد ولكأن مجانية المصطلح في الاختلاق والاستخدام أشبه بدبكة مجانية, ومن تلك المصطلحات المقلقة والتي غالبا ما تؤطر بسفسطة لغوية وبدون تحديد إجرائي مصطلح (المسرح الرقمي).

وهو من الخطورة والاختلال بمكان يدفعنا للكتابة في محاولة تحديد تعريف إجرائي جامع مانع يوقف فوضى التداول العشوائي له لذا سنخوض في تحديدنا الإجرائي لوضع جملة فرضيات لمناقشة إثبات أو نفي لتلك الفرضيات فنبدأ بتساؤل ما المسرح؟ وما هي العلاقة المسرحية؟ نجيب إن المسرح هو حفل جامع واحتفال بالجسد وهو جدل فكري, جدل ما بين واقع الافتراض القائم على الاحتمال الفني وشبكة الثقافة القرائية والتجارب الجمالية للمتلقي, إن ما على المسرح هو مفارقة في صورتها الأكثر حدة فما على المسرح من المستحيل ان يكون حقيقة وبنفس الوقت بأنه افتراض قائم على الاحتمال وبنفس الوقت ما على المسرح هو ما يتعلق بالإنسان محورا صراعيا في العالم بطموحه, ورؤاه, وهمومه, وأمانيه, ومخاوفه, ما على المسرح يتعلق بالإنسان حتما دون غيره وحيث إن الإنسان هو معيار كل شيء وهو جوهر حقيقة الحياة المعيشة فما على المسرح هو حقيقة بجوهرها وتلك المفارقة هي التي تجعل من المشاركة بالاحتفال المسرحي أو حفلة المسرح متعة سامية ولذة روحية فائقة عندما يتنافذ الإنسان ما بين فروض الاحتمال وحقائق الواقع والوجود فتمتلئ الذات الإنسانية بالكِبر الجمالي وهو أن تكون للحظات أسمى من واقعها.
وهو ما يسلمنا إلى التساؤل الثاني حول جوهر العلاقة المسرحية وطبيعتها الفاعلة والتي نجتهد في إضاءة ملامحها الرئيسة بأنها مراوحة ما بين عدم التصديق بأن ما على الخشبة حقيقة واقعة وما بين تعليق عدم التصديق والإيمان للحظات بواقعية ما على المسرح حيث إن ذلك المركب الجدلي ما بين عدم التصديق وبين الإيمان والتصديق ينتهي والى مركب أعلى هو التخييل بوصفه تعاقدا جماليا ما بين الخشبة والمتفرج قائما على دعوة – فلنتخيل- وهو افتراض ومتابعة لتحقق ذلك الافتراض تجريبيا بغية استحصال المعطى المعرفي ليكون المسرح معرفة ممتعة وجزءا من نشاط التحليل العقلي من خلال التركيب الجمالي.
إن هذين التصورين في تحديد ماهية النشاط المسرحي تفرز قيماً مفهومية راسخة هي الإنسان الكائن المادي العضوي البشري بحضوره وما يتعلق به جوهر الممارسة الإبداعية في المسرح وحينما يتم استخدام مصطلح (المصطلح الرقمي ) بمثل هذه الضبابية والعشوائية في محاولة لاستيلاد واستنسال مصطلحات متعسفة يكون الأمر أشبه بتفكيك ألواح السفينة وإحراقها في عرض البحر في محاولة لخلق شعلة مضيئة من اجل التعرف إلى جهة المكان وإلتماس الطريق بالسفينة التي لن يبقى منها شيء مع فعل الاحتراق ذاك.
ما أريد قوله هو كيف يكون المسرح رقميا؟ وما المقصود بأن ينعت بالرقمي؟ نحن نعرف بأن الرقمية نظام رياضياتي قائم على الاحتمال الرياضي الذي ينتهي مثل متتالية عددية تنتهي بالتحديد بعينه وهو ما يتناقض مبدئيا مع المسرح الذي يقوم على الاحتمال الفني والذي ينتهي إلى متسلسة لا نهائية من الاحتمالات وليس إلى قيمة رياضية بعينها وهو ما يسقط طابع الإبداع عن أي نشاط رقمي يحل بديلا عن النشاط المسرحي الفني الإنساني هذا من جانب ومن جانب آخر إن الإنسان هو محور ذلك الفرض الجمالي بحضوريته الفيزيقية والفكرية فمن يقف على خشبة المسرح هو (هاملت أمير الدنمارك) بفيزيقيته وروحه وبذات الوقت هو (سير لورانس اوليفيه) الممثل بشخصيته وروحه ليتزاحمان معا ويتناوبان بالظهور والاختباء أشبه بلعبة طفولية للاختفاء والظهور, بينما لو فرضنا جدلا المسرح الرقمي والممثل الرقمي ممكن, هذا سيكون مرتبطا بالمعادلة الصفرية للثنائية الرقمية (0,1) التي تؤدي إلى حضور كلي لهاملت وغياب الإنسان المؤدي بما يفرزه من قيم إنسانية مصدرها روحه الواقعية الحية المبدعة فيبقى حاضرا على الخشبة بكل بؤس القطيعة كائن غريب بعيد لا واقعي لا طبيعي لا أنساني هو كائن فرانكشتايني غير بشري اسمه (هاملت), فالبعد الإنساني للشخصية المسرحية مصدره الفاعل البشري الإنساني للمؤدي, فلا تستطيع القدرات التخييلية للمتلقي التفاعل معه واحتواءه جماليا فيبقى مثل ظاهرة موجودة بقوة حضورها الآني مثل البرق, الرعد, الزلزال,خسوف القمر,كسوف الشمس بحيث لا نستطيع النظر لهذه الظواهر بنظرة مؤنسنة أو أن نتعاطف معها جماليا أو أن تنعطف الذات الجمالية للمتلقي عليها وأن تحقق موضوعاته فيها..
لذا مما تقدم نستطيع أن نتوصل إلى تحديد إجرائي بضوء الإطار الجمالي للفن ومفهوم الإطار الإنساني للإبداع بأن (المسرح الرقمي) هو ليس مسرحا رقميا بمعنى الخلق بالمعادلة الصفرية ولكنه المسرح الذي يعتمد على معطيات التقنية الرقمية في بناء وسائط معالجته الفنية للإضاءة والمنظر والمؤثرات الصوتية بما يثري رؤية الإخراج جماليا وفنيا وبذلك يمكن تسميته (مسرح التقنيات الرقمية) تجنباً للخلط بالمفهوم وإلتماساً للتحديد المفهومي الأدق.

د.عقيل مهدي والحداثة في مسرح السيرة

مجلة الفنون المسرحية

د.عقيل مهدي والحداثة في مسرح السيرة 


 محسن النصار


أعتمد د.عقيل مهدي أرساء تجربة جديدة للمسرح العراقي والعربي من خلال أفق سعته المعرفية والفكرية والفلسفية والجمالية ,فكانت رؤى جديدة لمسرح السيرة , تعتمد الحداثة ملهما لها في أطار سينغرافيا عرض متكاملة في كافة نواحي العرض المسرحي وقد حاول الأهتمام بالتراث وصياغته برؤية جديدة منسجمة مع مسرح السيرة وتناول في مسرحياته شخصيات مسرحية وفكرية وثقافية وأدبية فكانت عروض رائعة كمسرحيات بدر شاكر السياب , يوسف العاني يغني , جواد سليم , حقي الشبلي , علي الوردي , وتندرج هذه المسرحيات ضمن اعمال السيرة الذاتية وحاول أن تتفاعل مسرحياته مع الوقائع التاريخية على اسس جمالية جديدة تحاكي الواقع متأثرة بالحداثة والتجريب المسرحي ومسرح السيرة الحدثوي عند د. عقيل مهدي يهتم بجميع العناصر التي يقوم الفن المسرحي من نص وشعر وموسيقى وازياء وديكور وماكياج وأضاءة وفضاء مسرحي وسائر المؤثرات التقنية بحيث يكون العرض المسرحي فيه صفات تؤكد بان تراثنا وأعلامنا ممكن ان نستقي منهم الوجه المشرق والضروري ونوصله بالحاضر , بحيث يكون كقيمة فنية ورمزية وتعبيرية مؤثرة وعنصر ديناميكي يتلاقى مع متطلبات الحياة المعاصرة فالأصالة هنا هي عنصر داعم للحداثة التي يؤكد عليها د.عقيل مهدي والتي تستوعب جماليات العرض المسرحي من تأليف وأخراج وتمثيل وموسيقى وغناء وشعر وأزياء واكسسوارات واضاءة وماكياج وسينغرافيا , ويستعين في تجسيد مسرحياته بكادر من الأساتذة والطلاب في كلية الفنون الجميلة بغداد ممن لديهم موهبة خصبة , وهم الواعين ثقافيا صاحبي الخبرات العملية والنظرية والمتسلحين بثقافتهم المسرحية فيقوم د.عقيل مهدي بتطويرها كونه يمتلك العملية الأبداعية والعطائية التي لانهاية لها ,وأنه يحاول أن يبقي التواصل مع الجمهور المسرحي مستمرا بشكل تلقائي بحيث يكون عنصر المواجهة بين الجمهور مستمرا لأن الجمهور هو أحد العناصر الضروية والمهمة في مسرح السيرة الذي يستطيع أن يفعل فعله بوجوده , فهو الذي يجعل المسرح كائنا حيا ودائم الحياة , فهو العنصر الأساسي الذي أبقى عالم المسرح قائما رغم ظهور عالم الأتصالات من أنترنيت وفضاءيات , وقد حاول د.عقيل مهدي بالمزاوجة بين الماضي والحاضر , وبين المحسوس من جهة والأيهامي الأيحائي من جهة أخرى , وأتقان العنصر الواقعي والوهمي للوصول بالعرض المسرحي الى استفزاز الخيال والوجدان , والتخفيف عن الهموم بحيث ينقل الحياة الواقعية المملة الى حياة السعادة والخيال ودغدغة الحلم والطموح , فالمسرح فضاء مسرحي يثير خيال وفكر المشاهد ويجعله يحلق بفضائه الغير محدود بحيث يتخيل ويتصور واقعا فنيا وجماليا جديدا يحمل فيه د.عقيل مهدي تصوره الأسلوبي والمضموني للأبداع الذي يطمح للوصول أليه و فهو يلجا في عملية البناء الدرامي الى الحالة الأبداعية التي ينطلق فيها العرض المسرحي وفق فلسفة جمالية مستوحاة مواضيعها من سيرة شخصيات لهم تأثيرهم الكبير في الحياة الثقافية والأجتماعية , وتكون مركبة وأحيانا تكون بسيطة وسردية سلسة , وكثيرا ما يطمح الى توصيلها الى أسمى درجات البساطة بالرغم من كينونتها الداخلية المكثفة والمركبة وكل ذلك يتعلق بموضوع العرض المسرحي الذي يكون فيه صراعا بين ا لأنسان وبئته , وصراعه الدائم مع همومه الأجتماعية والسياسية وسعية الدؤوب نحو العدالة ومحاولته تغليب الخير على الشر نحو درجات ذوقية أرقى ويشكل هذا الهدف بحد ذاته مغزى لأعمال د. عقيل مهدي ويعتبره أكثر تأثيرا , فعندما يقوم بـتأليف المسرحية وأخراجها ينطلق من كونها نصا مسرحيا قابلا للعرض ومواكبا لتطورات العصر برؤية حدثوية , ومن هنا يأخذ بالحسبان عناصر الأداء المسرحي الملائمة للنص الذي سيصبح عرضا مسرحيا لمؤلفا ومخرجا قريبا من نبض الحياة ولدية خبرة في التمثيل والأخراج ولديه تجارب عملية وعلمية وجمالية في الفن المسرحي في جميع مكوناته .

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

" الإرث "تأليف الكاتب الليبي : أ. منصور أبوشناف قراءة لتجربة ليبية عصرية

الخميس، 16 نوفمبر 2017

المهاجرون في الدراما.. ودراما المهاجرين

مجلة الفنون المسرحية
  


المهاجرون في الدراما.. ودراما المهاجرين


رياض عصمت - الحرة 

احتلت قضية الهجرة مساحة مهمة في تاريخ الدراما العالمية. طرحت شخصيات المهاجرين نماذج مثيرة للجدل، ومواضيع إشكالية جديدة، بل غريبة أحياناً على مفاهيم المجتمعات الغربية التقليدية، ذلك لأنهم قدموا من بيئات تتمتع بتقاليد وأعراف مغايرة. بالتالي، طرح اللاجئون في المسرح والسينما أسئلة غير مطروقة من قبل، من بينها مدى تقبل المجتمع لوجودهم رغم اختلافهم عنه، وقدرة المهاجرين على التأقلم مع ذلك المجتمع الذي لجأوا إليه.

نذكر بين أشهر أعمال المسرح عن الهجرة مسرحية آرثر ميلر "منظر من الجسر" (1956)، التي أنتجت عديداً من المرات منذ أخرجها بيتر بروك في لندن بنصها الذي نعرفه. ومن أفضل عروضها التي شاهدت في حياتي عرض "مسرح بيركلي الريبرتواري" عام 1988، ثم عرض "مسرح غودمان" في شيكاغو عام 2017 من إخراج الهولندي آيفو فان هوفه بعد نجاح إخراجه له في لندن. تدور أحداث "منظر من الجسر" في نيويورك في حقبة الخمسينيات، وتتمحور حول علاقة عشق غير مباح به من مهاجر إيطالي لقريبة زوجته الصبية اليتيمة التي تعيش تحت سقف بيته، وكيف تؤدي به الغيرة عليها من حب مهاجر إيطالي شاب وصل إلى نيويورك بصورة غير شرعية للوشاية به لترحله السلطات الأميركية المختصة، مما يجعل المهاجر المخضرم هدفاً للانتقام على خيانته تلك بطعنة سكين من إيطالي آخر حسبما تملي التقاليد. كان المخرج إيليا كازان يرغب في مقاربة الموضوع نفسه في سيناريو اسمه "الخطاف"، لولا أن ميلر سبقه بمسرحيته هذه، فاتجه بدلاً من ذلك لإخراج فيلمه "على الميناء"، الذي تدور أحداثه في بيئة المهاجرين أيضاً. في الواقع، كان إيليا كازان نفسه مهاجراً انتقل من تركيا إلى اليونان، ومن ثم إلى نيويورك، ملاحقاً "الحلم الأميركي" لشباب العالم في عصره، ألا وهو الهجرة إلى أرض الأمل مهما واجهوا من مصاعب وبذلوا من تضحيات. هنا، نصل إلى فيلم إيليا كازان الأهم عن الهجرة، والذي نادراً ما يعرض أو يسلط الضوء عليه الآن، وهو فيلمه "أميركا.. أميركا" (1963)، بالرغم من تصريح مخرجه إيليا كازان أنه الفيلم المفضل بين أعماله قاطبة، بالرغم كونه مبدع أفلام مشهورة مثل "عربة ترام اسمها الرغبة" و"على الميناء" و"شرقي عدن" و"اتفاقية جنتلمان" و"فيفا زاباتا" و"وجه في الزحام". يبقى فيلم "أمريكا.. أمريكا" فيلماً مغموراً تجارياً بالمقارنة مع روائع كازان، خاصة لأن قضية اللاجئين ضخمت وهوِّل من شأنها وأضحت قضية مثيرة للجدل. كتب كازان سيناريو فيلمه بنفسه وأخرجه بشعفٍ شديد، لأنه يروي قصة مشابهة لقصة هجرته هو نفسه إلى أميركا. يهاجر بطل الفيلم الشاب "سترافوس" من تركيا، ذات المجتمع الإسلامي المتشدد آنذاك تجاه الأقلية المسيحية، إلى اليونان بحثاً عن فرصة عمل لائقة لا تتاح له إلا بالاقتران من صبية ثرية، ومن ثم يبذل المستحيل كي يهاجر إلى أميركا. يتابع الفيلم تجربة بطله الشاب عبر تلك الرحلة غير المشروعة على متن سفينة ضخمة، وإصراره على الوصول إلى أرض الأحلام، إلى أن يبصر عن كثب تمثال الحرية. اختار كازان أن يصور فيلمه بالأسود والأبيض في عصر هيمنت فيه الأفلام الملونة، وذلك ليضفي على الأحداث والمواقع مصداقية تاريخية مقنعة. رشح فيلم "أمريكا.. أمريكا" لأربع جوائز أوسكار، منها جوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج وسيناريو، لكنه نال واحدة منها فقط هي جائزة الديكور والإدارة الفنية! أما لمسابقة جوائز "غولدن غلوب"، فرشح لعدد أكبر من الجوائز، حاز كازان بينها جائزة أفضل إخراج، كما حاز ممثل دور البطولة اليوناني الشاب ستاثيس غياليلس جائزة التمثيل وجائزة أفضل ممثل واعد، فضلاً عن عدة جوائز أخرى مستحقة بجدارة. استعان كازان بطاقم أثير لديه، ضم مدير التصوير هاكسل ويكسلر، والمونتير ديدي آلن، والمؤلف الموسيقي اليوناني مانوس هاتزِداكيس.

موضوع الهجرة مثير بلا شك، بحيث أن المخرج المصري الكبير يوسف شاهين كرس له أكثر من فيلم خلال حياته الفنية الحافلة، ومنها "اسكندرية.. نيويورك"، الذي يروي فيه أيضاً بصورة غير مباشرة ملامح من سيرته الذاتية، وقبله أفلامه الأخرى "حدوتة مصرية" و"اسكندرية ليه" و"اسكندرية كمان وكمان". كذلك أخرج شاهين فيلمه التاريخي ذي الإسقاطات الملتبسة "المهاجر"، والذي خلق جدلاً سياسياً واسعاً بسبب مفهوم "الأرض لمن يزرعها"، الذي عالجه أيضاً المسرحي برتولد برشت في مسرحيته "دائرة الطباشير القوقازية"، وهو مفهوم اشتراكي الطابع ظاهراً، لكنه يخفي مفهوماً خطيراً مفاده عدم وجود مانع أخلاقي من تعرض أرض الغير للغزو والاحتلال طالما أن الغازي يملك إمكانيات أفضل من سكانها الأصليين لاستصلاحها!

قي كل العصور، لا شك أن للهجرة أسبابها، وأهمها الفقر والحاجة، فالإنسان بطبيعته طموح لتحسين أحواله المعيشية، ناهيك عن رغبته في الهرب من التمييز الناجم عن تعصب ديني أو عرقي تجاه الاثنيات قليلة العدد. لم تتوقف الهجرة عند العرب يوماً، فالسوريون واللبنانيون اتجهوا غالباً إلى بلدان أمريكا الجنوبية، مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي، وأشادوا فيها أعمالاً ناجحة ومستشفيات، بينما استقر بعضهم في الولايات المتحدة، من جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي إلى حليم بركات، كما اتجه مهاجرون آخرون إلى أوستراليا وكندا وبعض الدول الاسكندنافية والأوربية. في القرن الحادي والعشرين، صار للهجرة دافع آخر لم يكن يخطر على بال، ألا وهو البحث عن الأمن والسلامة بعد أن أضحوا مشردين بلا بيوت تؤويهم. في نهاية عرض "هاملت" البريطاني في لندن قبل عامين، تقدم النجم بنيدكت كامبرباتش عند تحية الختام إلى مقدمة المسرح، أسكت جمهورالمتفرجين بإشارة من ذراعيه، وووجه نداءاً بليغاً أوضح فيه أن أولئك المهاجرين السوريين الذين يخاطرون بحياتهم وحياة زوجاتهم وأطفالهم بركوب أمواج البحر الهائجة على متن قوارب الموت إنما يهربون من خطر أفظع، ألا وهو الموت تحت قصف مدفعي أو جوي عشوائي. لذا، فإنهم يستحقون من الناس في الغرب الرحمة والتعاطف الإنساني، وأن ينالوا ملاذاً آمناً.

بالتأكيد، لا يوجد مانع قانوني أو أخلاقي يحول دون التحقق من خلفية المهاجرين، ومن كونهم لا يشكلون خطراً على المجتمعات التي يسعون للهجرة إليها، وأنهم لن يقترفوا جرائم في المستقبل تستوجب منعهم من اللجوء أسوة ببقية مواطني العالم. لا بد من التذكير بأن الأمن والأمان قضية حيوية مهمة حتى بالنسبة للمهاجرين أنفسهم ممن لجؤوا واستقروا في بلدان غير بلدانهم، جاهدين للتأقلم فيها بغض النظر عن جنسياتهم أو دياناتهم، أعراقهم أو أعرافهم. لكن يجب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار أن دافع الهجرة في عصرنا لم يعد طموحاً إلى فرص عمل وثراء في أرض الأحلام، بل أصبح حاجة إنسانية لم يكن ملايين البشر سيقدمون على المغامرة بها إلى بلاد الغربة النائية التي لا يتقنون لغتها، ولا يألفون عاداتها وتقاليدها الاجتماعية ولا يملكون فرص عمل تناسب كفاءاتهم فيها لولا تعرضهم إلى خطر الموت أو الاعتقال. بالتأكيد، هرب عديد من اللاجئين من الاختيار المرعب بين أن يصبح واحدهم قتيلاً أو قاتلاً في حرب عبثية كل ضحاياها مواطنو بلدٍ واحد عاشوا بين ربوعه قروناً عديدة بوئام وسلام. لو دققنا بموضوعية وحياد، لوجدنا أن جرائم القتل الجماعي الرهيبة التي ارتكبت مؤخراً في لاس فيغاس ونيويورك، وفي قرية بالقرب من سان أنطونيو، قام بها أشخاص بيض مختلو العقل، دافعم الحقد أو الإحباط. إن ضمان الأمن والتصدي للإرهاب مسألة في غاية الأهمية، إنما لا علاقة لها بحظر لون بشرة أو جنسية معينة أو دين أو طائفة. لذلك، فإن توجس الغرب المبالغ فيه من كون بعض المهاجرين يخفون أغراضاً مشبوهة تتعلق بالإرهاب إنما هو هاجس مسبق يسيء فهمهم كبشرٍ هاربين من شبح الإرهاب.



تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption