بحث في " النص المسرحي العالمي بين قيم الإعداد والاقتباس والمعالجة الإخراجية "
مجلة الفنون المسرحيةبحث في " النص المسرحي العالمي بين قيم الإعداد والاقتباس والمعالجة الإخراجية "
م .د. عامر حامد محمد
م. د. علي رضا حسين
قسم الفنون المسرحية / كلية الفنون الجميلة / جامعة بابل
ملخص البحث:
أشتمل البحث الحالي على أربعة فصول، عني الفصل الاول بمنهجية البحث وتمحورت مشكلة البحث بالتساؤل الاتي: (ما هي الاسباب والدوافع التي جعلت من المنجز النصي العالمي نصاً محلياً بعد أعداده واقتباسه، وهل تمكن المعد والمخرج المسرحي من إدخاله المناخ المحلي ومغادرته العالمية)، في حين تكمن أهميته والاستفادة من قبل الدارسين والباحثين وبيان أهمية الموضوعة المراد تجسيدها محلياً، أما هدف البحث فقد كان(التعرف على الية تحول النص المسرحي العالمي بين قيم الإعداد والاقتباس والمعالجة الإخراجية ) . أما الفصل الثاني فقد تم التعرف على تحولات النص المسرحي العالمي المعد والمقتبس من خلال المبحث الاول وقد تناول الشكل الجديد الذي يتوائم مع عالم المعد والمقتبس ويكون قريبا من مجتمعه وزمانه ومكانه وأيضاً المراحل المهمة في الاعداد، أما المبحث الثاني فقد تناول الية اشتغال النص المسرحي المعد والمقتبس إخراجياً أي كيفية التفسير الابداعي للنص والاختيار الامثل للمنهج والاسلوب ومدى تعامل المخرج معه. أما الفصل الثالث عني بإجراءات البحث بدءً من مجتمع البحث والبالغ (5) مسرحية، وعينة البحث البالغة (2) مسرحية وأشتمل أيضاً على منهج البحث وأداة البحث أما الفصل الرابع فقد أشتمل على النتائج وكان أهمها:
الإعداد والاقتباس يعملان على كسر توقع المتلقي للنص العالمي وهذا ما يحقق الدهشة والموائمة مع الواقع .
المعد والمقتبس يستغني عن مشاهد وشخصيات معروفة في الإعداد للتطابق مع القيم الثقافية أو الفكرية في المجتمع المحلي.
المخرج و(المعد/المقتبس) يتقاسمان التجربة النهائية لأن نص المعد أو المقتبس يسير بشكل متوازي مع نص المخرج (العرض) وهو نقطة التقاء وافتراق لكلا النصين (الإعداد/ الاقتباس) والإخراج.
وأشتمل الفصل الرابع أيضاً على الاستنتاجات والتوصيات والمقترحات والمصادر
Abstract
The research consists of four chapters; the first deals with the methodology which is centralized in the problem of the research represented by the following enquiry: "What are the reasons and motivations which have made the international textual product national after being borrowed and edited and whether the editor and the theatrical director have been able to leave the international atmosphere into the national one. The importance of the research is to identify a converting technique of the international theatrical text between the values of borrowing and editing and a directing treatment. The second chapter is to identify the conversion of the international theatrical text borrowed andedited in the first section which has adapted the world of the editor and his society, time, and place as well as the important stages of editing. The second section deals with the technique working on the theatrical text which is borrowed and edited to be directed, i.e., how to elucidate the text creatively and the best choice for the method and style and how the director deals with it. The third chapter revolves around the procedures of the research beginning with the society that is (16) plays, the sample of the research that is (2) plays.It also contains the method of the research, the tool, and the analysis of the samples. The fourth chapter provides the results, the most important of which are:
1. Editing works on defeating the expectancy of the recipient for the international text; this achieves surprise and compatibility with reality.
2. The borrower and editor leaves out scenes and characters to be compatible with the cultural values.
3. The director and the editor share the final experience because the text of the editor or the borrower goes hand in hand with the text of the director (the performance); it is a departing and connecting point to both texts (editing, borrowing – direction).
The fourth chapter also comprises the conclusions, the recommendations, the suggestions, and the bibliography.
الفصل الأول : الاطار المنهجي
أولاً / مشكلة البحث :
يعد فضاء المسرح سواءاً على صعيد النص أو العرض حاضنة معرفية فكرية متطورة ومتفاعلة مع الكثير من الطروحات الإنسانية التي تهدف الى بث خطاب إنساني متنوع باعتبار الإنسان كائنا اجتماعيا تكون الطبيعة أساس لخبرته ولا يعترف بالحدود والفوارق الاجتماعية فخطاب الكاتب أو المخرج هو خطابا إنسانيا موجها عبر بنية النص المسرحي لكي يرتقي الى ذائقة أي مجتمع كان، فشكسبير أو مولير أو توفيق الحكيم أو سامي عبد الحميد أو يوسف الصائغ أو قاسم محمد وغيرهم من المؤلفين والمخرجين العالميين والعرب، هدفهم واحد يتمثل في جعل المنجز الإبداعي للنص المسرحي يرتقي الى أعلى مستوى من التفاعل الفكري والتربوي والمعرفي تجاه الواقع المعاش.
ان تداخل الحدود وتلاشيها أمام المد الفكري والثقافي للفن المسرحي جعل كافة الحواجز والعوائق الوضعية جانبا،والذي خلق التصادم والتلاحم في اليه البناء والهدم للأفكار الغربية والشرقية التي جعلت من الكاتب المسرحي يعمل على تحويل النص المسرحي العالمي موضع هدم ومن ثم بناءه مجددا أو جعله متنقلا من حالة الى أخرى أكثر موائمة للواقع المعاش الذي ينعكس في كتابة الكاتب المحلي والبيئة المؤثرة على كتاباته المسرحية مما يجعله جاهزا لمعالجة المخرج في إظهاره بأبهى صورة من خلال لمساته الجمالية.
يشتق من النص المسرحي العالمي ذات الطابع الرصين الكثير من الأفكار ويتنقل من تداخل الى تداخل أخر أي إنتاج ذاتي وموضوعي من خلال أسلوب المعالجة التي تعطي للكاتب عنصرا حيويا مع الواقع المعاش المحلي مع الإخلاص للفكرة الأم (النص المسرحي العالمي) التي كانت باعثا للموضوع المنتج فهو يخوض في داخل الأشياء المحيطة به.
ومن هنا عهد المخرج المسرحي إلى معالجة النص المسرحي المعد عبر مجموعة صورية تولدت لديه عبر قراءة المنجز النصي الداخل أليه عبر الأعداد والترجمة والتدقيق في آليات بناءه، والعمل على تفكيك منظومته ومن ثم إعادة هيكلتها من خلال خلق بناء صوري للعرض المسرحي.
وبناءً على ما تقدم سوف يسلط الباحثان الضوء على الأعمال المسرحية العالمية المعدة والمقتبسة عراقيا ومعالجتها إخراجيا، من أجل رصد هذه الأعمال بفعل التحول الحاصل في بنية النص المسرحي والية اشتغال ذلك النص في العرض وعليه تنطلق المشكلة بالتساؤل الآتي:-(ما هي الأسباب والدوافع التي جعلت من المنجز النصي العالمي نصا محليا بعد إعداده أو اقتباسه، وهل تمكن (المعد/المقتبس) والمخرج المسرحي من إدخاله المناخ المحلي ومغادرته العالمية).
ثانياً / أهمية البحث والحاجة اليه:-
معرفة أوجه التشابه والاختلاف والتباعد والتقارب بين النص المسرحي العالمي والنص المسرحي المعد أو المقتبس.
بيان أهمية الموضوعة العالمية المراد تجسيدها محليا.
دراسة التحول والية المعالجة التي تشكل بها البعد النصي المعد والمقتبس إخراجيا.
للاستفادة منه من قبل الدارسين والباحثين في الكتابة والإعداد المسرحي والنقد المسرحي والإخراج المسرحي.
ثالثاً / هدف البحث:-
التعرف على آلية تحول النص المسرحي العالمي بين قيم الإعداد والاقتباس ومعالجته اخراجيا.
رابعاً / حدود البحث:-
الحدود الزمانية: 2003- 2009
الحدود المكانية: كلية الفنون الجميلة( بابل،الموصل)
الحدود الموضوعية: آلية الإعداد من النص العالمي أو فكرة مقتبسة مستوحاة منه ومعالجتها إخراجيا بالمضمون والشكل.
خامساً / تحديد المصطلحات:-
القيم :يعرف كابلن Chaplin القيمة بأنها غاية أو هدف اجتماعي يكون تحصيله مرغوباً فيه ().
الإعداد:هو تقديم قراءة جديدة للعمل الأصلي تحمل إسقاطات مباشرة على الحاضر بحيث تكون أكثر فعالية وتأثيرا على الجمهور().
الاقتباس:الاقتباس قد يكون اقتباسا عن أصل ، وقد يكون اقتباسا من أصل. والاقتباس عن لا يأخذ من الأصل سوى عنصر واحد أو أكثر ويصوغه صياغة فنية،وقد تكون موضوعية أيضا في شكل جديد ومختلف عن النص الأصلي.أما الاقتباس من فيأخذ إلى جانب ما يأخذ فقرة أو أكثر من أقوال أو أحداث أو أفعال في نطاق محدود().
المعالجة: عرفها( عقيل مهدي) هي التي تملأ الفضاء بتكوينات تجعل من وظيفتها الاشارية مصدرا مرتبطا بالتعبير الحركي المتصل غير المنفصل عن عالم العرض().
التعريف الاجرائي :
قيم الإعداد/ الاقتباس :هو إعادة صياغة النص العالمي من حاله معينة سابقة إلى صياغة أخرى( إعداد)او اخذ فكرة وتعديلها( اقتباس)،والترحيل من ثقافة إلى ثقافة أخرى يراد من ورائها الظهور بصوره تجعله يعالج قضية أو عدة قضايا اجتماعية مع الحفاظ على مضمون الفكرة لتكون محلية الفكر والجو العام والعادات واللغة ومنسجمة ومرغوبة مع الواقع المعاش.
المعالجة الإخراجية: هي آلية إيجاد مبررات تطرح كبدائل( للنص المعد والمقتبس) ، ووضع الأفكار في مكانها الصحيح على صعيد الصورة (التمثيل،الفضاء،التقنيات المسرحية) لإعطاء هذه الأفكار شكلا مقبولا مطابقا لمضمون النص المعد أو المقتبس.
الفصل الثاني: الاطار النظري
المبحث الأول : تحولات النص المسرحي العالمي المعد والمقتبس
يعتمد فعل الإعداد بشكل عام على آلية محكمة قوامها عملية التحويل والانتقالات المتعددة وتغيير مسارات النص من عالم ولد فيه النص الى عالم جديد قد يكون مناقض لمكان النص وزمانه السابق أو ربما قد يكون متفق مع أحداث بعض التغيرات التي ينوي من خلالها زحزحة بناء النص السابق وإعادة هيكليته لينتج عن ذلك شكل جديد تتوائم مع عالم المعد ويكون قريبا من سمات المجتمع التربوية والفكرية ولابد من ان يمر المعد بمجموعة من المراحل المهمة في عملية الاعداد لأن تلك العملية لا تخلو من تعقيدات والطريق فيها ليس سالكا ولا معبدا بالنجاح، فقد يخفق المعد وقد ينجح وقد يتجاوز النص السابق وقد يبقى رهينه. وربما تكون العملية برمتها غير ذات جدوى في هذه الحالة لأن عملية التحويل والتحول عملية بحاجة الى جهد كبير ووعي ودرايه وأفق ثقافي واسع وهو ما قد يغفله المعدين الذين يقومون بفعل التحويل . وهو ما أستدعى الباحثان لدراسة هذه الموضوعة والوقوف على أهم تعرجاتها وانبساطاتها.
مما لا شك فيه ان التحول ليس خارج أفق الابداع كون عملية التحويل عملية ابداعية ملازمة للانتاج الابداعي ، فضلا عن امتلاك المعد القدرة على فعل التحويل من خلال امتلاكه رؤية نافذة وثاقبه مع مراقبته وفهمه لكينونة العلاقات التي تتأسس عليها بنائية النص وانشاءه الفعلي، كما أن فعل التحول لا ينشأ من فراغ بل هو بناء قائم على بناء سابق له ولان الحياة أيضا تقوم على التحول لذلك نجد أن لهذا الفعل أساسه حياتي مستمد من الواقع المعاش الذي يدفع ويحفز المعد الى فعل تحويل النص من افقه الماضي الساكن الى افق جديد ومتحرك وهذا يعني "إعادة صياغة نص مسرحي ليتلائم مع وجدان المجتمع الذي يقدم على انتاجه أو ليتلائم مع فكر المخرج أو لسبب قد يضنه المعد ركاكة في الصياغة الاصلية"()
وهو ما يعني لفكرة التحول وترسيخ لها في حياة الناس لوجودها البديهي، وفي النص المسرحي يلاحظ أن جدوى الاعداد أساسا مهما لأنه يمتلك كينونته ووجوده من خلال تكوين بؤرة لا مجال الى اغفالها والبؤرة هي فكرة النص التي تدعو المعد الى الخلاص منها الى رؤية جديدة وفكرة جديدة تكون هي تلك البؤرة أو المركز الذي تتمركز حوله الاشياء، وبهذا يكون اعداد النص غاية اساسية وهو تجاوز للمنجز السابق ولمنجز الكاتب الاصلي، والتجاوز لا يعني الرفض أو المقاطعة قدر ما يعني توالد الاشياء وابداعها. فـ( ادونيس) الشاعر العربي يرى في الابداع أن " يوضع في منظور التجاوز الدائم، وتقييم الفن استنادا الى هذا المنظور، هكذا لا تكون قيمة النتاج أو الابداع في ما يعكسه من أبعاد الثورة المتحققة بقدر ما يكون فيما يختزنه أو يشير اليه من أبعاد الثورة الاتية"() وبناءاً على رأي (اودونيس) يكون الاعداد هو تحويل وتغيير مسار نص ما الى مسار نص اخر يولد بعدا ثوريا على سكونية النص وثباته وربما على عدم انطلاقه من واقع المعد نفسه، ولا يخفى على المثقف والفنان بتعدد مهامه وكذلك الجمهور وما يمكن ان يمنحه الاعداد من فوائد ذات جدوى في فعل القراءة والمشاهدة فمع " الاعداد يجسد العمل وتظهر الافكار التي بين السطور والتي قد تخفى عن البعض"()
يرى الباحثان ان النص المسرحي الذي يدخل في مختبرية التحويل فضلا عن ما ينتج من فوائد قد تفيد القارئ اثناء اعداده ومنها ان القارئ قد لا يصل الى النص الاصلي فيعتمد الاعداد فأنه سيرتدي ثوبا جديدا لا يقل جمالا عن النص السابق والشواهد على ذلك كثيرة كمسرحية (دائرة الفحم البغدادية) المعدة عن نص (بروتولد برشت) (دائرة الطباشير القوقازية)، أو (هاملت) لـ (ممدوح عدوان) الذي يمتلك مسارا يختلف كثيرا عن مسار (هاملت) لـ (شكسبير). كما ان اعداد النصوص المسرحية وتحويلها ليس خاصا بعالم المسرح بل قد يتعداه الى ابعد من ذلك فنجد تحويل الرواية كجنس أدبي لا يخضع لمعايير النص المسرحي، وتحويله الى مسرحية، أو تحويل قصص قصيرة الى مسرحيات، فعملية الإعداد عملية ذات حيوية وفاعلية تتجاوز حدود النصوص المسرحية والسردية معاً.
يمكن ان نرى الكثير من الشواهد التي يطلقها كتاب المسرح عند أو بعد تأليف اعمالهم المسرحية (البير كامو) كان يشتغل على رواية الغريب، عندما وجد قصاصه على الارض وهي من احدى الجرائد ليقرأ فيها قصة قصيرة عندئذ شرع بكتابة مسرحية (سوء تفاهم) حتى انه يعلن ان بداية القصة مفقودة الا ان قراءته لتلك الورقة القديمة الصفراء أوحت له بكتابة (سوء تفاهم)، وهو يعتقد بقوله انها لابد أن تكون حدث في (جكسلوفاكيا)()
ويبدو واضحا أن الاعداد يمتلك ميزاته التي تمنحه أهمية من حيث انه يتجاوز حتى الزمن والمسألة لا ترتبط بزمن النص، ما يعني ان تحويل النص لا يرتبط بتحويل نص معاصر ونقل أجواءه من بلد الى أخر بل قد يمضي الى أبعد من ذلك بكثير وخير دليل على ذلك عند اعداد أو اقتباس افكار من نصوص غائرة في القدم كالاخذ من مسرحيات المسرح الاغريقي أو الروماني أو حكايات من التراث وجعلها من خلال الاعداد والتحويل الى نصوص معاصرة، تعبر عن واقع الحياة الراهنة فبعد الحرب العالمية الثانية استلهم المسرحيون الفرنسيون التراجيديا الإغريقية وجعلوا مضمون المسرحيات معاصرا وذلك عند نضالهم ضد النازية وبهذا يكون المضمون معاصرا ولكنه مقنعا أي وضع خلف قناع كان يراد من وراءه التمويه للأفكار ضد الاحتلال، ومن جانب أخر قد يراد من خلال عملية تحويل النصوص واعدادها ان تعنى بنقل افكارا (فلسفية وفكرية) وهو ما عمل عليه (اندريه جيد) الكاتب الفرنسي عند اشتغاله على مسرحية (أوديب) ذات المرجعيات الاغريقية والتي كتبها (سوفوكلس) ، و(جان انوي) عندما اعاد صياغة (انتيغون) في حين ان (جان كوكتو) ركز على الجوانب النفسية لشخصياته في (الالة الجهنمية) التي استوحى فكرتها من مسرحية (أوديب الملك) ذاتها().
لقد فعل (جان بول سارتر) فيلسوف الوجودية تقريبا نفس الشيء فقد كتب مسرحية (الذباب) وهذه المسرحية لم تكن وليدة خالصة لأفكار (سارتر) بل على العكس تماما ففي الوقت الذي كان (سارتر) يبشر بالفكر الوجودي فأنه على الجانب الاخر كان يبحث عن أفكار أو مضامين مسرحيات يمكن ان يجعلها الجسر الذي تعبر عليه افكار الفلسفة الوجودية الى الناس، والقراء فوجد ان اسطورة (الكترا) خير ما يمكن ان يقتبس منه عن الفكر الفلسفي الوجودي، وبناءً على ذلك فقد كتب مسرحية (الذباب). ()
وهكذا يمكن ان يعتبر الباحثان في الية الاعداد والاقتباس الكثير من المسوغات التي تعمل باتجاه دفع المعد أو المقتبس الى الذهاب باتجاه التاريخ أو الحاضر على حد سواء من أجل تبني الماضي وأفكاره وأثاره ما هو غير مثار منها وتوظيفها أو يمنحها وظيفة لم تكن لتشتغل عليها لكن بوعي ودراية المعد والمقتبس الذي يعلن قراءته للتاريخ أو العصر، ليعلن انشاء عالمه النصي الخاص وليس عالما أخر أو سابق له، بل هو عملية النظر الى الحاضر بعين التاريخ أو الى التاريخ بعين الحاضر، وهو ما يشمل فقرات قام بها (سارتر وكامو) في توظيف المسرحيات الاغريقية التراجيدية.
يرى الباحثان ان دقة الصراع تتحول وتتعدد مستوياتها، وقد يختلف الحال من مسرحية الاصل الى مسرحية الاعداد فالصراع الذي يكون بين (هاملت) وعمه في مسرحية اخرى يكون من (لايرتس وهاملت) فقط، أو قد يبدأ المعد من حيث انتهى الكاتب للنص الاصلي كما يحدث ذلك في مسرحية (دزدمونة) التي استوحى (يوسف الصائغ) فكرتها من مسرحية (عطيل) لـ (شكسبير)، ولنلاحظ هنا ايضا غياب العنوان بالكامل وتبدله، وغياب المركز البطل في نص اخر فبدل اسم (عطيل) كرمز لمسرحية (شكسبير) تحل محله (دزدمونة) في نص (الصائغ) ، وبدل ان يكون هاملت هو البطل لدى (شكسبير) نجد غيابه بالكامل في نص (هاملت بلا هاملت) (لخزعل الماجدي)، ما منح الكاتب الجرأة ان لا يكتب إعدادا . بل تأليفا، لان اخذ الفكرة السابقة وكونها وفق ذائقته وقيمه الاجتماعية .
ان للاعداد و الاقتباس وتحويل النصوص وتغير مساراتها أسبابا لا تخرج عن وعي القارئ أو المجتمع والا لما حصل الاتفاق عليها ولما اخذت مكانتها في العروض المسرحية ، وهي ما يمكن عدها ركائز ودعائم قومت الاعداد المسرحي واعطته الفرصة للوجود والثبات ومن أهم تلك الاسباب التي ساعدت في تكون فاعلية الاعداد ووجودها. ما يلي: ()
تقريب جو النص من بيئته الاصلية الى البيئة المحلية.
تجنب التعقيد في النص الاصلي.
تعميق بعض الشخصيات وتبسيطها.
تفريغ بعض الاحداث.
خلق تشابك في بعض العلاقات.
اضافة وجهة نظر معاصرة.
ان لكل مؤلف مقتبس لفكرة أو معد اسلوبه الذي يميزه عن غيره، وهذا الاسلوب لا يمكن وضع اليد عليه الا من خلال تكراره في اعماله المتعددة لان نص واحد أو منجز واحد لا يشير الى تشكيل اسلوب معين، وهذا ما منح الكتاب من امثال (شكسبير) أو (مولير) أو (راسين) أو (بكيت) الاسلوب الذي يجعل من كل منهم يتميز على الاخر، وهو ما يدخل بضمنه أي كاتب مسرحي، فالنص المسرحي تمثيل لكاتبه واشارة اليه وتعبير عن رؤياه، وبهذا فان نص المعد ايضا يحمل تلك الصفات والمميزات الفنية التي لا تخلو من وجهة نظر مغايرة أو متفقة مع الاصل. ()
ان عملية التغير والتحول في النص الاصلي تعني وجود الية للهدم، وان هذا الهدم للبنية القديمة التي وجد بها نص المؤلف لابد من ان تكون محاطة بعلمية ثقافية وفنية وخبرة لا يستهان بها لن هذه الالية تملك ادواتها التمهيدية ضمن افق النص نفسه وليس من خارجه، أي عملية الهدم تتم بطريقة لا تبتعد عن اطار النص فهي لا تأتي من خارجه، وأنما يجب أن تقوم عملية تفكيك البناء القديم من الداخل، "ان التجديد في العمل الفني اذا كان له قيمة لابد ان تمثل اخر مرحلة من مراحل التطور في الفكر الانساني من هذه الناحية"()
يعطي الاقتباس حرية التصرف للمقتبس فهو من جانب يكون أمينا على البناء العام النص الاصلي ولكنه من جانب اخر يغير في الشخصيات والحوار وبالتالي يشعر المتلقي انه امام مسرحية محلية فيكون بين الشخصيات الأصلية والمقتبسة ثمة ترادف لتكون المسرحية ذات طابع محلي، وهنالك عدة أنواع من الاقتباس: ()
1/اقتباس فكرة:كفكرة الخلود أو الحساب والعقاب الأخروية
2/اقتباس صفة ،اقتباس صفة من صفات شخصية مسرحية
3/ اقتباس ذات وهيئة،اقتباس شخصية بإبعادها وظروفها وسلوكها
4/اقتباس ذات ، اقتباس شخصية .
5/اقتباس هيكلي تام،مثل اقتباس أسلوب كتابة أو تجسيد فني.
6/ اقتباس هيكلي جزئي.
7/ اقتباس مغزى موضوعي، اقتباس الموضوع او المغزى دون الهيكل
8/ اقتباس ناقص.
يرى الباحثان ان النص المعد والمقتبس لا يخرج عن كونه تجديدا واحياء لفكر سابق، ساكن، قديم، لأن المعد يقوم بعملية الهدم والتجديد التي تعطي للنص السابق بعدا اخر جديد ومعاصر مع بث المعد لرؤياه وافكاره التي يطرحها ويريد من القارئ ان يتقبلها بعين الاعتبار كما فعل القارئ مع النص السابق الاصلي.
المبحث الثاني : آلية اشتغال النص المسرحي المعد والمقتبس اخراجيا
أن البناء النصي المعد والمحبوك يمنح العرض قوة وفعالية لاسيما أن الإخراج يستند إلى الإعداد لتبدأ العملية الإخراجية بإعداد الإعداد بمعنى تهيئة نص العرض من الكلمة المكتوبة ثم تتجسد تلك اللغة إلى لغة الجسد وصوت الممثل وتقنيات العرض والسينوغرافيا لذا فالعملية الإخراجية ليست خيال فحسب وإنما هي حرفية تعتمد على التبديل والتغير والحذف.
وبالنظر لوظيفة المخرج المسرحية ورغم ان تلك الوظيفة تأتي تالية لاكتمال النص المسرحي الم أو المعد، الا انها تعد اساسية في تحديد مسارات تلك الاكتمالية لانها تأخذ وجوهاً عديدة في التعامل مع صنع النص عبر طرح اراء وافكار المخرج حول نص مسرحي ما، ولأن المخرج هو الذي يختار النص المسرحي للعمل على طرحه كعرض مسرحي وهي عملية تحويل المكتوب الى صورة درامية حركية حيوية، فان ذلك ما يمكن ان ليمنحه الصلاحيات في التحوير والتعديل على النص المسرحي المعد، لأن "المخرج هو الذي يختار النص المسرحي، وهو الذي يحدد متطلبات العرض المسرحي"()
ان العملية المسرحية برمتها قائمة على أساس النص ومن غير النص لا يوجد ما يسمى بالعرض، مع الاخذ بنظر الاعتبار تعدد شكل النصوص، فالعرض الذي يعتمد على الارتجال فهو بالمحصلة النهائية يبث من خلال العرض نصه المسرحي الذي اتفق على تسميته بنص العرض، وكل ما يقدم في العرض المسرحي هو نتاج بديهي لنص مرتجل أو مكتوب. "النص المسرحي من أهم العناصر الاساسية في العرض المسرحي، واختيار ناجح للنص يمثل النسبة الاكبر من نجاح العرض المسرحي"() فاذا ما عرفنا ان الرؤية الاخراجية للمخرج المسرحي الذي يقوم باختيار النص المسرحي وفق مقاسات رؤيته التي يريد طرحها من خلال العرض المسرحي واختياره للنص المعد تتأسس على جانبين هما: ()
التفسير الابداعي للنص.
الاختبار الامثل للمنهج والاسلوب.
والنقطتين السابقتين تتوزعان على الاعداد والاخراج فتفسير النص يرتبط بالإخراج الا ان تحديد اسلوبه ومنهجيته تقع على عاتق المعد او المقتبس أولا ومن ثم المخرج ثانيا، من اجل الوصول الى رؤية تتسم بالتوافق والانسجام.
يرى الباحثان ان العلاقة الترابطية بين التأليف(الاقتباس) والإخراج والإعداد والإخراج. كانتا متلازمتين منذ اقدم العصور، او منذ البدايات الاولى للمسرح عند اليونان وبداياته عند العرب، وقد اصبحت هذه المعلومات من بديهيات دراسة الفن المسرحي واشارة اليه الكثير من المصادر وعلى وجه التحديد كتاب المخرج في المسرح المعاصر لـ (سعد أردش) وكتاب نظرات في فن التمثيل لـ (عقيل مهدي يوسف)، وهي خير دليل على تلك الانسجامية، فنرى ان المؤلف هو مخرج العمل لانه يقوم بتنظيم العملية المسرحية وذلك بعد اكمال كتابة نصه المسرحي واستمرت هذه العملية حتى الظهور الرسمي للمخرج على يد (الدوق ساكس ماينغن)، وهنا ما يشكل لنا وعلى يد الدوق استقلالية المؤلف عن المخرج، واستقلالية العرض المسرحي اخراجا عن النص، لان العرض يمثل المرحلة النهائية بالنسبة للمعد أو المقتبس والمخرج معا.
يعد العرض المسرحي الهدف الاسمى والنهائي لأفكار المعد أولا والمخرج ثانيا وقد يكون المخرج أولا لأنه احيانا يكون صاحب أو لاعب دور المحفز للمعد في كتابة نصه، فالاثنان يسعيان لطرح ذاتيتهما في العرض، كما يحدث هذا الامر مع بقية العاملين في العرض المسرحي. ()
ويرى الباحثان ان كل مخرج يؤسس لنفسه الية خاصة به تشير وتوضح اهتمامه الخاص بنص مسرحي ما، ويتبنى ما ظهر من حركات وتيارات ومذاهب فكرية عملت على تدعيم الرؤية الاخراجية والنصية معا، كالرومانسية والواقعية والسريالية والرمزية الى غيرها من التيارات الفكرية فضلا عن تميز مدارس الاخراج المسرحي التي ارتبطت بأسماء مهمة امثال (أبيا ومن ثم بسكاتور وبرشت وارتو وبروك وكروتوفسكي) وكل ذلك يعني وجود ألية لتناول فكرة النص المسرحي باخذه من المؤلف والعمل على تفكيكه واعادة بناءه في العرض سواء عن طريق معد أو عن طريق ما يسمى بالدراما تورج الذي يقوم بإعداد نص العرض تماشيا مع التمرين المسرحي.
ان مسرح (أرتو) يمكن للجمهور الحاضرين في قاعة العرض ان يشاركوا فيه، لان هذا النوع من المسرح لا توجد فيه فواصل بين المسرح والواقع، لذلك فأنه يكون النص عرضه للأعداد حتى في زمن العرض أو اثناء عرض المسرحية، لأن مشاركة الجمهور رهينة بلحظة العرض نفسها فيكون في كل يوم مشاركة جديدة واعداد اخر للنص مع الحفاظ على السمات والخصائص العامة للفكرة بعينها. ()
أما المسألة بالنسبة لـ(برشت) مختلف تماما عن سابقيه لانه لا يعتمد نصا من خارج منظومته لانه يقوم بكتابة نصوصه المسرحية بنفسه وهو يأخذ أفكاره من مرجعيات متعدده ودليل ذلك مسرحية (الام شجاعة) المأخوذة عن مسرحية (الام) لـ (مكسيم غوركي)، وهو عندما يقوم بكتابة نصوصه يقف على عتبة صلبة من الوعي باستخدام الحوار لصالح خطاب العرض المسرحي، وهو يهدف الى جعل المتفرج كاشف للتناقضات المستقرة في مراحل الانتاج عبر المسرح، الخالق للوعي لكن ذلك النموذج النص/ العرض الجديد والذي سيظهر فيما بعد في الكثير من التجارب الاخرى الذي تلت ظهور المسرح الملحمي. ()
يرى الباحثان ان الية اشتغال النص المعد اخراجيا يعمل على اضفاء سمات وامكانيات قد تكون جديدة لان الاخراج ينظر الى الفكرة الاساسية في النص المعد على اساس تحديثها وتجديدها وبث روح فاعلة أكثر ملائمة لروح العصر كما فعل ذلك الشاعر (يوسف الصائغ) في مسرحية (دزدمونة) التي اخذها من مسرحية (عطيل) اذ يعمل الاعداد أحيانا على أطفاء شخصيات رئيسية واحلال شخصيات أخرى قد تكون ثانوية فأصبحت (دزدمونة) هي مركز الثقل، وكذلك فعل (خزعل الماجدي) في تغييب الشخصية البطلة في مسرحية (هاملت بلا هاملت) بحيث لم يكن لها وجود مطلقاً الا في عنوان المسرحية وهذا يعني ان للأعداد دوراً مهما في تغيير مناخ النص وادخاله في مناخ أخر معاصر وهذا ما جعل المخرج (ناجي عبد الأمير) في اخراجه للنصين الذي سبق ذكرهما أكثر قرابة للواقع المعاصر وأرضية خصبة لألية الاشتغال التي عمل عليها إخراجياً.
ومن هنا نجد ان الاعداد والاخراج متلازمان كما يكون الحال تماماً مع التأليف والاخراج لأن الاعداد يمتلك مواصفاته التي يمتلكها التأليف وهو لا يقل شئناً منه ان لم نقل انه يعلوا عليه من خلال المعاصرة والواقع المعيشي وهذا يأتي أحياناً من خلال الطريقة الاخراجية التي يعمل عليها المخرج في نقل الواقع البيئي والمعيشي لمعد النص.
مؤشرات الإطار النظري
1/ أعتمد الاقتباس بالدرجة الأساس على أخذ الثيمات والأفكار ومن ثم تحويلها الى أحداث وأسماء وأماكن أي محليتها المعاصرة.
2/يلعب الجانب الروحي والنفسي لبعض النصوص الغزيرة بهذه الافكار اندفاعا من المعدين للاقتباس مثل هذه المواضيع.
3/استثمار التاريخ والقصص والاساطير بين متون النص المسرحي العالمي لإعطاء المحلية للنص المعد او المقتبس .
4/يعمل المعد والمقتبس على إيجاد تقارب في وجهات النظر الاجتماعية بين النص الاصلي والمعد أي نقل الشخصيات والبيئة للفكرة الام وأحلال محلها شخصيات وبيئة معاصرة.
5/ يمنح الإعداد تبسيط المسرحية وجعلها أكثر سلاسة خصوصا في النصوص المعقدة والطويلة بما يتلائم مع وقت العرض ومكانه، و يعالج المخرج المنولوجات والحوارات الطويل وتحويلها الى حوارات سهلة بسيط ملائمة مع طبيعة الحياة المعاشة التي لا تقبل الإطالة وذلك من خلال التعبير عن هذه الحوارات والمنولوجات بالصورة والتشكيلات وبالاستعانة بالموسيقى والإضاءة وباقي مكملات العرض المسرحي.
6/الإعداد يعطي انفتاح وفعالية تتجاوز السردية والقصصية أو الروائية فالتحويل الى عرض يوفر عدة قراءات من خلال عناصر العرض المختلفة.
7/يعمل المخرج على خلق توافق وانسجام من خلال تعامله مع النص المعد او المقتبس وفقا لمنهجه وأسلوبه في الإخراج.
8/يضيف المخرج وفقاً لمتطلبات الإعداد بعض المشاهد توافقا مع وجهة النظر المعاشة.
9/يعالج المخرج شكل النص من شكله الفني السابق أي التاليف والإعداد إلى نظام بنائي جديد وفقاً لرؤيته أو طريقته الإخراجية.
10/يعالج المخرج نتاجات الماضي وذلك وفقاً لتطور التكنولوجي المعاصر في النص المعد.
الفصل الثالث : إجراءات البحث
أولاً: مجتمع البحث :
تم تحديد مجتمع البحث من خلال الجرود والفولدرات والكتابات النقدية والمصادر التي دونت بخصوص النصوص المسرحية المعدة وقد لجأ الباحثان إلى فترة زمنية وكما مثبت في حدود البحث لتشكل مجتمع البحث وكما مبين في الجدول رقم (1)
جدول رقم (1) يبين مجتمع البحث
ثانياً: عينة البحث
تم اختيار عينة البحث بصورة قصدية وللأسباب التالية:
1/مشاهدة الباحث للعروض وحصوله على تسجيلات العروض المسرحية.
2/اشتملت العروض على جهات فنية وأكاديمية بارزة من حيث الإنتاج.
3/تنوعها من حيث الإعداد والاقتباس.
4/تباعد الفترة الزمنية بين العينتين.
وبهذا تعتبر العينة القصدية شوهدت من قبل الباحث وتنوع الجهات المنتجة وكما مثبت في الجدول رقم (2)
جدول رقم (2) يبين عينة البحث
ثالثاً: منهج البحث
أعتمد الباحث المنهج الوصفي التحليلي لعينة البحث من حيث وصفه وتحليله الدقيق من خلال أداة البحث.
رابعاً: أداة البحث:
معطيات ما أسفر عنه الإطار النظري.
خامساً :تحليل العينة
1- مسرحية (معقول)
إعداد / أحمد محمد
أخراج / علي رضا
يعتبر (ماكس رينيه) من أهم كتاب فرنسا المعاصرين، حيث يمتلك اسلوبه الذي يميز اعماله المسرحية التي تنطلق من رؤيا معاصرة رافضة للواقع الذي لا يعتبره واقعا يمكن الاعتداد به، وذلك أمر واضح بشكل لا غبار عليه في مسرحية (معقول) التي أقتبس (أحمد محمد عبد الامير) فكرتها الاصل ولم يتلاعب بعنوانها، بل حافظ على نفس العنوان.
يتضمن المتن الحكائي للنص الاصل (لماكس رينيه) (معقول) أقامة محكمة لرجل لا تعرف ما هي تهمته، ويتكون النص من شخصيات عده هم مجموعة من القضاة ومحاميه وشهود، لم يبق منهم الا رجل واحد وهو على فراش المرض.
القضاة يوجهون الاتهامات جزافا الى الرجل الذي استمرت محاكمته منذ شبابه حتى اصبح عمره تسعون عاما، وهي ذات المحامية التي دافعت عنه في شبابه، تقف اليوم امام مجموعة القضاة لتدافع عنه وقد أصبح عجوزا ، طاعنا في السن وليس الامر غريبا في النص الاصل، فالامر مرهون باقامة محاكمة للرجل، المهم في الامر بشكل كبير ، هو ان تقام هذه المحاكمات لا لشيء الا لأنها يجب ان تقام ويجب ان يحاكم، لماذا ؟ لا أحد يمتلك الاجابة لا في النص، ولا خارج النص. لا الحكام ولا المحامية لديها الجواب ، بل وحتى المتهم لا يعرف لماذا ، وحتى الشهود هم أجهل الشخصيات بالامر.
يضيف المولف بعض الحوارات لتدعيم الفكرة الحكام ،فاحدهم يتهمه بانه ينظر الى الاشجار على انها مائلة وفي الحقيقة ومن وجهة نظر القاضي ان نظرته للأمور المائلة والمعوجة ،والقاضي أو الحاكم الاخر يتهمه بانه اعترض يوما على سعر قنينة الغاز واخر بتهمة الا يمكن اعتبارها تهمة في عالم المحاكم، الا ان الكاتب الفرنسي (رينيه) يحبك المواقف والأحداث بطريقة بارعة تجعل من النص مشوقا للقراءة فالموضوعة التي يتناولها تتوزع على أكثر من اتجاه فهي تقترب من العبث في جانب اللاجدوى واللافائدة أو النهاية، ومن جانب فهي تعبر عن الواقع والسياسات المريضة للسلطة الدكتاتورية.
ان الجانب الثاني المتعلق بالسلطة هو الذي دفع المولف (أحمد محمد) ان يخترق فضاء النص الاصلي ويخلخل ثوابته، لكن باشتغالاته تقترب وتفترق في ان واحد ففي النص الاصلي، عندما يقترب المتهم من التسعين أو الى ما فوق التسعين من العمر، فلم يبق من الشهود الا شاهد واحد، وهو مريض ويهذي ولا يمكن ان يفهم منه شيئا ما يعني ان افادته لا فائدة منها أيضا، ودخوله دخولاً كوميدياً في النص الاصل اما النص المولف فقد جعل الاجواء أكثر أسترخاء بعد أن تأزم الحال كله ، وفوق كل ذلك فليس هناك من نهاية لتلك المحاكمة. لأنها مستمره، ما دام ثمة أنظمة أستبدادية ولن تزول الا بزوالها.
ولكن ما الذي حصل في النص المولف من قبل (أحمد محمد عبد الامير) ؟ ماهي نقاط الالتقاء والافتراق ما الجديد الذي قدمه المولف عندما اقتبس الفكرة من نصا أخر ؟
تبدأ أحداث النص المولف بمجموعة من السجناء وهم يحفرون نفقاً، وقد طال الامر بهم، هم مجهولون في عالم مجهول لا ملامح فيه، اذ لا بداية له، ولا نهاية. انه عالم بلا مصير محدود أو معروف، انهم يحفرون لعشر سنين ليجدوا خلاصا من العالم السفلي الذي هم فيه، باطن الارض. خمسة سجناء عشر سنين من الحفر ليكتشفوا انهم حفروا الى النقطة التي بدأوا منها الحفر.
لقد جعل المولف من الاتهامات التي وجهت في النص الاصلي للمتهم عند (رينيه) الى شخصيات، لتعبر عن الواقع الذي ينطلق منه المولف نفسه، لأنه المولف المسرحي يعالج حالات أجتماعية ونفسية لواقع معاش ، واقع ملموس يقترب من هم المتلقي، وبعد ذلك عمد المولف الى أقامة محاكمه مفترضة ، هي نفس المحاكمة التي اقيمت في النص الاصلي لدى الكاتب الفرنسي (رينيه) ولكن بشكل مغاير . اقيمت محاكمة لشخصية (العراب) وهو ما يلتقي بشخصية المتهم في النص الاصل. ولكن اذا كان المتهم في نص (رينيه) رجل بلحم ودم وقد وصل الى ما فوق التسعين عاما ولا زالت محاكمته مستمرة، فان المتهم (العراب) لدى (أحمد محمد عبد الامير) ليس سوى (عظم) هو كل بقايا العراب.
سجين 4 / تباً لك أيها الظلام .. تباً لك أيها الظلام
لابد ان كل الذين نحبهم ماتوا.. ماتوا أو شاخوا
سجين 1 / كنت تقول بأن الأرض وطن .. ووطن الإنسان في كرامته
أعلى هذه الأقوال جاءوا إلى هنا
سجين 3 / قالوا بأنهم سيتركوننا هنا من غير محاكمة حتى نتسوس.. ويأكل بعضنا الاخر كالفئران.
ولذلك تجري المحاكمة (للعظم) فقط ويتحول (المساجين) الى قضاة وقبل ذلك يبدأ الصراع على السلطة فالكل يريد ان يكون قاضيا، ليحاكم، الكل يبحث عن كرسي الحكم، والكل يريد اصدار قرارات، وليس شيئا أخر، انهم في الحقيقة يحاكمون أنفسهم من خلال محاكمة العراب، لانهم بلا نهاية لما هم فيه، فيريدون أقتراض نهاية لهم من خلال هذه المحاكمة، انهم يتشوقون لاصدار الحكم يطمحون لمحاكمة تنهي عذاباتهم.
لقد احال المولف هذا الوضع المزري ليعبر عبره عن الواقع الذي كان موجود ابان حكم العراق في الزمن الماضي، اذ غيب الكثير من المتهمين في غياهب السجون دون ان يكون لوجودهم فيها من نهاية.
لقد انتهت محاكمة العراب باصدار الحكم ولكن قبل النطق بالحكم تظهر شخصية جديدة للوجود، كما في النص الاصلي، اذ انه الشاهد الأخير الذي لا يفهم شيئا سوى أن يهذي دون ان تخرج منه جملة مفيدة واحدة، لأنه وبسبب فترة المحاكمة التي استمرت سنوات طول جداً لم يبق غيره، وهو سبب تقدم العمر فقد عقله وقواه الجسدية كذلك، لكن المولف هنا يستثمر هذه الشخصية ويقتبسها من النص الاصلي، انه شاهد العصر على كل ما يجري من احداث وما جرت ، أنه سجن كبير، كبير جداً قد يساوي بلداً كاملا.
لقد تجاوز المولف الفكرة الأساس وتجاوز زمان ومكان فقد أضاف للنص من عندياته ما يجعل نص محلياً ، ، فالزمان والمكان والحدث والواقع والاهداف اختلفت من نص الى اخر، ولان البيئة أيضا اختلفت كليا، من قاعة المحكمة الى سجن تحت الارض، ومن حكام وقضاة الى مسجونين، تقريبا كل شيء مختلف، لكن ثمة خطوط رئيسية يرتبط فيها النصان أهمها ويمكن إيجاز ذلك بما يلي:
المحاكمة 2- اللانهاية
3- هيمنة سلطة دكتاتورية قاسية 4- كل شيء مبهم
5- وجهات النظر بالنسبة للاثنين وتوحد فكرتهما حول الواقع الإنساني.
ولكن ثمة أشياء اختلف فيها النصان هي أهمها :
1- البيئة 2- الشخصيات 3- الاهداف لكل منهما في طرح بيئته
4- اللغة 5- الزمان والمكان
حاول المخرج (علي رضا) في مسرحية (معقول) ، ان يقدم صورة واضحة ونقية للواقع المعاش في فترة معينة ومعلومة لدى الجميع فقد حاول توظيف كل الإمكانات المتاحة لديه والتقنيات المسرحية في الزي والإضاءة والديكورات وما إلى ذلك من موسيقى وإكسسوارات، ثم أنه استثمر حتى الفتحة التي تقع في مقدمة المسرح (الكمبوشة) لتكون هي المدخل للأحداث، لقد أضاف المخرج من لدنه ومن عندياته ما يدعم فكرة النص، ومحاولة توضيحها وجعلها واقعا فنيا فيه من الروح ما يجعله فاعلا وداعيا المتلقي الى التفاعل معه ، وهو مدرك لالية المعالجة الاخراجية الخاصة بالعناصر الفنية للتقنيات ويحاول ان يجعل ذلك متأتيا مع متطلبات النص (معقول)، وهو أيضا المخرج، كان يهدف الى نقل رؤيا المولف ولكن عبر رؤياه الخاصة به هو وليس غيره لانه عمل على التعديل والاضافة والحذف ما يجعل نص المقتبس متوافقا مع افكاره الاخراجية، ويتجلى ذلك في توظيفه (للكمبوشة) كمدخل للأحداث وبداية لها، كما عمل على التحكم في الزي بحيث جعل الجميع يرتدون اللون الأحمر، ويمتلك المتلقي مرجعيات لهذا اللون تعني ان من يرتديه من السجناء انه محكوم عليه بالإعدام ، وهذه الفكرة تتناقض مع ما جاء في النص ابتداءً، لأن النص المقتبس يقول انهم لم يحاكموا، ولم يقام لهم أي محاكمة، فلماذا يرتدون لباس المحكوم بالاعدام ، وهم لا يعرفون مصيرهم ، اذن تدخل المخرج هنا واوحى للمتلقي ان هؤلاء المساجين وان لم يكونوا قد حوكموا، الا انهم محكوم عليهم من قبل القدر بالموت في هذا المكان وبسبب أنهم تحت الارض ولا خلاص مما هم فيه، ولقد عمل المخرج على ترسيخ هذه الفكرة منذ البداية وحتى نهاية العرض (نهايتهم) والمخرج هنا يكون قد تحرر نوعا ما في ما رسمه هو من سلطة النص المقتبس ومن سلطة المكان المرسوم فيه لأنه يقوم بتقديم رؤية فنية جمالية جديدة. من خلال محكمه برسم فضاء اخراجي للعرض.
احتوت مدلولات العرض وسينوغرافيته على مجموعة من الدلالات التي توافقت مع ما طرح في النص المقتبس من جانب، ومن جانب أخر ابتعدت بعضها ولم يكن هناك توافق في الرؤيا وذلك أمر بديهي نابع من ان لكل منهم ما يطرحه ويمثله من وجهات نظر، ثم ان العرض المسرحي هو الفضاء الاخير الذي تلتقي فيه ثلاث رؤى، هي للمؤلف الاول للنص الاصلي ثم المولف الثاني والمقتبس والمخرج، والعرض يشكل نهاية المطاف استخدم المخرج قفصا شبيه بقفص الجرذان واستخدم عظمة كبيرة دلالة على (العراب) الذي قضى هنا نهايته، وأيضا قضبان حديد وهي دلاله متحولة الى عربة الغاز ومرحاض ، وكرسي الحاكم، وقفص اتهام، واضاءة خافته، وموسيقى أختلط فيها النفس الشرقي بالغربي، وبذلك كله منح المخرج نفسه القدرة في تشكيلات عده، وتداخلات مشهدية متنوعه وأنتقالات في فضاءات وأمكنة متعددة، واستخدم عملية التمثيل داخل التمثيل، فهو لعب في تشكيلات البنية النصية، بتداخلات مقصودة قام باعمالها داخل العرض المسرحي فالممثل الذي يتحدث عن تهمته يقوم بتمثيل الحالة كاملة، يساعده في ذلك بقية الممثلين مع تغيير في الموسيقى والاضاءة كعامل اساسي في نقل الجو الخاص بالمشهد وكأعلان عن انتقالات زمنية ومكانية، كما ان الديكور يتغير معالمه نوعا ما.
وهنا يكون المخرج قادر على التقديم والتأخير حسب أهمية المشاهد التي يرتأيها ودورها في الاهمية والتأثير في المتلقي،
كان هناك أستثمارات عديدة للمكان المسرحي، ولم يهمل المخرج أي جزء من منصة الممثل الا وعمل على اشغالها أما باداة أو ممثل أو حركة ولم يتوانى عن استخدام ما يزيد تعاطف المتلقي مع الشخصية والتفاعل معها وتبني موقفا لصالحها فقد نثر من صندوق كارتوني مجموعة من الرسائل التي يكتبها السجناء الى اهاليهم وذويهم دون أن تخرج من السجن ، الرسائل والكلمات والتعابير والمشاعر والحنين كل ذلك أيضا قابع تحت الارض اذ لا مجال لأي تنفس، لا حرية ولا صوت ولا حراك اجتماعي، لا اهداف لا نضال ولا شمس أو قمر كل شيء وضعت السلطة عليه يدها وخنقته ، ومنهم من اصابه الجنون (شخصية المجنون) الذي يدخل في نهاية العرض كشاهد عصر باكمله على جرائم السلطة، والذي يموت في الماء الحار كجرذ ، لانه رونق رؤيا السلطة انه لا يمكن أن يكون الا جرذا وليس انسانا. ولا بد ان يسحق لانه يتنفس لكلمات الرفض أو مجرد الرفض لأكثر، لقد ترك المخرج للممثلين الحرية في استظهار إمكانيات الأداء.
وبذلك فقد راعى الاخراج في نص (معقول) أن ثمة فترتين تقعان بين نص المؤلف ونص المقتبس ولان الاخير يبغي توجيه خطابه لجمهور ومتلقين معاصرين حاضرين فالاخراج معاصر دائما وحاضر في وقته ولانه أيضا لا يحتمل التأجيل، فأما ان يقدم العرض أو يلغى، لان العرض يعني اضافة تجربة جديدة للمجتمع .
2- مسرحية ( الحريق )
إعداد : قاسم محمد
إخراج: بشار عبد الغني
يكاد النص المسرحي الشكسبيري (الملك لير) ان يكون المرجع الاساس لمسرحية (الحريق) التي أعدها الفنان العراقي (قاسم محمد) وهو كان ينشد من وراء ذلك ليؤسس لخطاب فكري جديد ينطلق من ابتكارات الزمان والمكان والغاء أو إضافة، والتلاعب بالعناصر الرئيسية للنص الاصلي ففي نص (قاسم محمد) يتلاشى ذلك الكم الهائل من شخصيات شكسبير في مسرحية (الملك لير) ليحل محلها مجاميع من الممثلين (الكومبارس) وهم يتحركون ويدعمون الحالات الحركية والنفسية. كما أننا لا نجد بنات لير أو خدمه وحشمه، لقد رحل الجميع ولم يبقى في هذا النص سوى شخصيتين (لير) وشخصية (البهلول)
وهذا ما يؤكد ان للاعداد وجهات نظر قائمة على تصور لنظام من القيم والافكار قد لا تلتقي مطلقاً بالمصالح والاعراف والتقاليد والقيم والمثل التي تعد من أهم مرجعيات النص الاصلي ولا تمثل قيم النص الاصلي، مما أقتضى الأمر لدى (قاسم محمد) ان يعمل على تغييب الكثير من الشخصيات الاساسية والرئيسية في (الملك لير) ومنها شخصيات البنات الثلاث واللواتي قام نص ( شكسبير) بشكل كبير على اساس وجودهن ، ثم شخصيات أخرى لا تقل أهمية وهم مثلا أزواج بنات ( الملك لير) أو بعد ذلك غابت الحاشية وغاب الجيش والقادة والحرس، وتجرد الملك من كل شيء هنا الا من مرافقه الحقيقي، الناصع القلب والذي لا يملك في علاقة بالملك أي مصلحة ومن أي نوع أخر، وعلاقته بالملك علاقة تشوبها الحكمة والنصيحة وتأنيب الضمير، والحث على تصحيح الأخطاء وتوجيه النقد له.
لقد جرد (الملك لير) نفسه من كل شيء في نص شكسبير وهنا يأتي المعد يعمل على ذلك التجريد الذي وضع (لير) نفسه فيه، وأن كان في النص الأصلي ، يجرد من كل شيء بشكل قطعي الا ان (قاسم محمد) استثمر ذلك التجريد، ونلاحظ ان (الملك لير) عند (قاسم محمد) رجل فاقد لكل ما يملكه الملوك والاهم في الامر فقده لعرشه، وهذا واضح من مدخل النص حيث يدخل (الملك لير) بشعر اشيب ولحية بيضاء وملابس رثه وهو يحمل كرسيه المهشم المحطم حيث ربطت مسانده بخيوط وخرق ويغطي الملك نفسه وعرشه ببقايا قطعة حمراء هي علم المملكة المنهارة والتي قطعها الملك بنفسه لثلاث قطع، وهذا المدخل الذي يرسمه (قاسم محمد) يحيلنا الى ان نصه المعد يبدأ من حيث انتهى نص المؤلف، لكنه لا يغادر بعض الخطوط الرئيسية التي لابد وان يرتبط فيها النصان، وهما الشخصيتان (شخصية الملك ، البهلول) ثم ما جرى للملك من أحداث في نص المعد جراء ما قام به من أفعال في نص المؤلف وكأن المعد أراد لنصه ان يرتبط تسلسليا بالنص الاصلي فيمتد زمن النصان منذ عصر النهضة الى اليوم، مع الاخذ بعين الاعتبار ما يبثه المعد هنا من وجهات نظر معاصرة وواقعية واجتماعية فأمور مثل الخيانة والغدر والدسيسة قائمة في المجتمع الإنساني منذ ما قبل شكسبير إلى الأبد ان يكون تعامل (شكسبير) مع هذه الافكار والامور بطريقة تختلف عن تعامل (قاسم محمد) معها، فلكل عصر حراكه الفكري والاجتماعي والسياسي، ثم أن الحياة لا تتراجع بل تتقدم وهذا التقدم يعني التطور والتحضر وحلول أشياء مادية وروحية لم تكن موجودة في ذلك الزمن.
يوظف (قاسم محمد) وبكونه أسس لمسرح يشير إلى بصماته هو دون غيره، هو مسرح التراث أو المسرح الذي يوظف التراث كمادة أساسية ينطلق منها في تأسيس نصوصه الا انه يفاجئ المتلقي بنص ليس تراثيا بل معاصر كل المعاصرة، مع حضور نفسه المميز ولغته المعروفة في الكلمات والاشعار والجمل ذات الحمل الثقيل من المعاني.
النص الذي عده (قاسم محمد) ليس الا محاكمة قاسية( للملك لير) بعد زوال ملكه وندمه على ذلك والمحاكمة يقيمها البهلول، والبهلول هنا يحمله (قاسم محمد) ما لم يكن قد حمله في النص الام، لأن البهلول هناك كان مطيعا تابعا، ليس أكثر وفوق ذلك كان عبداً مملوكاً لرغبات الملك في الإضحاك والتهريج،و(قاسم محمد) مدرك لهذه الحقيقة تماما، لذلك لم يكن البهلول هنا إلا شخصية أخرى مختلفة اذ أنيطت به مهام غير المهام الواردة في نص المؤلف، انه يوبخ الملك ويعنفه ويوجه له الاتهامات الحقيقية، ويحاول بذلك ان يدين زمنا كاملا، هو زمن (الملك لير) في الحكم الطائش وفي اللامبالاة بالاخرين سواء أكانوا مواطنين أم حاشية.
الملك : نعم، قمت بتقسيم مملكتي بين ورثتي
البهلول : هذا أول الأوهام، ليست مملكتك، مملكتي !!!
أنه الوطن.. هذا وطن الناس.. الشعب.. الامة
(الملك يغرق في ضحك عالٍ متصاعد)
الملك : الـ .. وطن .. الـ.. شعب .. الـ .. أمه ؟؟
ما هذه الكلمات ؟ لم لم أسمعها منك قبل هذا اليوم المشؤوم ؟
البهلول: لاني كنت مختوماً بختم طاعتك العمياء ، كنت مبهوراً بمحبتك .. معلولا
بعلة سلطتك ..
الملك : لكنك كنت
البهلول : (بعنف) كنت راضيا عن نفسي وكالاعمى كنت أدور بحرية بين يديك
أعتلي أحيانا كتفيك
وهو اعلان بداية المحاكمة التي اعلن بدايتها بدوره (البهلول) بدافع من (قاسم محمد) فـ (البهلول) هو شخصية ثانوية، لم يكن لها دور أساسي في أحداث نص (الملك لير) بل كان دوره يقتصر على بث الحكمة الممزوجة بالمرح والسخرية، وبالعبث أحيانا أخرى، وهوقابع احيانا تحت تهديدات الملك بعدم التمادي في أقواله وأفعاله، الا انه ولدى (قاسم محمد) في (الحريق). هو الاساس في كل شيء، في الاحداث وفي الاقوال وفي حمل رؤية ووجهات نظر المعد والمجتمع معا التي توجه نحو الاستبداد بالرأي السلطوي وبالتعنت والاستفراد بالرأي، فالاعداد هنا عمل وبشكل واضح لا غبار عليه على شخصية ثانوية وجعلها ندا متساويا لشخصية رئيسية، وربما يقوم ذلك على حساب تغييب شخصيات رئيسية أخرى، فالاعداد أراد إبراز الشخصية الثانوية وترك جانبا الشخصيات التي كانت تحرك الاحداث وتقودها، وبهذا يكون المعد قد اعلن حاجة نصه لشخصية ما على حساب شخصية اخرى.
يريد المعد ان يوجه صفعه تترك بصماتها على خد السلطة الاستبدادية وهذه الصفعة يعلن عنها في متن نصه بصورة قوية، فما دام السلطان حيا لابد ان يعرف ما اقترفته يداه، ولابد ان يدرك اثمه وفعله الشاذ وغير السوي، اذ انه اذا كان فعل كل ذلك بدافع الجهالة والاستبداد والاعتداد بالنفس، فلا بد بعد ان جر الويلات على نفسه وعلى شعبه ان يدرك نتائج فعلته.
البهلول : الان بالذات .. اريد خلاصك .. لا تنطوِ هكذا على نفسك.. لا تكور جسمك. وتدفن رأسك اعتدل ... اعتدل وأسمع .. ما دمت حيا ولم تمت بعد فلا تأخذ جهلك بحالك معك الى العالم الاخر .. توع وأدرك فعلك التاريخي أيها الملك .. فأنت ملك .. أتفهم !! انت ملك لا صياد سمك يقسم صيده كيف يشاء ولا يضر أحدا، أنت ملك .. وخطأك لا يسبب الا الكارثة، وقد تسببت في كارثة، أدرك يا هذا الانسان المبتلى كي تخلص،..
وبهذا سأثبت لك حبي وسط هذا الحريق
ومن هذا الحوار نستطيع تلمس روح المعاصرة والية التعبير عن هموم الناس والمتلقي ذلك الهم اليومي، السائد في الزمن الذي كتب فيه نص الاعداد فهو يعبر عن واقع سياسي وأقتصادي معاش لعقود عدة وهذا ما أثقل كاهل الانسان وأتعب راحتهم نتيجة سياسات الطيش والنزف اللامجدية. وهي ما احالت الواقع الى خراب بل قامت بحرق كل شيء جميل فحولته الى مريض مصفر الوجه يخلو من الامنيات الجميلة، فالمعد ينطلق من هذه التوصيفة ليتلاقح فكريا مع (لير) الشكسبيري الطائش الذي لم يحسب حسابا لمستقبل البلاد ولا لشعبه ولا حتى لنفسه وموقفه التاريخي وهو تماما ما حصل مع السلطات التي حكمت العراق في الفترة التي ادان فيها المعد افعالها وجرائمها.
و(الملك لير) الذي بدأ المعد به نصه حين دخل بكرسي مهشم وبقايا علم أحمر هو علم المملكة المتهالكة، ينتهي بعد محاكمة عسيره من قبل (البهلول)، الى نفس الحركة، ولكن هذه المرة يلفه (البهلول) بالعلم الاحمر ذاته معلنا نهاية فترة لم تتميز بالحكمة والحنكة السياسية ما أودى بها الى هذا الحال وتلك النهاية.
وبعد ذلك يكون المعد قد أستغنى عن مجمل المشاهد التي وضعها المؤلف لنصه المسرحي، بل عمل المعد على تهشيم كل بنائها ومن ثم اعاد صياغتها وفق ما أرتأى وما خطط له من أفكار ، اخد ما يمكن استثماره من المتن الحكائي والبنائي للنص الاصلي وعلى ما يمتلك المعد من امكانية هائلة وخزين معرفي وفني اسس لبناء نص اخر قد يختلف تمام الاختلاف من ناحية الفكرة والبناء، الا انه يلتقي كثيرا معه وفي كثير من الامور، وفي هذا الجانب لابد من لقاء الاثنين في امرها، اذ انهما يمتلكان ما يجعل لقاءهما حتمي وذلك عبر نصيهما المنجز بين فترة ما وفي مكان ما، لكن الأخير يعمل على نسق المرجعية التي اسسها النص الأصلي لدى القارئ أو المتلقي، وبذلك يقوم بكسر كل ما هو متوقع وتحقيق عنصر الدهشة .
وبالانتقال إلى الإخراج، ملتقى الأفكار جميعها، إلا انه يعتمد بالدرجة الاساس على المنجز اللاحق للمؤلف، أي نص المعد، نجد ان المخرج (بشار عبد الغني) قد قام وفق رؤية إخراجية بتحويل المقروء الى مرئي وهو أمر يتلازم مع المسرح الحديث حيث عصر الصورة والتشكيلات الحركية والفنية والجمالية، فكان الدور المبرز يقع بشكل كبير على التشكيلات البصرية والحركية، وما ساعد على ذلك هو وجود مجاميع فنية للممثلين أعتمدهم المخرج وأوجدهم وفق رؤيته بحيث لا نجد لهم وجودا لا في النص الأول ولا في النص المعد من قبل (قاسم محمد)، بحيث قامت هذه المجاميع بمرافقة (الملك لير) المتهالك وشخصية (البهلول) الحاكم في نص الاعداد، فأعتمد المخرج التكوينات الحركية فضلا عن توظيف مفردات العرض التي شكلت سينوغرافيته، كما اعتمد على مفردات متحولة ومتنقلة من حال الى حال بناءً على مفهوم توليد المعنى بتحول الدلالة من شكل الى اخر ومن وظيفة الى أخرى، وخير مثال على ذلك هو الدرع الذي فقد مدلوله الأول كدرع وتحول الى (مرآة) ثم فقد هذا المعنى والشكل ليصبح فيما بعد (جدار) ثم الى (ميزان) إضافة إلى انتقاله إلى وظائف أخرى متعددة، وبعد ذلك قام المخرج بتوظيف مجموعة (الرماح) استحالت إلى السنة لهب في مشهد العاصفة وهو من أهم تحولات هذه الأداة.
ولقد عمد المخرج إلى الخلاص من هيمنة النص محاولا الفكاك من أسره وسلطته من خلال إدخال شخصيات غائبة وحاضرة عبر عنها بواسطة (الملكانات) لشخصية نسائية ، كوننا ندرك تماما ان النص المعد لم يكن يحتوي الا على شخصيتي (الملك لير والبهلول) ولا وجود لشخصية أخرى ، وبعد ذلك ذهب المخرج الى ابعد من ذلك، بحيث قدم مشاهد وضح من خلالها الأسباب التي أدت الى سقوط مملكة (الملك لير)، من خلال مشاهد ومعارك لم يكن لها وجود في نص الاعداد ..
المخرج حاول استثمار الإمكانات التكنولوجية المتاحة والتي تعني التطورات العصرية الحديثة والمتمثلة بأجهزة عالية الجودة ثم جهاز العرض السينمائي (الداتاشو) ، في مشهد حريق المملكة، وذلك أقتضى أيضا استخدام جهاز توليد الدخان الناتج من النار التي أطاحت بالمملكة، وهو يحاول هنا ضخ مزيد من المعلومات التي توضح وتبسط وتربط الأحداث الماضية بالحاضرة في النص المعد والإخراج، وهو يهدف بذلك الى توظيف الأداء الحياتي المبسط في الإخراج وتقديم الفكرة ليجعل منها أكثر قربا من المتلقي وأكثر تعبيراً ومعاصرة.
لم يغادر الاخراج النص الاصلي وانما قصد الى الرجوع اليه وهو أنما عمل كجسر رابط لكل الافكار التي سطرها الكاتبين في نصوصهم، فاذا كان المعد قد قام بسرد أحداث الماضي، واذا كان النص الاصلي قد قدمها حية الى القارئ، و المتلقي في العرض ، فأن النصيين لم يكونا بعيدين عن حادثة توزيع الإرث الملكي للبنات، انما جاء بطريقين مختلفين الاول موجود حاضر والثاني مسرود/ ماضي، بحيث قام الاخراج هنا بطرح الطريقين من خلاله ، وذلك باستخدام مشاهد (الفلاش باك) بحيث يعرض الصورة المشهدية الكاملة للنص الاصلي، فنلاحظ وجود الحاشية وبنات الملك والملك نفسه و(البهلول) أيضا لم يكن غائبا عن المشهد، وذلك باستخدام المظلة والرايات والقماش الشفاف، وهذا القماش هو الذي تخرج من تحتها لأميرة ابنة (الملك لير)، الثالثة وهي أصغر بناته وأكثرهن صدقاً وحياله.
كما يفعل المخرج لتقنيات العرض التي تميز اشياء مهمة منها لشخصيتي (الملك لير والبهلول) والمجاميع التي اضافها، فقد ميز حتى في المجاميع من اجل اضافة لمسات جمالية وفنية على الصورة المسرحية فضلا عن وجود اكسسوارات مرافقة للحرس من المجاميع كالسيوف والدروع والخوذ بحيث شكل ذلك تميزا واضحا لشخصيتي (الملك لير) ذو الرداء الرث و(البهلول) ذو الرداء المعروف، ولكنه بالمقابل اعتمد ديكورات ثابتة وغير متحركة بالاضافة الى مجموعة ادوات متحولة وغير ثابتة مر الحديث عنها سابقاً، بالاضافة الى ذلك فقد كانت اشتغالاتها فاعلة ولم تكن تمنح المكان ضوءاً فقط، بل عملت على ان تكون داعمه للأحداث ومساعدة في ذروتها فمره تعزل (الملك لير) ومرة تقوم بعزل (البهلول) في منولوجات معينة، وذلك ساعد في توجيه دفة الصراع، ففي نص الاعداد كان الصراع يقوم بين (الملك لير) وبين شخصية (البهلول)، أما في العرض المسرحي فلم يكن الامر كذلك، لأن المخرج المسرحي له رؤياه الخاصة والتي ربما ينظر من خلالها لموضوعة المسرحية بطريقة قد تكون مختلفة نوعا ما حتى عن النص الاصلي وليس نص الاعداد فقط، ففي الحقيقة يكون العرض المسرحي في هذه الحالة هو مجالا لتلافي الرؤى والافكار ويكون الوسيط في ذلك ما يمكن ينجزه ويطرحه المخرج المسرحي رؤية فنية تجمع الكل.
لقد جعل المخرج من (الملك لير) هو المحور الاساسي في الصراع، وهو بهذا أستطاع أن يكون الموضوع ليس خاصاً بين (الملك لير والبهلول) فقط وانما كان الصراع يتجاوز المكان والزمان ليذهب باتجاه شخصيات اخرى غير موجودة في نص الاعداد، ومنها صراع الملك وبناته ، صراع الملك وأعدائه، صراع الملك والبهلول (الصراع الحالي)
وبذلك يريد المخرج أن يشير الى الصراعات الموجود في الواقع الراهن، وبالذات للبلد الذي ينتمي اليه، حيث مر العراق بمجموعة من الاخطاء السياسية أدت الى مجموعة من المشاكل المرهقة للناس، للوطن، ثم ادت بعد ذلك الى زرع روح الفرقة والشتات بين المذاهب والقوميات والاديان، وقبل روح الانتماء للوطن وتهاوى ارتباط الانسان بالأرض التي يعيش عليها فعاش صراعات مريرة ومدمره، ادت الى نكوصات نفسية وكاد عبرها ان يفقد الامل في حياة حرة وسعيدة.
لم يغيب الجانب الاجتماعي في نص العرض ولم يكن المخرج الا ساعيا لتوكيد هذا الجانب ويبدو وضوح ذلك من خلال عدم غياب العلائق الاجتماعية التي ربطت (لير) بأسرته بغض النظر عما فعلته تلك الاسرة وتناقضاتها، بحيث كانت (كورديليا) اصغر بنات (لير) تقف على النقيض التام من اختيها ، الكاذبات واللواتي كن يقللن ما يخفن من مشاعر توسعيه تجاه الأب (لير) المتهور الطائش والذي لم يكن ليحسب حسابا ليوم يكون فيه سقوطه المريع هذا، وبهذا يلعب المعد لعبة مهمة ومميزة بحيث لم يجعل من (البهلول) يغادر تماما ما عرف عنه من امكانية ادائية، فنحمل على عاتقه من قبل المعد، ان يمثل أكثر من دور بحيث كان يمثل دور الشقيقات أو بالأحرى أدوار بنات (لير)، وهو ما يتوائم مع أمكاناته البهلوانية في التقليد ومحاكاة شخصية اخرى، وهذا أيضا لم يغب عن ذهنية المخرج الذي عمل على توظيفه بشكل اساسي وهادفا من وراءه ان يجعل أجواء العرض في تنقل دائم ليساعد في قتل الشعور بوتيرة وتراتبية الاحداث وربما شعور المتلقي بالرتابة والملل، وهو ما يؤكد على حضور الجانب الاجتماعي في النص والعرض على حد سواء وعدم غيابه، وهو ما جعل الملك (لير) يدرك أخيراً الاسباب التي ادت الى سقوطه وباعترافه أذ يقول
الملك : ايها القاضي الطيب، انذاك كانت تحيطني حلقات اثر حلقات من المنتفعين والمنافقين من أصحاب المصالح حلقات تدور حولي في كل مكان وفي كل زمان، لا أرى غيرهم لا أسمع الا أصواتهم، لا اعرف الا مصالحهم، الان أدرك انه كان من الصعب على الحكمة والبصيرة والحق والعدل ان تشق طريقها ألي عبر ذلك الزحام الذي لا يرحم، لكي تصل الى عقلي وروحي.
وهكذا يوصل (قاسم محمد) ويسانده في ذلك المخرج (بشار عبد الغني) وقبلهم (شكسبير) في نصه (الملك لير) الى نهايته التي يدرك بواسطتها أخيرا انه كان على خطأ وهم يقدمون نموذجاً انسانياً لكل المستبدين، ويقدمون صورة للعالم لما يمكن أن تؤول اليه أمور المتهورين والطائشين ممن لا يحسنون الحكمة والحنكة.
الفصل الرابع : النتائج
الإعداد والاقتباس يعملان على كسر توقع المتلقي لنص العالمي لوهذا ما يحقق الدهشة والموائمة مع الواقع .
المعد والمقتبس يستغني عن مشاهد وشخصيات معروفة في الإعداد للتطابق مع القيم الثقافية أو الفكرية في المجتمع المحلي.
عند الاعداد يفقد النص الاصلي وجوده كمرجع وحيد للإعداد وللعرض وانما قد تدخل نصوص وحكايات وشخصيات أخرى كمرجعيات.
في الإعداد والاقتباس قد تأخذ الشخصية مهمات غير التي انيطت بها في النص وهو ما يشمل الاخراج أيضا.
المخرج و(المعد /المقتبس) يتقاسمون التجربة النهائية لان نص المعد أو المقتبس يسير بشكل موازي مع نص المخرج(العرض) وهو نقطة التقاء وافتراق لكلا النصين (الاعداد والاقتباس) والاخراج.
التنوع في المكان يمنح المتلقي تأويلات وقراءات خصبة.
الإخراج لعب في تشكيلات البنى النصية مما يحدث تغيرا واضحاً في أشكال عدة كالبيئة أو الحبكة الأصلية للنص.
المخرج يقدم قراءة جديدة من خلال التحرر سلطة المكان في النص الاصلي وفقا لرؤية فنية جمالية.
9- يراعي الاخراج توجه الخطاب النصي المعد بكونه موجه لمتلقي جديد يختلف عن متلقي النص السابق
الاستنتاجات
المعد المسرحي قد يقيم ترابطا زمنيا لعصرين مختلفين من خلال نصه بطرح أفكار سياسية وتربوية ونفسية واجتماعية واقتصادية عبر استثماره فكرة سابقة.
الاعداد يحمل أهداف انسانية عامة تنطلق من مرجعيات متعددة وطرحها عبر نص مكتوب.
يحاول المعد والمقتبس المسرحي ان يكون معاصراً بكل امكاناته وأهميته في تنشيط فكرة المؤلف واعادة الحيوية اليها.
الاخراج المسرحي أكثر تبسيطاً لفكرة نص المعد لما يقدمه من صور مسرحية متعددة وقريبة الى واقع المتلقي.
المخرج المسرحي يعمل على اختيار البداية والنهاية المناسبة وقد لا توجد في النص الاصل أو المعد.
قد يمازج الاخراج في الفكرتين الاصل والاعداد مسانداً بذلك فكرة المؤلف والمعد.
المخرج المسرحي متوافق مع وجهة نظر المعد أو المقتبس وذلك باعتماده نص المعد دون النص السابق.
المقترحات
تطوير المفردات المنهجية لمادة فن كتابة المسرحية بما يحقق للطالب ادراك الفرق بين الإعداد والاقتباس.
التعريف بمفهوم الاعداد وفق الشكل والمضمون.
ضرورة استحداث مادة تعنى بدراسة الاعداد المسرحي.
التوصيات
دراسة التحولات الزمانية والمكانية للنص المعد اخراجياً.
دراسة الية توظيف المخرج للأساليب والاتجاهات المسرحية للنص المعد.
مسرحة القصة والرواية الاجنبية والعربية.
دراسة الفروق بين نص المؤلف ونص المعد ( دراسة مقارنة).
0 التعليقات:
إرسال تعليق