بانوراما المسرح اللبناني 2022 : جدَل الذاكرة والمصير / الحسام محيي الدين
مجلة الفنون المسرحيةبانوراما المسرح اللبناني 2022 : جدَل الذاكرة والمصير
ينقضي العام 2022 على مجموعة غنية من الرؤى النصّية وهي تعبرُ إلى اللّعب على خشبات المسارح اللبنانية الشغّالة التي تمركزت غالبا في بيروت وكان من الجيد أن تتقاسم العروض فيما بينها في حركة مسرحية صحية إنما مُكلِفة لجمهور الاطراف التي تندر العروض فيها ، وحيث يجد الجمهور المسرحي المقيم هناك صعوبة بالغة في توفير الوقت وتأمين موارد النقل من والى العاصمة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تجتاح البلاد بالرغم من رفع شعار " كسر المركزية الثقافية " الذي اجتهد عليه مسرح قاسم اسطنبولي منذ سنوات . إجمالا ، أكدّت العروض أهميةَ الأفكار التي نقلتها إلى الخشبة ، معلنةً تمردها على الأحوال المأسوية السائدة في الوطن الصغير ، رافعة الصوت في وجه كامل الطبقة الحاكمة التي أهلكت العباد والبلاد وأصابت الانسان في كرامته وكينونته ، إنما انطلاقا من الثورة على الذات ونقدها والاعتراف بتشتتها وتخاذلها عن مواجهة الأزمات وإلزامية إعادة تأويلها بعمق لاستلهام الدروس والعبر ، بخصوصية درامية اختلفت فيها العناوين بين عمل وآخر ، لكنها انتهت مجتمعة إلى استحضار الذاكرة وطرح أسئلة المصير تأسيساً على موضوعات اجتماعية مختلفة يمكن بسطها فيما يلي :
مشاكل نفسية وعضوية : الوسواس القهري ، السرطان ، الاعدام ظلما ، السادية ؛ فلربما كان قدر اللبناني الذي يعيش دائما أزمات نفسية وعضوية وجودية في بنية الحياة الكريمة والعيش المشترك والطائفية والوثوق بالآخر، هو الذي ترجم هذا الاسقاط الواضح لهكذا تيمات على عدة عروض خلال هذا العام .
المرأة : أحوال الزواج ، الطلاق ، الحب والخيانة ، الجنسية ، الحضانة ، العنف الأسري ، مشكلة عاملات المنازل ، رؤاها الخاصة إلى تحقيق أهدافها في الحياة ، وغيرها مما تلقفته الرؤى الاخراجية بمنظور حداثي للقضية النسوية المحلية ، تحوّلَ معه المسرح إلى متنفس أنثوي وأفق مفتوح لتفسير آلامها وتعزيز آمالها في مواجهة المجتمع الذكوري .
الحرب الأهلية : لا تزال فوبيا هذه الأزمة الوجودية حاضرة في النصوص ، في ظل العجز عن التخلص منها حتى في عروض هذا الجيل المسرحي ، مما يشكل حقا هدف استشكال نقدي موسع يغوص في مسوغات وهواجس وحيثيات العودة إليها دائما ، إضافة إلى ما استجد من اأزمات متلاحقة حتى انفجار 4 آب الأخير ، مع التركيز على تفكيك وتأويل المسألة الاقتصادية ومسرحتها كوجه قاسٍ من وجوه تلك الأزمات .
موضوعات رديفة : الضحك والترفيه ، أو النقد الساخر في كل العروض وبمستويات متباينة ، وهذا كان جيدا ومطلوبا على شباك التذاكر في مواجهة شرسة مع السينما والتلفزيون والسوشيال ميديا صوتا وصورة لمسك الجمهور ، ثم عروض الطفل المقلّة جدا ، إنما النوعية في بناء شخصية الأخيرعلى إعمال العقل والتفكير السليم ، إلى عروض أخرى اختبارية قيد التطوير ، تحاول تفسير بعض مفاهيم الوجود كعلاقتنا بالمكان والزمان ، الوجود وما بعد الموت .
من المفيد للقارىء ملاحظة كل تلك الموضوعات وبوضوح في شروحات موجزة للمسرحيات التي بسطناها أدناه ، مع العلم بأن أفكارا متوارثة قد كررها المسرح اليوم عما سبق وعالجه منذ فترات ماضية تجاوزت عشرات السنين وإن بتوليفات نصية جديدة ، مما يؤكد أن المشاكل البُنيوية التي يعاني منها البلد لا تزال هي نفسها حتى اليوم ، كما أن من العروض ما لم تقل كلمتها الفصل ، التي هي موقف ورسالة ، فيما يجب أن تصير إليه الأمور ويشكل الأفضل والأجدى للناس وإن نقلت ما يحدث في البلد كما هو إلى الخشبة . إلى ذلك ، عانى صانعو المسرح اللبنانيون من قسوة الظروف الاقتصادية وهم يلعبون البروفات والعروض في صالات مستأجرة عطفاً على أجور الممثلين وتكاليف الاعلانات والديكور والاضاءة وكل ذلك بالدولار الاميركي وتحت رحمة فواتير أصحاب المولدات المرتفعة جدا ، وهو ما فسّر ازدهار العروض المنفردة ، سواء منها المونودرامات أو الوان مان شو والستاند آب كوميدي ، حيث لعب الدافع المادي دوره في ذلك توفيرا لأجور العدد الزائد عن الممثل الواحد ، عطفا على الاقتصاد في السينوغرافيا واستبدال لوازم الديكور التي تواكب ما قد يتعدد ويتغير من مَشاهد في العروض العادية ، مع سهولة معالجة النص دراماتورجيا لشخص واحد لا عدة أشخاص ، إلى عامل نفسي مهم جدا هو طبيعة المبادرة الفردية التي تحكم شخصية اللبناني بشكل عام كمجاز لتوكيد نجاحه كإنسان مستقل ونوعي إبداعيا ، مما انعكس بالتالي على صناعته لفن المسرح بشكل منفرد . كما ومن الواجب الاشارة إلى أن بعض العروض أعيد عرضها هذه السنة لما لاقته من إقبال جيد على شباك التذاكر ، والبعض الآخر تفاوت في وتيرة الاقبال علوا وهبوطا ، إلا أن " أبو الفنون " أكد بالاجمال أن له جمهورا مُريدا لا بأس به حيث أمكننا رصد ستين عرضا مُقنعاً في لبنان خلال العام 2022 تزامن بعضها مع بعض في الحفلات ، كما مدد بعضها الآخر بعروض يومية أو أسبوعية أو شهرية ، إنما متقطعة ، ندرج أهمها أدناه مع ملاحظة صعوبة التصنيف بينها في الأفضلية ، وأنه لا وجود لكلمة فشل في كل ما عُرض هذا العام إنما يمكن القول بوجود تفاوت بسيط بينها في المستوى الفني من النص إلى العرض ؛ فما نجح في النص قد يكون ضعيفا في السينوغرافيا ، وما نجح في الاخراج ربما تشوّش في الاداء ، وهكذا. كما يلزم التنبه إلى أنّ عروض المدارس والمعاهد والكليات هي نشاطات خاصة يندرج معظمها في خانة الاحتفاليات والمناسبات الاجتماعية أو التدريس مما هو خارج البحث في هذا المقام . خلال شهر كانون ثاني ، يمكن البدء بمسرحية سامي خياط " ولو ؟! Walaw " ( تأليف وتمثيل وإخراج ) على مسرح " مونو " ، نصا كوميدياً ( وان مان شو ) تناول فيه مشاكل الحياة اليومية للمواطن الصالح ، فيما قدم لنا زياد عيتاني مونودراما " ستّ الدّنيا " ، قصة " أميرة " المرأة الثمانينية التي تستذكرُ الزمن الجميل في مدينتها خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات بإخراج هشام جابر . وفي شباط عرضت مسرحية " تعارفوا " على دوار الشمس ثم لاحقا في غير منطقة كعمل فكاهي لممثلين هواة يطرح مشاكل العنف والتنمر والطائفية والعلاقة بالآخر بشكل أو بآخر ، نص واخراج يحيى جابر ، وعلى مسرح المدينة قُدمت " السبعة ودمتا " واستمرت حتى منتصف آذار من كتابة واخراج محمد دايخ من تمثيله وآخرين تتناول مجموعة أصدقاء يجمعهم عشاء ينتهي بكشف حقيقة كل منهم متساوين في صفات الخيانة والتلون ، كما قدمت جمعية " شمس " ثلاثة عروض قصيرة هي : " نحن وناطرين نوح " كتابة كريم شبلي وسارة عبدو ، تمثيل سينتيا كرم وفؤاد يمين ، " وكأن عايشين " كتابة جورج عبود إخراج هاغوب ديرغوغاسيان ، تمثيل يارا زخور ورامي عطالله ، ثم عرض " أنا " كتابة نور سعد وتمثيل آية أبي حيدر وأحمد نبها في قصة حب تنتهي مأساويا في ظل انفجار 4 آب أيضا. إلى شهرآذار حيث لُعبت مونودراما " ألو " على مسرح مونو ، إخراج وإعداد " هاغوب ديرغوغاسيان " ، وفي آذار عرضت " طلب تعيين " دراماتورج باسل شلغين واخراج حمزة حمادة على مسرح " دوار الشمس " ، أما في نيسان فقد أدهشتنا مونودراما " فولار " للمُخرج شادي الهبر ، نص ديمتري ملكي وتمثيل سوسن شوربا على مسرح المدينة : قصة " نورا " في مواجهة مرض السرطان الذي تقرر اطلاق النار عليه من مسدس في خطوة رمزية لمواجهته . وفي أيار قدم لنا قاسم اسطنبولي " غيّر يا غزيّل " على خشبة المسرح الوطني في صور ثم في تواريخ لاحقة في صيدا ، النبطية ، بيروت ، طرابلس ، يحاكي فيه واقع المواطن المسحوق اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا بسخرية وألم ، دراماتورج وإخراج جنى الحسن . اسطنبولي هو ظاهرة مسرحية فردية نوعية في تاريخ المسرحين اللبناني والعربي تستحق بحثا متكاملا في غير هذا المقام . وخلال شهر تموز عُرضت " الثقب الاسود " تأليف واخراج هاشم عدنان في بلدة القبيات العكارية وهي تطرح نظام الكفالة وظلم خادمات المنازل وتهميشهن وهضم حقوقهن ، وفي آب قدم لنا مسرح أشبيلية في صيدا مسرحية " لأ مش عيب " كتابة واخراج رشيد حنينة ، تتناول مواضيع ومفاهيم اجتماعية كالصحة الجنسية والانجابية والمخدرات وتربية الناشئة ، إلى مسرحية " اليوبيل " في زحلة لمناسبة مئوية إعلان لبنان الكبير ، بلوحات راقصة مبدعة ترجمت دور المدينة وقيمها الانسانية وتطورها التاريخي حجرا وبشرا بإخراج جورج كفوري ، كوريغرافيا شانتال راباي ، إلى مسرحية " العادلون " لألبير كامو على مسرح معبد باخوس في بعلبك إخراج كارولين حاتم ؛ تتواءم والواقع اللبناني في عرض بطولات المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي والانتفاضة بوجه الطغاة . وعرضت " أنا كتير طبيعي " في أيلول على خشبة " جمعية زقاق " لأنيس ناصر الدين في تجربة اخراجية أولى ومن كتابته حول رجل مريض يمارس الايذاء والسادية القاسية في قالب كوميدي على الخشبة ، وعرض " بالزمانات " لرشيد حنينة على مسرح اشبيليا / صيدا تتناول إقفال دور السينما في صيدا منذ عام 1945 . إلى تشرين أول ، حيث شارك ممثل الايماء الشهير فائق حميصي ، أبو المسرح المدرسي وأحد رواده العرب اليوم ، في عمل بعنوان " فرحة " لكارل حديف وجوليان بطرس في سينما رويال برج حمود في تجربة مسرح انغماسي تسلط الضوء اجتماعيا على منطقة مهمشة وأبنية مهجورة لتحويلها إلى مراكز ثقافية ومنها سينما " لورويال " نفسها، ثم قدمت على مسرح دوار الشمس ، مونودراماتان هما " بيروت طريق الجديدة " ، و " بيروت فوق الشجرة " كلتاهما من إخراج يحيى جابر تمثيل زياد عيتاني ، ومونودراما " كوكو ماك ماك .. يلا انطلقنا " تأليف واخراج نبال عرقجي تمثيل كارين مكاري على مسرح مونو في رسالة قوية للتشبث بلبنان رغم كل شيء . مونودراما " الجسد الذي أسكن فيه " بطولة وإخراج زاهر قيس في إسقاطات نفسية على الجسد الانساني في فضاء حركي وبالتزامن مع الموسيقى وذلك في جمعية " بيت سرمدى " بتلون / الشوف التي ترفع بجدارة ووعي شعار العمل المسرحي في الريف ، ثم عرض " توك توك " على مسرح مونو ، إعداد وإخراج أنطوان الاشقر وهو يتناول ست شخصيات تعاني " متلازمة الوسواس القهري " في انتظار الطبيب النفسي الذي تأخرت طائرته . أما " هيكالو" فهي ستاند آب كوميدي ترفيهية بنص وإخراج يحيى جابر وتمثيل عباس جعفر في تجربة مسرحية أولى على مسرح المدينة ثم لاحقا " دوار الشمس " في حديث العشائر والتقاليد البعلبكية مع رقص وغناء بين شخصيات مختلفة ، وعرضت " البنت يللي حبت خوليو " على مونو كتابة وتمثيل جوزيان بولس إخراج هاغوب ديرغوغاسيان عن قصص خاصة ذاتية أيام الحرب بطابع كوميدي تميزت به بولس دائما . وفي تشرين ثاني : " شي متل الكذب " تمثيل وإخراج مشترك ليارا زخور وأدون خوري ، وإعداد ومسرحة الأخير على مسرح مونو عن يوميات الحرب الأهلية اللبنانية وإسقاطها على واقعنا اليوم كأن شيئا لم يتغير ، ومسرحية " وصفولنا الصبر " تمثيل واخراج دارين شمس الدين على مسرح مونو حول ستّ نساء كتبت كل منهن نصها الخاص وهي تتكلم عن حالة خاصة اجتماعية تفضفض فيها عن دواخلها ، إلى فضاء ثقافي مسرحي متنوع ينظمه عمر أبي عازار ، هو " أرصفة زقاق " في الكرنتينا ، نقدي اجتماعي ، سياسي ، عرضت كلها في قاعات مختلفة في بيروت بين أواخر تشرين ثاني وأوائل كانون أول كما يلي : " من قتل يوسف بيدس " لكريستيل خضر حيث يتركز العرض على أزمة بنك انترا وافلاسه عام 1966 في رؤية عميقة للاقتصاد المحلي الهش منذ تلك الأزمة وتفكيك علاقته بالمجتمع المحلي ، مما لم يطرح سابقا على الخشبة اللبنانية بهذا التركيز والوضوح ، إلى عروض : " لماذا لست محظوظا " لعبد الرحيم العوجي عن عجز اللبناني عن تحقيق أهدافه بصيغة الحكواتي ، " نوال " لينا أبيض تستلهم نوال السعداوي بمواجهة المجتمع الذكوري القاسي ، " الثقب الاسود " هاشم عدنان ، " ريحة العنبر " عصام بو خالد تتناول ضحايا جنسيات مختلفة لتفجير 4 آب ، " أنا لست في مكان " مدى حرب ، " كوكتيل شقف بلا معنى" تأليف واخراج جنى بو مطر تمثيل فرح الكردي وجو رميا وهي عرضت في قرطاج تونس أيضا هذا العام بإشراف المخرج هشام زين الدين ، " بكرا أحلى يوم بحياتي " يارا بو نصار ، " يا قمر ضوي عالناس " كريم دكروب عرض دمى رمزي للأطفال يبدل الادوار بين الذئب والانسان ناقدا الأخير لوحشيته في تعامله مع أخيه الانسان ، " رحلة المنام في عالم الحيوان " بول مطر في حكاية حلم لطفل تائه بحثا عن جدته ، " غرباء في سرير" نص واخراج حسن اللحام تمثيل خليل الحاج علي وفرح كردي في عمل مسرحي " قيد التطوير" عن الزمن والمصير والحب والموت ، " هرب" مونودراما لكاتي يونس . وفي شهر كانون أول أيضاً جاء عرض " شليطا في البيت الابيض " للحكواتي زكي محفوض مع عايدة صبرا ، في مترو المدينة ، عن اللعب اللبناني الفكاهي على حقبات التاريخ في تعارف بين فيل وحمار ، ديمقراطي وجمهوري ، وعرض " لعل وعسى " على مونو جاء تمثيل حنان الحاج علي ورندا أسمر إخراج كريستيل خضر في استعادة للحظات تاريخية من مسيرتهما المسرحية في حضور متقابل على الخشبة يوحي بالانقسام البلد بين فريقين ، ثم مونودراما " جدار " مسرحة وتمثيل وإخراج أندريه بو زيد على مونو عن رواية بالاسم نفسه لسارتر تتناول معاناة معتقل ينتظر الاعدام ظلما على جدار زنزانة خلال الحرب الأهلية الاسبانية في إسقاط موفق على واقعنا ، إلى مسرحية ضاحكة على مسرح مونو أيضا لماريو باسيل وشادي مارون هي " عندما التقى شكسبير بماريوكا " تتناول علاقة الثقافة بالتجارة وتقليد بعض الشخصيات السياسية والفنية . أما في " دوار الشمس " فعرضت مسرحيتا : " مجدرة حمرا " نص واخراج يحيى جابر تمثيل أنجو ريحان ، و" شمس ومجد " تأليف واخراج أسامة غنم عن حديث صديقتين نادلتين في المعيش والفقر والمصير ، فيما قدم مسرح الكلية الشرقية في زحلة عرض " بروفا " كتابة واخراج شربل مساعد ، وعرَضَ مونو لمونودراما " الغول " تمثيل وإخراج حمزة يزبك حول فتى يعيش في اضطراب نفسي بسبب التشتت الأسري ، وعلى مسرحَي اليونيسكو وأشبيلية (صيدا ) قدمت " الأميرة تفاحة " مسرحية غنائية للأطفال كلمات وألحان مروان قاووق ، إخراج ميشيل كفوري ، بطولة وغناء ليال عبود عن قصة ساحرة تخطف ابنة الملك للضغط عليه ليتخلى عن عرشه لكنه يرفض منتصراً على الشر لتحرير ابنته .
0 التعليقات:
إرسال تعليق