الوعي النقدي المضاد في كتاب(الصدمة الجمالية)
مجلة الفنون المسرحية
د.رياض موسى سكران
عن دار الشؤون الثقافية العامة في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، صدر كتابي (الصدمة الجمالية)، تجليات الرؤى الإبداعية في المشهد الثقافي العراقي..
وليس اختيار (الصدمة الجمالية) عنواناً فحسب، بل متناً جمالياً ومعرفياً، تتموضع فيه وحوله رؤى خارجة عن سياقات الأنماط المكرورة في الثقافة العراقية، بالنسبة لمبدعيها ومتلقيها، على المستوى الجمالي والمهاري والإبتكاري، والعنوان يعد انحيازاً مكشوفاً للذات، ليست الذات المنعزلة عن محيطها، إنما الذات المبدعة والمتغلغلة في أعماق الواقع والمتفاعلة مع ممكناته والمتماهية مع مواضعاته، تأريخياً وراهناً.. ولإن المسرح والشعر والنقد والفنون التشكيلية وفن الترجمة.. وغيرها، هي أنماط وأشكال للتعبير عن تلك الذات وهواجسها وتجلياتها، لذا فإن رؤيتنا النقدية لتلك التجليات والهواجس والفرضيات الإبداعية التي شكلت متن هذا الكتاب، هي قراءات ترنو الى التحليق في فضاءات متجددة على مستوى تأثيث الرؤية النقدية التي تسعى الى تقصي المنعطفات الكبرى، وتأشير الإنزياحات الجمالية الخاصة والعلامات الجوهرية والمساحات المضيئة والقمم العالية في الثقافة العراقية الجديدة، فالكتاب يسعى الى ملاحقة (روح) تلك الرؤى الهائمة في فضاءات خطاباتها الإبداعية، وتقصي تلك اللحظة التي إنقدحت فيها شرارة التوهج الكبرى وأبجديات التكوين الأولى..
وانطلاقاً من جوهر هذه المعادلة، فإن الغاية والهدف من هذا الكتاب هي إعادة البحث والمعاينة والتقصي في الفضاءات المشكلة لماهية التجليات الإبداعية في الثقافة العراقية، ومحاولة وضع ممكناتها في سياقاتها المنتجة للمعنى، ومثل هذا الأمر يستدعي التعالق بين حقيقة صدمتين أساسيتين كبيرتين في الثقافة العراقية، هما (صدمة الحداثة) ومقدماتها ومخرجاتها وحجم الإستجابة لاشتراطاتها وكيفيات التعاطي معها من جهة، و(صدمة الجماليات) والبحث في كيفيات إنتاجها وآليات اشتغالها ومستويات تلقيها في مجمل أنماط وأشكال التعبير الفني والأدبي.
من هنا فأنا لا أعد القارئ باكتشافات جديدة ومغامرات قرائية مغايرة، إلا على وفق ما تتيحه منطلقات الرؤى المنتجة لتلك لخطابات أصلاً، فما يمكنني أن أعد القارئ به، هو ذلك الفعل الحيوي والجوهري، الفعل المتدفق والمتوهج، والذي نسميه فعل الكشف أو التعرف، أو الحفر والنبش إذا شئتم، وفعل تجديد وتأكيد القيم، وفعل الإرتحال عبر الأزمنة وتقصي الأمكنة وحفريات كيان الذاكرة وروحها، في محاولة التخلص من قيود الرتابة وملل التكرار في ذاكرتنا وفي ذواتنا المحلقة صوب الأفق السرمدي الأثيري، لأن الأساس في رؤية هذا الكتاب، هو الكتابة ال(حيوية)، عن رؤى وتجارب ومنجزات (حيوية)، حققت صدمة للمتلقي..
فكرة هذا الكتاب اذن، تسعى للقبض على جمرة التوهج الأولى لمنطلقات تشكيل الرؤية الإبداعية في التجارب التي تناولها الكتاب، فهي تجل على تجلي، وضوء على ضوء، وأبجدية على أبجدية، تصاحبها محاولات اختلاس النظر باستمرار نحو تلك الأسئلة الفطرية الأولى والإستفهامات العذرية والدهشة البكر، التي أتاحت فرصة الوقوف قليلاً عند محطة الأسئلة الأساسية والجوهرية في لحظة التفكير الأولى التي قدحت رؤية هذا الكتاب وفكرته وموضوعاته، وجعلها تستجيب لروح العصر ومستجداته المعرفية وخضّاته الجمالية المتنوعة والمتباينة، لينهض كيان الرؤية الجديدة على أسس وثوابت الكتابة على الكتابة الأولى، كتابة تطمح أن تكون نصاً على نص، وهذا الأمر يتطلب رؤية صافية، نقية، مجردة عن الإنحيازات والإندفاعات والتكتلات التي ضاق بها صدر الثقافة العراقية اليوم، عبر كتابات سطحية وطروحات تلفيقية ومقولات مكررة ومفهومات هامشية ومضامين فارغة وادعاءات فضة، مما جعل المراجعة أمراً حاسماً وملحاً.. وبغير هذا الوعي المتوقد، والحس النقدي العميق، لا يمكن أن تحقق الكتابة وجودها وغايتها، فالأساس في هذا الفعل، هو الوعي النقدي المضاد، هو التشكيك والتفكيك، الأمكنة والأزمنة، الجغرافيا والتأريخ، العلوم والفنون، الأحياء والحياة، الكائن والممكن، الوجه والقناع، النور والظلمة، الضوء والعتمة، المادة والروح، المعنى والمبنى، الراهن والتأريخ، المحسوس والمتخيل، الغياب والحضور، التجربة والتجريب.. وعلى وفق هذه الثنائيات المتعاضدة، تلفظ الثقافة كل التلفيقات الشكلية والإدعاءات الفارغة والمضمون السطحي والمحتوى الأجوف..
فالثقافة مغامرة وجودية، مغامرة فوق مغامرة، هي أسئلة تمليها الرؤية المدهشة والمندهشة، كما يتكشف ذلك من الرؤى التي توقفت عندها في هذا الكتاب، وهي:
- محراب الدهشة الأولى/
صدمة التجريب في مسرح الصورة لـ(صلاح القصب)
- متعاليات القيم/
صدمة السيرة الإفتراضية في المسرح وتجليات (عقيل مهدي)
- مسرحة الذات/
صدمة (العنف والفوضى المنظمة في مسرح شكسبير) لـ(فاضل السوداني)
- صدمة التحولات النقدية العالمية..
في رؤية الناقد (فاضل ثامر)
- الإصغاء الى نبضات قلب النص..
في المشروع النقدي للناقدة (بشرى موسى صالح)
- التدفق الدرامي وصدمة الشعرية المعاصرة في شعر (عارف الساعدي)..
- (درامية) الشعر و(شعرية) الدراما
صدمة الرمز والتعبير والتأويل في شعر (نوفل أبو رغيف)
- الصدمة التراجيدية وديستوبيا الحياة/
جماليات السرد في رواية: (عن لا شيءَ يحكي) للروائي (طه حامد الشبيب)
- الواقع الدامي وحداثة السرد/
صدمة الكشف في رواية: (جثث بلا أسماء) للروائي (إسماعيل سكران)
- جماليات الترجمة والبحث عن روحية النص في رواية (طبل من صفيح) للمترجم (علي عبد الأمير)
- صدمة الحداثة وشعرية التصميم/
جماليات الرؤية في كتاب: (صنع في التصميم) للمصمم (راقي نجم الدين)..
الطموح لا حدود جغرافية أو مساحات مرسومة له، هو كون مفتوح على الأفق الأثيري، أطمح لأن يكون هذا الكتاب، مع مجمل مقارباتي النقدية عبر كتب وبحوث سابقة وقادمة، غوصاً في محيطات الرؤى المتعددة، وتحليقاً في فضاءاتها المفتوحة والمتعددة، والكتابة عنها بالحروف والكلمات والأشكال والأجساد والأشياء، وحتى الكتابة بالفراغ وبالصمت أحياناً، فهي رؤية على رؤية..
شكرا لدارنا العتيدة دار الشؤون الثقافية، دار المثقف العراقي..
شكرا شاعرنا الجميل عارف الساعدي الواقف في محطات انتظاراتنا ليمهد لها أفق التحليق نحو فضاءات مضيئة..
0 التعليقات:
إرسال تعليق