أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 29 أغسطس 2018

مسرحية " لأجله استدار الزمن " تأليف حسن العلي

مجلة الفنون المسرحية




شخوص المسرحية 

نازك / كاتب روائي ، يبحث عن هويته / في الأربعين من العمر . 
أدونيس / ممثل مسرحي / في الأربعين من العمر . 
سعدون / فنان تشكيلي ، متخصص بلوحات المرأة / في الأربعين من العمر . 
الزمان / بعد الحرب العالمية الثالثة 
المكان / مدينة نازك المعلقة ( 2008 م / 2025م ( 


تدور أحداث هذه المسرحية في مدينة (نازك) المعلقة بين حقبتين من الزمن 
( 2008م / 2025م  . 
تتداخل أصوات خارجية للأغاني وقرعاً للطبول التي توحي لإحتفال برأس السنة (2008 م) أو لكرنفالً مسرحي صاخب .. فجأة .. يعمّ الصمت انفجار لكار ثة ما وقعت .. صراخ أطفال يدوي في كل الزوايا .. نداء .. نبضات مرعبة آهات .. تفتح الستار مصحوبة بالموسيقى الجنائزية .. بعد الحرب العالمية الثالثة وفي عام 2025 م في مدينة (نازك ) المعلقة .. في مكان تنعدم فيه الحياة ، أشبه بالمكان الجنائزي .. الخلفية العامة للمكان سوداء تعبيراً لمسوادية هذا العالم .. وسط الجدار ساعة حائط كبيرة من الطراز القديم والعقارب متوقفة إيحاءاً لتوقف الزمن وفي جهة من المكان حبال متدلية تعبيراً للمشنقة وفي جهة أخرى نجد فوهة صغيرة جداً يتخلل منها الضوء الذي يكشف لنا عن العالم الداخلي (مدينة نازك 2008 م ) وكذلك نجد لوحتان فنيتان أحدها صورة لهياكل بشرية وأخرى لأمرأة فاتنة الجمال وكذلك نجد بعض الكتب والصحف والمجلات ملقاة على الأرض .. المسرح ظلام سوى بقعة ضوء في وسط المسرح وتكون فوق (نازك ).. نازك يدور حول نفسه في حال صراع مع الذات يستحضر أدواته من الكيس .. يخرج علبة ألوان .. يخرج أقلام .. ثم يخرج اللوحتان الفنيتان ويعلقهما .. ثم يحضر الساعة ويعلقها الى أن يخرج بدلة الضابط .. وأخيرا ً يخرج ( سعدون ) من عربته .. تكون الإضاءة كاملة مع ظهور شخصية (سعدون ) وهو يؤدي رقصته الساخرة حيث لا يشعر للمكان

سعدون: ما احلى ان نكون في بيت واحد .. ما احلى ان نعيش في حب وسلام  والمرأة تبقى ... تبقى امال للجميع .. والمال يبقى .. يبقى حياة للجميع ... (يتوقف) وكأني اشم رائحة كائن نتن هنا ... ( يلتفت الى نازك ) اووووه بيكاسو  كنت انتظرك طيلة الليلة الماضيه .. اين كنت يا بيكاسو ؟! 
نازك: (استغراب ) بيكاسو ! بيكاسو !! 
) علامة استفهام على وجه نازك بحثا عن نفسه ) 
سعدون: كم اسعدني لقاءك يا رفيقي 
نازك : رفيقك .. أنا رفيقك .. 
سعدون : نعم .. انت رفيقي في هذا العالم النوراني ... يا دافنشي 
نازك: دافنشي !!! .. اين النور من هنا يا .. . 
سعدون: (يضحك ) اين النور .. النور الذي تراه انت يختلف عن النور الذي أراه انا ... انا ارى هذا العالم كله نور .. المال والمرأة عملتان لوجه واحد 
نازك : عملتان لوجه ٍ واحد ...... كيف ! 
سعدون : هل تستغني عن المال .. لأكلك وشربك وملبسك ؟ 
نازك : لا 
سعدون : وهل تستغني عن المرأة .. لأكلك وشربك ومتعتك ؟ 
نازك : ( يفكر .............. . ( 
سعدون : هل رأيت .. عملتان لوجه ٍ واحد .. وذلك ما اسميه النور يا .... فان جوخ 
نازك : ( منفعلاً بهدوء ) هل تعرف أين نحن ؟! ( تكرار ( 
سعدون : نحن هنا 
نازك : هنا ! .. هنا أين ؟! 
سعدون : هنا ... هنا ... . 
نازك : أين ؟؟ 
سعدون : هل تعلم أنني لا اعلم أين نحن .. قد نكون على الأرض 
نازك : الأرض ! 
سعدون : لا يهم أين نحن .. الأرض ... القمر .... الجنة .. انظر للنواحي الإيجابية هنا 
نازك : انت غريب الاطوار حقا ! 
سعدون : لماذا ؟ لأنني أتكلم عن المال والمرأة .. لأنني فنان .. انظر إلى هذا الجمال ( متوجهاً للوحة ) .. كم أشتاق الدخول إلى عالمك .. آه يا حبيبتي كم اشتاق الحديث معك بجوار شجرة الزيتون التي تثمر العنب كل عام 
نازك : ( متجهاً للوحة ليمسكها فلا يشعر بها ) .. ما هذا ! أراها كما تراها .. أنا علقتها منذ لحظات ولكن لا أشعر بوجودها .. لا أستطيع أن أتحسسها 
سعدون : ... انظر إلى الساعة .. إنها تشير الى الواحدة .. حان وقت الخلود للنوم فالغد يحمل لي أعمالاً شاقة .. عمت َ مساءً ( محاولاً النوم على الجدار ( 
نازك : الساعة ! .. إن .. إن .. عقاربها لا تتحرك .. انهض يا رجل فلا وقت للنوم 
إن الخوف يتسرب في مساماتي كالدم .. كل شيء غريب ومهول 
) يعود سعدون لحالته الطبيعية ( 
سعدون : أين نحن !! 
نازك : هل نسيت .. نحن هنا 
سعدون : هنا ..... أين ؟ 
نازك : هنا .. أي هنا 
سعدون : والمرأة ؟! 
نازك : رمااااااد ..... باتت رماداً يا رجل .. ما الذي بوسعنا عمله الآن .. كيف لنا أن نخرج من هذا المأزق .. أيعقل أن أرواحنا انتقلت الى عالم الموتى ! 
سعدون : أم نفينا الى ما وراء الشمس ؛ فكل تراكيب هذا المكان ليست لها علاقة بذلك العالم 
نازك : وما يُدريك ؟ هل تعلم الغيب ! 
سعدون: .. ربما .. ربما 
نازك : ( مرتعداً ) ربما .. ربما .. اقترب .. اقترب مني أكثر .. إني خائف .. لنتماسك ( يتماسكا فلا يشعر نازك بسعدون ، يبتعد فجأة ) .. لا .. لا أشعر بوجودك أيضاً  ..  لا أستطيع الإحساس بك 
( يخرج أدونيس من عربته ) 
أدونيس : ( وهو داخل العربة ) .. من أطفأ الإضاءة هنا .. لقد أخرجتموني من المُـود ( مشيراً لنازك ) ماذا تفعل هنا ! .. مكانك هناك .. لتسدل الستار 
( مشيراً لسعدون ) وأنت ماهو دورك .. لما لا تصفق ؟!! .. لا أحد يؤدي دوره كما ينبغي ( تكرار) .. لماذا أحضرتموني إلى هنا ! لأؤدي جميع الشخصيات !! 
سعدون : هيه أنت ما بك ؟ ! هل نحن على خشبة مسرح ؟! 
أدونيس: ( لسعدون ) .. نعم .. ( لنفسه ) .. نعم .. وجدتها ! وجدتها !! .. لما لا أشرككم داخل العرض ( لنازك ) ستكون الهارب الذي فقد عقله .. أما أنت 
) يحدّق في ملامح سعدون) ستكون الشبح في هذه المسرحية .. أما أنا سآخذ الشخصية الرئيسة ... ولكن أين المخرج ؟ .. والمتفرجين ؟! .... وبقية الممثلين !!!  ( ينهار) لقد وعدت مؤلف المسرحية أن أباشر بعمل بروفات ٍ لها حالما أعود للمدينة ( يعود لحالته الطبيعية ) .. كم أجهدني البحث بين شوارع مدينة نازك وأزقتها لكني لم أرى غير خراب ودمار مدينتنا الزاخرة بالإعمار .. فجأة كل شيء رماد 
نازك : ماذا تعني ! .. لا وجود للأحياء هنا !! 
سعدون : لا وجود للأحياء ! .. ومن تكون أنت ! 
أدونيس : أنا ( بتفاخر وهدوء ) .. أنا إسحاق يونس .. الممثل المسرحي الكبير والملقب بأدونيس .. أنتما غريبان أليس كذلك ؟ 
نازك : لا نعلم إن كنا غرباء أم لا 
سعدون: افقنا على بقايا قشورالذاكرة .. دهاليزها التي أغلقت علينا .. أنا وهذه صنوان .. لا يفترقان .. اللون لعبتنا .. والمرأة وجسدها لغتنا .. والمال واسطة بيننا 
ومن يحسبون أنفسهم حتى ينصبونها قضاة على ما أفعل ؟ من هم حتى يبصقوا ألوانهم العفنة على لوحاتي .. من هم ! حتى يلوثونها بمسمياتهم الوقحة .. الفن هو الفن .. هو المرأة .... . 
أدونيس : أمرأة ٌ هي الفن .. والفن هو أمرأة .. فن ٌ بلا أمرأة كطعام ٍ بلا ملح 
سعدون : الإثنان سيّان 
أدونيس : سعدون ياسين .. أنت سعدون .. ( تأكيد ) أنت سعدون ياسين 
نازك: فنانا تشكيلي اسمه سعدون ... و ممثل مسرحي اسمه ادونيس .. أدونيس 
( يتمتم بأسم ادونيس ) ادونيس .... الجندي المجهول في الـ ... . 
ادونيس : المحطة الأخيره .. هل شاهدتها .. هل رأيتني ؟ 
نازك : رأيتك .... أنت ... . 
أدونيس : نعم كنت ذلك الممثل الذي صال وجال في المسرح وبصق له الجمهور تصفيقا ً حاراً 
نازك : كانت حركتك مميزة 
أدونيس : ( مستعرضاً بجسده ) .. أجل .. أجل 
نازك : كانت بدلتك العسكرية في غاية الروعة 
أدونيس : أشكرك .. أشكرك 
( يأتي سعدون ليأخذ نازك جانباً )
سعدون : أجد نفسي محرجاً معه .. لقد تابعت مسرحية المحطة الأخيرة .. لكني لم أرى هذا الفنان العظيم .. هل كان متنكراً بشيء ما ؟ 
نازك : لا 
سعدون : فأين كان ظهوره ! 
نازك : ألم ترى في آخر المسرحية .. صفا ً طويلا ً من العساكر .. يدخل المسرح من جهة ويخرج من الجهة الأخرى ؟ 
سعدون : هل كان أحدهم ؟! 
نازك : لا ... بعد أن انتهى الصف .. خرج أحدهم متأخراً عنه .. لكنه تعثــّر بحبل حذاءه الغير مربوط .. فوقع على وجهه بقوة 
سعدون : (يقهقه) النجاح ! ..... ليس في قاموس هذا العالم مصطلح يدعى النجاح.... النجاح هو المستحيل .... ان هذا العالم كجهازي الهضمي يهضم كل موهبه صاعدة (جلسة القرفصاء)
ادونيس : ما زلت احمل روح الطموح .... كم اتوق الى عرض مسرحي يضم نخبة من كبار المبدعين 
نازك: بامكانك تحقيق ذالك ولكن .... دون احد ... انت فقط 
ادونيس : مللت مثل هذه العروض فأعمالي معظمها مونودراما 
سعدون : كمشهد السقوط وحيدا ً ؟ 
أدونيس : هاه ... . 
سعدون : احلامك تفوق الخيال ولكن....اوليس مانحن فيه عرض مسرحي ومليء بالعقد ؟ ! 
نازك : وهم .. إننا نعيش بفرضية المكان ولكن هل فكر احدكما في أي زمن نحن وماهي نهايته .. هو عرض مسرحي إذن .. عرض ناقص وبحاجة الى معالجة حيوية ليكتمل فيلقى النور 
ادونيس: لتكن نهايتة مفتوحه 
نازك: والى اين تمتد ؟ والزمن مغلق ! 
سعدون: عرض ٌمسرحي ولا وجود للمرأة .. عرض لا يسمن ولا يغني من جوع 
نازك: عدم وجودها اجحاف .. يُسقط العرض المسرحي 
سعدون : وإن سقط .. . 
أدونيس : إن سقط فلا وجود له إذن ... لكنها موجودة 
سعدون : أين ؟ 
أدونيس : هناك بعيدا ً 
سعدون : أين ؟ 
أدونيس : هناك خارج هذا الزمن .. خارج خط المكان .... أنت تكثر من الأسئلة .. تعال تعال .. ( مشيراً لنازك ) لتكن انت الرجل الذي ذهب عقله وانا الطبيب الذي سيعيد عقلك وأنت يا سعدون ستكون متفرجاً 
( يكون هنا عرض مسرحي بين نازك و أدونيس )
سعدون : انت ممثل .. انت ممثل 
نازك: انا لست ممثلا ً 
ادونيس : بل ممثل ٌ وممثلٌ وممثل ٌ .. وأخيراً وجدت من ابحث عنه 
نازك : انا لست ممثلاً (يكررها ) ولكنني اشعر بنشوة والدماء تسري في عروقي اعطوني فرشاة أو.. لا ادري ..... كم أتضور شوقاً لأن أمسك قلماً لأطفأ غليل تجاويف عقلي ونار الجفاف التي بداخلي كجفاف هذا العالم .. اريد ان اكتب ولا ادري ماذا اكتب .. كم أتوق إلى أن التهم هذه الكتب في ليلة ٍ واحدة 
ادونيس : وما يمنعك عن ذلك .. كل شي موجود هنا 
سعدون : مالا تعلمه يارفيقي ان ثالثنا يرى الأشياء ولا يستطيع الاحساس بها 
ادوونيس : حقا ...امرك مثير للدهشه ....حسنا دع الا مر لي 

( اهتزاز للمكان .. تتطاير الأوراق .. يقترب للكتب .. توقف الاهتزاز ) 
أدونيس: ماذا ! .. ما الذي يحدث هنا ؟! .. لا شيء يقرأ في الكتب .. لا تحوي غير رموز وطلاسم مبهمة ! 
نازك : طلاسم ! .. إذاً ربما كنا ضحية لعملية إجهاض .. ربما سقطنا سهواً من رحم الحرب اللعينة 
سعدون : ( ساخراً ) .. وربما هي ولادةٌ جديدة لنا نحن الثلاثة 
أدونيس: ولماذا نحن دون غيرنا .. آه .. بات اليأس يتسرب بداخلي ويزيدني قلقاً .. بت أشعر أننا نعيش في عالم اللاوجود 
نازك : أما أنا فلا زلت ابحث عن الأمل ولن أياس 

( صوت مفاجيء للأغاني وقرع للطبول ، يظلم المكان وتضاء فوهة حيث مصدر الصوت فيطل نازك أولا ً من خلال الفوهة ) 

نازك : ( مندهشاً ) إنه جمع ٌ غفير من البشر .. يرتدون أزهى الملابس .. رجالٌ ونساء .. ( يتراجع ويتقدم سعدون ) 
سعدون : يا لله .. ما أرى ! .. إنه حفلٌ كبير .. تجتمع فيه كل الحسناوات والمعجبات إنهن يتمايلن طرباً .. آه لو أحضر هذا الحفل .. سأكون سيّد هذا الجمال كله 
أدونيس : ( يقاطعه ) ابتعد .. جاء دوري 
سعدون : صبرك علينا يا رجل .. صبرك 
أدونيس : ( متأوهاً ) .. ابتعد كفاك نظراً .. دعني أرى .. ( يبتعد سعدون ) 
ماذا ! إنه حفلٌ كبير .. يضم أكبر المبدعين .. كما هم لم تتغير ملامحهم .. انظر يا صاحب الظل .. إنه فناني القدير .. وذلك المخرج .. أكثرهم تمردا ً على الواقع .. وهناك انظر .. تلك مجموعة من الأدباء والروائيين والموسيقيين وأعمدة المسرح العمالقة 
نازك: وما سر هذا الكرنفال البهيج 
أدونيس: مهلاً .. مهلا ً .. إنها .. إنها لافتة ٌ كبيرة 
نازك : لافتة ! .. وماذا كتب عليها ! .. دعني أرى 
أدونيس : أرى منها كلمات بسيطة .. لأجلي استدار الزمن 
نازك : يبدو الإسم مألوفا ً ( يزاحمهم ) دعنى أرى .. أهالي مدينة نوركزان 
سعدون : ( متهلهلا ً وراقصاً ) .. هناك أحياء ولاعلاقة للحرب كما فرضتم !! لا علاقة للحرب !! 
( تسقط اللوحتان الفنيتان ويطفأ ضوء الفوهة ) 
سعدون : ( يعود للفوهة ) .. ماذا حدث ! .. لا أرى شيئاً !! .. لقد تحول النور الى ظلمة حالكة ولا وجود لأحد .. إنها غمامة سوداء تغط المكان .. نعم هذا يؤكد نظريتي عندما تغيب الحسناوات يغيب النور في العالم 
أدونيس :المبدعين ! ..... والنجوم المتلألأة في سماء تلك المدينة .. كل هذا انطفأ في لحظة واحدة ! لا .. لا .. لا يعقل ما يحدث ! هناك سر ما .. ويعجز العقل من تصوره أظن أن الذي حدث قبل لحظات هو سبب كل شيء وفيه يكمن السر 
( متجهاً لسعدون ) .. أنت ستكون هنا .. ( مشيراً لنازك ) .. أما أنت بالإتجاه المعاكس والآن .. ماذا تمثل لكما الحياة ؟ 
( تكون إضاءة على الإثنان ( 
سعدون : ( باستهزاء ) الحياة ماهي إلا دقائق وثوان ٍ .. إنها كالرحى تدور بنا كما تشاء .. انظر لواقعنا هل هو من محض إرادتنا !! هذا ما أرادته الحياة لنا .. أن نكون محكومين بالألم حتى الموت 
نازك : ألم .. وموت .. مستحيل 
سعدون : وما المستحيل ؟ 
نازك : أنت ترى الحياة بمنظور سطحي فالحياة نحن من نخلقها بأرواحنا .. إن أردت أن تصنع شيئاً أنت ستصنعه بارادتك 
سعدون : فلسفتك للحياة بعيدة ٌ عن الواقع .. ماذا عن الواقع المُظلم ؟ 
نازك : بداخل كل منا نقطة ضوء إما أن تتسع وتجعل حياتك عالم من النور أوتضيق فتضيق حتى تنعدم أو تتحول الى نقطة ضوء ٍ سوداء 
سعدون : وهذا واقعك الذي اخترته لنفسك 
نازك : فنك هو سلاحك فإن تجرّدت منه فإنك ميت ٌ لا محال .. فنك الذي لم تحاول أن تدافع عنه 
سعدون : والحواجز !! 
نازك : إكسرها .. لتعود فنان كما كنت 
سعدون : والموت ؟! 
نازك : أنت من حكم على نفسه بالموت .. باختياره طريق الهروب من فشله حلا ً 
سعدون : أعود فناناً .. ( مهستراً ) .. كل الأبواب كانت مغلقة كهذا العالم المغلق  ... قتلوا الأمل فيك يا سعدون .. أخمدوا أنفاسه في لوحة من الصمت القاتل .. حولوا ألوان لوحاته إلى رشحات سوداء شكلت جسداً خاو ٍ ( مشيراً للوحة الهياكل ) هذه هي الحياة ! هذه هي الحياة !! ( يكسر لوحة الهياكل( 
أدونيس : عجباً يا سعدون .. لا تزال متأثراً بماضيك وتريد منا أن نفكر في الحاضر والمستقبل !!
سعدون : الماضي كان لي الحياة .. أما الحاضر فلا حياة فيه .. أليس ما نحن فيه هو الموت .. أحياء لكننا موتى 
نازك : ما أنت فيه هو الموت .. لم تفهم الحياة كما يجب .. لم تسعى لها .. الحياة عطاء ثم عطاء ثم عطاء ونحن من نحكمها بالأمل 
أدونيس : إنه هو .. ( نازك ) .. كان يفكر هكذا .. كان يؤمن بأن الحياة أكبر من أن نعيشها ؛ فالحياة تمتد إلى ما بعد الموت لأن الروح تبقى عالقة في ذاكرة الزمن من عطاءاتها .. لابد أنك تعرفه أو قابلته يوماً أو أنك تأثرت برواياته .. أين هو ؟ .. قل أنك تعرفه .. هيا قل .. أين هو ؟! 
سعدون : ( مسترجعاً ذكرياته .. متوجهاً لـ اللوحة ) .. لنرمي كل ما يشوب باطننا وننسى أمر هذا المكان .. ونعيش حياة جديدة .. انظروا لفتون هذه المرأة إنها كالغزال البري .. ( يتلمس شفاهها وعيناها ) 
نازك : إنما يجعلك ترمي كل هذا وراء ظهرك لأنك لا زلت تتذوق هذه اللوحة .. تعرف أنك فناناً تشكيلي .. تعرف ما تحب .. أمرٌ يربطك بذاتك .. لكن لو لم تبقى لك أي ذكرى 
سعدون : ذكرى !! .. أي ذكرى .. وعجلة الذاكرة تفتقد لشحناتها الكهربائية كما تفتقد تلك الساعة شحناتها المحركة .. ( متوجهاً لأدونيس) سيدي الفنان ..
( أدونيس ) الفنان القدير .. ما رأيك بعبارات التفخيم ؟! وأنت إلى أي مدى يصل طموحك .. تتمنى أن تكون هو .. الأديب العظيم .. أديب الشعوب .. الروائي الكبير ( نازك ) ..... لا للفن في هذا العالم نصيباً من النجاح .. النجاح يتمثل في المال .. المرأة .. ليلة صاخبة تكتمل بالثمالة والرقص الشرقي .. هما البقاء الأزلي 
( نازك يصل الى مرحلة حادة من الهستيريا إلى أن يسقط أرضاً ،، وتحلق دائرة ضوئية على كل من أدونيس وسعدون ) 
نازك : كفى .. كفانا عذاباً وشتاتاً .. ما عدت ُ استوعب شيئاً ( تكرار ) 
سعدون : أنت .. فنان تشكيلي .. هلا رسمت لي لوحة لأمرأة حسناء وآية من الجمال 
أدونيس : ( يمثل ) أنت مسرحي .. لا .. روائي .. أنت شاعرٌ معلق ٌ كالقلادة التي تطوّق عنقك .. فعلامة الفشل تبقى عالقة بذاتك .. لا أحد يذكرك أو يعرفك فأنت مجهوض من رحم التأريخ 

( تسقط ساعة الحائط ويتوارى الإثنان .. يجول في الكان بحثا ً عن نفسه متمتما ً  وهو يتصاعد في العمر إلى أن يصل مرحلة الشيخوخة .. فيتجه نحو ضوء الفوهة وعندما يصل يتراجع في العمر حيث لا نرى غير وجهه وهو ينظر للفوهة فنسمع أصوات الأغاني وقرع الطبول ولوحة كتب عليها مدينة نور كزان تحتفل بنجاح رواية الراحل ( نازك ) رواية لأجله استدار الزمن ..... )  

ستار

0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption