أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 27 فبراير 2012

مجلة الفنون المسرحية

رحلة شكسبير الأفغانية إلى مسرح غلوب البريطاني



بي بي سية:

يأمل الممثلون الأفغان في إعادة تعريف شكسبير، وكذلك الوعي العام بالشأن الأفغاني، وذلك عن طريق المشاركة في واحد من أهم مهرجانات المسرح عبر العصور.

في بيت يقع في احد الشوارع الاكثر هدوءا بمدينة كابول، تقوم شابتان أفغانيتان بقراءة أعمال شكسبير لأول مرة.

فإحداهما تعمل ممثلة مسلسلات تلفزيونية، وهي تعمل في مجال التمثيل لاعالة زوجها وأبنائها السبعة، والأخرى تقوم بالبحث عن كل ما يتعلق بشكسبير عبر الإنترنت للتعرف على أعماله.

وتشكل الإثنتان جزءا من محاولة للقيام بأداء مسرحية”كوميديا الأخطاء”لشكسبير على على مسرح”غلوب”في لندن.

وفي إبريل القادم ستغادر الفتاتان أفغانستان وذلك للمرة الأولي لتتجها إلى لندن للقيام بالتمثيل على خشبة المسرح التاريخي لشكسبير.

ويأتي ذلك ضمن المشاركة في فعاليات الأولمبياد الثقافي البريطاني الذي يدشنه مسرح”غلوب”(الكرة) والذي سيقدم مسرحيات شكسبير بنحو 37 لغة، لفرق مسرحية من دول مختلفة.

وتشمل هذه الأعمال”العاصفة”من بنغلاديش، ومسرحية”سيمبيلن”من جنوب السودان، بالإضافة إلى مسرحية”خاب سعي العشاق”والتي ستعرض بلغة الإشارة البريطانية.

وسينتهي المهرجان الذي يستمر لمدة ستة أسابيع بعرض مسرحية”كوميديا الأخطاء”من قبل الفريق الأفغاني.

العائلة المفقودة
وتبدأ المسرحية في مطار كابول وبعودة أحد الآباء إلى وطنه أفغانستان بحثا عن أبنائه المفقودين والذين فقدهم – ليس في حادث تحطم سفينة كما كان يقصد شكسبير – ولكن في عاصفة رملية.

وتعتقد السيدة كورني جابر أن المواضيع التي تتناولها مسرحيات شكسبير وطيدة الصلة بالوضع بأفغانستان، حيث تقول”ستبدأ المسرحية بوالد يبحث عن عائلته المفقودة وسيتحدث إلى الناس هنا. فبعد 30 عاما من الحرب يعود الناس للبحث عن أقاربهم المفقودين، والعائلة تمثل أمرا مهما جدا، ولا يمكنك العيش بدون عائلتك.”

وتضيف جابر”الاوضاع الاجتماعية في انجلترا في عصر النهضة اقرب الى الوضع في أفغانستان المعاصرة أكثر من أي مكان أخر في أوروبا. فكل الرموز الثقافية في مسرحيات شكسبير لها مدلول في أفغانستان، وبالطبع فإن الشعر يعد مكونا أساسيا في الثقافة الأفغانية.”

وليست هذه هي المرة الأولى التي تتبنى فيها جابر أعمال شكسبير في أفغانستان، ففي عام 2005 أخرجت مسرحية ”خاب سعي العشاق” في حديقة قديمة في كابول.

وقوبل العرض باستحسان كعمل يتضمن اختلافا كبيرا عن الثقافة الشائعة فقد ظهر في المسرحية رجال ونساء يمسكون أيدي بعض، وقد ظهرت النساء في بعض الأوقات بدون غطاء الرأس.

ولكن جابر تصر على أنها لم تأت إلى أفغانستان كثورية، وتقول”أنا لست أحد أعضاء الحركة النسائية، وأنا لا اقوم بذلك لأجعل هذه النساء حرة، ولكنني أهتم بما أحتاج إليه من الناحية الفنية لأخبر القصة.”

تهديد بالقتل
وكانت أكبر التحديات هي إيجاد نسوة يرغبن في المشاركة في العمل المسرحي.

وكانت اثنتين من النساء اللاتي شاركن في مسرحية ”خاب سعي العشاق” قد اضطرتا لمغادرة البلاد، حيث تعيش إحداهن الآن في كندا وستظهر في العرض المسرحي ”كوميديا الأخطاء” بجانب ممثلتين أخرتين من مدينة كابول.

وتحاول جابر إيجاد ممثلات بالاعتماد على البحث من خلال المعارف والأصدقاء، وليس عن طريق الإعلان، حيث أن العديد من النساء اللاتي يذهبن للاختبار في مجال التمثيل يتعرضن للمضايقة والإهانة أو يتلقين تهديدات بالقتل بسبب مجال عملهن.

وتقول إحدى الممثلات ”أفغانستان مجتمع تقليدي، حيث هناك العديد من الناس يعانون من الأمية، ولا يفهمون فكرة المسرح. فأنا أتعرض للتحرش في الشارع، والناس يدعونني بالشاذة والعاهرة. ويقولون لي أنت أمرأة ويجب أن تمكثي بالبيت، وهم لا يفهمون الأمر.”

ومثل العديد من الممثلات، اعتادت عبيده – وهي ممثلة تعمل في كابول - أن تقوم بالتدريس في المدينة، وقد بدأت التمثيل عندما لم تتمكن من دعم عائلتها براتبها غير الكافي."

وتضيف عبيده ”ابنتي كانت مريضة جدا، وكنت أقوم بالتدريس في ذلك الوقت، ولكنني لم أستطع أن أحصل على ما يكفيني من المال، ولذا قلت لزوجي إن ابنته مريضة جدا وعليه أن يأخذها إلى المستشفى، ولكنه قال لي اذهبي إلى الجحيم أنت وابنتك، وقال لي أن انتظر حتى تتزوج فيقوم زوجها بالانفاق على علاجها. وإذا كان مقدرا لها أن تموت قبل ذلك، فدعيها تموت.”

وعن عملها في مجال التمثيل تقول عبيده ”شخصيتي في الأفلام التي أقوم بها تختلف تماما عن شخصيتي الحقيقية. فأي شخص يشاهدني في التلفاز يعتقد أن لي حياة جيدة جدا، ولكن المال الذي أحصل عليه من التمثيل يذهب في مصاريف الأبناء الدراسية وفي الإيجار السكني والفواتير الأخرى.”

"باريس صغيرة"
وكانت حركة طالبان قد حرمت التمثيل المسرحي، وحتى بعد 10 سنوات من سقوط نظام طالبان، لا تزال الحركة المسرحية ضعيفة في أفغانستان.

وكان مسرح كابول القومي يقدم عروضا لمسرحيات شكسبير ومولير، وكان من أكبر المسارح في أسيا، ولكنه تعرض للدمار خلال الحرب الأهلية في التسعينات ولم تتم إعادة بنائه أبدا.

ويتذكر ميرويس صديقي مدير مدرسة أغا خان للموسيقى في مدينة كابول أيام الأمجاد التي شهدتها المدينة فيقول ”أعمال شكسبير ليست شيئا جديدا على أفغانستان، فعندما كنت صبيا، اعتدنا أن نذهب إلى المسرح القومي في مدينة كابول، وشاهدنا أعمال شكسبير. كانت المدينة عبارة عن باريس صغيرة، حيث كان الناس يغادرون المسرح في الساعة الثانية صباحا. لقد كان عالما مختلفا.”

"أمور حساسة"
ويقدم المسرح القومي الآن عروضا للأطفال بجوار ما تبقى من حطام المسرح بعد تعرضه للدمار. ويدير المسرح الآن شابور صدقات المتخصص في مشروعات الفنون الأجنبية.

ويقول صدقات ”حينما يقوم المخرجون بعمل عرض مسرحي فهم يراعون تقاليد المجتمع، ويعملون بطريقة تراعي الأمور الحساسة الخاصة بالمجتمع.”

ويضيف ”يحتاج المخرجون للعمل مع الأشخاص الذين لديهم معرفة جيدة بالنواحي الثقافية على أرض الواقع، وإلا سيخاطرون أكثر بصرف الناس عن المسرح.”

ويوضح صدقات ”العديد من المخرجين يأتون إلى هنا، وعندما يغادرون ينتهي المشروع الذي جاءوا من أجله. فهم يقومون بتعيين ممثلين بعقود مؤقتة، ويقوم هؤلاء بدورهم، ولكن حينما يرحل المخرج، ينتهي الأمر، ولا يتركون خلفهم شيئا.”

وتنوي كورني جابر أن تعود بمسرحيتها إلى كابول بعد جولة في كل من الهند وبريطانيا وألمانيا.

ولكن الوضع الأمني المتدهور يعني أن المسرحية ربما لن تصل إلى أفغانستان في الوقت الراهن.

وبالنسبة للممثلين المشاركين في المسرحية، فإن تغيير وجه أفغانستان في الخارج أهم من العودة إلى أرض الوطن.

ويقول شاه محمد، أحد الممثلين بالمسرحية ”إن الأشياء الوحيدة التي ترتبط بأفغانستان عند الناس هي المخدرات،والحرب والإرهاب.”

ويضيف ”إن السبب الذي دعانا إلى عمل هذه المسرحية هو أن نري العالم أن أفغانستان ليست هي التي يظنها الناس، ففيها أناس موهوبون، وثقافة ثرية. ورغم الحرب، فإن الحياة فيها مستمرة.”

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

صدور العدد الأول من "دفاتر مسرحية" مجلة متخصصة في الدراسات المسرحية

مجلة الفنون المسرحية


صدور العدد الأول من "دفاتر مسرحية" مجلة متخصصة في الدراسات المسرحية


دفاتر مسرحية مجلة متخصصة في الدراسات المسرحية تصدر عن المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباطر – المغرب العدد الأول في حلة أنيقة.

نبعت فكرة إخراج مجلة عن المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي من اعتبارات موضوعية تجلت أساسا في تاريخ المؤسسة والإشعاع الحاصل في القيمة والنوعية التربوية، والرغبة الأكيدة في السير بها إلى آفاق أرحب.

فهذه السنة ستعرف تخرج الفوج الواحد والعشرين بعد أن أضحت وجوه خريجي المعهد بألفتها تؤثث المشهد الفني والثقافي عموما في المغرب وخارجه. فلا من إنتاج مسرحي، سينمائي أو استعراضي، ولا من مهرجان أو ندوة وطنية إلا وكان المعهد حاضرا عبر خريجيه، سواء منهم من اختار له الإخراج مسارا، أو التشخيص، أوالسينوغرافيا، أو التنشيط الثقافي. والدليل على ذلك أن المعهد كمؤسسة قد ارتقى إلى درجة عليا من الخبرة تخول له، بحكم كفاءة هيئة تدريسه وعقلنة تسيير إدارته، الرقي إلى مصاف المؤسسات الكبرى في مجال التكوين المسرحي.

من هنا انبثقت في العمق فكرة "دفاترمسرحية" كمجلة علمية تعتني بالدراسات الدرامية، تكون تزكية لهذه السيرورة التصاعدية، مجلة تجعل من التكوين المسرحي هدفها الأساسي، فتفتح صفحاتها، ليس فقط لأقلام أساتذة المعهد، بل كذلك لكل أقلام الباحثين في مجال الدراسات التاريخية والنقدية والدراماتورجية والجمالية وسائر الفنون المرتبطة بالمسرح، كما تشكل أرضية سانحة للمبدعين في مجالات التأليف والاقتباس والترجمة، ومختبرا لشتى التجارب في مضمار الخلق والإبداع. وإذا كان لكل مشروع أهداف مرسومة، فإن "دفاترمسرحية"ستسعى جادة على تحقيق أهداف محددة، والغاية منها تسليط الضوء على الدور الرائد الذي يلعبه المعهد سواء في مجال التكوين أو الفضاء الثقافي الوطني والدولي. وهكذا سوف تبرز "دفاتر مسرحية" في أعدادها، مساهمة المعهد في الدينامية الفكرية والثقافية التي يشهدها المغرب، خصوصا وأن المسرح، باعتباره ملتقى لسائر الفنون، هو مرآة تعكس الواقع الثقافي والحضاري لكل شعب.

كما أن "دفاتر مسرحية" ستعمل على إبراز القدرات الفنية والتربوية لهيئة التدريس بالمعهد، تنظيرا وتطبيقا بحكم تخصصهم وتشربهم من مختلف التيارات والمدارس الكبرى. ثم إن "دفاتر مسرحية" ستهتم بإشعاع القيمة الفنية والجمالية لللإنجازات والأعمال التطبيقية للطلبة، سواء من حيث الامتحانات المفتوحة، أو ثمرات المحترفات تحت إشراف خبراء مغاربة وأجانب، أو الجوانب لتطبيقية لبحوث تخرجهم.

وسيظل هدفها الأسمى هو طرح سند يشكل بجديته مرجعية علمية للدارسين والباحثين وكل المهتمين بالحقل المسرحي. لقد كان من الضروري، لتحضير هذا العدد الأول، الارتكاز على المعايير الأكاديمية الصرفة، إذ المجلة صادرة عن مؤسسة لتكوين أطر عليا ذات أعراف جامعية لا محيذ عنها، من الواجب مماثلتها لحقيقة المستوى الذي صار المعهد يحظى به، والصيت الذي يتمتع به إن على المستوى الوطني والخارجي. لذا، فإن هيئة التحرير ووعيا منها بالأمر، رسمت لنفسها خطة عمل موضوعية في معالجتها لما يرد عليها من مواد ومقالات. شكلا، توزع المجلة على ثلاث محطات قارة. تهتم الأولى منها بالأساس، بالدراسات والأبحاث المتعلقة بالمسرح وبكل ما يرتبط به من تنظير وتأريخ، ومقاربات نقدية ووصفية أو تحليلية للمتون ومختلف الأشكال الفرجوية، وفنون وتقنيات الخشبة، والدراسات السوسيولوجية المتمحورة حول التلقي أو المسرح كظاهرة اجتماعية... وتهتم الثانية منها بنشر الإبداعات الفنية تأليفا وترجمة واقتباسا وغيرها. أما ثالثتها، فستخصص لتغطية أهم الأنشطة الفنية والتربوية والعلمية التي يعرفها المعهد على مدار الموسم الجامعي: إصدارات الاساتذة، الندوات، المحترفات والإنجازات الفنية في التشخيص والكوريغرافيا، أو الميم، أو الحكواتي، أو السينوغرافيا، أو تقنيات الإنجاز الركحي... وسيلاجظ القارىء أن "دفاتر مسرحية" ارتأت أن تكون قلادة عقدها ضيف شرف. وفي هذا الباب اختارت المجلة الاستاذ عبد الكريم برشيد ليكون ضيف عددها الاول. والغاية من ذلك الاحتفاء بهذا الرجل الذي نذر حياته للفن الدرامي فوشم تاريخ المسرح المغربي عبر عقود من الزمن، كما تشهد له بذلك جل مؤلفاته وكتاباته العديدة في هذا الميدان. بل هو صاحب تيار فني قائم بذاته، كان وما يزال قيد الدرس في المغرب، كما هو في الشرق العربي. "دفاتر مسرحية" تخرج إذن للوجود. فهي تأمل أن تساهم في إغناء الحقل الثقافي المغربي والعربي، متمنية بذلك إرضاء قرائها. فهي ذات صدر رحب، منفتحة، تتقبل الاختلاف وتحترم الرأي الآخر، تسعى للكمال وتطمح للدوام يتضمن هذا العدد دراسات وأبحاث
ضيف العدد إبداع وترجمة أنشطة المعهد إصدارات
عدد الصفحات 107 صفحة طبعت بدعم من وزارة الثقافة

الأربعاء، 29 يونيو 2011

اختتام أعمال ندوة المرأة في المسرح

مجلة الفنون المسرحية

اختتام أعمال ندوة المرأة في المسرح

ختتمت ندوة «المرأة في المسرح .. التجربة العربية من الواقع إلى المستقبل»، التي نظمت بفندق الرويال بدعم الهيئة العربية للمسرح، وبالتعاون مع نقابة الفنانين. وكان أطلق مندوب رئيس الوزراء وزير الثقافة طارق مصاروة الذي رحب بالفنانات والضيوف، صباح أمس أعمال الندوة، بحضور الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبد الله، ونقيب الفنانين حسين الخطيب، ومشاركة مجموعة كبيرة من فنانات المسرح العربي، والمحلي. رصدت أوراق المشاركات في الجلسة الأولى، والثانية الصباحية معاناة المرأة المسرحية، تداعيات الواقع الاجتماعي، والنفسي، للمرأة العربية بعيدا عن استقراء حراكها الإبداعي في إنشاء الفضاء المسرحي، ما حدا بالفنانة نادرة عمران أثناء إبداء رأيها بالأوراق المقدمة، بمطالبة صاحباتها بالكف عن الشكوى، وتابعت حديثها إن المطلوب في مثل هكذا ندوات أن تشهد حراكا فكرياً، وعمليات هدم وبناء بالأساس، وكانت أكثر الأوراق التي أثارت جدلا بين الحضور ورقة المخرجة مجد القصص. في الجلسة الأولى التي أدارتها سميرة خوري، ضمن محور بعنوان قيود حالت دون المشاركة الكاملة للمرأة في المسرح: ناولت العراقية د. شذى سالم، القيم الاجتماعية وأثرها في بناء شخصية المرأة، بينما تحدث الكويتي عبد الستار ناجى عن المرأة في المسرح العربي، لجهة الصورة والمعوقات، وقدم الأردني عبد اللطيف شما، أرشفة عن بدايات مراحل دخول المرأة في المسرح المحلي. في الجلسة الصباحية الثانية، ومحورها راهن مشاركة المرأة في المسرح، لجهة مواجهة المحرمات والممنوعات، والمسرح والتربية، والمسرح والوسائط الإعلامية، والمهن المسرحية، والمؤسسات الرسمية والخاصة، تحدثت الأردنية مجد القصص، في دراسة مستفيضة، شدت الحضور لجرأة التناول، فيما عاينت السودانية سهير عبد الرحمن، والتي وصفت حال المرأة في المسرح السوداني بأنه أصبح مهنة من لا مهنة له. تحدثت في الجلسة الثالثة، ضمن محور تجارب نسوية: (شهادات) في مواجهة المجتمع والقيم والسلطات، اللبنانية سميرة بارودي، والكويتية أحلام حسن، وأدارت الجلسة، نادرة عمران. الجلسة الرابعة، جاءت بعنوان:» آفاق إبداع المرأة في المسرح»، وتناولت آفاق عمل الكاتبة، وعمل الممثلة، والسينوغرافيا وتقنيات العرض، وعمل الناقدة، ووظيفة المنتجة المسرحية (الإدارة والإنتاج المسرحي)، تحدثت فيها المصرية سوسن بدر، واللبنانية شادية زيتون، والمغربية د. لطيفة بلخير، وسمر دودين وادار الجلسة المخرج حاتم السيد.
الأمين العام للهيئة العربية للمسرح إسماعيل عبد الله منافع قال: لسنا بصدد صفقة نورا لباب بيت الدمية، بل ولسنا بصدد البكاء على أبواب المسارح العربية في مشهد عاطفي، بل نحن هنا لنشهد منافع لمسرح عربي يتجدد بإسهام غير منقوص للمرأة العربية التي عانت من شظف الممارسة المسرحية لعقود خلت. واستعاد نقيب الفنانين حسين الخطيب، في كلمته رموزا من الميثيولوجيا الخاصة في كل بلد أتى منها الضيوف. وقال: بوعي العارفين المبدعين والبارين بالأمة والإنسان، نسجل ونرسم اليوم، وإياكم وبخيوط الشمس من صباح عماني، صباح عموني، صباح من تايكي .. تايكي الساكنة في رحم عمون، وروحها الممتدة في جبالها السبعة.

الثلاثاء، 18 يناير 2011

ذكرى عبدالصاحب تبث الجمال عبر منظومة الماكياج المسرحي

مجلة الفنون المسرحية

 ذكرى عبدالصاحب تبث الجمال عبر منظومة الماكياج المسرحي

ضمن اشتغالاتها المتنوعة تواصل المؤلفة وفنانة الماكياج ذكرى عبدالصاحب بث خطابها العلمي والأكاديمي في مجال عملها، فقد صدر مؤخراً عن مطبعة الخيال كتابها الجديد المعنون "منظومة الماكياج وعملها في تجسيد الشخصيات المسرحية - مسرح الطفل انموذجاً" والذي قدمت من خلاله بحثاً مستفيضاً في فن الماكياج، وخصوصاً في مجال مسرح الطفل، وجاء في متن البحث الكثير من العروض المنهجية والتطبيقات العملية على العديد من الأعمال المسرحية الخاصة بالطفل، كما تضمن الكتاب استعراضاً للأسس العلمية التي يبنى عليها فن الماكياج.
وفي مطلع الكتاب كتب الناشر مقدمة جاء فيها "ينطوي البحث في منظومة الماكياج بما تمثله من أهمية رئيسة في بنية أي عرض وبخاصة في المسرح على مغامرة لا تخلو من خطورة مع ما تقتضيه من بذل جهد ينطوي البحث في منظومة الماكياج بما تمثله من أهمية رئيسة في بنية أي عرض فني مضاعف للإحاطة بظاهرة مزدوجة الحضور على المستويين: النظري والعملي أي في المنطلقات التي تؤطر عمل الماكياج وتحدد وظيفته الرئيسة في العمل المسرحي من جهة وطبيعة التشكيل الذي يتوافق وحدود الشخصية ودورها في العرض من جهة أخرى انطلاقاً من الإحاطة بهوية هذه الشخصية وتجسيد تلك الهوية عملياً وتكييف بعدها البصري وأثرها في العمل المسرحي".

ثم ابتدأت المؤلفة كتابها بمقدمة عرّفت من خلالها بفن الماكياج حيث قالت "يعد فن الماكياج من الفنون الأساسية المكملة للعروض المسرحية لما يؤديه من دور فعال في إعطاء الممثل أبعادا تتفاعل مع أبعاد الشخصية المسرحية والتعبير عن مكنوناتها الداخلية الفاعلة والعاملة على تحقيق الشكل الخارجي للشخصية من خلال وجه الممثل وجسده واقناع المتلقي وخاصة إذا كانت الشخصية هي إحدى شخصيات مسرح الطفل لأن عملية إقناع الطفل بالشخصية المقدمة على المسرح هي بالتأكيد أصعب من إقناع الكبير، وهنا تكتسب هذه المنظومة أهمية مضاعفة بحكم الصفات السيكولوجية للطفل وطبيعة قدراته الذهبية والعوامل التي تحرك سلوكه، ونظراً لتلك الأهمية فإن للماكياج منظومة عمل متشعبة ومتداخلة مع باقي فنون السينوغرافيا المعروفة، ومع هذا الدور الحيوي للماكياج في الفعل المسرحي إلا انه ظل فقيرا في مجال الإثراء النظري والتأليف المبني على أسس علمية ومنهجية في بلدنا على الرغم من قدم الحركة المسرحية فيه، ولذلك فإن الهدف من تأليف هذا الكتاب والذي هو بالأصل دراسة أكاديمية خصصت للتقييم والتقويم والمناقشة والتحكيم العلمي الدقيق – هو سد الفراغ النظري في مجال خطير من مجالات المسرح بالأخص مسرح الطفل".

وفي مبحثها الأول تناولت المؤلفة مفهوم الماكياج عبر محورين علميين وضحت من خلالهما الكثير من النظريات العلمية الخاصة بهذا الفن، وقد نجحت الفنانة في طرح رؤى تنظيرية مكتملة، واعتمدت على مصادر ذات بعد فلسفي جمالي تجعل من الطرح سلساً وغير ممل، ففي محورها الاول الذي عنونته بـ "التشخيص"، وتحدثت بالقول "فن الماكياج عمل مكرس لانتاج المعنى الدلالي بالاعتماد على مبدأ قديم هو مبدأ (التشخيص) حتى تطورت غائية الماكياج وتعدت حدود الشكل لتخترق المحتوى النفسي ودلالاته واستطاع الماكياج التعمق اكثر في اظهار درامية موقف الانسام والذي كان مضمراً في طيات حياته منذ الازل واخذ طابعاً تزيينياً لا يمكن الاستغناء عنه حتى يومنا هذا بالاخص في المجتمعات المتحضرة، اضافة الى غائيته في المسرح قد استخدمه الرجال على حد سواء مع النسوة اللاتي استخدمنه رمزاً للجمال بألوانه الجذابة وتفنن في وضعه وتشكيله على البشرة والوجه وفي كل بقعة من أجزاء الجسم حيث الماكياج التجميلي أو التصحيحي ضروري جدا في السينما والتلفاز تزداد أهميته كلما تطورت تقنية الكاميرا والإضاءة.

وكان لنشأة التلفزيون ونهوض الانتاج السينمائي اثر بالغ في تقدم وتحسين الوسائل التي يستعملها اختصاصيو الماكياج في محيط عالم التسلية وكل نهوض عمليات الالوان (...) عاملا اضافيا لخلق مظهر طبيعي في صبغ الوجه وتغيير معالمها يمكنه خداع العين الفاحصة الناقدة لالات التصوير وإذا صاحب الماكياج اضاءة صحيحة كان عاملا في التعاون التام اللازم لنجاح الاخراج الحديث.

بينما قالت في محورها الثاني الذي جاء تحت عنوان "منظومة الماكياج والشخصية المسرحية": "تشكل منظومة الماكياج وحدة عمل متكاملة من ناحية الالية (آلية الاشتغال) ومواد التشكيل وادواته سواء في السينما او المسرح او التلفاز وتتألف منظومة الماكياج من عناصر هي المواد والادوات: فالادوات هي الطلاءات والمساحيق والغراءات ومواد كيميائية مختلفة في القوام والتكوين واللون وانواع الشعر والصوف والخيوط لعمل اشكال الشعر وصناعة اللحى والشوارب والباروكات اما الادوات فهي كل مايساعد في وضع هذه المواد وتشكيلها على وجه وجسم الممثل الذي يجسد شخصية معينة في مسرحية ما او عمل تلفزيوني او سينمائي والتي تحتويها حقيبة الماكياج كالفراجين والمقصات وادوات القطع وادوات الصب والمبارد".
وتسترسل المؤلفة في حديثها لتؤكد "كما يعتبر الاختصاصي في فن الماكياج هو الاداة الاهم في هذه المنظومة باعتباره جزءا لا يتجزأ منها وهذا ينطبق على الشخصية المجسدة اذ تعتبر جزءا مهما من هذه المنظومة ايضا وتدخل في عمل منظومة الماكياج وفي تجسيد الشخصية المراد العمل عليها عناصر اخرى مهمة هي: الوراثة، الجنس، البيئة، المزاج، الصحة والعمر والذي يتحدد بثلاثة مراحل هي: الشباب، متوسط العمر، الشيخوخة.
ذكرى عبدالصاحب وعبر مبحثها الثاني انطلقت الى فضاءات اوسع من المعرفة، فقد لصقت لنا على ورق كتاباتها منهج علمي منفتح يعرّف اكثر بهذا الفن الذي يحتاج العامل في وسطه الى دراية وامكانيات فنية وثقافية وجمالية واسعة فهي وعبر سرد تاريخي للتطور الحاصل فهي تقول: "لم يدرك الانسان البدائي الاول (انسان ما قبل التاريخ) ومنذ بداية تكوينه ماهية الماكياج رغم انه نشأ بنشوء ذلك المخلوق البشري ثم اصبح مكملا لحاجاته اليومية وفي اول ظهور للانسان على وجه الارض استعمل اوراق الاشجار للتستر بها والاغتسال كورق (السدر) او الاضطباغ كورق (الحناء) اذ ان الانسان البدائي الاول الذي كان يعيش في البراري والكهوف والمغارات كان يطارد الحيوانات ويصارعها للسيطرة عليها وتذليلها لمعيشته وقد لبس جلودها (متنكرا) وقلد اشكالها (متقمصا) لكي يستدرجها حتى يتمكن منها وقد اتخذ طريقا اكثر فاعلية وسهولة لغرض مخادعة الحيوان واستدراجه، ومن ثم السيطرة عليه واصطياده عن طريق المحاكاة وممارسة طقوس سحرية بدائية بالتنكر والاختفاء بهيئات مختلفة هذا التذكر جاء للتعبير عن الانفعالات النفسية والعاطفية والمعتقدات الدينية وطقوس السحر لاشباع حاجته اليومية من الطعام وغيرها فقد ارتبطت مفاهيم حياة الانسان الاولي غرائزه بالمفاهيم الروحانية والطقوسية.

إن الاصل الديني القوي للمسرح عامل له من الاهمية في المسرح اكثر مما هو مفهوم بصورة عامة من هنا جاءت فكرة المسرحة (ما يسمى بالغريزة التمثيلية) فمن خلال ميل الانسان البدائي بغريزته للتمسرح والتظاهر في كافة تعاملاته مع الطبيعة ومع اخيه الانسان بل مع كل الكائنات من حوله عندما كان يأتي لعشيرته آخر النهار ليحكي مشخصا لهم كيف قام باصطياد فريسته مستخدما عناصر جسده التعبيرية من ايماءات واشارات وحركات دالة تحمل معاني ما يسرد اذ انه ارتكز على دافع نفسي داخلي في تفسيره للظروف البيئية المحيطة به".
ثم تتحدث المؤلفة عن الحضارات الشرقية وخصوصاً (الهند، الصين، اليابان) وتقول في هذا الصدد: "أثرت وتأثرت تلك الحضارات بما يجاورها من الحضارات وكانت لهم تقاليدهم وشعائرهم وتعددت تلك الشعائر واختلفت نظرا لتعدد الديانات والعبادات لديهم وكانت طبيعة هذه الاحتفالات عبارة عن حركات راقصة تحمل رموزا واشارات يصحبها الغناء تمثل قالبا هو احد الاشكال الخاصة بالشعوب الآسيوية هذه الحركات والاشارات الاجتماعية تحولت انفا الى المسرح الشرقي التعبيري الذي تميز بالايقاع والتناغم وقد ظلت المسرحية الشرقية مجهولة تماما بالنسبة للمسرح الغربي حتى الجزء الاول من القرن التاسع عشر والتي اتخذت من جسد الانسان محورا رئيسا في التقاليد المسرحية.

وكانت ميزة الراقص هو تلوين الاطراف بزخارف ومنها الاصابع بالخضاب او بالرسوم الخاصة وتلوين الوجه ورسمه بطرق تتناسب مع تلك الحركات و الايماءات مع لبس الزي الخاص والمكملات فالميزة التي تمتاز بها مسارح الشرق هي عبارة عن تقاليد تراعي كل ما يتصل بالتمثيل الملابس والماكياج والحركات تجري كلها في نظام معلوم.

وقد افاضت المؤلفة في طرح رؤاها عن تلك الحضارات كل على حدة ، وطرحت عبر منظومة وعي متكاملة العديد من الاشكاليات ، فضلاً عن استعراضها للاساطير ومدى علاقتها بهذا الفن من حيث التأثير والتأثر.
وحتى يكتمل الطرح اخذت المؤلفة عيناتها من خمسة اعمال مسرحية عراقية خاصة بمسرح الطفل، حيث اشتغلت على تلك الاعمال عبر تطبيقات مليئة بالتمعن البصري والتأملي، وتلك الاعمال هي مسرحية " طائر بلون الفضة" تاليف حسن موسى واخراج سعدون العبيدي ومسرحية "انا بلبل" تاليف واخراج ناجد جباري ومسرحية "اصدقاء الشمس" تاليف جاسم محمد صالح واخراج عبد الكريم سلمان و مسرحية "زينب والنمل" تأليف طه سالم واخراج عبد علي كعيد ومسرحية " فيتامينات(O) ونزال التحدي" تاليف واخراج حسين علي هارف.
وقدمت المؤلفة في فصلها الاخير نتائج بحثها العامة والتوصيات الخاصة بالبحث، فضلا عن عدد من الملاحق التي لها علاقة بالبحث اضافة الى الصور التعريفية الخاصة بفن المكياج، ليكتمل المؤلف ويصير بين ايدينا كتابا مهما في الفن المسرحي يغني المكتبة العراقية أنتجته الذائقة الفنية للفنانة الكبيرة ذكرى عبدالصاحب.

-------------------------------------------------------
المصدر : عدنان الفضلي  - ميدل ايست أونلاين

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة

د.فاضل الجاف 

شهد المسرح الحديث في العقود الاخيرة تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا، وقد شمل هذا التطور ميادين معمار المسرح والسينيوغرافيا(الفضاء والمناظر المسرحية) والضؤ والصوت والازياء.
 ومما لاشك فيه ان هذا التطور أدى بشكل مباشرالى خلق آفاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين والممثلين بإكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف انسانية أفضل في ظل إمكانيات وتجهيزات حديثه على كل الاصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر.

 وتجدر الاشارة الى ان هذا التطور لم ينبثق فجاءة في هذه المرحلة من تاريخ المسرح، فالتكنولوجيا المسرحية، كانت قائمة منذ العصر الاغريقي، بماكنتها البسيطة وحلولها السهلة في تجسيد مشاهد المسرحية، وقد تطورت هذه التكنولوجيا على مرّ العصور المسرحية.
 لكن التكنولوجيا المسرحية قديما كانت في مجملها سهل التنفيذ وذات وظيفة مجازية في معظم الأحيان.
 ويدرج بعض الباحثين التقنيات التكنولوجية التي شهدها المسرح في العصور الاولى من تطوره، ضمن التقنيات السهلة او البسيطة، اما ماجرى من تطور تكنولوجي للمسرح الحديث فيندرج ضمن النوع المعقد ذي سرعة وإيقاع شديدين، حتى انه بات من الصعب مواكبته من قبل المسارح ذات الامكانات المتواضعة.

فمثلا في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية كان صوت الرعد ينفذ حتى الخمسينات من القرن المنصرم بإستخدام صفيحة معدنية، وصوت حافر الخيل كان ينفذ عن طريق إستخدام قشرة جوز الهند الجافة. وكانت ثمة ماكنة بسيطة تستخدم لإحداث صوت الرياح بفعل قماش من الخيش. أما صوت سقوط المطر فقد كان يتم عن طريق تحريك البازلاء الجافة في أنابيب. أما ما حدث من تطور في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية في العقود الاخيرة، خصوصا بعد ظهور الكومبيوتر فتعد قفزة لم يشهدها تطور المسرح من قبل كما ونوعا وسرعة.

ومن الباحثين من يطلق على التطور الحاصل في مجال تقنيات المسرح ثورة داخل ثورة المسرح الحديث، ثورة مهّد لها روّاد المسرح الحديث من أمثال مييرهولد، كريغ، آبيا ونيهر ببدايات وإنجازات متمثلة بالخطوات الاولى في تغيير بنية المسرح معمارا وفضاء وأضاءة و تقنيات في الصوت. 
 كانت تصورات الرواد حول تغيير المسرح تغييرا جذريا تبدو حينها ضربا من الحلم والرؤى المستقبلية، لكن رؤى الرواد وتصوراتهم كشفت امام المسرح المعاصر عن آفاق وأفضية شاسعة ربما لم يكن تصورها سهلا إلا لمخيلة مبدعين من امثال مييرهولد وكريغ وآبيا.

ويمكن القول ان هذا التطور الهائل الذي بلغ أوجّه في المسرح الموسيقي والأوبرا وعروض الرقص، خلَقت لغة مسرحية جديدة لغة مسرح الحداثة وما بعد الحداثة، كما هي تتجلى واضحة في اعمال كبار مخرجي عصرنا، من أمثال جورجيو ستريهلر وروبرت ويلسون وروبرت ليباج. أعمال تحقق فيه الكثير من أحلام رواد المسرح الحديث الاوائل.
وكانت التكنولوجيا الأداة الرئيسة لتحقيق الحلم الفني، ومنفذا لرؤى مخيلة الفنان المسرحي.

ومما يجدر الإشارة اليه هو ان تطور التقنيات في المسرح الحديث إستمد دوافعه وجذوره أساسا من المخرج ومخيلته وسعيه الى تجسيد رؤاه وأحلامه. فالتصورات الجديدة لإستخدام التكنولوجيا في المسرح وتطويعه في مجالات مختلفة، برزت وتبلوّرت ببروز المخرج كصاحب مهنة مستقلة ومهمة في العملية الإبداعية.

 فالمخرجين الأوائل مييرهولد، كريغ، رينهاردت فعَلوا ونشَطوا دور السينوغراف والمصمم المعماري و مصصم الانارة ومهندس الصوت، وبدأ التقنيون يتبأون لأول مرة مكانة مهمة في ثورة المسرح. 
ولعل من الصواب القول بأن أول قفزة في سياق التطوّر التكنولوجي بعد اختراع قوة الكهرباء كانت البنائية، التي استوجبت هندسة أخرى في الفضاء المسرحي والمعمار والماكنة المسرحية. ان التطوّر الحاصل في هيكل التقنيات المسرحية لهي إمتداد لإنجازات البنائيين في مجال إستخدام البنى الكبيرة والماكنة المعقدة على المسرح وبتقنيات غاية في البراعة والإتقان. تقنيات دخلت كجزء حيوي ضمن هيكل العرض المسرحي  وليس بخاف فإن البنائية إنبثقت في المسرح كثمرة للجهد المشترك بين المخرج والفنان المعماري. وعليه فإن الأنجازات في مجال التكنولوجيا المسرحية ما هي إلا تحقيق لرؤى وتصورات الاوائل من المخرجين والرساميين والمهندسين وتعاونهم في عمل مشترك لتطوير مسرح العصر الحديث.

يقول كريستوفر بو في كتابه العرض المسرحي والتكنولوجيا كان كريغ يريد لمناظره المسرحية ان تتحرك كالصوت، مثلما الموسيقى تتحرك.
ويذكر ايضا ان احد مصصمي المناظر المسرحية في فرنسا كتب بعد لقائه كريغ في رسالة الى مدير مسرحه عام1910 يقول:
"إن كريغ يريد لمناظره ان تتطور مع سير المسرحية، لا أعرف كيف يمكن ان يتم تنفيذ مثل هذه الفكرة. ولكن الفكرة بحد ذاتها تعد من الدرجة الاولى. فلو تم تحقيق ذلك لغدا ثورة في مجال السينوغرافيا".

إن كريغ كان فنانا يدرك ضرورة الخيال وضرورة إدراك كون التكنولوجيا المسرحية  إمتدادا للخيال المسرحي ذاته. فأستخدامه عند مييرهولد وطرق الاستفادة منها كان جزء من العملية المسرحية والابداع الفني.
 ولعل المخرج البريطاني بيتر هول احسن من يعبّر عن الحذر من إستخدام الماكنة في المسرح من أجل الاستخدام فقط، فهو يقول: إن المسرح يحبّذ التناقض وعليه فإن الماكنة في المسرح تجب ان تستخدم كقيمة مجازية.

رؤى وأحلام دافينشي في المسرح البصري
كان اكبر الحالمين بالحلول التكنولوجية المبتكرة، هو الرسام والنحات الايطالي ليوناردو دافينشي الذي على يده حصل أهم تطوّر في تأريخ التقنيات المسرحية.

كان نموذج دافينشي لأوبرا أورفيوس تطورا هائلا في مجال الأوبرا. فقد صمم دافينشي العديد من الماكنات المسرحية في ميلانو. وكان أهم تصميم جديد له هو تصميمه خشبة مسرح تقدم عليها لأوبرا أسطورة أورفيوس 1518.

كان تصميم المنظر معقدا جدا في حينة، فقد أحتوى المنظر قبة تمثل قبة الكنيسة، تتفتح شيئا فشيئا على شكل جبل، لتكشف عن مشهد آخر، ثم تسحب الجبال عن المسرح من الجانبين. الى جانب هذا كان المشهد الأكثر غرابة هو المشهد الذي كان يرفع من تحت الارض كمصعد الى مستوى المسرح.
ماذا لو عاش دافينشي في عصر مييرهولد و كريغ!،لكانت إنجازاتة بلغت العصر الحديث بفاعلية خارقة.
 ففي الخمسينات من القرن المنصرم فقط بدأت المسارح تستخدم الاصوات المسجلة على الاسطوانات الكبيرة، وقد كان الاعتراض على أستخدام الصوت المسجّل شديدا في حينه.

إن المسرح البريطاني يعد من أهم المسارح الذي أختبر وحقق مختلف التقنيات الحديثة، وكان الى جانب المسرح الاميركي السبّاق في التجريب على كافة أنماط التقنيات الحديثة، فعروض الويست إيند وعروض برودواي حملت في مجال التقنيات الحديثة دهشة وانبهارا لمشاهدها لم يكن متاحا قبل ذلك. وكانت العروض الموسيقية لمسرحيات من أمثال الشعر 1957 و مسرحية يا لها من حياة حلوة 1963 السبَاقة في كشوفاتها التقنية.
وعلى الرغم من ان المسرح البريطاني لم يشهد نهضة تقنية تستحق الاشارة الى نهاية حرب العالمية الثانية، لكن بعد ذلك استمد كبار المصمين في المسرح والأوبرا الإلهام في خلق وإبتكار تقنيات جديدة أستخدمت من قبل المخرجين الشباب في الستينات من أمثال بيتر هول وتريفور نان وجون كاريد.

رواد التكنولوجيا في المسرح المعاصر


يوسف سفابودا:1920- 2002
المصمم التشيكي سفابودا صمّم و اخرج أكثر من 700 عمل مسرحي، منهدس معماري اصلا، مخترع المصباح السحري على المسرح، مؤسس الستائر المتعددة أو المضاعفة، إلى جانب عدد من التقنيات البصرية والسمعية.
نجح سفابودا في جعل الضؤ وسيلة مادية ملموسة، ذا قصد نحتي تجسيدي، وذلك بإستخدام العاكسات (بروجيكشن).
لقد نجح سفابودا في خلق تشكيلات مسرحية على شكل مونتاج مؤلف من الممثلين و الصورة المنبعثة من العاكسة، لينتج بذلك مشهدا ملئيا بالحيوية.
لم يكن هدف سفابودا في عمله يقتصر فقط على خلق صورة مسرحية كإنعكاس للضؤ المنبعث من العاكسة، بل كان نجح في خلق مشاهد نحتية مجسّدة، مفعمة بالحيوية والعنفوان الدرامي.

ومن التقنيات المهمة التي أبتكرها سفابودا إستخدام المكعبات في صف واحد، على شكل جدار، وفي كل مكعب كان ثمة بروجكتور يعكس الصورة على النظارة بهدف خلق عمل حي متحرك لفن العرض.
كان هدف سفابودا يتلخص في السينوغرافيا الحية والتي هي الاخرى الى جانب الضؤ والموسيقى يجب ان تشارك في الفعل المسرحي، أو أن تكون في حركة دائمة ولا ينبغي أن تقتصر الحركة على الممثلين فقط.
لعلنا لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا سفابودا أهم مبدع ورائد ومطبق، بعد آبيا في مجال استخدام الضؤ وفي إبتكاره مفهوم السايكوبلاستيك وهو مفهوم يعتمد التقنيات العلمية الحديثة في تجسيد العلاقة بين الابعاد الثلاثة للفضاء المسرحي، وعلاقتها بالحالة النفسية والشعورية وبالنظارة في نفس الوقت. وفي رأيه ان مهمة السينوغراف تكمن في أستخدام هذه العناصر مجتمعة في وحدة واحدة، في بعد رابع يسميه الزمن- الفضاء، بما أن الحركة على المسرح تتطلب فضاء وزمنا.
إن منجزات سفابودا في مجال إستخدام التقنيات الحديثة في مجال ربط الفضاء الدرامي والزمن الدرامي والإيقاع الدرامي والضؤ الدرامي تعتبر من أهم إنجازات النصف الثاني من قرن العشرين.

روبرت ولسون

 إن المخرج الاميركي روبرت ولسون منهدس معماري ومصمم ديكور في المقام الأول، فهو عمله في الاخراج من التكوين المعماري والبصري للعرض قبل كل شيء ويساعده في تنفيذ ذلك خلفيته الثقافية كمعماري، ودرايته الواسعة في إستخدام التقنيات الحديثة، بالإضافة الى إعتماده على فريق كبير من أمهر التقنين في مختلف التقنيات المطلوبة في العرض المسرح … وإذا وضعنا جانب الانتقادات الموجهة إليه في هذا الصدد والتي تتلخص بطغيان الجانب البصري في عروضه على حساب النص والمضمون، فإن لروبرت ولسون طريقة متميزة ولغة فنية خاصة به فهو يقول : 
إنني أفكر في إعدادي الصور و التصاميم والرسوم البيانية، لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص. وقد اعتاد ولسون على النقد المألوف الذي مفاده كيف يقوم المخرج برسم العرض قبل أن يلتقي بالممثلين، أو كيف يتم رسم الصورة والميزانسين دون وجود الممثل، وفي هذا الصدد يقول :

إنه مسألة تنظيم معماري في الزمن والفضاء، ولا يهم إن كان هناك ممثلون أو لا! فالضوء يتحرك، والأدوات المستعملة على المسرح تتحرك، إنها مسألة التوقيت، إنه البنيان (البناء) في الفضاء، لذلك أعتقد، إنه المعمار، أي بناء الشيء، سواء كان ذلك عند موزارت أو فاغنر أو شكسبير، باختصار إنه الأداء على أسس الرقص، دون الاكتراث بالبناء الأدبي للنص، فالقيمة البصرية تحل محل القيمة الأدبية دائماً. وعليه فإن الغرض القائم جمالياً لا يمس من قبل الجمهور، ولسون يحتفظ بخط البروسينيوم والمعمار التقليدي للمسرح ويسعى أن يقيم المتفرج علمه المسرحي هناك على مسافة.

 يبدأ ولسون عادة تمارينه بتنظيم ورشات عمل مع ممثليه لإلغاء المهمة الشفوية للعمل المسرحي، وغالباً ما تحدد متطلبات عمل الورشة باحتياجات الممثلين الفردية، لكن الورشة تحتوي دائماً على حركات جسدية عامة، يؤديها الجميع للعمل المسرحي.

وبرغم الخطوط العامة والسمات المشتركة لأسلوب ولسون، فإنه دائماً يبتكر شكلاً متميزا غير مألوف للعرض. ففي مسرحية "ماكنة هاملت" لهنري ميللر القصيرة، كان المؤلف قد خطط للعرض كي لا يتجاوز 15 دقيقة، لكن العرض في معالجة ولسون استغرق ساعتين ونصف، حيث وزع حوار المسرحية على الممثلين بشكل عشوائي، مما أعطى للعرض طابعاً سريالياً صرفاً. 
تشكل الموسيقى في الغالب عنصراً مهماً في العرض من البداية وحتى النهاية، ثم هناك الكلمات التي تدخل العرض بشكل متقطع.

إن السينوغرافيا في عرض ولسون المذكور تتضمن، بالإضافة إلى الهيكل المعماري، الصور المرسومة على الستائر، السلايدات المنفذة بدقة، بحيث تدخل البناء المعماري في إيقاع واحد مع الموسيقى والأداء المؤسلب المتأثر بروح المسرح المشرقي (نو الياباني).

روبرت ليباج
يتمتع المخرج الكندي روبرت ليباج، الملقب بساحر المسرح، بشهرة عالمية واسعة وحضور دائم في معظم المهرجانات المسرحية. ويحتل اسمه حالياً مكانة مرموقة بين أسماء أهم خمسة مخرجين مسرحيين بعد جيل بيتر بروك، وهم الأمريكي روبرت ويلسون، والألماني بيتر شتاين، والروسي ليف دودون، والفرنسية أريانا منوتشكين.
ويشارك هذا المخرج، الذي ولد في مدينة كوبيك عام 1957 ودرس المسرح فيها قبل أن ينتقل إلى فرنسا، الأمريكي روبرت ولسون في ريادة ما يسمى بالمسرح البصري.

ولعل الاستشهاد برأي المخرج الإنكليزي المعروف ريتشارد إر يساعدنا في الدخول إلى عالم ليباج المسرحي، وفهم أسلوبه الإخراجي، فهو يقول: "إن ليباج يحوّل المكان العام إلى مكان سحري، والمكان السحري إلى مكان واقعي سهل المنال، وليباج ممون أحلام، والأمر المحفّز بالنسبة إليّ أنه يعمل بلغة ومفردات تنتمي إلى لغة العرض".

 يقول ليباج ان التطور التقني جعل من المسرح يعيش عصر نهضة جديدة، فبالنسبة اليه ساعده هذا التطور في خلق الشكل المطلوب على المسرح، وفي تجسيد التصور الاخراجي بمساحة واسعة من الحرية.
تتسم أعمال ليباج المنجزة أسلوبه الإخراجي أفضل من تلك الأعمال التي يقدمها على المسارح الأوروبية كمخرج ضيف، حيث يعمل مع ممثلين من مدارس تأهيلية مختلفة، ضمن عقود مع مؤسسات مسرحية وتحت ظروف فنية مختلفة. 
وفي حين تتمتع "إكس ماشينا" بوحدة فنية في الأسلوب ومنهج صارم في التدريب والمران والعمل الدؤوب في الابتكار، يتم خلالها إنتاج أعمال مسرحية مدهشة بغية عرضها في المهرجانات العالمية وهي في أوج تكاملها. 

الصياغات السينوغرافية
في لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ، تجري مشاهد المسرحية في مكعب مثبت على ركيزة، يدور المكعب لينتقل الممثلون من سطح إلى آخر حسب توالي المشاهد بطريقة مسرحية رشيقة، وكأنهم يعانون من ضغط هائل، ولا منفذ أمامهم سوى الحلم، بينما يتجلى البحر تحتهم على شكل مساحة مائية يشرف عليها المكعب المأهول بسكانه. وفي "حلم ليلة منتصف صيف" يحوّل ليباج الغابة الشكسبيرية إلى ساحة شاسعة من الوحل والمياه، تتمرغ فيها أجساد الممثلين ببدائية وعنفوان. 
ويهتم ليباج باللغة وأصواتها، ففي عروضه التي يعدها لفرقة "إكس ماشينا" يستخدم لغات عدة حسب انتقال المشاهد، ويكرر هذا الاهتمام في النصوص التي يكتبها بنفسه، حيث أن الجرس الموسيقي والتنويع الصوتي للغات المختلفة يضيفان على العرض شعراً إيقاعياً مثيراً، ويخلقان تأثيراً يضاهي التأثيرات البصرية.

الخلاصة

إن التتقينات الحديثة تمثل في جوهرها تحقيقا لخيالات ورؤى المسرحيين الاوائل ممن كانوا يسعون الى تجديد المسرح شكلا ومضمونا.
على المخرج ان يكون مطّلعا على المنجزات العملية في عصره، ويكون على وعي بانجازات الباحثين في مختلف مجالات العلوم. ان المخرج والتتقنين في عصرنا الحالي لايمكن أن يعيشوا بمعزل عن التطور العلمي والتكنولوجيا الذي غزت ميادين الحياة. وكلما كان إطلاع المخرج عميقا وشاملا كلما اصبح بمقدوره ان يجسّد أفكارة وتصوراته وحلوله الإخراجية بسهولة وبسبل فنية مدهشة و ساحرة. وكلما كان المسرح بمعزل عن التقنيات الحديثة أو غافلا عنها كلما أكتنفت لغة العرض صعوبات في التنفيذ والتحقيق.

ان لغة العرض شهدت تطورا كبير، لم يكن ليدور في خلد الرواد الاوائل من المجددين، فقد ادهشني عرض في الرقص على أحد مسارح ستوكهولم كان ينقل أجزاء مكملة من نفس العرض على مسرح في امستردام بتقنية بارعة و في مونتاج مبهر حيث ان المشهد الذي كان يجري أداءه على مسرح أمستردام، كان يشكَل جزاء حيا من عرض استوكهولم.

ولا يمكن إنكار حقيقة وجود مخرجين مبدعيين عملوا ويعملون بمنأى عن إستخدام التكنولوجيا المعقدة، الى هذا الصنف ينتمي على سبيل المثال، كروتوفسكي وبرووك في العصرالراهن، لكن تجاوز بعض المخرجين في اوربا التكنولوجيا والعمل بمبدأ الحد الادنى في العرض المسرحي لا يعني بالضرورة، الطلاق النهائي مع التكنولوجيا، فحتى في هذه الحال نرى ان كل شئ بإستثناء لغة العرض القائمة على الفضاء الفارغ عند برووك مثلا مرتبط إرتباطا وثيقا بالتطور التكنولوجي الحاصل في ميادين التقنيات المسموعة والمرئية، ناهيك عن مجالات التسويق والاتصال بالنظارة وبمختلف مسارح العالم وقطاعات الثقافة.
ففي آخر عرض شهدته لبيتر برووك في ستوكهولم في خريف عام المنصرم، شهدت كيف ان العرض البسيط العاري من كل التقنيات و باللغة الفرنسية، تصاحبه شاشة الترجمةـ فلم تعد اللغة حاجزا كبيرا أمام العرض المسرحي بفضل تقنيات الترجمة.

ومن الواضح ان الانتاج المسرحي بإعتماده على تقنيات الكومبيوتر قطع شوطا كبيرا في التنفيذ المتقن والسريع. في، حيث يتم برمجة المشاهد والضوء والموسيقى والصوت بطريقة يسيرة، مما يسهل إنتاج المسرحيات الطويلة الصعبة التنفيذ بأسابيع معدودة من المران والتدريب.
لعل إستخدام الكومبيوتر في مجالات الانتاج يعتبر اهم خطوة بعد اكتشاف الطاقة الكهربائية. فقد أصبح بإمكان فنان السينيوغرافيا ان يجسد نموذجه على شاشة الكومبيوتر وان يدخل عليه الممثلين وهم يتحركون وإختبار مدى إمكانية تغيير وتبديل المناظر عمليا،كي يصل الى نتيجة مضمونة قبل تنفيذ النموذج على الخشبة، والشئ نفسه ينطبق على الضؤ. اما بالنسبة لمصمم الازياء فقد حقق الكومبيوتر نجاحا في هذا المجال ايضا حيث يستخدم فنان الازياء صورة الممثل نفسه ليجرب معه مختلف أنواع الازياء وصولا الى الزي المناسب.

المسرح العربي والتكنولوجيا

وأمام هذا التطور الهائل الذي يشهده المسرح في الميدان التكنولوجي، نجد أن المسرح العربي يعاني قصورا كبيرا في استخدام التقنيات الحديثة وفي ندرة عدد تقنيين أكفاء، وان هذا القصور يشمل معظم ميادين المعمار والفضاء وهندسة الضؤ والصوت. ومما لاشك فيه ان القصور يشّكل أيضا نقطة مهمة في إنحسار المسرح العربي وتخلفه عن الركب المسرحي العالمي.

ان المسرح العربي بأمس الحاجة الى إعداد وتهيأة تقنيين أكفاء وجود التقنين في مختلف مجالات المسرح قبل إقناء الاجهزة والمعدات التقنية، فإن ذلك سيعطي للمسرح العربي زخما في طريق التطور والازدهار. ان الكليات ومعاهد المسرح في العالم العربي يجب ان تأخذ على عاتقها مهمة تدريس التكنولوجيا الحديثة في مناهج تدريس السينوغرافيا والضؤ والصوت والازياء

ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نغفل دور التخلف التكنولوجي في المسرح العربي على إنحسار الجمهور الذي لا يمكن ان يعتاد على متابعة العرض المسرحي في صالات متهرئة وبتقنيات بالية.

يعيش المخرج في المسرح العربي في حالة تصادم دائم مع الخشبة، لكونها غير مجهزة بالتقنيات المطلوبة، وعليه فهي لا يمكن ان تستجيب لمتطلباته، وان كان مجهزا بالتقنيات فهناك غياب اوشحة في التقنين الاكفاء الذي بإمكانهم ان يقدموا للمخرج وللعرض ابعادا وجلولا إبداعية تضفي على العرض جوانب إضافات فنية لا تقل عن إبداع المخرج والممثل والمؤلف. 
 فإبداعات المخرج مهما كان بارعا، لايمكن ان تجسّد تجسيدا فنيا دقيقا متقنا الا بوجود الفنان التقني الذي بإمكانه ان يفتح بوجه المخرج أفاقا لا يمكن أن يتصوره أحيانا.

ان لغة العرض قائم في وظيفته ودلالاته في جزء كبير منه على العلاقة الابداعية والحرفية القائمة بين المخرج والتقنين، وهي علاقة مازالت ضعيفة في المسرح العربي، ان لم تكن معدومة في الكثير من العروض المسرحية.
 فالمخرج العربي مازال يجد نفسه وحيدا في العملية الابداعية و في إنتاج العرض، بينما نجد ان هذه العلاقة على درجة كبيرة من المتانة والحميمية في المسرح الغربي والشرقي معا، حيث ان فناني السينوغرافيا والضؤ والصوت يتفننون في خلق وتجسيد رؤى المخرج الفنية، بل فهم يعملون معا في انتاج العرض، إن الكلية في العمل الابداعي هي سمة المسرح المعاصر، هذه السمة مازالت ضعيفة، ان لم تكن معدومة في المسرح العربي.

ونتيجة لذلك نرى ان المخرج في المسرح العربي بشكل عام محروم من إبداعات الفنانين التقنيين، و لا يزال غير قادر على التعامل معهم  بلغة فنية قائمة على الحرفية وإحترام إبداع وعطاء الاخر، بغية الوصول الى عرض متكامل. وعليه فإن العروض المتكاملة تقنيا نادرة في المسرح العربي.

إن المسرح العربي لايزال يعتمد في لغة العرض على عطاءات المؤلف ثم المخرج وأخيرا الممثل. أما التقني فما زال دوره محدودا أو بعيدا عن الحرفية. بينما التكنولوجيا في المسرح المعاصر قطعت شوطا في كشف الحالة الانسانية في الدراما وتجسيد الدوافع الانسانية بأساليب حديثة، مسموعة ومرئية، فالتكنولوجيا الحديثة تمنح المؤلف المسرحي والممثل إمكانيات هائلة في تجسيد ما يدور في مخيلة المؤلف المسرحي شريطة ان يكون على دراية ووعي بذلك. وحتي في مجالات التجريب، فإن ما يسمى في المسرحي العربي تجريبا، خصوصا في مجال المسرح البصري على سبيل المثال، الذي هو اكثر المسارح اعتمادا على التقنيات الحديثة، فقد أكل الدهر عليه وشرب منذ الخمسينات في اوربا.
وأخيرا فان التكنولوجيا في المسرح لا يمكن ان يكتب لها النجاح من دون تقنيين مؤهلين تأهيلا تاما، ومن دون ممارستها بصورة مبدعة، ومن دون ان يتوفر لها المعمار المسرحي المناسب.

ملاحظة:
- استقيت معلوماتي عن سفابودا من كتاب العرض المسرحي والتكنولوجيا، كريستوفر بو. باللغة الانكليزية.
- المعلومات عن كريغ مستمدة من كتاب نهوض المسرح الحديث، غوستا بيرغمان، باللغة السويدية. 
- الفقرات الخاصة بالمخرجين ويلسون وليباج، مقتبس من كتاب المسرح السويدي، اراء وأفكار، د. فاضل الجاف، باللغة العربية

---------------------------------------------
المصدر : أيلاف 

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة


د.فاضل الجاف 

شهد المسرح الحديث في العقود الاخيرة تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا، وقد شمل هذا التطور ميادين معمار المسرح والسينيوغرافيا(الفضاء والمناظر المسرحية) والضؤ والصوت والازياء.
 ومما لاشك فيه ان هذا التطور أدى بشكل مباشرالى خلق آفاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين والممثلين بإكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف انسانية أفضل في ظل إمكانيات وتجهيزات حديثه على كل الاصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر.

 وتجدر الاشارة الى ان هذا التطور لم ينبثق فجاءة في هذه المرحلة من تاريخ المسرح، فالتكنولوجيا المسرحية، كانت قائمة منذ العصر الاغريقي، بماكنتها البسيطة وحلولها السهلة في تجسيد مشاهد المسرحية، وقد تطورت هذه التكنولوجيا على مرّ العصور المسرحية.
 لكن التكنولوجيا المسرحية قديما كانت في مجملها سهل التنفيذ وذات وظيفة مجازية في معظم الأحيان.
 ويدرج بعض الباحثين التقنيات التكنولوجية التي شهدها المسرح في العصور الاولى من تطوره، ضمن التقنيات السهلة او البسيطة، اما ماجرى من تطور تكنولوجي للمسرح الحديث فيندرج ضمن النوع المعقد ذي سرعة وإيقاع شديدين، حتى انه بات من الصعب مواكبته من قبل المسارح ذات الامكانات المتواضعة.

فمثلا في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية كان صوت الرعد ينفذ حتى الخمسينات من القرن المنصرم بإستخدام صفيحة معدنية، وصوت حافر الخيل كان ينفذ عن طريق إستخدام قشرة جوز الهند الجافة. وكانت ثمة ماكنة بسيطة تستخدم لإحداث صوت الرياح بفعل قماش من الخيش. أما صوت سقوط المطر فقد كان يتم عن طريق تحريك البازلاء الجافة في أنابيب. أما ما حدث من تطور في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية في العقود الاخيرة، خصوصا بعد ظهور الكومبيوتر فتعد قفزة لم يشهدها تطور المسرح من قبل كما ونوعا وسرعة.

ومن الباحثين من يطلق على التطور الحاصل في مجال تقنيات المسرح ثورة داخل ثورة المسرح الحديث، ثورة مهّد لها روّاد المسرح الحديث من أمثال مييرهولد، كريغ، آبيا ونيهر ببدايات وإنجازات متمثلة بالخطوات الاولى في تغيير بنية المسرح معمارا وفضاء وأضاءة و تقنيات في الصوت. 
 كانت تصورات الرواد حول تغيير المسرح تغييرا جذريا تبدو حينها ضربا من الحلم والرؤى المستقبلية، لكن رؤى الرواد وتصوراتهم كشفت امام المسرح المعاصر عن آفاق وأفضية شاسعة ربما لم يكن تصورها سهلا إلا لمخيلة مبدعين من امثال مييرهولد وكريغ وآبيا.

ويمكن القول ان هذا التطور الهائل الذي بلغ أوجّه في المسرح الموسيقي والأوبرا وعروض الرقص، خلَقت لغة مسرحية جديدة لغة مسرح الحداثة وما بعد الحداثة، كما هي تتجلى واضحة في اعمال كبار مخرجي عصرنا، من أمثال جورجيو ستريهلر وروبرت ويلسون وروبرت ليباج. أعمال تحقق فيه الكثير من أحلام رواد المسرح الحديث الاوائل.
وكانت التكنولوجيا الأداة الرئيسة لتحقيق الحلم الفني، ومنفذا لرؤى مخيلة الفنان المسرحي.

ومما يجدر الإشارة اليه هو ان تطور التقنيات في المسرح الحديث إستمد دوافعه وجذوره أساسا من المخرج ومخيلته وسعيه الى تجسيد رؤاه وأحلامه. فالتصورات الجديدة لإستخدام التكنولوجيا في المسرح وتطويعه في مجالات مختلفة، برزت وتبلوّرت ببروز المخرج كصاحب مهنة مستقلة ومهمة في العملية الإبداعية.

 فالمخرجين الأوائل مييرهولد، كريغ، رينهاردت فعَلوا ونشَطوا دور السينوغراف والمصمم المعماري و مصصم الانارة ومهندس الصوت، وبدأ التقنيون يتبأون لأول مرة مكانة مهمة في ثورة المسرح. 
ولعل من الصواب القول بأن أول قفزة في سياق التطوّر التكنولوجي بعد اختراع قوة الكهرباء كانت البنائية، التي استوجبت هندسة أخرى في الفضاء المسرحي والمعمار والماكنة المسرحية. ان التطوّر الحاصل في هيكل التقنيات المسرحية لهي إمتداد لإنجازات البنائيين في مجال إستخدام البنى الكبيرة والماكنة المعقدة على المسرح وبتقنيات غاية في البراعة والإتقان. تقنيات دخلت كجزء حيوي ضمن هيكل العرض المسرحي  وليس بخاف فإن البنائية إنبثقت في المسرح كثمرة للجهد المشترك بين المخرج والفنان المعماري. وعليه فإن الأنجازات في مجال التكنولوجيا المسرحية ما هي إلا تحقيق لرؤى وتصورات الاوائل من المخرجين والرساميين والمهندسين وتعاونهم في عمل مشترك لتطوير مسرح العصر الحديث.

يقول كريستوفر بو في كتابه العرض المسرحي والتكنولوجيا كان كريغ يريد لمناظره المسرحية ان تتحرك كالصوت، مثلما الموسيقى تتحرك.
ويذكر ايضا ان احد مصصمي المناظر المسرحية في فرنسا كتب بعد لقائه كريغ في رسالة الى مدير مسرحه عام1910 يقول:
"إن كريغ يريد لمناظره ان تتطور مع سير المسرحية، لا أعرف كيف يمكن ان يتم تنفيذ مثل هذه الفكرة. ولكن الفكرة بحد ذاتها تعد من الدرجة الاولى. فلو تم تحقيق ذلك لغدا ثورة في مجال السينوغرافيا".

إن كريغ كان فنانا يدرك ضرورة الخيال وضرورة إدراك كون التكنولوجيا المسرحية  إمتدادا للخيال المسرحي ذاته. فأستخدامه عند مييرهولد وطرق الاستفادة منها كان جزء من العملية المسرحية والابداع الفني.
 ولعل المخرج البريطاني بيتر هول احسن من يعبّر عن الحذر من إستخدام الماكنة في المسرح من أجل الاستخدام فقط، فهو يقول: إن المسرح يحبّذ التناقض وعليه فإن الماكنة في المسرح تجب ان تستخدم كقيمة مجازية.

رؤى وأحلام دافينشي في المسرح البصري
كان اكبر الحالمين بالحلول التكنولوجية المبتكرة، هو الرسام والنحات الايطالي ليوناردو دافينشي الذي على يده حصل أهم تطوّر في تأريخ التقنيات المسرحية.

كان نموذج دافينشي لأوبرا أورفيوس تطورا هائلا في مجال الأوبرا. فقد صمم دافينشي العديد من الماكنات المسرحية في ميلانو. وكان أهم تصميم جديد له هو تصميمه خشبة مسرح تقدم عليها لأوبرا أسطورة أورفيوس 1518.

كان تصميم المنظر معقدا جدا في حينة، فقد أحتوى المنظر قبة تمثل قبة الكنيسة، تتفتح شيئا فشيئا على شكل جبل، لتكشف عن مشهد آخر، ثم تسحب الجبال عن المسرح من الجانبين. الى جانب هذا كان المشهد الأكثر غرابة هو المشهد الذي كان يرفع من تحت الارض كمصعد الى مستوى المسرح.
ماذا لو عاش دافينشي في عصر مييرهولد و كريغ!،لكانت إنجازاتة بلغت العصر الحديث بفاعلية خارقة.
 ففي الخمسينات من القرن المنصرم فقط بدأت المسارح تستخدم الاصوات المسجلة على الاسطوانات الكبيرة، وقد كان الاعتراض على أستخدام الصوت المسجّل شديدا في حينه.

إن المسرح البريطاني يعد من أهم المسارح الذي أختبر وحقق مختلف التقنيات الحديثة، وكان الى جانب المسرح الاميركي السبّاق في التجريب على كافة أنماط التقنيات الحديثة، فعروض الويست إيند وعروض برودواي حملت في مجال التقنيات الحديثة دهشة وانبهارا لمشاهدها لم يكن متاحا قبل ذلك. وكانت العروض الموسيقية لمسرحيات من أمثال الشعر 1957 و مسرحية يا لها من حياة حلوة 1963 السبَاقة في كشوفاتها التقنية.
وعلى الرغم من ان المسرح البريطاني لم يشهد نهضة تقنية تستحق الاشارة الى نهاية حرب العالمية الثانية، لكن بعد ذلك استمد كبار المصمين في المسرح والأوبرا الإلهام في خلق وإبتكار تقنيات جديدة أستخدمت من قبل المخرجين الشباب في الستينات من أمثال بيتر هول وتريفور نان وجون كاريد.

رواد التكنولوجيا في المسرح المعاصر


يوسف سفابودا:1920- 2002
المصمم التشيكي سفابودا صمّم و اخرج أكثر من 700 عمل مسرحي، منهدس معماري اصلا، مخترع المصباح السحري على المسرح، مؤسس الستائر المتعددة أو المضاعفة، إلى جانب عدد من التقنيات البصرية والسمعية.
نجح سفابودا في جعل الضؤ وسيلة مادية ملموسة، ذا قصد نحتي تجسيدي، وذلك بإستخدام العاكسات (بروجيكشن).
لقد نجح سفابودا في خلق تشكيلات مسرحية على شكل مونتاج مؤلف من الممثلين و الصورة المنبعثة من العاكسة، لينتج بذلك مشهدا ملئيا بالحيوية.
لم يكن هدف سفابودا في عمله يقتصر فقط على خلق صورة مسرحية كإنعكاس للضؤ المنبعث من العاكسة، بل كان نجح في خلق مشاهد نحتية مجسّدة، مفعمة بالحيوية والعنفوان الدرامي.

ومن التقنيات المهمة التي أبتكرها سفابودا إستخدام المكعبات في صف واحد، على شكل جدار، وفي كل مكعب كان ثمة بروجكتور يعكس الصورة على النظارة بهدف خلق عمل حي متحرك لفن العرض.
كان هدف سفابودا يتلخص في السينوغرافيا الحية والتي هي الاخرى الى جانب الضؤ والموسيقى يجب ان تشارك في الفعل المسرحي، أو أن تكون في حركة دائمة ولا ينبغي أن تقتصر الحركة على الممثلين فقط.
لعلنا لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا سفابودا أهم مبدع ورائد ومطبق، بعد آبيا في مجال استخدام الضؤ وفي إبتكاره مفهوم السايكوبلاستيك وهو مفهوم يعتمد التقنيات العلمية الحديثة في تجسيد العلاقة بين الابعاد الثلاثة للفضاء المسرحي، وعلاقتها بالحالة النفسية والشعورية وبالنظارة في نفس الوقت. وفي رأيه ان مهمة السينوغراف تكمن في أستخدام هذه العناصر مجتمعة في وحدة واحدة، في بعد رابع يسميه الزمن- الفضاء، بما أن الحركة على المسرح تتطلب فضاء وزمنا.
إن منجزات سفابودا في مجال إستخدام التقنيات الحديثة في مجال ربط الفضاء الدرامي والزمن الدرامي والإيقاع الدرامي والضؤ الدرامي تعتبر من أهم إنجازات النصف الثاني من قرن العشرين.

روبرت ولسون

 إن المخرج الاميركي روبرت ولسون منهدس معماري ومصمم ديكور في المقام الأول، فهو عمله في الاخراج من التكوين المعماري والبصري للعرض قبل كل شيء ويساعده في تنفيذ ذلك خلفيته الثقافية كمعماري، ودرايته الواسعة في إستخدام التقنيات الحديثة، بالإضافة الى إعتماده على فريق كبير من أمهر التقنين في مختلف التقنيات المطلوبة في العرض المسرح … وإذا وضعنا جانب الانتقادات الموجهة إليه في هذا الصدد والتي تتلخص بطغيان الجانب البصري في عروضه على حساب النص والمضمون، فإن لروبرت ولسون طريقة متميزة ولغة فنية خاصة به فهو يقول : 
إنني أفكر في إعدادي الصور و التصاميم والرسوم البيانية، لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص. وقد اعتاد ولسون على النقد المألوف الذي مفاده كيف يقوم المخرج برسم العرض قبل أن يلتقي بالممثلين، أو كيف يتم رسم الصورة والميزانسين دون وجود الممثل، وفي هذا الصدد يقول :

إنه مسألة تنظيم معماري في الزمن والفضاء، ولا يهم إن كان هناك ممثلون أو لا! فالضوء يتحرك، والأدوات المستعملة على المسرح تتحرك، إنها مسألة التوقيت، إنه البنيان (البناء) في الفضاء، لذلك أعتقد، إنه المعمار، أي بناء الشيء، سواء كان ذلك عند موزارت أو فاغنر أو شكسبير، باختصار إنه الأداء على أسس الرقص، دون الاكتراث بالبناء الأدبي للنص، فالقيمة البصرية تحل محل القيمة الأدبية دائماً. وعليه فإن الغرض القائم جمالياً لا يمس من قبل الجمهور، ولسون يحتفظ بخط البروسينيوم والمعمار التقليدي للمسرح ويسعى أن يقيم المتفرج علمه المسرحي هناك على مسافة.

 يبدأ ولسون عادة تمارينه بتنظيم ورشات عمل مع ممثليه لإلغاء المهمة الشفوية للعمل المسرحي، وغالباً ما تحدد متطلبات عمل الورشة باحتياجات الممثلين الفردية، لكن الورشة تحتوي دائماً على حركات جسدية عامة، يؤديها الجميع للعمل المسرحي.

وبرغم الخطوط العامة والسمات المشتركة لأسلوب ولسون، فإنه دائماً يبتكر شكلاً متميزا غير مألوف للعرض. ففي مسرحية "ماكنة هاملت" لهنري ميللر القصيرة، كان المؤلف قد خطط للعرض كي لا يتجاوز 15 دقيقة، لكن العرض في معالجة ولسون استغرق ساعتين ونصف، حيث وزع حوار المسرحية على الممثلين بشكل عشوائي، مما أعطى للعرض طابعاً سريالياً صرفاً. 
تشكل الموسيقى في الغالب عنصراً مهماً في العرض من البداية وحتى النهاية، ثم هناك الكلمات التي تدخل العرض بشكل متقطع.

إن السينوغرافيا في عرض ولسون المذكور تتضمن، بالإضافة إلى الهيكل المعماري، الصور المرسومة على الستائر، السلايدات المنفذة بدقة، بحيث تدخل البناء المعماري في إيقاع واحد مع الموسيقى والأداء المؤسلب المتأثر بروح المسرح المشرقي (نو الياباني).

روبرت ليباج
يتمتع المخرج الكندي روبرت ليباج، الملقب بساحر المسرح، بشهرة عالمية واسعة وحضور دائم في معظم المهرجانات المسرحية. ويحتل اسمه حالياً مكانة مرموقة بين أسماء أهم خمسة مخرجين مسرحيين بعد جيل بيتر بروك، وهم الأمريكي روبرت ويلسون، والألماني بيتر شتاين، والروسي ليف دودون، والفرنسية أريانا منوتشكين.
ويشارك هذا المخرج، الذي ولد في مدينة كوبيك عام 1957 ودرس المسرح فيها قبل أن ينتقل إلى فرنسا، الأمريكي روبرت ولسون في ريادة ما يسمى بالمسرح البصري.

ولعل الاستشهاد برأي المخرج الإنكليزي المعروف ريتشارد إر يساعدنا في الدخول إلى عالم ليباج المسرحي، وفهم أسلوبه الإخراجي، فهو يقول: "إن ليباج يحوّل المكان العام إلى مكان سحري، والمكان السحري إلى مكان واقعي سهل المنال، وليباج ممون أحلام، والأمر المحفّز بالنسبة إليّ أنه يعمل بلغة ومفردات تنتمي إلى لغة العرض".

 يقول ليباج ان التطور التقني جعل من المسرح يعيش عصر نهضة جديدة، فبالنسبة اليه ساعده هذا التطور في خلق الشكل المطلوب على المسرح، وفي تجسيد التصور الاخراجي بمساحة واسعة من الحرية.
تتسم أعمال ليباج المنجزة أسلوبه الإخراجي أفضل من تلك الأعمال التي يقدمها على المسارح الأوروبية كمخرج ضيف، حيث يعمل مع ممثلين من مدارس تأهيلية مختلفة، ضمن عقود مع مؤسسات مسرحية وتحت ظروف فنية مختلفة. 
وفي حين تتمتع "إكس ماشينا" بوحدة فنية في الأسلوب ومنهج صارم في التدريب والمران والعمل الدؤوب في الابتكار، يتم خلالها إنتاج أعمال مسرحية مدهشة بغية عرضها في المهرجانات العالمية وهي في أوج تكاملها. 

الصياغات السينوغرافية
في لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ، تجري مشاهد المسرحية في مكعب مثبت على ركيزة، يدور المكعب لينتقل الممثلون من سطح إلى آخر حسب توالي المشاهد بطريقة مسرحية رشيقة، وكأنهم يعانون من ضغط هائل، ولا منفذ أمامهم سوى الحلم، بينما يتجلى البحر تحتهم على شكل مساحة مائية يشرف عليها المكعب المأهول بسكانه. وفي "حلم ليلة منتصف صيف" يحوّل ليباج الغابة الشكسبيرية إلى ساحة شاسعة من الوحل والمياه، تتمرغ فيها أجساد الممثلين ببدائية وعنفوان. 
ويهتم ليباج باللغة وأصواتها، ففي عروضه التي يعدها لفرقة "إكس ماشينا" يستخدم لغات عدة حسب انتقال المشاهد، ويكرر هذا الاهتمام في النصوص التي يكتبها بنفسه، حيث أن الجرس الموسيقي والتنويع الصوتي للغات المختلفة يضيفان على العرض شعراً إيقاعياً مثيراً، ويخلقان تأثيراً يضاهي التأثيرات البصرية.

الخلاصة

إن التتقينات الحديثة تمثل في جوهرها تحقيقا لخيالات ورؤى المسرحيين الاوائل ممن كانوا يسعون الى تجديد المسرح شكلا ومضمونا.
على المخرج ان يكون مطّلعا على المنجزات العملية في عصره، ويكون على وعي بانجازات الباحثين في مختلف مجالات العلوم. ان المخرج والتتقنين في عصرنا الحالي لايمكن أن يعيشوا بمعزل عن التطور العلمي والتكنولوجيا الذي غزت ميادين الحياة. وكلما كان إطلاع المخرج عميقا وشاملا كلما اصبح بمقدوره ان يجسّد أفكارة وتصوراته وحلوله الإخراجية بسهولة وبسبل فنية مدهشة و ساحرة. وكلما كان المسرح بمعزل عن التقنيات الحديثة أو غافلا عنها كلما أكتنفت لغة العرض صعوبات في التنفيذ والتحقيق.

ان لغة العرض شهدت تطورا كبير، لم يكن ليدور في خلد الرواد الاوائل من المجددين، فقد ادهشني عرض في الرقص على أحد مسارح ستوكهولم كان ينقل أجزاء مكملة من نفس العرض على مسرح في امستردام بتقنية بارعة و في مونتاج مبهر حيث ان المشهد الذي كان يجري أداءه على مسرح أمستردام، كان يشكَل جزاء حيا من عرض استوكهولم.

ولا يمكن إنكار حقيقة وجود مخرجين مبدعيين عملوا ويعملون بمنأى عن إستخدام التكنولوجيا المعقدة، الى هذا الصنف ينتمي على سبيل المثال، كروتوفسكي وبرووك في العصرالراهن، لكن تجاوز بعض المخرجين في اوربا التكنولوجيا والعمل بمبدأ الحد الادنى في العرض المسرحي لا يعني بالضرورة، الطلاق النهائي مع التكنولوجيا، فحتى في هذه الحال نرى ان كل شئ بإستثناء لغة العرض القائمة على الفضاء الفارغ عند برووك مثلا مرتبط إرتباطا وثيقا بالتطور التكنولوجي الحاصل في ميادين التقنيات المسموعة والمرئية، ناهيك عن مجالات التسويق والاتصال بالنظارة وبمختلف مسارح العالم وقطاعات الثقافة.
ففي آخر عرض شهدته لبيتر برووك في ستوكهولم في خريف عام المنصرم، شهدت كيف ان العرض البسيط العاري من كل التقنيات و باللغة الفرنسية، تصاحبه شاشة الترجمةـ فلم تعد اللغة حاجزا كبيرا أمام العرض المسرحي بفضل تقنيات الترجمة.

ومن الواضح ان الانتاج المسرحي بإعتماده على تقنيات الكومبيوتر قطع شوطا كبيرا في التنفيذ المتقن والسريع. في، حيث يتم برمجة المشاهد والضوء والموسيقى والصوت بطريقة يسيرة، مما يسهل إنتاج المسرحيات الطويلة الصعبة التنفيذ بأسابيع معدودة من المران والتدريب.
لعل إستخدام الكومبيوتر في مجالات الانتاج يعتبر اهم خطوة بعد اكتشاف الطاقة الكهربائية. فقد أصبح بإمكان فنان السينيوغرافيا ان يجسد نموذجه على شاشة الكومبيوتر وان يدخل عليه الممثلين وهم يتحركون وإختبار مدى إمكانية تغيير وتبديل المناظر عمليا،كي يصل الى نتيجة مضمونة قبل تنفيذ النموذج على الخشبة، والشئ نفسه ينطبق على الضؤ. اما بالنسبة لمصمم الازياء فقد حقق الكومبيوتر نجاحا في هذا المجال ايضا حيث يستخدم فنان الازياء صورة الممثل نفسه ليجرب معه مختلف أنواع الازياء وصولا الى الزي المناسب.

المسرح العربي والتكنولوجيا

وأمام هذا التطور الهائل الذي يشهده المسرح في الميدان التكنولوجي، نجد أن المسرح العربي يعاني قصورا كبيرا في استخدام التقنيات الحديثة وفي ندرة عدد تقنيين أكفاء، وان هذا القصور يشمل معظم ميادين المعمار والفضاء وهندسة الضؤ والصوت. ومما لاشك فيه ان القصور يشّكل أيضا نقطة مهمة في إنحسار المسرح العربي وتخلفه عن الركب المسرحي العالمي.

ان المسرح العربي بأمس الحاجة الى إعداد وتهيأة تقنيين أكفاء وجود التقنين في مختلف مجالات المسرح قبل إقناء الاجهزة والمعدات التقنية، فإن ذلك سيعطي للمسرح العربي زخما في طريق التطور والازدهار. ان الكليات ومعاهد المسرح في العالم العربي يجب ان تأخذ على عاتقها مهمة تدريس التكنولوجيا الحديثة في مناهج تدريس السينوغرافيا والضؤ والصوت والازياء

ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نغفل دور التخلف التكنولوجي في المسرح العربي على إنحسار الجمهور الذي لا يمكن ان يعتاد على متابعة العرض المسرحي في صالات متهرئة وبتقنيات بالية.

يعيش المخرج في المسرح العربي في حالة تصادم دائم مع الخشبة، لكونها غير مجهزة بالتقنيات المطلوبة، وعليه فهي لا يمكن ان تستجيب لمتطلباته، وان كان مجهزا بالتقنيات فهناك غياب اوشحة في التقنين الاكفاء الذي بإمكانهم ان يقدموا للمخرج وللعرض ابعادا وجلولا إبداعية تضفي على العرض جوانب إضافات فنية لا تقل عن إبداع المخرج والممثل والمؤلف. 
 فإبداعات المخرج مهما كان بارعا، لايمكن ان تجسّد تجسيدا فنيا دقيقا متقنا الا بوجود الفنان التقني الذي بإمكانه ان يفتح بوجه المخرج أفاقا لا يمكن أن يتصوره أحيانا.

ان لغة العرض قائم في وظيفته ودلالاته في جزء كبير منه على العلاقة الابداعية والحرفية القائمة بين المخرج والتقنين، وهي علاقة مازالت ضعيفة في المسرح العربي، ان لم تكن معدومة في الكثير من العروض المسرحية.
 فالمخرج العربي مازال يجد نفسه وحيدا في العملية الابداعية و في إنتاج العرض، بينما نجد ان هذه العلاقة على درجة كبيرة من المتانة والحميمية في المسرح الغربي والشرقي معا، حيث ان فناني السينوغرافيا والضؤ والصوت يتفننون في خلق وتجسيد رؤى المخرج الفنية، بل فهم يعملون معا في انتاج العرض، إن الكلية في العمل الابداعي هي سمة المسرح المعاصر، هذه السمة مازالت ضعيفة، ان لم تكن معدومة في المسرح العربي.

ونتيجة لذلك نرى ان المخرج في المسرح العربي بشكل عام محروم من إبداعات الفنانين التقنيين، و لا يزال غير قادر على التعامل معهم  بلغة فنية قائمة على الحرفية وإحترام إبداع وعطاء الاخر، بغية الوصول الى عرض متكامل. وعليه فإن العروض المتكاملة تقنيا نادرة في المسرح العربي.

إن المسرح العربي لايزال يعتمد في لغة العرض على عطاءات المؤلف ثم المخرج وأخيرا الممثل. أما التقني فما زال دوره محدودا أو بعيدا عن الحرفية. بينما التكنولوجيا في المسرح المعاصر قطعت شوطا في كشف الحالة الانسانية في الدراما وتجسيد الدوافع الانسانية بأساليب حديثة، مسموعة ومرئية، فالتكنولوجيا الحديثة تمنح المؤلف المسرحي والممثل إمكانيات هائلة في تجسيد ما يدور في مخيلة المؤلف المسرحي شريطة ان يكون على دراية ووعي بذلك. وحتي في مجالات التجريب، فإن ما يسمى في المسرحي العربي تجريبا، خصوصا في مجال المسرح البصري على سبيل المثال، الذي هو اكثر المسارح اعتمادا على التقنيات الحديثة، فقد أكل الدهر عليه وشرب منذ الخمسينات في اوربا.
وأخيرا فان التكنولوجيا في المسرح لا يمكن ان يكتب لها النجاح من دون تقنيين مؤهلين تأهيلا تاما، ومن دون ممارستها بصورة مبدعة، ومن دون ان يتوفر لها المعمار المسرحي المناسب.

ملاحظة:
- استقيت معلوماتي عن سفابودا من كتاب العرض المسرحي والتكنولوجيا، كريستوفر بو. باللغة الانكليزية.
- المعلومات عن كريغ مستمدة من كتاب نهوض المسرح الحديث، غوستا بيرغمان، باللغة السويدية. 
- الفقرات الخاصة بالمخرجين ويلسون وليباج، مقتبس من كتاب المسرح السويدي، اراء وأفكار، د. فاضل الجاف، باللغة العربية

---------------------------------------------
المصدر : أيلاف 

الاثنين، 15 نوفمبر 2010

السينوغرافيا...وأشكالات التعريف والمعنى

مجلة الفنون المسرحية

السينوغرافيا...وأشكالات التعريف والمعنى 


د.فاضل خليل 

اختلف المهتمون في المسرح، حول معنى (السينوغرافيا) وحول تعريفها، فمنهم من اعتقد بأن المعنى فيها يقف عند حدود المنظر (الديكور)، والآخر في الضوء (الإنارة)، وغيرهم اعتبروها الزخرفة وغيرهم في المستلزمات البقية للتكوين الفني للصورة المسرحية وهكذا. ومثلما اختلف المعنى المحدد لها، تعددت التعاريف الكثيرة التي سترد في سياق البحث تباعا. لكني وجدت بعد المرور على أكثر من تعريف، بأن التعريف الأمثل لها هو أن ٍٍ" السينوغرافيا هي فن تنسيق الفضاء ، والتحكم في شكله بغرض تحقيق أهداف العرض المسرحي [.....] الذي يشكل إطاره الذي تجري فيه الأحداث "(1). وهو تعريف واف وشامل ولا يترك الفرصة لأن تنفرد واحدة من مكونات العرض بالمعنى وإنما كل ما يحقق الصورة المسرحية بكاملها أمام المتفرج، وبعكسه ستصبح السينوغرافيا ناقصة بغياب واحدة من مكوناتها. وعليه فأن السينوغرافيا هي "الفن الذي يرسم التصورات من اجل إضفاء معنى على الفضاء"(2) وإضفاء المعنى في وصول الفكرة لن يترك مكونا من المكونات التي تحقق تشكيل الفضاء وتنسيقه إلا استخدمتها. إذن هي العملية الأهم في عمل المخرج على إعداد العرض المسرحي من اجل الوصول إلى التكامل الفني في العرض المسرحي.وبدأ من تحديد المخرج لـنوع المسرح  joiner، الذي يؤهل بالشروع في وضع الخطة الأرضية plan ، وما يتبعها من مناظر وضوء وألوان وحركة وإكسسوارات، وكل ما من شأنه توضيح المعالم النهائية المعبرة عن صورة الشكل والتجسيد في الفضاء المسرحي [ ساحة الأحداث ] المفترضة لحياة المسرحية، أو المكان الذي يتم اختياره في استخداماتها في الفضاءآت المتنوعة: [ المدينة ، الملاعب ، الساحات العامة ، العمارات ، السطوح ، المزارع ، السواحل البحرية أو النهرية أو البحيرات ، الشارع ، المقهى ، المعمل ، السجن ... وغيرها من الأماكن المهيأ للفعاليات وأنواعها ]. ولو أن البعض يرى بأن [السينوغرافيا] فن لا يتجاوز فهمه عن حدود الديكور[المنظر]، منطلقين. مبررين ذلك من أن المصطلح الوارد في الدوريات المسرحية الصادرة باللغة الانجليزية، والمستخدمة غالبا في معاهد المسرح في أمريكا وانكلترا. وان الاستخدام الأقرب للسينوغرافيا يكمن في المصطلح [ scene design ] و[ seenichut ] و[ setting ] و[ scenic setting ] وكلها تصب في [فن المنظر](3). إن هذا الرأي وكل ما دار في فلكه من الآراء، لا يمت بصله لمفهوم السينوغرافيا مدار البحث إذا ما عدنا إلى التعريف السابق [ فن تنسيق الفضاء ]. لسبب هام هو أن {فن المنظر} لا يبتعد عن تصميم وتنفيذ وتركيب المنظر [الديكور]، بعيدا عن خدمته بما يجعل منه مضمونا وشكلا واضحين ومتحركا باللون والممثل وبقية مستلزمات من موسيقى ومؤثرات وغيرها . والذي اثار انتباهي في هذه الآراء هو انه اتكأ على آراء تؤيد سيادة استخدام المصطلح الحرفي في تسيد [ فن المنظر] ، وليس المعنى الآخر الذي يعني كما أسلفنا [ فن تنسيق الفضاء ] وفي الفضاءآت على اختلافها. لكن وعلى الرغم من الاقتراب الكبير بين المعنيين القديم لـ [ السينوغرافيا ]، والمعنى الحالي، وكلاهما يبقى بعيدا عن مفهوم [ الزخرفة] بالمعنى الذي نعرفه، إلا أنها قريبة من معنى [ الديكور] أو انه يشكل جزأ من تكوينها. على أن نعرف من أن العديد من مصممي الديكور يؤكدون من أن السينوغرافيا ، والديكور ، فنان مستقلان عن بعضهما ، وكل واحد منهما فن قائم بذاته، كما أنهما لا يلغي احدهما الآخر ، والذي يمارسهما يلمس الفرق بوضوح ويتأكد من الاختلاف بينهما.  
     [ السينوغرافيا stenographic ] باعتبارها مصطلحا – في البدء كان يونانيا - و" معناه كل مايتعلق بالرسوم المتواجدة على خشبة المسرح "(4). ورغم الاعتقاد السائد بقوة في أن المصطلح اليوناني هذا لم يكن يقتصر على المناظر وحسب، وإنما تعداه إلى حركتها – المناظر - مع بقية العناصر المكونة لشكل العرض المسرحي كاملا، بدءا" من [ المضمون، وما يتبعه من حركة الممثل، ومستلزمات التنسيق لصورة الفضاء المسرحي. والذي ينطبق على سينوغرافيا المسرح ينطبق على غيره من سينوغرافيا الفضاءآت الأخرى، مارة الذكر. صحيح أنها جميعا ولدت من رحم [فن الزخرفة]، وإنها اشتقت من الكلمة اليونانية skenegraphein والتي تعني: تجميل واجهة المسرح skein بألواح مرسومة، عندما كان المسرح [ خيمة ] أو [ كوخا من الخشب ]، ثم [ مبنى ](5). و- أنا – اتفق تماما مع هذا المعنى لسبب غاية في الوضوح، وهو أن التقنيات الحديثة - المستخدمة الآن - لم تكن معروفة بعد في الفترة الرومانية وما تبعها من حقب، وإنما تدرجت في التطور لتصل إلى ما تعارفنا عليه اليوم بـ [ فن الديكور ]. ومن خلاله ما حصل من تطورات لتصل إلى فنون [ السينوغرافيا ] بمفهومها الحالي والذي نعرفه: [ فن تنسيق الفضاء ]، - حسب معماريو عصر النهضة أيضا – أو كما أطلقوا عليه [فن المنظورات](6). وقد برزت موجة في فرنسا، نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، نزعة أخرى ثار أصحابها على كل المعاني القديمة فأطلقوا على حركتهم تسمية [ انفتاح السينوغرافيا ] ، وتعني " تطبيق ما يتصل بخشبة المسرح في مجالات أخرى غير العرض المسرحي. فبشروا بـ[ سينوغرافيا المعارض ] و [ سينوغرافيا الأحداث الهامة ] و[ سينوغرافيا المناسبات والاحتفالات ]"(7). والتي تهدف إلى "عمارة الفضاء. وخلق إطار معين وتحديد فراغ ما، وإضفاء طابع معين على مكان ما، من اجل شخوص معينة وحكاية ما، وصياغة وجهة نظر أو أكثر"(Cool. إن استخدام كل الوسائل والمستلزمات الواجب تحضيرها بما يحقق الصورة المثلى لتنسيق الفضاء في شكله ومضمونه قبل التحضيرات التركيبية لها، كي يعرف العاملون – من مصممين ومنفذين وفريق عمل - كيف يتصرف كل منهم في الحيز المخصص لواجبه وإبداعه ضمن مكانه المخصص له في السينوغرافيا ضمن مكانها المقرر المسرح أو أي مكان آخر كان. على أن نعرف بأن أهم المتحركين في كامل الفضاء المنوي تجسيده هو [ الإنسان ] في الفضاءآت خارج المسرح، أما الإنسان المقرر في فضاء المسرح فهو [الممثل] الممتلك لأدواته والعارف بنوع العلاقة التي تجمعه مع كل واحدة من تلك المستلزمات ومنها العلاقة مع الممثلين، وما يحيط به من الكتل الديكورية ومصادر الضوء وما يرافقها من ألوان تحدد نوع تصرفه في فعله وحركته ، وبضمنها المتفرج الذي يتلقى الخطاب المسرحي يدخل ضمن سينوغرافيا المسرح . بل وكل ما " يشير إلى تنسيق كافة العناصر الداخلة في الإنتاج المسرحي ضمن فراغ محدد هو المسرح "(9) وقاعة العرض وخارجها ، فهي جميعا تدخل ضمن الجو العام الذي يتحكم بالمزاج العام لكل ما يدور في فلك الفنون الدرامية. فلا يقتصر فعل السينوغرافيا على ما فوق خشبة المسرح وحسب ، وإنما يتعداه إلى ما هو خارجها أيضا ، بل وفي الفضاءآت المتعددة ومهما كان حجم فضاءها سواء كان ذلك الفضاء ضيقا حينا أو متسعا في أحايين  أخرى . حيث ينشط في استثمارها [ السينوغراف ]: الرجل الخبير بالرسم والتصوير والنحت والعمارة والمنظور، الذي يبتكر ويصمم وينفذ ما يتاح له من أشكال معمارية فنية وكل أنواع الديكور اللازمة للمسرح"(10) وغيره من الفضاءآت التي مر ذكرها . فهو – السينوغراف – أو – المخرج - الذي يمارس عمله على إيجاد الخطاب المناسب – وفق رؤيته – كي يبثه إلى المتلقي ، من خلال تلك الفضاءآت، ومن خلاله يلعب دوره الذي يريد . وبالتالي السينوغرافيا : كأي فضاء حي دائم التبدل والتنوع ، تماما كما الحياة الواقعية الدائمة الحيوية المتغيرة في تحولاتها المتعددة والمنطقية للأشياء ، بل وحتى اللامنطقية منها أحيانا. والمسرح الذي يخضع للتغير وفق التطورات الحتمية في الحياة ، وفي حركة الممثل المتنقل دوما بين الأجزاء والمحرك الديناميكي لفضاءآت العرض. وهذا لا يمكن له أن يحصل إلا في لحظات ثبات الرؤية الفنية في وحدة فنية وأسلوبية للصورة المكتملة وما يليها من الصور في سياقات التطورات الديناميكية الدراماتيكية للحياة والمسرح ، تماما مثل حركة [المتواليات المنطقية] والمحكومة بقوانين التطور الاجتماعية. وهنا حيث تتدخل ضمن عمليات التكوين ، في الهدم والبناء ، قوانين : [ الكتلة ، والحركة ، والزمن ] مع الاستخدام الأمثل : [ للضوء ، والظلام ، والمؤثرات الصوتية والصامتة ، وما يلحق بها من الملابس على اختلافها ، وما يتخللها من الالون ]، في الفسحة التي تمنحها مكونات فراغ الفضاء من : [ الارتفاع والعمق والعرض ] . وهي المستلزمات التي تساعد الإنسان - الممثل في المسرح ] إلى امتلاك الأجواء في إتقان فعله المسرحي، في تأثيراته العاطفية والنفسية والجمالية، والتي تحقق الإيقاع – نبض الحياة الطبيعية أو المصنوعة، التي توصل الخطاب المطلوب في أحسن صوره. إن في فهم تلك العناصر المكونة للعرض – مجتمعة - كفيلة بخلق صورة السينوغرافيا التي نريد في الحياة أو على خشبة المسرح . وعليه فان الحركة في المسرح وتحريك كامل أجزاء الفضاء ، هي : [ صورة التشكيل الحركي ] أو ما نطلق عليه اصطلاحا [ الميزانسين في حالة الفعل ] . 
    والسينوغرافيا فن مركب – كما أسلفنا - ويمتلك التعددية في المعنى أيضا . فهو الجامع لكل الفنون وهو احد تعريفات المسرح الذي نطلق عليه مصطلحا [ أب الفنون ]. أو هو  نتيجة حتمية لجمع شمل كل الفنون في تركيبة واحدة نطلق عليها [ العرض المسرحي ] ، في وحدة أسلوبية وفنية بقيادة [ السينوغراف ] أو [ المخرج ] – الرجل الأهم في المسرح – فهو المفكر ، والقائد ، والمنظم لكامل العميلية في تنسيق الفضاء ، والذي لن يستغني عن جهود المحرك لكل أجزاء السينوغرافيا ، ومكوناتها [ ألممثل ] ، في وحدة متجانسة ، وكل لا يتجزأ . والذي ينطبق على سينوغرافيا المسرح وتنسيق فضاءه ، ينطبق كذلك على الفضاءآت الأخرى – مارة الذكر - المراد تحريكها في السينوغرافيا. وعليه فإن أي تداخل بين عمل [السينوغراف] - إذا ما أفردنا له عملا في العرض المسرحي – يتعارض تماما مع عمل [ المخرج ] في المسرح وربما في مجالات العمل المرئية كافة – لن نخوض في نقاشها لأنها خارج موضوع بحثنا- . وبالتالي فان من يقترح وضع السينوغرافيا المسرحية هو [المخرج] حتما وليس الـ[ سينوغراف ] ، وذلك بعد دراسة علمية مستفيضة لكامل احتياجات شكل المضمون المراد تجسيده . والتي تعني في الإخراج: [علم المرئيات والمسموعات] للخطاب المبني على دراسة وافية التي تلبي حاجات المتلقي الاجتماعية وما يتبعها من إجابات لتساؤلاته وفي البحث عما يخلصه من مخاوفه في الحياة المحفوفة بالكثير من المخاطر.  ولكي لا ينشأ الخلط بين عمل الاثنين [المخرج والسينوغراف ] لابد لنا من الاستغناء عن واحدة منها وبالتأكيد هي  وظيفة – السينوغراف – للتخلص من التداخل في عمل الاثنين معا في المسرح . على أن نتفق على أن في التفريق بينهما ، لا يعني الاستغناء الكامل عن دور[ السينوغراف] في بقية الفضاءآت التي مر ذكرها حيث ستحقق هناك نجاحها الأكيد غالبا ، لكنها لن تستغني في النهاية عن مكملات المشاهدة بالاستعانة ببقية الفنانين – كما في المسرح - بإضفاء اللون والضوء وحركة الناس – من غير الممثلين - في الفضاءآت الأخرى البعيدة عن المسرح.معزولة عن وظيفة المخرج في المسرح، إذا ماتم الاتفاق عليها وممارستها – كدور معزول – له خصوصيته في صناعة العرض، ستعزز النقاش. 
     تتنوع السينوغرافيا في المسرح بتنوع الفضاء المسرحي الذي تقدم فيه العروض المسرحية من شكل الفضاء ونوعه ، فهناك الفضاءات المستوية والعلبة والمسارح المقوسة والدائرية ، وكذلك سعة الفضاء وضيقه ، كأن يكون ساحة عامة أو معمل أو مقهى .. وغيرها . كما في تجارب بروك واستخداماته لفضاءات بعيدة كل البعد عن مسرح العلبة الايطالية ولنا في تقديمه لأحد عروضه على ساحل البحر مثلا في مشاركته ألمعروفه في مهرجان شيراز في إيران . أو في تجربة ماكس راينهاردت ، حين قدم مسرحية ( حلم منتصف ليلة صيف - شكسبير ) التي قدمها على مسرح دوار. والبطل في اختيار الفضاء هو المخرج حين يقترح المكان الذي يعتقده مناسبا للمضمون الذي يشتغل عليه ، ويقوم بتدريباته فيه. وهي في كل الأحوال ليست من اختيارات الفنان التشكيلي أو المعماري أو [ السينوغراف ]. ولا نستبعد استعانة المخرج بهم لأغراض تحقيق الانسجام harmony في المنظور التشكيلي، وليس ابعد من ذلك. على أن نعرف بان السينوغرافيا لا تقدم أكثر مما يشاهده المتفرج من تلقاء نفسه حين تستهوية لحظة إبداع تتفق مع استقباله والتي تثير دهشته، للجزء المرئي من كامل السينوغرافيا وليس كلها – أحيانا – كما في الكاميرا التي تلتقط الجزء الهام من وجهة نظر الفوتوغرافي -. إذن [المثير] هو الذي يلعب الدور الهام في المشاهدة، سواء في الفضاء الواسع أو الضيق على حد سواء، وقد لا يثيره شيئا من ذلك الفضاء ، وهو ما نطلق عليه بـ [ موت السينوغرافيا ] أو فشلها. والسينوغرافيا المبدعة التي تحقق الدهشة، تأخذ بنظر الاعتبار ماتم عمله من قبل خوفا من السقوط في التكرار أو التقليد . والسينوغرافيا واحدة من ثلاث وسائل للرسم في البناء المعماري – مسرحي وغيره – وهي:
1) التخطيط الأفقي.
2) التخطيط العمودي.
3) السينوغرافيا، في بقية مكوناتها.
وهي هنا " تصوير لوجه من وجوه المبنى، والواجهات المتحركة التي تسمح بالحصول على تصور كامل عن مظهر المبنى النهائي عن طريق الحيل البصرية "(11). والحيل البصرية هنا هي ما يضفي على الواجهة من ضوء ولون ، وعليه فهي تأكيد كبير على إن السينوغرافيا هي ليست [ المنظر ] وحسب. والاختلاف في وجهات النظر حول مفهومها إنما تؤكده الممارسة لوحدها ، وهي الكفيلة التي تحسم الخلاف وفقا لتجربة كل فنان . فما جدوى من تأسيس الشكل المنظري المتكامل في ظلمة دامسة ، خالية من حياة الممثل التي تحركها؟ ومن بقية المستلزمان التي تحقق فيها المشاهدة الفنية ذات المتعة الحسية العالية. 
     وفي المحصلة نستنج بأن [ السينوغرافيا ] بالنسبة إلى المعماري: هي تصور المظهر التشكيلي الخاص بالحيز الذي يقام عليه العرض ساحة أم ملعبا أم واجهة لبناية ..وغيرها . تماما مثل [ خشبة المسرح حين يعمل على تنسيق فضاءها فنيا [ المخرج]. فـ [ السينوغراف ]: هو مقنن المهمات والمواد التقنية التي يحويها المكان. و [ السينوغرافيا ]: يجب أن تستوعب مكانا فيه: حكاية، وشخوصا، وصياغة. أو باختصار شديد هي: [ إضفاء معنى للفضاء الذي نختاره للعمل ]. وهي منذ المخرج الأول في المسرح الحديث [ ساكس ما يننغتن ] في[ ألمانيا - برلين في 1 مايو 1874 ] الذي دعى إلى" إخضاع المناظر والإضاءة والملابس والماكياج والملحقات الأخرى إلى جانب التمثيل والتخطيط الكامل ، وكلها تجتمع في إطار التأثير العام "(11). 

المصادر 
1. مارسيل فريد نون : فن السينوغرافيا ومجالات الخبرة ، كراس [ السينوغرافيا اليوم ]، ترجمة: إبراهيم حمادة وآخرون، وزارة الثقافة، منشورات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي 1993 القاهرة ، ج.م.ع. ص8.
2. نفس المصدر السابق، ص8.
3. سامي عبد الحميد: السينوغرافيا وفن المسرح، بحث قدم إلى مهرجان أيام عمان المسرحية، الدورة الثالثة من 27/3/1996 لغاية 8/4/1996.
4. زينو بيوس: السينوغرافيا، ملحق الثقافة الأجنبية، إصدارات وزارة الثقافة والإعلام، دائرة الشؤون الثقافية للطباعة والنشر، بغداد 1980، ص128.
5. مارسيل فريد فون: ص13 .
6. الياس أنطوان الياس: {القاموس العصري} المطبعة العصرية، ط1، ج.ع.م، 1956.
7. مارسيل فريد فون: ص8 .
8. مارسيل فريد فون: ص8 .
9. لوي دي جانيتي : كتاب ( فهم السينما ) ترجمة : جعفر علي ، دار الرشيد للنشر ، بغداد 1981 ، ص75 .
10. مارسيل فريد فون: ص8. 
11. مارسيل فريد فون: ص13.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption