أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 10 يوليو 2013

مسرحية " منظر طبيعي " تأليف: هارولد بنتر ترجمة علي كامل

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب البريطاني هارولد بنتر 


مسرحية  " منظر طبيعي "  تأليف: هارولد بنتر  ترجمة علي كامل

الخميس، 9 مايو 2013

دعوة الهيئة العربية للمسرح إلى المسرحيين العرب خارج الوطن العربي

الفنون المسرحية

إلى المسرحيين العرب خارج الوطن العربي.. ضمن سعيها إلى مد جسور التعاون و المشاركة مع المسرحيين العرب في شتى مواقعهم ، تأمل الهيئة العربية للمسرح من المسرحيين العرب خارج الوطن العربي أفراداً و فرقاً ومؤسسات ، تعبئة الاستمارات المرفقة و إرسالها إلى العناوين المثبتة في الرسالة، آملين تعاونكم لنتمكن من خدمة المسرح و المسرحيين.





عرض مسرحية "ترى ما رأيت " تشكيل مسرحي تعبيري





عرضت المسرحية في مهرجان المسرح الحر الدورة الثامنة في الأردن، المركز الثقافي الملكي، في المسرح الرئيس يوم الاثنين 6-5-2013،   درماتورج نصوص شعرية لكمال بوعجيلة. تمثيل  جلال عبيد، مكرم الفورتي، أسماء بن حمزة، حمزة بن عون، نورس بن شعبان، جهاد الفورتي، وليد الخضراوي. فنيون: جمال شندول، عبد الكريم ضيف الله، وسام سيف النصر، فتحي شندول، عبدالله الشلبي. سينوغرافيا وإخراج: أنور الشعافي
وهذا العرض التونسي" ترى ما رأيت"، يتشكل من ثلاث أيقونات: الخطاب الشعري، الكوريغرافيا Choreography، السينوغرافيا Scenography. تشغتل على الخشبة لتشكل رؤية تكاملية حول الموضوع المسرحي. فالشعر بدا كصوت خارجي، ولكنه انبعاج ذاتي من منظور أنه شعر غنائي يمثل الرؤية الفردية التي ستتشكل كرؤية جماعية، لأن ما يعنيك يعنيني، وهذا الخطاب بالتالي هو صورة للروح، والمسرحية تدور حول الروح الإنسانية، فيبدأ بالحديث عن العلاقة الروحية بين الرجل والمرأة، وهي حالة لا بد منها لتصيغ الحياة، وكيف تتشكل الحياة من دون الروح؟ عندئذ وبالابتعاد عن الروح تصبح الحياة مخاضا يقود إلى المجهول، وهذا المخاض هو ما يجعل الإنسان الجمعي كشعور جمعي يتألم، وإن بدا على شكل فردي، لأن كل الأفراد في المجتمع هم الذين يعانون، لتكون الصورة النهائية تعبير عن الشعور الجمعي، والعرض المسرحي ترى ما رأيت يعبر عن الشعور الجمعي.
المسرحية بجزئياتها الثلاث، حيث تبرز ماهية الحب والروح في بداية العرض المسرحي، وما يلاقيه هذا الحب الروحي من معاناة تنعكس على الجسد كصراع ما بين الروح والجسد، ويبقى هذا الصراع يشكل الروح والجسد كحالة ثورية، تعبر عن رؤية جماعية ثم إدانة الحكم، وقبل ذلك تمر الحياة الإنسانية، وكما بدت في العرض بحالة من القهر، لتأتي اللحظة القادمة تعبر عن ثورة وروح تحررية.
االسينوغرافيا: شكلت العرض المسرحي، وهي تشتغل أكثر ما تشتغل على الجسد كرؤية سينوغرافية أيضا.
فالإضاءة، شكلت رؤية انتعاش في حالتين من العرض المسرحي، في المرة الأولى عند النجاة من الغرق، ومهما كانت تلك الحالة قاسية على الإنسان، ويتحمل تلك القسوة الجسد المعترك في خضم بحر متلاطم، والمرة الثانية بعد حالة شبه استقرارية الآن، ولكنها غير مفهومة المعالم، تلك الحالة التي تتحدث عن الثورة التونسية/ الحراك التونسي/ الرؤية التونسية كمجتمع متعدد، وهذا الصراع الحواري، وإن بدا يتشارك في هذا اللون الأحمر، وهنا إشارة إلى التعارك على المستوى الفكري والجسدي مرة أخرى، فالصورة مازالت ضبابية. فالإضاءة تشاركية في العرض المسرحي، فهي لم تكن تلك الإضاءة العادية التي تعطي معنى مجازيا فحسب، لتكون الإضاءة في عرض ترى ما رأيت منتجة للعرض المسرحي كحالة تأويلية.
واللون في العرض المسرحي كمؤثرات ضوئية/ وهو هنا مؤثر جزئي لأنه اشتق من الإضاءة بشكل عام - وبذكر جزئيات المؤثرات، هي ما يجب أن يولي العرض المسرحي اهتمامه بها، لأهميتها في بنية الاشتغال على مستوى العرض كله - واللون يشتغل في العرض كحالة انتعاش للمريض، أو حالة هدنة. واللون اشترك في انتاج المعنى المسرحي التأويلي بعيدا عن اللون العادي أو أحادي الرؤية، ومرة أخرى تمثل برداء الصبي، باللون الأحمر وهو دلالة متعددة، فقد يشير إلى الاندفاع ورعونة الشباب وهذه دلالة بسيطة، ولكنه يشير إلى الثورة، وبرؤى متعددة روحية وجسدية وهي في إطار الثورة أيضا.
السرير يبدو في العرض المسرحي كأيقونة تمثل حالة المرض، وهذه الصفة يشترك فيها كل مكان يعج في المرض والاستشفاء " المستشفى " وهو مكان عام يتواجد في كل المجتمعات، ولكن السرير يشتغل على مستويين أخريين: المستوى الأول الحالة التي تمثلها الحكومة وما آل إليه مصير البلاد والعباد إلى هذه الحالة التي تقود إلى حالة الموات، والمستوى الثاني، إشارة لما يعانية المجتمع " الإنساني " الجمعي بسبب هذا المرض.
في الأول يمثل حالة الترهل، وفي الثاني يمثل حالة القلق والترقب لتنبثق عن القلق رؤية، يسببها المستوى الأول الذي مثل مرض المجتمع في ظل الحكم الفردي والآراء الخاصة بالحكم. فتأتي الثورة التونسية لتخوض التصارع مع الكائن المريض.
الصبي يبدو كأيقونة خطابية مرة من خلال الخطاب الشعري، وتشكل جسدي مرة أخرى من خلال الكوريغرافيا، إنه الحلم الذي تحلم به الثورة، إنه التغيير، وضع له حد منذ زمن بعيد، ثم قرر أن يصرخ مهما كان طغيان اللون الأحمر في النفس الإنسانية، الصبي وهو بالثوب الأحمر يعني الثورة شبابية. إن حلم الصبي الذي بدا على خشبة المسرح كحالة ركحية " صورة " مرتين، المرة الأولى التي تشي بالتحرك والاضطراب، والثانية التي تشي بالثورة والمشاركة الفعلية فيها، وهو المسبب الأول لها وموقد الشمعة التحررية من حكم فردي ينسحب على كل الأمة العربية، حيث يتجاوز المجتمع التونسي، لتصل الثورة إلى مصر وليبيا وربما لن تتوقف! الصبي في المسرحية يمثل الحالة الحلمية، إنها الشتاء، ويبدو هذا الشتاء يتمثل في حالة برد وارتجاف وقلق وارتقاب، ويبدأ يشع الدفء قليلا، فالشتاء يطرق الربيع ويشتغل الربيع على الجانب الروحي والبصري، حياة جديدة تمثل الانتعاش وتملأ العين بالسرور، وبقي الصبي في إطار الشتاء، ومازال الشتاء رابضا، فكأن الربيع أو "الربيع العربي" ومهما قيل حوله قد لا يأتي، ولكن الشتاء يطرقه، وهذه صورة تعبيرية حية ماثلة، فلا مندوحة عن هذا مهما حاولنا إغماض عيوننا عنها.
لابد من الإشارة إلى أن العرض المسرحي يشتغل على مستوى عرض المسرحية على ثلاث جزئيات، في الأولى الروح وعلاقة الروح الثنائية، وهو بالتالي يشكل المجتمع، وفي الحالة الثانية الصراع الذي يدور في المجتمع وهذا الاضطراب وتلك الفوضى، عراك مرير يتمثل بمعانة الجسد بسبب الروح، والحالة الثالثة، حالة الثورة والتحرر وهي تنعكس على الجسد كحلم صغير شبابي يتمثل في الصبي كحلم وأمل.
وتكون المرحلة الثالثة أكثر اعتراكا، لأن التحول هنا بدأ يتشكل بين الذين يريدون صياغة الحلم، فتتوجه الأيدي إلى الجميع، الجميع يتهم الجميع، ويبدأ التصارع مرة أخرى، وهنا تبرز الأبعاد الفكرية المتعددة في المجتمع العربي وفي الثورة التونسية وفي الربيع العربي، ويبقى التصارع قائما تصارع فكري ينعكس على الجسد، فلا بد أن الجسد هو حمّال الأذى كما يقال.
وهنا لا بد من التوضيح أن المسرحية مهما وجهت الأيدي إلى الآخر، فهي تمثل إدانة ذاتية، وهذا ما نلمحه في حالة ركحية حيث تشير الأيدي إلى الجمهور، فالخطاب هنا جماهيري، وإن أشار إلى المجموع العام في المجتمع، فهو يمثل إدانة ذاتية لهذا الصراع، وقد خفت وطأة الاتهام بشكل ما لتنبعج الإدانة إلى الذات، فالكل متورط ولا أحد بريء مما يحدث الآن في تونس أو الرؤية العربية إذا ما صح هذا التعبير، فتوجيه اللوم للآخر يتحول إلى إدانة ذاتية أيضا.
الرقمنة الحاسوبية والفيديو: اشتغلت المسرحية على سينوغرافيا الرقمنة والفيديو كوسيط تقني حديث، يطبل له البعض، ليكون في صلب الوسائطية المسرحية الجديدة، فبدت المستشفى من خلال صورة الفيديو، وهي تمثل حالة المرض وتعكس الصورة الواقعية للمكان، ولكنها في العرض لا تشتغل على هذه الصورة البسيطة بقدر الإشارة إلى حالة مرضية كبرى، وقد تمثلت هذه السينوغرافيا بشاشة توسطت خشبة الركح، واستخدمت بشكل فني، وبقيت الستارة تعمل في العرض بمستويات متعددة، فيبدو ما وراءها تارة شخصيات العرض المسرحي، وتبدو مرة ثانية صورة فيديو، وتبدو مرة ثالثة شاشة سينما، وخاصة فيما يتعلق الأمر بصورة القارب المنعكسة على الشاشة، واضطراب البحر وانقلاب القارب وتصارع الإنسان في البحر، وهنا إشارة إلى حالة المخاض الماضية والتي سينعكس عليها العنوان، عنوان المسرحية " ترى ما رأيت" فهذه الصورة هي " ما رأيت " لم تستمر هذه الصورة كثيرا، حيث تبدو الشخصيات تظهر للعيان بصورة جزئية العنوان " ترى ".
بما يخص هذه الجزئية وأنا لا أخفي أنني لا أحبذ استخدام الشاشات بكل أنواعها في العرض المسرحي الحي خارج إطار السينوغرافيا، ليس لأنها تشتت المتلقي، ولكنها تغيب الممثل أيضا، فالممثل الحي هو حمّال الخطاب والمعنى، والصورة السينمائية، صورة مسجلة ماضوية، فهي لا تكون تحت عنوان المسرح.
وهذا لا يعني أن نتجنب الوسائط الحديثة، شريطة أن تكون سينوغرافيا، وتشتغل، ولكن لا تشتغل على خطف العرض المسرحي الحي، ولا تشتغل على تغييب الممثل، ولا تشتغل على تغييب المسرح في نهاية الأمر، فالخشية من هذه الوسائط أن يصبح المسرح سينما منزلية، عندئذ سيطرح سؤال كبير بألم لماذا أذهب إلى المسرح؟ هذا سؤال مشروع، لأن خشبة المسرح فاضت بالتقنية المسجلة وحتى الدعوة إلى الرقمنة " المسرح الرقمي " وهنا حالة تبدو متردية، قد لا يحسد عليها من يهمه المسرح.
ومرة أخرى سأشير إلى تلك اللقطة السينمائية والتي بدت مقحمة في العرض، صورة الماضي من خلال القارب في البحر، كان بإمكان المخرج أن يشتغل على مجموعة الممثلين " أجساد الممثلين " كسينوغرافيا في العرض بتشكيل هذه الأيقونة ومن وراء الستارة، فتوحي بحالة الماضي، وهنا قد يكون اكتسب خاصيتين، الابتعاد عن الصورة المسجلة السينمائية، والاشتغال على عرض حي يتمثل بأجساد الممثلين، ولا ننس أن هناك سريرا في السينوغرافيا، وممكن أن يشكل منه قارب، هذا الشيء ليس بالصعب، وهو عندئذ ليس تشكلا عاديا، بل تأويليا، وهذا الإقحام في الصورة التقنية على مستوى الفيديو والشاشة، يستطيع المخرج أن يتخلص منه، ليكون العرض المسرحي الحي تعبيري حي بعيدا عن التسجيل.
الكوريغرافيا: لا شك أن عرض ترى ما رأيت عرض كوريغرافي، وتمثل في الرقص التعبيري، والذي يشتغل بالتشابك مع الموضوع المطروح على خشبة المسرح، وهذا الرقص التعبيري، هو الذي يمثل بعدا تأويليا في العرض المسرحي الحي، لأنه تشاركي وينتج العرض المسرحي، ومن خلاله ينتج المعنى، فالجسد حامل للمعنى، وقد حمله في هذا العرض، وبالوقوف على هذه الرؤية الكوريغرافيه ليست حالة اعتباطية، وليست حالة تقسيم ما بين الرقص العادي أو البالية والرقص التعبيري، ولهذا يجب الاشتغال على هذا الرقص مرتين، المرة الأولى على مستوى التدريبات الجسدية العضلية والذهنية، وهذه الجزئية صعبة وبحاجة إلى فنيين متخصصين، والجزئية الثانية هو أن يكون تعبيريا تشاركيا في العرض المسرحي، وهذه الجزئية فنية كرؤية إخراجية ودراماتورجيا. وبذكر الدراماتورج أشير إلى أن العرض بني على خطاب شعري، وهو يبدو بهذه الصورة كدراماتورج، فلم يكن لدينا نص مسرحي، بل خطاب شعري توافق مع الرؤية الإخراجية والكوريغرافيا بإنتاج المعنى من خلال أجساد الممثلين، فالعرض مرة أخرى يمثل مسرح الصورة.
وبما أنني ذكرت الخطاب الشعري، وهنا أشير إلى المخرج، ألم يكن بإمكان الممثلين أن يتقاسموا هذا الخطاب؟ وخاصة أن هناك حالة حوارية في العرض تدور بين الرجل والمرأة، وإن بدت بلغة ثنائية. صحيح قد يكون الأمر صعبا على الممثلين؛ لأنهم اشتغلوا كوريغرافيا من بداية العرض حتى نهايته، لكن اندماج الخطاب اللغوي في الجسد يمثل اندماجية أكثر في العرض المسرحي، وخاصة أننا نتحدث عن رقص تعبيري وليس بالية، الرقص التعبيري اندماجي وباستطاعته حمل الخطابين اللغوي والجسدي، والبالية رقص فردي أو جماعي هو أكيد مجازي، لكنه لا يستطيع حمل أكثر من خطاب الحركة الجسدية المرنة.
العرض المسرحي، يعبر عن حالة تعبيرية " مسرح تعبيري " عن الإنسان وما يتنازعه من قيم روحية تنعكس بالتالي على معاناة جسدية، وهذه التعبيرية وكما أشرت آنفا تدور حول الراهن العربي/ الراهن التونسي.
إن الممثل في عرض " ترى ما رأيت " ومن خلال الخطاب الجسدي، اشتغل بجهد كبير، وهو يحمل الخطاب والمعنى، وما بعد المعنى " التأويل ". العرض المسرحي يتكئ على جسد الممثل ليمثل مسرح الصورة، فهو أكثر بكثير من هذه الرؤية التي تبدو فجة، فعندما نقول مسرح الصورة يبدو للوهلة الأولى حالة مجازية، وقد يشتغل عليه البعض بهذه الصورة، ولكنه في هذا العرض رؤية تعددية.
والتشكيل الجسدي في العرض يتواءم مع الخطاب الشعري، فالشعر إحساس ذاتي وجمالية روحية، تتناغم معه كل الحواس الإنسانية، فالجسد يقدم الموضوع وهو الخطاب النصي في العرض، من خلال الجسد الذي يتمثل بالحركة والإشارة والصوت والموسيقى واللون والضوء وبحالة ذهنية واعية.
وبالوقوف على العنوان " ترى ما رأيت " يوحي إلى حالة المعاناة القديمة الحاضرة، مازال المخاض التونسي يشتغل على مستوى الرؤية الفكرية، وهذه الرؤية ما بين صراع وهدنة. تبحث عن الاستقرار النهائي في إطار رؤية مؤسساتية تحتاجها كل الدول العربية أيضا.
وبالإشارة إلى المسرح التعبيري، فإن الوضع العربي بشكل عام وبشكل خاص لكل بلد عربي هو بحاجة لتصحيح المسار، وهذا العرض جاء إدانة لهذا المسار المعوج على كل الصعد التي تشكل المجتمع العربي: الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، الثقافي " الفكري "، كل المجتمعات العربية بحاجة لاستراتيجية تصحيح مسار، ولكن برؤية تشاركية بعيدا عن النرجسية التي تعني أولا وأخيرا الفساد.
العرض اشتغل بتشابك جزئياته الثلاث، والرؤية الإخراجية عملت جاهدة على تشابك جزئيات العرض كلها من خلال مقولة الحب الروح/ ومعناة الجسد التي بدأت من أول العرض لتنتهي به، بأداء كوريغرافي منسجم مع أطروحة العرض كموضوع، وحضور وسائط تشاركية وتنتج المعنى.
***

منصور العمايرة كاتب وناقد مسرحي أردني
   عمّان يوم 7-5-2013

الأحد، 6 يناير 2013

مُساهمة أما زلنا بانتظار "غودو" ؟ لماذا ؟

مجلة الفنون المسرحية

 أما زلنا بانتظار "غودو" ؟ لماذا ؟


لماذا ينتظر العالم "غودو" بعد كل هذه السنين؟ وكيف شقت مسرحية صموئيل بيكيت طريقها من بين جدران صالة مسرح "بابيلون" في باريس لتقتحم كبرى صالات المسارح العالمية ؟
قبل 60 عاما اجتذبت مسرحية "بانتظار غودو" بنصها الفرنسي جمهورا من أوساط النخبة الباريسية، ويقول جيمس نولسون، صديق المؤلف وكاتب سيرته "كل أولئك الآلاف الذين يدعون الآن أنهم حضروا العرض الأول لم يكونوا هناك، ببساطة لأن عدد المقاعد كان محدودا".
كما أنه لم يكن بالإمكان التنبؤ بأن تلك المسرحية التي جسدت على المسرح في 5 يناير/كانون الثاني عام 1953 ستصبح علامة فارقة في تاريخ الدراما الحديثة.
إذن، لماذا احتفظت المسرحية بشعبيتها وتأثيرها طوال هذه الفترة، متجاوزة بذلك أعمال "كتاب الغضب" الذين برزوا في نفس الفترة تقريبا ؟
يقول بروفيسور نولسون إنه يعتقد أن الغموض هو السبب، فالمسرحية تعتمد الإيحاء أكثر من التصريح بالأشياء بشكل مباشر.
ويضيف نولسون "بإمكان القارئ أن يجد فيها ما يشاء" ، وهذه الحرية في تفسير النص جعلت المسرحية لا ترتبط بزمن محدد.
تطرح المسرحية أسئلة وجودية عن الحياة والموت وتتساءل عن جدوى ما يحدث بينهما، لكن بطريقة لا ترتبط بزمان أو مكان.
واكتسبت المسرحية شهرة بسبب أنها عرضت في أماكن مختلفة، فكل من عانوا الكوارث الطبيعية والحروب استلهموا "غودو": عرضت المسرحية في مناطق الكوارث والحروب من "سراجيفو" عقب الحرب الأهلية إلى نيو أورليانس بعد إعصار كاترينا، وفي سجن "سان كوينتين" في كاليفورنيا رأى السجناء فيها تجسيدا "لانتظارهم".
ومن الطرائف التي مر بها مؤلف المسرحية، أنه كان مسافرا من مطار هيثرو في لندن إلى باريس ، حين سمح قائد الطائرة يحيي الركاب قائلا "كابتن غودو يحييكم"، ويقول بيكيت إنه عندها أحس وكأن القدر قد أمسك بتلابيبه أخيرا بأن وضع غودو المنتظر في طريقة
.
---------------------------------------------
المصدر : Arabic BBC - شون كولان

الاثنين، 19 نوفمبر 2012

كتاب "الإضاءة المسرحية "تأليف شكرى عبد الوهاب

مجلة الفنون المسرحية


 كتاب "الإضاءة المسرحية "تأليف شكرى عبد الوهاب

إن هدف هذا الكتاب، طرح أحدث مبتكرات العلم والمعرفة في مجال الإضاءة المسرحية، وإرساء مجموعة من التقاليد والقواعد التقنية النظرية منها والعملية، التى تصلح أرضية لكل من يريد التعمق مستقبلا في دراسة هذا الفن، كما يهدف إلى تعميق جذور مهنة جديدة على المسرح العربي، وهي مهنة التصميم الضوئي، فالموهبة الفطرية وحدها لا تكفي. لقد ساند المؤلف الموضوع بخلفية تشكلية وتاريخية عريضة أسهمت في جعل التوليفة الفنية كائنا مفعما بالحياة والحيوية.
ومما لاشك فيه أن خبرة المؤلف العملية في هذا المجال وممارسته لهذه المهنة قد أتاحا له فرصة الاقتراب من أحدث ما انجره العقل البشري في مجال صناعة الأجهزة الضوئية من كشافات مركزة وشموس غامرة ومخفضات ضوء فاستعرضها بالتفصيل ليتعرف عليها كل العاملين في مجال الفن.

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

بناء الدور المسرحي والنصف الغائب من طريقة ستانسلافسكي !

مجلة الفنون المسرحية


بناء الدور المسرحي والنصف الغائب من طريقة ستانسلافسكي !



عرض وتحليل : صالح سعد

" خلال بحثنا المستمر عن طريقة لمعالجه المسرحية والدور معالجه داخليه ، حدسية ، طبيعية ، مباشرة ، اهتدينا إلى وسيله جديدة غير متوقعه ، خارقة للعادة ! ..، إن طريقتي هذه تقوم على أساس الصلة الحميمة بين الروح والجسد ، وتستدعى مشاعر الدور بمساعدة خلق حياة جسمنا الإنساني الطبيعي (الفيزيولوجي) ..!"                                            ستانسلافسكي



لا شك بأننا غير ملزمين بديهيا بالتعريف لشخصيه كوستانتين ستانسلافسكي ، شخصية المخرج العملاق الذي يقف أمامنا واحدا من أعمدة المسرح الغربي الحديث ، تلك الشخصية التي وضعت حجر الأساس تقريبا لوظيفة المخرج في المسرح باعتباره أستاذ ومعلم فن التمثيل أولا ، قبل اعتباره فقط صاحب الشكل أو الرؤيا المنظرية التي تهالك إليها فن الإخراج مؤخرا..

وسواء كنا على اتفاق مع منهج ستانسلافسكي أو كنا مختلفين معه ، فان الأمانة العلمية تقتضي ضرورة التعرض إليه عرضا أمينا غير مخل ، خاصة إذا علمنا أن ما قد وصلنا من تراث ستانسلافسكي العظيم ليس سوى شذرات لا تقاس بالنسبة إلى حجم ما خلفه من آثار وكتابات يكفى لبيان ضخامتها أن نعلم أن اللجنة الأكاديمية المشرفة على تراث ستانسلافسكي في الاتحاد السوفيتي قد عملت على نشرة كاملا في ثمانية مجلدات كبيرة.. غير أن هذه المادة الضخمة قد غابت في معظمها عن أيدي وعيون الباحثين والمسرحيين العرب، وبخاصة أولئك العارفين باللغة الروسية ممن انهوا دراساتهم العليا بمعاهد الفن السوفيتي وعادوا إلينا يحملون الدكتوراه خلال الأربعين سنة الماضية..!

* كوستانتين سيرجيفيتش  ستانسلافسكي ( موسكو 5 أو 17 يناير 1863ـ 7 أغسطس 1938):

هو الممثل الروسي، والمخرج، والمعلم المسرحي، ومؤسس ومدير مسرح موسكو الفني، والحائز على لقب فنان الشعب (بالاتحاد السوفيتي) 1936، وهو مفكر عظيم ومنظَر مسرحي.  وقد لا ترتبط الواقعية كاتجاه في الفن المسرحي بكاتب، أو مخرج، من رجال المسرح الحديث (مسرح القرن العشرين) مثلما ترتبط باسم ستانسلافسكي، وطريقته، أو منهجه في الواقعية السيكولوجية. فهو أكثر من حققوا عن جدارة صفة العالمية بصورة عملية، وليس مجرد لقب يضيفه إلى اسمه مواطنوه أو معجبوه افتخارا. والأمر الهام هنا هو أن ستانسلافسكي حاز مكانته تلك ليس بسبب عروضه التجريبية الرائعة، أو آرائه السياسية الساخنة، ولكن لأنه كان وبحق أول معلم تمثيل حقيقي، أي أول من امتلك طريقة أو منهجا في تدريب الممثل.

وقد كان ميلاد منهج ستانسلافسكي هو خطوة مهدت لها كافة خطوات التطور السابقة للمُثل الجمالية للواقعية الروسية خلال القرن التاسع عشر، فقد جاء إبداع المنهج تأسيسا على أفضل ما في التقاليد الفنية الروسية (تقاليد إبداع الفنانين الروس العظام: بوشكين، جوجول، شبكين، اوستروفسكي، ل. تولستوي..) إلا أنه يبدو أن التأثير الخاص على الصياغة الجمالية لنظرة ستانسلافسكي هو ما كان لكتابات تشيخوف وجوركي الدرامية. وهي الواقعية التي تختلف بالمرة عن الطبيعية التي كانت قد سادت المسرح الأوروبي حتى ذلك الوقت، والتي فرضت على الكل مناهضتها لما فيها من سطحية وشكلية فارغة.. وكما يشير ستانسلافسكي فهذه الواقعية التي يقدمها: " لم تعد هي واقعية البيئة، أو الصدق الخارجي السابق، بل واقعية الصدق الداخلي في حياة النفس الإنسانية، واقعية المعايشة الطبيعية التي تتماس بطبيعتها مع مشارف المذهب الطبيعي الروحي.."

في أولى مراحله الفنية كان ستانسلافسكي (ككل المبتدئين) يقلد لعب العديد من الممثلين الكبار،  فقد لعب في صباه عشرات الأدوار الكوميدية الغنائية الراقصة في الفودفيلات، والأوبرتات التي كانت تقدمها حلقة الهواة التي كونتها عائلته.. وكان لهذا ميزة أته سرعان ما أدرك أن تقليد النماذج الأخرى مهما يكن فإنه يقود إلى الأكليشيهات، وأن البحث في الحياة والطبيعة هو ما يقود الفنان ـ عبر طريق واسع ـ إلى الفن الحقيقي  المتسع..

وهكذا قرر ستانسلافسكي رفض الأسلوب الحماسي ـ الخطابي للتمثيل من أجل مدخل أكثر واقعية، يركز على القواعد النفسية لتطور الشخصية، وعلى هذا الأساس أقام منهجه/طريقته، من خلال عمله في مسرحه..مسرح الفن (1898) في موسكو. ولكن ما هي حقيقة هذا المنهاج، الذي أورثه ستانسلافسكي تلامذته في العالم أجمع، وليس في روسيا وحدها..؟

يتألف المنهج (الذي نشرته اللجنة العلمية المشرفة على تراث ستانسلافسكي في ثمان مجلدات باللغة الروسية) وفق الخطة التي وضعها ستانسلافسكي نفسه لمؤلفاته من مدخل وقسمين: المدخل: وهو كتاب (حياتي في الفن) حيث يعرض فيه منطلقاته الأساسية في الفن المسرحي، معتمدا على تجربته الذاتية..

القسم الأول: ويتألف من جزأين بعنوان (عمل الممثل مع نفسه) وهما:

1. إعداد الممثل في المعاناة الإبداعية [الداخلية]. 2. في المعايشة والتجسيد [الخارج].

القسم الثاني: وهو كتاب (عمل الممثل مع الدور) أو (إعداد الدور المسرحي)..

هذا عدا أبحاثه وكتاباته النقدية في الفن المسرحي، وفن الأوبرا، وأيضا رسائله.

وتختلف الطريقة، أو المنهج، عن غالبية الطرق المسرحية السابقة عليها في كونها لا تطمح إلى دراسة النتائج النهائية للإبداع ، ولكن إلى تفسير الدوافع المؤدية إلى هذه النتائج أو تلك.. فمن خلالها تحل مشكلة السيطرة الواعية على العملية الإبداعية اللا واعية وتتبع خطوات عملية التجسيد العضوي التي يجريها الممثل للشخصية.. والمهم أنها لم تكن مجرد نظرية صرف بمعزل عن التجربة الكلية الإبداعية والتعليمية لـ ستانسلافسكي نفسه ومسرحه، وقد سماها ستانسلافسكي "فن المعايشة".. ولا يعني هذا المصطلح، الذي عانى من التباسات كثيرة، أن يفقد الممثل نفسه في الشخصية، بل يعني ما أشرنا إليه من عملية ولادة، أو خلق الممثل " شخصية إنسانية جديدة، على أساس من صفاته الفردية الخالصة., أي أن يُخضع الممثل ذاته، وأفكاره ومشاعره لجميع دقائق، وخصائص إنسان آخر.."ـ كما يقول كيدروف ـ  فالصدق الذي يسعى إلى تحقيقه الممثل وفقا لهذه الطريقة، ليس هو بالمرة الصدق الواقعي، بل هو الصدق الفني: " الذي يؤمن الممثل بوجوده في نفسه، وفي أذهان وقلوب غيره من أعضاء الفرقة.. فالصدق والإيمان متلازمان في الوجود، وبدونهما لا وجود للعمل الخلاق على المسرح.."

هكذا نجد أنفسنا ملزمين بالتعريف لمنهج ستانسلافسكي تعريفا سريعا ومختصرا ، ولكن يسبقه فقط ، تنويه لازم ، بالجهد الكبير الذي بذله المرحوم (د. شريف شاكر ) وهو ناقد مسرحي سوري الأصل ، حيث أخذ على عاتقه مهمة ترجمة وتراث ستانسلافسكي إلى العربية عن الأصل الروسي ، وليس عن طريق الترجمات الإنجليزية ، التي وصلتنا عن طريقها الترجمات القليلة عنه!، ولكن القدر لم يمهله ليستكمل مشروعه الكبير، وسوف نستعين في هذا المقال بترجمته مرشدا وهاديا.، وهناك أيضا جهد فقيد المسرح العربي السوري ، المخرج (فواز الساجر) ، الذي اعد أطروحته للدكتوراه عن (مشكلات العمل وفق نظام ستانسلافسكي مع الممثل العربي).. حتى نتعرف على حقيقة هذا التراث العظيم الذي أورثه (ستانسلافسكي) تلامذته لا في الاتحاد السوفيتي فقط ولكن في كافه أنحاء العالم ! ؟

وسنبدأ من اللحظة التي اكتشف فيها ستانسلافسكي قصور طريقته القديمة في تدريب الممثل اعتمادا على الدوافع السيكولوجية الداخلية ، وعلى طاقته الروحية ، التي تتبدى عند التطبيق العملي شيئا غائما ، لا يمكن الإمساك به ، وهى الطريقة التي مازلنا نعرف بها (ستانسلافسكي) حتى اليوم ! ففي عام 1910م وبعد انتهائه من إخراج مسرحيه (شهر في القرية) للكاتب الروسي (تورجينيف) يشير ستانسلافسكي أول مرة إلى مشكلة الدور وبنائه بواسطة الممثل فيقول : " إن أهم ما توصلت إليه في هذا العرض هو أنني تعرفت على حقيقة معروفه منذ القدم.!، فالممثل ليس بحاجة فقط للعمل في إعداد نفسه ، بل وللعمل في إعداد دوره أيضا.، وهذا مجال واسع يتطلب دراسة خاصة ، وتقنية مستقلة.! "

وخلال السنوات التالية ، كان هذا الموضوع هو ما يشغل بال ستانسلافسكي على الرغم من استمراره في العمل وفق الأسلوب السيكولوجي الخالص الذي اشتهر به ، وهكذا بدا يكتب إعداد الدور المسرحي على أساس مسرحية (صاحب العقل يشقى) ل جريبودييف ، ثم (رواية تربوية) ، وقد توصل ستانسلافسكي بعد هاتين المخطوطتين إلى اكتشاف انه لا يمكن إخضاع المشاعر والأحاسيس الداخلية للمثل لمراقبة العقل وتأثيره على طريقة (أنا أريد أن احزن .. إذن ، فلتدر التروس الداخلية ! ، ولتحترق أعصابي.!) ، فحتى لو تمت هنا معايشة من أي نوع ، فإنها غالبا ما تكون شكليه ، ضعيفة ، لا يمكن الاعتماد عليها ، ولكن حتى في هذه المرحلة كان عمل ستانسلافسكي ما يزال مرتبطا بوجهة نظره الأولية حول عمل الممثل ، التي لم تكن قد وصلت بعد إلى تمام نضجها ، وقد أعرب هو نفسه عن عدم رضاه عن هذه المرحلة.

أما ما يعتبر انه مرحلة النضج الحقيقي في تطوير منهج ستانسلافسكي ، فهو مخطوط إعداد الدور المسرحي على أساس مسرحية (عطيل) شكسبير ..، فهي هذه المرحلة (سنوات الثلاثينات) أدرك ستانسلافسكي أهمية العودة لتقديم نتائج عمله السابق وتعديل منهجه بما يتفق واكتشافاته في الواقع العملي ، التطبيقي مع الممثلين فما هو هذا الجديد الذي توصل إليه ؟ والذي أصبح بمثابة نقطة التحول في منهجه كليه ؟ وهو الذي نزعم انه الجزء الغائب عن أبدى معظم العاملين على طريقته لدينا !؟

هذا الجديد هو (الفعل البدني ـ الفيزيولوجي) باعتباره نقطة الانطلاق في عمليه خلق الشخصية ، بدلا عن المعايشة السيكولوجية الداخلية ، التي اصبح موقعها تاليا منذ الآن ..وهو ما يعنى استجابة ستانسلافسكي لمعطيات التطور في الفن الدرامي آنذاك ، وتوافقه مع الاتجاهات المسرحية الجديدة التي راحت تظهر متتابعة ، وتلقى بآثارها على كل ما هو موجود أصلا ، باعتبار الشكل المثالي ، داعية إلى تغييره ، ولا ننسى أن هذا كله كان يحدث في روسيا التي كانت تعيش مرحلة صاخبة من التغيير بعد نجاح ثورة أكتوبر وتسلم البلاشفة مقاليد الحكم. ، ويكفى أن نعرف انه في عام 1927 كان في روسيا وحدها حوالي 24 ألف مجموعة مسرحية تجريبية ، لها من الورش المسرحية والمعامل والمسارح ، ما لم يكن له مثيل في غيرها من البلدان ..!

وإذن فقد تخلى ستانسلافسكي عن طريقته السابقة في تحليل المسرحية من وراء الطاولة (الترابيزة) واضطر إلى اللجوء إلى لغة الحركة الفعلية مباشرة على الخشبة جنبا الى جنب مع شرح الترابيزة ، مكتشفا أهمية (الارتجال) كقوة دافعة لخيال الممثل الحركي ، يمكن أن تساعده في تحليل دوره وفهمه بشكل عميق وجدلي ! وهو ما سماه ستانسلافسكي (الإحساس الواقعي بحياة المسرحية والدور) وهى الطريقة التي رأى أنها قادرة على تحليل المسرحية بسهولة ، باجتذابها للطبيعة العضوية ، والقوى الإبداعية الداخلية بالتالي ، نحو الإيماء بالأفعال المادية والخلق الفعلي للشخصيات من اجل اكتشاف طبيعة هذه الشخصيات وسلوكها وحقيقتها الداخلية ، لا بمجرد النظر والتعبير الصوتي الزائف ، وإنما برؤيتها في مواقف فعلية ، حركية تستدعى استجابات حقيقية ، صادقة وتكشف عن ماضيها واحتمالات سلوكها وتصرفاتها في المواقف المختلفة ، وهكذا يتم استدعاء المادة الإنسانية الحية الضرورية للإبداع من داخل الممثل ، ويتضح منذ البروفات الأولى إلا حساس بالجو العام للمسرحية ومزاجها. وكما يقول ستانسلافسكي نفسه: " إن جميع هذه الإمكانيات الإبداعية الجديدة ، والمهمة للغاية التي تتمتع بها طريقتي ، تجعل منها وسيلة عملية ذات فائدة كبيرة " !!

على إننا لا يجب أن نمضي إلى ابعد من هذا في الحديث عن نظرية (الأفعال) التي صورناها هنا باعتبارها الركن الأساسي الناقص في معرفتنا بمنهج ستانسلافسكي ، قبل أن نشير إلى ملاحظتين هامتين:

أولا: ما يؤكده هذا القول الذكي لرجل المسرح المعاصر (بيتر بروك) عن النظرية بأنها (حين تصاغ في كلمات فانه كثيرا ما يصيبها الخلط والتشويش). فمنهج ستانسلافسكي في النهاية عبارة عن وحدة واحدة ، وان كان هو قد عمد كثيرا إلى بيان أجزائه كل على حدة ، لكنها أيضا لا يمكن فهمها بمعزل عن وحدتها الكلية ، تماما مثل فكرته عن تقسيم الدور إلى أجزاء أو وحدات منفصلة ، فان تجاهل فكرة الوحدة والفعل الكلى الذي يربط هذه الأجزاء ، يؤدى إلى ضياع ملامح الدور والى ضياع الممثل نفسه ، وهذا يعنى أن ما نعرضه هنا من أسلوب عمل ستانسلافسكي في بناء الدور لا ينفصل في ذاته عن بقية منهجه في التحليل الباطني للمسرحية وعن مفاهيمه الأساسية المعروفة مثل الهدف الأعلى والذاكرة الانفعالية، ولا عن الشروط الأساسية التي وضعها لعمل الممثل مع نفسه (في التجسيد الإبداعي ): مثل الخيال ـ التركيز ـ الصدق ـ الإيمان ـ الاسترخاء ، فما نعرضها هنا يمكن أن يكون على علاقة بكل من هذه الشروط على حدة من ناحية ، وبها جميعا مجتمعة من ناحية أخرى ، بالإضافة إلى كونه يضيف إليها شرطا جديدا هو (الفعالية).

ثانيا: لا يمكن ونحن نتحدث عن الارتجال وتحليل المسرحية واقعيا عن طريق الفعل الفيزيولوجي ، أن نغفل الإشارة إلى أن كل ما يقدمه الممثل في هذا المجال، لابد وان يكون مرتبطا بالدرجة الأولى بمفهوم (الظروف المعطاة) المعروف في منهج ستانسلافسكي، وكما ترى (نينا زفيريفا) فإن المخرجين والممثلين يميلون إلى الانشغال أما بصيغ الأفعال (البحث عن أفعال لغوية طريفة)، وإما بالبحث عن وسيلة التعبير الخارجي ، غافلين عن الشيء الأساسي ، أي البحث عن الدوافع الشعورية الفعالة للأفعال ، واللازمة من اجل تنفيذها .، ويغفل في خضم التهافت على الأفعال المعبرة ، أنها يجب أن تولد من المجموعة المعقدة من الظروف الاجتماعي، والمعيشة، والجو ، والعلاقات المتبادلة ، والشعور. والظروف المعطاة هي ماضي ومستقبل الشخصيات المسرحية ، وهى الجو الذي تعيش فيه ، وهى النظرة إلى الحياة ، والتربية ، والميول والعادات ، وأعمارها ، ومظهرها ، وهواياتها ، وعلاقاتها ببعضها البعض ، وهى ذروة الأوضاع المفجعة أو المضحكة ، العادية أو الخارقة ، والصاخبة، والمتآلفة ، أو الهادئة ، والتي لا يكاد يلحظها الناس المحيطون بها، وبمعنى آخر فانه ينبغي على الممثل عند العمل في إعداد دوره ، أن يبرز الصراع بين " الوجود القائم" لبطله ، وبين حياته الواقعية وكيف يجب ويمكن ويريد ويسعى إلى أن يعيش.

وإذن.. يمكننا الآن العودة لتفصيل مخطط ستانسلافسكي حول "بناء الدور المسرحي" ، والذي اكمل به المعلم الأول جدران منهجه في العمل "داخليا ـ خارجيا" على خشبة المسرح ، وكذلك ـ وهو الأهم ـ العمل "بشكل مبرر وهادف ومثمر"...

وحتى يكون عملنا واضحا ، وغير مخل بالكتاب الاصلى (والذى ترجمه د. شريف شاكر إلى العربية تحت عنوان (إعداد الدور المسرحي)..) فإننا سنختار جزءا بأكمله منه لنعرضه مختصرا ، وهو عبارة عن مخطوطة عمل الممثل في إعداد الدور حسب الطريقة الجديدة على أساس مسرحية (عطيل)، والتي يرجح المؤرخون أنها لم تكتب قبل عام 1937، وهى الوثيقة الوحيدة في هذا الموضوع.

خطة العمل في إعداد الدور المسرحي :

1 ـ التعرف الأول بالمسرحية والدور عن طريق سرد سير فعل المسرحية سردا عاما وليس تفصيليا ، ويتم هذا بالطبع بعد القراءة الأولى للمسرحية التي يوصى ستانسلافسكي بأهميتها ، وضرورة مراعاة أصولها مراعاة كاملة ، تلك الأصول التي يمكن تلخيصها فيما يلي :

- التمهيد للقراءة بصورة تفصلنا عن الشيء اليومي العادي ، وتركز انتباهنا كله على ما نقرا (لا أن نقراها في أي مكان وكيفما اتفق...!)

ـ ضرورة أن نكون نشيطين لحظة القراءة ، سواء من الناحية الروحية أو الجسمانية ، بصورة لا يعيق معها شئ عمل الحدس أو حياة المشاعر .

ـ قراءة المسرحية قراءة تقريرية ، بسيطة ، مفهومة.. دون استخدام أي تعبير فني ساطع ، ولكنها قراءة تكشف في الوقت نفسه عن إدراك حقيقي لجوهر المسرحية الأساسي ، وخطة تطورها الرئيسي ، وميزاتها الأدبية .

2 ـ أداء سير الفعل الظاهري (الخارجي) حسب الأفعال البدنية (الحركية )...

على سبيل المثال يدخل الممثل إلى غرفة .؟ ، طبعا لا يمكنه الدخول هكذا وبصورة صحيحة إذ كان لا يعرف من أين ؟ والى أين ؟ ولماذا ؟ ولذلك فقد يسال الممثل عن الوقائع الخارجية المباشرة (المادية) التي قد تبرر أفعاله ، وهكذا يجرى تبرير الأفعال الفيزيولوجية المباشرة ، بالظروف المقترحة الظاهرية والمباشرة أيضا ، على أن يتم اختيار هذه الأفعال من المسرحية نفسها ، وما لا يكفى يمكن ابتكاره من روح المؤلف. والمهم هو الإجابة على السؤال: ماذا يمكنني أن افعل إذا وجدتُ أنا (الآن) (اليوم ) (هنا) ..في ظروف مشابهة لظروف الدور.

3 ـ القيام بدراسات تجريبية على الماضي والمستقبل (فالحاضر هو المشهد نفسه) من أين جئت ؟ والى أين اذهب ؟ وماذا حدث بين الذهاب والمجيء ؟

4 ـ سرد الأفعال الفيزيولوجية وقصة المسرحية سردا تفصيليا اكبر ، من جانب الممثلين ، وتحت إشراف المخرج ، وفى هذه الخطوة يجرى تدقيق الظروف المقترحة ، وكلمة لو بصورة تفصيلية اكثر عمقا.

5 ـ تحدد المهمة العليا التقريبية المادية للدور بصورة مؤقتة.

6 ـ يتم تحديد خط الفعل المتصل التقريبي (والمادي) على أساس المادة المتلقاه من النص .،

ويستمر السؤال الدائم (الأساسي): ماذا يمكنني أن افعل "لو"...

7 ـ ومن اجل تحديد خط الفعل المتصل ، لابد من اللجوء إلى تقسيم الدور إلى أجزاء فيزيولوجية كبيرة ...

فيكون السؤال هو: ما هي الأفعال الفيزيولوجية/البدنية الكبيرة التي لا وجود للمسرحية بدونها !؟

8 ـ أداء هذه الأفعال (الأجزاء ) الفيزيولوجية على نفس الأساس: ماذا يمكنني أن افعل "لو"...

9 ـ إذا كانت الإحاطة بالجزء الكبير متعذرة ، يمكن التقسيم إلى أجزاء متوسطة ، وإذا احتاج الأمر إلى أجزاء اصغر نوجدها.

ملحوظة : تجرى دراسة طبيعة الأفعال الفيزيولوجية باستخدام أدوات متخيلة ..، ويراعى الحرص على منطق الترابط بين الأجزاء الكبيرة ومكوناتها مراعاة دقيقة توحدها في أفعال كبيرة تامة.

10ـ وضع خط منطقي مترابط للأفعال الفيزيولوجية مترابط للأفعال الفيزيولوجية الظاهرية.، يسجل هذا ويتم تثبيته بالممارسة.. فيؤدى هذا الخط عددا اكبر من المرات ، ويثبت بقوه بعد التحرر من كل ما هو زائد فيه ، ولتحذف منه 95 % ـ لو احتاج الأمر ـ لنصل إلى الصدق والإيمان .، فان منطق الأفعال الفيزيولوجية وترابطها يوصلان إلى الصدق والى الإيمان بهذا الصدق (وهذا بالطبع غير طريقة الصدق في سبيل الصدق !)

11 ـ يجرى تدعيم المنطق والترابط بين الأجزاء وكذا تدعيم الصدق والإيمان في الحالة المذكورة (هنا ـ اليوم ـ الآن ) وتوطيد ذلك كله توطيدا اكبر .

12 ـ نجاح هذه الخطوات كلها يؤدى إلى خلق حاله " أنا موجود ".. وحيثما توجد مثل هذه الحالة ، توجد الطبيعة العضوية وعقلها الباطن.

13 ـ كنا نؤدي حتى الآن بكلماتنا الخاصة ، فلنبدأ بقراءة النص جماعية اون..فالممثل سيلقى الآن من النص كلمات وجمل معينة يكون في أمس الحاجة إليها ، تدهشه بدقتها ، فليسجلها ويدخلها إلى نص الدور بين كلماته الخاصة والعفوية التي تخلقت حتى الآن..

14 ـ بعد مرور وقت قصير تجرى القراءة الثانية ، والثالثة .، مصحوبة بتسجيلات أخرى لكلمات جديده ، تدخل في نص الدور العفوي اللاإرادي ، وهكذا بالتدريج ، في البداية بمساحات منفصلة ، ثم بمراحل طويلة كاملة ، تملأ فيها كلمات المؤلف الدور.، ولا يبقى بعد ذلك سوى ممرات ووصلات صغيرة سرعان ما تمتلئ هي الأخرى بنص المسرحية تبعا لإحساس الممثل بالأسلوب واللغة والعبارة.

15 ـ يحفظ النص ويثبت ..ولكن يجب ألا يلفظ بصوت عال ، حتى لا يفسح مجالا للثرثرة الآلية ، والتلاعب اللفظي (وهو ما يحدث لدينا في البروفات الأولى مباشرة ـ !.) ..والميزانسين أيضا لا يُثبت حتى لا يفسح المجال لاتحاد خط الميزانسين مع خط الثرثرة الآلية.

16 ـ يعاد أداء خطوط الأفعال المنطقية المترابطة ، بالصدق ، والإيمان بهذا الصدق ، وتأكيد حالة (أنا موجود) والطبيعة العضوية للممثل وعقلها الباطن ، ويكرر هذا لفترة طويلة حتى يتم توطيدها بقوة مع نص الدور ، فهكذا تتولد أثناء تبرير الأفعال ، بصوره تلقائية ، ظروف مقترحه اكثر دقه ، وينشا خط للفعل المتصل اكثر عمقا واتساعا وشمولا ..

17 ـ وأثناء هذا العمل يستمر سرد مضمون المسرحية بصورة تفصيلية اكبر فاكبر ، ويبرر تدريجيا بصورة غير ملحوظة خط الأفعال الفيزيولوجية بظروف مقترحه سيكولوجية معمقه ، وبخط فعل متصل ، وبمهمة عليا.

18 ـ الاستمرار في أداء المسرحية حسب الخطوط المقررة ، والتفكير بكلمات النص واستبدالها أثناء الأداء بالنبرات !

19 ـ الآن وقد تحددت معالم الخط الداخلي الصحيح من خلال عمليه تبرير الخط الفيزيولوجي الظاهري وغيره من الخطوط ، فانه ينبغي تقويه هذا الخط الداخلي ، حتى يصبح النص المنطوق خاضعا له فلا يصبح نصا آليا..

20 ـ يستمر أداء المسرحية بالنبرات ، وفى الوقت نفسه العمل على تأكيد خط ما وراء النص الداخلي .

21 ـ يعاد السرد لمضمون المسرحية ، ولكن بكلمات الممثل الخاصة :

أ ـ حول خط الفكرة

ب ـ حول خط الرؤيا.

فيشرح كل ممثل لزميله هذين الخطين ، من اجل خلق خط داخلي عام (جماعي) للفعل ، وهذه الخطوط الأساسية لما وراء نص الدور لابد من توطيدها بقوة اكبر وتعميقها.

22 ـ تتم الخطوة السابقة على الطاولة، ثم يقرأ الممثلون نص المؤلف وهم جالسين (أياديهم تحت مؤخراتهم حتى لا تتحرك) معبرين فيما بينهم ، بدقه قصوى عن جميع الخطوط ، عن الأفعال والتفصيلات ووحدة الدور التي تمت صياغتها.

23 ـ تتكرر هذه العملية مع تحرير اليدين والجسم وبعض الانتقالات والميزانسينات العرضية على خشبة المسرح.

24 ـ صياغة خط الديكور وإقرارها..حيث يسال كل ممثل عن المكان الذي يفضل أن يكون فيه ، ويضع كل ممثل تصوره ، ثم من جميع التصورات التي يضعها الممثلون يتم وضع تصور (خطة) الديكور !

25 ـ صياغة الميز انسين وتمديده ..حيث يجرى ترتيب خشبة المسرح وفق خطة الديكور ، ويسال الممثل عند دخوله مثلا: أين يمكنك أن تفصح عن حبك ؟ أو تقنع صاحبك ؟ أو تتحدث بصراحة ..الخ..؟ أين يكون الانتقال لإخفاء ارتباكك..

وهكذا ، يبدأ الممثلون في تنفيذ جميع الأفعال الفيزيولوجية الضرورية حسب المسرحية.

26 ـ التحقق من خطوط المكان والميزانسين ، وفتح هذا الجدار أو ذاك بصورة مقصودة.

27 ـ العودة إلى الطاولة وفتح عدد من الأحاديث حول الخطوط الأدبية والسياسية والفنية للمسرحية .

28 ـ سمات الشخصية ..إن كل ما تم صنعه حتى الآن ، قد عمل على خلق سمات الخارجية فيجب أن تظهر أثناء ذلك من تلقاء نفسها ، ولكن ماذا نفعل إذا لم تظهر السمات الخارجية؟...

في هذه الحالة علينا أن نقوم بكل ما تم صنعه ولكن في حاله عرج ما ، أو في حاله كون اللسان به عيب ، أو في وضيعه معينة للأرجل أو الأيدي أو الجسم كله ، أو في حاله وجود عادات وتصرفات خارجية معينة .!بمعنى انه إذا لم تتولد السمات الخارجية للشخصية من تلقاء نفسها ، فيجب تطعيمها من الخارج مثلما نطعم غصن ليمون عادى بليمون هندي !

ـ وبعد ...

فهذا ملخص مبسط جدا لعمل ستانسلافسكي الهام حول بناء الدور المسرحي نورده ونحن ندرك أهمية إعادة النظر في تراث فن التمثيل في المسرح المصري وهى مهمة مناط بها المخرجون بالدرجة الأولى ، حيث قد تكدست لدينا مجموعه من التقاليد والمفاهيم المغلوطة، الميتة، للتمثيل والإخراج على خشبة المسرح المصري بداية من تقاليد البروفة الأولى، وبروفات الترابيزه، وانتهاء بطريقة عمل الميزانسين، ووضع تصورات الديكور والملابس.. وكما يقول (ستانسلافسكي) نفسه مرة أخيرة انه:

" شئ مؤلم أن يعتقد الفنانون بان فنهم اصبح مكتملا، وان يتوقفوا عن الحركة.. ولكن ليس اقل من ذلك باعثا على الألم عندما ينحني الفنانون للجديد فقط لمجرد كونه شيئا جديدا...!"

---------------------------------

نُشرت للمرة الأولى بمجلة المسرح المصرية – القاهرة – العددين 25،26 ديسمبر1990، يناير1991

السبت، 15 سبتمبر 2012

قراءة في عرض جوف الحوت...

مجلة الفنون المسرحية


قراءة في عرض جوف الحوت...

سعيد بن حدو

قدمت فرقة الحدباء المسرحية العراقية عرضاً مسرحياً مونودرامياً (جوف الحوت) تأليف ناهض الرمضاني  تمثيل واخراج عباس عبد الغني في المهرجان الدولي للفنون المرئية والمسرحية المنعقد من 03 سبتمبر الى 09 من نفس الشهر 2012 في مسرحي المركب التقافي لمولاي رشيد والمركب التقافي لسيدي بليوط.

 جاءت قراءة المخرج للنص والمعالجة التي تراتبت بعدة مستويات فقد تم ترجمة أجزاء من الحوار إلى لوحات جسدية كما حصل مع لوحة السيف التي عبرت عن التعايش الذي عاشته الشخصية مع السيف واستذكار البطولات العديدة والمغامرات المدروسة والغير مدروسة للسيف مع الشخصية ,ثم جاءت المرأة ومناجاتها من قبل الشخصية وهنا تمت معالجة المرأة بضوء جانبي ازرق لتكون المتنفس الذي استطاعت عبره الشخصية أن تجعل المتلقي يتطهر من أدران الأعباء الثقيلة التي القيت على كاهل الشخصية في الأحداث المتعاقبة التي مرت على المدينة وعايشها كل إنسان فيها وخصوصا الشخصية التي مثلت كل إنسان حاول أن يحمل على كاهله مهمة إصلاح العالم, وجاءت معالجة الموضوع عبر تقسيم العناوين التي تضمنها النص إلى أجزاء عدة يفصل بينها صوت موجة وهو تكرارا تطرق له المخرج في عروض سابقة كعرضه الجمجمة في العام 2007 بمهرجان المونودراما في اللاذقية, لكن الموجة هنا لم تتكرر أكثر من أربع مرات وجاء الفاصل الأخر في عود نصير شمة الذي استخدمه المخرج ليكون معايشة أخرى وترجمة للحوار الذي يتضمن مرور الزمن والشخصية تعيش مع الجمجمة ,فمرة ينام مع الجمجمة ومرة يطعمها ومرة يرقص معها, ثم إن هذا الأسلوب البصري للترجمة الحوارية تكررت في أكثر من عرض للمخرج نفسه,وعند سؤالنا له قال انه أسلوب يجعلني الخص الحوارات الطويلة التي قد ترهق المتلقي ,وسألته وهل أنت ترغب بإراحة المتلقي فقال طبعا. وأنا برأيي أن هذا الترحيل أو الترجمة للحوار إلى لغة جسد هو أمر غير مبرر إنسانيا لكنه مبرر درامياً, ثم تأتي مناجاة الشخصية للضمير الذي عبر عنه المخرج والممثل في الآن نفسه بضوء اخضر وجعله يجلس بوضع الإنسان الذي يصلي  حتى جعلنا نعتقد انه يناجي ربه ,ثم اكتشف الممثل أن هناك كتاباً داخل الحوت وتساؤل هل هذا الحوت يحوي بجوفه كل هذه الأمور من سيف وجمجمة وحكمة متمثلة بالكتاب ثم مانفع الحكمة التي لم تحافظ على أسوار مدينتنا؟؟ هذا جاء بلسان الشخصية مما جعل الجمهور يصفق طويلا على هذه الجملة الحوارية التي أعطاها المخرج الممثل عبد الغني تركيزا كبيرا بالأداء  بحرفية عالية مما جعل العرض يرتب ضمن العروض الاحترافية التي وقفت وجهاً لوجه مع العروض الأجنبية الفرنسي والاسباني والهولندي والسويسري

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

"السينوغرافيا" بين الشكلانية والرؤية المسرحية المتكاملة

مجلة الفنون المسرحية

"السينوغرافيا" بين الشكلانية والرؤية المسرحية المتكاملة

طرحت الحداثة وما بعدها أسئلة كثيرة على المسرح، وتحديداً سؤال تحدي الذات، والقدرة على الخروج من الإطار التقليدي الذي يعتمد على الحكاية أو الأداء إلى فضاء آخر تحتل فيه السينوغرافيا دور البطولة في بعض الأحيان على حساب المفردات الأخرى في العرض المسرحي 
وقد أثر التطور التكنولوجي في إخراج الأعمال المسرحية، وبات الاعتماد على المؤثرات أمراً لا غنى عنه في العرض، بل يمكن القول إن الكثير من المخرجين باتوا ينطلقون من الرؤية السينوغرافية تجاه النص، بمعنى أن فضاء الشكل قد أصبح لديهم هو الأساس الذي تبنى عليه مختلف العلاقات بين مفردات العرض .
مما لا شك فيه أن مهرجانات المسرح صارت حلبة سباق وتنافس بين المخرجين لتقديم عروض أكثر إبهاراً من حيث الشكل، وإبداع سينوغرافيا قادرة على جذب المتلقي، وتقديم الرؤية الإخراجية من خلال العناصر السينوغرافية، حتى إن بعض الأعمال ذهبت إلى أبعد من ذلك، وقلصت دور الحوار، والأداء الجسدي، وجعلت العلاقة بين العرض والمتلقي تقوم على ما يمكن أن تجود به السينوغرافيا من دلالات .
وإذا كانت السينوغرافيا في معناها الحرفي تعني البيئة المكانية للعرض، ووصف هذا المكان، وما يوجد فوق الخشبة من ديكور وأزياء وموسيقا، إلا أن هذا المفهوم أخذ بالتوسع مع الميل إلى إيجاد تأويلات تقوم على الشكل، أو لنقل إنها تنطلق منه، وهو أمر لا يمكن الحكم عليه بالسلب والإيجاب مسبقاً، وإنما يتأتى الحكم من داخل بنية كل عرض بشكل منفصل، فالأمر في المسرح كما هو حال الفنون البصرية يعتمد على قوة التأثير، وليس على ما تضمنته المشهدية من مكونات، أو ما استخدم فيها من أدوات .
وعن أهمية السينوغرافيا وكيفية تصنيف أهميتها بالنسبة لبقية العرض يرى المسرحي حميد سمبيج أن السينوغرافيا باتت في بعض العروض هي كل العرض، وأن قدرة العرض على جذب المتلقي لا يمكن أن تحدث من دون وجود سينوغرافيا فيها إبهار للمتلقي، ويقول سمبيج: “علينا أن نعترف أن العروض باتت تنحو أكثر فأكثر نحو إعطاء دور البطولة للسينوغرافيا، وهذا لا يلغي العناصر الأخرى في العمل المسرحي، لكنه يقرر حقيقة واقعة في المسرح الذي نشاهده منذ سنوات، خاصة أن عين المتلقي راحت تتعود شيئاً فشياً على وجود عناصر ومؤثرات جاذبة، وهو ما قدّمته التكنولوجيا للعمل المسرحي، لكن المسألة في نهاية الأمر تتوقف على المخرج المبدع الذي يستطيع أن يوظف السينوغرافيا لتأكيد فكرة العرض، وتثبيت إشاراتها ودلالاتها في ذهن المتلقي، وشده إلى متابعة العرض وتذوق جمالياته” .
ويعتقد سمبيج أن أهمية السينوغرافيا في بعض العروض تتجاوز أهمية الممثل نفسه، وهو لا يعني انتقاصاً من أهمية الممثل، وإنما إشارة إلى الدور المتنامي لها في العروض المسرحية، ويقول سمبيج: “علينا ألا ننسى أيضاً أن المسرح بوصفه فناً مشهدياً قد استفاد كثيراً مما قدمته السينما بصرياً، كما أن المسرح فن حي عليه أن ينافس في المجال البصري أيضاً، وهو ما يمكن أن تحققه السينوغرافيا في هذه المنافسة، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الفن المسرحي” .
الدكتور محمد يوسف الذي خاض تجربة طويلة في فني المسرح والتشكيل يرى أن العرض المسرحي يقوم على الترابط بين كل مكونات العرض، وأن كل عنصر في العرض له أهميته الخاصة، واستخدام السينوغرافيا بطريقة شكلانية من شأنه أن يؤذي العرض نفسه، و”هو ما نجده في بعض العروض التي لا يمتلك فيها المخرج رؤية متكاملة، ويتم التعويض عن ذلك باستخدام سينوغرافيا فيها الكثير من الإبهار، لكنها تمتلك القليل من الدلالات” .
ويتابع د . يوسف: “لقد أثرت الحداثة على الفنون برمتها، ومنها المسرح، ومن تأثيرات الحداثة دخول التكنولوجيا في العرض المسرحي، وهو ما يتجلى من خلال السينوغرافيا بشكل رئيس، لكن علينا الاعتراف بأننا نرى استحضار التكنولوجيا أحياناً بطريقة خاطئة، وبناء سينوغرافيا لا تنسجم مع بيئة العرض، وما يزيد الطين بلة أن بعض المخرجين تفلت من بين أيديهم الأمور في الربط بين السينوغرافيا والأداء، وهو ما يؤثر في مجمل العرض، كما بتنا نشاهد قوالب متشابهة في بعض العروض على مستوى السينوغرافيا، وهو ما ينم عن نقص في البحث من قبل المخرج، وعدم قدرة على وضع كل عناصر العرض في بوتقة واحدة، وهذا الأمر لا ينفي أن بعض المخرجين استفادوا بشكل كبير من السينوغرافيا، وأحيانأً ينطلقون في بناء العرض انطلاقاً منها، لكنهم يمتلكون الرؤية والقدرة على بناء عرض متكامل، وتوظيف عناصر العرض بالطريقة التي تخدم المناحي الفكرية والفنية والجمالية للعرض نفسه .

--------------------------------------------
المصدر : حسام ميرو - الخليج

الأربعاء، 6 يونيو 2012

إطلالة على المسرح الإسباني المعاصر

مجلة الفنون المسرحية

إطلالة على المسرح الإسباني المعاصر

محمّد محمّد الخطّابي :

 بمشاركة 23 فرقة مسرحيّة عالميّة تنتمي لتسع دول،كان قد إنطلق في 9 ايار/ مايو المنصرم المهرجان الدّولي 'الخريف في فصل الربيع للمسرح' لمدينة مدريد ، في دورته التاسعة والعشرين، ومن المنتظر أن تختتم فعاليات ووقائع هذا المهرجان يوم 3 حزيران/يونيو الجاري2012، وقد قدّمت خلال هذه الدّورة العديد من العروض المسرحية المنوّعة بمشاركة صفوة ممتازة من المخرجين والممثّلين العالميين، الذين ينتمون إلى مختلف مدارس الفنون المسرحية العالمية الحديثة، وفي مقدّمتهم بيتر بروك، وسيمون ماكبورني، وروبير لوباج وسواهم.
ومن البلدان المشاركة هذا العام: فرنسا، بلجيكا،بريطانيا،البرتغال،إيطاليا، كندا،الدانمارك، بولونيا بالإضافة إلى إسبانيا البلد المضيف. قدّمت هذه العروض، التي بهرت عشّاق المسرح من الجمهور، والمثقّفين والنقّاد، على خشبات العديد من القاعات المسرحية المنتشرة في مدريد وضواحيها وأرباضها. كما قدّمت ضمن فعاليات هذا المهرجان الرّبيعي كذلك بشكل مواز العديد من عروض الرّقص، والغناء، والموسيقى المختلفة، ولقد حوّل هذا المهرجان العاصمة الإسبانية في الأيام الأخيرة إلى عاصمة للمسرح الأوروبي، وقبلة للفنون والإبداع.
وحريّ بنا بهذه المناسبة أن نلقي نظرة عجلى على ثلاثة نماذج لأبرز المسرحيّين الإسبان في هذا العصر وهم: 'فاييّي إنكلان'، و'بويرو باييخو'، و'لويس ريّاثا'، الذين يمثلون إتجاهات مختلفة للنصّ الدرامي في المسرح الاسباني في حقب متفاوتة من تاريخنا المعاصر .
يتميّزالمسرح الاسباني على إمتداد تاريخه بالتنوّع والغنى والثراء، سواء في مواضيعه أو نصوصه أو جوهره.
ومنذ كتّاب المسرح الاسباني الكلاسيكيين الاقطاب أمثال 'فرناندو دي روخاس'، و'لوبي دي فيغا'، و'كالدرون دي لا باركا'، و'تيرسو مولينا '، و'خوان رويث دي ألاركون' ما فتئ المسرح الاسباني يحقق نجاحات تلوالأخرى في مختلف العصور، وقد بلغ أن قدّمت في مدريد وحدها منذ بضع سنوات في وقت واحد ما يقارب خمسين مسرحية تمثل مختلف الاتجاهات والمدارس المسرحية المتباينة. كما يعرف المسرح الاسباني نجاحات كبيرة كذلك خارج اسبانيا خاصة في أوروبا وفي بلدان أمريكا اللاتينية.

إنكلان وثورة النصّ
التيّارات الجديدة التي عرفها المسرح الغربي انطلاقا من عام 1887 في كل من باريس وبرلين وموسكو ولندن تعتبر انعطافا في تطويرهذا المسرح، حيث عرفت المواضيع الاساسية المتعلقة بالعروض المسرحية تطوّرا هائلا مهّدت السبيل الى ظهورالمسرح الحديث الذي سيصبح من أبرز رجالاته' برتولت بريخت'، و'أرثور أداموف'، و'جان جينيه '، و'غروتوسكي'، و'بيتر بروك'، وسواهم الذين يعتبرون برمّتهم من الوجوه المشعّة في تاريخ تطوّر المسرح الاوروبي. هذا التيّارلا يعتمد على الصورة المسرحية بقدر ما يعنى بجوهرالنصوص، هذه النقلة في عالم المسرح في اسبانيا قام بها الكاتب الاسباني 'فاييّي إنكلان' إنطلاقا من سنة 1906حيث بدأ يتجلى الابداع المسرحي في الورق والكتابة قبل أن يظهر على الخشبة بواسطة الإخراج المسرحي. وهناك نصّان بارزان لهذا المبدع هما 'نسر المجد' و'غنائية الذئاب' حيث بدأ مرحلة جديدة في الفن الدرامي في اسبانيا، وتغلف هذه النصوص أجواء من الظلام، والطلاسم، والموت، والدم، والعنف، والقساوة وعناصر أخرى ظلت بمنأى عن النصوص المسرحية الاوروبية وعن خشبات المسارح الغربية بشكل عام .لا تحتاج نصوص 'فايّيي إنكلان' سوى الى حيّز رمزي لابلاغها للجمهور، و تغدو كلمات شخصياته حليفة الضوء واللون والصّوت ولصيقة بأجسام الممثلين وحركاتهم ومواقعهم، ذلك انّ هذه النصوص تتوفر على قوّة سحرية ليس إنطلاقا من ثراء مضامينها وحسب، بل وبشكلها وإطارها ووقعها وتنغيماتها، هذه النصوص هي ذات طابع إجتماعي ونفسي في آن واحد، إذ لا يقوم العالم الدرامي لدى الكاتب سوى على النطق والقراءة كما كان الشأن في النصوص الواقعية، بل انه لصيق بالجّو الرمزي الجديد، أيّ طغيان الكلمة باعتبارها الخاتم الجديد لمسرح القرن العشرين. إنّ 'فاييي إنكلان' بهذا الاتجاه الجديد لم يكن كاتب نصوص وحسب، بل كان ممثلا ومخرجا مسرحيا في آن واحد داخل نصوصه نفسها. وهذا المنحى المسرحي لدى' إنكلان' ليس هروبا من الأعراف المسرحية او نكرانا لها بقدر ما هو عودة الى ينابيع الدراما، وانغماس في معايشة الفن المسرحي في أجلى معانيه وصوره. انه بهذا الاتجاه مثلما هو عليه الامر في التراجيديا الكلاسيكية يمثل رجوع الانسان الى رؤاه الأولى المبكرة للعالم الحافل بالأسرار والغوامض، هذا العالم المغلف بلغز التساؤل الأبدي، وما يتراءى له في نصوصه من شخصيات غريبة تتعانق فيها الخيالات وأضغاث الأحلام باللا وعي والهذيان. انّ فاييي إنكلان باتجاهه هذا قد أعاد الاعتبار لبعض الأبطال الكلاسيكيين الذين نعرفهم، انّ الاشكال المسرحية في نصوصه هي الحلقة الواصلة بين جيري وبريخت، أو أرتولد وأونيسكو أي بين المسرح الملحمي أو الحماسي ومسرح اللامعقول.

فايّيخو والدراما التاريخية

إنّ رؤية العالم التي تقدّمها لنا الدراما التاريخية هي نتيجة تداخل عملية تركيب ايديولوجي للحقيقة التاريخية بواسطة الكاتب بمساعدة المتفرّج ،هذا التركيب عادة ما يكمن في بنيوية رؤية الماضي عن طريق تلاقي الكاتب والمتفرّج في الحاضر، وانّ البعد القائم بين الزمنيين يغدو ملكا للسرد التاريخي. ذلك انه من أهم المميّزات الاساسية للدراما التاريخية القدرة على الربط بين الماضي والحاضر، وهنا تكمن مقدرة 'بايخو' في الوساطة التراجيدية بين الزمنيين. وخير مثال لدى الكاتب مسرحيتاه 'حكاية معلم' و'الظلام الملتهب' حيث تعتبر هاتان المسرحيتان تقصّيا مهووسا للظرف التراجيدي للإنسان كعنصر بارز من عناصر التاريخ. بل انّ هذا الهاجس في تقصّي عامل الزمن نجده في مسرحيتين أخريين للكاتب هما 'الحاكم للشعب' و'الإنفجار'، انّ الفرق بين الضمير المعتقدي والضمير التراجيدي لا ينحصر في تقبّل الحقيقة او تغييرها، بل على العكس من ذلك يكمن في عدم قبول إنشراح المتفرّج باجابة او تفسير يؤدّيان الي تلاشي الصراع القائم، ويحوّل الضمير التراجيدي عملية التساؤل الى تناوش تراجيدي وذلك بتفجير السؤال نفسه على خشبة المسرح ،وبالتالي نجعل المتفرج مشاركا بالضرورة في البحث عن الاجابة ليس على خشبة المسرح وحسب بل في الحيّز التاريخي كذلك. والاجابة رهينة بطبيعة الحال بمقدرة وكيفية تلقي المتفرج للسؤال وفهمه واستيعابه.
إنّنا اذا تأمّلنا مسرحيات 'باييخو' فسوف نجدها حافلة بهذا العنصر التساؤلي التاريخي، وهو بذلك يزيد في مضاعفة وظيفة الاعضاء السمعية والبصرية لدى المتفرّج، وتنشيط السّمات الكلامية لديه فتغدو التراجيديا عنده وسيلة مفتوحة وليس مغلقة، لانه بذلك يستبدل مفهوم القدرية بالحرية، محوّلا إيّاها الى المحور المحرك لنظرته التراجيدية للتاريخ ،وبذلك تغدو المسافة الممتدّة بين العطاء والاستقبال أيّ بين الكاتب والمتلقي للنصّ هي المسافة القائمة بين الضمير التراجيدي وتساؤله، والضمير وجوابه. وبذلك تتحوّل الدراما الى حقيقة تاريخية ويظل المتفرّج هو وحده باستطاعته تخطّي الحواجز وتجاوزها في سباق التاريخ.
وتتميّز الرؤية المسرحية لدى الكاتب المسرحي الاسباني 'لويس رياثا' إنطلاقا من مسرحيته 'الحصان داخل السور' بهالة من السخرية والترف والتهكّم في أجلى مظهره في المسرح الغربي الحديث، انّ الكاتب بدل ان يتقبّل مختلف الاشكال التجريبية للمسرح الجديد المنتشر بين ضفتي المحيط اي بين اوروبا وامريكا، يلجأ الي صنع أسلوب مسرحي جديد خاص به.ان قارئ نصوصه، وهو يأتي مباشرة بعد موجة العبث، لكي يتسنّى له فهم ما يقرأ لا بدّ له ان يقيم عددا من الوسائط او الصلات بين النصّ والعرض نظرا لتكاثف الرموزعنده وتداخلها ،وتفجيره لعنصرالأنا ولهويّة الممثل والمتفرج في آن واحد.

المسرح الإسباني والتراث الأندلسي
وتجدر الاشارة الى ان المسرح الاسباني على امتداد العصور قد استقى غير قليل من مضامينه وموضوعاته من التراث العربي والحضارة الاسلامية في الاندلس، كما يشهد بذلك معظم الدارسين والمستعربين الاسبان وغير الاسبان على حدّ سواء. حيث حفلت العديد من الاعمال المسرحية الاسبانية القديمة منها والمعاصرة بالاشارات الواضحة الى المظاهر الحضارية والثقافية وإبراز مواقف الشهامة والشجاعة والنبل والكرم والأنفة عند العرب والمسلمين. وتتجلى مظاهر هذا التأثير منذ القرون الوسطى وفي العصر الذهبي للمسرح الاسباني، أيّ منذ عصر الرومانسيين القدامى الى المجدّدين من المسرحيين الاسبان في القرن العشرين. ومن أبرز الكتاب الاسبان في هذا المجال على سبيل المثال وليس الحصر- 'فرانسيسكو فييّا إسبيسا' حيث شكلت المواضيع العربية في أعماله عنصرا أساسيا لإبداعاته الادبية والمسرحية على اختلافها. وقد حقق هذا الكاتب الاسباني نجاحات باهرة باعماله هذه داخل اسبانيا وفي بلدان امريكا اللاتينية، كما ترجم بعضها إلى اللغة العربية،إلا ان بعض هذه الاعمال لم تسلم من معاول التهجّم والهدم لبعض النقاد المتزمتين. في حين أنّ نقادا آخرين أنصفوه وجعلوه في طليعة الممهّدين والمبشّرين للمعاصرة والتجديد والحداثة في الادب الاسباني وفي امريكا الجنوبية. من أعماله الابداعية المعروفة في هذا الصدد مسرحيته 'قصر اللؤلؤ' (1911) التي نقلها الى اللغة العربية أستاذي في جامعة عين شمس بالقاهرة الدكتور لطفي عبد البديع. ومسرحيته 'بنو أميّة'(1913) و'باحة الريّاحين'(1908) و'عبد الرحمن الأخير'(1909) و'انتقام عائشة'(1911). ولد 'فرانسيسكو فييّا إسبيسا' في مدينة ألمرية 1877 وتوفي في مدريد1936.

الجمعة، 1 يونيو 2012

المسرح الألماني: مساع لإضفاء المزيد من التنوع الثقافي

مجلة الفنون المسرحية

المسرح الألماني: مساع لإضفاء المزيد من التنوع الثقافي


سعياً منه إلى تشجيع الأعمال المسرحية التي تتطرق لمشاكل المهاجرين، ينظم أحد المسارح الألمانية مسابقة مفتوحة للكتاب المسرحيين من أصول أجنبية، وذلك بسبب غياب مثل هذه المواضيع عن خشبة المسرح في ألمانيا.
هرمز شابة جذابة ومثقفة، وفي رحلة بحثها عن شريك حياتها المناسب، تتعرف هذه الفتاة الألمانية ذات الأصول التركية، على تسعة شبان من بينهم الشاب الألماني شتيفان، الذي يصف هرمز بالفتاة التركية التي لا تعرف إلى أي جهة تنتمي. أما هرمز نفسها فتقول بأنها تشعر بأنها ألمانية أكثر من شعورها بأنها تركية، غير أن ثمة أمور تدفعها في بعض الأحيان لتغيير رأيها. عن ذلك تعلق هرمز بالقول: "دائماً ينظر الألمان للأجانب وكأنهم هم من يرفض الاندماج. ونظراً لأن هذا الأمر يؤلمني كثيراً فإنني أفضل أن أكون تركية، غير أنني أيضاً أجد صعوبة في التسليم بذلك".
هذه المشاهد ليست واقعية، وإنما هي مقتطفات من مسرحية "سبعة رجال من أجل هرمز" من تأليف الكاتبة والصحفية من أصول تركية تانيا زيران. فمن خلال هذه المسرحية تود زيران أن تعكس مشكلة الهوية والانتماء التي تواجه الكثير من الألمان من ذوي الأصول الأجنبية. وباتت الكاتبة على وشك الانتهاء من نص هذه المسرحية.

إبداعات كتاب من أصول أجنبية

تلتقي زيران مرة في الشهر في المسرح الوطني لمدينة كاستروب غرب ألمانيا مع ثمانية مشاركين آخرين في مشروع "في المستقبل"، ويقومون معاً بدراسة وإدخال تعديلات على الأعمال المسرحية التي يكتبونها، إذ سيتم اختيار أفضل هذه الأعمال لتعرض في مسرح كاستورب الخريف المقبل، كما سيتم في الصيف تقديم بقية المسرحيات، التي تعكس واقع وآمال المهاجرين في المسارح الألمانية.
وتعتقد تانيا زيران بأن تلقى هذه الأعمال المسرحية الجديدة استحسان الجمهور، وتضيف قائلة: "أتمنى أن يصبح في السنوات العشر المقبلة أمراً عادياً أن تعرض مسرحيات لكتاب من أصول أجنبية على خشبة المسرح الألماني".
مختارات

ويرى زميلها في المشروع ميشائيل كوبيرس أديبيسي أن الأشخاص القادمين من ثقافات أخرى والمنفتحين على ثقافات جديدة لديهم الكثير ليقدمونه، ولديهم أيضاً قدرة أكبر على التواصل وبأساليب مختلفة، مقارنة بالأشخاص الذين لا يعرفون سوى ثقافة واحدة. ويضيف الكاتب الذي توج بجوائز أدبية كثيرة: "هؤلاء الأشخاص يملكون الكثير من الإمكانيات التي يمكن أن تساهم في تطوير المجتمع". وفي مسرحيته الفلسفية "المزج بين الريخستاغ وكافكا" يتحدث هذا الكاتب الألماني من أصول جامايكية عن الهوية المزدوجة.
تعدد الهوية إثراء للمجتمع
وحظيت هذه المواضيع المسرحية الجديدة بتقدير مديرة المشروع ماكسي أوبكسر، التي لم تبخل بالدعم ومد الكتاب الشباب ببعض النصائح، التي تخدم البناء الدرامي لمسرحياتهم وتضفي قوة على الشخصيات والمشاهد فيها. وتقول أوبكسر في هذا الإطار: "هذا المشروع يقدم رسالة مفادها أنه يمكن أن تكون للشخص هويات متعددة وأصول مختلفة، دون أن يضطر لاختصار نفسه في هوية واحدة". وتضيف المشرفة على المشروع بأنه لا بد من أن يصبح أمراً بديهياً، أن ينظر هؤلاء الأشخاص إلى أنفسهم بأنهم ألمان وأتراك في الوقت نفسه وأنه بإمكانهم الكتابة عن كلتا الثقافتين".

وهذا بالضبط ما يجسده الممثل والمخرج سيسان أكوس، في مسرحيته الكوميدية "نعم، أريد" والتي تتناول قصص حب مختلفة، يريد أصحابها تتويجها بالزواج، لكنهم يواجهون مشاكل كثيرة مثل معارضة الوالدين، كما يحصل على سبيل المثال بين عائلات تركية وألمانية، أو بسبب الالتزام الكبير لأحد الطرفين بالدين مقارنة بالطرف الأخر، أو بسبب المشاكل التي تواجه المثليين.
وفي شهر حزيران/ يونيو ستختار لجنة التحكيم المكونة من كتاب وأدباء ومثقفين العمل المسرحي الأفضل ضمن هذا المشروع، حيث سيحتفل العمل المتوج بأول عرض له في شهر تشرين الأول/ أكتوبر. وبغض النظر عن العمل الذي سيتوج بالجائزة فإن الرابح الآن هو المسرح الألماني، الذي اكتشف مواضيع جديدة، تتخذ من تعايش الثقافات المختلفة مادة لها.

ألكسندرا شيرله/ هشام الدريوش
مراجعة: عماد غانم

--------------------------------------
المصدر : DW

الخميس، 29 مارس 2012

صدور عدد جديد من فصلية "المسرح "

مجلة الفنون المسرحية

صدور عدد جديد من فصلية "المسرح "

صدور مجلة فصلية "المسرح" عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة وحتوى محور عددها الجديد "مارس/آذار 
2012" على قراءات نقديّة حول النصوص الفائزة بجوائز مسابقة التأليف المسرحي  التي تنظمها الدائرة وشارك في الملف أحمد ماجد، ياسر علام، السر السيد،  عواد علي، هيثم الخواجة، ويعرب سالم. 
رئيس التحرير أحمد   بورحيمة كتب في الافتتاحية بمناسبة مرور السنة الأولى لـ "المسرح" في عهدها
كفصلية - كانت تصدر بصفة سنوية من قبل- ان مخاوف البدايات وهواجسها تبددت،
وان أسرة المجلة تدخل السنة الجديدة وهي أكثر ثقةً في قدرتها على أن تتقدم أكثر بهذا المشروع المسرحي. 
وتعهد أبورحيمة ان يجد كل 
أهل المسرح العربي في المجلة ما يلبي تطلعاتهم وأشواقهم إلى منبر يواكب ما  يقدمونه من عطاء بالقراءة والتحليل والنقد والتوثيق؛ وفي ذات الوقت يزيد  حافزيتهم ويسند خطواتهم في السبيل إلى مسرح عربي أكثر جدة وإبداعيّة. 
عقب الافتتاحية نشرت المجلة كلمة اليوم العالمي للمسرح " كيف نعيش؟" وكتبها  الممثل الامريكي جون مالكوفيتش إضافة إلى تغطية موسعة لوقائع المائدة 
المستديرة التي نظمت في شهر يناير/كانون الثاني في إطار ملتقى المسرح 
العربي تحت عنوان "الربيع العربي والمسرح: أية علاقة؟" وشارك بالمداخلات  الناقد حسن المنيعي والمخرج عبدالإله فؤاد (المغرب) والمخرجة نورا أمين  والكاتب ياسر علام (مصر) وماهر صليبي وجمال آدم (سورية) ومصعب الصاوي ومحمد
سيد أحمد (السودان) وحميد العلاوي (الجزائر). 
باب  "دراسات" كُرس لكتابات حول الملتقى المسرحي وشارك هنا ايفلين غروسمان "مسرح القسوة والمتفرج .. فضاء جديد وجسد مهتز" والفاتح مبارك "طريق جاك رانسير  بين برخت وآرتو: المتفرج منعتقاً" وجميلة زقاي "الحلقة: صيغة عربية للفرجة 
المسرحية" كما ضم الباب قراءات نقدية حول عروض مسرحية حديثة وشارك بها  كاتيا عارفارا ".. ربيع مروة يجابه ذاكرة الحرب اللبنانية" وصبري حافظ كتب 
"يحيى يعيش.. لفاضل الجعايبي: المسرح والثورة التونسية" فيما كتبت عايدة 
كامل "السينوغرافيا المسرحية والتاريخ" .
وأجرت المجلة  حواراً مطولاً مع الممثل المسرحي الإماراتي أحمد الجسمي تحدث فيه عن تجربته
وعن الحراك المسرحي في الإمارات وعلاقته بالمشهد المسرحي العربي، وفي  زاويتها كتبت عائشة مصبح عن البنية التحتية للمسرح في الإمارات. وفي باب 
"متابعات" كتب الناقد المغربي خالد أمين "كن انت التغيير" تعقيباً على ما  كتبه عبدالكريم برشيد في العدد السابق للمجلة تحت عنوان "شيخ الاحتفالية 
يواجه النقاد". كما شارك في الباب ذاته فاضل الكعبي "ماهية مسرح الطفل 
والحاجة اليه". اما باب "متابعات" فشارك به جان جوان 
متابعاً صدى عرض مسرحية "طبق الأصل" التي كتبها الشيخ الدكتور سلطان 
القاسمي حاكم الشارقة واخرجها للمسرح السوري هشام كفارنة، وكتبت رنا زيد 
"مسرحية ماشي أون لاين: ماذا لو فقدنا ذاكرتنا الافتراضية؟" وعكس جهاد هديب اجواء الدورة الرابعة لمهرجان المسرح العربي، وكتبت فاطمة بلوفضيل عن 
مهرجان المسرح النسوي الذي نظم اخيرا في الجزائر، وكتب جميل الحمداوي "نحو 
استراتيجية عربية للتنمية المسرحية"، وضم الباب تغطيات أخرى لأنشطة مسرحية  شهدتها عواصم عربية عدة.
في باب "كتب" نطالع لعلي سفر  "محاضرات مايرهولد في الإخراج .. سجل الخبرة" ولجعفر العقيلي "المسرح 
السياسي عند سعد الله ونوس: التقنية، المضمون .. والجمهور" ولمحمد بوفلاقة  "ملامح الـمسرح الـجزائري.. كتاب الذكريات"، وكتب ابراهيم حاج عبدي  "الميزانسين في العرض المسرحي: هندسة الخشبة".  وفي باب نصوص نشرت المجلة "لعبة الفوضى الكونية" للكاتب سمير عبدالفتاح.



الخميس، 15 مارس 2012

برج فازليان: عميد المسرح اللبناني مواطن “قيد الدرس”

مجلة الفنون المسرحية

برج فازليان: عميد المسرح اللبناني مواطن “قيد الدرس”


لم تتغيّر لغته العربية «المكسّرة». بقيت على حالها منذ مجيئه إلى لبنان في بداية الستينيات، آتياً من إسطنبول. في بيروت، وجد الشاب الأرمني المتخرّج حديثاً من دراسة المسرح، ما يبحث عنه. تعرّف إلى شباب لبنانيين لديهم الهاجس المسرحي ذاته، كجلال خوري، ومنير أبو دبس، وريمون جبارة … إلى أن جمعه أنسي الحاج بالرحابنة، لتبدأ رحلة شراكته الطويلة معهم.

ولد فازليان في إسطنبول عام 1926. كان أبوه، هايك فازليان، تاجراً وثائراً معارضاً لنظام الحكم التركي، ومغرماً بالمسرح. شغَفُ الأب بهذا الفن كان سبباً في إرسال الابن للدراسة في «أكاديمية المسرح الخاصة» في إسطنبول. هناك، تلقى الشابّ تعاليمه من أستاذه الألماني كارل إيبرت، الهارب من بطش النازية. بعد أربع سنوات قضاها في الأكاديمية، تخرّج حاملاً صفة مخرج مسرحي. اتجه لإكمال معارفه لدى مؤسس المسرح التركي الحديث، محسن آرطغول، تلميذ ستانسلافسكي، وكانت باكورته الإخراجية «البخيل» لموليير التي قدّمها على المسارح التركيّة.

عام 1951، راوده هاجس الرحيل، بحثاً عن مساحات حريّة أوسع. هكذا جاء إلى لبنان ليجد مبتغاه. في عام 1953، أعاد تجربة «البخيل» على مسارح بيروت، فانطلقت شهرته في الوسط الثقافي. صار اسمه يتردّد في الصحف الأرمنية، ما دفع أرمن سوريا إلى دعوته لعرض المسرحية نفسها مرة ثالثة هناك. إقامة مُخرج «الزنزلخت» في العاصمة اللبنانية، وطدت علاقاته بمخرجين وممثلين يحملون الهاجس نفسه. هكذا، صار صديقاً لشريف خزندار، وجلال خوري. ومن خلالهما تعرّف إلى منير أبو دبس، الذي عرّفه بدوره إلى أنطوان ولطيفة ملتقى، وريمون جبارة. كانت هذه «الشلة»، التي بات فازليان أحد نجومها، تبحث عن «مسرح ذي واجهة عالمية». لم يطل الأمر، حتى اقترح صاحبنا على ملتقى وجبارة إعداد «كوميديا الأغلاط» لشكسبير. أنيطت ترجمة النصّ بأنسي الحاج الذي أبدع في نقلها بلغة حيوية، في حين كان على برج أن يُخرج العمل. عام 1963، عُرضت المسرحية في مهرجان «راشانا»، ونالت إعجاب الجمهور والصحافة. «كانت هذه بداية علاقتي الفعليّة مع الجمهور اللبناني والعربي». عام 1959، تزوّج بالفنانة التشكيلية الأرمنية سيرفارت كريكوريان، ومنها أنجب ابنه هاروت المايسترو الشهير.

قدّم أنسي الحاج برج فازليان إلى عاصي ومنصور الرحباني. في ذاك الوقت، كان الأخوان يبحثان عن مخرج لمسرحيتهما «بياع الخواتم» (1964) لتقديمها في فعاليات «مهرجانات الأرز». «ذهبت أنا والمخرج صبري الشريف إلى الأرز. كان من المفترض أن تقدم المسرحية في الهواء الطلق. سألت الشريف عن الموعد الذي تغرب فيه الشمس في هذا المكان؟ فأجابني: قرابة السادسة. قلت: إذاً، في هذا الوقت تبدأ فيروز بالغناء، ليظهر خلفها قرص الشمس بلونه القرمزي. وهذا ما حدث بعد شهرين فعلاً، ما أثار اهتمام الجمهور وإعجابه».

استمرّ عرض المسرحية ثلاثة أيام، قبل أن ينتقلوا ليقدّموها على خشبة «البيكاديللي» في الحمراء. «بعد هذه المسرحيّة، أخرجت أغلب أعمال الرحابنة حتى تاريخ اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975». تعاون مع عاصي ومنصور على إنجاز العديد من أعمالهما المسرحيّة الضاربة من «هالة والملك» (1967)، «إلى الشخص» (1968)، مروراً بـ«يعيش يعيش»، و«لولو» (1974)، وصولاً إلى «ميس الريم» (1975).

بعيداً عن المسرح الغنائي، وضع فازليان توقيعه على أعمال مهمّة خلال الحقبة الذهبيّة للمسرح اللبناني الحديث، أبرزها «الزنزلخت» (1969) لعصام محفوظ من بطولة نبيه أبو الحسن وريمون جبارة وفيليب عقيقي، و«اللعب عالحبلين» من اقتباس ريمون جبارة وبطولة شوشو (حسن علاء الدين). افتتاح المسرحيّة الأخيرة كان مقرراً ليلة 28 أيلول (سبتمبر) 1970. يتذكّر فازليان: كنت مع شوشو في الكواليس، في وقت كانت فيه فريال كريم تؤدي دورها على المسرح. وإذا بالجمهور يبدأ بالخروج، ظننّا أن عملنا قد فشل، لكن بعد قليل، دخل مازن علاء الدين شقيق شوشو، وصرخ: أنزلوا الستارة، لقد مات الرئيس جمال عبد الناصر.

لم يقتصر جهد فازليان الفني على الإخراج. مثّل في العديد من الأعمال الأرمنية والمصرية، وفي أفلام الرحابنة مؤدياً دور الضابط التركي في فيلم «سفر برلك» (1967) ودور الميكانيكي في فيلم «بنت الحارس» (1971). قدّمه المخرج الأرمني كاري كرابتيان عام 1969 بدور الضابط الإسرائيلي في فيلم «كلنا فدائيون» من تأليف أنطوان غندور. لكنّ قصّة ذلك الشريط انتهت بطريقة مأسوية. قُتل كرابتيان مع سبعة من المشاركين في العمل، بعد اندلاع حريق خلال تصوير المشاهد الأخيرة. “أنهيت تصوير مشاهدي وعدت إلى البيت”.

كان من المفترض أن يصوّروا مشهد تدمير أحد المرابع الإسرائيلية. لكن استخدام مصابيح عديدة وغيرها، أدى إلى اشتعال حريق في الصالة تحت الأرض. مات كرابتيان بينما كان يحاول إنقاذ الممثلين. في اليوم التالي، بثّت الإذاعة الإسرائيلية تقريراً عن الحادث خلال نشرتها الإنكليزية، قائلةً: لقد أدى الحريق إلى مقتل المخربين ونجاة الضابط الإسرائيلي!».

يستطرد برج فازليان في الحديث عن علاقته بالأخوين رحباني. «كنت من أشدّ المقربين من عاصي. أسرّ إليّ خلال العمل على مسرحية «ناطورة المفاتيح» بشعوره أنّه سيدخل في نفق مظلم. بعد شهرين، أصيب بنزف حادّ في الدماغ. مُنع الجميع من الدخول إليه باستثنائي. تنهمر دموعه وهو يتذكّر. يصمت قليلاً، ويتوقّف عند العلاقة المميزة التي جمعته بفيروز، وكيف لم تنفكّ هذه الأخيرة تردّد في بعض لقاءاتها الصحافية: لن أنسى الدرس الأول الذي علمني إياه برج فازليان، أن أغني لشخص واحد، كأني أغني للجميع.

بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 1975، ترك برج فازليان مسكنه في منطقة الظريف، وهاجر إلى كندا وبقي فيها عشرين عاماً. حين عاد، أنجز مسرحيّة «جبران خليل جبران» (1996) عن نص غبريال بستاني، و«حبل المشنوق» (1999) للكاتب الكندي روبير غوريك الذي كان قد قدمه خلال إقامته في كندا.

بعد مسيرة قدّم فيها أكثر من 160 عملاً مسرحياً، عرض على «وزارة الثقافة اللبنانية» مشروع إقامة متحف أو معرض دائم للفنانين اللبنانيين وأعمالهم، «من أفيشات وبوسترات وثياب وديكورات، وما كتبته الصحف عنهم وعن أعمالهم. وقد أبدت السيدة فيروز استعداداً لتقديم ثوبها المسرحي الأول. لكنّ وعود الجهات الرسميّة بقيت حبراً على ورق».

يتحسر أحد أبرز روّاد الخشبة اللبنانيّة على حال الفنّ اليوم، «صار الناس يصفقون للفوضى والصراخ». أحبّ فازليان لبنان كثيراً، رغم أنّه لم يحصل على الجنسية اللبنانية، وما زال يحمل هويةً قيد الدرس. يحبّ مساحة الحرية الكبيرة فيه، ومساحة الفن والإنسانية، رغم ما شهده من حروب؛ هذه الحروب الوهمية التي تجتاح العالم العربي اليوم تحت عنوان الديموقراطية.

5 تواريخ

1926 – الولادة في إسطنبول (تركيا)

1964 – أخرج مسرحيّة «بياع الخواتم» أول أعماله مع الرحابنة، وكرّت بعدها السبحة ليخرج مسرحيات الأخوين حتى «ميس الريم»

1969 – أنجز عمله المرجعي «الزنزلخت» عن نصٍّ للأديب عصام محفوظ

1996 – بعد هجرته إلى كندا، عاد إلى بيروت، وقدّم مسرحية «جبران خليل جبران» عن نصّ لغبريال بستاني.

2012 – يؤدّي دوراً في مسرحية «أوبرا الضيعة» لفرقة «كركلا» التي تتواصل عروضها على خشبة «مسرح كركلا» (سن الفيل/ شمالي بيروت)
-----------------------------------------------------------
المصدر : الأخبار العدد ١٦٦٠ الخميس ١٥ آذار ٢٠١٢





تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption