مسرحية "المشرقى يعود يوماً " تأليف : أيمن السيد القزاز
مجلة الفنون المسرحية
فى دروب العمل
الفصل الاول :
المشهد الاول :" نهر وقارب وفارين "
المشهد الثانى : " الشيخ الاتى من وراء المغيب "
الفصل الثانى :
المشهد الاول :" قاعة الحكم "
المشهد الثانى : " بهو الياسمين "
الفصل الثالث :
" قبر وفيلسوف وأميرة وبقية عربى سجين "
شخصيات العمل :
1 ) أم وابنومعلم يهربون نجاة مما يلاقوه من أهوال .
2)الملك وأمير ووزير وفيلسوف
3) أميرة وفيلسوف وبقايا سجين عربى
أمكنة العمل :
1) شاطئ نهر تقف عليه ام مكدودة وابن لها، مذعورة تخشى البقاء وتخشى الرحيل .
2) قاعة حكم وملك مهموم يخشى من حقائق التاريخ ويوكل تعليم ابنته تاريخ أمتها الى الفيلسوف المعلم
3) بهو الياسمين وفيلسوف وأميرة يشغل بالها كنهة الحق والحياة
4) قبر وبقية سجينعربى يفتش فى دروب غرناطة القديمة عن حلم عشق قديم
أزمنة العمل :
1) زمن سقوط غرناطة حيث القلوب واجفة خشية القتل .
2) زمان بعد زمان حيث استتب الامر وخلص الملك ولم يعد فى دروب غرناطة بقايا عربى ،
وحيث ملك يخشى يوماً حقائق التاريخ، وسجين عربى يعلم أن التاريخ وجهات نظر قد يمليه الغالب
يوماً ولكن تبقى الحقيقة قائمة غير قابلة للتزييف والتغيير ، ويحلم السجين بأن يعود يوماً الى ديار كانت له أقام عليها حضارة بمداد القلم قبل أن يجف مداد القلم وتسيل بديلا عنه دماء وتقوم أشباح تهدم بقايا إنسان .
الفصل الاول
المشهد الاول
نهر وقارب وفارين
شاطئ نهر وقارب صغير وأشجار غابة وأم وأبنها مكدودان يبدو عليهما أمارات الكد والخوف
الام : النهر أمامنا أقترب
الابن : أراه ولكن قدماى
الام : بضع خطوات من أجل خاطرى
الابن : من أجلك أماه كما تشائين
الام : كما أشاء ومتى كنت أشاء ؟
الابن : معذرة أماه
الام : لا عليك ها قد وصلنا الى شاطئ النهر
الابن : والقارب فى موضعه كما أخبرنا
الام : ونكون فى الجانب الاخر من النهر
الابن : ألن ننتظر
الام : لن يأتى
الابن : ولكنه أخبرنا أن ننتظر
الام : ولكنى رأيتها فى عينيه
الابن : من ؟
الام : هى فى عينيه وقلبه
الابن : وهو لن يكون معنا ؟
الام : هى معه
الابن : ولكنا لن نكون معه
الام : ولكنه لايبالى
الابن : أماه ما عهدتك بتلك القسوة
الام : ما قسوت عليه
الابن : ظنك به
الام : "مقاطعة" بل يقينى به
هو الذى أراد وأختار أما أنا وأنت فلا نملك أن نختار
الابن : ربما اليوم
الام : اليوم وغداً
أتحسب أن وراء هذا النهر ظلال وارفة ، البشر هم البشر هنا وهناك
الابن : لامهرب اذن
الام : قد تكتب لنا النجاة
الابن : بالامس كنت أكتب أشعاراً وأقرؤها على معلمى
الام : وكنت تتغنى بالنهر
الابن : كنت أتغنى بالحياة
الام : مسكين بائس
الابن : من ؟
الام : معلمك
الابن : ولم ؟
الام : لن تقرأ عليه أشعارك مرة أخرى
الابن : ولكنى حين أعود
الام : "مقاطعة" حين تعود وتقرأ عليه أشعارك سيبقى مسكينا بائساً
الابن : سيبقى مسكينا فى الحالين ، ان قرأت عليه أشعارى وان لم أعد لديارى
الام : أجل معلمك بائس مسكين دوماً
الابن : هذا ظنك
الام : بل يقينى
الابن : ما بال يقينك تلك الساعة
الام : "مقاطعة" يقسو على كل من نعرفهم
الابن : أجل
الام : إن أردت الحقيقة هو قدره ولكنى لم أشأ أن أصارحك بالامر وأقسو عليك
الابن: يالها من رقة قلب ولكن ما شأنك بقدره أكنت تعلمين قدرنا حتى تعلمى قدره؟
الام : وما أدراك أنى لا أعلم قدرنا
الابن : خشيتك من الغد وحيرتك مما تخبئه الليالى والايام
الام : لم تكن خشيتى مما أجهل بل كانت مما أعرف وانتظر
الابن : كنت تعرفين ما تخبئه لنا الليالى
الام : بل كنت أرى رأى العين
ونحن نهرب نجاة بأنفسنا من بهو القصر كنت أرى موضعنا هنا قرب النهر
وأبصرهناك الضفة الاخرى من النهر
الابن : أترينه قبل أن يكون؟
الام : وما الذى أدراك أنه لم يكن من قبل أن يكون
الابن : وحدك تدركين ما تقولين
الام : وبالامس ستكون مدركاً لما قلته لك اليوم
الابن : لا أفهم ماتقولين
الام : لاعليكان لم تفهم اليوم
الابن : "مقاطعاً" فالايام آتية
الام : بل ذاك الشيخ هو الاتى من وراء الشجر
الابن : ما أرى شيئاً
الام : ألاتسمع خفق قلبه الواجف؟
الابن : لا أسمع شيئاً – أوتسمعين أنت رجف قلبه الواجف ؟
الام : أجل
الابن : أحسب أن ماحل بنا بالامس قد أتعبك
الام : يالك من مهذب كأنك تعنى أن ما حل بديارنا بالامس جعلنى أهذى أو قد جعلنى أجن
الابن : لا . أماه انى مشفق عليك
الام : لاحاجة لى باشفاقك على "تشير ناحية المعلم وقد اقترب منهما" بل هو المحتاج لشربة ماء وكسرة خبز
الابن: هو من ؟
الام : معلمك
المشهد الثانى
الشيخ الاتى من وراء المغيب
" المعلم وقد ظهر من وراء الشجر وهو متعب وخائف "
الابن : ما أتى بك معلمى
المعلم : لا يجدر بى أن أترككما وحدكما
لم جلوسكما هنا ليس من العقل الابطاء عليكما الاسراع قدر الامكان هلما الى القارب كى ننجو
الام : وبالقارب النجاة ؟
الابن : كنا ننتظر
المعلم : لن يأتي تركتهما خلفى
الابن : من هما
المعلم : هو وهى
الابن : ألن يأتى
المعلم : لا
الابن : " تبدو عليه أمارات الحنق " ليبقى بجوارها
الام : هذا قدره
الابن : وقدرنا ؟
المعلم : قدرنا أن ننجو بهذا القارب
الام : قدرنا أن نركب هذا القارب أما النجاة فهذا شأن آخر
المعلم : هذا ظنك أما أنا فأملى
الام : لست ترى بل تتمنى والامل وهم وخدعة
بنى اما أنك ترى أو لاترى
مالاتراه ليس أملا بل وهما
المعلم : ما أراه على جانب النهر البعيد حياة وغناء
الام : أما أنا فما زلت اتسمع وقع السيوف وأرى جراح المساكين
المعلم : أنت لا ترين بل تتذكرين
الام : والذكرى لاتكون الا لما رأيناه
المعلم : ورؤى القلب خلاف رؤية العين
الابن : ما أروع حديثكما لولا شوقنا لما خلف النهر
الام : لولا ما ينتظرنا خلفه
الابن : ونحن لا نعلمه
المعلم : بأية حال سيكون أفضل مما تركناه خلفنا
الام : ربما ما دمت لم تر
الابن: ولن نرى ولن نبقى حتى نرى ان لم نعبر النهر الان
المعلم : صدقت هيا بنا كفى ما أضعناه
الام : أضعنا قصر عامر وحائق غناء
ومئذنة تلامس القمر فى علاه
المعلم : هذا ماتركناه اليوم خلفنا
الابن: وغدا سنعود اليه حتماً
المعلم : ان نجونا
الام : بهذا القارب ؟
المعلم : أجل
الابن : علينا أن نفك وثاقه
الام : "فى شبه مناجاة" ذاك اليوم كان هو بجانبى وليداً يحلم حلو الانامل
ضممته الى كى اسمعه نبض قلبى
فى عينيه بسمة حين تلامس أنامله الصغيرة شفتاى
الابن والمعلم يستمعان وهما فى القارب وقد جهزاه
المعلم : " مقاطعا " لم تعد أنامله صغيره بل صارت قادرة على حمل السيف
الام : تبدو وكأنها أفاقت من حلم ياليتها حملت سيفا ولكنها حملت زهرة
الابن : لها
الام : ليتها كانت جديرة به أحبها ولم تحبه
الابن : بل أحبته
المعلم : أحبت قومها
الام : وقد أخبرته ولكنها كانت كالنهر تتلاْ جمالا وغواية
الابن : ظنها غيرة ام على وليدها
المعلم : أراد أن يبتنى لها قصراً على ركام قصور آبائه وآجداده
الام : " فى شبة مناجاة " وهو صغير كنت أدندن له "أحبك أحبك"
كنت اضمه وأقبله
وكان يجرى فى آبهاء القصر
كنت فرحة
الابن : كان يجرى اليها وكان يغنى لها مثلما كنت تغنين له
الام : "أحبك أحبك"
الابن : أجل
الام : " تفيق من حلمها "ولم تخبرنى بالامر
الابن : كنت ترينهم مثلما رأيتهم وكنت تسعدين بالامر
الام : " فى شبه حلم وهى تحرك يدها فى الهواءوكأن صغيرها معها "
صغيرى يحب ضفائرها الذهبية وجداول أنهر عينيها الخضراوان
المعلم : لم نكن نعلم ما يخبئه القدر لنا
الابن : أمى تعلم
ترى أقدارنا كائنة قبل أن تكون هى قالت لى هذا
المعلم : صغيرها أغمض عينيها
الابن : هو سبب ما نحن فيه
المعلم : أراد أن يتزوجها
الام : " تبدو كحالمة " كانت تجلس بجوار قدمى اداعب ضفائرها الذهبية
"يبدو شبح الفتاة"
الفتاة : أمى ألست أمى ألن أكون زوجة صغيرك
الام : " حالمة " أنت صغيرتى لم أنجب بنتاً
أنت أبنتى " تبدو كأنها تحتضن الفتاة وتضمها اليها "
المعلم : علمتها وقومها
الابن: ما كان يجدر بنا أن نعلمها وقومها
الام : ولم لا وقد كانت ستصير أماً لاحفادى
المعلم : وقومها أخوال لهم
الابن : ما كان لنا أن نغفل عما يدبروه لنا
المعلم : جئنا لديارهم
الابن : " مقاطعا " غزاه
المعلم : بل فاتحين هداه
الام : كانوا برابره
المعلم : " يبدو حالماً وكأنه يمسك قلما ويعلم صبيانا أمامه "
أمسكت لوحا وقلما
عيونهم تحملق بى
قلوبهم واجفة مذعورة مما أقول
الام : للمعرفة رهبة
المعلم : " يبدو حالماً وكأنه يمسك قلما ويعلم صبيانا أمامه "
أكتب
أقرأ
أترى الكون من حولك والحياة
تلك معلمتك
" يبدو شارداً كمن يستمع لسؤال يلقى عليه "
آه آه أنا أنا فقط أعلمك كيف تفكر كيف توثق مقدمات الاشياء بنتائجها
الابن : وها هم قد أوثقوا أيدينا وأرادوا الفتك بمن علمهم
الام : ما كان لنا خيار
الابن : فرض علينا أذن
الام : تمليه علينا حضارتنا وقيمنا
الابن : والنتيجة
الام : ربما غداَ
الابن مقاطعا : ربما الان يأتون الينا كى يفتكوا بنا
المعلم : وإن فتكوا بنا
الابن : نكون أموات
المعلم : هم الاموات تعلموا منا زخرفة الحياة ولم يأخذوا عنا روح الحياة وقيم الاخاء
الام : لم يدركوا حقيقة الانسان
المعلم : وحضارة الانسان
الابن : أخذوا عنها الفتك والقتل
المعلم : أجل كان أمامهم السيف وكان امامهم القلم
الابن : وما جدوى القلم
المعلم : القلم حضارة وحياة
الابن : والسيف قتل وفناء
المعلم : أجل . قد يقتلوننا هنا وتسيل دمائنا
الام: وتجف دمائنا ويظل مداد القلم
الابن : ليدون آنا كنا ذات يوم هنا
المعلم : نبنى ونعلم ونوقد جذوة الحياة
المعلم : أضئنا لهم الحياة
الام : وهم أرادوا أن يسلبونا الحياة
الابن : ان بقينا هنا كان لهم ما أرادوا
الام : بل لو رحلنا عن هنا وتركنا لهم ديارنا كان لهم ما أرادوا
الابن : " فى دهشة " كان لهم ما أرادوا هم يريدون القتل
الام : ونحن نريد الحياة
الابن : ولاننا نريد الحياة لن نهرب
الام : أجل
الابن : قل شيئا يا معلمى
المعلم :وراء النهر مالانعلم حياة أو موت
الابن : وراء النهر ثمة أمل
الام : الامل وهم و هم يثقل على القلب
الابن : وهنا سيف يثقل على الرقاب
الام : بل هنا حياتنا وديارنا
الابن : بل هنا صغيرك الذى تركنا من أجلها الان أدركت لماذا تريدين قتلنا
الام : صامتة باكية
المعلم : قسوت عليها
الابن : أليست تلك الحقيقة تريدنا أن نكون شجعاناونواجه الموت وهى لاتريد أن تواجه نفسها
الام : فالترحل اذن انت ومعلمك اما انا فباقية ليس من اجل صغيرى الذى تركنى من اجلها
بل باقية لان تلك ديارنا
المعلم : وأنا ما يجدر بى أن أهرب تاركاً ديارى
الابن : وأنا وحدى الخائن لديارى
المعلم : كنت أنا من علم هؤلاء البرابره فنون الصناعة
الام : وكنت أنا من علم صغيرى الحب حتى ترك أهله وقومه
المعلم : علمتهم فنون الصناعة لا ليقتلوا ويدمروا
الام : أترانى أقول لك أنى علمته الحب كى يسع قلبه الجميع قومه وقومها أنا وهى
لا . ما علمته الحب لهذا
ما أردت له أن يحبها الحب أسمى مشاعر الوجودوما كان له أن يعشق من ليست من قومه
الابن : ان عقلى يكاد يجن بداية نأتى ديارهم فاتحين أو غازين لا يهم وجدناهم برابرة جاهلينفعلمناهم
مبادئ حضارتنا وأنرنا لهم الدرب وجاورت ديارنا ديارهم
ثم تزعمين انه ما كان له أن يعشق وهو الذى كان يجالسها بهو القصر
يعلمها كيف تتهجى كلمة حب
وكيف تشعر بالجمال فى ضياء نهار وإظلام ليل
الام : أخذوا عنا العمارة والصناعة شيدوا عمائرهم وزخرفوا كنائسهم
وظلت أرواحهم جدباءلم يدركوا أن الجمال فى الكون كله
قصروه على زخرفة الجدران
ما كان له أن يحب من لا تشعر بالحب أوتدرك كنهة الجمال
المعلم : هى تحب قومها وهذا يؤخذ لها لا عليها
أرادت أن توقع به فيكون سبباً لوقوع قومه وقد كان
سلم لها مفاتيح قلبه وقصره وتاريخ جدوده فما أن ظفرت بهم حتى لفظته
وراحت تحتفل مع قومها بالنصر أو ما حسبوه نصراً
الابن : ولكنى رأيتها تبكى لا تحتفل
رأيتها تبكى ان افضى الامر لكل هذا الدمار
رأيتها قبل هروبنا وهى تقبل يديه
سمعتها تهمس له "لم أكن أعرف أحببت قومى وأحببتك ولكنى لم أكن أعرف أن تلك هى النهاية "
الام : مكر فتاه
الابن لم يكن مكرا بل شعرت بصدقه
المعلم : وما الذى يدفع بها الى ان تمكر وقد صار لها ولقومها الامر والملك
الام : هى لا تريده أن يرحل لما لا يكون واحدا منهم والمكسب يزداد
الابن : هى تحبه اذن
الام : هى وقومها لايعرفون الحب هى عاشقة للجسد فحسب
الابن : ربما كانوا أقل عاطفة وروحاً منا
ربما لم تكن أرضهم وديارهم موطن رسل وأنبياء
ولكنهم يقينا يملكون قدراً وان قل من الحنو والحب
المعلم : جائز
الابن : ها قد رأيت يا أماه .. ان معلمى يوافقنى الرأى
الام : عظيم وماذا تريدان منى
ماذا تريدان من أم فقدت ولدها وديارها وتفر الان من القتل
أدعو لهما بالسعادة أو أحضر لهما هدية زواج لمن تخلى عن قومه وأهله
المعلم : هونى عليك انه لايعنى كل هذا كل ما فى الامر ...
الام: " مقاطعة " كل ما فى الامر أنه كان يتهمنى بأنى اقسو عليكما وعليه
وحقيقة الامر أنه هو الذى قسا وأوجع
الابن : عذرا أماه ولكن حقيقة
المعلم : " مقاطعة " ولكن حقيقة ان التاريخ هو الذى قسا وأوجع
الام: ولكن التاريخ صنيعة أيدينا
الابن : يا أماه نحن الذين قسونا واوجعنا واوقعنا انفسنا فيما نحن فيه
الام : ضيعتم ما شيده الاباء
الابن: رفقاً بى أماه أتريننى قادر قادر على أن أحمل تاريخ أمتنا كله وحدى
الام : هذا قدرك وخطيئة أخيك
الابن : ومالى وخطيئة أخى
المعلم : هى ليست خطيئة أخيه وحده
فهؤلاء الجدود والاباء الذين كنت تتفاخرين بهم وترين أنهم قد أورثونا مجدا وسؤداً
قد أورثونا معه بعضا من خطيئاتهم
فهولاء الابناء بنزقهم وضعفهم صنيعة جدودهم وآبائهم
الام : ماذا تقول
المعلم : أقول ما تعرفينه وتخفيه
الام : أعرفه وأخفيه ما عرفت شيئا حتى أخفيه
المعلم : حقا ؟
الام : أراك لاتصدقنى
المعلم : أجل ." يصمت ويطيل النظر فى عينيها "
انى ارى فى عينيك ما مضى من ايامنا
منذ ان اقتتل الاخوة تنازعا على الملك
حتى صار الامر فتنة
مزجت فيها الدماء بمداد المصحف
وطالب القاتل بثأر المقتول
ومرت السنون واتى القوم برايات سود وفررنا نحن عابرين اليم هربا من الموت هناك
على هذه الارض بقينا وأقمنا دعائم ملك ومنارات حضارة
ثم ها نحن اليوم نعبر اليم مرة أخرى هربا من الموت
نفتش عما بقى من ديارنا نعود من حيث بدأنا
وانت اليوم ترين فى حب ابنك وزرا وخطيئة وتحمليه ارث قومه وقدر أهله
وكأنه لولا حبه لبقينا فى ديارنا ولم نرحل
ربما هو أحب فأضاع ملكه فى عينى من أحب
تلك العيناوان الخضراوان
ولكن أجداده يقيناً ما أحبوا
ولوتآلفت قلوبهم
لبقيت ديارهم قائمة بالمشرق هناك
وهنا حيث الفردوس الضائع
الابن : " مشدوها فى عينيه دمع "
بل هنا حيث الحلم الضائع
المعلم : لايكون الحلم ضائعا فالحلم وجد ليبقى
الام : ربما عدنا يوما
المعلم :وكان الوليد
الابن : وليد أخى
الام: له شعر أسود وعينان خضراوان
الجميع : نصف مشرقى ونصف أندلسى
الجميع : نصف مشرقى ونصف أندلسى
فالمشرقى لابد
يعود يوما
ولابد للفردوس يوما أن يعود
تغرب الشمس وتغيب ويختفى الجميع وثمة غلالة من ضباب كثيف
الفصل الثانى
المشهد الاول
قاعة الحكم
أزمان عديدة وحقب مديدة مرت وتوالت وتخفى أحفاد المشرقى
قاعة الملك وملك وابنه بلباس اسبانى ويدخل عليهما وزير الملك ومعه وزرائه وندمائه ويومئ اليه بأن الامر تم
ويأمر الملك بخروج من بالقاعة ويستبقى ابنه
الملك: هو معك
الوزير : بالخارج يا مولاى
الملك: ورضى أن يأتى معك
الوزير : فى البداية كان أشبه بالفرخ الذبيح وأخذ يتمتم بكلمات الشكوى والتذمر
الملك : كنت أعلم بهذا
ابن الملك : ألا يرضيه أن يصير معلماً لابنة الملك
الوزير : هو يرى أن هناك من هو أقدر منه وأكثر موائمة لهذا الهمل
الملك : يحسب نفسه فيلسوفاً
الوزير : مولاى هو حقاً فيلسوفا عالماً بالتاريخ وأخبار الامم
الملك : ولهذا أطلبه .. هو صاحبك أيضاً
الوزير : مولاى لم يكن اختيارى له كونه صديق لى بل لقدرته وعبقريته
الملك : أعلم .. الداهية .. نحن نحتاج اليه أقر بهذا
الابن : ولكنا سنعطيه مالاً وذهباً
الملك : الذهب وفير وقد يملكه الاحمق السفيه ولكن الداهية كالشمس واحدة فى السماء و
وبدون أشعتها نرجف بل نهلك من البرد
الوزير : " مخاطباً الابن " وعلمه مولاى لا يقدر بثمن
الملك : لا بالذهب ولا بغيره
الابن : قد يكون هذا كله صحيحاً ولكن ما حاجتنا اليه .. ما حاجتنا الى حكاياته عمن ولت أيامهم وانقضى ملكهم
الملك : كى لا نصير الى ما آلوا اليه .. أختك بحاجة الى أن تعرفا حكاية جدودكما مع هذا المشرقى
الابن : ولكنه رحل
الوزير : وقد يعود
الملك : فى غضب لن يعود ولهذا أحضرت ذالك الفيلسوف ليقص على مسامعهاما كان وما يجب أن يكون
فتزن أمور الحكم بقلبها وعقلها وأنت تحكم أمور الحكم بجيشك القوى
الابن : ولكنه سيقص على مسامعها ما يحسبه هو صواباً أو نافعا له لا لنا .. وسنصير ألعوبة فى يديه
الوزير : ولكنه فرد وسيظل فى قبضتنا
الملك : وهى لن تكون ألعوبة فى يديه هى تملك عقلاً وقلباً
الابن : قد يغير ويبدل حقائق الاشياء
الملك : "مخاطباً نفسه" ومن أدراك أنا بحاجة الى حقائق الاشياء ..
" ثم مخاطباً ابنه" فالنجرب أولاً ثم نحكم على جدوى الامر فيما بعد
الوزير : وليس هناك ما يمنع من أن نحذر منه
الابن : وكيف نحذر منه ؟
الوزير : جواسيسنا تبقيه تحت أعيننا
الابن : لاقيمة لجواسيسنا مقارنة بدهائه وقد يجعلهم عونا له لا عونا لنا
الوزير : ولكن ولائهم لنا
الابن : لا أومن بالولاء وقد يروغ منهم بدهائه وهم لايشعرون
الوزير : وما دمنا نخشاه ولسنا على يقين من احكام رقابتنا عليه أنجعله ينصرف ؟
الابن : لا . حاجتنا اليه أقوى من خشيتنا منه
الملك : لسنا بحاجة الى أن نرقب ظاهر الاشياء
نحن بحاجة الى أن نفتش فى ضمائر الاشياء .. ما حكاه وما خبئه ..
كيف قص ما حكاهولم خبئ ما خبأه
الملك : والواقع أنتاريخ أمتنا ومستقبلنا فى تجاويف عقل هذا الفيلسوف
الابن : غداً يصير الامر بيدنا
الملك : ما أتمناه أن تحوز فى عقلك حقائق الاشياء وأن تزين أختك قسوتها ولكن عليكماأن تحذرا منه
الابن : سنبذل قصارى جهدنا مولاى
الملك : انى أثق بكما . والان لنؤجل بحث أساليب المراقبة والحذر ولنفكر بالامر على مهل ونترك
الايام والحوادث علها تنبئنا بالامر
الابن : لله الامر من قبل ومن بعد
الملك : "وكأنه يبصر الغيب" وستنبئا الايام بما يخبئه القدر لنا
"وفى شبه تسليم بالامر" ايها الوزير ادعه ولنرى ان كان تقديرنا للامور أنفع أم قدرنا المكتوب علينا أبقى وأرسخ
الابن : هو ملك وسؤود أورثنا اياه جدودنا وسنبقيه راسخا متجذرا ولن يسلبنا حمقى ملكنا
الملك : فلتدعه أيها الوزير
الوزير : نعم الرأى مولاى وستريك الايام صواب رأيكم ونفاذ بصيرتكم " يتجه الى الوراء بظهره ليفتح باب القاعة ويدخل الفيلسوف المعلم "
الفيلسوف : السلام عليكم
الابن : ألا تخص مليكنا بالسلام
الفيلسوف : وما الحاجة الى أن نخص كل فرد بالسلام .. السلام عليك ولى العهد و السلام عليك الوزير الاول
هو سلام واحد وكفى
الملك : هو سلام واحد وكفى فلدينا من المهام والاعمال ما هو أجل وأعظم
الفيلسوف : صدقت يا مولاى ومن الاعمال ماهو أجل من ...
الابن : "مقاطعا فى حدة" من أن تعلم أبناء الملوك
الفيلسوف : لا أعنى هذا الامر تحديداً
الابن : وما الذى تعنيه تحديداً
الفيلسوف : أعنى أن لكل عمل له من هو أقدر على القيام به دون غيره
الملك : وأنا أقدر الناس على معرفة قدرات كل واحد من رعيتى وقد أرتأيت أنك أقدر ...
الفيلسوف : "مقاطعا" عذرا مولاى ولكن كيف أرتأيت أنى أقدر الناس على تلك المهمة العظيمة
الوزير : أتشك فى قدرة مليكنا على معرفة أقدار الناس وملكاتهم ؟
الفيلسوف : مولاى ما قصدت ذاك
الابن : "فى ضيق وتبرم وناظراً ناحية الفيلسوف" ما الامر ؟ أنت تراوغ مرة ومرات ولا تحسن مخاطبة الملوك
وأحسب أنه لا ينفع معك غبر هذا "ويلوح بسيفه"
الفيلسوف : "موجها حديثه للملك كمن يطلب العون فى خوف وفزع" مولاى
الملك : "موجها حديثه لابنه" بنى انى ادرك جيدا ً ما يعنيه فيلسوفنا هو فقط يهاب المسئولية
الفيلسوف : "فى خوف" نعم نعم كل ما فى الامر أنى أهاب الامر وأخشى ألا أوفق فى مهمتى
الابن : والملكات والقدرات اللازمة للعمل
الفيلسوف : انى احسنها جميعا
الابن : لم يكن كلامك ...
الملك : "مقاطعا" بنى فيلسوفنا أوضح الامر وكفى .. عليكما بدء المهمة خذ فيلسوفنا حيث تنتظره أختك
ومعها القرطاس والقلم
المشهد الثانى
بهو الياسمين
بهو به زهور الياسمين ونهر يتدفق والاميرة والفيلسوف يطالعان بعض الاوراق
الفيلسوف : أميرتى كيف حال مسألتنا ؟
الاميرة : ما أدرى ؟
الفيلسوف : "ضاحكاً" كيف يكون الامر ؟ أما أنك تفهمين أو أنك لاتفهمين
الاميرة : أو أنى لا أهتم
الفيلسوف : "متضايقاً" لا تهتمين بالامر
الاميرة : أى أمر ؟
الفيلسوف : التعلم
الاميرة : أى علم ؟ تحدثنى عن أمور الحكم والسياسة وتاريخ أمتنا وكأنى ولى العهد
الفيلسوف : هكذا طلب منى الملك
الاميرة : وأنت أطعته .. أين رأيك وحكمتك ؟
الفيلسوف : أنت لم تر أخيك حين أبديت ثمة اعتراض بل ثمة تساؤل للملك أشهر أخوك السيف فى وجهى وكأد..
الاميرة : "مقاطعة الفيلسوف" فخشيت واذعنت
الفيلسوف : نعم
الاميرة : أذعنت الفلسفة والعلم للقوة والسيف
الفيلسوف : لم يكن اذعانا بل كان سياسة للامر
الاميرة : كن صادقا معى معلمى
الفيلسوف : نعم كان خوفا احتضننى حتى رجف منه القلب
الاميرة : لابأس . المصارحة أمر جيد
الفيلسوف : وما عساى أن أفعل
الاميرة : غيرك ناقش ورفض وثبت على رأيه دون خوف أو وجل
الفيلسوف : وماذا فعلوا معه
الاميرة : ساقوه الى قبو أشبه بقبر أسفل هذا البهو
الفيلسوف : "فى فزع" أسفل هذا البهو ؟
الاميرة : وهو قابع هنا معنا منذ هقد من الزمن
الفيلسوف : أحسنت تدبير الامر اذن
الاميرة : بخضوعك ومداهنتك
الفيلسوف : نعم انى امرؤ أخشى الظلمة والموت .. أحب أن أعيش فى بهو محاط بالياسمين ومن حولى كتبى
ودواتى .. انى اعشق المعرفة
الاميرة : ولكنها معرفة لاتغير من نفسك .. لا تسلبك الخوف وتهبك القوة
الفيلسوف : المعرفة فى العقل لا القلب يا أميرتى
الاميرة : المعرفة الحقة هى التى تنير عقلك فتجعلك تبصر حقيقة الاشياء وحينها يصغر فى عينيك الخوف
وحينها لن تكون ظلمة ولا موت .. ان ظلت معرفتك حبيسة القرطاس والدواة دون ان تحررك
فأنت حبيس معها
الفيلسوف : وليكن مادمت حبيسا فى بهو الياسمين وليس كالاخر الذى هو تحت أقدامنا
الاميرة : حقا قد يكون تحت قدمك بجسده ولكنه أرقى منك شأنا وأرفع مقاماً وهو القابع فى سجنه أكثر
علماً منك وأنت وسط الاوراق والكتب
الفيلسوف : "مندهشاً" كيف ؟
الاميرة : لانه عرف كنة العلم والفلسفة
الفيلسوف : أن يسوقنا للقتل
الاميرة : أن يحررك من الخوف
الفيلسوف : أراك أنت الفيلسوفة لا أنا
الاميرة : كذب من رآك فيلسوفاقد تكون معلما لامربيا
الفيلسوف : لست بحاجة الى اذن
الاميرة : لانى أتسلل الى مخدعه كل ليله
الفيلسوف : من ؟
الاميرة : حبيبى
الفيلسوف : أو تحبين ؟
الاميرة : بل أعشق
الفيلسوف : من ؟
الاميرة : القابع تحت قدميك
الفيلسوف : السجين
الاميرة : هو
الفيلسوف : "فى فزع" ألا تخافين
الاميرة : مم ؟
الفيلسوف : من غضب والدك الملك أو بطش أخيك ان علم
الاميرة : أتحب أن تراه معى ؟
الفيلسوف : "فى فزع" لا . لا
الاميرة : بل ستأتى معى .. هى جلسة علم ومعرفة نقلب بعض مسائل التاريخ والفلسفة على وجوهها
الفيلسوف : ولكنى لا أريد أن أنقلب على وجهى قتيلا أو سجيناً
الاميرة : لا تخش شيئا أنت معى
الفيلسوف : أنا أخشى أن تكون نهايتى معك
الاميرة : "هازئة" ألا ترانى جميلة ؟
الفيلسوف : "فى خوف" ما علاقة الامر بالجمال ؟
الاميرة : انى أرانى جميلة ، كما أن مسائل الحق والجمال هى التى تشغل بالى ونقلبها بحثاً
الفيلسوف : تبحثين مسائل الجمال والحق اسفل البهو فى القبر
الاميرة : "فى عينيها بريق وفى انطلاقة " كنة الحق كله وروعة الجمال وبهائه يتكشفان فى القبر
الفيلسوف : بل اذهبى وحدك الليلة . لا .. ياللمصيبة انى اعلم انك تتسللين الى مخدع هذا الرجل أقصد قبره
الاميرة : أتفكر أن تخبر أبى أوأخى
الفيلسوف : حقاً انى أخاف على نفسى ولكنى أشفق عليك
الاميرة : يالك منطيب القلب
الفيلسوف : ولكنهم لن يؤذونك أنت أميرتهم
الاميرة : فالتخبر أبى وأخى اذن
الفيلسوف : ألا تخافين
الاميرة : انى أقلب الامر على وجوهه معك
الفيلسوف : تقلبين الامر معى ولا تحسبين ما قد يلم بك
الاميرة : حين تتكشف أمامك كنة المعرفة والحق تصغر أمام عينيك أشياء وتعظم أشياء
الفيلسوف : "متفكرا" تصغر أمام عينيك أشياء وتعظم أشياء .. من علمك هذا ؟
الاميرة : "وهى تشير الى أسفل" هو
الفيلسوف : أيمكن أن آراه ؟
الاميرة : نعم يمكنك أن تراه ولن يعلم بالامر أحد
الفيلسوف : "مرددا" حين يتكشف أمامك الحق والجمال تعظم فى عينيك أشياء وتصغر أشياء
"محدثاً نفسهبصوت سمعته الاميرة " انى لم أجد مثل هذا الكلام فى أى من كتبى أو أوراقى
الاميرة : ولن تجده الا هناك
الفيلسوف : فى القبر
الاميرة : فى القبر
الفيلسوف : "ممسكا رأسه" انى اعلم منذ ان دعانى الوزير لاكون معلما لك وقد أحسست أن بالامر مصيبة
لا مكافأة
الاميرة : بل مكافأة ان أتيت معى
الفيلسوف : لا أريد مالا بل أريد النجاة
الاميرة : النجاة معى ومعه
الفيلسوف : معه يقبع الموت
الاميرة : والحق والجمال ايضاً
الفيلسوف : لا أملك خياراً فلن أخبر أباك بالامر ولا أملك أن استمر فى الامر .. سأرحل
الاميرة : وان سألك أبى لم الرحيل ؟
الفيلسوف : المرض
الاميرة : ولكن تبدو عليك مخايل الصحة .. لن ينخدع بالامر
الفيلسوف : سأخبره اذن
الاميرة : وإن آذانى ؟
الفيلسوف : لن يؤذيك .. بل عقاب بسيط
الاميرة : حتى ولو كان عقابا بسيطاً
الفيلسوف : أعلم .. أنت زهرة رقيقة لاتستحقين ...
الاميرة : "مقاطعة" سوف تأتى معى فالامر بسيط
الفيلسوف : هو حقاً بسيط .. فالموت لحظة
الاميرة : والحق والجمال ينكشفان فى لحظة .. هيا ألا تعشق المعرفة
الفيلسوف : أعشق المعرفة والحياة
الاميرة : لديه المعرفة والحياة
الفيلسوف : فى القبر
الاميرة : فى القبر توهب الحياة والحق والحياة .. صدقنى
الفيلسوف : من أين أتيت بهذا الكلام .. لم أقرأه من قبل .. فى القبر توهب الحياة
الاميرة : ألا يستحق الامر بعض العناء
الفيلسوف : بل يستحق كل العناء .. دعينى آراه
الاميرة : "هازئة" القبر
الفيلسوف : بل من يقبع بالقبر
الاميرة : "ضاحكة" واتسلل اليكما كل ليلة
الفيلسوف : يا أميرتى لا تتعجلين فقد أقبع فى القبر مثله
الاميرة : تضحك من خوف الفيلسوف وجزعه
الفيلسوف : تضحكين ..ألا تقدرين عاقبة الامر ان كشف أمرنا
الاميرة : حين ينكشف الحق والجمال تصغر فى عينيك أشياء وتعظم أشياء
الفيلسوف : حقاً ما أعجب هذا الكلام .. لقد اشتقت اليه
الاميرة : القابع فى القبر
الفيلسوف : القابع فى القبر والقبر على السواء
الفصل الثالث
قبر
وأميرة وسجين وفيلسوف
السجين ينظر بعيون شاردة والفيلسوف صامت تعلو وجه الدهشة من ظلمة السجن والهيبة التى تعلو وجه السجين
الفيلسوف : ما أعجب وجهك ، كأنى أعرفك
الاميرة : أرأيته من قبل
الفيلسوف : لم أره من قبل ولكنى أحسب
السجين : "مقاطعا" ولكنك تعرفنى
الفيلسوف : لا . لا أعرفك ولكن أشعر
الاميرة : "مقاطعة" تشعر كأنك تعرفه
الفيلسوف : نعم
الفتاة : هكذا كنت أنا حين التقيته أول مرة
الفيلسوف : " يمعن النظر فى وجه السجين " لوجهك هيبة
السجين : ولكنى سجين
الاميرة : ولكنك تعرف كنهة الحق والحياة
السجين : ما أعلم شيئاً
الاميرة : ما تعلم شيئاً ؟ وما علمتنيه ؟
السجين : ما علمتك شيئاً
الفيلسوف : ألم تقل لها "حين ينكشف الحق والجمال تصغر فى عينيك أشياء وتعظم أشياء"
السجين : قلت لها وما علمتها
الاميرة : ما علمتنى
السجين : انرت الدرب فحسب زلكنك آثرت الجمود
الفتاة : "فى تأثر" آثرت الجمود
الفيلسوف : لو رأيت اشتياقها اليك ، هى من جاءك بى اليك ، هى من أعلمتنى أن المعرفة تحرر الانسان من كل قيد
السجين : وهل حررت نفسها من كل قيد
الاميرة: أحسب أنى فعلت .. أحضر اليك ليل كل يوم
السجين : وما تخشين أباك ؟
الفيلسوف : أرأيت ما عادت تخشى أو تخاف
الاميرة : صرت حرة
السجين : هذا ظنك
الفيلسوف : هذا يقين
السجين : وما اليقين ؟
الفيلسوف : يصمت
السجين : ربما قاربت الصواب
الفيلسوف : بصمتى
السجين : الصمت درب الفكر .. والفكر
الفتاة : "مقاطعة" بعض الصواب .. انت علمتنى هذا
السجين : ما علمتك شيئاً
الفتاة : أنت تحيرنى
الفيلسوف : ما فى الامر حيرة هو أراد أن يعلمك الصمت الذى هو درب الفكر
السجين : صدقت أنت زميل لى اذن
الفيلسوف : لست زميلا لك
السجين : أقصد حتى الان
الفيلسوف : لا الان ولا الغد
الفتاة : هو يعشق المعرفة شريطة أن تكون فى أبهاء القصور والحدائق الغناء
الفيلسوف : لا بأس مكان طيب لتدارس الاشياء
الفتاة : وهنا ؟
السجين : وهنا أيضاً
الفيلسوف : هذا ما تراه أنت لا أنا
السجين : عموماً الرؤية أمر نسبى
الفيلسوف : ان كنت زائرا فحسب لمدة لاتطول ربما أدرس معك حقائق الاشياء
الفتاة : ومع طول الضيافة قد تطول الزيارة
الفيلسوف : لا . لا قد انتهينا من النقاش وعلينا الرحيل
الفتاة : أى نقاش ؟ ما ناقشنا شيئاً
السجين : أعرفت إجابة السؤال
الفيلسوف : أى سؤال واى اجابة لايهم .. أريد أن أرحل الان
الفتاة : هكذا هو حين يخاف
الفيلسوف : ما تحسبيه خوفا ليس بخوف
الفتاة : كل الامور لديك نسبية
السجين : حقيقة يراد بها الفتاك من مأزق
وتاريخ الامم أليست تلك مهمتك مع الاميرة ؟
الفيلسوف : أعلمها تاريخ أمتها
السجين : النسبى
الفيلسوف : فى ذعر لا لا تاريخ الامم حقائق
السجين : هى حقا حقائق وليست حقيقة واحدةحقيقة لديك وحقيقة لدى نكمل بهما الصورة
الفيلسوف : الحقيقة لدى وحدى
السجين : ولم أتيت الى ؟
الفيلسوف : فضول
السجين : بل لترى وتسمع
الفيلسوف : أراك
السجين : ترانى وتسمعنىا
الفيلسوف : لست بحاجة الى أن أسمعك
الاميرة: بل أتيت إعجابا به وبقوله حين تتكشف حقائق الاشياء تصغر فى عينيك أشياء وتعظم أشياء
الفيلسوف : ربما أعجبنى مقولته ولكن هذا لايعنى
السجين : مقاطعاً ولكن هذا لايعنى امتلاكى الحقيقة هذا ما تريد قوله ولكنى مازعمت يوما امتلاكى وحدى الحقيقة
الفيلسوف : ولكنك قلت
السجين : قلت انى أملك بعضا من الحقيقة وجهاً من الحقيقة وأنا وأنت يمكننا
الفيلسوف : مقاطعا بل أنا وحدى من يملك الحقيقة
الفتاة : أنك مغرور
الفيلسوف : هذا حقى ، أنا حر وهو سجين
السجين : ولهذا أنت تملك كل الحقيقة ولا أحد غيرك
الفيلسوف : حقاً
السجين : أنت لا تملك أياً من الحقيقة الحقيقة أن تملك الشئ ونقيضه .. أنتم مثلا تزعمون امتلاك الحقيقة والحق
لديكم نصفها فقط
الفيلسوف : وأنت أيها العربى ؟
السجين : أنا تاريخكم
الفيلسوف : تاريخنا
الفتاة : ألم تزعم أنك عربى
السجين العربى : ألا ترين عينى الخضراء
الفتاة : وأرى شعرك الاسود
السجين : ألم أقل لك " الحقيقة أن تملك الشئ ونقيضه "
الفيلسوف : نحن اذن نتشارك بالامر معاً
السجين : تاريخنا
الفتاة : نحن وأنتم
الفيلسوف : ولهذا أنت هنا فى القبر
السجين : ولهذا جاءوا بك هناك فى البهو
الفيلسوف : أراد مليكنا أن أقص تاريخ أمتنا على أميرتنا
السجين : وأراد مليكنا أن أسكت عن تاريخ أمتنا
الفتاة : ولهذا كنت تحدثنى عن تاريخ أمتى
الفيلسوف : بل تاريخ أمته
السجين : بل حدثتك عن تاريخنا المشترك
الفيلسوف : ليس بالضرورة مشترك
السجين : حين تتعايش الشعوب
الفيلسوف : بل حين تتقاتل الشعوب وتتلاقى السيوف تتقاطع الازمنة وتتنافر الامم
السجين : كان تاريخنا تاريخ أمة واحدة تعايشت الشعوب وتشابكت الايدى عرب وقوط بربر وصقالبة
كانت هنا حضارة تشاركنا فى تشييدها
الفيلسوف : بل كنتم غزاة
السجين : بل لاذ جدودكم بنا
الفيلسوف : وما برحتم من يومها ديارنا
السجين : وفى جوارنا أقمتم من بعد خوف شعائر دينكم
الفيلسوف : ما جدوى الجدال اليوم معك
هذا زمن ولى وها قد رحلتم
السجين : وقد نعود يوماً
الفتاة : " تظهر على المسرح صور آثار قرطبة " هذى المآذن وتلك الوشى وهذى الزخارف تلك قصور قرطبة
وحدائقها الغناء وتلك معاهد قرطبة وجامعتها
الفيلسوف : لو رآك أبوك
الفتاة : أبى أخطأ حين آثر أن يعلمنا وجه واحد من تاريخنا
ربما كانوا غزاة يوماً ولكنهم يقينا اختاروا العيش معنا
وصاروا بعضاً منا وصرنا بعضاً منهم
السجين : أقصصت على أميرتنا بعضاً من وقائع محاكم التفتيش ؟
الفتاة : وما محاكم التفتيش ؟
السجين : راح جدودك يفتشون عن ضمائرنا
الفتاة : فى ضمائركم الحب
الفيلسوف : بل فى ضمائرهم لغتهم شعرهم وثقافاتهم
الفتاة : وما المشكلة فى أن يطوى قلبه علىأشعار تتراقص
الفيلسوف : المشكلة أن قبساً من لغتهم وثقافاتهم مازال ينبض فى قلوبهم
الفتاة : يشتاقون لديار جدودهم
الفيلسوف : ليتهم رحلوا اليها
الفتاة : وما كنتم لتكونوا حراساً على ضمائرهم
الفيلسوف : وما كان العربى ليحسنالحديث بالقشتالية
السجين : ولكن العربى لم يعد ينشد الشعر
الفتاة : نسى لغته العربية
السجين : الشعر فرحة ولم يعد بقلب العربى فرحة ، لم تبق كتب ولا أشعار ، اشتعلت الكتب وانطفأت الفرحة
الفيلسوف : تحدثها عن الفرحة التى اطفأناها ولا تحدثها عن ثوراتكم علينا وقتلكم لنا
الفتاة : حين تسجن الحرية لا يكون بديلا عن الثورة
الفيلسوف : وجيرانهم كانوا حطباً لثوراتهم
السجين : وتلك حقيقة لا أنكرها ، كانت رغبة انتقام وما كان لثورة توقد جذوة حريتها أنتتلذذ بنشوة انتقام
غير أن بعضاًمنا لم يكن راضيا
الفيلسوف : قائدكم محمد بن أمية لم يكن راضيا عن تلك الروح ، ووبخ نائبه ابن فرج وعزله تلك حقيقة
السجين : غدوت منصفاً
الفيلسوف : ربما لم يكن راضيا خوفا من عاقبة الامر
الفتاة : سريعا عاد فيلسوفنا
السجين : ومن ناحيتكم قتلكم من كان سجينا لديكم
الفيلسوف : كانت الثورة تشتعل والخوف يمسك بقلوبنا ، كنا نخاف
السجين : مما تخاف ، ما ينبغى لنا أن نخشى أو نخاف ، ربما أمكننا أن نغير ساحات الحرب الى حدائق وأنهار
الفيلسوف : كيف ؟
الفتاة : أن نحيا جميعنا فى وئام
السجين : أن نتشارك ما شيدناه من حضارة وثقافة
الفتاة : أن يسود الحب والتسامح بين شعوبنا
الفيلسوف : أيمكن أن ننسى ؟ أن تختفى الكراهية ؟
السجين: ربما وجدنا فى دروب غرناطة القديمة بقايا عربى يعشق إسبانيا
الفتاة : ربما التقينا فى دروب غرناطة القديمة بدفء البادية
الفيلسوف : ربما اليوم .. ربما غداً .. ربما
" يسدل الستار "
0 التعليقات:
إرسال تعليق