أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

البطوسي يخرج مشهرا أول مونودراما شعرية مزدوجة / عبد الجبار خمران

مدونة مجلة الفنون المسرحية
المسرحي عبد الجبار خمران

البطوسي يخرج مشهرا أول مونودراما شعرية مزدوجة
                                                  عبد الجبار خمران
من نافل القول الإقرار بأن المونودراما لا تتحقق - سواء في صيغتها النصية على الورق أو البصرية على الخشبة - إلا من خلال فعل درامي فردي الأداء. فهي مسرحية ركيزتها الأساس، ألا يحرك دواليب مجريات الأحداث فيها أكثر من ممثل واحد أو ممثلة واحدة.
أول من أطلق تسمية "مونودراما" على واحد من نصوصه هو الشاعر الانجليزي ألفريد تنيسون سنة 1855م. أما أصول المونودراما فيرجعها الباحثون الى البدايات الأولى لنشأة الفن المسرحي. زمن كان الممثل اليوناني ثيسبيس (القرن السادس ق.م) يجوب الساحات متنقلا من مدينة الى أخرى بمعية عربته مقدما فرجته المسرحية وهو يشخص الأدوار بشكل فردي لا مُعين له غير الأقنعة واللعب بالأصوات ومهاراته في تقمص شخصيات حكاياته.
وبعد حقبة زمنية طويلة جدا تفصل عصر ثيسبيس عن عصر المسرحي الألماني يوهان براندز (القرن 18) ستبعث المونودراما المعاصرة بكتابات وتشخيص هذا الاخير.
أما عندنا فيرجّح أغلب من أرّخ لفن المونودراما ومنهم حسين على هارف، أن المسرحي العراقي يوسف العاني هو من كان له قصب السبق عربيا في تقديم أول مونودراما بمفهومها المعاصر، وعنوانها "مجنون يتحدى القدر" ( كتبت سنة 1949م وتم تقديمها سنة 1950م).
النص الذي بين ايدينا (ياراجويا) يتصل بالمونودراما وينفصل عنها في الآن نفسه، فهو مقترح مسرحي تجريبي يشيّد بُنيته الدرامية على تضعيف الشكل المونودرامي ومنحه كيانا دراميا يتموضع داخل منطقة عازلة تفصل مسرحية يشخصها ممثلين (ديودراما) عما أسماه عادل البطوسي (مونودراما شعرية مزدوجة). إنه شكل مسرحي مبتكر يستحق التوقف عنده نقديا واستقصاء مكونات جمالياته المسرحية المتكئة على متوالية يتعاقب من خلال صيرورة خطها الدرامي الرابط (طرح وطرح مضاد).
 هذا التعاقب المونودرامي يخلق من خلاله المؤلف مساحة متخيل أوسع يتفاعل داخلها حكايتان متضاربتان. الحكاية الأولى تشخصها الراقصة يارا. والحكاية الثانية يفنّد من خلالها النحاة جويا ما تسرده قبله يارا. فإذا كان متلقي (المونودراما) عادة حبيس حكاية واحدة ووجهة نظر أحادية، فانه هنا تُفسح له امكانية حضور الغائب الدائم في اي مونودراما، ذلك الذي تتحدث عنه الشخصية الحاضرة.  لتعطيه (المونودراما المزدوجة) حق الكلام والتعبير والرقص فتخرجه بذلك من حضرة الغياب ليصير شاخصا في حضرة الجمهور.

تقنية الكتابة في (ياراجويا)  ليست برانية بحيث توظف متوالية "النصين" بشكل مجاني، كما انها لا تنشد بهرجة زائفة. فقد نجح عادل البطوسي من خلال منطوق الشخصيتين ومشاعرهما وتعبيراتهما الجسدية  أن يجعلهما يتلاحمان من خلال النصين/النص بشكل عضوي. وذلك عبر مشاهد محددة التفاصيل، وإشارات ركحية دقيقة تُحدد عناوين المقطوعات الموسيقية وأسماء الرقصات، وحوارات مكتوبة بشفافية وبإحساس عالي بالإيقاع اللغوي والتعبير الحركي. إننا أمام نص مسرحي تجريبي تتناسج فيه حكايتا راقصة ونحاة، شخصيتان هما وجها المونودراما الشعرية المزدوجة الاولى من نوعها، والتي سيكون لها ما بعدها. 

مسرح "كازا فن" الكبير.. عربون مصالحة بين الدار البيضاء والزمن الجميل

مدونة مجلة الفنون المسرحية
تصميم للمسرح الكبير لمدينة الدارالبيضاء
تصميم للمسرح الكبير لمدينة الدارالبيضاء
كفكفت الدار البيضاء دموعها التي ظلت تذرفها على طلل "المسرح البلدي" البائد، فقد عادت، والزمن: الألفية الثالثة، لتتلمس المسار من جديد وقد تقرر احتضانها أكبر مسرح إفريقيا وعربيا.
 ازدانت الدار البيضاء التي تضم 10 مسارح تابعة لمركبات ثقافية، بمسرح بحجم "كازا فن" الذي تقرر بناؤه على مساحة تبلغ هكتارا ونصفا، فوق أرض فيلا الإقامة العامة حيث كان يعيش، إبان فترة الحماية" المقيم العام الفرنسي الماريشال ليوطي، وهي الفيلا التي ظلت تقطنها إلى عهد قريب أسرة مولاي سليمان العلوي، وتعود ملكيتها لمجلس المدينة.
البيضاء وحكاية المسرح
اللافت أن حكاية الدار البيضاء مع "المسرح" تنسجها مزاجية مسؤوليها فبينما كان الماريشال ليوطي، قد أمر بتشييد المسرح البلدي فقط لإرضاء نزوة عابرة بمتابعة أوبريت "البجع"، فإن الهدم أيضا جاء على حين غرة، إذ في سنة 1984، تلقى المشرفون على هذا المبنى الثقافي أمرا مستعجلا موقعا من قبل إدريس البصري وزير الداخلية القوي في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، تفيد بضرورة إخلاء المسرح البلدي بشكل مستعجل، لتتم تسوية الصرح الثقافي الذي عمر سنوات وسط الدار البيضاء بالأرض ويصبح في خبر كان.
هذا المبنى ذهب فداء صراع عمر طويلا بين الدولة واليسار الذي وجد في خشبات المسارح فضاء كان يتنفس من خلال "أوكسجين النضال"، وهكذا قرار هدم من البصري، جعل الدار البيضاء تتعثر في طريقها الثقافي وتظل حبيسة مركبات لا تستجيب لمقومات العمل المسرحي.
لكن بين اغتيال المسرح البلدي في الأمس وانبعاث المسرح الكبير اليوم، يتم تسويغ حكاية جديدة للعاصمة الاقتصادية والمسرح.
انبعاث وأفول معالم أخرى
في ظل انبعاث المسرح الكبير، فإن مع سلسلة الاغتيالات التي طالت معالم أثرية في الدار البيضاء مستمرة مشوبة بسبق الإصرار والترصد.
إذا صاحب قرار تشييد "كازا فن" آخر يتعلق بتغيير مكان النافورة التي تتوسط ساحة محمد الخامس في المدينة، مما أجج حركات احتجاجية قررت المضي قدما حتى تقويض قرار تحويل "نافورة الحمام" عن مكانها الحالي على الجهة المقابلة حيث تنتصب المحكمة الابتدائية ومقر ولاية جهة الدار البيضاء الكبرى وعلى مرمى من ثكنة العقيد العلام العسكرية.
التصريح بنية تغيير مكان النافورة الحالي، خدمة لفضاء مقابل للمسرح الكبير، أفاض كأس الخلاف بين جمعيات المجتمع المدني والمجلس الجماعي في الدار البيضاء، وانطلقت شرارة الاحتجاج إزاء قرار تغيير مكان النافورة الذي يرى البعض أنه يخفي نية التخلص من ساحة "أيقونة" شكلت توطئة لميلاد حركة احتجاجية تماشت ونسيم ربيع الثورات الذي هب على البلدان العربية.
"كازا فن" في أرقام
في المقابل، تبلغ التكلفة الإجمالية لمشروع بناء المسرح 144 مليار سنتيم، يستهلك منها المسرح 136 مليار سنتيم، و8 مليار سنتيم مخصصة لإعادة هيكلة ساحة محمد الخامس، بينما سيساهم مجلس المدينة في المشروع بمبلغ 18 مليار سنتيم، ومجلس الجهة 10 ملايير سنتيم، ميزانية الدولة 28 مليار سنتيم، فيما وزارة الداخلية تساهم بحوالي 48 مليار سنتيم، أما صندوق الحسن الثاني فيساهم بـ40 مليار سنتيم، مع الإشارة أنها مساهمات موزعة على ميزانيات أربع سنوات ولن تتم على دفعة واحدة.
ووزع التصميم الفائز للمهندس رشيد الأندلسي ومكتب الهندسة "كريستيان دو بورتزمبارك" المسرح الكبير "كازا فن" على مساحة  24 ألف متر مربع تشمل المساحات المغطاة، وسوف تضم قاعة كبيرة "متعدد الأغراض" تستوعب 1800 متفرج، صالحة للحفلات الموسيقية والباليه والرقص الشعبي، ثم قاعة أخرى بطاقة 600 مقعدا، المسرح سيضم أيضا غرف للبروفات الفنية، والمحلات التجارية والمطاعم والمقاهي وأماكن للقراءة، مكتبة وقاعة للمعارض الفنية من رسوم ومنحوتات، فضلا عن قاعات أخرى إحداها مخصصة للتمارين المسرحية.
ومن أجل تسيير المسرح الكبير، وقع مجلس المدينة اتفاقية مع شركة (الدار البيضاء للتهيئة) سيعهد بموجبها إلى الأخيرة الإشراف على كافة العمليات التقنية للمشروع وتنظيم طلبات العروض والدراسات والصفقات، وكذا تتبع تقدم المشروع بشكل دوري، وإعداد تقارير لإخبار لجنة المتابعة التي يترأسها وزير الداخلية، وهي تجتمع بشكل دوري لتتبع المشروع، مدة الإنجاز حوالي 60 شهرا، منها حوالي 18 شهرا للدراسات التقنية و 42 شهرا لإنجاز الأشغال.
منارة / خالد ماهر

مسرحية “ذي لاين كينغ” انجح عمل فني في العالم لناحية ايراداته

مدونة مجلة الفنون المسرحية


اصبحت مسرحية “ذي لاين كينغ” (الاسد الملك) الموسيقية اكثر الاعمال نجاحا في تاريخ الفن المعاصر، بعدما بلغت ايراداتها 6,2 مليارات دولار، اي اكثر من اي استعراض او فيلم اخر.
وهذا المبلغ يمثل فقط مبيعات البطاقات على شباك التذاكر ولا يشمل الايرادات المتأتية من المنتجات المشتقة او تلك التي درها الفيلم السينمائي الذي انتجته شركة “ديزني” وشكل مقدمة لولادة هذا العمل المسرحي الضخم.
وكانت هذه المسرحية التي تولي التأليف الموسيقي فيها التون جون وكتب كلمات اغنياتها تيم رايس، انطلقت على مسرح برودواي الشهير في نيويورك سنة 1997، بعد ثلاث سنوات على بدء عرض الفيلم الذي حمل الاسم نفسه وحصل على جائزتي اوسكار.
وقال توماس شوماخر رئيس مجموعة “ديزني ثياتريكال برودكشنز” وهي الفرع المتخصص في الانتاج المسرحي ضمن مجموعة “وولت ديزني كومباني”، “انه من الصعب عدم التأثر عند ادراك مدى تأثير هذا الاستعراض”.
واضاف “هدفنا كان في تلك المرحلة ان نسرد القصة بطريقة مسرحية صافية كي يشعر بها المتفرجون في قلوبهم”.
وثمة حاليا عشرة عروض استعراضية لمسرحية “ذي لاين كينغ” في العالم ابرزها في نيويورك ولندن وطوكيو.
وشاهد هذا العمل اكثر من 75 مليون شخص.
وقبل ذلك، كان عمل “ذي فانتوم اوف ذي اوبرا” للمؤلف اندرو لويد ويبر الذي انطلق في لندن سنة 1986، صاحب الرقم القياسي لاكثر الاستعراضات المسرحية نجاحا في العالم.
وقد شاهد “ذي فانتوم اوف ذي اوبرا” 140 مليون شخص وبلغت قيمة ايراداتها 6 مليارات دولار بحسب متحدث. وقد شاهدها ما يقارب ضعف الاشخاص الذين اشتروا بطاقات لحضور استعراضات “ذي لاين كينغ”.
اما فيلم “افاتار” الذي بدأ عرضه سنة 2009 يحمل الرقم القياسي لانجح الافلام في التاريخ على صعيد الايرادات، اذ حصد 2,8 مليار دولار على شباك التذاكر في العالم.

طنجة ..انطلاق فعاليات الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
انطلقت يوم الاثنين بطنجة فعاليات الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي ،التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ، تحت شعار “المسرح شاهد على ميلاد طنجة الكبرى”.
وقد تم خلال حفل الافتتاح ،الذي حضره ثلة من رواد المسرح ومسؤولون جامعيون وفنانون وفنانات وعشاق اب الفنون، تكريم الكاتب المسرحي محمد قوتي والممثلة ثريا العلوي .
وقالت ثريا العلوي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء بالمناسبة ،انها فخورة بهذه الالتفاتة من منظمي المهرجان باعتبار ان هذا التكريم هو الاول لها الذي تشرفت به في مجال المسرح ، مشيرة الى ان هذا التكريم يحسسها ببداياتها على خشبة المسرح واطلالاتها الاولى على الجمهور ،وهو بمثابة عودة الى الجذور والى بيت المسرح الذي انطلقت منه كممارسة للتمثيل قبل خوضها غمار السينما والاعمال التلفزيونية .
ومن جانبه، قال الكاتب المسرحي محمد قوتي، في تصريح مماثل ،ان التكريم يولد لديه سعادة كبيرة وفرحة مزدوجة ،باعتباره مقدم من طرف جيلين ،الاول مخضرم ويمثل جيل الرواد من المسرحيين الذين لهم باع طويل في مجال المسرح، كتابة وتمثيلا واخراجا، وجيل الشباب الذي يؤثث فضاء هذا المهرجان ويمثل الخلف الذي يحمل مشعل المسرح الوطني. وأكد القيمون على المهرجان ان تكريم الوجوه المسرحية المرموقة هو تكريم لكل رجالات المسرح المغربي على عطاءاتهم المتميزة في تقدم فن المسرح والرقي بأب الفنون تأليفا واخراجا وتشخيصا، كما يأتي هذا التكريم لحث الاجيال المسرحية الصاعدة على المزيد من العطاء والاجتهاد واثراء الحقل المسرحي.
وقد انطلق المهرجان، الذي تشرف على تنظيمه جمعية العمل الجامعي والمدرسة الوطنية للتجارة، بفقرات تنشيطية بفضاء ساحة الأمم بطنجة وموكب كرنفالي جاب شوارع مدينة البوغاز نحو قاعة الخزانة السينمائية، التي احتضنت حفل الافتتاح الرسمي للمهرجان،الذي تم خلاله بفضاء مدرسة “سيفيرو أوتشوا” عرض مسرحية لفرقة برازيلية بعنوان “سالام عليك” ،الذي تقدم خارج اطار المنافسة .
وتشارك في فعاليات المهرجان 17 فرقة مسرحية، تمثل 12 دولة إفريقية وأوربية وآسيوية، وهي غينيا والسينغال و الكامرون ومصر وتونس و الجزائر و جمهورية ليتوانيا وفلسطين والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وإيطاليا و البرازيل ،بالإضافة إلى المغرب البلد المضيف ،الذي سيكون ممثلا في هذا الحدث المسرحي بخمس فرق جامعية.
وسيكون عشاق أب الفنون على موعد ،حسب البرنامج العام للتظاهرة الثقافية، مع مسرحيات”فيل د أطانط” (صف الانتظار) من جامعة جاستون بيرجي من السنغال، و”لافوري دو مبيمبا” (غابة مبيمبا) جامعة تشانغ من الكاميرون، و”أولتيمات أمبروفيزاسيون” (الارتجال الأقصى) جامعة روين من فرنسا، ومسرحية “ماما ميا” جامعة المنستير من تونس، ومسرحية “بيكيت أو شرف الله” لطلبة جامعة عين شمس من مصر ، ومسرحية “باسطاردز إي ندي مايند” (لقطاء الروح) من أكاديمية المسرح من إيطاليا، ومسرحية “البروفة العامة” من جامعة النجاح من فلسطين التي تشارك لأول مرة في هذه التظاهرة المسرحية، ومسرحية “شاكا زولو” من المعهد العالي للفنون من غينيا، ومسرحية “ساكسيسفول لايف” (الحياة الناجحة) من جامعة طارطو بإستونيا، ومسرحية “الحفار” من جامعة الجزيرة من الإمارات ومسرحية “مجرد قمامات” من جامعة الجيلالي اليابس من الجزائر. 
طنجة – منارة

«ربيع المسرح العربي» في هانوفر: عروض جريئة تناولت الحب المحظور و«ختان البنات» وتحرر المرأة

مدونة مجلة الفنون المسرحية
هانوفر ـ «القدس العربي»:كانت هانوفر مدينة ساكنة، تعيش يوميات خريفها العادي، تهدأ في انسياب توالي ساعات نهاراتها المترادفة، قبل ان يحل بها مبدعات وفاعلات مسرحيات عربيات، آتيات من فجاج البلاد العربية العميقة. جئن كخيوط ثرة بالالوان المتباينة، لينسجن من 6 الى 11 اكتوبر/تشرين الاول ملاءات فنية ترشح بصور المعاناة وأمل النساء في كل مواطن السلطة والقهر. حضرن ليحولن قاعات عروض «مركز الثقافة والتواصل» Pavillon ومن خلاله مركز المدينة الى فضاء يتردد فيه صدى لقائهن الحيوي، الحميمي الحار، المفعم بقضايا وهموم المرأة العربية من بغداد الى الرباط، من تونس الى حيفا، من بنغازي الى القاهرة وبيروت. في هذا اللقاء الثاني «الربيع العربي المسرحي»، الذي تحتضنه المدينة بعد سنتين للمرة الثانية ويحمل شعار «نهضة النساء»، مرت من خلاله المبدعات العربيات خطابات بالوان قزحية، بادوات تعبيرية متباينة مرفوقة بترجمة الكترونية جدارية الى الانسان الالماني. خطابات عن اوضاع المرأة العربية، عن الحب المحظور، عن ختان البنات، عن تحمل النساء تبعات عقم الرجال، عن الثأر، الذي يقف فوق القرابة وفوق الارحام، عن مخلفات الهجرة… عن ليل جنوب قاس، معاناة فضاؤها الجنوب المصري، زمنها كل العالم العربي. 
انها قصة معاناة العمات الاربع، اللاتي يستحضرهن المهاجر العائد الى الجنوب من خلال النبش في غور ذكريات مأساة حملتها مسرحية «ليل الجنوب» للكاتب شاذلي فرح، بلغة شاعرية طوعها المخرج ناصرعبد المؤمن، لتصبح رسائل اشواق الى الجنوب المصري، الى النوبة. 
هذا العمل الذي استهل به اللقاء النسائي، والذي اثار ردود فعل إيجابية في الإعلام الالماني، فقد كتبت جريدة هانوفر العموم : «بين التقليدي والشبكة الرقمية تتحدث مسرحية ليل الجنوب عن بؤس العلاقات الأبوية القديمة. مزيج مظلم من التخلف والقهر، فالنساء يعانين أكثر في مصر وليس في مصر وحدها من الزواج القسري والتشويه الجنسي، الانجاب الاجباري. فالمجموعة المصرية مسرح الغد لم تتحفظ في هذا العمل على شيء».

المفاجأة البغيضة
كان عرض اليوم التالي مفاجأة كبيرة بالنسبة للجمهور الالماني من جهة، والجمهور العربي المتمثل في المشاهدين العاديين او المشاركين في اللقاء المسرحي. عمل فرقة «مسرح الاكواريوم» من المغرب، هذا العمل المقتبسة فكرة اطاره عن مسرحية حوارات المهبل للكاتبة الامريكية إيفي إنستر، خلقت منها المخرجة نعيمة زيطان نسخة مغربية تحمل عنوان «مهبلي»، عنوان اضطرت لاحقا بسبب ضغوطات الجهات الممولة والاعلامية في المغرب، الى تحويله الى تسمية «ديالي» (ملكي). 
دعائم هذا العمل، كما صرحت مبدعة العمل زيطان تقوم على حوارات وشهادات ولقاءات مباشرة مع عدد كبير من النساء المغربيات، اللاتي تعرضن الى اعتداءات واجحافات مختلفة. فالعمل يعتمد دعامات خطاب يتراوح ما بين السخرية والمرارة في حدودها القصوى، يقدم صورة عن حالات تعاني منها المرأة بشكل خاص، مثل الاغتصاب، التحرش الجنسي، تعتيم المعرفة بالاعضاء التناسلية، قمع علاقة المرأة بجسدها الذاتي. نساء اغتصبن اثناء خروجهن من العمل، نساء اغتصبن من أزواجهن، نساء اغتصبن في طريقهن الى العمل.
ففي الوقت، الذي اعتمدت فيه نسخة العمل الالماني «حوارات المهبل»، الذي قدم مباشرة بعد العمل المغربي، وفي الامسية نفسها من طرف المجموعة الالمانية «مسرح الورشة»، على النص الكامل للكاتبة الامريكية إيفي انستر تحت ادارة المخرجة مارتينا فن بوكسن المعتمدة على تقنية الصورة الوثائقية والتسجيل الصوتي كأدوات رابطة بين الحدث الحكائي والحدث التسجيلي، الى جانب إطار سينوغرافي ينقل اجواء نسائية للفئة الاجتماعية الوسطى لمرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، اعتمد عمل «ديالي» على فضاء فارغ إلا من حبل غسيل علق عليه عدد من السراويل الداخلية النسائية. هذا الحبل ومحتواه يأخذ عددا من الاشكال التعبيرية، من خلال الممثلات الثلاث، اللاتي ينقلن الينا صورا وحالات من حمل وولادة ورضاعة الى غيرها من اشكال التعبير عن الحزن والفرح. لقد كانت جرأة الطرح في هذا العمل مفاجئة حتى بالنسبة للجمهور الالماني، ناهيك عن العربي، الذي يدرك مدى جرأة هذا الطرح في المغرب، إن كان في المانيا نفسها ورغم عرض هذا العمل منذ سنوات، لا زال يواجه معارضة كبيرة من خلال تناوله موضوع هذا العضو الحساس من جسد المرأة.

الماضي والحاضر الرصاصي
«فلم ابيض واسود» للفرقة الوطنية للتمثيل من بغداد مسرحية تتحدث عن فترة ليس فيها الوان. أم تبحث عن ابنها المفقود اثناء الغزو العراقي للكويت، من اجل اعادته الى العراق.
المرأة التي عاشت مأساة مماثلة، فقدانها زوجها المعارض، يقول مخرج العمل وكاتبه قحطان حاتم عودة، أثناء ورشة مسرحية قدمها لتلاميذ احدى الثانويات اثناء وجوده في هانوفر: «إنها حكاية واقعية جزؤها الكبير عشته كضابط سابق في الجيش العراقي. والابن، الذي يتحدث عنه العمل كان من بين الجنود اليافعين، الذين كانوا تحت إمرتي. فهذا الماضي والحاضر، الذي يجثم بكل ثقله الرصاصي على نفسية الانسان العراقي يشبه فيلما بالابيض الاسود لم يعرف لحد الان الوانا، واملنا ان يتحول قريبا الى فيلم ملون». حين تعثر الام في الاخير على ابنها يكون قد فقد عقله جراء السجون والتعذيب واصبح بالنسبة للام مجرد وجود شبيه بالعدم. 
اعتمد حاتم عودة في اخراجه للمسرحية على فضاءات يملؤها الضوء الباهت والضباب، اللذان يعكسان واقعا عتما تتعذر فيه الرؤية من اجل تبين مستقبل مجهول. هذه الفضاءات، التي تمت تجزئتها ذاتها الى بقع تضم الام، الضابط (حاتم عودة السابق)، الابن في شقي ازدواجية شخصيته بين القبول والرفض، تنساب من خلالها حوارات بين الصراخ في المتاهة والهمس الى حد السكون.

الاختلاء بالذات
على عكس عوالم عودة تطفح مسرحية «سنديانا» العمل المسرحي، الذي شاركت به الممثلة التونسية زهيرة بن عمار كممثلة، مخرجة وكاتبة، بمزيج من الحنين الى الماضي، الرؤية التي تحاول اختراق المستقبل، حديث عن القيود، التي تكبل المرأة التونسية والعربية، من خلال منظور الكاتبة. فقد كانت زهيرة بن عمار فورة امرأة فوق الخشبة، ورغم خضوعها من وقت قليل الى عملية جراحية في ساقها، فقد انتزعت اعجاب الجمهور الحاضر من خلال ادائها الحيوي. «سنديانا» عمل حملته الكاتبة والممثلة ابعاد التشابه بين المرأة وشجرة البلوط، ذات الشموخ والاصول الثابتة. انه الحديث عن الرقابة، الانحشار البوليسي في يوميات الانسان العادي، في احلامه، في لحظات اختلائه بذاته. انها اطلالة زهيرة بن عمار من خلال رقصها، غنائها شوقها الى النهضة العربية، رثائها لضياع حضارات من وادي الرافدين الى موريتانيا من خلال نسيج من الالوان والحضور الحيوي المرح فوق مساحة الركح.
هذا الاداء النسائي الفردي يلاقينا ثانية في مسرحية «الايام التي تراقص الليل» المقتبس عن رواية الكاتب الكنكولي كايا ماخلي والتي تحمل العنوان نفسه من اخراج المخرجة اللبنانية المقيمة في باريس سرين اشقر. لقد جسدت الممثلة الفرنسية ذات الاصول الافريقية اكنيس نويل امرأة يقتل زوجها، الذي قتل بدوره طفلتهما الوحيدة المهقاء (برص منذ الولادة). لانه يرى «انه من الصعب تزويجها مستقبلا»، فتغيب في متاهة التذكر والمرارة والاحباط، ساعية الى اشباع رغباتها الرجالية، غير انها كلما اوغلت في هذه الرغبة الجسدية يتعمق لديها الاحساس بالضياع الذاتي كامرأة ترغب في ان تعامل كانسان وليس كمادة استهلاكية. فقد ركزت سرين الاشقر على الاختزال في مجموع رؤيتها الفنية واختيارها الصعب لرواية شاعرية، جعلت منها جسرا يربط المعاناة النسائية في العالم الثالث بوحدة مصيرية. لقد فرض نص الرواية المحولة الى مسرحية، مهمة جد صعبة، سواء على مستوى الاداء او الاخراج، من خلال مقاطعه الشاعرية والايحائية، التي يصعب تجاوزها، إلقاء او نقلا فنيا فوق الخشبة. فالنص الثري بالرموز والاشارات، يفرض على المخرجة، كما على الممثلة، فك شفراته وتقديمه الى المشاهد في سياقه الروائي والمسرحي في آن واحد.

البيت لا يترك
بعد الاداء الفردي للعمل التونسي في صيغته المجتمعية، اللبناني في نظرته النفسية، يأتي عمل جد متميز في طروحاته السياسية التسجيلية الواقعية، «كبوتشينو في رام الله» للممثلة سلوى نقارة. هذا العمل المحور هو الاخر عن رواية الكاتبة الفلسطينية سعاد العامري «شارون وحماتي»، واخراج المخرجة الاسرائيلية نولا تشلتون البالغة من العمر اربعا وثمانين سنة. لقد استطاعت سلوى نقارة من خلال ادائها فوق بقعة رمادية كمثرية الشكل بطول خمسة الى ستة امتار، وبعرض حوالي ثلاثة امتار واختزال سينوغرافي متمثل في مقعد، حقيبة سفر وفستان عالق في الهواء، ان تنقل معاناة الحصار المضروب على حياة الشعب الفلسطيني اليومية تحت الاحتلال الاسرائيلي. نقلت عبر هذا العرض، الذي كان جهود عمل مشترك بين اللجنة المنظمة للقاء المسرحي بالبافيون وجمعية مبادرة فلسطين لمنطقة هانوفر، الى الجمهور، الذي حضره بكثافة، صورا حية لتلك المعاناة وذلك ببالغ الحيوية والشاعرية.. صورا لمضايقات الانسان الفلسطيني من عتبة المطار حتى اخر حبة زيتون على التراب الفلسطيني. هذه المذكرات، التي لملمت اطرافها الكاتبة سعاد العامري على مدى عشرين سنة، ترافقنا في كل المشاهد من دون لحظة ملل ولو عابرة.
فبكثير من السخرية والفرجة الهادفة توصلت سلوى نقارة الى تحويل الحدث الدرامي، التسجيلي الى واقع حي ملموس من دون الوقوع في خانات الشفقة والتباكي او الاحلام البعيدة عن الواقع. فمن خلال البقعة الرمادية يتجسد جدار الحصار المضروب على الانسان الفلسطيني، فصله عن ممتلكاته، غير ان ذلك الامل المبني على النضال اليومي في كل صوره الحياتية، يصر في نهاية العمل على الصمود والبقاء، ورغم كل الانهيار، يليه دائما صعود جديد. «الانسان لا يترك بيته مهما كان»، تقول سعاد العامري على لسان حماتها ام سليم.

مأساة قبل المسرح
هذه المعاناة، المجسدة على الركح من خلال اعمال نسائية متباينة عاشها واقعا ملموسا اعضاء فرقة المسرح الشعبي لمدينة بنغازي في رحلة شاقة بين مطار بنغازي والسفارة الالمانية في تونس العاصمة، وحيث انه لم تعد هناك سفارة المانية في ليبيا كان على الفريق ان يرحل غير مرة في رحلة آوديسية بحثا عن امكانية تأشيرة الحضور الى هانوفر، ليقدم لنا نموذجا مغايرا لمعاناة المرأة، من خلال مسرحية «ليسقط شكسبير». عمل يتناول ادوار المرأة في اعمال شكسبير، كما يراها مخرج العمل محمد الصادق، فهي دائما إما خائنة او ضحية. من هنا يعطي للمرأة دور القيام بثورة على المخرج الذي تعكسه الممثلاث الرافضات لادوارهن السلبية في اعمال شكسبير، ويتحولن الى فاعلات في النص المسرحي، ما يجعل منهن نساء يمسكن بخيوط اللعبة المسرحية في اياديهن.
ان كل هذه التجارب النسائية او المتناولة لاوضاع النساء في هذه البقع من الوطن العربي برزت في هذا اللقاء بصورة اكثر جلاء من خلال النقاشات، التي جاءت عقب تقديم كل الاعمال، حيث عبر مبدعاتها ومبدعوها عن الهوة السحيقة، التي لا زالت امام المرأة العربية، التي تكافح من اجل تخطيها وتجاوزها، والتي تحتاج الكثير من الجهد. فقد قال المشرف على اللقاء عبد الفتاح الديوري للمحطة التلفزيونية DW (الموجة الالمانية): «ان دور هذا اللقاء هو منح المبدعة العربية اطارا خارج الدول العربية، للتعبير عن همومها، من دون الخضوع لقيد الوصاية والرقابة. في زمن كثرت فيه الرقابات تحت اسماء مختلفة».

ادريس الجاي
القدس العربي

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

مسرحية " انترفيو " تعيد الأمل بمستقبل واعد للمسرح العراقي

مدونة مجلة الفنون المسرحية



" انترفيو " تعيد الأمل بمستقبل واعد للمسرح العراقي
وسط حضور كبير ومتميز، عرضت دائرة السينما والمسرح بالتعاون مع مؤسسة النور للثقافة والإعلام ومنظمة التبادل الثقافي بين اوربا ودول الشرق الأوسط وشمال افريقيا (مينا) مساء اليوم الإثنين مسرحية ( انترفيو ) في قاعة المسرح الوطني وسط العاصمة بغداد .
مؤلفة مسرحية ( انترفيو ) آلاء حسين عكست في نص المسرحية المأخوذ عن الانتولوجي "عيون اينانا " لكاتبات عراقيات معاصرات ، عكست تأثير العادات والتقاليد على حياة المرأة العراقية وجسدت الواقع اليومي الذي تعيشه من خلال أوجه مختلفة جمعت فيها عناصر متعددة بين الميلودراما وأسلوب المقابلة الشخصية والحوار والرقص التعبيري الحديث.
وقد استطاع ممثلا المسرحية ألاء حسين وسعد محسن من التعامل مع جزئيات الحياة اليومية والمواطن وصدامها مع العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية التي تدفع بدورها المرأة الى زوايا مظلمة .
وتفاعل الحضور الكبير الذي شهدته قاعة المسرح الوطني مع المسرحية بشكل كبير، ورسم العرض الأمل بمستقبل موعود للمسرح الجاد الذي يحاكي الواقع العراقي .
يذكر ان مسرحية " انترفيو " كانت من اخراج أكرم عصام ، واستعراضات الفنان موشكان هاشميان من المانيا ، وتصوير الفيديو تم من قبل حيدر جمعة . 
هذا وحضر العرض السادة وكيلا وزارة الثقافة فوزي الأتروشي ومهند الدليمي وعضوا مجلس النواب السابق علي الشلاه ومجلس محافظة بغداد محمد الربيعي وعدد من المسؤولين في وزارة الثقافة وجمهور غفير من متذوقي الفن .

العلاقات والإعلام
مكتب وكيل الوزارة
20 / تشرين الاول / 2014

بث مباشر - مسرحية Free نمول - تونس



مدونة مجلة الفنون المسرحية
بث مباشر - مسرحية مجانية نمول - تونس



بث مباشر - مسرحية نمول مجانية - تونس

الهيئة العربية للمسرح تقيم الماتقى العربي لفنون الدمى وخيال الظل في تونس

مدونة مجلة الفنون المسرحية




















الهيئة العربية للمسرح تقيم الدورة الثانية من الملتقى العربي لفنون الدمى في تونس.
ندوات علمية و تجارب و ورش يشارك بها خمسون فنانا
الهيئة تكرم ناجي شاكر من مصر و محيي الدين بن عبد الله من تونس.
عقدت الهيئة العربية للمسرح الدورة الثانية من "الملتقى العربي لفنون الدمى" في الفترة من 20 إلى 25 من شهر أكتوبر 2014 في العاصمة التونسية، و كانت الهيئة قد عقدت الملتقى الأول في ديسمبر من العام 2013 في الشارقة، و هكذا تعمق الهيئة العربية بانعقاد الدورة الثانية منهجها في التعاون مع المؤسسات الفنية و الثقافية المعنية بالمسرح، إذ يأتي انعقاد الدورة الجديدة من الملتقى بالتتعقعاون مع مؤسستين مؤثرتين في المشهد المسرحي عامة و فنون الدمى خاصة و هما (المعهد العالي للفن المسرحي) و (المركز الوطني لفن العرائس) في تونس.
إن الانتقال بالفعل المسرحي إلى مناطق عربية مختلفة و الذي تنتهجه الهيئة في فعالياتها، إثراء لهذا الفعل من خلال اكتساب خصوصيات المكان الجديد و ايقاع فنانيه و وصول التفاعل إلى أكبر عدد من المسرحيين ، و المساهمة التي يشكلها انتقال الملتقى و ما يقدمه من إثراء للفعل المسرحي في تلك المنطقة.
و قد صرح اسماعيل عبد الله الأمين العام للهيئة بقوله :
"إن الهيئة العربية للمسرح و منذ النشأة عملت على أن تكون الشريك و الداعم لتفعيل المشهد المسرحي العربي في كل منطقة نأت أم قربت، وأمعنت النظر من خلال 300 عقلية مسرحية عربية عملت في خمس ملتقيات خلال عامي 2011 و 2012و وضعت استراتيجية عملها ، لذا كان من الطبيعي الالتفات بقوة إلى تلك الفنون التي أصبح بعضها آيلا للاندثار، و ذلك لقلة عدد الفنانين المشتغلين بها، أو لأسباب تتعلق بما لحق بهذه الفنون من إهمال و راء وهم أنها فنون لا تحمل قابلية الحياة في ظل المتغيرات التقنية.
لذلك لم يكن عقد الدورة الأولى في الشارقة موعدا لفعالية عادية أو عابرة، لقد كان إيذانا بانطلاق المسيرة نحو العمل الاستراتيجي  في إعادة الاعتبار لهذه الفنون في المشهد المسرحي باعتبارها فنونا حية ، و نعمل جميعا على استمرارها و تطورها، و نجعل منها جسورا  تربطنا بأناسنا ، و مجتمعاتنا، و جسورا تربطنا بالعالم من حولنا".
شهدت الفترة ما بين الملتقيين العمل بكل روية وثقة مستمدة  من وجود خيرة فناني الدمى و خيال الظل و صندوق العجب و الأراجوز و الحكواتي في الوطن العربي ، فقدمت الهيئة ورشا في فنون الدمى و خيال الظل ضمن مهرجان الإمارات لمسرح الطفل. وندوة فكرية في ذات المهرجان الذي أهدته عرضا من العروض المهمة في فنون الدمى "يالله ينام مرجان".
كما قامت تكليف الفنان الفلسطيني عادل الترتير بتصنيع نسختين من صندوق العجب بطرازين أحدهما نقال و الثاني متحفي تم اهداؤه لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي و بهذا تكون قد أعادت الصندوق للإمارات بعد 60 سنة من غيابه.
و أقامت ثلاث ورش في فنون الدمى و الحكواتي و الأراجوز، لفائدة الفنانين العرب المشاركين في مهرجان المسرح العربي – الدورة السادسة التي أقيمت في الشارقة من 10 إلى 1 يناير 2014.
كما أقامت سوقا للدمى بعنوان "العب و تعلم و امتلك دميتك" و ذلك ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية و على مدار اسبوعين، بمشاركة 11 فنانا من تونس و فلسطين و الأردن و سوريا.
و قامت الهيئة باصدار كتاب "مسرح العرائس" الذي ترجمه عن التشيكية الأستاذ سليم الجزائري من العراق و هو  يشكل إضافة هامة للكتب المختصة بفن العرائس و توظيفها في المسرح
هذا و تشتمل الدورة الثانية على برنامج عمل ثري ، إذ ستشهد ندوات فكرية و ورش تدريب و عروضا و تكريمات على النحو التالي:
• ندوة خاصة بالمصطلح و التعريفات الخاصة بهذه الففنون لوضعها بصيغة يتم الاتفاق عليها و توحيدها و تعميمها عربيا
• ندوات تبحث مستقبل هذه الفنون، و توظيفها في الفضاء التربوي و المدرسي، و تقديم تجارب خاصة لفنانين قدموا تجارب مهمة في هذا الصدد، يشارك في هذه الندوات كوكبة من الأكاديميين و الفنانين أصحاب التجارب.
• عقد ورشتين متوازيتين لفائدة فنانين من المغرب و الجزائر و تونس و ليبيا و مصر و السودان و اليمن و الإمارات و موريتانيا.
• عرض أربعة من المسرحيات التونسية في أمسيات الملتتقى.
• تكريم فنانين عربيين لهما مساهمات كبيرة في مجال فنون الدمى، و هما:
o الدكتور ناجي شاكر – مصر
o الفنان محيي الدين بن عبد الله – تونس.
• إقامة معرض لنتاجات الفنانين المكرمين.
و في معرض تعليقه على هذا برنامج عمل الدورة الثانية، قال الأمين العام :
إن فعاليات الدورة الثانية من الملتقى العربي لفنون الدمى هي خطوة جديدة في الاتجاه المفضي إلى العمل الاستراتيجي الذي تسعى إليه الهيئة و يأتي تطبيقا خلاقا لدعوة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حين قال : يا أهل المسرح، تعالوا معنا، لنجعل المسرح مدرسة للأخلاق و الحرية.

درماتورجيا العمل المسرحي و المتفرج للباحثين محمد سيف و خالد أمين

مدونة مجلة الفنون المسرحية

درماتورجيا العمل المسرحي و المتفرج للباحثين محمد سيف و خالد أمين














يعد كتاب: " درماتورجيا العمل المسرحي و المتفرج " للناقدين المسرحيين محمد سيف و خالد أمين من أهم المراجع المتعلقة بالدراسات المسرحية التي طالعتها في المدة الأخيرة ، إنه الكتاب رقم 29 ضمن سلسلة منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة الكائن مقره بمدينة طنجة المغربية ، و الذي – المركز – يشرف عليه الأستاذ الدكتور خالد أمين .
إن هذا الكتاب هو بحق من النوع الذي يخف حمله و تكبر قيمته العلمية ، و يغري بالقراءة الفورية لما فيه من كنوز فكرية ، حيث إنه يقع في 130 صفحة من الحجم المتوسط و ينقسم إلى فصلين كبيرين صدرهما الدكتور سعيد كريمي بعتبة على شكل مدخل لعالم الدراماتورجيا ، ثم جاء الفصل الأول من الكتاب بقلم الدكتور خالد أمين و هو بعنوان رئيسي : " الدراماتورجيا البديلة : الأشكال الخاصة بطلائع الألفية الثالثة " تناول فيه الباحث عدة مسائل و قضايا فنية مسرحية مهمة وضعت على بساط البحث و النقاش عددا من المسائل المتصلة بمسرح مابعد الدراما و التي أطلق عليها الباحث تعبيرا ربما يكون أكثر دقة و هو الدراماتورجيا البديلة ، و قد تمحورت فكرة الفصل حول النقاط الآتية :
- أرسطو و سطوة دراماتورجيا المؤلف .
- تناسج الدراماتورجيا .
- الدراماتورجيا البديلة : هل هي اتصال أم انفصال ؟
- المرتجلة – مابعد الكولونيالية ، و دراماتورجيا الانعكاس الذاتي .
- الدراماتورجيا البصرية و المنعطف الوسائطي.
- الدراماتورجيا البديلة في سياق الربيع العربي .
- دراماتورجيا نون النسوة : مسرحية " ديالي " و الحراك من أجل تأنيث الفرجة المسرحية .
- " دموع بالكحول " و المنعطف الإثنوغرافي في المسرح المغربي المعاصر .
- دراماتورجيا المثاقفة و إعادة كتابة الحداثة المسرحية
- خلاصات أولية .
و من خلال مطالعتنا لعناصر هذا الفصل ، فإننا نكتشف أهمية مصطلح الدراماتورجيا الذي أصبح يعد اليوم من أكثر المصطلحات شيوعا و تعبيرا عن جوهر الممارسة المسرحية ، حيث إنه يشير إلى مجموعة من القواعد و النظم و الأعراف التي تتحكم في عملية بناء النصوص الدرامية ، كما تمتد لتشمل مجال الإخراج المسرحي.
إنها إذن مفهوم متشعب يحاول الإحاطة بكل حيثيات الممارسة المسرحية من حيث كونها نصا له خصائصه و مقوماته ، و عرضا له تجلياته السمعية البصرية و طقوسه الفرجوية المتعددة ، و هذا بالإضافة إلى أن الدراماتورجيا الحديثة تختلف عن الدراماتورجيا الكلاسيكية في كونها لا تقصي من اهتماماتها جانب النقد المسرحي من حيث كونه تحليلا علميا منهجيا للمارسة الدراماتورجية.
لقد تأسس مسرح مابعد لدراما انطلاقا من التطور الذي شهدته مفاهيم الدراماتورجيا في المسرح المعاصر ، حيث إن الدراماتورجيا الكلاسيكية في تركيزها على النص تحيلنا على قواعد المسرح الأرسطي ، و القائمة على الالتزام بقانون الوحدات الثلاث ( الحدث و المكان و الزمان ) ، بينما نجد الدراماتورجيا الحديثة تراهن على خرق تلك المعايير والقواعد الأرسطية و كل الشعريات الكلاسيكية لإنجاز الفرجة و تحقيق التواصل مع الجمهور ، حيث نلاحظ أن الدراماتورجيا الكلاسيكية كبينية داخلية تهتم على الخصوص بالعقدة و العرض و الصراع و النهاية و البنية السردية للنص الدرامي ، في حين أن الدراماتورجيا الحديثة كبنية خارجية تهتم بسبل و وسائل الإنتاج على خشبة المسرح ، أي تهتم بكل عناصر العرض المسرحي .
و الحقيقة فإن الباحث الدكتور خالد أمين لا يتوقف عند التحليل النظري لمصطلح الدراماتورجيا و مفاهيمه المختلفة ، بل إنه يبادر إلى تقديم مقاربات تطبيقية من خلال دراسة بعض العروض المسرحية التي تختزن تجليات درامية تجريبية يمكن وضعها ضمن خانة مسرح مابعد الدراما ، و هو المسرح الذي يتسم بتخلصه من المعايير الأدبية الدرامية كشرط لوجود الحدث المسرحي .
إن مسرح مابعد الدراما يؤسس هويته على ردم الحدود بين الفنون و توظيف جماليات خاصة تنعكس في الاهتمام بالسينوغرافيا و الموسيقى ، و استثمار الجسد في الأداء المسرحي ، و التعامل مع الإنارة باعتبارها لغة فنية ، كما تنعكس في الصورة الثابتة أو السينمائية ، و اللغة على الخصوص التي ترصد البعد الاجتماعي و السياسي من خلال طابعها اليومي .
أما الفصل الثاني من الكتاب و الذي خطه الدكتور العراقي " محمد سيف " الباحث المسرحي المعروف و المقيم في باريس ، فقد جاء بعنوان " الدراماتورجي ، ماذا يعني ، و ماهي وظيفته ، ومواصفاته ، و أنواعه ؟ "
و الحقيقة أن المطالع على هذا الجزء من الكتاب لابد و أن يكتشف قدرة الباحث " محمد سيف " على التحليل الهادئ وفق تدرج منهجي ينم عن قدرته العلمية في الإحاطة بعوالم الدراماتورج ، حيث قدم في البداية دراسة التطور الدلالي لمفهوم الدراماتورج عبر المراحل التاريخية المختلفة ، و هذا قبل أن يقدم تحليلا وافيا للمفهوم المعاصر للدراماتورج و وظيفته الحديثة التي تعود إلى العالم " ليسينغ " الذي يعود إليه الفضل في فرض هذا المصطلح ضمن مجالات الدراسات المسرحية المعاصرة ، ثم تمتد عناصر هذا الفصل لتدرس هيئات مختلفة للدراماتورج ، و هذا قبل أن يفيض الباحث " محمد سيف " في دراسة قضية الدراماتورج في المسرح العربي انطلاقا من تجربته – محمد سيف – في العمل المسرحي مع المخرج الدراماتورج العراقي الشهير قاسم محمد و كذا الفاضل الجعايبي .
و صفوة القول فإن كتاب درماتورجيا العمل المسرحي و المتفرج للباحثين محمد سيف و خالد أمين هو بالفعل فتح علمي رائد في مجال النقد المسرحي العربي ندعو جميع المشتغلين بالدرس المسرحي لاقتنائه و مطالعته للاستفادة مما فيه من معلومات ثمينة .
حسن تليلاني

تهريج الإيطالي داريو فو يشعل النار في مسارح فرنسا

مدونة مجلة الفنون المسرحية

تهريج الإيطالي داريو فو يشعل النار في مسارح فرنسا

 عشق قديم يجمع بين جمهور المسرح الفرنسي، خاصة في العاصمة باريس، ونصوص الكاتب والممثل المسرحي الإيطالي داريو فو (جائزة نوبل للأدب سنة 1997)، ويحدث غالباً أن تتقاطع العروض على مسارح المدينة وضواحيها، أو في مدن كبرى أخرى مثل بوردو وليون ومرسيليا، خلال الأسابيع ذاتها.
وهكذا يعرض المسرح الموسيقي في ضاحية مونتروي، شرق باريس، مسرحية غنائية مستوحاة من فو، بعنوان «القمر والمصباح الكهربائي»، تتألف من فصلين، بإخراج كاتي بياسان وتمثيل باتريك دراي ولوشيانو ترافاغلينـــو، وتعتـــمد على صيغة متوازنة بين المسرح والكابــاريه، فتشهد الخشبة مزيداً من الأفراح والأتراح، التسلية الضاحكة والتأملات الفلسفية، الجدّ والهزل.
ويقول الممثلان إنهما انطلقا من الرغبة في تلحين وغناء نصوص داريو فو، واستكشاف ما تخفيه قبل ما تعلنه. عالم آخر؟ ربما، فخلف هذه الحكايات والأغنيات المستمدة من داريو فو يطهر الكائن الإنساني بكل تردده وإقدامه، وضعفه وقوّته، ومهازله ومآسيه. هنالك أيضاً أجواء فيللينية، نسبة الى المخرج السينمائي الإيطالي الشهير، يتبادل تطويرها مهرجان اثنان على الخشبة.
مسرح «رون بوان» في قلب الشانزيليزيه اختار ثلاثة نصوص من داريو فو وشريكته فرانكا راميه، هي «اليس في بلاد بلا عجائب» و»أعود إلى البيت» و»ثنائي منفتح»، لإعداد عرض واحد أخرجه ستوارت سيد، ويطرح في الجوهر سلسلة أسئلة: إلى أين انتهت «الثورة الجنسية؟» وهل وقعت، حقاً، في أي يوم؟ وما الذي تبقى منها؟ وأي ألغاز وأسرار تنطوي عليها كلمتا «رجل» و»امرأة»؟
وعبر الفكاهة الهادفة، والسخرية المريرة، واختلاط الرمز بالواقع، تناقش النصوص ما انتهى إليه الحبّ الطبيعي في عصر يشهد شاشات التلفزة وهي تعرض آلاف الأفلام البورنوغرافية التي تجعل الجنس ممارسة ميكانيكية، بعضها لم يعد يثير الغرائز بقدر ما يبعث على التثاؤب!
التهريج لا يغيب عن هذه العروض، بل هو ركن أساسي في فنّ داريو فو. وفي حوار مع صحيفة «لوموند» الفرنسية، كان الفنان الكبير قد كرّر اعتزازه بأن يحمل لقب «ملك المهرجين» والمشعوذين والمحتالين، الذين سخروا من البلاط الملــكي في العصور الوسطى وثأروا للعامة والفقراء، وردّوا لهم كرامتهم.
وقال إنه في ذلك يستلهم تراث أستاذه المهرّج الإيطالي الكبير روزانتي، «الذي لا يرقى إلى مستواه الكوميدي سوى أناس من أمثال موليير وشكسبير»، والذي تعلّم منه طرائق «تدمير وإعادة تعمير اللغة، واستخدام الكلمات التي لا توجد في أي قاموس آخر سوى ذاك الذي يبتدعه الشارع المقهور». في ما بعد سوف يهتدي النقد المسرحيّ إلى المصطلح الذهبيّ الذي يليق بهذا المسرحي الفذ: سيّد «التهريج الملحمي!».
كذلك فإن عروضاً كهذه، وسواها كثير، تثبت مجدداً أن داريو فـــو يتربع دائماً على عرش التهريج المعاصر، في طـــول العـــالم وعرضه، بلا منازع عملـــياً. إنه، أيضاً وأساساً، سيّد الكوميديا الهـــادفة اللاذعة التي جلبت وتجـــلب عليه سخط الساسة ورجال الدين وأساطين المافـــيا والمال والأعمال.
وأعماله الكوميدية أولاً هي لوحات في السيرة الذاتية تعتمد سرداً استعادياً تسجيلياً وتخييلياً كثيفاً يذكّرنا بفرادة أمثال مارسيل بروست في «البحث عن الزمن المفقود»، وآلان فورنييه في «مولن الكبير»، وإيتالو كالفينو في «أقاصيص ماركوفالدو».
وإذ كان داريو فو استحقّ جائزة نوبل بكلّ ما ينطوي عليه هذا الاستحقاق من معانٍ، فإن صياغة حيثيات القرار لم تكن أقلّ إنطواء على ما يدهش، بل ويدهش كثيراً في الواقع. فالأكاديمية اعتبرت أنّ فو «اقتفى خطى مهرّجي الملوك في القرون الوسطى، وألهب السلطة بسوط النقد، مسترداً بذلك كرامة المهانين والضعفاء». وتابع البيان يقول: «إذا كان من شخص يستحقّ صفة المهرّج بالمعنى الحقيقي لهذا التعبير، فإنه داريو فو. وبمزيج من الضحك والرصانة فتح أعيننا على مفاسد ومظالم المجتمع، وكذلك على المنظور التاريخي العريض الذي يمكن أن تُوضع فيه. وأعمال فو المتعددة الأوجه تبرهن على أنه فنّان ساخر، ولكنه بالغ الجدّية في الآن ذاته. واستقلال وصفاء رؤيته دفعاه إلى مجازفات خطيرة، عانى مباشرة من عواقبها، ولكنها في الوقت ذاته كفلت له استجابات هائلة في أوساط عريضة مختلفة».
ولا تُنسى تلك الصيغة الكوميدية المبتكرة العجيبة التي اختار أن تأخذها محاضرته ساعة استلام جائزة نوبل. وكما هو معروف، تقضي التقاليد العريقة السائدة في الأكاديمية السويدية أن يقوم الحائز على جائزة نوبل (في أي ميدان، وليس في الآداب وحدها) بإلقاء ما يسمّى «محاضرة نوبل»، وفيها يُنتظر من الفائز أن يقدّم خلاصة تجربته الشخصية في حقل نشاطه الإبداعي أو العلمي أو العملي الذي استحقّ عليه الجائزة. كما جرت العادة أن تحتوي المحاضرة على «رؤيا» فلسفية من نوع ما، تغطّي واقع وآفاق ذلك الحقل من النشاط وتدخل في أرشيف الأكاديمية الرسمي كوثيقة أساسية.
وبدل المحاضرة الموعودة، وصل داريو فو إلى ستوكهولم متأبطاً 25 رسماً كاريكاتورياً، أنجزها بنفسه على طريقة الرسوم المتحركة، واختصر فيها مراحل حياته الفنية، ومواقفه الأخلاقية والفلسفية، والمحطات التي مرّ بها وهو يشيّد أركان تجربته الفذّة كمسرحي مهرّج ساخر من «بَلاط» المؤسسة على اختلاف أنماطها. ثمّ وزّع تلك الرسومات على أعضاء الأكاديمية بوصفها… محاضرة نوبل للآداب لعام 1997!.
وليس غريباً أن يتواصل العشق بين داريو فو وجمهور المسرح في العالم بأسره، فهذا في نهاية الأمر هو المسرحيّ الكبير الذي لم تجد المافيا من وسيلة ناجعة للضغط عليه سوى اختطاف زوجته وشريكته في العمل المسرحي فرانكا راميه، وتعذيبها جسدياً. وهو الذي أنزلته الشرطة الإيطالية من خشبة المسرح أثناء العرض، لكي تقتاده إلى السجن بتهمة… الخروج عن النصّ المسرحي!.
وهذا هو المسرحي الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي الإيطالي وفي لجان يسارية متعددة للدفاع عن السجناء السياسيين، والذي سخر بشدّة من المؤسسة البابوية، ومن الأحزاب السياسية الإيطالية بيمينها ويسارها، ومن أوروبا الإمبريالية، ومن الولايات المتحدة (التي ظلّ ممنوعاً من دخول أراضيها طيلة عقود).
وأخيراً، هذا هو داريو فو المتعاطف، في الحياة كما على خشبة المسرح، مع المقاومة الفلسطينية التي كانت في مطلع السبعينيات بمثابة التجسيد الأقصى لـ«الإرهاب المطلق» في أنظار أوروبا والغرب إجمالاً.
Super User
القدس العربي

جاك ليكوك وشعرية الجسد / د. جميل حمداوي

مدونة مجلة الفنون المسرحية
مقدمــــة:
يعتبر جاك ليكوك Jacques Lecoq من أهم المخرجين المعاصرين الذين أرسوا الإخراج المسرحي على أساس الواقعية الجسدية وشعرية الحركة، ويعني هذا أن جاك ليكوك من المخرجين الذين اهتموا كثيرا بفن الجسد وبلاغة الحركة ومسرح الألعاب البدنية والرياضية. ومن ثم، يتميز مسرحه بالديناميكية الأدائية ودراسة الإشارات اللفظية والإيماءات الصامتة والكوريغرافيا البصرية والتجريد الميمي.
وقد استطاع جاك ليكوك بكل مهارة ودراية احترافية أن يجعل من الركح المسرحي حلبة للصراع العضلي وفضاء للتعبير الديناميكي الذي ينصب على إظهار مقومات الجسد بمافيه الوجه واليدين وباقي أعضاء الجسم كله، كما ركز كثيرا على سيميولوجية الحركة والإشارة داخل العرض السينوغرافي من أجل خلق مشاهد فنية وجمالية رائعة ومثيرة تشد بلب المتفرج وتسحر بصره وتأخذ بوجدانه.
والجديد الذي أتى به جاك ليكوك هو أنه أدخل الرياضة البدنية والألعاب العضلية في عالم المسرح، وأعطى الدور الكبير للصمت والحركة والقناع على حساب اللفظ من أجل تغيير المسرح الأوربي الذي كان مرتبطا أيما ارتباط بالكلمة الحوارية، و تشبه ثورة جاك ليكوك التجديدية ما قام به كل من جاك كوبوه وأنطونان أرطو حينما رفضا المسرح الغربي ودعيا إلى مسرح حركي بديل.
1- من هو جاك ليكوك؟
ولد الفرنسي جاك ليكوك  Jacques Lecoq بباريس في 15 دجنبر 1921م وتوفي في19 يناير 1999م، ويعرف جاك ليكوك بكونه ممثلا ومخرجا ورياضيا وكوريغرافيا وبيداغوجيا.
ويعد أيضا من كبار الأساتذة المعاصرين الذين اهتموا بتدريب الممثل في القرن العشرين في مجال الميم المسرحي والشقلبة البهلوانية والأقنعة والكوميديا الهزلية وتشغيل الراوي في المسرحيات المنصبة حول التراجيديات القديمة.
بدأ جاك ليكوك حياته المهنية أستاذا للرياضة والتربية البدنية ، وعرف بحبه للعدو الريفي والسباحة،، وتعلم التمثيل في فرقة جان داستيه Jean Dasté، واستفاد كثير من الكوميديا الإيطالية ” دي لارتي ” على مستوى الجسدي والحركي.
واهتم جاك ليكوك كثيرا بفلسفة القناع ودوره السيميائي في المجال المسرحي والسينوغرافي، وتوصل مع صديقه النحات الإيطالي أمليتو سارتوري Amleto Sartori إلى إبداع ما يسمى بالقناع المحايد .
هذا، وقد وجهه صديقه داريو فو Dario Foإلى الاهتمام بالكوريغرافيا وشعرية الحركة والجسد؛ مما أهله هذا الأمر لإخراج مجموعة من التراجيديا اليونانية على ضوء الكوليغرافيا المعاصرة و بلاغة الجسد والتعبير الحركي.
وقد أسس جاك ليكوك سنة 1956م بباريس المدرسة العالمية للمسرح والميم، وقد تولى فيها التدريس وتدريب الطلبة وهواة الدراما والكوليغرافيا.
وفي سنة 1977م، أنشأ ليكوك مختبره LEM لدراسة حركات الجسد ، والبحث عن علاقات  الإيقاع  والفضاء المشهدي بالسينوغرفيا الركحية.
2- مدرسة جاك ليكوك:
تخرج من مدرسة جاك ليكوك كثير من عشاق المسرح وهواة الدراما والكوريغرافيا، ومن بين هؤلاء أريان منوشكين Ariane Mnouchkine التي اقترن اسمها بمسرح الشمس، وفيليب أفرون Philippe Avron ، ولوك بوندي Luc Bondy، وكريستوف مارتالير Christoph Marthaler ، وياسمينة رضا، ومومن شانزMummenschanz …واليهودي عميرام أتياس وآخرين…
وتضم مدرسة ليكوك كل من يرغب في معرفة شعرية الجسد، ويريد تعلم تقنيات التمثيل والتشخيص والإخراج المسرحي والتعرف على نظريات المسرح وطرائق الإخراج والكتابة الدرامية وبناء السينوغرافيا وتأثيث الركح.
ويقول الدكتور شاكر عبد الحميد عن هذه المدرسة:” أنشأ ليكوك مدرسته الخاصة لتدريب الممثلين عام 1956م في باريس، وقد كان ليكوك يقول: إن الممثل يكتب بجسده في الفضاء المسرحي، مثلما يكتب المؤلف المسرحي بقلمه على صفحة بيضاء، وربما لأنه بدأ حياته لاعبا رياضيا، فإنه كان مهتما بالقدرات الخاصة للجسد الإنساني. ومن ثم، فإنه خلال اهتمامه بالمسرح وتطويره لأساليبه المسرحية كان يشير كثيرا إلى أن أي حركة تقوم بها تحمل معنى ما، سواء كنا نقصد ذلك أو لانقصده، وكذلك أن الدافع الجسمي، دافع الحركة والتعبير الحركي، هو من الأمور الملازمة على نحو أصيل لتفكيرنا وانفعالاتنا وأداءاتنا بشكل عام”.1
ويدرس الطلبة في مدرسة ليكوك سنتين متتابعتين: ففي السنة الأولى يتم التركيز على ملاحظة حركات الناس ودراسة سيكولوجيا الشخصية. أما الدروس فتنصب حول استكشاف عالم الأقنعة والألعاب البهلوانية والشقلبات السيركية وفنون الصراع وتحليل الحركات وتحديد دلالاتها السيميائية والرمزية.
كما يتم الاهتمام بالميم والألعاب العضلية والفرجوية، وتمثيل الحياة عن طريق المحاكاة والتقليد واللعب ، ودراسة القناع من خلال ثلاث خاصيات أساسية وهي: الصمت والهدوء والتوازن، علاوة على دراسة الطبيعة في علاقتها الجدلية بالشخصية من خلال التركيز على العناصر و المواد ، والإضاءة والألوان، والنباتات والحيوان.
وتركز الدراسات النظرية على  الأقنعة وأدوارها الأيقونية والتعبيرية والوظيفية والبدائية.
كما يتم الاهتمام بتدريب الشخصيات على المواقف الدرامية ودراسة تصرفاتها ورغباتها وأهوائها.
ويدرس الطالب أيضا على ضوء رؤية ديناميكية الفنون الجميلة كالشعر والرسم والموسيقى في علاقة هرمونية بمسرح الأشياء وتحولاته الزمانية والمكانية.
وعلى مستوى التعلم الذاتي، يطلب من التلاميذ كل أسبوع توظيف خيالهم من أجل تحقيق إبداعاتهم داخل الجماعة، وتعرض أعمالهم في نهاية الأسبوع أمام مجموعة من الأستذة الذين يخضعون إنتاجاتهم للمناقشة والتقويم.
ويطلب منهم أيضا إنجاز أبحاث ميدانية حول عادات الناس وتصرفاتهم في الأماكن الآهلة والمزدحمة بالبشر استعدادا لتشخيصها فوق خشبة المسرح لإثارة الجمهور واستفزازه.
وتخصص السنة الثانية للإنتاج الإبداعي من خلال استثمار ما درسه الطالب في السنة الأولى في مجال  المونودراما، والكوميديا الهزلية، والتراجيديا ، والتهريج البهلواني، والكوميديا الإنسانية…
ويدرس الطلبة كذلك لغة الحركات، والبانتوميم، والحكايات الميمية، وتشخيص المشاعر على ضوء التمسرح الميلودرامي ، والتدريب على الكوميديا الإنسانية المقنعة والكوميديا الهزلية المجتمعية والفانطاستيكية  والكروتيسكية، والتمثيل في شكل جماعات وفرق ، ودراسة تراجيديا الراوي والبطل،وتمثل تقنيات المهرج والبهلوان السيركي والمسرحي مع استيعاب قواعد الكوميك.
ولا ننسى أيضا التعمق في دراسة النصوص المسرحية الكلاسيكية والمعاصرة مع التركيز على الكتابة المسرحية ومقومات الدراماتورجيا الدرامية.
مشهد مسرحي جماعي
وعلى المستوى الإنجاز الشخصي، يعرض الطلبة أعمالهم على المدرسين في نهاية كل أسبوع، كما تعرض أعمال الطلبة المنجزة أيضا على الجمهور كل ثلاثة أشهر.
وفي نهاية السنة الدراسية، يقدم الطلبة عرضا مسرحيا محددا من حيث الموضوع والوقت لمعرفة قدراتهم الكفائية في مجال المسرح والدراما .
وعليه، فمدرسة جاك ليكوك تستعمل بشكل بارز تقنية التكنيك الأكروباتيكي من خلال الجمع بين أسلوب إتيان دوكرو وأسلوب جان داست.
ومن ثم، تتميز المدرسة الليكوكية ببلاغة الجسم وديناميكية العضلات ، وتنطلق من شعرية الجسد وبلاغة الحركة و التركيز على الشعار الحيوي: ” فلنتحرك جميعا” فوق خشبة المسرح.
مدرسة جاك لكوك
أقنعة ليكوك
تدريب الممثلين حركيا
3- مؤلفات جاك لكوك:
من المعروف أن لجاك ليكوك مجموعة من الدراسات النظرية والتطبيقية التي تعرف بمدرسته المسرحية والإخراجية بله عن دروسه التي كان يقدمها لطلبته حول شعرية الجسم وبلاغة الجسد والحركة.
ومن أهم مؤلفات جاك ليكوك البارزة كتابه:” مسرح الميم والحركة” الذي ترجم إلى عدة لغات ومنها: اللغة الإنجليزية.
كما ألف كتابا آخر بعنوان:” شعرية الجسد le corps poétique” يشرح فيه نظريته المسرحية وتصوره الميزانسيني القائم على بلاغة الجسد والواقعية الجسمية والحركية.
وكان ليكوك ينتقل من بلد إلى آخر ليلقي مجموعة من دروسه النظرية والتطبيقية حول شعرية الجسد والحركة الديناميكية.
4- مصادر مسرح جاك ليكوك:
تأثر جاك ليكوك بالميم (التمثيل الصامت) المعروف قديما وحديثا، فطوره على ضوء أساليب تقنية معاصرة استوحى فيها نظريات أساتذته المبدعين كجاك كبوه Copeau، وفرانسوا ديل سارتو Francois Del Sarto (1811-1871م)، وإتيان دوكرو Etienne Decroux، وإليان غويو Eliane Guyon ، وجان داست Jean Daste، وماريا هيلين داست Marie Helene Daste  ، وهوراتسيو كوستا، وغابرييل كوزان Gabriel Cousin.
ويلاحظ أيضا أنه تأثر كثيرا بمارسيل مارسو الذي قال:” إن الحركة الإيمائيةMime هي جوهر المسرح، كما أن مارسو هذا سيؤسس عام 1978- في باريس- ما سماه ” مدرسة الميمودراما” أو مدرسة الدراما الإيمائية”، وقد خصصها للتعلم والتدريب المناسبين في هذا المجال “.2
كما تأثر جاك ليكوك بالفارس والسيرك الغربي وبفن كوميديا ” دي لارتي” وطريقتها الارتجالية والكوميدية والحركية، كما استوعب مقومات المسرح الأنتروبولوجي الأفريقي والآسيوي والأمريكي.
5- مفهوم جاك ليكوك للممثل:
من المعروف أن هناك ثلاثة نصوص أساسية في مجال المسرح: نص المؤلف ونص المخرج ونص المتلقي، بيد أن جاك ليكوك يتحدث عن نص جديد وهو نص الممثل؛ لأنه يكتب نصه عن طريق الحركة والجسد مستعملا في ذلك طاقته التشخيصية الذاتية وذكاءه الفردي الخاص، وعبقريته  الحدسية في توليد الحركات الإبداعية المناسبة لسياقات التمثيل والتشخيص الدرامي.
تشخيص حركي
ومن هنا، فالممثل الحقيقي حسب ليكوك هو الذي يشغل جسده بطريقة رياضية وأكروباتيكية ، ويحسن الصراع الجسدي، ويتحكم في إيقاع بدنه في تناغم مع الفضاء السينوغرافي. كما أن هذا الممثل مطالب بمعرفة الميم والاشتغال الجيد على الأقنعة و الكوميديا الهزلية والتهريج ، وهو مطالب أيضا بإتقان فن المحاكاة والسخرية والباروديا والألعاب السركية والشقلبة المسرحية واللعب البهلواني.
ويشترط فيه كذلك حسن التموقع الفردي والتموقع الجماعي على خشبة الركح. ويعني هذا أن الممثل عند ليكوك قد أصبح لاعبا رياضيا ومصارعا بدنيا يوظف جسمه ولياقته بطريقة درامية لإقناع الجمهور والتأثير عليه.3
ويبدو لنا من كل هذا أن طرائق تدريب الممثل كما طورها جاك ليكوك على امتداد ثلاثين سنة أو يزيد عبارة عن أساليب :” غير مألوفة وجديدة في تشجيع الممثل على اكتشاف أسلوبه الخاص، بدلا من فرض أسلوب معين في الأداء عليه. وقد طور ليكوك أساليبه هذه في ظل أفكار تنامت في فرنسا في بداية سبعينيات القرن العشرين ، فحواها أنه من المهم التركيز على العملية المسرحية أكثر من الاهتمام بالناتج فقط، أي ضرورة الاهتمام بالعملية التي يتطور من خلالها النص المسرحي وليس المنتج النهائي الذي يؤدي أمام الجمهور. وقد تطلب ذلك أن يعاد تعريف مفهوم النص في المسرح فقيل: إن ذلك التعارض الثنائي القديم الذي يميز بين نص الكاتب وأداء الممثل لم يعد تمييزا مقبولا، وإن الممثل نفسه يقوم بتوليد نصه الخاص، وإن هذا النص، خاصة عندما يفهم جيدا، وعندما يندمج مع الكلمات والحركة والإيماءة والرقص والموسيقى والإضاءة وغيرها من المكونات المسرحية سيكون له تأثيره البالغ والمهم في الجمهور4.
ويقصد بهذا أن أهم نص مسرحي ليس هو نص المؤلف الذي يمكن الاستغناء عنه، بل هو نص الممثل الذي يحوله عن طريق الحركة الحية إلى عرض سينوغرافي ساحر ورائع.
إذا، فبمجرد:” بداية الأداء قد يكتب نص جديد، وإن الارتجال والإيماءات الحرة أو الموجهة، قد تكتب نصا خاصا، يؤدي، تكون ولادته الأولى والوحيدة مع بداية الأداء، من دون نص مكتوب سابق، وقد تكون له ولادته الثابتة إذا كان هناك نص مكتوب يمثل نقطة الانطلاق لهذه الولادة الثانية على خشبة المسرح.”5
يستند تدريب جاك ليكوك للممثل إلى الحركة والإيماءة كأساس للعمل، وينتقل الممثل من الدراما الميمية إلى الكلام الحواري، ويستلزم تدريبه الميمي أن يراقب جيدا الطبيعة التي تحيط به ويلاحظ أيضا الحياة الاجتماعية للناس عن طريق الجسد الذي يستعمله الملاحظ في الاحتكاك بالآخرين والاتصال بالطبيعة.
ومن هنا، يتحدث ليكوك عن الميم الديناميكي والجيودراماتيك، وتدريب الممثل على أداء التراجيديات القديمة والكوميديا دي لارتي والبانتوميم والميلودراما.
ويركز ليكوك في تدريب ممثله على التجمهر ولعبة القناع  والتهريج الدرامي وتوظيف عضلات الجسم وشعرية الجسد في حركة متناسقة وهرمونية منسجمة مع إيقاعات السينوغرافيا المسرحية وأنغام الموسيقى الموحية.
التشخيص البهلواني
5- التصور الميزانسيني عند جاك ليكوك:
يستند التصور الميزانسيني ” الإخراجي” عند جاك ليكوك على الاهتمام بشعرية الجسد في مجال المسرح من خلال التركيز على الميم والبانتوميم والكوريغرافيا وحركة التهريج والشقلبة السيركية وتوظيف الأقنعة الموحية ودراسة الراوي علاوة على البحث في الحركات الدرامية وتشريحها بدقة دلالية وسيميائية وأيقونية.
كما ركز جاك ليكوك على الفضاء الركحي والإيقاع الدرامي والحركي في علاقتهما بالسينوغرافيا الجسدية أوسينوغرافيا الكتل البشرية. ومن هنا، تتحول السينوغرافيا المشهدية عند ليكوك إلى فيلم حركي وفضاء للمبارزة والمصارعة القتالية وملعب للرياضة البدنية ومجال لفنون القتال ومرقص للجسد المتحرك بحيوية ديناميكية على أمواج الموسيقى الموحية والإضاءة الخافتة والمتوهجة فنا وجمالا.
ويهتم جاك ليكوك بدراسة الوجه واليدين وحركات العضلات الجسمية وتقنيات التحرك والمشي وتموقع الرجلين مع التركيز على النظرات والحركات الأيقونية والإشارات الميمية واللغات الجسدية ومختلف الألعاب البهلوانية والسيركية والتهريجية والتجمهر الجماعي والتشخيص الكوميكي الفكاهي.
كما يهتم أيضا بالمحاكاة الصادقة العميقة الجذور التي تمتد إلى :”ماوراء التشابه البسيط في الجسم أو الصوت، تمتد إلى ماوراء التشابه الخاص في الشكل الخارجي، إلى المحاكاة الخاصة العميقة للمعنى، وهي محاكاة تمتد من أشكالها البسيطة التي تتمثل في سلوك الطفل التلقائي إلى المحاكاة العميقة التي نجدها لدى الممثل أو في الفن عموما، المحاكاة هنا ليست هي المحاكاة السطحية المرآوية الساذجة، بل المحاكاة التي تقوم على أساس الخيال وعلى أساس القرب من عمق الشخص الذي تتم محاكاته ومن جوهر انفعالاته وأفكاره أيضا، جوهره الذي قد لايكون واضحا ظاهرا من خلال شكله الظاهري وأدائه الواضح، بل من خلال ما قد يكون كامنا وراء السطح وخلف المظهر.هنا نقترب أكثر من مفهوم المحاكاة الإيمائية المحاكاة والمحاكاة التنافسية أي المحاكاة بقصد الإتقان والإضافة والتفوق”.6
شعرية الجسد
وعلى أي حال، فهذه الطريقة التي ابتدعها جاك ليكوك مخالفة لطريقة قسطنطين ستانسلافسكي وأستوديو الممثل لكونها تركز بشكل أساسي على طاقات الممثل الجسمية وشعرية جسده وحركاته الذاتية ومقوماته العضلية والبدنية،” فمع تزايد اهتمام المخرجين المؤدين والجمهور بالإبداع الخاص بالممثل، تزايد الشعور بالحاجة إلى استكشاف أساليب مختلفة في التدريب للممثلين. وقد شعر البعض أن أسلوب ستانسلافسكي لن يكون مفيدا بدرجة كبيرة بالنسبة إلى الممثلين الذين يحاولون خلق ( إبداع ) مادتهم الخاصة، أسلوبهم الخاص، بدلا من البداية من نص مكتوب. هنا، كانت أفكار ليكوك أكثر إلهاما. هنا، اكتشفوا قدرا كبيرا من الإيماءات والتعبيرات الجسدية التي تمثل تراثا ثريا يعود إلى أساليب متنوعة خاصة بالبانتومايم (التمثيل الصامت) والكوميديا الارتجالية (كوميديا دي لارتي)، وفن المايم وفناني المايم الحديثين في فرنسا خاصة في بداية القرن العشرين، إضافة إلى عالم الأكروبات والمهرجين ومسرح الأقنعة القديم والحديث والكوميديا بأنواعها، وغيرها من الأساليب التي تعتمد على الحركة.”7
وينبني الإخراج المسرحي عند ليكوك على تعديل نص المؤلف ليتلاءم مع شعرية الجسد وتفاصيل الكوريغرافيا الهرمونية. وبعد ذلك، ينتقل إلى كتابة الممثل الجسدية من خلال تدريبه على قوانين الحركة واللعب والشكل والفضاء. ويعني هذا أن النص الدرامي ينبغي أن يكون نصا جسديا ميميا ومقنعا يقوم على اللعب الأكروباتيكي وتوظيف تقنيات الصراع والمبارزة واللعب البهلواني واستعمال السخرية والباروديا والتهريج والفكاهة الهازلة. وتساهم السينوغرافيا الإيقاعية والضوئية والفضائية في إثراء السياقات الجسدية للممثل وتشكيلها فنيا وجماليا ودراميا.
وقد كان ليكوك في تصوره الإخراجي يستكشف:” قوانين الحركة في المسرح، وفي الحياة بشكل عام،  حركة الجسم المرتبطة بانفعالاته ومشاعره المتنوعة وعلى أساس مجموعة من التجارب وعمليات التجريب بالجسد ، وقد كان يسعى دوما باحثا عن طرائق لاكتشاف الأبعاد الخيالية والشعرية للحركة، إضافة إلى أبعاد هذه الحركة الجسمية وطرائقها المتنوعة في التعبير أيضا، حيث كانت الإيماءة هي أساس الأداء والخيال المسرحي لدى ليكوك.
هكذا ، فإنه بينما كان ستانسلافسكي يؤكد ” الواقعية النفسية” للأداء، فإن ليكوك يؤكد الواقعية الجسمية والحركية له،أي قدرة الحركة على التعبير حتى لو كانت صامتة، فاللغة هنا لغة الإيماءة التي تقوم على أساس التحرير للخيال الجسدي للمثل كما أشارت أريان منوشكين، وقد كانت شديدة التأثر في مسرحها بأفكار ليكوك”.8
التدريب الحركي
يشغل جاك ليكوك ديناميكية الجسد في العمل المسرحي باعتبار أن الجسد هو العنصر الحي الأساسي في الإنسان، فيتم  نقل كل مايتحرك إلى المسرح عبر الجسد ومكوناته الرئيسة، كما يطبق جاك لكوك القوانين العالمية للحركة الجسدية في ميدان المسرح وتدريب الممثل.
وتستفيد منهجية جاك ليكوك من جميع التقنيات والتصورات الإخراجية المسرحية قديما وحديثا ، ويحاول ليكوك تجديدها وعصرنتها وقراءتها على ضوء الحاضر باستغلال شعرية الجسد وبلاغة الحركة وتقنيات الكوليغرافيا. كما تمثل ليكوك التكنيك الكروباتيكي وفن الميم الذي قال عنه:” ليس هناك شكل آخر للميم، فالميم هو كل شيء و قبل كل شيء في المسرح”.
ويمكن اختزال التصور الميزانسيني لدى جاك ليكوك في الخطوات الموالية:
* الانطلاق من نص مكتوب أو مرتجل أو حركي؛ لأن ليكوك لايستغني عن اللغة المكتوبة؛
* إخضاع النص المنتقى لدراماتورجية الجسد والكوريغرافيا التعبيرية؛
* تدريب الممثلين على الأداء الإيمائي والعضلي والرياضي؛
* الانطلاق من الواقعية الجسدية لتجريب طاقات الممثل الحيوية والديناميكية؛
* اكتشاف  الأبعاد الخيالية والشعرية للحركة؛
* تحرير الخيال الجسدي للممثل؛
* ربط الأداء الحركي بالمحاكاة والخيال والارتجال؛
* المزاوجة بين اللغة اللفظية واللغة الصامتة، بيد أن اللغة المتلفظة قاصرة وعاجزة عن الأداء مقارنة مع لغة الجسد وشعرية الحركة؛
* الاستعانة بالخيال الجسدي لتطوير قدرات الممثل على التمسرح والفعل الدرامي؛
* ملاحظة الممثلين لحياة الناس ومعايشتها بصدق في كل ثرائها وتجلياتها؛
* دراسة الحركة الجسدية تحليلا وتشخيصا؛
* تطويع الحركية الجسدية مع سينوغرافيا الركح؛
* التركيز على السينوغرافيا الجسدية والحركية؛
* الاهتمام بفن المقاتلة والصراع والتهريج والكوميك والميم والشقلبة السيركية؛
* توظيف الرياضة البدنية والأقنعة المحايدة في العروض المسرحية؛
* فهم العالم وتفسيره عن طريق الجسد والحركة.

توظيف الرياضة البدنية في المسرح
6- مكانة جان لكوك المسرحية:
من المعلوم أن لجاك ليكوك مكانة هامة في تاريخ الإخراج المعاصر، والدليل على ذلك أنه استدعي مرات عدة من قبل الكثير من دول العالم ليقدم محاضرات حول نظريته المسرحية التي تسمى بشعرية الجسد أو بلاغة الحركة أو الواقعية الجسدية أو مسرح الإيماءة أو مسرح القناع.
و يعد أيضا من مؤسسي بيداغوجيا المسرح التي أرسي دعائمها على التكنيك الأكروباتيكي وفن الميم والارتجال والرياضة البدنية.
وتتجلى مكانته الكبرى في تأسيس السينوغرافيا العضلية والمشهدية البصرية الكوريغرافية على أسس علمية وفنية جديدة تنفتح على السيرك والرقص والباليه والسينما والتنشيط والمسرح والرياضة البدنية وفنون القتال والمصارعة.
ومن الآثار الدالة على قيمة جاك ليكوك ومكانته الهامة في المسرح الغربي أنه حاول أن يخلص المسرح العالمي من إسار الكلمة اللفظية والحوارات اللغوية واستبدال كل ذلك بالصمت والميم والبانتوميم والألعاب الرياضية وفنون المقاتلة والمبارزة. علاوة على كونه  ساهم في تكوين مجموعة من الأطر المسرحية من ممثلين ومخرجين ومنشطين ومدربين ومدرسين في مجال المسرح وأخص بالذكر المخرجة آريان منوشكين صاحبة مسرح الشمس بباريس.
لقطة مشهدية عضلية
7- تقويم تجربته المسرحية:
من أهم الملاحظات التي يمكن الخروج منها بعد تأملنا في تجربة جاك ليكوك  التنظيرية والتطبيقية أنه حول المسرح إلى كوريغرافيا عضلية ورياضة بدنية ومصارعات قتالية وصمت حركي ميمودرامي ، بيد أن المسرح تعبير لغوي أكثر مما هو تعبير جسدي، وحوار لفظي أكثر مما هو كوريغرافيا ولعب جسمي وعضلي.
وعلى الرغم من هذه الملاحظات الهينة، فإن جاك ليكوك أتى بنظرية درامية جديدة ويمكن حصرها في بلاغة الجسد أو شعرية الحركة أو الواقعية الجسدية.
خاتمــــة:
وخلاصة القول: يعتبر  جاك ليكوك مخرجا فرنسيا متميزا في تاريخ الإخراج العالمي بما قدمه من نظريات وتطبيقات ميزانسينية توحي بالتجديد والإبداع والحداثة وبالضبط حينما ربط تشخيص الممثل بالتربية البدنية واللعب الفيزيائي العضلي. وبالتالي، يرتبط جاك ليكوك أيما ارتباط ببلاغة الحركة وشعرية الجسد.
وإذا كان المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي قد بلور ما يسمى بالواقعية النفسية، فإن جاك ليكوك قد أوجد نظرية جسدية تسمى بالواقعية الجسدية التي تستند إلى تطويع الجسد بطريقة ديناميكية لينسجم مع إيقاعات الموسيقى وجماليات السينوغرافيا المشهدية.
ومن هنا، يمكن القول بأن جاك ليكوك سيبقى خالدا في أرشيف المسرح الغربي بسبب تأسيسه لبلاغة الجسد وشعرية الحركة ولعبة الميم والبانتوميم.
المصادر والمراجع:
1- د. شاكر عبد الحميد: الخيال من الكهف إلى الواقع الافتراضي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، عدد:360، فبراير 2009م؛
2-A Regarder. Lecoq.J.: Theatre of Mime and gesture. Translated by Dvlid Bradly et.al.London: Routledge, 2006.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption