مسرحية " الثائر وضريحه " تأليف : *حسين عبد الخضر
مجلة الفنون المسرحية
الكاتب حسين عبد الخضر |
الشخصيات :
الأخضر
أبو الأنوار
الأسود
الحاسر ( رجل بالزي العصري)
الأبيض
فقير 1
فقير 2
فقير 3
المنبري ( رجل على المنبر )
المشهد الأول
دار أبو الأنوار، الناس يحيطون بالدار وتدور بينهم أحاديث متفرقة حول موقف أبي الأنوار من الحاكم وخوفهم على سلامته. في الداخل، وهو ما يظهر على المسرح. أبو الأنوار وسط حلقة من الرجال باللباس العربي القديم ( الجبة والعمامة) يخوضون حوارا حاميا لثني أبا الأنوار عن موقفه.
اسماء الرجال حسب الوان عمائمهم.
الأخضر: يا أبا الأنوار، إنّا لنظن بك على الموت، فأنت ابن كبيرنا وعزيزنا السيد المبارك، وما نريده منك أمر بسيط تحفظ به نفسك وتحفظ سلامتنا معك. إبق ملتزما دارك هذه الأيام فقط، أيام قليله وستنجلي العاصفة.
أبو الأنوار: أي دار ستكون آمنة، ودور الفقراء تتورم بالمرض والجوع! هيهات،لا يستقر بي مقام حتى أسترد حقوقهم أو أموت.
الأسود: إن كان هذا ما يقض مضجعك ويدفع بك إلى التفكير بإلقاء نفسك في قلب المواجهة الخاسرة، فهناك حل عقلاني يمكن أن ينقذ الجميع.
أبو الأنوار: الجميع. . حتى الفقراء والمسجونين بلا سبب؟
الأسود: ليس إلى هذا الحد، لكنه على المدى البعيد قد يفعل.
أبو الأنوار: وكم يبلغ المدى البعيد، ألف عام؟!
الأسود: لا، ليس إلى هذا الحد. لكنك ستجد في دول الجوار من يحتضن ثورتك حتما، فتبث خطاباتك من هناك.
أبو الأنوار: أواثق أنت بأنك لا تطلب مني الهرب؟!
الأسود: الهرب! في هذه الظروف لا يعتبر الهرب عارا، بل إجراء تكتيكي ستجني ثماره على المدى البعيد.
أبو الأنوار: بل هو الهرب، وكلكم يعلم أن الهرب وسيلة الجبناء في مواجهة الخطوب. الهرب نجاة فردية تقود إلى النسيان في الغربة، لن ينقذ الجياع أو يهدد الظالم. من أراد الهرب منكم فليفعل، أما أنا فلست بهارب او منثن عن عزمي حتى يصير للجياع صوت.
الحاسر ( رجل بالزي العصري): بالنظر إلى ملابسات المرحلة وأزمة الوعي الحادة التي تمر بها الجماهير في الوقت الراهن والتي تحول بينها وبين النهوض بأي عمل ثوري من شأنه قلب الموازين وتغيير المعادلة القائمة، فإني أقترح العمل تحت الأرض حتى تمهيد الحاضنة الملائمة للجهد الثوري بالعمل على تغيير القناعات القارة في أذهان الجمهور وتغيير الأفكار المهيمنة.
أبو الأنوار: العمل تحت الأرض للصوص. . صيحة حق واحدة من ضمير حي يمكنها أن تجمع الجمهور وتقلب المعادلة.
الحاسر: هذا ما أسميه تهورا. يخرج.
يدخل القاعة رجل كبير السن بلباس وعمامة أبيضان، تبدو عليه علامات التعب لأنه انسل بصعوبة من بين الجماهير.
الأبيض: لقد قدمت توا من هناك، هناك جحافل من الجيش قادمة إليك. لا وقت للكلام. أظن أن الإستسلام أفضل وسيلة للنجاة، فهم لن يقبلوا بشيء دون قتلك وقتل عائلتك وكل من له صلة بك. . الإستسلام هو الحل الأنقى، احقن دمك ودماء الآخرين، هناك جيش جرار، جيش لم أر مثله في حياتي في العدة والعدد. ( يلتفت إلى الآخرين) ليس من مصلحتنا البقاء هنا. من يريد البقاء عليه الإستعداد لمواجهة الجيش الجرار.
يغادر الجميع، ليدخل بعض الفقراء ويلتفون حول أبو الأنوار.
أبو الأنوار: ( مخاطبا الجميع) الجيش قادم، يمكنكم الإنصراف.
فقير 1: عشنا طويلا تحت جنح الذل، وكل ما نحلم به أن نموت أحراراً.
فقير 2: سيدي، صحيح أننا فقراء، وربما لا نستحق الموت معك، لكن تحت هذه الأسمال والأجساد البالية أرواح جريئة. لن يمروا إليك دون أن تختلط جثثنا بجثثهم.
فقير 3: سنجعلهم يندمون لأنهم فكروا بالإعتداء عليك.
الجميع بصوت واحد: هيهات منا الذلة.
المشهد الثاني
ساحة مسجد. رجل على المنبر يحمل كتابا بين يديه، ومستمعون يجلسون على الأرض.
المنبري: وتقدم الجيش الجرار وطوق بيت أبي الأنوار، وصاح قائدهم بأعلى صوته: سلم نفسك يا أبا الأنوار وإلا قتلناك. فخرج أبو الأنوار على سطح الدار وخاطب القوات المحاصرة له: وماذا فعلت كي أسلم نفسي أو أقتل؟ فأجابه القائد: عندما تسلم نفسك ستعرف. عندئذ صاح أبو الأنوار: هيهات، لن أسمح لأحد أن يقتادني أسيرا لأقف بين أيدي الطغاة ذليلا. فصاح القائد بصوت أعلى من الأول: وتقول ماذا فعلت؟! ها قد نطقت بجريمتك توا. أنت متمرد على السلطة وتعد لإنقلاب دموي. عندئذ يا أيها السادة المستمعون، تكلم أبو الأنوار بصوت هادئ كصوت الملائكة، تكفلت الريح نقله إلى كل مكان، قال: إن لم يكن الطاغية من يسلب الناس أموالهم وأرواحهم فماذا يكون؟
وعندئذ التفت القائد إلى جنوده، وصاح بهم: هجوم. فهجم الجيش ودارت رحى معركة أظلمت لها الشمس. لقد كان جيش الفقراء كثيرا، لكنه ليس أكثر من جيش الحكومة المزود بالسلاح. ومع ذلك استمرت المعركة لوقت طويل لأن جيش أبي الأنوار قاتل بشجاعة أرعبت جيش الحكومة وتتحدث بعض الأخبار ان الهزيمة كادت تلحق به لولا امدادت لاحقة أنقذت الحكومة في اللحظات الأخيرة، لتنتهي المعركة قبل غياب الشمس بقليل.
وعندئذ هبط ظلام شديد من السماء على الأرض وأغرقها أربعين يوما، يقول أساطين العلماء إنه علامة من السماء على أن ما قام به أبو الأنوار أمر يخصه وحده، وليس لأحد أن يقلده فيه وإلا كان هالكا.
المشهد الثالث
ضريح أبي الأحرار
اللوحة الأولى
طابور من الفقراء ينتظر كل منهم دوره للوصول إلى صندوق كبير يقف عليه ( الأسود) مناديا:
قدموا صدقاتكم وأطلبوا حاجاتكم من أبي الأنوار، فهو كريم ولا يرد سائلا. تبركوا بأنفاس الملائكة في الضريح الطاهر. اقتربوا لتنالوا الشفاعة والبركات، قدموا قليلا لتنالوا مرادكم. تقدم يا سيدي، تقدمي يا سيدتي. أبو الأنوار يسمعكم.
اللوحة الثانية
طابور طويل من المرضى ينتظر كل منهم دوره للوصول إلى ( الأخضر) ليحصل منه على خرقة من الخرق التي يحملها بيده وينادي عليها:
بركات أبي الأنوار شفاء لجميع الأمراض. أمراض الروح وأمراض البدن. تعالوا أيها البائسون، تعالوا أيها اليائسون. بركات أبي الأنوار شفاء من كل داء. خذ خرقة مباركة بأنفاس الضريح وضعها على الرأس لينتهي الصداع، أو لفها على بطنك لتشفي آلام البطن. لف خرقة حول مكان الألم ليتلاشى ببركة أنفاس الضريح. خرقة بثمن زهيد تدفع مرضا شديدا.
اللوحة الثالثة
يقف ( الأبيض) بين حشود الطائفين بضريح أبي الأنوار مناديا:
أيها الناس، من يأتي ضريح أبي الأنوار سيدخل الجنة أما من لا يأتيه فمأواه النار. تمسكوا بحب ضريح أبي الأنوار فلا نجاة لكم إلا به. اتركوا الدنيا وزينتها لغيركم وفوزوا به، ذوبوا بعشقه ولا تتركوا ضريحه أبدا، فبضريحه تسكن النفوس المتعبة وتتحرر من أوزارها.
اللوحة الرابعة
( الحاسر) يجلس خلف مكتبه، ويطبع على اللابتوب:
لقد كانت ثورة أبي الأنوار ثورة فريدة من نوعها في التاريخ، فعلى الرغم من ضخامة الآلة العسكرية والإعلامية للعدو، استطاع أبو الأنوار بثباته الإسطوري أن يزلزل عرش الطاغية، ويكون منارا للثائرين من بعده. . ياه، كان زمن الفروسية فعلا!
ستار
*Husayna73@yahoo.com
الناصرية
28/ 7 / 2018
0 التعليقات:
إرسال تعليق