إشكالية المسرح الإسلامي
مجلة الفنون المسرحية
إشكالية المسرح الإسلامي
أحمد بغالية - الجمهورية
إن المسرح الإسلامي، هذا المصطلح الناشئ، الذي يداعبه بعض الكتاب هنا وهناك خلال السنوات الأخيرة، ابتدأ من منتصف الثمانينيات، هذا الشكل الذي نشأ وترعرع في أحضان ما يسمى بالصحوة الإسلامية، والذي اعتبر اتجاه أو شكلا من أشكال مسرح الهواة على اعتبار أن المشرفين والممارسين له أغلبهم شباب هواة، وقد ظهر استجابة لمرحلة معينة في الساحة السياسية، والتي أخذت في فترة تعج بالأحزاب السياسية الإسلاماوية (حماس، نهضة، إنقاذ)، بحيث انطلق هذا النوع من المسرح من الجامعات والمعاهد في نشاطات الحركة الطلابية الإسلامية، ثم امتد ليغزو الأعراس الشعبية، ومع"مودة" و"أسلمة" كل شيء شاع مصطلح "عرس إسلامي .. زواج إسلامي .. سوق إسلامي"،.. وهكذا إلى أن وصل مصطلح مسرح إسلامي"... إن فرصة الاختيار أمام الفنان المسلم مطروحة، وهي أن يقبل المسرح كشكل فني، وأن يرفض المضمون، لأن الإسلام لم يقف يوما إزاء الأشكال في ميدان الفنون والآداب، غير أن الإسلام يرفض الأشكال التي ارتبطت عضويا بمضامينها أشكال فكرية وعقائدية أو مضامين عبثية خاوية أو مادية مغرقة، أو خيالية مريضة، أو واقعية هابطة، أو واقعية حرفة أو رمزية وثنية، دعا الإسلام إلى رفضها و الإستلاء عليها صوب أشكال ابتكرها الإسلام نفسه وربطها ربطا حيويا بقيمه وأهدافه.
من هذا الاختيار المساير لمنطق الإسلام المنبثق عن تكوينه الحضاري يجد الفنان (المسلم) نفسه وقد أتيحت له فرصة جديدة للتعبير، لأن يقول ما يشاء بشكل أكثر تأثيرا و بمضامين كبرى حرة طليقة من قيود المدارس المسرحية، التي فرضت نفسها عبر العصور، هذه هي مساحات الفن المسرحي (الإسلامي) وهذا مداه، وفي إطار لا يخرج عن سمته التي لا تزول :"شهادة أن لا إله إلا الله "، وإسلام النفس له.
السؤال المطروح هل ثمة ضرورة لإعادة صياغة الشكل المسرحي بما يتفق و المضامين الإسلامية ؟ وهل ثمة ارتباط عضوي حيوي بين التصوّر التجربتين الإسلاميتين، وبين الشكل المسرحي الذي تحتلاه ؟ الجواب أنه كلما ظهرت إلى الوجود مسرحية إسلامية جديدة لا يمكن فصمها عن الشكل و المضمون في المسرح (الإسلامي)، كما أن المضمون يفتح مجالات جديدة وآفاقا واسعة أمام المخرج، يتحتم عليه استخدام مزيد من الإمكانيات والمؤثرات والوسائل المسرحية، ويدخل إلى الخشبة شخوصا وأدوارا لم تألفها المذاهب الأخرى، إذن المقصود بالمسرح (الإسلامي) هو ذلك الفن الذي يوضح التعاليم الإسلامية، ويشرحها، إن أهم المسارح (الإسلامية) التي عرفت في هذا القرن"مسرح الجماعات الإسلامية"، هو نوع من المسرح القائم على الأفكار، يلجأ فيها إلى الطقوس ويعتمد الدفوف والطبول وأناشيد المديح المصحوب بحركات إيقاعية كالعيساوة مثلا، وهناك مسرح الإخوان المسلمين الذي أنشأه (حسن البنا)، وتبناه أخوه(عبد الرحمان) وحث عليه باعتباره وسيلة من وسائل التبليغ وأنتج هذا المسرح مسرحيات:"معز الدين الله الفاطمي" و"صلاح الدين الأيوبي"، ومن الأسماء التي تبرز في المسرح (الإسلامي) الدكتور(الشرباصي)، لأنه أكثر غزارة وهذا يعني أن المسرح (الإسلامي) هو المسرح الذي يعرف بأبطاله وبمواقفهم التاريخية المشرقة.
ومن إشكالياته أنه مسرح لا يخالف مضمونه ولو في أبسط الأمور وعادة ما تكون مواضيع المسرحية منبثقة من الواقع المعيش عاكسة بدورها حياة يومية في مجتمعنا بصفة دينية وأخلاقية، مسرحيات تشخص الداء أو الخلل من خلال تأزم الحدث المسرحي، ويشترط في التمثيل (الإسلامي) أن لا يمثل بشخصيات تاريخية لها قدسيتها في نفوس المؤمنين كشخصيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، لأن إظهارهم يفقد في النفوس قداسيتهم واحترامهم، والمحجوب دائما محترم ومقدس ومرغوب، وألا يظهر أي مظهر من المجون والخلاعة كالرقص والمعزف وظواهر الخمر، وألا تظهر النساء أصلا على خشبة المسرح، وأن يستهدف التمثيل مصلحة الدين والعلم والأخلاق، لكونه يوضح الفكر ويحدد الواقعة ويصور الحادثة ويثير العاطفة لأجل تربية الفرد والأسرة والمجتمع.لكن بالتمعن بالتتبع للمسرحيات (الإسلامية) هنا وهناك نجد مآخذ جمعت وسلبيات هذا الشكل، ومنها ضعف الجانب التقني في أغلب الأعمال المسرحية، وهذا الضعف من خلال استغلال الفضاء والمساحة المسرحية على مستوى الخشبة، وكذا تحكم في توزيع الأدوار والممثلين، وهناك مشكلة ارتباط المسرح (الإسلامي) بالحركة أو التنظيم أو الحزب الموجود على الساحة (نهضة، حماس....). أي أنه مقيد بعقلية سياسية، حيث حلت محله الارتجالية والهزلية والفوضوية والتهريجية في أغلبها، والتي لا تستند إلى أي نص ثابت، مما يثير نوعا من التذبذب في الأفكار وطرحها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق