مسرحية " صباح التغيير "تأليف حسين عبد الخضر
مجلة الفنون المسرحية(تفتح الستارة : خلفية المسرح . صورة لمدينة كالحة البنايات تنتشر الأزبال في شوارعها ، تقابلها قرية خربة البيوت ، قذرة . في وسط الخشبة برميل نفط يقف عليه تمثال لرجل عسكري ،يرفع ذراعه باشارة بين التحية والتهديد . أصوات بعيدة لإطلاق نار ، وصراخ ، واغاني تنشد للحرب ).
صوت المعلم : الدرس الأول ، انجازات الثورة ، قم انت ، ما هي انجازات الثورة .
يجتاح القاعة جمهور من معاقين ، وشحاذين ، وسجناء ، ورجال شرطة يطاردون شابا ، وطلاب مدارس بملابس رثة ، وعروس تبكي ، وأم تودع نعش ابنها ، وفي اقصى الركن الايمن رجل معصوب الفم يجلس على كرسي وامامه طاولة عليها اوراق وفي يده قلم ، لكنه متردد في الكتابة .
يرتفع صوت : ان الحرب المقدسة التي نخوضها ، والحروب المقدسة الاخرى التي سوف نخوضها ، والتضحيات التي نبذلها وسنستمر في بذلها ، هي وسام شرف يعلق على صدور هذا الشعب الابي . . الشعب الذي تجاوز بصبر قل نضيره في شعوب العالم كل المحن والخطوب ، وضرب اروع الأمثلة في الفداء والاقدام ، من اجل حماية مصالح الأمة ، والدفاع عن مبادئ الحزب العظيم ، متمسكا بالمبادئ والقيم وتوجيهات القيادة الحكيمة .
ترتفع الصيحات من الجميع : هي ، تعيش القيادة الحكيمة ، يعيش الصبر والصمود وتجاوز المحن ، تعيش البوابة الشرقية .
ويرتفع صوت اغنية تمجد الحرب ، يا كاع ترابك كافوري .
تتوقف الاغنية فجاة ، ويرتفع دعاء أم من مكان مجهول : اللهم خلصنا من هذه المحن ، ومن هذا الرجل المجنون الذي قضى على اولادنا في حروبه التي لا تنتهي ، اللهم انقذنا من الحرب والجوع والظلم ، يا الله .
ترتفع أصوات : خائنة، مجرمة ، كلكم خونة ومجرمون .
يرتفع صوت المرأة : يا . . . .
صوت اطلاق نار . نشيد لأطفال يمجدون القائد . تدب حالة من الخوف بين الناس ، ويلوذون بالصمت .
يتعالى قرع طبول بشكل متصاعد . يتهامس الناس الى بعضهم : الفرج ، الفرج ، الفرج . هل أتى الفرج ؟ هل من الممكن أن يأتي الفرج ؟ ربما يأتي الفرج .
يتعالى قرع الطبول اكثر ، وينتهي بضربة قوية تظلم بعدها القاعة .
ينكشف الظلام عن كرسي في وسط الخشبة يوضع أمامه مايكرفون ، وخلفه برميل نفط ، على الجانب الايمن طاولة غير منتظمة الشكل ، وعلى الجانب الايسر صندوق اقتراع . وفي البعيد من وسط الخشبة ، خلف برميل النفط ، يقف الرجل المثقف ، يحرك فمه ويديه كمن يلقي كلمة بلا صوت .
يدخل الحشد الى الخشبة ، مشردون ، شحاذون ، فقراء ، رجال بملابس الشرطة وآخرون ملثمون يحملون السلاح ، ويجلس على الطاولة مجموعة من رجال ونساء يناقشون ورقة تظل تدور فيما بينهم ، فيما رجال الشرطة والمسلحون يترصد أحدهم الآخر ويقوم بقتله . يقطع الخشبة ، جيئة وذهابا ، لصوص يحملون على ظهورهم اكياس النقود .
يخطب صوت : أيها الشعب العظيم ، بسبب من غباء وطغيان القيادة البائدة ، تحملتم الكثير من الظلم والجور ، وحرمتم من التمتع بحقوقكم في الحياة ، كشعب حر كريم لعقود طويلة ، أما الآن وقد انتهت هذه الفترة ، فندعوكم الى نسيان ذلك الماضي ونبذه وراء ظهوركم ، لأن عصرا جديدا قد اطل عليكم هو عصر الحرية والديمقراطية ، لكن ذلك لن يكون بلا ثمن ، فغربان الشر والحاقدون يريدون تعطيل مسيرتكم الى ضفة الأمان ، وعليكم بذل المزيد من التضحيات ، والصمود بوجهة الحلمة الشرسة لأعداء الديمقراطية ، كي تتمكنوا من العيش في بلدكم بسلام .
الشحاذ : لله يا محسنين .
يرتفع صوت انفجار ، فيموت الشحاذ ، ويدخل خمسة اطفال ، يرفعون اصواتهم ، لله يا محسنين .
امراة عجوز : الله اكبر . متى ينتهي هذا القتل ، ويتوقف نزف الدماء ، لقد تعبنا . . تعبنا يا الهي ونريد حلا .
شابان يتحدثان فيما بينهما :
الأول : ماذا حصدنا من الديمقراطية غير سنابل الدم ؟
الثاني : الجواب على هذا السؤال يبدو شائكا ، فقد أخذ الشك ينتابني في لا جدوى كل شيء ، إنني استسلم لليأس يا صديقي .
يسقط أحد الشابين برصاصة في الرأس ويلوذ الاخر بالفرار .
يرتفع صوت الخطيب : أيها الشعب العظيم ، لقد أثبتم عبر الفترة الماضية ، بكل ما حملته من ألم كبير ، أنكم شعب التحمل والصمود حقا ، وتجاوزتم بصبر خيالي ، كل المحن الطاحنة ، وكان الأجدر بكم أن تنعموا بحياة أفضل ، لكن الظروف القاهرة التي مررتم بها حالت دون ذلك للاسف الشديد ، ونحن نعلن لكم عن أننا آسفون حقا ، لأننا عجزنا عن تقديم ما كنتم تطمحون إليه ، لصعوبة التحديات التي واجهتنا ، وها أنتم ترون مقدار التغيير الكبير الذي تعيشونه ، فنحن لسنا كالطاغية السابق ، إننا نعترف بأننا مقصرون ، ذلك لأننا غير كاملون ، لأن الكمال لله وحده ، ثم أن الديقراطية قد أنعمت عليكم بفرصة ثمينة لمواجهة التحديات ، وهزم قوى الظلام ، بالتوجه لصناديق الاقتراع ، وانتخابنا مرة أخرى .
قرع طبول .
ظلام .
مجاميع من الناس تقف في طابور على صندوق الاقتراع . المسلحون يستمرون بالقتل ، واللصوص يستمرون بالسرقة .
الأول : هل تظن أن الأمور ستتغير ؟
الثاني : لا أظن أن الأمور ستتغير .
الأول : ولا أنا أيضا .
الثاني : لم أنت هنا إذن ؟
الأول : لا أدري ، ربما أو من الممكن أن تتغير الأمور لكنني لا أظن أنها ستتغير .
الثاني : أنا أيضا لا أدري ، ولكنني رأيت الناس يأتون إلى هنا فجئت معهم .
الأول : هل تظن أنهم يكذبون علينا ؟
الثاني : أظن أنهم يكذبون علينا ، فالتفجيرات مازالت مستمرة ، والفقر والتخلف أيضا .
الأول : لم تصبح السماء وردية ، ولم تسقسق العصافير باغنية الفرح .
الثاني : ولم يعد الأطفال يحلمون بالمستقبل .
الأول : لا ، لم يعد الأطفال يحلمون ، لقد كفوا عن الحلم منذ وقت طويل ، إنهم يعتقدون أن كل شيء كاذب .
الثاني : نعم ، أعتقد أن الجميع يكذبون علينا ، ولكن ربما تتغير الامور .
الأول : نعم ، ربما تتغير .
الثاني : ربما .
يدخل مهرج ، ويطوف في المكان داعيا الناس إلى المشاركة في الانتخابات .
المهرج : هلموا ، هلموا إلى صندوق الأمل . هلموا ، هلموا إلى أوراق النجاة . اختر القائمة التي تريد ، ضع علامة صح على الفئة التي تعجبك ، لن يمنعك أحد عن ممارسة حقك . إنه الحق الوحيد الذي يرغب الآخرون بممارستك إياه ، به وحده سيسمحون لك . هلموا هلموا إلى صناديق النجاة ، ضع ورقة في الصندوق ، واربح حياة سعيدة .
يتقدم طابور الناس إلى الصندوق ، يضعون أوراقهم وينسحبون بهدوء ، تظلم الخشبة على الناس المنسحبون إلى بيوتهم حتى تفرغ ولا يبقى أحد سوى الكرسي والمايكرفون وبرميل النفط . تتصاعد أغنية وطنية حزينة بينما يعود الحشد إلى الخشبة ، ترتفع أصوات الأطفال : لله يا محسنين . صراخ امرأة ، واصوات انفجارات بعيدة .
صوت المعلم : الدرس الأول ، انجازات التغيير . قم أنت ، ما هي انجازات التغيير ؟
ستار
الناصرية
15 / 8 / 2009
0 التعليقات:
إرسال تعليق