أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 5 يونيو 2015

«إعلان الشارقة» يرسم استراتيجية تطوير المسرح المدرسي عربياً

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني


أعلن مسرحيون وتربويون يمثلون وزارات التربية في الوطن العربي، أمس في الشارقة عن تبنيهم لاستراتيجية تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي، والتعاون مع الهيئة العربية للمسرح لوضع الآليات وطرق التنفيذ لها، وأصدروا بياناً باسم «إعلان الشارقة» أمس، في ختام فعاليات مؤتمر تنمية وتطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي، الذي نظمته الهيئة وافتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الأحد الماضي.

وقال إسماعيل عبدالله، الأمين العام للهيئة العربية للمسرح: يمثل إعلان الشارقة بياناً لكل مهتم بمستقبل أجيالنا الناشئة من الطلبة الذين يمثل مستقبلهم أمانة في أعناقنا نحن المسرحيون والتربويون المشاركون والذين ناقشوا في المؤتمر حيثيات الاستراتيجية وما تضمنته من ملاحق تفصيلية وخاصة الدليل العام للمسرح المدرسي في كافة مراحل التعلم بما فيها مرحلة ما قبل المدرسة (مرحلة الروضة).

وأوضح إسماعيل عبدالله أن المؤتمر اختتم مرحلة التخطيط العلمي للانطلاق نحو التطبيق العملي الخلاق والتعاون مع وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي من أجل تفعيل دور المسرح المدرسي في التنمية وخلق شخصية متوازنة وخلاقة لدى الناشئة من الطلبة العرب، وهو أمر يكتسب أهمية استثنائية في هذه الظروف التي تمر بها الأمة والمنطقة العربية، وأشار إلى أن الاستراتيجية ستكون موضع التنفيذ بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، مضيفاً أن الهيئة قطعت خطوة مهمة في ترسيخ العمل وفق الاستراتيجيات، التي تأتي تتويجاً لجهود بحث وتمحيص وتخطيط قامت بها الهيئة العربية للمسرح بشراكة حيوية مع وزارات التربية والتعليم العربية ومكتب التربية العربي والأمانة العامة لمجلس التعاون.

وينص «إعلان الشارقة» على عدد من البرامج وجاء فيه: بعد حوار علمي معمق يرى المشاركون أن الاستراتيجية، وبرامجها خريطة طريق للتطوير والتنمية الحقيقية للمسرح المدرسي بصفته أساساً لتنمية المسرح وأداة مهمة للتنمية المجتمعية ونقطة انطلاق نحو تطوير العملية التربوية والتعليمية التي تبدو الآن أكثر أهمية لتحصين طلبة اليوم قادة الغد ضد موجات التطرف والتعصب التي باتت تجتاح وطننا والعالم، ويشيد المشاركون بالجهود التي بذلها أعضاء لجنة المتابعة في صياغة هذه الاستراتيجية، وبالجدية والروح العملية والتعاون المنفتح البناء الذي يصبغ عمل الهيئة العربية للمسرح وآلياته، الأمر الذي جعل من هذه الاستراتيجية منجزاً لا يقل أهمية من حيث الشكل والمحتوى عن أحدث ما يعمل به في برامج المسرح المدرسي.
وجاء في الإعلان أيضاً «إن المشاركين يتمنون على وزراء التربية والتعليم وجامعة الدول العربية ومكتب التربية العربي والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تبني التوصيات ولنسعى معاً إلى تفعيل هذه الاستراتيجية تحت شعار مستمد من قول صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي «لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق والحرية».
وتعتبر الاستراتيجية التي تداول حولها مندوبو وزارات التربية والتعليم العربية، خلاصة جهود استمرت منذ مارس/آذار 2014، الذي شهد انعقاد «الملتقى التمهيدي لتنمية وتطور المسرح المدرسي في الوطن العربي» حتى إبريل/نيسان 2015، الذي شهد ختام عمل لجنة متابعة المشروع مروراً بانعقاد ملتقى خبراء المسرح المدرسي وانبثاق لجان المتابعة وتهدف الاستراتيجية إلى نشر ثقافة المسرح المدرسي، ونشر الممارسات المسرحية في الوسط المدرسي، واكتشاف المواهب المسرحية الطلابية والعمل على صقلها، وبناء شخصية الطالب لإكسابه مهارات وقيماً من خلال الممارسة المسرحية حتى يكون عنصراً فاعلاً في تنمية مجتمعه، إلى جانب تأهيل كفاءات متخصصة لتفعيل النشاط، وبناء شراكات مجتمعية للنهوض بالمسرح المدرسي.

الشارقة - مصعب شريف
الخليج

وزارة الثقافة تفتتح منتدى المسرح التجريبي

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

افتتح وكيل وزارة الثقافة ومدير عام دائرة السينما والمسرح وكالة مهند الدليمي يوم  الأربعاء منتدى المسرح التجريبي.
وقال مهند الدليمي إنّ افتتاح منتدى المسرح اليوم يأتي لاستذكار رموز الدولة العراقية، ونخص بالذكر عبد الرحمن النقيب، أوّل رئيس وزراء عراقي، وهو مؤسس هذا الدار.
وأضاف الدليمي إنّ الإدارة الجديدة التي كلفت بها والإشراف على دائرة المسرح اعتمدت بشكل كامل على إمكانيات الشباب وطاقاتهم الإبداعية للنهوض بواقع المسرح وتطويره، مبيناً إنّ التقشف لم يقف مانعاً وعقبة أمام الإبداع وتطوير المسرح، واعتمدنا على الحب والعطاء في افتتاح منتدى المسرح التجريبي، ولم يكن للتقشف أثراً في الإبداع والعطاء.
وأختتم وكيل وزارة الثقافة حديثه بالقول إنّ الأيام القادمة ستشهد نهضة فنية وليست ثقافية، بدأت ملامحها بالظهور في منتدى المسرح التجريبي.
وقال مدير منتدى المسرح سنان العزاوي خلال الحفل إنّ افتتاح منتدى المسرح بحلته الجديدة سيمثل صرحاً فنياً للطاقات الفنية الواعدة، وقدم شكره لكلّ من أسهم في افتتاح وتأهيل هذا الصرح الثقافي والفني.
من جانبه أكد المخرج المسرحي جواد الأسدي، أحد المكرمين في حفل افتتاح المنتدى التجريبي إنّ افتتاح المنتدى اليوم بحلته الجديدة يعطي دفقاً كبيراً جداً لحركة المسرح الشبابية.
وشهد حفل الافتتاح تقديم عروضٍ فنية عدّة، منها: ( الإنسان الذهبي وفرقة الجسد وعرض فرقة guitars2)، ثمّ قدمت الفرقة السيمفونية بقيادة المايسترو أدور كاظم مقاطع وعزف منفرد للموسيقار سليم سالم.
هذا وكرّم في الحفل عدد من الشخصيات الإعلامية والفنية والسينمائية لدورهم المهم في إظهار منتدى المسرح بأبهى حلة ومنهم: (إنعام عبد المجيد وحسن غالي عبد وجواد الاسدي).
واختتم حفل الافتتاح الذي حضره وكيل وزارة الثقافة مهند الدليمي ومدير قسم الإعلام في وزارة الثقافة،زينب فخري وعدد من الشخصيات الثقافية والفنية والإعلامية بعرض لفرقة المقام العراقي.
ويذكر أنّ منتدى المسرح سيكون جامعاً لكلّ الفنون الفنية والمسرحية حيث سيوفر عروضاً شهرية للسيمفونية العراقية والجاز والتخت الشرقي والمقام العراقي وكذلك مركزاً لاستقطاب المثقفين والإعلاميين والعوائل .


محمد جبار
تصوير: حامد الساعدي
قسم الإعلام والاتصال الحكومي والجماهيري

الخميس، 4 يونيو 2015

مسرحية «الهايشة» تنتفض ضد القيم اللاإنسانية في عرض جمع بين الفكاهة، التهكم والإثارة

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
مسرحية «الهايشة» تنتفض ضد القيم اللاإنسانية
شهد آخر يوم للمنافسة بالمهرجان المسرح المحترف في دورته العاشرة، حضورا قويا للجمهور لمشاهدة عرض «الهايشة» للمسرح الوطني، الذي يتحول فيه عالم الإنسان إلى عالم الحيوان.
تبدأ حكاية العرض المسرحي «الهايشة» في مقهى، بالحديث عن الحيوان صوتا وليس صورة، ومع تطور العرض والدخول في الصراع والمناجاة عما يحدث بالمدينة من تغيرات، ومن اشتداد العنف تكتشف أن «الهايشة» ما هي إلا إنسان قد حولته الغريزة إلى حيوان لا يعترف بأشياء كالأمن، الصداقة، والوفاء.
تسلط المسرحية على شخصية البشير، وهو موظف بسيط لم يقم بدراسات عليا تؤهله لأن يكون مرموقا في المجتمع، فقام بعزل نفسه على الناس لما آل إليه الحال جراءعدم تواجد ركيزة الأخلاق، فأصبح لا يوافق على تصرفاتهم من نفاق، كذب وعنف، هذه الصفات التي إذا لامست إنسانيتهم جردتهم من الصفات البشرية كالإخلاص، الوفاء، الطيبة، والصدق، فوجد متنفسه الوحيد في شربه للخمر للتخفيف من آلام وحدانيته وعزلته، أين تخلى عليه زميله، صديقه وحتى حبيبته، الذين تحولوا تدريجيا إلى كائنات حيوانية، فتفشت هذه الظاهرة وانتشرت بصورة سريعة أصبحت عامة وشاملة، إلى درجة  أصبحت الصفات الحيوانية أمرا طبيعيا، بل وجدها البعض أنها تدخل في أسس التطور والرقي.
كان النص اقتباسا عن مسرحية «الرينوسيروس» لـ»أوجين يونيسكو»، وعادت الرؤية الإخراجية لمحمد شرشال، كما تم توظيف الكوريغرافيا في العرض والتي زادت العرض فرجة وجمالا، والتي كانت من تصميم سليمان حابس وأما السينوغرافيا فعادت ليحي عبد المالك، والتي كانت موظفة بشكل محكم من الديكور إلى اللباس الممثلين، وعادت الإضاءة لفريدريك دوربان، وبخصوص التأليف الموسيقي والمؤثرات الصوتية كانت من إعداد عبد القادر صوفي.

صعد للركح نخبة من الممثلين، جمع فيهم المخرج  بين الممثل المخضرم والشاب بهدف الاحتكاك فيما بينهم، وهو الذي صرح لـ»المحور اليومي» بأنه قام بتوزيع الأدوار بعدل، مضيفا بقوله: «شخصيا لا أوزع الأدوار بطريقة اجتماعية، بل من خلال متطلبات الشخصية»، وعن المسرحية أشار أنها ضمن الأعمال التي تندد بالعنف بكل أشكاله، وعن الجمهور، أكد أنه يقصد المسرح للجمع بين المتعة وتلقيه الرسالة.

صارة بوعياد -  المحور اليومي 

تعاونية «أصدقاء الفن» للشلف تفوز بالجائزة الكبرى لمهرجان المسرح المحترف

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

تعاونية «أصدقاء الفن» للشلف تفتك الجائزة الكبرى لمهرجان المسرح المحترف
 فازت   مسرحية «درب التبانة» لتعاونية «أصدقاء الفن» من ولاية الشلف، على الجائزة الكبرى لأحسن عرض مسرحي متكامل، ضمن اختتام فعاليات الطبعة العاشرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، بينما عادت جائزة أحسن نص مسرحي للمؤلف «محمد شرشال» عن مسرحية «الهايشة» للمسرح الوطني، في جو حضره كل من وزير الثقافة عزالدين ميهوبي ومحافظ المهرجان محمد يحياوي.
اختتمت فعاليات مهرجان المسرح المحترف في طبعته العاشرة، أول أمس، بالمسرح الوطني محي الدين بشطارزي، خلال أمسية ثقافية فنية امتزجت فيها إبداعات الفكر والحركة المسرحية التي تخللتها تتويجات الفائزين بجوائز تحفيزية، فكانت جائزة أحسن سينوغرافيا لـ»يحيى بن عمار» عن مسرحية «التحولات» عن مسرح سوق أهراس الجهوي، وجائزة أحسن إبداع موسيقي لـ»نجيب غريسي» عن مسرحية «دلاّلي» لمسرح سيدي بلعباس الجهوي، في حين تحصل فوزي بن ابراهيم على جائزة أحسن إخراج عن مسرحية «وزيد نزيدلك» لمسرح باتنة الجهوي.   المهرجان الذي تنافست عليه عدة عروض، استطاع فيه الممثل «رمزي قجة» عن مسرحية «وزيد نزيدلك» لمسرح باتنة الجهوي أن يفتك جائزة  أحسن أداء رجالي رئيسي، أما أحسن أداء رجالي ثانوي عاد «ليونس جواني» عن مسرحية «التحدي» لمسرح أم البواقي الجهوي، وأحسن أداء نسائي رئيسي مناصفة بين «شهرزاد خليفة» عن مسرحية «فندق العالمين» لمسرح سكيكدة الجهوي و»حورية بهلول» عن مسرحية «من حقي نحلم» لمسرح العلمة الجهوي، وأحسن أداء نسائي ثانوي عاد لـ «صبرينة قريشي» عن مسرحية «التحولات» لمسرح سوق أهراس الجهوي، كما أن أحسن ممثل واعد كان من نصيب «أسامة بودشيش» عن عرض «صالح باي» لمسرح قسنطينة الجهوي، وأحسن أداء ممثلة واعدة لـ «كنزة أصالة بن بوساحة» عن مسرحية «التحدي» لمسرح أم البواقي الجهوي، أما جائزة لجنة التحكيم فكانت من نصيب مسرح تيزي وزو الجهوي. حفل الاختتام الذي ميز الليلة الأخيرة من فعاليات العروض المسرحية للطبعة العاشرة للمسرح المحترف كان بحضور عديد الأسماء الفنية والمسرحية، إضافة إلى مدراء ومسؤولين من مختلف القطاعات الثقافية في الجزائر، إلى جانب التواجد الكبير للجمهور الذي توافد بقوة على  المسرح الوطني محي الدين بشطرزي. كانت بداية السهرة الختامية مع الكلمة التي ألقاها مدير المسرح الوطني الحاج محمد يحياوي، التي اثنى من خلالها على كل الجهود المبذولة من أجل إنجاح التظاهرة، من القائمين على التنظيم والتسيير الجيد والمحكم لبرنامج الطبعة العاشرة للمسرح المحترف، معتبرا أن الفائز الأكبر هو الفن الجزائري الذي سيعرف مجدا جديدا وعهدا منيرا بإبداعات الجيل الجديد وبعدها تم عرض آخر ما جابته القافلة المسرحية من خلال ما قدمه الممثل والمخرج «لطفي بن سبع» في أول تجربة للمسرح الصامت تحت عنوان «الصرخة الصامتة»، والتي تدخل ضمن مسرح الميم، حيث عرض أمام جمهور غفير استمتع على وقع الصمت بدلالات وإيماءات من خلال خمسة لوحات انتقل فيها لطفي بن سبع بين مختلف المواضيع الاجتماعية بداية من لوحة السارق، المغترب، التوبة، والخيبة وختمها بلوحة الشرطي.
 «إيجاد سبل أخرى لتكريم الفائزين والابتعاد عن المناسباتية» من بين أهم التوصيات
خرجت لجنة التحكيم المتكونة من كل من «جمال مرير»، «أمل حيمر»، «أحمد رزاق»، «جمال قورمي» و»قويدر بوزيان»، على توصيات هامة في حقل الإبداع المسرحي علها تفي بالغرض، ويعود المسرح إلى هدفه الأسمى من خلال العمل المتواصل طيلة أيام السنة والابتعاد عن المناسباتية، هذا خدمة للفن والوطن، ولهذا أرادت لجنة التحكيم إيجاد سبل أخرى لتكريم الفائزين دون تقديم جوائز، في حين تمثلت التوصية الأولى في إعادة النظر في ميكانيزمات المسرح من إنتاج، توزيع وترويج، إضافة إلى ضرورة التكوين وضمان إمكانية استمرار أجيال الفن والاعتماد على خبرات المخرجين والتكفل باختيار النصوص والمواضيع بدلا من الاعتماد على أشخاص جامعيين أو دكاترة ليسوا في المجال، وهذا ما اعتبرته اللجنة تقليلا من شأن المسرح، بالرغم من أنه علم قائم بحد ذاته، وفي الأخير أشارت اللجنة إلى أهمية الأرشفة الفعلية لكل الإنتاجات سواء السمعية البصرية أو المكتوبة، مع إعتياد الطبع الشهري لمجلة المسرح.

جميلة زيكيو - المحور اليومي 

الأربعاء، 3 يونيو 2015

'التمرد' مسرحية تهجر المظاهر لحياة روحية أعمق

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
  • مسرحية “التمرد” التي تعرض حاليا في البوف دو نور بباريس عدّها النقاد عند عرضها أول مرة عام 1870 طليعية، فقد فتح مؤلفها دو ليل آدم الباب على مسرح جديد، تؤكد فيه المرأة رغبتها في التحرر والانعتاق من قيود المجتمع، إذ تهجر عالم المظاهر لتحيا بعمق حياة روحية رغبة في تحقيق الذات.

أنوك غرينبرغ تقدم دورين لامرأتين أعياهما الحب


نشأ الماركيز أوغست دو فيلييه دو ليل آدم (1838- 1889) في وسط بورجوازي، وتنقل بين مسقط رأسه في مقاطعة بريطانيا الفرنسية وباريس، وكان من أبرز وجوه الوسط الأدبي في القرن التاسع عشر، خصوصا بعد زواجه من ابنة تيوفيل غوتييه صاحب الرواية الشعبية الشهيرة “الكابتن فراكاس″، وصِلته بكبار الكتاب والشعراء في ذلك الوقت مثل فرلين والأخوين غونكور وبودلير وخصوصا مالارميه، وكانوا يساهمون في إثراء “مجلة الآداب والفنون” التي كان يرأس تحريرها. كتب القصة والرواية والشعر وألف عدة مسرحيات مثل “إيلين” و”مورغان” و”العالم الجديد” و”الهروب” و”التمرد” التي بين يدينا.
تحتوي المسرحية على عدة ألغاز، من ذلك مثلا أن يعطي رجل الكلمة لامرأة للتعبير عن أفكاره، وهو ما لم يكن معهودا في ذلك الوقت. ومنها أيضا أن تتقمص تلك المرأة وحدها توق النساء إلى عالم شاعري يواجه عالم المال. ما يوحي بأن من يملك حياة روحية في تلك الفترة من نهاية القرن التاسع عشر لا يمكن أن يكون إلاّ من جنس الإناث، إلى درجة أن شاعرا مثل دو ليل آدم يتخذها ناطقا باسمه، وفي تأويل آخر مثيله الأصدق. فالخطاب الذي تنطق به البطلة إليزابيت أشبه بمرافعة من أجل حياة الروح والفكر ضد الحياة المادية، وحتى ضد الحياة الاجتماعية.
في عصر كانت فيه النساء بطونا تنجب وخدما تلبّـي، وحياتهن منذورة للآخرين، تمردت إحداهنّ، ولكنها لم تملك الشجاعة لتمضي بجسارتها حتى النهاية
هي صورة لتمرد امرأة على زوجها في مستويين: تمرد داخلي أشبه بحوار باطني، وتمرد خارجي تمثل في مغادرة عش الزوجية ليلا. ومردّ ذلك التمرد أن الزوج رأسمالي، عمليّ، لا يشغله غير العمل وعقد الصفقات الرابحة، رجل مطمئن لحياة ليس فيها عاطفة ولا خروج عن المألوف، فيما زوجته الشابة حساسة، شاعرة بالفطرة، ولم تكن تتمنى سوى أن يبادلها زوجها حبّا بحب، ولكنها لم تجد منه غير الإهمال، وكأنها قطعة أثاث تزيّن البيت.
وإذا كانت مولي بلوم بطلة المسرحية المستوحاة من رواية “عوليس″ لجيمس جويس تتحدث باستمرار جنب زوجها النائم، المهدود بالسكر، فإن إليزابيت تتوجه مباشرة بكلامها إلى زوجها المذهول بما يسمع، المحتج بين الحين والآخر على أشياء لا يفهمها، المعترض بانفعال على نبرة التحدي التي لم يعتدها.
ما يجمع المرأتين، مولي بلوم وإليزابيت، تقمص الممثلة أنوك غرينبرغ لدوريهما، في المسرح نفسه، وكذلك رومانسيتهما، فقد علقت كلتاهما آمالا كبيرة على الحب، والحلم بسعادة زوجية غامرة قائمة على هذه العاطفة النبيلة، ولكأن حب النساء فوق طاقة الرجال.
كانت إليزابيت في البداية تريد الذهاب دون تفسير، ولكن زوجها استثارها بزعمه أن لها عشيقا في انتظارها، فراحت تعرب عما يحتدم في داخلها بصوت عال، لا لمحاولة إقناعه، بل لجلبه إلى عالمها الداخلي، لعله يشاطرها أحاسيسها، ولكن دون جدوى، فقد كان عاجزا عن فهم أي شيء، حتى معنى كلمة حلم، حيث تقول: “ليس بوسعك أن تهبني غير العدم بدل الحلم”.
ثم تغادر البيت ليلا، فيخيل للمتفرج أنها ذهبت بغير رجعة، ولكنها تعود عند الفجر، لتجلس إلى طاولة الحسابات، حيث يلقاها زوجها بالسخرية والشماتة، لأنها في رأيه عادت إليه ذليلة صاغرة. هذه العودة مثلت حاجزا لم يجرؤ المؤلف، من خلال بطلته، على تخطيه، فالمجتمع لم يكن مهيّأ بعد لمثل ذلك التمرد.
ما يجمع المرأتين، مولي بلوم وإليزابيت، تقمص الممثلة أنوك غرينبرغ لدوريهما، في المسرح نفسه، وكذلك رومانسيتهما
في عصر كانت فيه النساء بطونا تنجب وخدما تلبّـي، وحياتهن منذورة للآخرين، تمردت إحداهنّ، ولكنها لم تملك الشجاعة لتمضي بجسارتها حتى النهاية. لقد عاشت بين الصمت والخضوع، وفي ليلة، راجعت ما أضافه مهرها إلى رصيد زوجها، وما كان مدينا به نحوها، فتركت طفلها وانصرفت، لا للقاء حبيب كما فعلت مدام بوفاري، ولكن لتحيا الحياة التي كانت بها تحلم.
وفي هذا كان دوليل آدم سابقا لعصره، إذ تناول بالتحليل تحولات تلك المرحلة قبل ربع قرن من حدوثها. ففي عام 1870، كانت فرنسا تحاول الخروج من ثوراتها المتتابعة، وتستعد لخوض حرب ضد بروسيا، وفي خضم ذلك كان صاحبنا يستشعر وصول عالم المال والأعمال إلى السلطة، العالم الوضعي للذين يؤمنون بأولوية الواقع المعيش والمخترعات العلمية الجديدة (كالكهرباء والتلغراف والسكك الحديدية) على الحياة الروحية، ويحلم بعالم آخر، عالم الشعر والطبيعة ومناجاة النفس.
وقد أراد بهذا العمل أن “يقتل” مسرح عصره. في رسالة إلى صديقه مالارميه كتب يقول “ينبغي إرباك القارئ. نعم، أنا فخور بأنني اهتديت أخيرا إلى الطريق التي تقود إلى قلب البورجوازي. لقد تقمصته لكي أقتله بمتعة ووثوق”.
يقول المخرج مارك باكيان “إن بناء شخصية إليزابيت أقل تماسكا من بناء شخصية نورا البطلة التي ابتكرها إبسن بعد دوليل آدم بعشر سنوات، ولكنها أكثر اندفاعا في تمردها، ومن ثم فالمسرحية ليست دراما بورجوازية ولا فودفيل بل بورتريه امرأة فاضحة وكئيبة”.

أبوبكر العيادي - العرب 


عبدالكريم برشيد: التجديد منطقة محرمة في الثقافة العربية / عواد علي

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
الكاتب المسرحي عبدالكريم برشيد يحلل في كتابه الجديد واقع المسرح العربي اليوم من خلال تجاربه المتقاطعة والمتناقضة التي تقف وراءها جماعات من المسرحيين.

يعدّ المغربي عبدالكريم برشيد من المسرحيين العرب القلائل الذين نظّروا للمسرح بعمق معرفي وذهن تأملي متقد ورؤية فكرية شاملة مدركة لأبعاده الثقافية والاجتماعية والجمالية.
وهو في معظم كتاباته، سواء ما تعلق منها بالاحتفالية أو بالمسرح العربي على نحو عام، لم يكتف بالدعوة إلى التأصيل، بل تجاوز ذلك إلى “فعل التأسيس”، أي الانطلاق من درجة الحفر، أو الصفر أو ما قبل الصفر، لتأسيس مسرح عربي جديد، اعتمادا على الذاكرة الجماعية أولا، والتي يمثلها التراث، ويجسدها التاريخ، وعلى كل علوم العصر وفنونه وآدابه وصناعاته ثانيا.
ذلك لأنه، كما يرى، من غير المعقول أن يبدأ المسرحيون العرب من حيث انتهى الآخرون، بل ينبغي أن يجدوا بدءهم الخاص، ويدركوا أن أي فعل حقيقي لا يمكن أن يتحقق إلاّ في إطار تأسيس حقيقي.
مفكر مسرحي عميق
في كتابه الجديد “التأسيس والتحديث في تيارات المسرح العربي الحديث”، الصادر عن مجلة دبي الثقافية (2014)، يحلل برشيد واقع المسرح العربي اليوم من خلال تجاربه المتقاطعة والمتناقضة، التي تقف وراءها جماعات كثيرة من المسرحيين، تتعايش وتتفق كلها في الانتساب إلى فن المسرح، لكنها تختلف من حيث فهمها لطبيعة هذا الفن، ومن حيث الرؤية والأدوات والمنهجيات والوسائل والغايات.
ويخطئ من يظن، حسب رأيه، أن هذا المسرح هو مسرح واحد، أو أن طريقه يمكن أن يكون طريقا واحدا، أو أن مهمته يمكن أن تختزل في كتابة المسرحيات أو في إنتاجها وترويجها فقط، ذلك لأننا أمام وجود مركب ومعقد، وأمام حالة لا يمكن أن تشبه إلاّ نفسها. وعليه، فإنه لا يمكن قياس هذا المسرح العربي الجديد بقياسات المسرح الغربي القديم، ولا يمكن تناسي أنه مطالب بأن يكون أولا، ويعي هذه الكينونة ثانيا، ويطورها فكريا وجماليا ثالثا، وأن يبحث لها عن أسمائها ومصطلحاتها رابعا، وأن يجد لها موقع قدم في خرائط المسارح.
ولعل هذا هو ما جعل مهمة هذا المسرح تكون مركبة ومعقدة (مهمة مزدوجة في الوقت نفسه)، وتكون أخطر مما يتطلبه المسرح الغربي مثلا، والذي تنحصر مهمته اليوم في أن يقاوم الشيخوخة والموت، وألاّ يهزم في معركته أمام وسائل الاتصال الحديثة. وهذه الجماعات يحصرها برشيد، مؤقتا، في ثلاث فئات:
الأولى: هي تلك التي تمارس المسرح بفطرية، وبآلية، وتشتغل عليه وهو في مستواه الأوّلي والابتدائي، والذي هو مستوى المهنة والحرفة فقط، ويكمن جوهر هذا المسرح في أنه فرجة خالصة، فرجة بريئة كل البراءة من العلم والفكر، ومنفصلة تماما عن كل سؤال أو مسألة.
الثانية: هي التي أعطت لهذا المسرح جوهره الحقيقي، وارتفعت به من درجة الفرجة البسيطة إلى درجة الفن والأدب، وإلى عتبة الفكر والصناعة الثقيلة، وقد أدركت أن هذا المسرح الوافد يحتاج إلى توطين في الوطن العربي، وأنه بحاجة ماسة إلى تأصيل في التربة الثقافية العربية، وأن أدبه يحتاج إلى أن يغرس في حدائق الشعر والنثر العربيين، وأن فنونه تحتاج إلى أن تكون مرتبطة بروح الاحتفال الشعبي العربي، وأن تكون جزءا من الظاهرة الفرجوية المعروفة في العالم العربي.
أما الجماعة الثالثة فهي التي رأت أن الأمر أكبر وأخطر من أن يكون مجرد “تسييق” للآداب والفنون الغربية في السياقات العربية الجديدة، وأن الأمر يحتاج إلى تأسيس جديد يُضاف إلى كل عمليات التأسيس الأخرى، والتي عرفتها كل مسارح العالم وتياراته واتجاهاته ومدارسه أيضا.
وذلك عبر مختلف الفضاءات الجغرافية المتباعدة، والحقب التاريخية المتباينة والمتعاقبة زمنيا، ولهذا لم تقف هذه الجماعة عند حد الاشتغال المهني، مثل الجماعة الأولى، ولا عند حد التأصيل، مثل الجماعة الثانية، وإنما تجاوزت ذلك إلى فعل التأسيس.
ويأتي تأكيد برشيد على ضرورة التأسيس في المسرح العربي وأولويته وأسبقيته أيضا انطلاقا من قناعته بأن ما يقوم به المسرح الغربي الحديث اليوم من مغامرات تجريبية ما كان سيحدث لو لم يكتمل فعل التأسيس فيه، ويصل إلى حدّه الأقصى، فبعد أن كفر بكل شيء أصبح فعل التجريب فيه ضرورة ملحة، بل نوعا من اللعب، أو من الترف، أو من التدمير الذاتي، الذي يمارسه هذا المسرح على قواعده وأسسه وثوابته التي لا يمكن أن تقوم لها قائمة من دونها.
المسرح الاحتفالي
يرى برشيد أن جماعة المسرح الاحتفالي هي في طليعة هذه الفئة، فقد أكدت في بياناتها وإبداعاتها وأدبياتها المتعددة، على وضع هذا التأسيس داخل جدلية البناء والتحديث، وجدلية التأسيس والتجديد، من منطلق أن ما تؤسسه الجماعة حديثا لا يمكن أن يكون إلاّ حديثا أيضا جسدا وروحا، شكلا ومضمونا، وحالة وتعبيرا، وهذا ما يفسر أن ترتبط كل حركات التأسيس الفكري والجمالي، عبر التاريخ، بالجديد والتجديد والدعوة إلى القيم الإبداعية الجديدة.
ومع ذلك كان هذا التجديد دائما منطقة محرمة في الثقافة العربية، وكان المجددون موضوعين في موضع الشك والريبة، ومتهمين بشتى الاتهامات، على أساس أن “أي جديد أيا كان هو بالضرورة نقص بالقياس إلى القديم”، كما يقول مصطفى صادق الرافعي.
وبما أن الاحتفالية ذات منحى تجديدي، فإنها لم تسلم من ذلك، وقد وُجّهت إلى أصحابها تهم كثيرة مثل: الغرور، والنرجسية، وعشق الزعامة، والشوفينية، وقتل الأب، وارتكاب “جريمة” إدخال التفكير في المسرح، والإنشاء والتجريد، والتطاول على المسرح العالمي، والخروج عن الإجماع، الذي يمثّل في رأي برشيد، حجة واهية لتسويغ الكسل النظري والإبداعي.
العرب 

فكتور جارا مخرجاً مسرحياً / نجاح الجبيلي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
فكتور جارا مخرجاً مسرحياً

عرف  عن فكتور جارا (1932-1973) كثيراً كونه مغنياً وشاعراً وكاتب أغنية وناشطاً سياسياً، لكنه كان أيضاً مخرجاً مسرحياً مميزاً طوّر المسرح التشيلي بإخراج العديد من الأعمال المسرحية التي تتراوح ما بين المسرحيات المنتجة محلياً إلى كلاسيكيات المسرح العالمي والمسرحيات التجريبية لكتّاب مثل "آن جيليكو".

بدأت اهتمامات جارا بالمسرح مبكراً حين عاد إلى سانتياغو بعد انتهائه من الخدمة العسكرية وبقي بلا هدف لبضعة أشهر مع أصدقائه ثم عمل في مستشفى. ميله نحو النشاطات الفنية بدأت بعد أن حاول أن يصبح في كورس جامعة تشيلي بعد أن قرأ إعلانا في صحيفة للاختبار. 
ونجح في الاختبار وظهر على المسرح في العمل الدرامي الموسيقي "كارمينا بورانا" لكارل أورف بدور ناسك. في أواخر عام 1954 عقد صداقات مع أعضاء الكورس ورحل معهم إلى شمال تشيلي كي يتعلم الموسيقى الفولكلورية للمنطقة- وهي التي منها جاء جارا. التحق بفرقة للتمثيل الصامت تتكون من طلبة مسرح سانتياغو الذين كانوا مالياً أفضل من جارا لكنهم قبلوه كجزء من الفرقة. أحدهم هو فرناردو بوردو أعطاه ملابس للدور وشجعه على التسجيل في برنامج المسرح في جامعة تشيلي. 
إن جارا ذا التعليم المشتت كان فقيراً في الجزء المقروء من الاختبار لكنه أدهش الحكام بحركاته المسرحية وقبل في منحة دراسية. ظهر في العديد من المسرحيات وقد انجذب إلى المسرحيات ذات الثيمات الاجتماعية مثل مسرحية الكاتب الروسي مكسيم غوركي"الحضيض" وهي وصف لصعوبات حياة الطبقة العاملة. 
حافظ جارا على اهتمامه بالمسرح دارساً الإخراج المسرحي في الجامعة وأخرج مسرحيات بصورة مطرده في سانتياغو ذات مضامين سياسية حادة في أواخر الستينات كما التحق بالتجارب المسرحية مع فرقة شكسبير الملكية في أثناء رحلته إلى بريطانيا. عمل لمدة تسع سنوات كمخرج مسرحي في المعهد المسرحي التابع لجامعة تشيلي. لكن الموسيقى بدأت تهيمن على انتباهه وشرع يكرس طاقته لها.
وفيما يلي المسرحيات التي أخرجها فكتور جارا أو ساعد في إخراجها:
نوع من السعادة – أليخاندرو سيبكنغ- 1959 
أرملة أبابلاثا - جيرمان لوكو كروشاغا – 1960 (مساعد مخرج)
اليسروح (نبات) – نيقولا ميكافيللي – 1960 
الأرنبة الأم - أليخاندرو سيبكنغ- 1961 
روح النهار- أليخاندرو سيبكنغ- 1962 
دائرة الطباشير القوقازية – 1963 (مساعد مخرج)
الدخلاء – أيغون وولف- 1963 
ثنائي- راؤول رويث – 1963 
نوع من السعادة - أليخاندرو سيبكنغ- (نسخة للتلفزيون التشيلي) – 1963
إعادة الطحن - أليخاندرو سيبكنغ – 1965 
الحيلة – آن جيليكو- 1965 
مارا/ صاد – بيتر فايس- 1966 (مساعد مخرج)
البيت القديم – البياردو إيستورينو – 1969 
أرملة أبابلاثا لجيرمان لوكو كروشاغا – 1960 
تسلية السيد سلوان – جو آرثون- 1968 
صخرة فييت- ميغان ثيري- 1969 
أنتيجونه- سوفوكليس – 1969 
وفي عام 1972 أخرج باليه كرست للاحتفاء بعودة بابلو نيرودا إلى وطنه بعد منحه جائزة نوبل للأدب. 
ويلاحظ أنّ جارا قد أخرج خمس مسرحيات لأليخاندرو سيبكنغ الذي تعاون معه في عدد من المشاريع المسرحية والموسيقية بضمنها ألبوم موسيقي بعنوان "الشعب". ولم يتخل جارا عن المسرحيات الكلاسيكية التي أخرج منها مسرحية لميكافيللي مؤلف كتاب "الأمير" والذي عرف عنه أيضاً مؤلفاً مسرحياً، ومسرحية "أنتيجونه" لسوفوكليس. كذلك المسرحيات التجريبية لآن جيليكو وهي كاتبة ومخرجة مسرحية وممثلة بريطانية معروفة بخرقها للأعراف المسرحية ومسرحية "الحيلة" التي أخرجها جارا هي كوميديا من ثلاثة فصول ألفتها جيليكو عام 1962 وقد أعدت للسينما وفاز الفيلم بجائزة السعفة الذهبية عام 1965.


المدى

مسرح ما بعد الحداثة مسرح مؤلف أم مسرح مخرج؟ / بول شاوول

مدونة مجلة الفنون المسرحية

تاريخ المسرح هو مجموعة "حداثيات" تكمل بعضها أحياناً، وتتناكر أو تتقاطع أو تتنافى أحياناً أخرى. وهذا أمر طبيعي، بالنسبة الى فن، يعود تاريخه الى مئات السنين بل والى ألوفها، ويتوزع في مغارب الأرض ومشارقها.

فمسرح القرن التاسع عشر الفرنسي (لأرسطوي) حداثة بالنسبة الى مسرح القرون الوسطى، سواء باستقلاليته (عن المؤسسات الدينية ومحتوياتها) أو باستمزاجه ونقله تقاليد المسرح الاغريقي بقوانينه الصارمة (كورناي، راسين)، أو الى انفتاحه على الكوميديا دي لارتي الايطالية وبداية لحظة لدور المخرج وإن بطريقة تتناسب مع ذلك العصر، (موليير كان يدير فرقة ويخرج مسرحياته ويمثلها أيضاً)، لحظة جديدة في المسرح الفرنسي مهجّنة بامتياز، باعتبار هذه "الجدة" مؤلفة من "قديم" الآخر، أو "سائدة"، ومصوغة بنفس "معاصر" الى حد كبير. فالحداثة، وفي جميع الصيغ والتجليات والنبرات والاجتراحات لا تكون بنت تاريخها فقط، ولا بنت "ذاتها" ولا صنيعة واقعها، فحسب، بل والى كل ذلك، نتيجة الخروج من الذات الى ما هو مختلف عنها. فكل حداثة هي بمعنى من المعاني مصاهرة مع الآخر. وعلى هذا الأساس، ومن المنطلق ذاته، حركت الرومانطيقية والرمزية، وجهتها، نحو مصادر أخرى أوروبية لا سيما شكسبير، لتتجاوز الكلاسيكية المسرحية. وهكذا كان لفكتور هيغو أن يحطم أنماط المسرح "الاغريقي"، ويفتح النص على "حداثية" أخرى لا تعرف لا بالوحدات الزمانية ولا المكانية. وفي الاتجاه الأول (أي الرومانطيقية) برزت في المسرح ككتابة مجمل "قوانين" الرومانطيقية التي تشكل رد فعل على الكلاسيكية في المسرح وفي الشعر. فالمسرح صار جزءاً من مننظومة حداثية شاملة وكذلك الرمزية التي لم تفصل بين مفهومها للشعر، ومفهومها للنص والخشبة والمسرح... وهذا يعني ومن كلاسيكية القرن السابع عشر وحتى التاسع عشر ابتدأ "الايديولوجيا" (المصغرة) ذات القواعد و"النظريات" المسبقة، تؤسس للشعر، تأسيسها للمسرح والشعر والرواية، ارتباطاً بتحولات المجتمع الغربي (الأوروبي) وانتقاله من الثورة الزراعية الى الصناعية. كل شيء بات "منضطباً" في فضاء معين. في بنود معينة. وهذا بالذات ما سنراه، في ظواهر واتجاهات، على امتداد القرن العشرين الماضي.

وإذا عرفنا أن مجمل ايديولوجيات القرن العشرين ولدت في القرن التاسع عشر، لا سيما السياسية والفكرية والاجتماعية منها، عرفنا أن نهايات هذا القرن الأخير، كانت جزءاً من هذه الروحية التي كانت تبحث عن أفكارها الموضوعة في ميادين الواقع والنص والقدرة على الالتزام بهذا التطلع. بل كأننا نقول ان "الحداثة" هي مسألة ايديولوجية كما تلمسناها في القرنين السالفين، أنتجت كما قلنا "مدارس" لا تقل انسجاماً عنها: الرومانطيقية، والرمزية والطبيعية. وكل منها له مواصفاته "النهائية" الخاصة، المعممة، والمتنازعة، والمشفوعة بتبريرات أو بحيثيات نظرية مطلوب منها أن تكون محددة، تميّز تمييزاً واضحاً بين مدرسة وأخرى، وكل منها أخضع متونه، لعقلانية ما. فالحداثة (التنويرية) هي محاولة عقلنة العالم. حتى ما لم يكن عقلانياً. وهذا يفسّر بداية التنظيرات لدور المسرح والرواية والشعر... والفكر. فكأن على كل شيء أن يكون مضبوطاً بقواعده. محروساً بكتّابه ومفكريه. وعلى كل شيء أن يدخل في "حرم" الرؤيا (المسبقة) (بدأها بودلير بجعله اللغة الشعرية قضية)، وعلى المبدعين، ألا يبقوا خارج هذه الانتماءات. فالانتماء للرومانطيقية أو للرمزية أو للطبيعية كان انتماء لازباً. فلا خروج على النص ـ الرؤيوي. ولا خروج تالياً على "القواعد" المقدسة. فهل يمكن القول ان مسألة "التقديس" بدأت هذه الحداثيات؟ على أن اللافت أن ما يمّز أيضاً تلك المرحلة هي النزعة الى الخروج بنسبة النزعة ذاتها الى الدخول. فوراء هذه التجليات الحداثية تكمن روح تمردية أو تجاوزية، أو تحطيمية، يقوم بها كل جديد على نفي "القديم". فالتحطيم والتقديس صفتان لازمتا تحوّلات الابداع في مستوياته الشتى. وهنا بالذات يمكن الكلام على العلاقة المتقلبة بين المفاهيم حول المسرح، وبقيت هذه التقلبات والتحوّلات ترافق التجارب المسرحية على امتداد القرن العشرين. على أن هذه التحولات "الحداثية" والاستحداثية، لم تكن سوى نزعة متنوّعة، بتنوّع مبدعيها وممارسيها لمحاولة إيجاد نموذج أو نماذج، أو "معابد" أو مدارس تتكامل على قدر ما تتنافى. فالحداثة (بأل التعريف) تعني النظرية. وتعني أيضاً التنوّع في النظريات. وتعني طرح مسألة "التجارب" المنطلقة، أو المرتهنة بهذه "الكليات" التي تصوغ قواعدها ورؤياها. وعليه، فإن القرن العشرين هو قرن الرؤى بامتياز (قرن الفانتازيات) التي تسعى الى إرساء واقع نموذجي متصل بها.

على أن تصادم هذه النظريات الحداثية في المسرح، كان لها أن تأخذ منعرجات بحيث لم تسر في خط مستقيم. أو خط متطوّر أفقياً، من هنا القول ان القرن الماضي، وبرغم "النظريات" المتعددة بقي قرن الدوران حول النص على الأقل حتى سبعينياته أو ثمانينياته، إذ، وبحسب علمنا، لم يجرؤ أحد على نفيه، أو على إلغائه تماماً. لكن، وبرغم ذلك، فإن موقع النص كقيمة مقدّسة قد اهتز، منذ بداية القرن الماضي، (وحتى نهاية القرن التاسع عشر مع أنطوان). أي لحظة تزامن بروز دور المخرج واختراع الكهرباء. بدأ إذاً صراع ما، بين المؤلف والمخرج. بين النص كمعطى نهائي يكتفي بذاته (كما يقول الرمزيون وجلهم شعراء بول فور، موريس ماترلنك، مالرمه وحتى اليري)، وبين النص كفضاء يتسع لمجمل التقنيات والأدوات. أي "نظرية" أو عدة نظريات ترمي أن على كل شيء أن يخدم "جلالة" النص. الملك المتوّج. وأخرى تسعى الى مقاسمته سلطته. فمنذ بداية القرن نجد أن توبو الذي سعى الى "تجديد" العرض أكد في الوقت ذاته على "سيادة النص" أي هيمنة النص على مكونات المسرح الأخرى كلها. ومثله فعل بيتوف، وهذه النظرة استمرت على امتداد القرن الماضي حتى بيكيت ويونسكو وجورج شحادة وارثر ميلر... ففي عام 1950 رأى يلار أن المسرح هو النص. وكل شيء يدور في فلكه، وبارو لم يختلف كثيراً عنه. بمعنى آخر حسمت هذه الاتجاهات المسرح لمصلحة النص. فهذا الأخير يتربع، من حيث التراتبية في القمة، وبهذا المفهوم، لا يعود الاخراج سوى إصغاء الى النص، إذ أن مهمة المخرج الوحيدة هو العمل على النص. من دون إضفاء صفة الابداع على المخرج، فمبدع المسرح هو الكاتب.

على خلف هذه "النظرية" وبرغم "حسمها" تكشف علاقة ديالكتية بين المخرج والكاتب. فكوبو نفسه يرى أن وراء النص سر. ومهمة المخرج كشفه. وبقدر ما يكون النص غنياً ودسماً، أي بلا فجوات، يتضاءل دور المخرج. بمعنى آخر كأن الاخراج لا "يظهر" إلا في "نقص" في النص. في ثغرة فيه. في قصور أو في فقر. (نعلم أن النظريات اللاحقة جاءت عكس ذلك تماماً). هذا السر الذي على المخرج "تظهيره" بالوسائل والأدوات ومن خلال الممثل طبعاً، طرح الالتباس الأول بين طرفي المسرح: الكاتب والمخرج، بل طرح بذور التعارض والتنازع بين الاثنين، من خلال تشكيكية في قدرة النص على تقديم ذاته. وهذا ما دفع أرطو في بداية القرن الماضي وكذلك كريغ الى إنكار أولوية النص في قلب العرض، ففي حين حدد كل من كوبو ودولان حضور النص كمحور أول، أعلن جو فيه أن الوقت حان "لخلع الكلمة عن عرشها". هنا بالذات، بدأت تنقلب الحداثة على نفسها لكن، من ضمن مشروعها، من ضمن فضاءاتها، لتصل في نهاية القرن العشرين الى الثورة على نفسها، وتجاوز معطياتها، ودحض نظرياتها. فالمسرح الحداثي في القرن العشرين محطات وإن غير حاسمة. ظواهر مغلقة هنا ومفتوحة هناك، وجلها، في المسار المتراكم أدى الى تدمير المعنى النظري، لصالح "الورشة" أو لصالح العمل من ضمن الأدوات، كمشاريع تبدأ من الصفر. أي مشاريع تحوّلت من منظورات جاهزة، الى تفكيك هذه المنظورات، وتحويلها مواد أولية.

وإذا عدنا الى هذه المحطات الرئيسية في عملية "التطوير" والتغاير، نجد أها، وفي تحقيقاتها، كانت تسير في محصلتها الأخيرة، وعلى امتداد قرن، نحو دك بنى الحداثة الى ما بعد الحداثة. أي الى تقويض الدعائم التي قام عليها المسرح عموماً (النص)، الى منا بعد النص. وليس غريباً القول ان الدعائم الثلاثة للمسرح: النص، المؤلف، المخرج، بدت، اليوم، وكأنها تغيّرت أدوارها ولغاتها ووجودها، الى درجة باتت كلها مهددة، بما نسميه مسرح الفرجة، أو مسرح الصورة، أو مسرح "العرض" المحض، لكي لا نقول "الاستعراض الفرجوي".

وإذا تابعنا، (كما سلف وبدأنا) مسار علاقة النص بالعرض، حتى منذ البدايات، نجد أن الظواهر الأساسية النظرية وكذلك التطبيعية، الفكرية وعلى صعيد الممارسة، قد سجلت تراجع النص كمرجعية. وعندما كان العرض هو الكتابة، صارت الكتابة جزءاً من العرض. بل تراجعت الكتابة أحياناً لتكون ذريعة للاخراج. ونظن أن إحدى المحطات الأساسية التي تسجل تحولاً في بنية النص، كانت مع الروسي مايرخولو، الذي وضع رؤيا مضادة لأستاذه ستانسلافسكي. فالنص ما زال موجوداً عنده. لا ينفيه. ولا يدحضه. ولا يهمله، لكنه يرفض العودة الى المحاكاة النفسية (في الأداء) (كما عند ستانسلافسكي. فإزاء وقوع الستانسلافسكية في "المحاكاة" الواقعية أو السيكولوجية (حتى الطبيعية) وإزاء اختراق الممثل عبر "أناه" وتجربته الخاصة جليد النص، رأى مايرخولو أن "الأنا" الأدائية غير كافية. وحتى الممثل لم يعد كافياً لتحويل مضمون النص، أو حتى لنقله. وعليه يصبح العرض جزءاً من هذا الأداء. أو مرادفاً له، أو مشاركاً. وكما قال كريغ "النص والعرض متلازمان"، فإن مايرخولو أدخل عناصر كثيرة كانت خارج تقاليد المسرح الغربي (التقليدي)، تحت شعار "المسرح الممسرح". وهنا لم يعد البحث مقتصراً على عنصر الممثل، وإنما امتد الى مستويات تشكيلية وموسيقية "تحل كل المضمون الانساني للنص". فالمسرح الممسرح (أو المسرح المسرحي) ينحرف، مع مايرخولو نحو نوع من العروض القريبة من "الشكل غير الدرامي" للمسرح، منحازاً الى الفنون البلاستيكية والرسم والموسيقى والرقص، متهماً بالتقاليد الغريبة عن محورية النص الغربي كالباليه، السيرك، الكوميديا ده لارتي، النو الياباني، والأوبرا الصينية. أي أن المسرح لم يعد فقط ظاهرة "غربية" (اغريقية) بقدر ما صار فناً مهجناً بحضارات أخرى شرقية وغير شرقية. فالنص، هنا، بات جزءاً من كل. وليس الكل. بلبات بلا محورية، ولا طغيانية. صار له شريك غريب عن الكلمة، والممثل. بلاتسع مفهوم "الكلمة"، وكذلك الممثل. صار الممثل راقصاً، ومهرجاً، بل صارت السينوغرافيا والكوريغرافيا جزءاً أساسياً من العرض. وهنا يمكن الكلام على "المسرح الفرجوي"، وعن الجسد في المسرح كرديف أو كبديل من النص. وعن الحركة الملازمة للكلمة، فهل دمّر مايرخولو النص؟

الواقع، ان المخرج الروسي الكبير، يطوع النص للأبحاث الشكلية (والشكلانية ولا ينفيه، فالكلمة عنده ما زالت تسيطر على الفضاء المسرحي. والديكور الايهامي يحل محله الديكور الوظيفي ليخدم حيوية جسد الممثل، وتحل محل التفسير البسيكولوجي والطبيعي (ستانسلافسكي) لعبة الأقنعة. وفي هذا الاطار، يتأثر كل من بيسكاتو، وبرشت بأبحاث مايرخولو.

من خلال ذلك نقول، صحيح ان النص ما زال محوراً، والكلمة لها الموقع، لكنهما، تعرّضا، عند ماريخولو لهزة كبيرة. لا تقل عن الهزة التي تعرض لها عند أنطونان أرطو، الذي تعتبر تجربته رائدة في هذا المضمار. ومن خلال قطع المسرح شوطاً في تحويل دور النص والممثل والفضاء المسرحي من "الأنا الداخلية" عند ستانسلافسكي وهيمنة النص عن الرمزيين، بدا أرطو قريباً وإن على اختلاف بارز مع مايرخولو. يلتقيان على ترسيخ دور العرض، وتعزيز "تبعية" الكلمة، لكن يفترقان في المرجعية، وفي طبيعية الأداء، وكذلك في طبيعة الكلمة، لكن هذا الحوار مضاداً كان أو غير مضاد، فإنه يأتي في سياق مواجهة نظرية بنظرية. (ايديولوجية بايديولوجيا). وكما فعل مايرخولو مع النظرية الرمزية وقبلها الرومانطيقية وكذلك مع الطبيعية (وكلها نظريات شعرية وروائية أيضاً)، ومع النظرية الستانسلافسكية، فإن أرطو أيضاً وضع نظريته "مسرح القسوة"، وهي تصب في رفض هيمنة النص (منذ عشرينات القرن الماضي). لم يعد النص بنية كلية مغلقة. ولا حتى متضمناً سرّ. أو أسراره، وإنما بات مع أرطو أداة مادية رنانة، طاقة جسدية (كما ورد في "المسرح وقرينه") يرفض مجمل المواصفات الأتليفية والأدبية والشعرية التي تعود الناس أن يجدوها في العمل الدرامي. وهو بهذا يحدث "انقلاباً" جذرياً فيسلم القيم المسرحية. فالمسرح الأرطووي ليس وسيلة لمعنى ذهني، لكنه المكان والوسيلة لتفجّر تطهري عند المتفرّج (بالتماهي، والعدوى). ويرى أرطو أن الذهنية أفقرت المسرح الغربي، لذا نفت الدرامية الأرطووية البنى الذهنية للنص: "ما يهمني هو تحديد ماهية اللغة الفيزيائية، هذه اللغة المادية الصلبة التي يتميّز بها المسرح عن الكلمة". فكان أرطو "يحتفظ بالكلمة كطاقة فيزيائية إيحائية (السحر في اللغة) ويطرد النص كبنية ذهنية أدبية. إنه مسرح الحواس بامتياز، نقل وجهة الرمزيين من حيث طاقة الكلمة "الايحائية" الى الجسد ككل.

برغم ذلك لم يرفض أرطو اللجوء سلفاً الى النص. وقد قدم نصوصاً عديدة. ففي رأيه أن لكل نص احتمالات متناهية (لا احتمالاً واحداً)، وهو يتضمن غنئ متعدداً يتصاعد ويكبر في علاقته بالاخراج. بمعنى آخر لم يقدم أرطو مسرحاً بلا نص. ولكن كان يمكن أن يقدم نصاً من دون آليات المسرح التقليدية.

فمن ستانسلافسكي ونظريته البسيكولوجية (الحميمة)، الى مايرخولو و"المسرح الممسرح"، نال أرطو و"مسرح القسوة" نجد أنها "حروب" النظريات. أي حروب المخرجين، لا الكتاب. أو الكتاب ـ المخرجين.

وعلينا أن ننتظر في هذا السياق نظرية أو نظريات أخرى، تشد المسرح الى بنية مشدودة، منسجمة، أي "فلسفة" واعية، تفكك عناصر المسرح، لتأخذه الى أماكن أخرى.

برشت قدّم نظرية من أكثر النظريات تماسكاً وشمولاً منذ التراجيديات الاغريقية. تطرح، أول ما تطرح، مسألة النص بعبارات جديدة. (دور الغافي العرض). ومعه، لم يعد الأمر مجرد معرفة أي أهمية تنسب الى النص في علاقته بالمكونات الأخرى للعرض. بليتساءل حول "وظيفة النص داخل العرض" (السؤال ذاته طرحه أرطو ومايرخولو من منطلقات أخرى). ويمكن القول ان ما ابتكره برشت ضمن هذا الاطار إدخاله صيغاً متعددة لمسرحة النص: الحوارات، الأغاني، مواد غرافيكية، شعارات، يافطات، شاشة سينمائية... أي وضع "نص متعدد" اللغات، والايحاءات والايقاعات، ومحاولة إيجاد علاقة عضوية بين عناصر العرض والنص (الازياء، الاضاءة، الفضاء، الماكياج...). ولهذا نجد أن الأغنية عنده لا تدخل كعنصر تزويقي (طربي) وإنما كعنصر تغريبي عبر إدخالهانظام قطع يهدف الى كسر تواصلية السياق، والمنحى الطبيعي للأداء، والتماهي بالشخصية أي قطيعة بين الشخصية والممثل. فخطاب الأغنية ينتقد بطريقة ساخرة الشخصية وسلوكها. إنها الجدلية الملحوظة، بين مختلف العناصر والنص. جدلية قائمة على النفي، والتصاريح، بقدر ما هي قائمة على رؤيا بنائية، أو معمارية، لا تنفي النص، وبرشت كاتب مسرحي بامتياز وشاعر، لكن لا تفصل بين مكونات العرض والنص، بمفهومه البيسكاتوري، ومن ثم البرشتي. أي انتقلنا من المسرح الممسرح عند مايرخولو الذي تأثر به كثيراً برشت، ومن المسرح التطهري، فالى المسرح اللحمي. وفي هذه الانتقالات ما يوحي أن المسرح يخضع لتجريبية ما، ولكنها محددة بنظرية أو بأورغانون مكتمل. أي محدد بروح ايديولوجية، بحيث أن العنصر الاجتماعي بات أساساً عند المشتغلين بأبي الفنون لا سيما المسيسين منهم كبرشت وبيسكاتور.

لكن النظرية البرشيتية القائمة على نفي المفهوم التراجيدي القديم (مقابل الملحمية)، تواجهها نظرية أخرى، تأتي هذه المرة، من بولندا مع غروتوفسكي. فإزاء انتاج برشتي للنص البرشتي ذي المواصفات الملحمية بتقنياتها وامتداداتها العرضية، يأتي غروتوفسكي من كان "قديم" نسبياً، من عند "مسرح القسوة" الأرطووي، ولكن من دون أن ينتج نصوصه، واللافت، أن غروتوفسكي وفريقه ومن عمل معه، مارس نظريته باعتماده على نصوص أسماء كبيرة منها بايرون "ايين" (1960)، ومرلو "فاوست" (1965)، وكالدروني "الأمير كونستان" (1965)، وكذلك مسرحية "أبو كالييبس" (مونتاج نصوص مأخوذة من التوراة، ودوستويفسكي واليوت. وفي كل هذا، أعاد غروتوفسكي مركزه العرض على النص ليصير الممثل هو الشخصية، (على خلاف برشت) ويتماهى بها، ليس على الطريقة الستانسلافسكية "الحميمة" والبسيكولوجية، وإنما من خلال "ثقافة جماعية" يجسدها الممثل عبر الطقوس، والتطهر، والاندماج.
--------------------------
لقىت  هذه الورقة  في الندوة الفكرية التي تعقد على هامش مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي بعنوان "التجريب وتقاليد الكتابة المسرحية".

مكناس ومراكش تحتفيان بكتاب «المسرح الفردي في الوطن العربي» للطاهر الطويل يومي 06 و13 يونيو

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

مكناس ومراكش تحتفيان بكتاب «المسرح الفردي في الوطن العربي» للطاهر الطويل يومي 06 و13 يونيو
بعد مدن فاس وتطوان والدار البيضاء، يقام في مكناس ومراكش حفل تقديم وتوقيع الكتاب الجديد للطاهر الطويل «المسرح الفردي في الوطن العربي: مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا» الصادر عن الهيئة العربية للمسرح، في طبعتين الأولى بالشارقة والثانية بالرباط.

وهكذا، تحتضن قاعة المؤتمرات «العلمي التازي» بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بمدينة مكناس يوم السبت 06 يونيو 2015 في الساعة السادسة مساء، حفل تقديم وتوقيع الكتاب المذكور، من تنظيم جمعية الازدهار للثقافة والتنمية وجريدة «صوت الجهة»، وبمشاركة الباحثين المسرحيين: الدكتور عبد الرحمن بن زيدان والدكتور عبد الرحمن ابن ابراهيم، وتنشيط الإعلامي والفاعل الجمعوي حسن الصالحي.

وبالقاعة الكبرى للمجلس الجماعي «محمد الخامس» بمراكش، ينظم مركز عناية للتنمية والأعمال الاجتماعية بالمغرب، بتعاون وتنسيق مع فرع اتحاد كتاب المغرب بمراكش، لقاء ثقافيا احتفائيا على شرف الكاتب والإعلامي المغربي الطاهر الطويل بمناسبة إصداره الجديد، بمشاركة الكتاب والمبدعين محمد زهير ومصطفى غلمان ونزهة حيكون، يوم السبت 13 يونيو 2015 ابتداء من الساعة الخامسة والنصف مساء.

ينقسم كتاب «المسرح الفردي في الوطن العربي: مسرح عبد الحق الزروالي نموذجا» إلى ثلاثة فصول، يتناول أولها هوية المسرح الفردي، من خلال رصد سمات الشكل التمثيلي الفردي لدى اليونان ثم لدى العرب، وكذلك من خلال التوقف عند مسرحيات فردية لفنانين مسرحيين مغاربة. ويستقصي المؤلف في هذا الفصل الوضعية الراهنة «للمسرح الفردي»، وذلك في سياق المنحى التأصيلي الذي يحكم مسار المسرح العربي ككل.

أما الفصل الثالث، فهو مخصص للتجربة المسرحية للفنان عبد الحق الزروالي عبر إبراز مراحلها وخصائصها. في حين يتم في الفصل الثالث مقاربة التجليات الإبداعية لتجربة «المسرح الفردي» عند عبد الحق الزروالي، من خلال التركيز على مسرحية «رحلة العطش» كنموذج للتحليل.

ويرى المؤلف أن من بين الشروط الأساسية التي ضمنت الاستمرار والتطور للمسرح الفردي أو «مسرح الممثل الوحد» قابليته لاستثمار معطيات النظريات والمدارس المسرحية العالمية، وكذلك نتائج الاجتهادات والأبحاث العملية في مجالات بناء النص والتصور السينوغرافي وميكانزمات فن التشخيص... إلخ؛ وكذلك انفتاحه على كل الدعوات المسرحية العربية التأصيلية، سواء تجلت في اتجاهات ومذاهب أم في تجارب متفرقة، واستعداده للتعامل معها وفق القناعات المشتركة؛ وتطبيقه الفعلي لفكرة استلهام الأشكال الفرجوية الشعبية، واعتبارها قالبا مسرحيا ذا طبيعة قومية، لا مجرد زخرف إبداعي ثانوي؛ بالإضافة إلى تجاوزه للصعوبات المادية والمعنوية المتعلقة بعملية الإنتاج المسرحي، إذ يتم إنجاز مسرحيات الممثل الواحد بأقل الإمكانيات المادية والبشرية، ويسهل تنقل الفرقة المسرحية التي تكون عادة قليلة العناصر المشاركة في إنتاج العرض (حتى إنها قد تصل إلى عنصر إضافي واحد أو عنصرين فقط ـ كما هو الحال بالنسبة لعبد الحق الزروالي)، إذ تنتقل المسرحيات إلى حيث يتواجد الناس ويتجمعون (أندية، مقاهٍ، دور شباب، مراكز ثقافية، مستشفيات، ثانويات، أحياء جامعية...إلخ)، من دون انتظار قدوم الجمهور إلى البنايات المسرحية.


دنيا الوطن

المسرح العربي: من الاستعارة إلى التقليد للدكتور أحمد شرجي / د.هشام بن الهاشمي

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
المسرح العربي: من الاستعارة إلى التقليد للدكتور أحمد شرجي

يشكل المسرح العربي موضوع اشتغال الباحث أحمد شرجي في كتابه "المسرح العربي: من الاستعارة إلى التقليد". فهو يحاول الإجابة عن التساؤل التالي: هل نمتلك مسرحا عربيا أم مسرحا مكتوبا باللغة العربية؟. وهو ما استوجب منه مناقشة نشأة المسرح العربي ومراحل تطوره، بدءا من التقليد حين تمت استعارته من السياق الثقافي الغربي، مرورا بالعملية التأصيلية عبر البيانات التنظيرية، إلى التصورات الإخراجية التي رامت البحث عن شكل مسرحي.

ففي الفصل الأول المعنون بـ: "إشكالية التأصيل والهوية في المسرح العربي"، يناقش الباحث هاجس بحث المسرحيين العرب عن هوية مسرحية عربية. فالمفارقة الصارخة هنا نتبين معالمها في عدم اهتمام الغرب بالهوية، فلم يجدوا غضاضة في الانفتاح على الموروث الفني العربي بخلاف المسرحيين العرب الذين اهتموا -اهتماما مبالغا فيه- بهوية عربية مسرحية. ومن ثم فإن شغلهم الشاغل هو الهوية الموهومة بدل تأسيس جماليات منفتحة.
وضمن هذا الإطار، استعرض الباحث آراء وتصورات (علي عقلة عرسان) الذي أرجع نشأة المسرح إلى المصريين، وإن لم يتبلور بشكل كامل المعالم إلا مع الإغريق، وفوزي رشيد من العراق الذي عد العراق مهد المسرح استنادا إلى وثائق تاريخية دعم بها موقفه. ولم يقف الباحث عند حدود استعراض الآراء والمواقف، بل عمد بحس نقدي إلى مناقشتها . يقول في هذا السياق: "ومع عرسان ورشيد، يتأكد الأرق العربي المستمر، حول الدهشة الأولى للمسرح، لكن هل هذا هو المهم؟ لأنه لو صحت طروحات الاثنين، فلماذا إذن لم تكن هناك تراجيديات حقيقية، كما هو الحال عند الإغريق" .
وارتباطا بالدين الإسلامي في سياق علاقته بالفن المسرحي، عرض الباحث لموقف زكي طليمات الذي قدم تفسيرا جغرافيا لعدم تعرف العرب على الفن المسرحي. ويتمثل في حياة الترحال التي ميزت الحياة العربية البدوية، في حين يستلزم المسرح الاستقرار بوصفه فنا مدنيا بامتياز. وهو يعارضه الباحث إذ يشتمل هذا الموقف على بنيات هشة تسمح بدحضه. فهو ينطبق على الحياة العربية قبل الإسلام ولا يشمل بعدها، فقد مثلت دمشق في عهد الأيوبيين وبغداد زمن العباسيين مركزيين ثقافيين.
فإذا كان الإسلام قد بشر بالوحدانية، فإن هذا التصور قد قوض ليس فقط تعدد الآلهة، بل أفضى أيضا إلى أفول الأساطير والطقوس المصاحبة لها، ومن ثم اندثار جوها الاحتفالي. فلم تبدل الجهود لاحتواء تلك الطقوس وتطويعها، حتى تتوافق مع السياق الثقافي الديني الجديد. ومادام الجسد هو من يجسد تلك الطقوس، فإن مع اندثارها أضحى وجوده باهتا وخافتا، ومحاطا بهالة دينية عدته عورة وجب إخفاؤها. كما اضطلعت الثقافة الدينية التي تستند إلى الرواية، والسرد، والحفظ بدور تغليب كفة المسموع على حساب المرئي. وهو ما ساهم بشكل ملحوظ في عدم تطور المسرح عند العرب ، يقول الباحث: "تحرر الجسد هو أحد عناصر تطور المسرح في العالم، كون الممثل لا يمكن أن يبقى حبيس لسانه، وعقله فقط على الخشبة، لأن العقل يصدر أوامره للجسد للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر، التي يطلقها اللسان كذبذبات صوتية" . ومع غياب الصراع عن الدين الإسلامي، غابت معه ميزة المسرح وهي الصراع، مادام الدين الإسلامي رام تأسيس عالم إيماني منسجم بين الذات والآخر والعالم. كما أن تحطيم الأوثان منع إمكانية نمو تقاليد فنية في الثقافة العربية. 
وإذا كان السياق الفني العربي قد زخر بتقاليد فنية خصبة، فإن الطائفية المقيتة ساهمت بدورها في عدم الالتفاف إلى طقس فرجوي مثقل بالتمسرح ويشتمل على بذور فنية وإرهاصات درامية ويتعلق الأمر بالتعازي الشيعية. فهي عند الفاطميين ذكرى حزينة وندم على مقتل الحسين بكربلاء، في حين تتخذ عند الأيوبيين طابع المرح والاحتفال ضدا على الشيعة. ومن هنا يستشف الباحث أن الطائفية حرمت التعازي الشيعية "من التطور الطبيعي لتأخذ مكانها كتراجيديا مهمة، قد تكون موازية لما آلت إليه التراجيديا اليونانية من تطور على مستوى الشخوص والصراع" . ونظرا لعدم خضوع الأشكال الفرجوية العربية سواء قبل الإسلام أم بعده لناموس التطور وقانون الارتقاء لتصل حد المسرح بمفهومه الحديث، فإن تاريخ تعرف العرب على المسرح يتحدد انطلاقا من 1848م مع مارون النقاش في لبنان، ثم القباني في سوريا، وصنوع في مصر...
في الفصل الثاني ناقش الباحث أهم التجارب المسرحية العربية التي جاهدت بهدف البحث عن خصوصية مسرحية. فهل نحا هذا البحث منحى الوفاق والتقارب مع المسرح الغربي؟ أم انه اتجه صوب القطيعة والانقسام وهو ما يتنافى مع طبيعة الفن المسرحي نفسه؟. في هذا الاتجاه، اعتبر الباحث أن توفيق الحكيم في مسرحه الذهني رام استنطاق الأشكال الفنية المصرية بهدف مسرحتها فنيا وتصنيعها جماليا، فكان قالبه المسرحي المؤلف من الحكواتي والمقلداتي والمداح. وهنا لاحظ الباحث أنه رغم روح التمرد التي تسكن دواخل توفيق الحكيم إلا انه لم يستطع التحرر والانفلات من واقع ثقافي أكبر منه ممثلا في المسرح الغربي الذي تعددت تجاربه وتنوعت اتجاهاته. فما اجترحه توفيق الحكيم لا يعدو أن يكون تقليدا تاما لنظرية المسرح الملحمي لبرتولد بريشت. كما أن تنظيراته يعوزها العمل المختبري، والممارسة الركحية، والاشتغال الدائم مع الممثل. يقول الباحث: "انطلق مشروع الحكيم من الورق، والورق لا يصنع مسرحا حقيقيا أو شكلا مسرحيا، لأنه من السهل جدا الحديث عن شكل مسرح مغاير من دون تجربة عملية، لأن التنظيرات شيء ، وما يقدم على الخشبة شيء آخر." .
ومن مصر دائما، استلهم يوسف ادريس "السامر"، لتجاوز المسرح الغربي ومركزيته بحثا عن مسرح مصري أضحى مع مسرحية الفرافير ذا طابع عربي غير غارق في المحلية الضيقة. ولعل ما شكل هاجس يوسف ادريس هو إيجاد شكل مسرحي ، بيد أن تنظيراته ظلت شأنها شأن رؤى توفيق الحكيم وتصوراته بعيدة عن منطق الاشتغال الميداني، فهي"لم تمتلك مقومات بقائها، كونها لم تنطلق من داخل مختبر مسرحي" .
في العراق، ناقش الباحث الكتابة المسرحية عند يوسف العاني الذي اعتمد على الحكاية والأغاني الشعبية العراقية، دون إحداث قطيعة مع المنجز المسرحي الغربي ممثلا في المسرح التسجيلي لرائده (بيسكاتور) من جهة، والمسرح الملحمي لبرتولد بريشت من جهة ثانية، وخاصة في مسرحيته "المفتاح" التي يتضح فيها التأثير البريشتي واضحا على مستوى بناء الحكاية، وتوظيف السرد، وكسر الجدار الرابع..... ويعزو الباحث هذا الحضور اللافت لبريشت إلى سببين: الأول يتجسد في تناغم الجمالية البريشتية مع جماليات التراث، والثاني يتجلى في الظرف السياسي بالعالم العربي المتسم بألقه الفكري وتوهجه الإيديولوجي وهيمنة مفاهيم الالتزام السياسي والنضال الثوري، وكأن بريشت يحضر بوصفه مفكرا ماركسيا أكثر من كونه فنانا مسرحي. وبخلاف توفيق الحكيم ويوسف ادريس، فإن العاني -من وجهة نظر الباحث- ينطلق في تجربته المسرحية من خبرة فنية راكمها من اشتغاله بالتمثيل، مما أهله لأن يكتب مستحضرا اكراهات الركح وشروطه.

 أحمد شرجي والاستعارة والتقليد في المسرح العربي
 وفي الفصل الثالث المعنون بـ: "التصورات الإخراجية في العرض المسرحي"، وقف الباحث وقفة متأنية وفاحصة عند رؤى الطيب الصديقي بالمغرب، وروجيه عساف بلبنان، وصلاح القصب بالعراق. فقد اعتبر الصديقي عراب المسرح الشعبي بالعالم العربي، وتميز بوفرة مشاريعه المسرحية بدءا بالمسرح العمالي الذي استدعى فيه الذاكرة المسرحية الفرنسية مجسدة في مسرحيات موليير. ولم يكن الاستلهام هنا "مجرد اقتباس أو نقل تجربة عالمية وإلباسها ثوبا عربيا أو مغربيا .... بل كان الاقتباس واعيا، وذا قصدية اشتغالية" . ومن هنا يحدد الباحث قيمة التصور الإخراجي لدى الصديقي في قدرته على نقل النص المسرحي الغربي من سياقه الأصلي إلى سياق جديد وحاضن، مع ما استلزمه النقل من تغييرات جوهرية مست العناصر المسرحية من شخصيات وديكور..... وبعد أن شعر الصديقي بغربة ما يقدمه عن الوجدان العربي انتقل إلى الذاكرة التراثية العربية مؤكدا عشقه الصوفي للتراث الذي أدمن على قراءته إلى أن دمعت عيناه. وفيه أبان عن قدرة فائقة على تطويع المصادر التراثية لخدمة العرض المسرحي.

في لبنان، انتقى الباحث تجربة الحكواتي لروجيه عساف. فما يميز هذه التجربة هو اشتغال عساف على النص، والفضاء، والممثل بعيدا عن التنظير والثرثرة، إذ اشتغل مع ممثليه في إطار "مختبر مسرحي" استنادا إلى الارتجال الجماعي. فتنظيراته كانت نتاج عمل دؤوب ومراس طويل مع الممثلين بحثا عن شكل مسرحي مغاير ووازن. بيد أنه رغم أهمية هذه التجربة، فإن الباحث –بحس نقدي- اعتبرها مسايرة واضحة لمسرح الشمس لـ "اريان منوشكسين". وفي هذا الإطار حدد التشابه بين التجربتين في: 
- تأسيس فرقة مسرحية مستقلة 
- الاستفادة من مادة العمل المسرحي: مسرحية 1789 لمنوشكين مقابل مسرحية 1963 لعساف.
- أسلوب الاشتغال الجماعي القائم على الارتجال.
وفي العراق، قارب الباحث تجربة مسرح الصورة عند صلاح القصب. ويعتبر هذه التجربة نتاج التحول الذي عرفته التجربة الإخراجية بانتقالها من الواقعية إلى الرمزية التي تستند إلى الرمز والإيحاء وتعلي من شأن الجانب البصري. فقد تمرد صلاح القصب على الذاكرة الانفعالية التي أرسى دعائمها ستانسلافسكي بتأثير واضح من أستاذته الرومانية "ساندا مانو"، وراح يبشر بفردوس جمالي بصري يثمن دور المتلقي في الفعل المسرحي ويتجاوز السائد والمتداول والمتوارث.
ونظرا لثورية تصور صلاح القصب، فقد كان من البديهي أن يجابه بردود أفعل قوية ورافضة استكانت إلى القديم. ما حدا بالقصب إلى تدبيج بيانات مسرحية تعرف بتجربته. يقول الباحث واصفا تجربة القصب: " كانت تجربة القصب، تجربة فريدة في الثورة الشكلية الجديدة لتأسيس شكل مسرحي آخر، شكل مسرحي يبنى أساسا على الصورة المسرحية، هذا الشكل لا يحدده النص الأدبي، بل يشكله القصب نفسه" . ومن هنا يتضح بأن مسرح القصب يعتمد على حوار العين والركح ويتكئ على المرئي لا الأدبي. فالخطاب هنا بصري يؤشر على تجربة ذات نفس تجريبي لافت تتوسل بفلسفة الصورة.
وبعد أن ميز الباحث بين نموذجين للتلقي، أحدهما قراءة أفقية تعتمد على انتظار النهاية لتحقيق التحرر والتطهير، وأخرى عرضية من سماتها التساؤل حول عناصر الدلالة، وصيغ تشكيلها، وماهيتها، ومصادرها أدرج تجربة صلاح القصب ضمن النمط الثاني لكونها تورط المتلقي في وسط صور بصرية تستلزم فك شفراتها. ومن ثم فهو عمل سيميولوجي بامتياز عمل على تقويض مركزية النص وهدم قدسيته، كما تحول الممثل إلى أداة ضمن التشكيل الصوري الجمالي. ويعزو الباحث تميز القصب إلى قدرته على صهر ثقافتين في بوثقة واحدة ترفض الانشطار، فتجربته تناسج خلاق بين الانجازات المسرحية الغربية والعربية العراقية. فقد أدرك القصب أن المسرح فن والفن لا يعيش إلا في إطار الحوار الفني والتلاقح الثقافي وأي تصور انطوائي سيحكم عليه بالانتحار والموت البطيء.
وختم الباحث كتابه النقدي بدراستين هامتين، احداهما لتدوين يوميات البروفة عند جواد الاسدي، وأخرى لسعيد الناجي من خلال كتابه "البهلوان الأخير: أي مسرح لعالم اليوم". فعلى غرار العديد من المخرجين العالميين من أمثال ستانسلافسكي، وبيتر بروك، وزيجموند هنبر دون الاسدي يوميات البروفة. يقول الباحث في هذا السياق مؤكدا على أهمية هذه الخطوة التي انتهجها الاسدي: "سار مشروعه التنظيري بجانب مشروعه الإخراجي، من دون كسل أو ملل، ظل وفيا لانتماءاته المسرحية، بل الذوبان الكلي فيها. وهذا ديدن المخرجين الكبار، لا يتنفس بعيدا عن الخشبة، ولا بفكر إلا بها ومن خلالها، كأي عاشق متيم بحبيبته" . فقد كشف الاسدي من خلال هذا التدوين عن همومه، ومرجعيته الفكرية، ومواقفه السياسية وما استلزمه فعل اختيار النص والممثلين....من جهة، وسلوك الشخصيات، وملابسها، وأزيائها، وانسجامها مع السينوغرافيا وفضاء العرض من جهة ثانية. إن يوميات الاسدي تظهر التفاصيل التي يتوق المهتم بالمسرح لسماعها من مصادرها. ولم يغفل الباحث هنا الإشارة إلى أن يوميات الاسدي لم تتقيد بالتسلسل الزمني. 
ثم تتبع الباحث مجاور كتاب"البهلوان الأخير: اي مسرح لعالم اليوم". كاشفا أبرز مضامينه ورؤاه. وحددها في:
- انتهاء زمن النظريات المسرحية حتى في السياق الثقافي الغربي الذي افرزها، مقابل تشبت المسرحيين العرب بحبال تنظير لم يعد قائما.
- تعدد مصادر الفرجة بسبب التطور التكنولوجي الهائل، في حين حافظ المسرح على طابعه البدائي. بيد أن ذلك لا يبعث على الخوف من اندثار المسرح بحكم تواصل وظيفته الاجتماعية.
- تحديد مهمة الممثل المسرحي في ظل التحولات الثقافية والفنية والاجتماعية التي أرغمته على الارتحال من حرارة الركح إلى صقيع الشاشة.
- تحديد دور المسرح الجامعي في النهوض بالواقع المسرحي عبر المهرجانات والمحترفات التكوينية.
- المقارنة بين تصورات بريشت وأرسطو بهدف إزالة البس القائم بين مواقفهما. مع التشديد على عنصر الخفة في المسرح الملحمي. 
وفي الأخير خلص الباحث إلى نتائج هامة. فهو يعتبر أنه لا مجال للحديث عن هوية الفن المسرحي. فلم يكترث المسرحيون الغربيون بهاجس الخصوصية المرضية، لذلك جاء مسرحهم مسرحا متوهجا، لا يهتم بالهوية الضيقة التي تحكم على الإبداع بالاختناق والموت. فقد انفتح المسرحيون الغربيون على الفرجة الشرقية وبلورا مسرحا يعتد بالحوار الفني والتلاقح الثقافي بعيدا عن منطق الثنائيات الموهومة والتقسيمات التراتبية.
وبالمقابل يرى الباحث أن معظم المسرحيين العرب راموا تأسيس مسرح يعيق التواصل الحضاري الاستفادة المتبادلة. فالخصوصية عندهم لا تعني تميز المسرح عن باقي أشكال التبادل الثقافي، بقدر ما تشير إلى تميز المسرح العربي عن المسرح الغربي، ما يعني وضع الحدود والحواجز بين الثقافات. وهو ما يتنافى مع قيم الفن المسرحي نفسه. فلا يكفي أن نستدعي شخصية تراثية حتى نكسب العمل المسرحي بعدا عربيا. ثم ان اقتباس الانجاز الفني الغربي غير كفيل بصنع خصوصية عربية. فما يزال المسرح العربي يكرر ما تبقى في ذاكرته من يونسكو واربال، وما تجسد في خياله من بريشت. فأغلب التجارب المسرحية العربية انطلقت من المشاريع المسرحية الغربية وعملت على تبنيها بوصفها مشروعا شخصيا. وهو ما يكسب السؤال التالي شرعيته: هل ما يقدم على الساحة المسرحية العربية هو مسرح عربي أم مسرح مكتوب باللغة العربية؟.

بث مباشر - ملتقى الإمارات لتنمية المسرح المدرسي - الجلسة الثانية

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني

بث مباشر - ملتقى الإمارات لتنمية المسرح المدرسي - 

الجلسة الثانية




الاحتفالات المدرسية بين الممارسة الخاطئة والدور التربوي المرتجى / د. هشام زين الدين

مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
د. هشام زين الدين يكتب: الاحتفالات المدرسية بين الممارسة الخاطئة والدور التربوي المرتجى
د.هشام زين الدين


تقدم غالبية المدارس اللبنانية الرسمية والخاصة عروضاً واحتفالات مسرحية في المناسبات والأعياد، وخصوصاً في احتفالات انتهاء العام الدراسي. وقد أصبح هذا التقليد من أساسيات روزنامة الأنشطة المدرسية التي تشكل مساحة للّقِاء مع الأهل، ومجالاً غير مباشر لاختبار وتوطيد علاقة المدرسة بالأهل وبالعكس، بحيث نجد أن بعض المدارس تهتم بشكل مبالغ فيه بإنجاح الاحتفالات، للظهور بصورة لمّاَعة أمام الأهل إيماناً منها بأن مفتاح الدخول إلى قلب وعقل ولي الأمر هو إغراء عينه بالشكل الجميل للاحتفال المدرسي، وإشباع عاطفته برؤية أولاده على خشبة المسرح يرقصون ويغنّون.

إن هذه المعادلة الشكلية التي تحكم تنظيم احتفالاتنا المدرسية والتي تنطبق على الغالبية العظمى من المدارس، هي غير صحيحة وغير مفيدة تربوياً، وبالتالي يجب أن تخضع لإعادة النظر بمسؤولية من قبل القيمين على الشأنين الإداري والتربوي في مدارسنا. ومن خلال المتابعة لما يجري قبل وأثناء وبعد العروض والاحتفالات المدرسية في عينة كبيرة المدارس الخاصة والرسمية، تكونت لدينا مجموعة ملاحظات- عناوين سوف نعالجها تفصيلياً، هي الآتية:

غياب العدالة والمساواة بين التلاميذ
الأجواء السلبية المرافقة لتحضير العرض أو الاحتفال
السطحية والعشوائية في اختيار المواضيع
التشويه الفني
استغلال التلميذ وعدم مراعاة مصلحته (مشاركة الأهل والإدارة في اللعبة الإعلامية)
غياب العدالة والمساواة بين التلاميذ

خلال التحضير للعروض والاحتفالات في غالبية المدارس يتمّ انتقاء التلاميذ المميّزَين والموهوبين وأصحاب الشكل الجميل أو الصوت الواضح والعالي. هذه القاعدة يمكن أن تُخرق من قبل القيمين على الاحتفالات لإبراز تلميذ معين بدافع “الواسطة” كونه ابن المدير أو الناظر أو مقرَّب من معلمة أو تربط عائلته علاقة صداقة بأخرى…إلخ. من دون أن يكون من أصحاب الحضور أو الشخصية المميزة. وهذا الاستثناء المدعوم بال”واسطة” يثير استياء المعلمين في العادة على خلفية عدم مشروعية تفضيل أحد التلاميذ على رفاقه من دون وجه حق، ويعتبره الجميع غير عادل خصوصاً وأن القاعدة المعمول بها، أن كل التلاميذ المشاركين في الاحتفال يجب أن يكونوا من أصحاب المواهب والشخصية القوية.

هذا ما يجري فعلاً في غالبية المدارس بنسبة تزيد هنا وتقل هناك، وهذا ما يعكس في الواقع سوء الفهم الحقيقي لدى الإدارة والمعلمين لوظيفة الاحتفال المدرسي، حيث يعتقد هؤلاء أن هدف الاحتفالات هو تلميع صورة المدرسة أمام الأهل والحضور، وإبراز المستوى العالي للتلاميذ “المنتقين” الذين يقومون بالتمثيل وقراءة الشعر والرقص والغناء ويتكلمون باللغات الأجنبية بطلاقة، ظناً منهم أن هذا الانتقاء للتلاميذ المميّزَين، كل في مجال معين، يدغدغ شعور الأهل ويُسهم في إقناعهم بالمستوى العالي للمدرسة وبالتالي يشعرهم بالرضا عنها لكي يطمئنّوا لبقاء أو لتسجيل أبنائهم فيها.

إن هذا الانتقاء المتعمّدَ للتلاميذ وإبرازهم أمام جمهور الأهل وتهميش رفاقهم ممن لا يملكون مواصفات التعبير المسرحي هو من أخطر الممارسات التي تشوه العملية التربوية برمتها، كما أن الشعور بعدم الإنصاف وعدم العدل بين تلميذ وآخر يؤثّرِ سلباً على ثقة التلميذ بمؤسسة المدرسة، وبالتالي يوقع القطيعة بينه وبينها، ويشكل سبباً غير مباشر للتسرب منها، وهو كذلك يتعارض مع أبسط القواعد والحقوق الإنسانية وحقوق الطفل، خصوصاً من ناحية عدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة والمساواة بين الجميع. والمشكلة تصبح مضاعفة عندما يحصل ذلك في مؤسَّسة المدرسة المخوَّلة أساساً الحفاظ على هذه القوانين والأعراف وتفعيلها وتكييف التلاميذ معها لتتحول إلى سلوكيات وثوابت في قناعاتهم المستقبلية.

قد يظن البعض ممن ينظرون إلى الفنون ودورها التربوي نظرة استهتار وعدم جدوى، أن المسألة لا تحتمل كل هذا الضجيج، وأن الأمور ليست بهذه السلبية، والمسألة الفنية أو الاحتفالية ليست مطروحة كإشكالية تربوية تعاني منها مدارسنا وتستوجب الحلول السريعة، وبالتالي هناك الكثير من المشاكل التعليمية والتربوية التي يجب حلّها قبل هذه المشكلة، أمّا نحن كاختصاصيين في التربية الفنية فنعتقد العكس، لأن هذه المشكلة لا تتعلّق بالتربية الفنية أو المسرحية حصراً، بل تتعدى ذلك إلى اكتساب التلميذ للقيم والسلوكيات التربوية الخاطئة التي تمارس خلال هذه الاحتفالات على التلاميذ، وتؤثّر في تركيبتهم النفسية، وفي تكوين شخصياتهم المستقبلية، والتي تلبس الثوب المسرحي أو الاحتفالي فقط. ومن هنا نعتقد أن الأثر الذي تتركه هذه “الانتقائية” في نفسية التلميذ مدمّرِ، لأن هذا التلميذ يتأثر خلال سنوات الدراسة بكل ما من حوله سلباً أم إيجاباً، ومن أخطر التأثيرات في تكوين شخصيته شعوره بالنقص أو العزلة أو الضعف أو ما شابه ذلك.

وبالعودة إلى الاستثناء من القاعدة، أي التلميذ المدعوم بال”واسطة” الذي تكلمنا عنه آنفاً، والذي يعتبره البعض من خارج دائرة الموهوبين الذين يحق لهم وحدهم المشاركة، نجد أن أمثال هؤلاء هم الأكثر حاجة للصعود إلى خشبة المسرح والتعبير عن مكنوناتهم، ليس لأن لديه ”واسطة” بل لأنه من خارج دائرة الموهوبين، فالتلميذ غير الواثق بنفسه والمتردد وصاحب الشخصية الضعيفة، هو الأكثر حاجة للظهور أمام الجمهور والمشاركة في الاحتفالات تمهيداً للخروج من أزمته، وسواء كان من أصحاب “الواسطة” أم لا فهو الأحق بممارسة المسرح والحصول على فرص التعبير عن الذات والإفادة من إمكانيات التمثيل والغناء والرقص والتعبير الفني، إننا نحاول أن نضيء على المفهوم الخاطىء المتحكِّم بأولادنا والمؤثر في تكوين شخصياتهم في مدارسنا، فالصحيح في نظر القيمين على الاحتفالات يتبيّنَ أنه خطأ، والخطأ في نظر المعلمين الذين يكرهون مبدأ الواسطة والتمييز بين التلاميذ- وهم على حق في ذلك- يتبيّنَ أنه صواب من الزاوية التربوية. إنها إشكالية التناقض بين الخطأ المتعارف عليه الذي يصبح القاعدة من جهة، وبين الصواب المجهول الذي يبقى الاستثناء، فقط لأننا لا نعرفه.

لحظات ما قبل العرض

الأجواء السلبية المرافقة للتحضير للعرض أو الاحتفال:

من الملاحظات المتكررة التي شاهدناها واختبرناها في المدارس، الحالة المتشنّجِة والضاغطة التي تخيّمِ على أجواء التحضير للاحتفالات المدرسية، وهي سمة غالبة على جميع المدارس، ويعود السبب الأساس في ذلك إلى غياب المفهوم الواضح والنظرة الصحيحة للتربية المسرحية أو لدور المسرح في التربية. فخلال العمل مع التلاميذ على تحضير العروض والاحتفالات المدرسية، يقوم المعلمون بتدريب التلاميذ في أوقات محددة، غالباً ما تكون خلال الفرص أو ما بعد انتهاء الدوام، وفي العادة يكون الوقت المخصص للتمارين أقل بكثير من الحاجة الفعلية، فيضطر المعلمون للإسراع في التدريب لإنجاز العمل، ما ينعكس سلباً على التلميذ “المسكين” الذي يتعرض للقمع والترهيب والمعاقبة، فيما المطلوب تربوياً وفنياً إشاعة أجواء الفرح والمتعة والارتياح والتخيل، والإفادة منها في إخراج المكنونات الداخلية للتعبير والإبداع. ويعود السبب هنا أيضاً إلى غياب المفهوم الصحيح لجدوى الأنشطة الفنية وأهميتها التربوية، وبالتالي يتحول العمل الفني التربوي الهادف إلى واجب روتيني يقوم به المعلم تلبية لرغبة الإدارة، من دون مراعاة إحساس الطفل المشارك في الاحتفال والذي يعتبره فرصة للتعبير مختلفة عن أجواء الدرس الروتينية.

تمثيل ورقص في إحدى المدارسيعلم العاملون في هذا المجال أن ذلك يحصل في الغالبية المطلقة من المدارس، وهذا خطأ كبير يجب تلافيه وذلك لسببين مهمين: الأول، لأن ذلك لا يمكن أن ينتج عنه عمل تربوي واحتفال فني سليم، كون الطرق المستخدمة فيه غير تربوية. والثاني، لأن ذلك يتعارض مع أبسط شروط ممارسة الفن ومع حقوق الطفل، وبالتالي قد يتمكَّن المعلمون من إقامة الاحتفال وقد يفرح ذلك إدارة المدرسة والأهل على السواء، لكن هل لنا أن نفكر قليلاً بالآثار السلبية التي تبقى في داخل الطفل من جراء الطريقة القمعية التي استخدمت معه للوصول إلى العرض الجميل.

إن الأطفال يتعلمون من طريق الخبرة، وتترسَّخ في أذهانهم المفاهيم والقيم السلوكية، وتصبح جزءاً منهم. إننا عندما نسلك طريقاً غير سليم للوصول إلى النتيجة، وبخلاف النظر إلى هذه النتيجة، يجب أن نفكر بما تبقي من استنتاجات وترسبات نفسية لدى الطفل، فكيف يمكن أن تقوم المعلمة مثلاً بالصراخ على الأولاد وتهديدهم، وفي بعض الأحيان ضربهم من أجل تنفيذ عمل فني تربوي تعبيري جمالي احتفالي، أليس في ذلك تناقض رهيب؟

إن المشكلة الكبرى تكمن في أننا في مدارسنا غالباً ما ننسى أننا في مؤسسة تربوية مهمتها تكوين شخصية الطفل إضافة إلى تعليمه، فنمارس عليه شتى أنواع الضغوط والتقييد والحجز والتخويف، ولا نترك له متنفساً للتعبير بحرية والتصرف بعفوية، قد نوافق على مضض على أن بعض هذه الأساليب قد يصح بطرق مقبولة ومدروسة ومخفّفة خلال التعليم للتخفيف من الشغب أو لفرض النظام، نقول على مضض لأننا لا نوافق على هذه الأساليب بالمطلق، لكن أن يحصل ذلك في إطار ممارسة الفنون والمسرح والاحتفالات الفنية فهذا أمر مرفوض، وهو إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على ضعف المستوى التربوي للقيمين على التعليم في المدارس التي تنطبق عليها هذه المواصفات.

إن المطلوب هو أن تتحول الاحتفالات المدرسية إلى واحة إبداع وتعبير للتلاميذ، وذلك من خلال إعطائها الوقت الكافي، وتوفير الإمكانيات اللازمة لإنجاحها وخلق أجواء الفرح والمتعة، وتضمينها الأهداف التربوية المفيدة، لكي يشعر التلميذ أن ما يُتعِبه في الصف وخلال الدروس هناك ما يقابله من أجواء مريحة وممتعة، ما يؤدي بالنتيجة إلى شعوره بالأمان والتوازن، ويؤمن شروط المصالحة بين التلميذ والمدرسة، هذه المصالحة التي تعتبر من أهم الإشكاليات التربوية الحديثة والطارئة على العملية التربوية، خصوصاً في ظل ازدياد الضغوط النفسية على التلميذ داخل المدرسة وخارجها، ما يعمّق الفجوة بينه وبين المدرسة ويُسهم في إمكانية قبوله لفكرة التسرب تخفيفاً للضغط أو هروباً من المواجهة.

السطحية والعشوائية في اختيار المواضيع

من المشكلات المهمة التي تشهدها الاحتفالات المدرسية كيفية انتقاء المواضيع والمضامين للاحتفالات أو المسرحيات، فقلة قليلة من المدارس تعطي هذا الموضوع حيزاً من اهتمامها من ناحية التفكير بالمضمون التربوي أو الثقافي المفيد للتلميذ، فيما الغالبية تتعاطى معه من زاوية الترفيه السطحي والمجاني غير الهادف إلا إلى تضخيم الشكل على حساب المضمون. ومن خلال متابعاتنا لعدد كبير من الاحتفالات المدرسية في مدارس متنوعة ومختلفة من حيث المستوى والإمكانيات (النخبوية منها والعادية، الخاصة والرسمية) وجدنا أن غالبية الاحتفالات تعتمد وسيلة الإبهار الشكلي ودغدغة عواطف الأهل والاستسهال في تقديم الاسكتشات والأغاني والرقصات في روتين ممل مضى عليه نصف قرن من الزمن.

إن المعادلة التي تحكم اختيار مضامين الاحتفالات المدرسية تستند إلى عاملين أساسيين هما: ثقافة إدارة المدرسة وثقافة الأهل-

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. هشام زين الدين أخصائي الفنون الجميلة المركز التربوي للبحوث والإنماء وأستاذ في الجامعة اللبنانية

البحث منشور في موقع وزارة التربيةوالتعليم العالي المركز التربوي للبحوث والإنماءالمركز التربوي للبحوث والإنماء
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption