مسرحية الأرامل
مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
عن دائرة الثقافة والإعلام في إمارة الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، صدرت مسرحية «الأرامل» للكاتب التشيلي، الأرجنتيني الأصل أرييل دورفمان ترجمة وتقديم علي كامل. وتندرج هذه المسرحية ضمن ثلاثية المقاومة إلى جانب مسرحية «الرقيب» ١٩٩٠ و «الموت والعذراء» ١٩٩١ ، و هذه الأخيرة تمت ترجمتها عام ٢٠٠٥ من قبل المترجم نفسه وصدرت عن دار المدى ومن بعد قامت صحيفة السفير اللبنانية بنشرها ضمن سلسلة «الكتاب للجميع».
المسرحية أعدّها الكاتب عن روايته التي تحمل نفس العنوان والتي أنجزها عام ١٩٨٣في منفاه الأول (هولندا). يبحث دورفمان في هذه المسرحية، كما في «الموت والعذراء» و «الجانب الآخر»، عما يسود من قمع واضطهاد للأصوات الحرة في أعقاب الحروب الأهلية التي تشعلها الأنظمة الشمولية المستبدة ورديفتها الأوليغارشية المستأثرة بالسلطة وثروات البلاد.
صحيح أنه لم يتم الكشف عن اسم البلد الذي تجري فيه الأحداث إلا ان ثمة إشارات ترد في متن النص، كأسماء الشخصيات، وتوارث أربع عشرة عائلة لملكية الأراضي وثرواتها بانتظام على مدى أربعة قرون من جيل لآخر وأشياء أخرى توحي كلها بأن البلد المعني هو السلفادور أو ربما تشيلي، موطن المؤلف.
تجري أحداث المسرحية على ضفاف نهر قرية مزقتها الحرب، حيث الأرامل ينتظرن عودة آبائهن وأزواجهن وأبنائهن الذين اختفوا إثر ملاحقة أجهزة أمن الطغمة العسكرية الحاكمة لجميع الأصوات الحرة في البلاد وزجهم في زنازينها السياسية سيئة الصيت، تلك التي لم يخرج أحد منها حياً.
صوفيا فوينتيس، الشخصية المحورية في المسرحية والتي تذكرنا بشخصية الأم شجاعة عند بريخت، هي المحرك الحيوي لأحداث هذه الدراما، فهي من سيشعل فتيل المواجهة ويؤجج الصراع بين نساء القرية ورجال السلطة.
حين تطفو جثة رجل مشوهة عند أسفل النهر، تزعم العجوز أنه ولدها وتطالب القائد العسكري في السماح لها بدفنه. وبدلاً من الاستجابة لطلبها، يقوم الضابط بحرق الجثة سراً خوفاً من أن تثير شغباً حول أسباب الوفاة. وحين تظهر الجثة الأخرى، تدعّي العجوز هذه المرة أنها جثة زوجها. أما الأخريات فيتشاجرن حول أحقية كل واحدة منهن بدفن الجثة. هنا تبدأ لعبة شد الحبل بين مطلب النساء في دفن الجثة ورفض العسكر لهذا المطلب. حين يعجز القائد عن إسكات العجوز يتم خطف حفيدها الصغير ألكسيس لغرض ابتزازها للتتراجع عن موقفها، إلا إن الجدة تصر على موقفها ما يدعو الضابط إلى تصفية الطفل والجدة معاً.
تُختتم المسرحية بمشهد النساء وهن يقفن عند ضفة النهر يقابلهن الجند في الجانب الآخر وهم مدججون بأسلحتهم. ينزلن إلى النهر ثم يظهرن ثانية وهن يحملن جثة أخرى تطفو فوق الماء. تُسمع صرخة قوية لطائر أسود ذي منقار أصفر طويل هو طائر الشحرور. تتجه أنظار الجميع إلى الأعلى. يتقدم العسكر نحو النهر لإخلاء المكان بالإكراه. تتقدم النسوة نحو الجند بشكل راقص ينشدن أغنية ويهدهدن الجثة كما لو أنها لطفل مولود تواً.
يقول دورفمان: «لقد أُوحيَ لي أن الجثث سوف تبدأ بالظهور، وأن لا أحد يستطيع منع الموتى من العودة إلى بيوتهم، وما إعادتهم ثانية عنوة من قبل النسوة، إلا بمثابة نوع من المقاومة المجازية ضد الصمت والظلم».
«الأرامل» أخيراً، هي تذكير مؤّثر ومحزن بتلك الانتهاكات الفظيعة التي غالباً ما تمر بشكل عابر دون أن يلحظها أحد في هذا العالم.
متابعة المدى
0 التعليقات:
إرسال تعليق