أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 3 أبريل 2017

وزير الثقافة عز الدين ميهوبي يؤكد: "مستغانم مركز استقطاب حقيقي للحركة المسرحية"

مسرح الشارع ورهانات المسرح المغاير

مجلة الفنون المسرحية

مسرح الشارع ورهانات المسرح المغاير

د. اياد كاظم السلامي

       يعرّف معجم لالاند فلسفة الجمال على أنها “علم موضوعه الأحكام التقويمي الذي ينطبق على التفريق بين الجميل والبشع. ولو نتأمل تجارب عروض مسرح الشارع جاءت نتيجة لحاجات فكريه وجمالية فضلا عن حاجات تقنيه وماديه، فمن حيث الجانب الفكري يشترط على متلقيه ممن يتصادفون مع ما يطرح اي بمعنى ان لا يوجد استعداد سابق لمشاهدة العرض من قبل المتلقي ، اما اشتراطات وجوده وانتاجه فهو يفتقد الى طقسية العرض المسرحي كإطفاء الانوار وحركة فتح وغلق الستارة وصمت الجمهور ومكانية العرض الغير مؤطره بمكانيه محدده لا يجوز تجاوزها ليتحول من الارسطي الى البرشتي. اما الناحية الجمالية لو نتساءل اين يكمن جوهر الجمال في هذا النوع من الفن المسرحي؟ نجد ان التعبير التلقائي الذي يعبر روح الإنسان وخلوده، ويدفعه إلى ذلك غريزة قارّة في طبيعته البشرية التي تنحو به. فيرى (هيجل) بهذا الاتجاه ان التعبير عن الذات هو تعبيراً جمالياً، فيقوم الممثل بعمله الابداعي من خلال العاطفة والمادة المحسوسة، فهو يبقى أولاً وأخيراً نشاط عملي تأملي، فإن كانت الفلسفة هي الدهشة التي تحدثها فينا كما يقول الفيلسوف (مارتن هيدجر)، فإن الفن المسرحي هو التعبير الرمزي عن هذه الدهشة وبعد من اهم محاور مسرح الشارع جماليا  بما يمتلكه من دهشة ، كما نجده في (كوميديا لارتا) حيث يتماهى مسرح الشارع معها الى حد كبير مع يطرحه هذا النوع من العرض  فضلا عن علاقته مع المتلقي وتفاعليته  الغير مؤطره  بحدود. 
اما في الجانب التقني نجد مسرح الشارع يتخلى عن اغلب التقنيات ويتحول كروتوفسكيا بامتياز   فهو يستخدم مفردات حياتيه بسيطة ليوظفها تقنيا فيقوم بارتداء موسيقى شعبيه نابعه من هموم الهامش بالمجتمع وتتناغم اغانيه مع هذه الهموم، كما يستخدم مفردات بسيطة.
 اما الحاجات المادية فالمسرح برمته يعاني من ابويه ماديه صعبه وقحط كبير في منظومة الإنتاج فعروض مسرح الشارع تندرج تحت هذه اليافطة بامتياز.
وعليه ومما تقدم ان عروض مسرح الشارع تلامس هموم الناس لأنها تطرح ما يجول بأفكارهم وهمومهم اليومية وتقدم عن المعلن والمخبوء لهذه الهموم وفق إشتراطات معينه فهو يفترق عن المسرح البيئي بعدم تهيئة المكان مسبقا ويقدم أفكاره في اطباق الى المارة بسيطة. 


مسرحية "وزينت حياتي بإبتسامتكم" تأليف ساره صالح عبدالستار بخش

(كاظم حيدر) والابتكار في تصميم المناظر والأزياء المسرحية سامي عبد الحميد

مجلة الفنون المسرحية

(كاظم حيدر) والابتكار في تصميم المناظر والأزياء المسرحية

سامي عبد الحميد

(1 ) (2)

أقام قسم الفنون التشكيلية في كلية الفنون الجميلة ببغداد، ندوة استذكارية لأعمال الفنان الراحل (كاظم حيدر) الذي فارق الحياة في وقت مبكر حيث لم يمهله المرض سوى سنوات قليلة، كانت مليئة بالإبداعات الفنية. وقد استعرض المشاركون في الندوة مسيرة الراحل الفنية، وأشروا منجزاته في فن الرسم وفي التصميم المسرحي وفي التعليم الفني. وكانت حصتي في تلك الندوة، كبيرة، لكون الراحل قد رافقني في معظم أعمالي المسرحية مصمّماً للمناظر وللأزياء المسرحية من أواسط الستينيات من القرن الماضي وحتّى يوم رحيله أواسط الثمانينيات.
وفي بداية حديثي عن (كاظم حيدر) قلت بأنه فنان عبقري موهوب ومصمم مبتكر لا نظير له في بلادنا العربية. وهو فنان حقيقي لكونه مبدعأً في رسوماته متميزاً في أسلوبه، وعبّرت عن اعتقادي بأن فنون الرسم والنحت والعمارة من دون الفنون الجميلة الأخرى – الرقص والموسيقى والشعر-، لا يمكن تعلّمها بل صقلها فقط لكونها تعتمد على موهبة مبدعيها، تلك الهبة التي يتمتع بها القلة من الأشخاص. ولأن (كاظم حيدر) من تلك القلّة، لذا اعتبره فناناً بكل ما في الكلمة من معنى. وكذلك اعتبره مبتكراً في مجال التصميم المسرحي لأنه لا يستنسخ ولا يقلّد، بل يقدم بدائل لتصاميمه، ليختار المخرج الأصلح والأفضل لعمله، ولكونه يجمع بين الكلاسيك والحديث، بين التقليدي والمعاصر، ولكونه لا يخضع لأوامر المخرج فيصبح مصمّماً لا منفذاً . وهنا لا بد أن أشير إلى أن، الذي يريد أن يصبح مصمّماً مبدعاً للمناظر والأزياء المسرحية، عليه التحلّي بصفات معينة، وهي امتلاكه لحسّ معماري ولحسّ تشكيلي ولحسّ درامي، إضافة إلى معرفته بتأريخ الحضارة، ولذلك يعتبر المصمم الفنان المبدع الثالث في العمل المسرحي بعد مؤلف المسرحية ومخرجها .
بعد هذا سأستعرض أعمال (كاظم حيدر) التصميمية في المسرحيات التي أخرجتها. كانت مسرحيته (كنز الحمراء) أو (كنوز غرناطة) لجيرالدين سيكس وترجمة (عبد الجبار المطلبي) هي الأولى التي أخرجتها لطلبة قسم المسرح في معهد الفنون الجميلة عام 1964 وصمم (كاظم) مناظر المسرحية التي استخدم فيها أسلوب الزرع الحر للمفردات الديكورية التي يمكن تغييرها بسهولة، وأكسب تلك المفردات لمسات من المعمارية الأندلسية – وفي العام نفسه أخرجت مسرحية شكسبير (تاجر البندقية) باسم الفرقة القومية للتمثيل وصمم لي (كاظم) مناظرها حيث حاول أن يعطي تلك المناظر سمة الدقة التاريخية المعمارية مدينة (فينيسيا) حيث (الكندول) تطير متحركاً في خلفية المسرح وينزل فيه الممثلون. ومن ابتكارات تصميمه استخدامه منصتين تدوران حول نفسيهما وضع عليهما مفردات ديكورية تمثل أماكن وقوع الاحداث مثل شارع وساحة فينسية ومنزل بطلة المسرحية (بورشيا) ومنزل المرابي (شايلوك) ودار المحكمة ومنزل بطل المسرحية (انطونيو) واعطى لتلك الامكنة سماتها المعمارية في شكلها .
في عام 1965 صمم (كاظم) مناظر مسرحية أنوي (انتيغونا) التي أخرجتها ايضاً باسم الفرقة القومية وكان تصميمه مبتكراً أيضاً حيث استحدث منصة مرتفعة عن ارضية المسرح بحوالي متر واحد، ووضع كرسياً على وسطها وعلق اطار الشباك أعلى الكرسي وصبغ الكواليس باللون الأسود ورسم عليها رسوماً تجريدية توحي بالبشاعة اشارة إلى بشاعة المك (كريون) في تعامله مع البطلة (انتغوني).

وبعد عام اخرجت مسرحية تينيسي وليامز (الحيوانات الزجاجية) وصمم (كاظم) منظرها المتوافق مع المدرسة التعبيرية، حيث استخدم القماش الأسود الشفاف لبناء جدران منزل غربي يمكن للمتفرج أن يشاهد جميع مرافقه وفضاءاته حيثما يُسلط الضوء عليها. وبعد ذلك اخرجت للفرقة القومية عام 1966 مسرحية جان كوكتو (النسر له رأسان) وصمم (كاظم) منظراً واقعياً لصالة الاستقبال في قصر ملكي وفقاً لطراز الباروك وبجميع تفاصيله، وأذكر أن، الراحل كاظم بقي يرسم زخارف ذلك البناء إلى آخر لحظة من لحظات التحضير لبداية العرض .
تركنا العمل مع الفرقة القومية للتمثيل، لنعمل مع فرقة المسرح الحديث، وصمم الراحل مناظر مسرحية (النخلة والجيران) التي أعدها الراحل (قاسم محمد) عن رواية غائب طعمة فرمان، واخرجها بنفسه ومثلت فيها دوراً ثانوياً وذلك عام 1968 ولأول مرة، في تاريخ المسرح العراقي، يصمم الراحل مسرحاً دواراً يضع عليه مفردات ديكورية لأماكن مختلفة من أزقة بغداد وحواريها، ويقوم الممثلون أنفسهم بتحريك المسرح الدوار لكشف المكان الذي تحدث فيه مشاهد المسرحية. وفي العام نفسه صمم الراحل منظراً واقعياً مختزلاً لبيت عراقي في مسرحية يوسف العاني (صورة جديدة) التي أخرجتها لفرقة الحديث في مسرح قاعة الخلد، وبعد ذلك قدمت مع (قاسم محمد) في قاعة الخلد أيضاً، مسرحية يوسف العاني (الخرابة) وأيضأً لأول مرة يستخدم (كاظم) شاشة تنعكس عليها الصور الثابتة والافلام الوثائقية عن مآسي الحروب، وكان ذلك الاستخدام بوقته يمثل فتحاً جديداً في المنظر المسرحي في العراق، علماً أن الفنانين الكبيرين بيسكاتور وبريخت، قد استخدما تلك التقنية قبلنا بسنوات، والغريب أن بعض المخرجين العراقيين هذه الأيام، يستخدمونها ويسمونها (داتا شو) ويدعون انهم بهذا الاستخدام مجددون، كما أن المخرج (ابراهيم جلال) قد استخدمها بعدنا وقبلهم عندما أخرج مسرحية (المتنبي) لعادل كاظم، وابتدأ العرض بصورة فيلمية منعكسة على شاشة كبيرة، تمثل حصاناً يركض مسرعاً من جهة يمين المسرح إلى يساره. 
لمسرحية يوسف العاني (المفتاح) التي أخرجتها عام 1968 صمم الراحل كاظم، مناظر وأزياء المسرحية وكان تصميمه للمناظر مبتكراً جداً، حيث استخدم منصة على شكل حدوة حصان تمتد من الجهة اليمنى للمسرح إلى اليسرى، وبعلو متر ونصف وبعرض متر ونصف أيضاً، وغرز عليها وأمامها مفردات ديكورية تمثل أماكن وقوع احداث المسرحية. وعبر (كاظم) أفضل تعبير عن رحلة بطلة المسرحية وبطلها بحثاً عن ما يديم الحياة ومن يساعدها في انجاب طفل وذلك وفقا للحدوتة العربية المشهورة (يا خشيبة نودي نودي وديني على جدودي وجدودي بطارف مكة ينطوني ثوب وكعكة والكعكة وين اضمها اضمها بصنيديكي... الخ) وأضاف (كاظم) إلى المفردات الديكورية (موتيفات) فولكلورية عراقية تلائم أماكن احداث المسرحية. 
وعندما أعدت إخراج (ملحمة كلكامش) للفرقة القومية للتمثيل، صمم لي (كاظم) مناظر الملحمة وازياءها، واتخذ من الحرف المسماري مفردة ديكورية، كتب بها عنوانات المشاهد. وبالنسبة للأزياء حاول تطبيق الدقة التاريخية من الطراز وذلك اعتماداً على رسوم الرقم الطينية والمخلفات الآثارية.
وعدنا للعمل مع قسم الفنون المسرحية بكلية الفنون الجميلة حيث ساهم الراحل (كاظم) بتصميم مناظر مسرحية معين بسيسو (ثورة الزنج) مستخدما الرماح مفردة ديكورية تتنوع في تنظيماتها وتشكيلاتها وفقاً لتنوع الأحداث وكذلك استخدم لوحات رسومه تبين تقطع الأرض الفلسطينية إلى اشلاء بسبب احتلال الصهاينة وعدد ابنيتهم.

---------------------------------
المصدر : المدى 

الأحد، 2 أبريل 2017

مجلة الفنون المسرحية

"العقل والعاطفة" لجاين أوستن في قالب كوميدي

جنى الحسن 

عندما كتبت الروائية الإنكليزية روايتها "العقل والعاطفة" عام 1811، نشرتها بهوية مجهولة موقّعة بـ"سيدة". وكان قد سبق لها أن نشرت بصفة مجهولة. وقد كان شائعاً في تلك الحقبة الزمنية أن تنشر الكاتبات باسم مستعار نظراً للقواعد الاجتماعية والعادات التي لم تكن تتقبل أن تنشر امرأة الأدب مقابل المال. كما أن أوستن دفعت ثمن نشر الكتاب وتوزيعه وكلّفها ما يقارب ثلث دخلها السنوي.

لكنّ الرواية، بعد قرابة قرنين من الزمن، ما زالت تطبع وتباع وتقتبس لإنتاجات تلفزيونية من أفلام ومسلسلات وإنتاجات مسرحية كذلك، كان آخرها ما عرض على مسرح "فولغر" في العاصمة الأميركية واشنطن على مدى شهر ونصف في بداية الأمر، من منتصف أيلول/سبتمبر حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر، وثمّ تمديد عرضها حتّى منتصف تشرين الثاني/نوفمبر نظراً للنجاح الذي حقّقته.

مسرح فولغر

ومسرح فولغر هو جزء من مكتبة "فولغر شكسبير" في الكابيتول هيل في واشنطن، وتضم هذه المكتبة أكبر مجموعة لأعمال شكسبير وكذلك من الكتب والمخطوطات والأعمال الفنية التي تعود إلى عصر النهضة الأوروبية والحركة ثقافية التي استمرت تقريبا من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر ميلادي. ويعرض المسرح دائماً أعمال شكسبير بإنتاج مختلف وأعمال كلاسيكية أخرى.

ومثّل المسرح بديكوره الفخم وطرازه الإليزابيثي مكاناً مثالياً للعرض المسرحي المقتبس عن عمل أوستن الأصلي من قبل الكاتبة المسرحية كيت هاميل ومن إخراج إريك تاكر. واستمر العرض على مدى ساعتين ونصف تقريباً مع استراحة لقرابة العشرين دقيقة.

عرض حيوي

ما الذي يمكن أن يقدّمه عرض مسرحي من جديد لعمل تمّ تداوله خلال مئات السنوات سواء من خلال الطبع أو حتى من خلال التلفزيون والسينما؟ هذا السؤال مشروع لمن يعتبر متابعاً لعمل أوستن ومطلعاً عليه وإن كان هذا لا يعني أبداً الانتقاص من أهمية إعادة تداول وابتكار الأعمال الأدبية الكلاسيكية بطابع فني متجدد. المسرحية لا تخذل المشاهد، بجميع الأحوال، سواءً الذي لا يعرف أوستن ولديه فضول تجاه أعمالها او حتى الذي يعرفها جيداً. فما يبرزه العرض بشكل رائع هو حسّ الفكاهة الذي تملكه أوستن في الكتابة والذي لم ينعكس عادةً في الأعمال التلفزيونية التي اقتبست عملها.

كما قُدّم العرض بحيوية كبيرة، أصفت إليه طابعاً معاصراً نوعاً ما، ولم تبدُ المسرحية كأنّها تحاول أن تكون الرواية على الرغم من حفاظها على نفس المضمون، بل بدت عملاً قائماً بحد ذاته. وتضمّنت عناصر فنية من موسيقى ورقص مليئة بالحيوية والحركة. وكانت مصممة الرقص للمسرحية ألكسندرا بيلر، أما مصممة الأزياء ماريا هيل.

وما أضفى الطابع المعاصر للعرض كان التقنية المتبعة في المسرح، كونه يدور مع تغير المَشاهد، وينتقل من ديكور إلى آخر ومن مكان إلى آخر عبر الدوران إلى الجهة الأخرى.


العقل والعاطفة

ما يجعل أي عمل أدبي يعيش لمدة طويلة هو كونه يطرح مسألة أو سؤالا إنسانيا لا ينتهي بانتهاء زمن معيّن ولا يحصر في إطار المكان، كالصراع بين الخير والشر، والصراعات الإنسانية الداخلية كافة، ومن ضمنها الصراع بين العقل والعاطفة أو حتى بين الكبرياء والهوى وهو ما تطرّقت إليه الكاتبة الإنكليزية في عمل آخر كذلك. وسؤال الاختيار بين العقل والعاطفة هو الذي طرحته أوستن في عملها من دون أن تعطي إجابة نهائية عنه، كون إجابة واضحة في هذا الإطار ليست بالضرورة متوفرة.

والرواية نفسها كتبتها أوستن في البداية على شكل رسائل لشقيقتها كاساندرا. وفي سياق القصة، يظهر الانقسام بين العقل والعاطفة بين الشقيقتين إلينور وماريان داشوود. وتمثّل إلينور، الشقيقة الأكبر، صفات العقل وضبط النفس والحس بالمسؤولية الاجتماعية والقلق على مصالح الآخرين، بينما تمثل الشقيقة الصغرى ماريان العاطفية بما تحمله من عفوية واندفاع وحماس وإخلاص وعدم القدرة على ضبط المشاعر. وقد نجحت المسرحية في تمثيل شخصية ماريان المتطرفة بشكل كوميدي. فالشخصيات التي تكتبها جاين أوستن عامّةً هي متطرفة بشكل أو بآخر، وهذه الشخصيات بسلوكها تضيف الطابع الكوميدي.

الانقسام كذلك في وقت كتابة الرواية لا يمكن إخراجه من السياق التاريخي في منعطف القرن الثامن عشر بين حركتين ثقافيتين هما الكلاسيكية والرومنسية. فشخصية إلينور تختزل الخصائص المرتبطة بالكلاسيكية من عقل وبصيرة وتوازن واعتدال، بينما ماريان تعكس الرومنسية بما فيها من خيال ومثالية. لكن الشخصيتين ليستا غير قابلتين للجدال، بمعنى أن ميل إلينور إلى العقل لا يعني فقدانها العاطفة وحساسية ماريان لا تجعلها عنيدة أو حمقاء ومتهورة طوال الوقت. هذا التناقض يعكسه الحوار المسرحي ويبدو أنّه يخلص إلى مزج الشخصيتين، كأنّهما تكتشفان معاً كيفية التعبير عن مشاعرهما بشكل كامل من دون الوقوع في الانفعالات والحساسيات الزائدة.  

تحاول إلينور أن تحذّر ماريان حين تقع في غرام رجل غير مناسب، في مجتمع تحكم فيه المراكز الاجتماعية والمال الحب. لكنها بدورها، تغرق في منع نفسها من الحب وتحاول أن تخفي خيبتها العاطفية حتّى من أقرب الناس إليها. وماذا يجب أن يفعل الإنسان إزاء الضغوط الاجتماعية، الخضوع لها كإلينور أو مواجهتها كماريان؟


المؤثرات البصرية والصوتية


عدا عن القصة، نقل العرض المسرحي المشاهد إلى المجتمع البريطاني منذ ما يقارب قرنين، وكيف كان التواصل الاجتماعي مبنياً على كتابة الرسائل وكيف كانت هناك معايير محدّدة وإتيكيت للسلوك الاجتماعي، سواء للفتيات أو للرجال، طريق الملابس والطعام وحتّى الإرث وقواعده. ففي البداية، حين يتوفى والد إلينور وماريان، يترك ثروته لابنه من زواجه السابق ولا يبقى لفتاتين سوى القليل. حتّى الرحلات عبر الغابات على ظهر الخيل والمشي طويلاً يحققها الإنتاج الفني للمسرحية من خلال المساعدين الذين يحملون أغصان الأشجار ويجعلونها تبدو كأنّها تتكسّر لمرور الأحصنة. وطبعاً لا خيول حقيقية على خشبة المسرح بل أشخاص يجلسون بالمقلوب ويرفعون الممثلين كما لو أنّهم على ظهر الحصان. والعرض غني جداً بالمؤثرات الصوتية والبصرية، ما أخرجه من إطار الرتابة والملل.

جاين أوستن


ولدت جاين أوستن عام 1977 في بلدة ستيفنتون في هامشاير، وعاشت هناك قرابة 25 عاماً. وقد كانت محظوظة كونها ابنة رجل مثقف حصل على منحة دراسية من جامعة سان جون في أوكسفورد وأصبح متعاقدا هناك. لهذا وجّه أبناءه باتجاه إكمال تعليمهم الجامعي وكثّف من الدروس الخصوصية لابنتيه. وكانت جاين شديدة التعلّق بشقيقتها كاساندرا التي كبرتها بثلاثة أعوام وكانت تراها أكثر حكمةً وأفضل منها. وعندما ذهبت كاساندرا إلى مدرسة داخلية، أصرّت جاين أن تشاركها المصير. واستمر الرابط القوي بين الشقيقتين مدى الحياة. وقد أظهرت جاين شغفها تجاه الكتابة وحازت القبول والإعجاب والتشجيع من قبل عائلتها. وليس من الواضح متى بدأت بكتابة القصص الكاملة لكنها كانت معجبة أيضاً بالمسرح وكانت ترسل نصوصاً من تأليفها لمسارح الهواة.


في فيلم عرض أنتج عام 2007 تحت عنوان "أن أصبح جاين"، سلّطت الأحداث الضوء على حب جاين لتوماس لفروي، وهو الرجل الذي احتفظت تجاهه بالود لفترة طويلة لكن لم تستطع أن تكون معه بسبب الظروف الاجتماعية. ويظهر الفيلم أنّ جاين للحظات كادت أن تغلّب عاطفتها على عقلها وتهرب مع الرجل الذي تحب، لكن لجمها عن ذلك شعورها بالمسؤولية ورؤية مدى حاجة عائلته إليه (والدته وإخوته) وعادت أدراجها.

لم تتزوج جاين أوستن بعدها، لكن لفروي تزوج ورزق بابنة أطلق عليها كذلك اسم جاين. لكن الفيلم حاز على انتقادات كونه لم يسلّط الضوء على شخصية جاين الفعلية وصوّرها بشكل امرأة عاشقة فحسب، وهذا ما لا يمكن التأكد منه قطعاً. في جميع الأحوال، أظهرت جاين أوستن من خلال كتاباتها شخصية امرأة شديدة الذكاء والحنكة والعمق. أظهرت كذلك قدرتها الهادئة على الفكاهة، وهذا ما تبلور في العرض المسرحي الأخير. وربما لو كانت جاين جالسة في مقعدٍ في الخلف بالمسرح، لصفّقت بين الجماهير في النهاية، وابتسمت، أو حتّى ضحكت بفرح ورضى. 

 ----------------------------------------------
المصدر : ضفة ثالثة 

مسرحية "حليب يشبه السكّر" على رفوف الفقراء

السبت، 1 أبريل 2017

محام بارع يحاكم المشاهدين في مسرحية 'السقطة'

مجلة الفنون المسرحية

محام بارع يحاكم المشاهدين في مسرحية 'السقطة'

يشهد مسرح “داريوس ميلود” في باريس عرض “السقطة”، المقتبس عن الرواية الشهيرة التي تحمل العنوان ذاته للفرنسي ألبير كامو، لنرى أنفسنا خلال ساعة وعشرين دقيقة في حانة “مكسيكو سيتي” في المنطقة الحمراء بأمستردام، التي يصفها جان بابتيست كلامانس بأنها الدائرة الأخيرة من جحيم دانتي، الجحيم البرجوازي، لنجلس صامتين أمام اعترافاته وهلوساته، صعوده الاجتماعي ثم سقوطه نحو الهاوية.

تنطلق مسرحية "السقطة" للمخرج فينسينت أوفيه، والتي تعرض حاليا بمسرح "داريوس ميلود" الباريسي، من مشهد جان بابتيست كلامانس (قام بالدور جان ليسبرت) وهو يشرب أحد السوائل، محيّيا محدثه الخفيّ ومعرّفا بنفسه، ليبدأ بعدها مونولوغا طويلا يحاكم فيه نفسه ومن حوله، منتقدا مدينته ومهنته وخيالاته وموجات الكراهيّة التي تصيبه.

العرض يختزل الرواية الأصلية التي اقتبست منها المسرحية، وهي "السقطة" لألبير كامو، والتي أعاد العمل على نصها لتوائم العرض المسرحي كل من فرانسوا شوميت وكاثرين كامو، لكنه يحافظ على الإيقاع المتنوع لمونولوغ كلامانس.

أما فضاء العرض فشبه خال، حديث كلامانس هو الذي يتحكم في الإيقاع إلى جانب الدخول والخروج المتكرّر للممثل بما يشبه الانتقال بين مشهد وآخر، من فضاء “مكسيكو سيتي” إلى ضفة النهر، حيث يرفض عبور الجسر، ثم شقته حيث نراه منهارا، متمنيا لو كانت هناك فرصة أخرى، لعله حينها ينقذ الفتاة التي رمت بنفسها من الجسر، وهي التي ما زال صوتها حاضرا في رأسه، ليكون بذلك خلاصه وخلاصها.

نجلس في العرض مشدودين دوما إلى كلام كلامانس، نتابع بلاغته وحنكة اختياره للكلمات، هو محام بارع، يأسرنا بحديثه وحذلقته اللغويّة، يحاكم نفسه أولا، ثم يورطنا في هذه المحاكمة، لتتبدل الأدوار ويخضع “الآخر” لانتقاده، نحن وكلامانس في المرتبة ذاتها، لكنه الأشجع، تعجرفه يتيح له أن يكشف لنا كل أعذاره وحيله، هو أناني، عدمي، رافض للقيم.

وصوت كلامانس الذي نسمعه هو صوت الهزيمة، الدويّ الناتج عن السقوط الأخلاقي، أما الصمت فهو تقبل حقيقة أننا قد نكون أنذالا مثله، ربما البرد هو الذي منعه من إنقاذ الفتاة، لكن ما الذي يمنعنا من إنقاذ من حولنا، بل من إنقاذ أنفسنا.

كلامانس البارع في استخدام الحكايات والمراوغات وإعادة تصوير الحقيقة، يستخدم مهارته هذه للاعتراف، لا للخلاص، بل للفضح بوصفه انتصارا، هو القاضي والمذنب في الوقت ذاته، هو نتاج برجوازي لمجتمع قائم على المظاهر والحضور العلنيّ، فالصوت/العلن هو حياة كلامانس بكلّ عيوبه، ومن لا صوت لهم موتى، هم الفتاة التي انتحرت ولم يبق منها سوى صرختها وصوت جسدها المرتطم بالماء.

كلامانس يستخدم مهارته للاعتراف، لا للخلاص، بل للفضح بوصفه انتصارا، هو القاضي والمذنب في الوقت ذاته
أما كلامانس فهو الحيّ الوحيد بين الموجودين أمامه، هو من يشير إلى المذنب دون تردد، حتى لو كان هو نفسه، ساخرا من المقدس.

كلامانس لا يدّعي أنه مخلص ولا يريد التطهير، هو المذنب الذي رمى الحجر وصرخ قائلا إنّه “خطّاء”، انتقادا لمملكة السماء ولصيغة الاعتراف التي عادة ما يكون سريا، عبر العلنيّة، الفضائحيّة في بعض الأحيان أمام غرباء في حانة للسكارى، هي بارودي لتاريخ من المقدس، قائم على الصمت والتواضع والخد الذي ينتظر الصفعة الثانية.

بناء العرض بأكمله قائم على النص، على عبارات كامو اللاذعة وإحالاته الدينية والسياسية، وخيارات المخرج أوفيه لا تتعدى الإضاءة والتحكم فيها، بل يمكن طرح التساؤلات حول الممثل نفسه، إذ لا يبدو بالصورة التي يرسمها كامو في الرواية، بل نلاحظ بعض التفاصيل، التي لا يتضح ما إذا كانت خيارات إخراجيّة، أم هي نتيجة التعامل مع ما هو متوافر من معدّات في المسرح؟

ثياب جان ليسبرت الذي يجسد شخصية كلامانس ليست على مقاسه، الحركات البسيطة التي يؤديها كالسلام والمغادرة كأنه يحدث شخصا ما، نراها تختفي أحيانا، ليقف أمامنا ملقيا مونولوغه، هذا التفاوت في إيقاع الحركة وطبيعتها يجعلنا نتساءل إن كانت هذه حركات مجانيّة يؤديها الممثل، أم مجرد محاولات للحركة كي لا يبقى الممثل جامدا أمامنا؟ معتمدا على براعة النص المكتوب لشدّ المشاهدين، إذ بإمكانه أن يبقى واقفا دون حركة محافظا على تقنية إلقائه دون أن يتغيّر شيء من طبيعة العرض وتأثيره.

-----------------------------------------
المصدر : عمار المأمون - جريدة العرب 

'ستاتيكو' عبثية الحياة والموت في قصيدة مسرحية

مجلة الفنون المسرحية

'ستاتيكو' عبثية الحياة والموت في قصيدة مسرحية

يحيلنا العرض المسرحي "ستاتيكو" الذي قدم على خشبة مسرح القباني العريق في قلب العاصمة السورية دمشق، إلى الحديث عن الموت وربما عن الحياة والرغبة فيهما أو الإعراض عنهما، لكن للقدر أحكاما أخرى تغير من مسار الأحداث ومصائر أبطالها.

يستعرض العرض المسرحي السوري "ستاتيكو" الذي قدمت عروضه بمسرح القباني بالعاصمة السورية دمشق، قصة الشاب “حكم” الذي قرر الانتحار، لرفضه الذهنية التي يعيش بها الناس منذ الآلاف من السنين، وهم يتبادلون الكره والظلم وحتى القتل.

ينفرد حكم بنفسه في غرفته البائسة التي تتوسطها صورة للوحة "غارنيكا" للفنان الإسباني بابلو بيكاسو ومكتبة صغيرة، يجهز طقوسه بعناية شديدة، ويبدأ بتسجيل شريط صوتي يبين فيه سبب انتحاره الصاخب، ولكن القدر يتدخل فجأة، إذ تلجأ إلى بيته شابة تغير مجرى الأحداث، وتضعه في حالة مكاشفة مع نفسه، هل هو صادق في نيته الانتحار، أم أنه مجرد شخص يريد إثارة المزيد من الفوضى والأحداث حول نفسه؟

وقدمت مسرحية "ستاتيكو" التي كتبها شادي دويعر للجمهور السوري ملامح إنسانية شديدة التباين، في صراعات عميقة بين الرغبة في الحياة والرغبة في الموت، حين العجز عن صنع فعل ما، في طريق إيقاف حجم الجرائم الإنسانية الكبرى التي تحدث في زمننا.

جمال شقير: إذا كان هناك سبب للموت، فهناك أسباب عديدة للحياة

ويقول جمال شقير مخرج المسرحية "إذا كان هناك سبب للموت، فهناك أسباب عديدة للحياة"، لينسج المخرج السوري من خلال هذه المقولة خيوط عرضه المسرحي الذي قدم فيه نموذجا مسرحيا بسيطا وعميقا، والذي تعامل فيه مع ثلاثة ممثلين فحسب، وهم الشاب حكم (كفاح الخوص) والشابة أمل (نوار يوسف) والجار (محمد حمادة)، مستعرضا شخوص مسرحيته بتواترات درامية متصاعدة، لتدخل المشاهد في مجموعة أفكار صاخبة عن الحياة والموت والصراع الأزلي بينهما.

والطريف في العرض أن مخرجه استخدم بطريقة مختلفة الحالة الموسيقية الصوتية، حيث قدم أغنية "كل ده كان ليه" للموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب، من خلال وجودها كعنصر استهلالي صوتي في فضاء المسرح قبل بدء العرض وبعده بدقائق، علاوة على استخدامه الجيد لمقطوعات من الجاز على آلة الدرامز، التي أتت حية ومباشرة بأداء من عازف الدرامز الفنان سيمون مريش، مما يجعل من المعزوفات شخصية محورية في العمل لا تقل أهميتها عما جسده الممثلون الثلاثة، ربما كي تعلن بداية الحكاية وذروتها ونهايتها.

وتحاول "ستاتيكو" الدخول إلى أزمة الإنسان المعاصر من خلال تشريح مأزقه الأخلاقي مع الوجود والعالم، وذلك عبر سخرية لاذعة اعتمدت أداء حارا مال في جوانب منه إلى المبالغة في تصوير الواقع بظاهر كوميدي ساخر وباطن مأساوي، جعل من قصة حكم مثالا عن خيبة أمل جماعية لا تلبث أن تتفشى في عمق النفس البشرية، تاركة ندوبها وطفحها على المجتمع بأكمله.

وجمال شقير الذي عرفته الساحة الفنية السورية ممثلا مسرحيا وتلفزيونيا، لينتقل في "ستاتيكو" إلى الإخراج المسرحي، يقول “كنت أراقب كأي مواطن سوري ما يجري في وطننا، وكيف يظهر مصير هؤلاء الأشخاص الذين يتعرضون للظلم، في نشرات الأخبار والعديد من البرامج، بشكل مباشر وفج، فأردت أن أستحضر نموذجا ما يحكي عن هؤلاء بطريقة غير مباشرة، وأسقط فيه أن ما يجري في سوريا الآن ليس إلا حروب دول كبرى، يدفع ثمنها البسطاء”.

يذكر أن لجمال شقير مشاركات فنية كثيرة في مجال التلفزيون خصوصا، فقد شارك في العديد من الأعمال المعاصرة والتاريخية، كان من أهمها "بانتظار الياسمين" الذي وصل إلى القائمة النهائية لجائزة "الإيمي وورد"، كما شارك في الفيلم السينمائي "الأب".

-------------------------------------------
المصدر : دمشق - جريدة العرب 

مسرحية دمشقية عن تحالف السلطة والمافيا: أيمن زيدان «يختطف» داريو فو

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية دمشقية عن تحالف السلطة والمافيا: أيمن زيدان «يختطف» داريو فو


الدمغة الإيطالية في «الأبواق والتوت البري» لداريو فو، لن تمنع المتلقي السوري من تفكيك الإشارات بما يخصّه في اللحظة الراهنة. العرض الذي غمّسه أيمن زيدان ومحمود الجعفري في التربة المحلية، يعرّي طبقة سياسية غارقة في الفساد والفضائح الاقتصادية

لن نرى وجوه الممثلين طوال عرض «اختطاف» بتوقيع أيمن زيدان. كأننا أمام حفلة أقنعة جماعية. سنختزل المسافة بين ضفتي المتوسط - من دون عناء - في تشريح نصّ المسرحي الإيطالي الراحل داريو فو (1926 ــــ 2016) «الأبواق والتوت البري» في نسخته المحليّة (إعداد أيمن زيدان ومحمود الجعفوري) لجهة الاحتجاج والغضب وتعرية الشراكة العفنة بين السلطة ومافيا رأس المال.

وكان داريو فو قد التقط تفاصيل حادثة اختطاف منظمة «الألوية الحمراء» لرئيس وزراء إيطاليا ألدو مورو وتصفيتها له (1978) على إثر رفض الحكومة التفاوض مع تلك المنظمة بإطلاق ثلاثة من أعضائها مقابل الإفراج عنه. سيفترض صاحب «موت فوضوي صدفة» بأن المختطف هو مالك شركة «فيات» للسيارات المدعو جياني أجنيللي، وكيفية تعامل الحكومة مع الحادثة. بالطبع لن تضحّي الحكومة بشخصية اقتصادية مؤثرة مثل أجنيللي بمخالبه الممتدة إلى كل مفاصل الحياة السياسية وألغازها.
نحن إذاً، إزاء شخصية نموذجية لصناعة السخرية من طبقة سياسية غارقة في الفساد والفضائح الاقتصادية. ستكتفي النسخة المتخيّلة بحادث سير يتعرّض له صاحب شركة «فيات» تنتهي بتهشّم وجهه. سينقذه أحد عمّال شركته بسبب وجوده بالمصادفة في مكان الحادثة، بعد أن يخلع معطفه ويغطي وجهه المشوّه، من دون أن يتعرّف إليه. هكذا تستنفر محطات التلفزة لنقل تفاصيل الحادثة نظراً إلى قوة تأثير صاحبها، كما سيعتمد محققو البوليس على الوثائق التي وجدوها في المعطف وتخصّ العامل انطونيو. في المستشفى، سنجد دمغة شركة السيارات «إطارات، مقود، قمع، مضخات، أبواق». خردة معادن مقابل خردة بشرية ممدّدة في سرير غرفة العمليات. بناء على الوثائق الموجودة في المعطف، سيتعامل المحققون وزوجة العامل على أن المصاب هو انطونيو، وأن عملية استعادة ملامحه ليست مستحيلة، كما لو أن الأمر يتعلّق بتصليح أعطاب سيارة. هكذا تنشأ مفارقة قوية في بناء عرض يعتمد الارتجال، في كشف القناع عن الشخصيّة الحقيقية والشخصية المزيّفة، والمسافة بين هموم الشخصيتين بعد ارتدائهما ــــ بعملية تجميل ــ ملامح رجل واحد، لكن من منطقتين طبقيتين على تضاد تام.


عرض ينحاز إلى مسرح الشارع، معيداً الاعتبار إلى الفرجة الشعبية الراقية

لعلها فرصة داريو فو في الثأر للطبقة العاملة من وحشية الطبقة المافيوزية. عند هذا المنعطف، يذهب العرض إلى فضاء آخر، عن طريق تهديد أجيلي الذي وجد نفسه نسخة شكلية عن انطونيو المتهم بمحاولة اغتياله، بفضح الممارسات السريّة للسلطة والتي تنتهي بالخضوع لمطالبه خشية انهيار الحلف مع رأس المال، إلى درجة إسقاط الحكومة والإفراج عن ثلاثين معتقلاً من أعضاء المافيا. الدمغة الإيطالية في العرض - كنوع من التقية ربما - لن تمنع المتلقي السوري من تفكيك الإشارات بما يخصّه في اللحظة الراهنة باتساع حضور مافيا أخطبوطية تكاد تخنق الأوكسجين عنه، وهي تمدّ أذرعها في كل الاتجاهات، محمولة على خطاب لفظي يحمي تغوّلها التدريجي في مفاصل عيشه. انخراط النص في تشريح المفارقة على رافعة «الكوميديا ديلارتي» إلى نهاية العرض تقريباً، أثقله الختام بخطبة تلقينية بدت بعيدة عن نسيج العمل وحبكته. لكن شغف أيمن زيدان المسرحي قاده في نهاية المطاف إلى عرض لافت ينتصر إلى مسرح الشارع، من خلال إعادة الاعتبار إلى الفرجة الشعبية الراقية التي أتت تتويجاً لأعماله المسرحية السابقة («سوبر ماركت» مثلاً)، إذ تتواشج عناصر الفرجة في سبيكة متينة سواء على صعيد أداء الممثل، أم نحو خياره الإخراجي والحركي مستثمراً مادة البلاستيك الشفّاف في أزياء الشخصيات كدلالة فكرية وبصرية في آنٍ واحد عن عالم مشيّد من البلاستيك والمعادن، وصولاً إلى دمية محشوة بالقش تمثّل نسخة ثالثة من شخصية أجيلي. لكنها شخصية «معاقة» تحتاج إلى كرسي متحرّك كعلامة على تناسخ صورة السلطة وسطوة رأس المال في دائرة لا نهائية من الفضائح والاستغلال وتزييف الحقائق، وتالياً فإنه لم يخسر رهانه في توليف عرض دسم، باتكائه على حماسة كوكبة من الممثلين الشباب هم: لوريس قزق، توليب حمودة، نجاح مختار، لجين اسماعيل، أنطوان شهيد، خوشناف ظاظا، بمرافقة موسيقى سمير كويفاتي.
هكذا استعادت خشبة «مسرح الحمراء» ألقها في يوم المسرح العالمي (27 مارس) بعرض يطمح بجسارة إلى إخفاء رضوض المسرح السوري وإخراجه من غرفة الإنعاش.

«اختطاف»: الساعة السادسة مساء ــ خشبة «مسرح الحمراء» في دمشق
للاستعلام: 00963112222016

------------------------------------------
المصدر : خليل صويلح - الأخبار


فى مهرجان «دى كاف».. المسرح يهزم الخوف

مجلة الفنون المسرحية

فى مهرجان «دى كاف».. المسرح يهزم الخوف

لأول مرة فى العالم العربى يحل مسرح «هورا» السويسرى ضيفا على الجمهور ضمن فعاليات مهرجان دى كاف للفنون المعاصرة، والمقام بالقاهرة حتى 8 أبريل المقبل.. و»هورا» مسرح تم تأسيسه فى زيورخ عام 1993 بهدف تعزيز وتنمية القدرات الإبداعية لمن يعانون صعوبات التعلم بأنواعها المختلفة، إيمانا بما يمتلكونه من مواهب تحفزهم إنسانيا من خلال مواجهة الجمهور والتعامل معه عبر خشبة المسرح.
العرض الذى تم تقديمه بقاعة ايوارت بالجامعة الأمريكية واختار له مخرجه جيروم بيل اسما صريحا هو «مسرح الإعاقة» وطاف به مسارح العالم منذ عام 2012 وحتى الآن، قدم من خلاله عشرة نماذج من الممثلين ذوى الإعاقات الذهنية المختلفة، ومن أجيال مختلفة، تدرج بهم خلال العرض من فكرة مواجهة الجمهور صمتا لمدة دقيقة، ثم أن يعرّف كل منهم نفسه للجمهور، ثم استخدم فكرة البوح، بأن يشرح كل منهم للجمهور إعاقته،

وما تسببه له من صعوبات فى المجتمع، وأمنياته وأسباب لجوئه للتمثيل على المسرح، وهنا نكتشف أروع المعانى الإنسانية حينما يصرح أحدهم بأن المسرح يجعله يهزم الخوف، وآخر يرى فى المسرح متعة حقيقية، وثالث يجد فيه ضالته فى مقاومة إعاقته فى النسيان الشديد، وأخرى تسعى من خلاله لعلاج البطء فى التلقى والاستيعاب، وهكذا، وأخيرا يفجر المخرج طاقات هؤلاء الممثلين الإبداعية، من خلال رقصة قام كل منهم بتصميمها بعد أن اختار الأغنية التى تناسبها،

فكان تفاعل الجمهور شديدا أمام كم البساطة والحيوية التى عبرت عنها الرقصات، فكان كل منهم ينتظر دوره بشغف ليعبر عن نفسه وأحلامه من خلال تلك الرقصة، فتكتشف منهم الرومانسى والحالم والجرىء والكلاسيكى والمتهور والواقعى وهكذا.. والأهم من ذلك أن المخرج قسم عرضه إلى نصفين،

الأول قدم فيه أفضل الرقصات بحسب رؤيته، ثم طلب من الباقين التعبير عن رأيهم فيما شاهدونا بصراحة شديدة، وبعدها قدم أيضا الرقصات الأقل مستوى تحقيقا لمبدأ المساواة فى العرض وتحفيزا لهم بالاجتهاد أكثر فى العروض المقبلة.. وما أن انتهى العرض حتى حقق الممثلون هدفهم وبثوا بذواتهم البريئة روح الأمل والتفاؤل فى نفوس الجمهور.

-------------------------------------------

المصدر : باسم صادق - الأهرام 

الخشبات العربية مطفأة في يوم المسرح العالمي

مجلة الفنون المسرحية

الخشبات العربية مطفأة في يوم المسرح العالمي

محمد حجازي

منذ 55 عاماً والعالم يواصل الإحتفال سنوي ( في 27 آذار/مارس) بـ "يوم المسرح العالمي"، ويتم تكليف فنان من العالم بتوجيه رسالة إلى زملائه في كل الدنيا حول رؤيته للمسرح. وقد إرتأينا بالمناسبة قراءة واقع المسرح العربي وسط فوضى المعارك والتبدلات الجغرافية التي تسود أقطاره، وبسرعة مذهلة.
الحضور المسرجي العربي في أضعف صوره، والسبب ما تعيشه أرض العرب من أوضاع غير مستقرة للعام السابع على التوالي، فمصر مثلاً التي عرفت "نجيب الريحاني" و " جورج أبيض" ثم "سعد أردش" و"كرم مطاوع" ليست قادرة إلاّ على تكريم جلال الشرقاوي وليس دعم إنتاج عمل مسرحي له، وكذلك هي حال سوريا منجبة الكاتب الكبير سعد الله ونوس، والفنان العربي دريد لحام غامر فيها هذا العام الفنان "أيمن زيدان" بمسرحية جديدة يضع ممثلوها أقنعة على وجوههم فالموضوع عن الفساد والفاسدين.أما لبنان الذي يتغنى على الدوام برواده: "مارون النقاش"، "جورج أبيض"، "منير أبو دبس"، "روجيه عساف"، ونزار ميقاتي، يشهد أعمالاً هجينة غير ضخمة، جلّها للتسلية وقليلها جاد وله مكان ومكانة.

وعنما نتحدث عن تونس نعثر سريعاً على الكبار"المنصف السويسي"، "توفيق الجبالي"، "محمد إدريس"،و"الفاضل الجعايبي" الذي زار بيروت قبل أشهر وعرض مع زوجته "جليلة بكار": "خمسون"، نسأل لماذا تخفت وتقل حتى الندرة العروض المسرحية النوعية. وتغيب عنا الجزائر التي أنجبت "عبد القادر علولة"، "مصطفى كاتب"، و"عنتر هلال" فلا مشاريع نسمع بها، ومثلها البحرين التي عرفنا فيها"خالد الرويعي"و"سامي رشدان"، ويبدو العراق صورة مشابهة لهذا الواقع وهو المتميز بعدد من مبدعيه"بهجت الجبوري"،"سامي عبد المجيد"، و"عبد الرزاق الربيعي"، والكويت عندها ما يكفي من الكبار"بدر البلوشي"، " صقر الرشود"، و "فؤاد الشطي"، لكنها لا تنتج أعمالاً ضخمة للجماهير.

وتستوقفنا المغرب بعدد غير قليل من مبدعي الخشبة يتقدمهم" الطيب الصديقي"،" ثريا جبران"، و" محمد حسن الجندي"وأيضاً لا نواكب الجديد الذي نتوقعه، ولفلسطين التي خسرت "جوليانو خميس"، "صالح بكري( نجل الفنان العالمي محمد بكري)، ومن ليبيا:" سعد الجابري. وتتكرر المناسبة كل عام ولا تجد منذ ست سنوات ما يناسبها من أعمال يتم الفخر بها، فتكون رتابة، ومراوحة في المكان نفسه.

------------------------------
المصدر: الميادين نت

المسرح يعزز القيم الاجتماعية ويساهم في بناء الأجيال

مجلة الفنون المسرحية

المسرح يعزز القيم الاجتماعية ويساهم في بناء الأجيال

تحت رعاية سعادة صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة، نظمت وزارة الثقافة والرياضة، ممثلة في مركز شؤون المسرح، احتفالية خاصة بمناسبة اليوم العالمي للمسرح على خشبة مسرح قطر الوطني مساء أمس، وهي الاحتفالية التي شهدت حضوراً كبيراً من المسرحيين وعشاق خشبة المسرح.
وثمن سعادة وزير الثقافة والرياضة خلال الاحتفالية دور المسرح والمسرحيين في تعزيز قيم المجتمع والعادات والتقاليد والإيجابيات، حيث قال سعادته: المسرح ليس مضيعة للوقت بل إنه استثمار له، فدوره في غاية الأهمية لما يحمله من رسائل بناءة للجمهور وللمجتمع.
وأضاف سعادته خلال الاحتفالية: المجتمع في أمس الحاجة إلى المسرح لما يقدمه من تجسيد للواقع وتعزيز للإيجابيات فضلاً عن حده من السلوكيات السلبية التي وجدت في المجتمع نظراً للعالم المفتوح الذي نعيشه.
وتابع سعادته: المسرحيون وحدهم قادرون على تجسيد ما في عقولنا وما في نفوسنا على خشبة المسرح ليعبروا عنا وعما نعيشه يومياً.
وتوجه سعادة الوزير إلى المسرحيين بالشكر كما توجه بالدعاء إلى كل من فارق الحياة من رواد المسرح القطري، مطالباً الجميع بمواصلة الإبداع وتقديم الأعمال المسرحية، مشيراً إلى أن الوزارة لن تبخل على المسرح والمسرحيين في الدعم والمساندة للنهوض بالحركة المسرحية والوصول إلى غايتها وأفضل صورة لها.
و جاءت الاحتفالية مغايرة عن الاحتفال النمطي التقليدي الذي كان متبعاً في كل عام خلال عمر هذا الحدث الممتد لما يقرب من 34 عاما، حيث بدأت بالفقرة الافتتاحية الخاصة باليوم العالمي للمسرح والتي ألقاها الفنان فالح فايز ومعه الطفلة الفنانة لولوة المنصوري إحدى مواهب مسرح المدرسة، وبعد هذه الفقرة صعد الدكتور جاسم سلطان مدير مركز الوجدان الحضاري وتحدث عن علاقة مركز الوجدان الحضاري بالفن والمسرح فقال إن المركز يتحدث عن الفكر والمسرح أو الفن يجسد هذا الفكر.
بعد كلمة الدكتور جاسم، وقعت اتفاقية تعاون وشراكة بين مركز شؤون المسرح والهيئة العربية للمسرح، ومن ثم بدأ العرض المنتظر وهو العرض المشهدي «قالت لي الخشبة» من تأليف الفنان غانم السليطي، وإخراج جاسم الأنصاري وأداء نخبة من الممثلين، وقدم العرض بشكل مختصر تاريخ خشبة المسرح منذ أن بدأت وحتى وصل الفن المسرحي إلى قطر عن طريق عدد من الرواد والفنانين الذين وضعوا البذرة الأولى للمسرح القطري.
شارك في الاحتفالية عدد من مؤسسات وزارة الثقافة والرياضة منها مراكز الفنون الموسيقية، الفنون البصرية، الوجدان الحضاري ونوماس وغيرها. 
وجاء احتفال وزارة الثقافة بهذا اليوم ترسيخا لقيمة المسرح واستنهاضا لدوره التربوي والتوعوي في المجتمع، وانطلاقا من حرص الوزارة على الوفاء لهذه المناسبة التي تم الاحتفال بها منذ عام 1981 وهو تقليد يجمع المسرحيين على كلمة سواء ويوحد جهودهم جميعا بما يصب في صالح الحراك المسرحي في قطر.
وقال الفنان صلاح الملا، مدير مركز شؤون المسرح، إن المسرحيين يستقبلون احتفال هذا العام بشكل جديد ومميز حيث إنهم شركاء مع المركز، الذي يهدف إلى تطوير الحركة المسرحية ويعمل على تذليل كافة العقبات التي تقف أمام تقديم أعمال مسرحية مميزة تلامس واقع المجتمع وتناقش قضاياه.
وأكد الفنان والمخرج محمد أبو جسوم، أن تنظيم وزارة الثقافة والرياضة لاحتفالية اليوم العالمي للمسرح دليل على الاهتمام الذي توليه الوزارة لهذا المجال، معبرا عن أمنيته في أن يتواصل الحراك المسرحي لما فيه خير أبو الفنون، خاصة في ظل وجود طاقات إبداعية في كل المجالات. ولم يفت الفنان أبوجسوم التوجه بالشكر إلى مركز شؤون المسرح، على المبادرات التي يقوم بها من أجل خدمة المسرحيين، متمنيا التوفيق للقائمين عليه.
أما الفنان والمخرج محمد البلم، رئيس مجلس إدارة فرقة الغد لفنون الدراما الاحتفالية، فقد أشار إلى أن الاحتفالية تعتبر بداية لعودة النشاط للساحة المسرحية، كما توجه البلم إلى كل المسرحيين بمناسبة اليوم العالمي للمسرح، الذي شكل مناسبة من أجل التأكيد مرة أخرى على وجود همّ الارتقاء بالمسرح القطري لدى كل الفنانين.
فيما قال الفنان نافذ السيد، إن الاحتفال باليوم العالمي للمسرح مناسبة لاستحضار المكتسبات التي تمت مراكمتها من طرف المسرحيين، مثنياً على قرار سعادة وزير الثقافة والرياضة برفع الدعم المادي المخصص للفرق المسرحية إلى 600 ألف ريال، مما سيمكنها من التفرغ إلى الإبداع المسرحي في ظروف جيدة، وهو ما سيكون له أثره على النتاج المسرحي عموما، كما شدد على أن مركز شؤون المسرح سيكون سندا وداعما لكل المبادرات التي سيتم تقديمها مستقبلا من طرف العاملين في المجال المسرحي.
وكان الفنان صلاح الملا قد أكد خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عن الاحتفالية أن احتفالية اليوم العالمي للمسرح ستحمل للجمهور العديد من المفاجآت السارة، والتي تقام تحت رعاية سعادة السيد صلاح بن غانم العلي وزير الثقافة والرياضة.
من جانبه عبر المخرج جاسم الأنصاري عن سعادته بالمشاركة في هذه الاحتفالية المسرحية المميزة التي احتفت بالمسرحيين وبخشبة المسرح في يومه العالمي، متوجهاً بالشكر إلى وزارة الثقافة والرياضة متمثلة في سعادة الوزير ومركز شؤون المسرح لما قدمه من دعم ورعاية لهذا الاحتفال الكبير.
ويحتفل المسرحيون في السابع والعشرين من مارس كل عام باليوم العالمي للمسرح، وقد ولد اليوم العالمي للمسرح إثر مقترح قدمه رئيس المعهد الفلندي للمسرح الناقد والشاعر والمخرج أرفي كيفيما (1904- 1984) إلى منظمة اليونسكو في يونيو 1961، وجرى الاحتفال الأول في السابع والعشرين من مارس 1962، في باريس تزامناً مع افتتاح مسرح الأمم. واتفق على تقليد سنوي يتمثل بأن تكتب إحدى الشخصيات المسرحية البارزة في العالم، بتكليف من المعهد الدولي للمسرح، رسالةً دوليةً تترجم إلى أكثر من 20 لغة، وتعمم إلى جميع مسارح العالم، حيث تقرأ خلال الاحتفالات المقامة في هذه المناسبة، وتنشر في وسائل الاعلام المسموعة والمرئية. وكان الكاتب الفرنسي جان كوكتو أول شخصية اختيرت لهذا الغرض في احتفال العام الأول بباريس. وتوالى على كتابتها، منذ ذلك العام ثلاثة وأربعون شخصية مسرحية من مختلف دول العالم، منها: أرثر ميلر، لورنس أوليفيه، بيتر بروك، بابلو نيرودا، موريس بيجارت، يوجين يونسكو، أدوارد ألبي، ميشيل ترمبلي، جان لوي بارو، فاتسلاف هافل، سعد الله ونوس، فيديس فنبوجاتير، فتحية العسال، أريان منوشكين، وغيرهم.
--------------------------------------------------
المصدر : الوطن

الجمعة، 31 مارس 2017

رؤية المخرج المسرحي.. ثبات متحوِّل ومتحوِّل ثابت

مجلة الفنون المسرحية

رؤية المخرج المسرحي.. ثبات متحوِّل ومتحوِّل ثابت


رؤى مختلفة وتجارب متنوعة في الإخراج المسرحي، تناولتها ندوة «المسرح والالتزام.. رؤية المخرج بين الثابت والمتحول»، التي أقيمت يوم السبت على هامش أيام الشارقة المسرحية. فالندوة التي قدمها المسرحي السعودي د. سامي الجمعان، وشارك فيها كل من د. حيدر منعثر من العراق، والمخرج اللبناني عصام بو خالد، إلى جانب المخرج العراقي كاظم نصار، انطلقت من مركزية المخرج في فريق العمل المسرحي، بوصفه من يطرح رؤية العرض ويفرضها على المتلقي، لذلك عمل المشاركون في الندوة للإجابة على تساؤلات تتعلق بظروف الثبات والتحول في رؤيته، على مستويات مختلفة.

صعوبة الإخراج المسرحي تكمن في المصطلح نفسه، بوصفه توريطاً لمن يقوم بهذا العمل، حسب د.حيدر منعثر، الذي أشار في ورقته إلى أن المخرج كان ولا يزال المسؤول الأول عن العمل، إلا أن هذا لا يعني أنه يمكننا أن نعتمد الإخراج كعلم صريح ذي نظريات ثابتة بدراسة علمية، ، يمكن أن يأتي شاب صغير برؤية إخراجية جديدة، يقلب علينا الطاولة ويحقق ما لم يحققه الأكاديميون، وهو ما يرى منعثر أنه يقودنا إلى اعتبار الإخراج المسرحي ثابتاً كحرفة ومتحولاً كموهبة تقارب العرض الافتراضي الذي يسعى إليه المخرجون.

ويرى منعثر، أنه طوال القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظل المخرج فاعلاً أساسياً في العمل المسرحي، لتظهر بعد ذلك سطوة السينوغرافيين على مهمته، عبر تحولهم إلى مخرجين، مشيراً إلى تقدم الدراماتورجية على الإخراج في أعقاب القراءة الدراماتورجية التي قدمها بريخت، مشيراً إلى أنه على المستوى العربي، ظلت الرؤية الإخراجية حبيسة النص، حيث لم يتجاوز الإخراج حدود تنفيذ النص، حتى ظهر تيار جديد يتحلى بالتمرد والاستنارة، ليستلهم تجارب عالمية ويمزجها بخبرات من التراث، في رؤية تتكئ على اكتشاف غير المكتشف في العرض المسرحي.
ولا يغفل منعثر أثر السينما، بوصفها فن المخرج بامتياز، على الإخراج المسرحي، وصولاً إلى ظهور الأسلوبية في الإخراج، والتركيبية أو التصويرية، حيث حول الأسلوب التصويري المخرج إلى كاتب بصري، يعمد إلى تجسيد اللغة البصرية ويخفف من الاشتغال على التجربة اللغوية، وهو ما يقودنا إلى أن جميع المخرجين تصويريون تركيبيون، يختلفون عن بعضهم في الترتيب المشهدي والتقديرات الفنية، الأمر الذي يؤكد أن الإخراج لا يزال فناً قادراً على التحكم بمستقبل العملية المسرحية بقدرته على التحول.

ويخلص منعثر إلى أن المرحلة التي يمر بها العالم الآن، تمثل مرحلة مخاض تهدد فن المسرح بالاندثار، عقب ظهور أشكال تعبيرية تتوسل روح المسرح وأشكاله الأساسية، ما ينبئ بأن شكلاً جديداً من المسرح سيولد في السنوات القليلة المقبلة. وعليه، فإن الثابت والمتحول في الإخراج المسرحي هو ثبات لا يبقى على ثبات، أي أن الثابت فيه متحول والمتحرك فيه متجدد.

مفتاح التحول في الرؤية الإخراجية هو التحولات الاجتماعية، من هذه النقطة انطلق المخرج العراقي كاظم نصار، مشيراً في ورقته إلى أن هذا التحول الذي يعتبر انعكاساً للتحول السياسي، يؤثر على الإخراج بشكل رئيس، فيما تأتي بقية العوامل مثل الإنتاج وظروفه في مرتبة أخرى.

وانطلاقاً من مقولة نجيب سرور: «التجريب هو أي جديد في المسرح على مستوى الشكل والمضمون»، حشد كاظم مجموعة من النماذج في المسرح، العالمي والعربي والعراقي، ليؤكد على زاوية مقاربته للثابت والمتحول في الرؤية الإخراجية، بدءاً من حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي دشنت لمسرح سياسي ومسرح غضب ومدارس متعددة، يقف كاظم في هذه الحقبة على تجربة بسكاتور، وبريخت، مشيراً إلى أن المفارقة في التجربتين تكمن في أنهما بدأتا كتحول لتصبحا أيقونتين الآن.

عربياً يدلل نصار على فرضيته المتعلقة بالأثر السياسي والاجتماعي على تحول الرؤية الإخراجية، مستعرضاً نماذج من مصر والمغرب وسوريا ولبنان والعراق، عبر محطات ما بعد حرب 1967، التي تحول فيها الإخراج المسرحي في مصر مثلاً إلى اتباع المسرح التقديمي البريشتي السياسي، ليتحول الديكور إلى تجريدي، وتستلهم الأعمال أشكالاً نابعة من التراث، ويخرج المسرح إلى الحارة والشارع والحديقة والأنقاض. وحول التحولات في رؤيته على الصعيد الشخصي، يقول نصار: «انتقلت من مسرح ما بعد الحرب إلى ما يمكن أن نطلق عليه الكباريه السياسي، الذي يرصد التحولات الاجتماعية التي أحدثتها الحرب على الإنسان العراقي».
منذ بداية العملية الإبداعية لدى المخرج، فإن كل شيء متحول، ولا يوجد ثابت على الإطلاق، حتى النظريات العلمية المقدسة تصبح قابلة للتحول في سياق العمل الفني، حسب ما مضى إلى ذلك المخرج اللبناني عصام بوخالد، مشيراً إلى أنه بمجرد إطلاقنا العنان للخيال، فإن كل الثوابت تسقط تماماً. ويستعرض بوخالد تجربته الشخصية، بوصفه مخرجاً «خريج حرب»، راصداً ما أحدثته الحرب من تغيرات على رؤيته الإخراجية، التي تنطلق في الأساس من أن المسرح ليس مرآة للمجتمع، بل مجهر يغوص في أعماقه. ويقف بوخالد على ما أحدثته الحرب على الرؤية الإخراجية، لتختفي المسرحيات المكونة من فصلين مثلاً، متوقفاً عند تجربته في مسرحية «مارش» التي عرضت ضمن فعاليات أيام الشارقة المسرحية في العام 2005، مشيراً إلى أنه مزج فيها بين رؤية الأكاديمي وغير الأكاديمي، ليفترع طريقاً ثالثاً، الأمر الذي دفع البعض إلى اتهامه بالتطرف الإخراجي.

------------------------------------------
المصدر : عصام أبو القاسم - الآتحاد 

المسرح ضمير المجتمع الحي .. وقواعد العشق الأربعون

مجلة الفنون المسرحية

المسرح ضمير المجتمع الحي .. وقواعد العشق الأربعون

 محمد صلاح الدين مأمون 

إذ المسرح معلم المجتمع ومهد لفن راقٍ يعتبر وبحق شمسًا تنير ظلمة الحياة وتهدي الضمير الإنساني؛ فهذا بطبيعة الحال ألزم المسرح مهمة قدسية، وهي إرشاد الإنسان لما ينقصه، ولما ضاع منه في خضم حياة رقمية تسير بإيقاع آلي متسارع مسخت روح الإنسان، وجعلت منه آلة تدور وتعمل لتجلب وقودًا يُضخ فيها ثم تدور وتعمل وتدور وتعمل، إلى أن يصيبها العطب فتتلاشى ضوضاؤها وسط ضوضاء الحياة، وبذلك يكون الإنسان قد غدا مادة لا روح لها، وانطلاقًا من هذه الخطيئة العصرية كانت رسالة مسرحية “قواعد العشق الأربعون”، والذي كان حالة من الروحانية الصافية عبرت إلى نفوس الحضور كجدول الماء الرقراق، والعرض بطولة الرائع بهاء ثروت والكتابة رشا عبدالمنعم، وشارك في الكتابة ياسمين إمام  وخيري الفخراني وإخراج عادل حسان.تحت رعاية السيد وزير الثقافة/ حلمي النمنم شهد مسرح السلام افتتاح عرض مسرحية “قواعد العشق الأربعون”، والتي تحمل للمجتمع رسالة روحانية ودعوة للتأمل القلبي لمجريات الحياة؛ فالإنسان العصري قد أرهقته مادية الحياة حتى نسي جوهر الروح والنظرة المتفكرة في العالم بنور القلب، ومن ثم وانطلاقًا من هذه الأزمة كان دور المسرح ضمير المجتمع وكانت فكرة العرض وروعة نصه المكتوب الذي كان حالة تلاقٍ بين مولانا جلال الدين الرومي (عزت زين) ونديمه الروحي وشيخه شمس التبريزي (بهاء ثروت)، فقد كان الرومي قبل لقاء نديمه شمس يسير مهتديًا في ظلمة العالم بالأحكام الظاهرة المعروفة عن الله، والتي كانت كلمات يرددها من كتب موروثة عبر آبائه على رفوف مكتبته إلا أن القدر العجيب أوقعه في لقاء نديمه شمس؛ بفعل شجار وقع عند المسجد بينما كان الرومي قائمًا يخطب في الناس، فقذفه شمس بأسئلة أبهرته بين عالم الظاهر وعالم الباطن وعالم الشريعة وعالم الحقيقة، حتى إن الرومي دعاه لبيته بين أهله، فاختلى به أربعين ليلة هدم له فيها ما تربى عليه من ظاهر العلاقة بين العبد والله وبنى داخله صرحًا نورانيًّا لما علمه قواعد العشق الإلهي الأربعين، فكان شمس رغم فقره وزهده الصوفي مصدر انقسام مهيب في بيت الرومي بين ابنته التي وقعت في حبه، وزوجته التي كرهته ووجدت فيه غريبًا اختطف زوجها منها، فصار في شغل عنها وعن شؤون البيت، وخلال ملازمة مولانا الرومي لشيخه الصوفي شمس خضع لتجارب صوفية كانت بالنسبة له تغيرًا كبيرًا في حياته بين ظاهر التجربة وحقيقتها الخفية؛ فمرة يطلب منه حرق كتبه، ومرة يرسله لشراء خمر، ومرة يُجلسه يتسول حتى إن ابن مولانا الرومي سخط على شمس التبريزي ورآه يهين قدر والده العالم الجليل؛ لأنه رأى الظواهر من التجارب أما قلب مولانا جلال الدين فقد لامس الحقائق القلبية التي ترسله إلى عالم الله؛ فيتجلى النور الإلهي في قلبه، حتى صار يرقص من هيامه بخمر العشق الإلهي ومعه مريدوه يؤدون رقصة “سما”.ولم يقتصر تأثير الصوفي شمس التبريزي عند هذا الحد، بل امتد لأناس عاديين أخرجهم من عالم المادة إلى الروح؛ منهم عاهرة جعلها تسلك طريق المعرفة الإلهية، كما تحول الحب الذي في قلب ابنة جلال الدين الرومي تجاهه إلى عشق إلهي وحالة وجد صوفية، كل ذلك وشمس جوال بين الناس يظهر لمريده جلال الدين الرومي ثم يختفي وهو في عداء مع الشرطة والعوام الجهلاء والفقهاء الذين تمسكوا بالظاهر من العلوم الشرعية، ورفضوا المقامات الباطنية التي تكلم عنها شمس التبريزي وكانوا يرونه زنديقًا، إلى أن أتت اللحظة الفارقة عند مولانا جلال الدين الرومي حين اختفى شمس وغاب عن العالم كعادة العارفين، فوقع الوجد والشوق في قلب مولانا جلال الدين الرومي، وأصبح في حالة شوق إلهي من مريد يرجو أن يعود له أستاذه المحبوب، فهكذا دارت الحركة الدرامية بين الشخصيات المحورية في العرض.وعن حركة الشخصيات الأخرى فقد أبدع الكاتب والمخرج في وضعية شخصية شيخ بيت الصوفية (الخانقاه)، والتي كانت في البنية الدرامية الشخصية الناطقة بالحق عبر جمل قصيرة تحمل دلالات بعيدة، وكذلك الشخصيات التي تقف عل الشاطئ الآخر من طبيعة جلال الدين الرومي وشمس تبريزي ألا وهي شخصيات صاحب الشرطة، الذي كان يعشق العاهرة ولا يرى من الحياة إلا الماديات فقط، ولهذا كان يبغض شمسًا لأقصى درجة، وكذلك شخصية صاحب الحانة والسكارى معه، والأهم شخصية الفقيه المتجمد الذي حاور شمسًا وهو يعتمد النظرة الظاهرية للنصوص الدينية، ومن ثم رأى في شمس مارقًا عن الدين؛ لأنه يتحدث بفيض من نور نبع في قلبه لا من نصوص الكتب والفقهاء كلام من ماتوا فلانًا عن فلان عن فلان.وإحقاقًا للحق فقد كان الكاتب والمخرج موفقين بجدارة في وضع شخصية مثلت حجر الزاوية في العمل؛ وهي شخصية زوج مولانا جلال الدين الرومي، والتي كانت مسيحية مبهورة بشخصية مريم البتول، ثم تحولت للإسلام، وظنت أن مريم العذراء حكر على المسيحية فقط، ثم أضاء قلبها على يد الصوفي شمس التبريزي، فتسامحت مع كل الأديان، وعلمت أن مريم رمز للمرأة المقدسة للكل لا في الجزء فقط، وأشرقت فيها فلسفة مولانا محيي الدين ابن عربي وتغنت بأشعاره خلال العرض.وقد واكب العمل عرض رائع لفرقة المولوية العربية برقصتها الصوفية المتميزة، مع الغناء الصوفي لأجمل قصائد المتصوفة العشاق وعلى رأسهم مولانا الرومي, وعند الحديث عن منظور المسرح؛ فقد أبدع المخرج عادل حسان، فجعل ديكور المسرح على نمط مأخوذ من أجواء العصور الوسطى وتحديدًا في البيئة الفارسية التي ازدهر فيها المتصوفة، فنجد المشكاوات الإسلامية ونمط الأرابيسك، مع تصميم غرف الخلوة الصوفية، وحتى تصميم أرفف مكتبة الرومي أتى ملائمًا لذلك العصر،  وكانت حركة الإضاءة على خشبة المسرح تتسم بالاعتماد على الأضواء الملائمة للجو الصوفي، والتي تشعر الجمهور بحالات الوجد الإلهي ولحظات الكشف بين العاشق المتصوف والذات الإلهية، وقد ناسب المخرج بوعي تام بين مشاهد الأحداث المسرحية والغناء والرقص الصوفي فجاء العمل غنائيًّا صوفيًّا وفي الوقت نفسه دراميًّا على نحو متكامل، واتسم أداء الفنانين باللغة العربية الفصحى بالأناقة والدقة بنسبة عالية.وملابس العرض تحتاج كامل التحية والتقدير لجهد المهندسة المتميزة/ مها عبد الرحمن، فحقيقة كأنها غاصت في الزمن وشاهدت هذا العصر بكامل مفردات ملابسه والخطوط الدقيقة لطرز المنسوجات في البيئة الفارسية في ذلك العصر، وقد أعطت رؤية للملابس جعلتنا نرى نمط ثوب الصوفي الجوال والإمام الفقيه ورجل الدولة وأيضًا ملابس العوام في الطريق.ختامًا لقد شهد مسرح السلام حالة وعي ثقافي تمثلت في معادلة روحية بين الأرض والسماء بين مادة الحياة وقسوتها الطاغية على الإنسان، وبين حاجتنا إلى نظرة قلبية ترى جوهر العالم الخفي عبر “قواعد العشق الأربعون” التي أعطاها الصوفي شمس التبريزي لمريده مولانا جلال الدين الرومي، ثم ما لبث أن اختفى في غيبة صوفية اختلف المؤرخون في علتها، ولكن الصوفي شمسًا ترك بصمة لا تنمحي في قلوب العاشقين الذين التفوا حول مولانا الرومي يرقصون في حالة وجد وعشق، بينما الرومي كان غارقًا في حالة اشتياق للقاء شمس الذي اختفى بعد أن بث بذرة الحياة القلبية في نفسه، وفي نفوس أخرى كثيرة كانت حبيسة عالم المادة حررها لعالم الروح، ولهذا سيظل المسرح معلم المجتمع ومصوب أخطائه، وسيظل شعاع نور يضيء ظلام العالم المحيط بنا، وليستمر عطاء المسرح في رسالة روحية مازجت بين محبة الله والغناء والرقص؛ لتحرير الروح، ولا غرو فهذا دور فريق مسرحي متلاحم مؤمن بفكرته؛ حتى يستمر التنوير في عصر علت فيه الأصوات التي حاربت حرية الفكر وعادت وكفرت أي صوت خالف رؤيتها الجمودية الواهمة التي تجاوزها الإنسان كما تجاوز العصر الحجري البدائي.

-----------------------------------------------
المصدر : بوابة الشرق 

المسرح الانكليزي في القرن العشرين

مجلة الفنون المسرحية

المسرح الانكليزي في القرن العشرين

أ د.حميد حسون بجية

تضاءلت تدريجيا منذ بداية القرن السابع عشر فترة رائعة شهدها المسرح الإنكليزي - ذلك هو عصر شكسبير وبن جونسون ر وبستر وكون كريف. ولمدة ما يقرب من مائتي سنة تلت باستثناء أعمال منفردة لشريدان وكولد سميث- لم تظهر أعمال مسرحية ذات أهمية(على المسرح). وبعد ذلك وفي آخر عقد من القرن التاسع عشر وخلال معظم القرن العشرين كانت هناك نهضة باهرة. بدأت هذه الفترة عام 1892 بظهور أوائل مسرحيات جورج برناردشو.

جورج برناردشو:

        أعلن برناردشو رأيه عن أهدافه ككاتب مسرحي عندما كتب مرة : ينبغي للمسرح أن يتحول من الأدب المسرحي الخيالي والحسي إلى الأدب المسرحي التنويري . فكانت كل مسرحياته التي بدأت (ببيوت الأرامل) عام 1892 ولم تنته إلا بعد ما يقرب من ستين عاما. تلت مسرحيات تعليمية وأخلاقية في مغزاها بشكل مكثف. ومنذ البداية كان برناردشو يسعى لفضح الرياء والحماقة والتقاليدية في طريقتنا في الحياة وسار على ذلك المنوال في مسرحياته الواحدة تلو الأخرى مستخدما سخرية مسلية وروح هزل مثيرة. فلم تعد أبطاله وبطلاته نبيلة ولا رومانسية بل أناسا عاديين من قبيل شخصية ديك ددجيون في مسرحية (تلميذ-تابع- الشيطان) أو قيصر في مسرحية (قيصر وكليوباترا)  اوالقديسة جان دارك في المسرحية التي تحمل اسمها. وتمتاز  أعمال برناردشو بولعها بالهدم (غير بناءه)  أكثر مما هي إبداعية (خلاقة). فهو يقدم القليل من الحلول لما نواجهه من مشاكل بيد أن تعليقاته الدرامية (المسرحية) حول قيمة الهدم جديرة بالاهتمام. يحدث ذلك مثلا في الفصل الثاني من مسرحية (قيصر وكليوباترا) حيث يراقب كل من الامبراطور والمؤرخ ثيودوتس حريق مكتبة الإسكندرية الشهيرة.

ثيودوتس: أن ذاكرة الإنسان هي التي تخترق هناك.

قيصر: يالها من ذاكرة تجلب العار. دعها تحترق.

ثيودوتس(باستغراب) : هل تريد أن تحرق الماضي؟

قيصر : اجل ، وابني المستقبل من أنقاضه.

     

هذا هو مثل برناردشو الأعلى. وفي مكان آخر في مسرحية (الاانسان والإنسان الامثل) يعبر دون جوان عن              آخر من المعتقدات التي يعتز بها برناردشو عندما يقول:

        أؤكد لك أني طالما أحس بشيء أفضله على نفسي فلا يمكنني أن أكون سهل الانقياد

        ما لم أكافح (أناضل) من اجل تحقيقه أو إفساح المجال لتحقيقه. انه قانون حياتي

        واقصد به ما  يدور في خلدي حول الطموح الحياتي المتواصل للحصول على تنظيم أكثر سموا.

        روعي بالذات اتساعا وعمقا وشدة إلى جانب فهم للذات أكثر وضوحا.            

إن أعظم إنجازات برناردشو هي قابليته على خلق ملهاة رائعة مما يبدو لأول وهلة مادة غير درامية. فلا احد قبله ولا بعده تمكن من كتابة مشاهد نقاشية تمثل فيها زخم المناظرة كمصدر أساسي للإثارة الدرامية. ففي عالم الملهاة النثرية والهجاء خلال تقديم دراما الأفكار وفي كمال نضج حواره النثري حقق برناردشو إنجازا كمنت فيه براعته.

جون غالزويرذي (1867-1933)     

        كانت أعمال غالزويرذي ككاتب مسرحي معاصرة لمسرحيات برناردشو المبكرة. فقد كتب مسرحية (الصندوق الفضي )عام 1906 واتبعها في السنوات اللاحقة بمسرحياته (الصراع) و(العدالة) و(لعبة النصب والاحتيال) و (الو لاءات) و أخرى غيرها. وكانت كل تلك المسرحيات دراسات مأساوية للفرد الواقع تحت  رحمة القوى الاجتماعية المستبدة. فكل واحدة منها تقدم إحدى مشاكل الظلم الاجتماعي.  لقد كتب كل واحد منها بصدق و بقدر كبير من  المهارة الفنية.  بيد أن مسرحيات غالزويرذي اختفت  و لم تعد تعرض على المسرح. و يكمن السبب في ذالك في آن شخوصه الرئيسة متخشبة بحيث  لا يمكن أن تكون مبعث اهتمام دائم للجمهور المتردد كثيرا على المسرح. فشخصية فا لدر في مسرحيه (العدالة) أو انطونيو روبرتس في مسرحية (الصراع) كانت بقايا  دمى متحركة تحت رحمة قوى مجردة عملاقة هي القانون الرأسمالية والعمل.

سومرست موم(1874-1965)   

        بينما استخدم برناردشو التقليد القديم لملهاة السلوك للاستفادة منها في أغراضه الخاصة، اقتنع معاصره سومرست موم بمواصلة هذا التقليد في مسرحيات من قبيل (الدائرة) عام 1921 و(أفضل من هم على شاكلتنا) عام 1923 و(المعيل) عام  1930. ففي كل هذه المسرحيات كما هو الحال في مسرحيات أخرى ناجحة اظهر موم ثقة كاملة بالنفس في مجال معالجاته للحبكة والشخوص وتضلع في استخدامه للسخرية والهجاء المقذع. بيد أن التألق النهائي الذي ميز مسرحيات كونكريف وشريدان ووايلد الهزيلة بقي دائما بعيدا عن متناول موم.

نوئيل كاوارد (1899-1964)

        بدا كوارد صلته الغرامية الطويلة بالمسرح و هو في سن الحادية عشرة عندما ظهر كممثل صبي في احد مسارح  في الطرف الغربي (ويست اند). أخرجت مسرحيته الأولى (الفكرة الجديدة) عام 1919 ومنذ ذلك الحين اخذ بكتب باستمرار ونجاح المسرح اللندني. وكان أول نجاح حقيقي له في مسرحيته (الدوامة) عام 1924 . و هي هجاء لاسلوب الحياة الحديثة في لندن ما بعد الحرب. ففيها حيوية أخاذة لاذعة كانت تروق كثيرا لنظارة ذلك الزمان. كما كتب مسرحياته المتأخرة من قبيل (حمى القش) و (المركيزة) و (الملائكة الهابطون) و (حيوات شخصية) و (الروح المرحة) فيما بين عام 1924 وعام 1945 وكانت كلها بارعة النجاح. ومرة أخرى كان التقليد الأقوى في المسرح الإنكليزي - أي ملهاة السلوك والسخرية - هو ما قدمه كما ورد بمثل هذه البراعة.

شون اوكابسي (1884-1946 )

        ظهرت ثلاثة ملامح في أعمال الكاتب المسرحي الايرلندي شون اوكابسي وهي بدء نوع جديد من الفن المسرحي ورد فعل ضد ملهاة السلوك إضافة إلى الفضول الشديد حول كون الإنسان كيانا مختلفا عن كونه مجرد كائن اجتماعي. عرضت مسرحياته المبكرة وهي(ظل مقاتل) و (جونو والطاووس) و (برج الدب-المحراث والنجوم-) فيما بين عام 1922 وعام1926. وكانت كلها من وحي تجاربه خلال سنين الشقاء 1915-1923 عندما كانت ايرلندا تكافح من اجل الاستقلال. فهي تتمركز حول معاناة الناس العاديين. وتقدم كل واحدة منها مجموعة من الشخوص المنوعة وتستخدم أسلوبا مميزا غنيا.

حي بريستلي (1894-1984)

        كان هناك نفس الاستياء الضمني تجاه السخرية والمادية في أعمال كاتب مسرحي متأخر قليلا وهو جي بي بريستلي. فقد كان دائما مصمما على الاستفادة من تجاربه كما تظهر مسرحيته الأولى (الركن الخطر). وفي مسرحية تالية وهي (جونسون وجور دن) عام 1939، استخدم الموسيقى ورقصات الباليه والأقنعة في فنتازيا كهذه تتعامل مع تجارب إنسان عادي بعد موته مباشرة. وكذلك في مسرحياته الأخرى مثل (كنت هنا من قبل) أو (دعوة مفتش) حيث أبدى رغبته في الإفلات من قيود التقليد. بيد أن التغيير الأول الرئيسي في المسرح كان قد جاء توا عام 1935 من خلال أعمال تي أس اليوت.

 تي أس اليوت(1888-1965)

        لقد استخدمت الأعمال المسرحية الإنكليزية وسيلة الحوار النثري بشكل كاد يكون حصريا منذ عام 1660 وحتى بداية القرن العشرين. وكان هناك القليل من المحاولات في الدرجة الأولى (إلى حد بعيد) على أيدي شعراء القرن التاسع عشر - لأحياء الفن المسرحي الشعري التي كانت سائدة عند كتاب العصر الاليزابيثي. وكانت تلك المحاولات ناجحة إلى حد بعيد. وجرت محاولات أخرى في بداية القرن العشرين لإحداث انعطافة نحو الشكل الشعري قام بها ديلوي بيتس وستيفن فلبس وماسفيلد وآخرون ولكن بقي الشكل من جديد ميتا بشكل مستعص على المعالجة. وكان من الضروري أن نعرف أن المسرح مضاربة تجارية حيث تكتب المسرحيات للمشاهدين (النظارة) وليس للقراء في المكتبات وانه من دون ما يسمى "شباك التذاكر" ليس أمام المسرحية سوى فرصة نجاح ضعيفة. وعندما بدأت نزعة لوضع الشعر والمسرح التجاري في عمل مشترك في الثلاثينات من القرن العشرين، جرى استقبالها بحماس كبير (منقطع النظير) .

        يعود الفضل في ذلك إلى تي أس اليوت. فقد أعلن عن اهتمامه بالمسرح الشعري عام 1920 عندما ضمن مقالا له حول" إمكانية تحقق مسرح شعري " ضمن مجلد بعنوان " الأيكة المقدسة". وفيها العبارة المهمة التالية :"تكمن مشكلتنا في تبني نوع من التسلية مخضعة لعملية تجعل منه تقليدا فنيا. وبعد بضع سنين كتب في مقالة بعنوان "حوار في الشعر الاليزابيثي" . وفي عام 1935 طلب إليه أن يكتب مسرحية لمهرجان كانتربي. وبهذه الطريقة بدأت عملية إحياء الفن المسرحي الشعري في بريطانيا بإخراج مسرحية (مقتل في الكاتدرائية) عام 1935.

        تعتبر هذه المسرحية إنجازا  هاما من ناحيتين.  فهي أولا عادت مجددا إلى فكرة قديمة - وهي الصراع داخل نفس الإنسان ضد خلفية تعكس أهمية دينية وسياسية. وثانيا إن هذه المسرحية استخدمت كل وسيلة فنية كانت مستعملة في المسرح سابقا. فقد استعار اليوت من المسرح الإغريقي استخدام الكورس والذي لا يساعد في التعليق على الأحداث فحسب وإنما يسهم أيضا في خلق الجو المناسب وفي إبداع شعور بالعمومية . إن الصيغة العروضية الرئيسية المستخدمة في هذه المسرحية هي الإيقاع المنطلق الذي  قام بتجريبة  والإجادة فيه الشاعر جيرارد ما نلي هو بكنز - وهذا الإيقاع عبارة عن عدد من النبرات الثابتة في كل بيت مع اختلاف عدد المقاطع.فمرة نسمع أصداء من موسيقى الشعر المرسل الشكسبيرية الرصينة ومرة نصغي إلى لحن أغاني الأطفال المثيرة للضحك والخارجة على قواعد الوزن الشعري. وبهذه الطريقة ابتدع اليوت أسلوبا محايدا موحيا" بالماضي والحاضر على حد سواء ".

        وتكشف مسرحياته المتأخرة مثل(التئام شمل العائلة) عام 1939 و(حفلة كوكتيل) عام 1950 و(الكاتب المؤتمن) عام 1954 عن براعة فنية فائقة وعن نفس العمق والجدية في فهم الشخصية البشرية والعلائق الإنسانية.

المسارح الشعرية الأخرى

        كانت المسرحيات الشعرية التي اشترك فيها دبليو ايج اودن وكريستوفر اشر وود معاصرة تقريبا لتجارب تي أس اليوت في المسرح الشعري. وكلن المسرح يعني لكلا الكاتبين وسيلة دعائية لغاية سياسية في المقام الأول. وتعتبر مسرحياتهما (الكلب  تحت الجلد) عام 1935 و (الصعود ) عام 1936 و (على الحدود) عام 1938 عرضا حيا للهجاء المصحوب بعروض عاطفية لمعالجات ماركسية. ويبدو إن فشل هذه المسرحيات يمثل تنبيها ممتعا إلى خطر استعمال الفن لمجرد غايات دعائية سياسية.

        ويتجسد أكثر النجاحات وضوحا في المسرح الشعري بعد اليوت في مسرحيات كريستوفر فراي. فبعد تجاربه المبكرة في مسرحيتي (الصبي والعربة) عام 1938 و(المولود الأول) عام      برز فراي ككاتب رئيس في حقل المسرح الشعري عام 1946 في مسرحية (العنقاء ذات الزيارة المتكررة) التي تدور إحداثها حول امرأة رومانية ذات مقام اجتماعي رفيع كانت على وشك أن تضحي بنفسها على قبر زوجها السابق لكن احد القادة الرومان أعادها لممارسة حياة جديدة مفعمة بالحيوية. وحول هذه الفكرة البسيطة حاك فراي نسيجا من مفردات مفعما بالجذل والسخرية والحيوية.

        وكان حب فراي  للحياة مفتاحا لمسرحية كتبها بعد سنتين وهي(السيدة ليست للحرق) - وهي قصة لساحرة  مشهورة إنقاذها  من الموت جندي سابق. ومرة أخرى  نجد تدفقا غنيا من الصور الخيالية المثيرة للبهجة تعتبرا لناتجة من إدراك  متعة الحياة ، وربما بسبب الاهتياج لقرب الموت وهذا يعبر عن تضاد رائع. واشتملت إعمال فراي اللاحقة مسرحيات ممتعة  مثل(فينوس حين ترصد) و (الظلام ضياء كاف) و(المعطف الفظ ) وكلها كانت تكشف عن حسن فهم حقيقي للمسرح وقدرة فائقة على الإبداع الاكثر حداثة.

        إن النزعة الاكثر حداثة في المسرح البريطاني ابتداء من 1950 وحتى الوقت الحاضر هي التحول عن المسرح الشعري إلى نوع جديد من المسرح النثري. فهي جديدة لأنها في حالة ثورة. إذ أن كتابا مسرحيين من قبيل جون اوزبورن وهارولد بنتر و سامويل بيكيت رفضوا المسرح الارستوقراطي والمسرحيات التاريخية والملهاة الاجتماعية والشعر. وقدموا المسرحية النثرية كبديل كونها تتمركز حول حياة الناس العاديين كما أنها المسرحية التي ولدت من الصراع بين الشباب وبيئتهم. انه مسرح الناس المنبوذين والمخفقين والذين يعوزهم الانسجام والتكيف مع مجتمعهم. فعند الإطلاع على مسرحيتي اوزبون(انظر إلى الوراء بغضب) عام 1957 و(السامر) عام 1957 ومسرحية هارولد بنتر(المتعهد) عام 1962 ومسرحية سامويل بيكيت( في انتظار جودو) عام 1954 يكون على بينة من التغيير الكلى الحاصل على مستوى المعتقدات والمواقف  وكذلك على مستوى التجريبية الاستثنائية في معالجة التفاصيل الفنية. يتجسد ذلك جليا في معالجة بنتر للحوار في تركيز بيكيت على الشخوص المنزوين الذين يعملون بانفراد لتحقيق سمة من سمات الواقع الراهن. فهدف الكاتب المسرحي المعاصر هو تقديم نمط جديد لمحتوى جديد ومن خلال البحث الحثيث لذلك تكمن كل الدلائل التي تبشر بمستقبل واعد.   
-----------------------------------------------------------------                                

 المصدر : ترجمة د. حميد حسون بجية
فصل من كتاب A Short History of English Literature
تاليف Waldo Clarke  
- See more at: http://www.alnoor.se/article.asp?id=63816#sthash.5MLRIsLy.dpuf

المسرحي السويسري ميلو رو يسرد سيرة قارة في لحظة فارقة

مجلة الفنون المسرحية

المسرحي السويسري ميلو رو يسرد سيرة قارة في لحظة فارقة


بعد “الحرب الأهلية” و”عصور الظلام” يكمل السويسري ميلو رو ثلاثيته التي تتناول ما تعانيه أوروبا من هشاشة وتصدع بمسرحية “إمبراطورية”، معتمدا كعادته شكلا مسرحيّا يجمع بين التوثيق والتخييل، ويقوم على الاعتراف بمفهومه المسيحي، حيث يتداول أربعة ممثلين من جنسيات مختلفة على سرد سيرهم الذاتية، كروافد لسيرة كبرى، سيرة قارة في لحظة فارقة.

السويسري ميلو رو مخرج ومدير فرقة وكاتب وصحافي، له حضور هام في الفضاء الجرماني وخارجه، بفضل جرأته أولا رغم صغر سنه نسبيا (40 سنة)، وكذلك بفضل تكوينه العلمي وحذقه عدة لغات كالفرنسية والإنكليزية والإيطالية والروسية، فضلا عن الألمانية.

نشأ في أسرة مثقفة، فجده لأمه دينو لاريز كان وجها بارزا في الحياة الثقافية بسويسرا ما بعد الحرب، عرف بجمعه التراث الشفوي السويسري، وله في هذا المجال ما للأخوين غريم في ألمانيا وشارل بيرو في فرنسا من شهرة، وكان إلى ذلك صديقا لمارتن هايدغر وتوماس مان ويوجين يونسكو.

كان لميلو في حياته، فضلا عن جده، ثلاثة أساتذة كبار: عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الذي درّسه في باريس في مطلع هذا القرن، فأخذ عنه تحليله العميق للسلوك البشري كخَلق اجتماعي وثقافي، والفنان التشكيلي الألماني جوزيف هاينريش بويس من جماعة فلوكسوس، وقد ورث عنه مفهوم النحت الاجتماعي، وأخيرا برتولد بريخت وإن ظل يساءل تجربته منذ بداياته، سواء في المسرح أو السينما، بحثا عن معنى ما بعد الحداثة في عالم يشهد استشراء العنف.

هذه الثيمة التي شغلته منذ تأسيسه “المعهد العالمي للقتل السياسي”، وهذا، خلافا لما تدل عليه التسمية، هو اسم شركته للإنتاج المسرحي والسينمائي، وكان قد أنشأها لكي يقطع مع مسرح الرصيد الجاهز، ليواجه ركحيا الأحداث الجارية، ويستدعي إلى الخشبة حلقات نزاع كبرى جللت هذه المرحلة، في أوروبا وسواها.

أعاد بناء محاكمة تشاوسيسكو مثلا، ثم محاكمات بوسي ريوت موسكو، قبل أن يحدث رجة قوية حينما عرض في مهرجان أفينيون عام 2013 مسرحية بعنوان “إذاعة الكراهية”، استوحاها من حصص لإذاعة “ألف هضبة” التي كانت تحرض على الهواء مباشرة قبائل الهوتو في رواندا على إبادة قبائل التوتسي.

أربعة ممثلين من جنسيات مختلفة يروون مسيرة حياتهم المتقلبة والمنفى الذي اختاروه راغبين أو راهبين
بعد الجزء الأول، أي “الحرب الأهلية” التي كشف فيها ميلو رو عن التحاق شباب أوروبي مضطرب بالجهاد، في جو يشهد صعود التيارات الراديكالية من كل جانب؛ والجزء الثاني “عصور الظلام” عن حرب البلقان وتمزق الجمهوريات اليوغسلافية، اختار في هذا الجزء الثالث، “إمبراطورية”، أن يقترح العودة إلى أسس الحضارات القديمة المتاخمة للبحر المتوسط، ليصوغ تراجيديا على النمط الإغريقي يصور من خلالها أوروبا كأرض ضيافة وتبادل، مستعملا كالعادة شخصيات قادرة على إنتاج خطاب عن واقع الثيمة المطروحة، وهم هنا أربعة ممثلين من جنسيات مختلفة.

انطلاقا من ذكريات عائلية، مأساوية في الغالب، يروي اليوناني أكيلاس كراسيزيس والرومانية مايا مورغنشتيرن والسوريان رامي مخلوف ورامو علي، مدعمين بالوثائق والصور وأشرطة الفيديو، مسيرة حياتهم المتقلبة والمنفى الذي اختاروه راغبين أو راهبين، مع إمكانية العودة، أو انعدامها، والاضطهاد والقهر والتيه والضياع في المنافي.

في الفضاء الضيق لمطبخ عائلي مترع بالأشياء، يجلس الممثلون الأربعة حول مائدة أو على كنبة، ويتكلمون في حركات مقتصدة، وحضور قار تسعى الكاميرا إلى تقريب انفعالات أصحابه وتعابير وجوههم، ونقلها على شاشة كبيرة تعتلي الخشبة، يفيضون بالحديث ليرووا قصتهم، ما عاشوه وما شاهدوه، باليونانية، والعربية، والكردية، والرومانية.

فتتبدى حكايات معقدة، متشابكة، تغوص في التاريخ المظلم لنزاعات العالم المتوسطي، وتمتح بنيتها من التراجيديا الإغريقية، حيث تتماهى الأدوار الأربعة التي دعي الممثلون إلى أدائها مع حكاياتهم الفردية: فسيرة مايا مورغنشتيرن تحمل صورة الأم ومعاناتها في بلدها الأصلي، وأكيلاس كراسيزيس بطل إغريقي أخطأ عصره، ورامي مخلوف تذكّر رحلته بالأوديسة، فيما رامو علي يلخص معاناة جيل كامل في ظل نظام جائر، وحبس فظيع في تدمر، خلصه منه، يا للمفارقة، تنظيم داعش، ليضرب في الأرض بحثا عن ملاذ.

ومن خلال تلك السير جميعا، ترسم المسرحية صورة عن قارة أوروبية شابت تاريخها عدة أزمات وانفصالات، وتشهد حدودها صدامات وكوارث إنسانية -مثلما يشهد راهنها صعود التيارات الراديكالية- وتوحي بأن مستقبلها يحتاج إلى إعادة نظر، فالمسرحية تنهل من الجذور التاريخية لأوروبا وتهتم بالجهات التي تقع عند مفترق طرق الإمبراطوريات الكبرى في العصر القديم.

في حديثه، يذكر أكيلاس “أوريستيا”، تلك الثلاثية الإغريقية القديمة التي ألفها إسخيلوس، بعد خمسة وعشرين قرنا، ها هو ميلو رو يقترح عبر ثلاثيته المعاصرة، مسرحا لا يتخلى عن مهمته كعامل محفّز للوقت الحاضر وهادٍ للمستقبل، فالمواضيع المطروقة تحتوي على رهانات سياسية ووجودية، وتصدعات عائلية واجتماعية، أي أنها ذاتية وكونية في الوقت نفسه.

وفي هذه المسرحية، كما في سابقاتها، يبدو ميلو رو باحثا عن “واقعية جديدة” على غرار السينمائي النمساوي ميكائيل هانيكه، فقد ابتكر شكلا جديدا من “المسرح التوثيقي”، مسرح يتوق إلى خلق فضاء رمزي، طوباوي، يمكن أن يحلّ فيه العدل.

--------------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب - ابوبكر العيادي
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption