مسرحية "حينما تعزف اللاءات".. الرفض وعزف التماهي بين العقل والجسد / أطياف رشيد
مجلة الفنون المسرحية الموقع الثاني
إن العلاقة بين الأدب والفلسفة علاقة حوار لاكتشاف الحقيقة والأجوبة عن اسئلة الانسان في الفكر والوجود .كون الادب ساحة واسعه تحتمل فعل الديالكتيك وبث الاسئلة واستنباط الأجوبة وربما للوصول الى النقطه الجوهرية التي تؤثر في الحياة الاجتماعية وجوهرها.الادب والمسرح خاصة والنص المسرحي بصورة ادق كان الجدال الفلسفي فيه مطروحا في ثنايا التصوير الدرامي منذ افلاطون وارسطو حيث السؤال الفلسفي هو سؤال الوجود والانسان ،والنص المسرحي حقل لبذر بذور ذلك السؤال المشروع .
إن العلاقة بين الأدب والفلسفة علاقة حوار لاكتشاف الحقيقة والأجوبة عن اسئلة الانسان في الفكر والوجود .كون الادب ساحة واسعه تحتمل فعل الديالكتيك وبث الاسئلة واستنباط الأجوبة وربما للوصول الى النقطه الجوهرية التي تؤثر في الحياة الاجتماعية وجوهرها.الادب والمسرح خاصة والنص المسرحي بصورة ادق كان الجدال الفلسفي فيه مطروحا في ثنايا التصوير الدرامي منذ افلاطون وارسطو حيث السؤال الفلسفي هو سؤال الوجود والانسان ،والنص المسرحي حقل لبذر بذور ذلك السؤال المشروع .
واذا كانت صياغة النص المسرحي في اصوله الاولى صياغة شعرية للتاثير على المتلقي وكشف سلطة الآلهة وسيطرتها والقوى الخفيه فإن الاندماج الجمالي بين الشعري والفلسفي اقام جسوره المتينة مع المتلقي ليحاور فكره ويذيب تلك المسافة ليصل الى منطقة وسط يلتقي فيها الاثنان ، تلك هي منصة الكتابة المسرحية لتمكن المتلقي من النظر الى نفسه عميقا كما تمكنه من النظر الى الكون والحياة ذلك الجدل الدائم بين المحسوسات والنفس او العقل لبيان اولوية وافضلية احدهما على الاخر وخاصة في نظرية المعرفة او نظرية التذكر التي اتى بها افلاطون.
أسوق هذه المقدمة بعد قراءتي لنص مسرحية (حينما تعزف اللاءات ) للكاتب علي العبادي والتي يناقش فيها تلك الجدلية بين الروح والعقل او بين الجسد والعقل ورفض تبعية احدهما للاخر. في البدء يعمد العنوان الى اثارة قيمة جمالية لقيمة الرفض بسوق العزف اليها فيورد كلمة العزف ليأتي بعد (العازف) باللاءات.حيث المقصود باللاءات هو جمع كلمة لا .واذا كان هذا هو المقصود فإننا نقف أمام رفض مبدأي مكلالا بالعزف لفعل الرفض هذا, وهذا الرفض لابد ان يتجسد في سياق النص لكشف حقيقة ثيمة الرفض وماهيته عن طريق بناء الشخصيه وصياغة الحوار كما سنرى .
الصراع كما يشي النص بين العقل والجسد، وهو صراع لطالما تناولته النصوص الكلاسيكية منها والحديثة فلابد اذن ناتي بطرح جديد على الصعيدين الفكري /الفلسفي اولا والفني ثانيا في صناعة النص المسرحي . يبدأ العبادي نصه برسم سينوغرافيا المكان / الخشبة حيث الساعات تتدلى وهي متوقفة لا تعمل وهي مفردة معبرة وان تكن ليست جديده على المسرح ثم يتبعه بعبارة ( مشهد استهلالي ؟؟) والنص اصلا مشهد واحد اذن ليس هناك من داعٍ لوجود هذه العبارة اصلا. ثم يميز الموسيقى التي يتوجب ان تناسب حيثيات النص التي لم تتضح بعد للقارئ , لننتقل الى المتن من الحوار بين الجسد والعقل . بعد ان يفيقا من نوم عميق فنبدأ عندها بتلقي الاشارات الفلسفية المفترضة بينهما حيث يلقي احدهما باللوم على الاخر في غفلتهما و استمرارهما نائمين مده طويلة .ليستمر بهذا المنحى الى الحد الذي يصعد الحدة بينهما ليصلا الى كشف صفات ومزايا احدهما للاخر وربما هي نواقص وعيوب اكثر منها مزايا حيث يقول الجسد للعقل: الجسد: انت تقف وراء تاريخ متخم بأبجدية الاقنعة، كم مرة نسجت من وجعك الها يتخبط في التيه . العقل: ان للأقنعة سحر الجمال، لا يدركه إلا من يرتديها. الجسد: ماهي قيمتك وأنت ترتدي كل هذه الاقنعة . العقل: كل واحد اجني منه فائدة هو قيمتي . اذن الجسد هنا يجد في العقل انه بدون مواقف ثابتة وهو يغير مبادئه ويلبس اقنعة متغيرة ليجني منها فائدة هي ما توجد بالتالي قيمته فهو بالتالي (كلب عديم الوفاء) كما يقول الجسد.ويستمر سيل الاتهمات بالتقصير وقلة الاهمية والجهل بين العقل والجسد يحاول فيه الكاتب ان يكسب الجسد صفة الحكمة كون العقل سلسلة من الماضي ،ماضي النفاق والوصولية والانتهازية ، التي تعكر صفو الجسد.لكن الجسد مرآة العقل والتي يحاول العقل التحرر منها . الجسد: اذا كنت كلك شهوات، فأي جسد يحتملك؟ العقل: انت . الجسد: سوف اتجرد منك. العقل: لك ما تريد . الجسد: ارفض ان اكون دمية . العقل: جسدك تحول الى سوط عنيف ،خدش اوردة الحلم . الجسد: أجل هو جسدك، أنا مرآتك التي لا تقف امامها، هذا صراعنا منذ الف وأربعمائة عام، وأنت تعرف من ضحايانا. العقل: (يركض في ارجاء المسرح) سأتحرر ... سأتحرر.. يصوغ الكاتب علاقه جديدة بين العقل والجسد تختلف عن ما هو متعارف عليه والذي يقول بافضلية العقل .العقل هنا هو صاحب الشهوات وصاحب الحلم الذي تخدش بسوط الجسد. ثم يسوق الكاتب حواراته ليصل الى ان الجسد يحاول التمرد على العقل لكنه بعد قليل يقرر ان يتحررا سويا .
الجسد: ما رأيك أن نتحرر سوية. ويتفق الاثنان على مجموعه من المبادئ التي هي اقتباسات عن الإمام علي ولكن في النهاية وبعد ان تتصاعد حدة الاتهامات بين الدنس والقدسية احدهما للاخر ينتبهان الى الوقت وتاثيره عليهما: العقل: أترى سوف نذبل يوما؟ الجسد: كم الوقت الان؟ العقل: وما علاقتنا به !! الجسد: هذه آلات الزمن تعاني من انخفاض في بطارياتها. العقل: لذلك نراها شاحبة. الجسد: ما رأيك ان نضع لها بطاريات، من اجل ان تتورد خدودها. العقل: اذا توردت خدودها، من سوف يكون(أنا) ومن سوف يكون (انت)؟ ان الوقت اذا ازف وحانت الساعة لن تكون هناك أية خصوصية لأي منهما ولن يعود العقل فاعلا ولا الجسد ثائرا بل سوف تاتي (انا) العقل جديدة و (انت ) للجسد اخرى. في النهاية يتثاءبان متعبين من شدة الصراع ويخلدان الى النوم كما بدآ اول مرة .حيث ان كلا الجسد والعقل يدخلان في سبات جديد. اود ان اشيرهنا انه كان لابد للكاتب ان ينتبه الى نقطة جوهرية في بناء الحوار وهي ان اقتباس اقوال الإمام على وبعض من حكمه ليس في صالح النص لأن مايريد ان يقوله الكاتب لابد ان يصاغ بلغته هو دون الاستعانة بجمل جاهزة لها سياقها ومدلولها واعتبارها التاريخي لانه بذلك اصبح كمتعكز على الاهمية وبلاغة المعنى الموجود اصلا في الاقتباسات . مع ذلك هو استمر في سوقها من اجل ان تتلاءم والسياق الفلسفي الذي افترضه ما اضاع على الكاتب فرصة ان يبني شخصياته بصورة دقيقة وبالتالي ان يبني فكرته بشكل مستقل. لكنه نجح في بيان مواضع الرفض بين شخصيتي النص ، رفض سلطة العقل كونه متغيرا ورفض سلطة الجسد كونه متمردا غير انه يبتعد عن تحيزه في تقدير قدسيته.
عدا عن تحيزه في تقدير قدسية أي منهما وترك الحوار مفتوحا ،وهو حوار ازلي ، عبر لغة مختزلة وحوارات قصيرة دالة ومعبرة . النص ارسله لي الكاتب عبر الفيس بوك وانا قرأت قبل هذا النص للكاتب مسرحية "براد الموتى"، الكاتب مولع باكتشاف مساحات الكتابة المسرحية واكتشاف افكار (جديدة) ويحاول ان يوجد لنفسه توجها و اسلوبا مغايرا من خلال مناقشه موضوعات متنوعة لكنها على الاكثر تمس الانسان بصورة عامة وانا اشد على يديه في محاولاته الابداعيه فهو مثابر ومجتهد ودائم البحث.
المدى
0 التعليقات:
إرسال تعليق