مدونة مجلة الفنون المسرحية
«المسرح السعودي في غيبوبة»، عبارة تسمعُها كلما حان الحديث عن حال المسرح وأحواله. لكّن بعض المهتمين بصناعة المسرح الذين ما زالوا يعملون وينتجون ويخرجون يرفضون هذا التوصيف، أو يتحايلون للتخفيف من وقعه.
لكن من يتحمل مسؤولية تغيير هذا الواقع؟
هناك من يتهم المجتمع، الذي أعرض عن «أبي الفنون»، وأشاح بوجهه عن صناعة المسرح فلم يقدم لها أي دعم ولم يحتضنها، كما احتضن الفنون الأخرى. وهناك من يقول إنها «المؤسسة» التي لم توفر الدعم اللازم، ولا أدلّ على ذلك من حالة الترهل التي تعاني منها «جمعية المسرحيين السعوديين».
«الشرق الأوسط»، التقت عددا من المتهمين بصناعة المسرح السعودي، للبحث عن إجابة لسؤال: أين أصبح المسرح السعودي؟
* العتيبي: المسرح حي يرزق
رجاء العتيبي، رئيس لجنة المسرح بجمعية الثقافة والفنون السعودية، رفض وصف عبارة «المسرح السعودية في غيبوبة»، وقال «هذا وصف غير صحيح إطلاقا، ومن يقول بهذا الكلام من المؤكد أنه بعيد عن مجال المسرح، وفي هذه الحالة لا يمكن أن يكون ملما بتفاصيل النشاط المسرحي».
ويضيف العتيبي «المسرح لا يزال حيا يرزق، بل يؤدي مهامه بهمة ونشاط وحماس كبير، وينتشر في كل مكان من المناطق بالبلاد، وهناك اهتمام من قبل الجهات المعنية به سواء وزارة الثقافة والإعلام أو بطبيعة الحال جمعية الثقافة والفنون، فضلا عن وزارة التعليم، وفي الجامعات التي أفردت مساحات واسعة للعمل المسرحي. وهناك أيضا إنتاج مسرحي وممثلون شباب، فبعد كل فترة يظهر جيل جديد من المسرحيين، وهناك مهرجانات ومشاركات خارجية. ولذلك لا أعتقد أن هناك غيبوبة أصابت المسرح السعودي».
ومع أن العتيبي أقرّ بأن المسرح السعودي لم يصل إلى مستوى الطموح المنشود لأن سقفه عال «فإن المسرح موجود وقائم ويؤدي مهامه»، وإن هناك «العديد من المشروعات الحقيقية للمسرح والفنون، فهي متطورة، حيث لا يوجد مشروع مسرحي وحده معزول عن نشاط الفنون بشكل عام».
وعندما سألناه عما يعني بذلك، أجاب «لأن ثقافة المجتمع الغالبة ضعيفة، ولحدٍ ما غير مرحِّبة كثيرا بهذه الفنون، حيث لا تدرس الفنون في المدارس، ولا في الجامعات، وليس هناك تراكم مسرحي قديم، فالفنون ليست لها مشروعات متراكمة، وليس من تجارب كبيرة فيها». وتابع «هناك مشكلة تواجهها صناعة الفنون في المجتمع بشكل عام، ولذلك لا يأخذ المسرح الاهتمام المطلوب به، وكل الذي تراه حاليا ما هو إلا عبارة عن مجهودات من أفراد من الفنانين وبعض الجهات التي تهتم بهذا الجانب ومع ذلك تتمتع بحضور واهتمام في حدود».
وعن مشاريع جمعية الفنون في الرياض، قال العتيبي «للجمعية مشاريع عمل وبرامج مسرح موجودة، وحاليا نعمل على برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للمسرح برعاية وزارة الثقافة والإعلام، سينفذ في 27 مارس (آذار) ومسابقة مسرح شباب الرياض، في مؤتمره الرابع، وهذه المسابقة دائما نحول فيها نصا معينا أو فيلما أو رواية إلى نصوص مسرحية».
ومثال على ذلك، ذكر أنه في العام الماضي قام ستة شباب بمسرحة رواية غازي القصيبي «أبو شلاخ البرمائي»، وأخرجها ستة شباب آخرين، مشيرا إلى أنه سيتم في هذا الموسم تحويل فيلم «وجدة» لهيفاء المنصور إلى ستة نصوص مسرحية.
* العثيم: فقر مدقع
الناقد والمؤلف المسرحي محمد العثيم لا يرى أيضا أن المسرح السعودي في غيبوبة، لكنه يعتقد بوجود «فقر مدقع»، إذ لا يوجد هناك «من يمول عملا فنيا مسرحيا في وقت تتسم فيه هذه الصناعة بأن إنتاجها غالٍ ومكلف جدا»، على الرغم من وجود فنانين مسرحيين وطاقات فنية متنوعة. وعزا العثيم ذلك إلى «غلاء تكاليف صناعة عناصر الإنتاج المسرحي على الصعيد المادي، والتي تمكن من تفعيل دور الأشخاص من ممثلين وفنيين وغيره، مع أن جمعيات الفنون وبقية الجهات الممولة تبذل جهدا مقدرا، مثل أمانة الرياض، ولكن ليس جهدا نوعيا وإنما هو جهد شعبي يفتقر إلى النوعية والجودة».
ووفق العثيم فإن ما تقدمه أمانة الرياض وبعض أمانات المدن الأخرى لا يخرج عن كونه «برنامجا ترفيهيا، فهو ليس بالمسرح الحمّال بالقيم للناس ولمختلف الأجيال، عبر الحقب المختلفة». وقال العثيم «إن مثل هذه البرامج الترفيهية لا تقضي على النعرات والجهل والتطرف والعنف والإرهاب، ولا تسهم في ترسيخ قيم المواطنة النبيلة والمشاعر الإنسانية الراقية والعمل الاجتماعي المسكون بهموم الناس»، ويضيف «لذلك نقول إن مشكلتنا أن المسرح غير ممول، في حين أن الثقافة كلها عاجزة عن وضع خطة لصناعة المسرح».
ما هو المطلوب؟ يقول العثيم «وضع خطة استراتيجية متكاملة على مستوى المسرح والسينما والحفلات الموسيقية، حيث إن هذه الجهات الثلاث هي التي يمكن أن تصنع قيما، وتغير خارطة الثقافة. فالثقافة ليست قصيدة مقفاة وموزونة يلقيها شاعر. فلتنظر إلى الأندية الأدبية. إنها فارغة من الناس. الثقافة اليوم هي سينما ومسرح وموسيقى. إذا نظرنا إلى دول أوروبا مثلا، فهي تمول الفنون بقدر ما تمول التعليم، حيث نلاحظ أن ميزانيات التعليم وميزانيات الفنون خاصة الفنون الراقية كالمسرح والأوبرا تكاد تكون متقاربة.. لماذا؟ لأنها هي حمالة قيم المجتمع. ومن هنا، لا بد من وضع ميزانيات وخطط لأجل عمل مسرحي تجاري مقنن، فالمسرح يحتاج إلى دعم لفترة من الزمن إلى أن يبلغ القدرة على تحمل إنتاجه وانطلاقه بشكل مستقل».
وحين الحديث عن «جمعية المسرحيين»، قال العثيم «جمعية المسرحيين ماتت، إذ إنها لا تعمل الآن، أما جمعية الفنون فهي فقيرة لا تستطيع تمويل نشاط واحد، وهذا هو الواقع».
* السعيد: المسرحيون محبطون
علي السعيد، مؤسس الأرشيف السعودي ومدير مسرح عنيزة بالسعودية، فلا يعتقد بدوره أن المسرح في غيبوبة. يقول «من وجهة نظري وكمتابع ومشارك في صنع الحراك المسرحي السعودي، أرى أن الحديث عن أن المسرح في غيبوبة اتهام جائر وغير صحيح. ففي عام 2014 شهد المسرح حراكا لافتا، إذ أقيم عدد من المناشط المسرحية تزيد على 150 منشطا سواء كانت عروضا مسرحية أو دورات تدريبية أو محاضرات وندوات وأمسيات مسرحية، بالإضافة إلى المهرجانات المسرحية المتنوعة، وهو ما يعكس نشاط وحماس المسرحيين السعوديين أنفسهم على الرغم من كل الصعوبات والمحبطات التي تواجههم».
وعلى صعيد التحديات التي تواجه صناعة المسرح السعودي، قال السعيد «لا شك أن هناك تحديات كبيرة وكبيرة جدا تواجه المسرح بالسعودية، وأولى هذه الصعوبات والمعوقات وأخطرها هو التذبذب الرسمي في التعاطي مع المسرح والاعتراف به ودعمه ودعم المؤسسات التي تعنى به والفرق المسرحية الخاصة، كذلك قلة التأهيل الأكاديمي وغياب المسرح من خارطة الابتعاث الخارجي، وعدم وجود معهد أو مراكز تدريب مختصة».
ومن تلك الصعوبات أيضا، كما يرى السعيد، عجز المؤسسات الثقافية كجمعية الثقافة والفنون وجمعية المسرحية السعوديين عن توسيع دائرة أنشطتها لتشمل كل أرجاء الوطن، مشيرا إلى أن هناك مدنا ومحافظات كبيرة لا توجد بها لا أندية أدبية ولا جمعيات ثقافية، والأندية الشبابية عاجزة عن القيام بدورها الثقافي والفني كما ينبغي، بالإضافة إلى ضعف البنى التحتية حيث لا توجد المقرات المناسبة، بالإضافة إلى قلة عدد المراكز الثقافية وعدم وجودها في كثير من المدن.
الرياض: فتح الرحمن يوسف
الشرق الاوسط