مسرحية للأطفال " التخمة " تأليف عمار سيف
مجلة الفنون المسرحيةالشخصيات
الديك
البطة
الكلب
الأرنب
الخروف
الدجاجة
المنظر : ( مزرعة مهملة، إزهارها ذابلة، أغصانها يابسة، لا حياة فيها. وفي يوم من الأيام بدأ
الطعام ينفد في المزرعة، فوقف الديك يتأمل المزرعة وصار يكلم نفسه بحزن ويأس…)
الديك : يا الهي .. ماذا حدث لمزرعتنا الجميلة؟ لماذا أغصانها ذابلة، يابسة، لا حياة فيها، بعدما
كانت زاهية عالية مزهوة بثمارها الناضجة، يشم القادم رائحة عطور أزهارها بمجرد
الاقتراب منها، ويسمع موسيقى حفيف أوراقها اليانعة واهتزاز أغصانها الخضراء على
بعد عشرات الكيلومترات. ماذا حل بها اليوم؟ لماذا هي حزينة مكفهرة إلى درجة
الشحوب؟ هل أصابها مكروه أو نقمة من دون أن نعرف؟ كيف يمكننا العيش فيها بعد
الآن، وهي في مثل هذه الحالة من الإعياء، والخواء، والحزن؟ ماذا سيحدث لنا لو
تدهورت حالتها اكثر فأكثر واستحالت إلى ارض جرداء قاحلة؟ ثم ماذا سيكون
مصيرنا؟ أين سنذهب نحن الذين لا مأوى آخر لهم؟ بلا شك إننا سنتشرد، ونصبح
حيوانات سائبة أو مدجنة، وعرضة للموت . إذن لا بد من إنقاذها بأي ثمن .. نعم لا بد
من العثور عن حل لإنقاذها، وإنقاذ أنفسنا من التهلكة.. لا بد أن نجد لها جميعا حلا
لنعيد بهائها ورقتها وجمالها، وإلا سيقتلنا الجوع..!
( ينادي بأعلى صوته لأصدقائه )
يا عزيزتي البطة.. وأنت يا أيها الخروف الجميل .. ويا ايها الكلب الوفي صديق
الجميع في حالات الشدة .. وكذلك أنت يا أخي الأرنب .. ويا حلوتي الدجاجة … تعالوا
جميعا لدينا مشكلة كبيرة تهدد حياتنا وحياة مزرعتنا .. أسرعوا أرجوكم.. فالأمر لا
يقبل التأخير ويحتاج إلى مزيد من الاهتمام، وإلا سنموت جوعا وعطشا وتشردا..
تعالوا لنجد حلا لمزرعتنا .
( تقبل جميع الحيوانات وهي مستغربة من نداء الديك عليها )
الخروف : ماذا بك تصيح يا ايها الديك، لم يبق الفجر فجرا، هل نسيت ؟ الا ترى ضوء النهار أم
أنك شخت وفقدت البصر، فصرت لا تفرق بين الليل والنهار؟ ما الذي حل بك يا ديك ،
وما هو أمرك الخطير ، لقد أفزعتني ..!
الكلب : يا صديقي هل حصل لك مكروه ؟.. أنا حاضر للمساعدة .
البطة : هل أنت بخير يا ديك ؟
الأرنب : لقد أيقظتني من نومي ماذا حصل لك . لماذا تصرخ هكذا، هل إحترقت المزرعة..!
الدجاجة : يا جميلي ماذا حدث لك ..؟ لقد خفت عليك .. لدرجة أنني كسرت إحدى بيضاتي
برجلي من شدة فزعي عليك
الديك : آه .. أنا أسف يا أحبتي إذ افزعتكم وايقظت خوفكم، وارجوا أن تعذروني، ولكن الأمر
خطير .. نعم خطير يا أصدقائي، إن الجوع والموت ينتظرنا ..؟!
(الجميع يتساءل ويردد بعض الكلمات التي قالها الديك)
الخروف : الموت والجوع ينتظرنا ؟ كيف؟
الأرنب : نعم كيف؟
الكلب : ماذا تقصد؟
البطة : وضح كلامك، إننا لم نفهم شيئا مما تقول؟
الدجاجة : ماذا حل بك يا حبيبي الديك؟ هل انت مريض. هل تشكو من الحمى؟
الديك : يا اصدقائي واحبتي الحيوانات .. أنا لست مريضا، ولا أشكو من شيء. ولكن انظروا
جيدا من حولكم .. ماذا ترون .. انظروا إلى مزرعتنا الجميلة ، امنا الحنون كيف
كانت وكيف اصبحت الآن. لقد كانت مزرعة مثمرة معطاء عندما كان يعتني بها
صديقنا الفلاح.. وانظروا كيف أصبح حالها الآن بعد ما فارق الحياة. لقد دعوتكم
إلى هنا.. من أجل أن نجد حلاً لهذه المشكلة الكبيرة.
الخروف : ( يتظاهر بالبكاء ) آه .. مات الفلاح … يا ويلي … كان شابا في مقتبل العمر… مات
…. أه من قسوة الموت… ولكن هذا مستحيل
الكلب : ما بك متفاجئا يا ايها الخروف الوديع .. لقد مات منذ مدة طويلة … أنسيت ؟
الديك : طبعا .. وهذا من حسن حظك أيها الخروف … مات الفلاح .
الخروف : لماذا من حسن حظي ..؟
الكلب : ألا تذكر .. لقد كان دوما يريد أن يجعلك وليمة شهية .
الخروف : نعم أذكر .. وكيف لي انسى مثل هذه الأمور. كان الفلاح الأبله ينوي تقديمي على
مائدة ضيوفه مشويا، هذا ما كان يردده على مسمع الجميع، وكنت أنا كلما اسمعه
يقول ذلك، ابول على نفسي من شدة الخوف. ولهذا كنت أدعو عليه بالموت في سري
حتى تحققت امنيتي وبطلت أحلامه.
الأرنب : مممم .. يعني أنت كنت السبب في موته ؟
الخروف : أنا .. لا .. لا ..ابدا.
الكلب : ( بسخرية ) ولكنك منذ قليل قد قلت بأنك كنت تتمنى موته ؟
الخروف : نعم هذا صحيح ، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه .. وتأت الرياح غالبا، كما لا
تشتهي السفن. ولكن هذه المرة الوحيدة التي انعكست تغيرتا الأمور والامنيات مثلما
تشتهي السفن. تمنيت فقط .. لأنه كان يخيفني ويهددني دائما بالذبح.
الأرنب : يخيفك لأنك كسول .. وتثير غضبه بتقاعسك وخمولك.
الخروف : لا.. بل هو لا يحبني، وكان دائما يقول لي بإن لحمي لذيذ .
الأرنب : بصراحة هو على حق، إن لحمك وعظمك فعلاً طعمهما لذيذ ، ولكن لا تقل بأن
الفلاح الطيب كان لا يحبك لأنه يحب الجميع.
الخروف : إلا أنا ..؟
الأرنب : (ممازحا ) ربما لأنك ثرثار ومتكاسل .
الخروف : ( بغضب ) إسمع يا أرنب أنا لا أسمح لك أن تكلمني بهذه الطريقة .
الأرنب : ( يضحك ) يا عزيزي كنت أمازحك فقط ، والفلاح رحمه الله كان موته موتاً طبيعياً ،
كان ذلك قدره .
الخروف : وأنا لا أقبل مزاحك .. ولا أرغب أن تمازحني مرة أخرى، هل فهمت.
الأرنب : اسمع أيها الخروف كنت أود أن …
الخروف : لا تقل شيئاً واصمت أرجوك .
الأرنب : صحيح لو قالوا : إن مات الفلاح فإلعب يا خروف .
الديك : ( مقاطعا ) إتركوا هذه المهاترات جانبا ، ودعونا نفكر بحل لمشكلتنا قبل أن يحل
المساء ..
الكلب : إنك على حق وكل ما قلته صواب .. لابد أن نفكر بالحل ..
الدجاجة : صحيح ما تقوله.. سنموت جوعا .. إن لم نفعل شيئاً ..
البطة : نعم سنموت جوعا إن لم نحرك ساكنا
الأرنب : ( يفكر قليلا ) .. أقترح بأن نأتي بفلاح أخر ليعيد لنا بهاء المزرعة .
الخروف : فلاح آخر ..!! كلا .. لا يمكن ( يتمالك نفسه ) هه .. رررر بما.. يكون إقتراح
الأرنب اقتراحاً جيداً.
الكلب : ( بسخرية ) وهل ستخاف منه وتدعو عليه بالموت في سرك مثلما فعلت مع الفلاح
الأول؟
الخروف : ( بخوف ) كلا ولماذا أفعل ذلك، ربما يكون إنسانا طيبا ولا يفكر بي كوجبة دسمة.
البطة : ( تتجاهل حديثهم ) إقتراحك يا أرنوب سيأخذ وقتا طويلا … والموت على الأبواب..
الأرنب : ولكن لا يوجد حل آخر ..؟
الكلب : لو فكرنا بتمهل سنجد حلا أفضل من حلِّ الأرنب .
الخروف : كيف نفكر بتمهل، أعتقد أن مقترح الأرنب هو الأنسب، علينا أن نبحث عن فلاح آخر،
ونعطيه أجره من المحصول ، مثلا نمنحه نصف المحصول أو بعضاً منه، بعد أن يقوم
بعمله في زراعة المزرعة والعناية بها .
الكلب : ( يضحك ويضرب على بطن الخروف ) وهل عندك إستعداد أن تفرط بالمحصول..؟
الخروف : ( يبعد يد الكلب ) أنا لم أقل كل المحصول ، قلت نصفه أو بعضاً منه !!
البطة : إن منحنا نصف المحصول للفلاح الجديد، يعني أننا لن نستطيع أن ندخر منه شيئاً
للمستقبل ؟
الديك : صحيح …. ( للأرنب ) وإن مات الفلاح الجديد أيضاً ، ماذا سنفعل ؟
الدجاجة : ( تتفلسف ) أحبائي .. علينا أن نفكر بموضوعية .. وأن نجد حلاً ملائماً يرضي جميع
الأطراف ، لأننا في وضعنا الحالي نحتاج إلى التأني في إتخاذ القرار .
البطة : ما بالك تتحدثين وكأنك في قاعة اجتماعات يا دجاجة ؟
الدجاجة : ( بغضب ) أنا آسفة كنت فقط أبحث عن حلٍّ يرضي الجميع ..
البطة : ( بهمس للدجاجة ) أراكِ اليوم تتحدثين كأنك مسؤولة مهمة في الدولة .. أو أميرة
تتحدث مع حاشيتها ..؟
الدجاجة : ( بغرور ) أ صحيح أنك ترينني هكذا يا بطة ؟
البطة : بالطبع .
الدجاجة : ( بخجل ) آه .. وهل ذلك قليل بحقي ؟
البطة : لا ليس قليلا ، ولكن استيقظي من حلمك، فنحن لسنا بحاشيتك يا أميرة .
الدجاجة : ( تقبلها ) آه .. يا صديقتي لم أقصد ذلك كنت فقط أقو….
البطة : ( مقاطعة ) أتعلمين أن هذا يليق بك .
الدجاجة : ( بغرور ) شكراً يا وصيفتي .
البطة : بلهاء ( تضحكان ) .
الكلب : يا أصدقائي .. يا أصدقائي أنا عندي الحل .. لكنه يحتاج إلى جهد كبير.
البطة : كيف وما هو ؟
الكلب : حل يحتاج إليكم جميعا!
الخروف : ( مع نفسه ) أهوووو .. عملٌ وشقاء أيضا؟
الأرنب : ليس مهماً أن نتعب .. بقدر ما هو مهم أن نبقى أحياء ..
الخروف : أن نتعب هذا سيء جدا .. لكن أن نبقى أحياء هذا هو الأكثر أهمية.
الدجاجة : لا تخف لن تتعب كثيرا يا خروف، لأننا سنكون يداً واحدة، يد الفلاح كانت تعمل
بمفردها وأنجزت كل الخيرات السابقة ..
الخروف : الله يرحمه .
الديك : يا صديقي الكلب قل ما هي فكرتك .. فالوقت من ذهب.
الكلب : الحل السريع والأمثل، هو أن نقوم نحن بزراعة المزرعة .. وأن نتعاون ونُنجز ما
كان يُنجزه الفلاح ..
الأرنب : إنها فكرة جيدة وقيمة ..
الديك : نعم .. نعم إنها فكرة جيدة جدا ..
الخروف : إنها ليست جيدة جدا .. بل جيدة فقط ؟ لأنها تحتاج إلى تعب .. وأنا مريض ..
الكلب : بل إنك متمارض .
البطة : إنك تدعي المرض حتى لا تساعدنا في العمل .
الخروف : ( منزعجاً ) من أنتم حتى تشككون بي ، لستم أحرص مني على المزرعة ، فقد
ضحيت من أجلكم مراراً !!
الدجاجة : أنت ضحيت من أجلنا ؟ أنت اناني ولا تهتم إلا بنفسك .
الخروف : أنا أساعد أصدقائي دائماً ، وخصوصا عند الشدة ؟ هذا أنتِ .. وأنا !
الدجاجة : أنت مهمل كسول ..؟
الخروف : هذا أنا .. وأنتِ !
الدجاجة : أنا نشطة وأيضا ..
البطة : ( بهمس ) ما بالك أيتها الغبية ، إنه يسخر منك .
الخروف : ( متمارضاً ) آخ .. لا أقوى على الوقوف ، لقد أنهكني المرض .
الكلب : منذ متى أصبحت مريضاً ؟ ..
الخروف : منذ مدة طويلة ولم أخبركم لكي لا أقلقكم ..
البطة : دعني أرى ( تتفحصه كأنها طبيب ) فعلا إنه مريض. أصابه المرض منذ مدة طويلة
جدا. طولها دقيقة واحدة ..
الدجاجة : لا يا بطتي إن مرضه أطول من تلك المدة .. إنه مريض منذ أن اتفقنا أن نعمل بأيدينا،
فهو يريد كل شيء جاهزاً دون تعب أو مجهود . ( تضحكان )
الخروف : تضحكان ..! أنظروا إلى عينيّ الذابلتين .. ووجهي الشاحب وجسدي النحيل
الدجاجة : ( بسخرية ) آه فعلا يا بطة .. إنه لا يقوى على الوقوف من شدة المرض ..
البطة : أوه .. مسكين يا خروف إنك ستموت من الراحة ..
الخروف : ( مستاءً ) إن لم تصدقوني فأنتم أحرار .. أنا مريض فعلا ، مريض ولا أستطيع
العمل ..
الدجاجة : ( بقسوة ) إن لم تعمل معنا لن نعطيك شيئاً من زرعنا وسوف يقتلك الجوع ..
الخروف : لا .. لن يقتلني الجوع .. هاهاهاي ، أنا أعرف كيف أحصل على الطعام بدون تعب
.. ليس مثلك يا غبية .
الدجاجة : أنا غبية ” أبو الميع ” .
الارنب : دعونا من هذا الكلام ولنبدأ بالعمل ..
الديك : هيا يا أصدقائي الأحبة حان وقت العمل ، علينا أن ننجز عملنا بسرعة ، كي نرتاح
أخيرا ، إن هذا التعاون يعلمنا أن نكون دائما يداً واحدة ونعمل على الخير والمحبة .
( يبدأ الأصدقاء يعملون وهم يرقصون ويغنون مرحين كأنهم في كرنفال جميل ، إلا
الخروف الذي يظل نائما متمارضا طوال مدة العمل )
هيا هيا يا أصحاب
قد فتح الخير الأبواب
ما أحلى أوقات العملِ
مشرقة من نور الأمل
تمسح الألوان الإتعاب
هيا هيا يا أصحاب
الخروف : ( ينظر لهم من النافذة وهو في سريره ) عليَّ أن جد حلا من أجل الحصول على الطعام ،
ربما يبدؤون بتناول الطعام بعد الانتهاء مباشرة من العمل ولن يعطوني شيئاً ؟، حينها
كيف سأتصرف، وقد يكون ما أفكر فيه ليس له وجودا إلا في رأسي، وإنهم يصدقون
بأنني مريض . لا .. لا .. لا أعتقد ذلك ، لأن هاتين الغبيتين البطة والدجاجة سخرتا
مني ولم تصدقا حيلتي، وربما لم يصدق الآخرون أيضا، حينها ماذا أفعل ..؟
( يفكر قليلا ) آه .. وجدتها .. إنها فكرة جيدة ، لأنام الآن .. لأني بدأت اشعر بالتعب
من كثرة التفكير ..
( تمر عدة أيام ليكون الجميع قد أكملوا عملهم في المزرعة )
الدجاجة : الحمد لله لقد أنجزنا عملنا بكل دقة .. أرأيتم يا أصدقائي كيف أصبحت مزرعتنا.. الله
ما أجملها..
البطة : أصبحت الآن في غاية الروعة ..
الدجاجة : واو .. تبدو كأنها لوحة لفنان تشكيلي ..
البطة : كأنها بساط أخضر ..
الكلب : والآن وبعد هذا التعب يجب علينا أن ننام ونرتاح ..
الارنب : نعم .. نعم علينا أن ننام نوما عميقاً ( وهو يبتسم )
البطة : ألا تشبع من النوم !!
الأرنب : وهل هناك ألذ من النوم وأطيب سوى الجزر يا بطتي؟ ( ضاحكا )
الدجاجة : ( تتفلسف من جديد ) أقترح يا أصدقائي بعد هذا الجهد الكبير، والعمل المتواصل،
ومشقة التعب المتواصل، خلال الأيام الماضية علينا أن نفكر بما هو أهم.
البطة : ( مقاطعة ) أهوووو .. قولي ما تريدين قوله دون تفلسف.
الدجاجة : ( دون أن تعير إهتماماً للبطة ) لقد تعبنا وعلينا أن نحرس تعبنا، أي أن نشكل فريقاً
لحراسة المزرعة كي لا يُسرق تعبنا ونحن نغط بالنوم .
البطة : فكرة جيدة ، بدأت أحترم أفكارك يا دجاجة.
الدجاجة : ( بغرور ) شكرا يا بطة .
الارنب : أرى أن الشك بدأ يتسرب إلى رأسيكما، وصرتما لا تثقان بنا.
البطة : لا يا صديقي لم نشك بكم ولا لحظة واحدة، وكنا نقصد الشخص الذي لم يساعدنا في
العمل.
الديك : المهم، هو أن لا تسيئوا الظن بأصدقائكم وإن لم يعملوا معنا .
الارنب : لماذا هذا اللف والدوران في حديثكما، قولوا انكما نقصدان الخروف وكفا.
الدجاجة : الحمد لله أنك فهمت ما نقصد .
الارنب : ماذا تعنين ؟ هل أنا عديم الفهم ؟.
الدجاجة : لا لم أقصد ذلك .
الارنب : بل كنتِ تقصدين، إن كل من حولك لا يعجبك، أو تعتبرين نفسك الوحيدة التي
تفهم في هذه المزرعة.
الدجاجة : صدقني يا..
الارنب : ( يقاطعها ) لا أصدقك .
الدجاجة : افهمني يا ..
الارنب : لا أريد أن أفهمك .
الدجاجة : ما بك أنا ..
الارنب : أنت دجاجة .
الدجاجة : وأنت أرنب .
البطة : ( ساخرة ) وأنا بطة ، وهذا الديك ، وهذا صديقنا الكلب، أعتقد أن التعب جعلكم بلا
تفكير ، وجعلكما متوترين.
الكلب : إتركوا هذا الحديث، ودعوني أقل لكم شيئاً مهماً، لا تفكروا بما لا يحدث أو يتحقق.
لأنه على الرغم من تهاون صديقنا الخروف بالعمل، لكنه يبقى بالنسبة لنا صديق
طيب القلب، ونقي وعلينا أن لا نستبق الأحداث، لا سيما أن بعض الظن إثم يا
أصدقائي، والآن.. هيا دعونا ننام فلا طاقة لنا على تحمل السهر والتعب وكثرة
الكلام الزائد.
( تبدأ الشمس بالمغيب ، وتذهب كل الحيوانات للنوم .. وعندما يحل الليل يأتي الخروف سرا ليتأكد أن الجميع نائم. وعندما يتأكد من ذلك يذهب للزرع ويبدأ بالأكل بشراهة )
الخروف : واااااو .. ما أجمل الأكل بدون تعب أو مجهود .. سأبقى آكل حتى الصباح .. لابد أن
أكدس الأكل في معدتي لعدة أيام. آه .. لو كنت جملا لكان ذلك أفضل .
(يحل الصباح فيجتمع الجميع ليتأملوا إنجازهم ، يجدون أن كل الزرع قد تم أكله)
الارنب : يا ويلي .. ماذا حلَّ بالزرع ؟ من عبث به هكذا ؟!
الدجاجة : من أكل زرعنا ؟
الأرنب : ( بغضب ) أقسم لو أعلم من فعل ذلك بنا ، لضربته حتى الموت ..
الكلب : هذا فعل مقصود، إن من قام بهذا الفعل القذر، يتمنى لنا الموت جوعا. أعتقد أنني
أستطيع أن اتخيل من هو..
( قبل أن يكمل الكلب كلامه نسمع الخروف وهو يصيح )
الخروف : آه .. النجدة .. أنقذوني ، سأموت من الألم .. آه .. معدتي تؤلمني ، يا ويلي .. إني
أموت من التخمة ..
( يتجه الجميع إلى بيت الخروف .. فيجدوه يتقلب على الأرض متألما )
الديك : ما بك يا خروف، لماذا تصرخ وأنت تتقلب على الأرض ؟
الدجاجة : أتشكو من شيء ؟
الخروف : آه .. إنا مريض جدا ، معدتي تؤلمني ..
الارنب : ما بها معدتك ؟ أأكلت شيئاً ما ..؟
الخروف : ( يتألم ) آه .. معدتي .. ( متحايلا ) لم آكل شيئاً فقد نمت مبكرا ، وإستيقظت على ألم
معدتي
الدجاجة : مسكين.. الخروف لم يأكل شيئاً ، إنه التهم زرعنا بأكمله فقط..
الخروف : ( لا يبالي لحديثهما ) يا ويلي إني أموت أنقذوني ..
البطة : وأنت لماذا لم تفكر بنا ولو لحظة واحدة عندما التهمت زرعنا ؟ ..
الأرنب : على الأقل إعترف بفعلتك .. لعل الله يسامحك ؟
الخروف : آه .. ربما إشتد الألم في معدتي بسبب الجوع ، فمنذ مدة لم يدخل لها طعاما .
الكلب : وربما لأنك أكلت أكثر من حجم معدتك .
الخروف : ( خائفا متألما ) وكيف أفعل ذلك ، بعدما رأيت تعبكم وعناءكم ، وصدقوني لو لم
أكن مريضا لكنت معكم.
الكلب : أتمنى أن تكون صادقاً في كلامك ، على الرغم من أنني اشك في ذلك .؟
الخروف : ( بإصرار ) ثق بكلامي أيها الكلب الطيب .
البطة : كلامك ليس صحيحاً يا ” أبا الصوف ” .
الارنب : لا أحد غيرك يفعلها .
الدجاجة : لأنك الجائع الوحيد الذي يفكر بالحصول على الطعام دون مشقّة أو عناء.أنت تعلم أننا
قررنا أن لا نعطيك شيئاً من زرعنا .
الديك : ( متحايلاً ) لا .. لو طلب منا شيئاً من الطعام لأعطيناه.
الخروف : أصحيح يا اصدقائي ، لو طلبت منكم لأعطيتوني..؟
الكلب : بالتأكيد ، فأنت واحد منا ..حتى ولو لم تعمل معنا.
الخروف : ( بخجل ) آه .. معدتي تؤلمني ، ساعدوني .. انقذوني
الديك : ( محاولاً خداعة ) يا دجاجتي العزيزة، إذهبي وأحضري طعاماً لصديقنا الخروف .
الدجاجة : ( لم تفهم مغزى كلام الديك ) ماذا تقول ..؟
الديك : هيا .. إذهبي يا عزيزتي ربما يكون سبب ألم معدته الجوع حقا .
الدجاجة : ( تفهم مغزى كلام الديك ) أهااااااا … لكن قبل أن اذهب .. لقد تأكدنا يا أصدقائي
الآن أن الخروف جائع ، لكن في الوقت نفسه ، نعلم أيضا أن هناك من أكل
الزرع … لذلك يجب علينا أن نتحقق من الأمر ، وأن نفعل الآتي .
الأرنب : ما هو الآتي ..
الدجاجة : أن نقوم بالبحث في معدة كل واحد منا عن الطعام المسروق، أي أن نشق بطنه لنرى
إن كان فيها الطعام أم لا، وعلينا أن نبدأ بالخروف أولا، لأنه أكثرنا بدانة …. رغم
معرفتنا بأنه بريء وبعيد كل البعد عن شبهة سرقة الزرع، لكن، ماذا نفعل،
القانون هو القانون … فهل أنتم موافقون ؟
البطة : نعم.. فكرة جيدة .
الكلب : وذكية أيضا .
البطة : وتدعو إلى الاحترام.. يا دجاجتنا الشاطرة.
الدجاجة : شكرا لكلامك الجميل.
الأرنب : حقاً إنها فكرة معقولة .. لكنني أشعر بالأسى والحزن في الوقت نفسه .. على صديقينا
.. الخروف الجائع .
الخروف : ( ينتفض ) لا .. لا .. إن فكرة البحث عن الزرع المسروق في معدتي، فكرة غبية
جدا.. ولا يمكن للعقل أن يتقبلها.
الدجاجة : ولما تنعتها بالغبية ان كنت واثقاً من نفسك؟
الخروف : انا واثق جدا ولكن تمزقوا معدتي .. لالا مستحيل
البطة : إذن لنصوِّت على الفكرة التي طرحتها الدجاجة . فنحن في مجتمع ديمقراطي، أليس
كذلك؟
الدجاجة : (بهمس) اصبحتِ تتحدثين مثلي تماماً.
الأرنب : بالتأكيد .. فنحن ديمقراطيون ؟
الكلب : الذي يوافق على فكرة الدجاجة عليه أن يرفع يده معلنا موافقته.
الأرنب : موافق .
الدجاجة : وأنا ايضا بالتأكيد.
البطة : وأنا كذلك موافقة .
الديك : أعتقد بأننا كلنا موافقون .
الخروف : إلا أنا .. غير موافق .. آه .. معدتي تؤلمني.. أه.. أنتم تتشاورون وتوافقون على
أشياء مستحيلة، وأنا صديقكم أموت جوعاً ووجعا. وبدلا من أن تبدأوا بالدجاجة
أولا صاحبة الاقتراح تريدون شق معدتي.
البطة : إنك تتألم، ونحن نحاول أن نزيل الآلام عن معدتك، إذن، لماذا أنت خائف،
الارنب : أليست معدتك فارغة؟
الخروف : ( متردداً ) من قال لكم هذا الكلام؟ لقد أكلت أكثر من طاقتي اليوم، وهذا سبب تخمتي
وألمي.
الأرنب : أكلت أكثر من طاقتك اليوم؟
البطة : ومن أين حصلت على الطعام حتى أكلت حدَّ التخمة ؟
الأرنب : وانا منذ الصباح لم احصل على جزرة واحدة . يالخيبتي
الخروف : حصلت عليه من الـ ….
الأرنب : ( منفعلاً ) إعترف .. وإلا سأوقع فيك ضربا حتى تموت بين يدي .
الخروف : نعم .. نعم ، أنا أكلت الزرع لأني كنت جائعاً جدا .. وكنت على يقين من أنكم لن
تعطوني شيئاً من الطعام بسبب عدم مساعدتي لكم في العمل.
الكلب : سامحك الله ، جعلتنا نشك في أنفسنا ..
الارنب : من يخون أصدقاءه ليس له مكان بيننا .. يجب أن تغادر المزرعة .
الديك : دعونا نعالجه أولا ، لان وضعه الصحي سيء جداً ..
الأرنب : ( بغضب ) ليذهب الى جحيم ..
الديك : لا يا أصدقائي علينا التسامح .. إن من يخطأ منا علينا أن نعلمه كيف لا يكرر ذلك
الخطأ مرة أخرى .
البطة : لكنه لا يستحق رفقنا .. علينا أن نعاقبه وعلى الفور.
الارنب : لا بد أن يأخذ جزاءه حتى لا يكرر فعلته.
الدجاجة : وكيف سنعاقبه ..؟
الكلب : سنربطه على الشجرة حتى ينال جزاءه .
الديك : أيا ايها الكلب الوفي، ليس بهذه الطريقة نعامل أصدقاءنا .
الكلب : لكن ما فعله يستحق أكثر من ذلك. ولهذا يجب أن لا نسامحه.
الديك : بل سنعاقبه بكل تأكيد، وستكون عقوبته. القيام بزرع المزرعة كلها بمفرده. لكي
يتعلم كيف أن لا يخون أصدقاءه الذين يحبونه ويحترمونه ويساعدونه عند الحاجة.
الخروف : كل المزرعة .. كلها وبمفردي؟
الكلب : وماذا كنت تنتظر منا أن نعلق وساما على صدرك تقديرا لأعمالك الحسنة؟
البطة : لا ، إنه لا يستحق وساما وإنما أن نتركه لوحده يصرخ ويتعذب من الألم.
الخروف : لا .. لا .. أرجوكم لا تتركوني لوحدي مع محنتي هذه .
الكلب : إذن، عليك أن توافق على مطالبنا، وتستبدل الرفض بالقبول ، وبدل ال ( لا ) تقول
نعم، أنا حاااااضر .
الخروف : نعــم ، حــاضر، مــوافق، مـــاذا تريدون أكثر من ذلك.
الديك : لا نريد اكثر من كلمة حاضر، وأن تترك الكسل جانبا، وتبدأ حياة جديدة مليئة بحب
العمل ومساعدة الاخرين عند المقدرة.
الدجاجة : والتقليل من الأكل حد التخمة، لأن السمنة مضرة للصحة، وتلفت أنظار الذين
يطمعون في أكل لحمك الشهي.
الخروف : وهل انتهت جميع شروطكم
الدجاجة : ( ساخرة ) لا .. بقي هناك شرط واحد، وهو ضروري جدا.. جدا.. جدا..
الخروف : ما هو؟
الدجاجة : ان تقوم بتدليك أقدامنا وأيدينا كلما اقتضت الحاجة.
( يضحك الجميع ، يبدأ الديك بمعالجة الخروف حتى يشفى على يديه )
الديك : والآن أخبرني يا صديقي العزيز ، ماذا تشعر الآن؟
الخروف : ( متحايلا ) آه .. مازلت أشعر بالألم .
الديك : ( متفاجئاً ) إلى هذه الدرجة!
الخروف : نعم .. بل وأكثر.
الديك : عجيب امور غريب قضية.
الخروف : انك تسخر مني (ثم يلتفت ناحية الاخرين) بل، جميعكم يسخرون مني، إني اتلوى
واعتصر، امام أعينكم من شدة الالم، وانتم لا تجدون شيئا تفعلوه سوى الضحك
والاستخفاف بي..
الأرنب : نحن نستخف بك ..؟
الخروف : نعم .. ها آنذا أراكم تضحكون جميعا في سركم ، أه .. يا الهي .. لقد اصبحت
موضع ضحك الجميع .. أه .. أه… (يفتعل حالة البكاء عله يخفف من حالة
الاستخفاف به ولكن بلا جدوى، يستمر الجميع بالضحك كلما تعالى بكاؤه، حتى يكف
الجميع عن الضحك فجأة ويتركوه لوحده يبكي وينتحب، ثم يتوقف بدوره عن البكاء،
شيئا فشيئا، وهو ينظر إليهم من حين لأخر، بنوع من الشك والحذر محاولا أن يقرأ ما
يدور في خلدهم من أفكار، فيقول).
الخروف : الحمد لله.. لقد ضحك الجميع وقهقه، وهذا يعني إن مهمتي في زراعة المزرعة كلها
قد ألغيت بفضل ذلك .
البطة : لا تحلم كثيرا أيها الخروف، ومن الاحسن لك أن تبدأ بالعمل لكي تكسب الوقت.
الخروف : إذن لا فائدة
الدجاجة : نعم.. ولا فائدة من ممارسة ألألاعيب لأنها لا تنطلي علينا.
الأرنب : البركة في الحركة، هيا تحرك، اسرع وابدأ العمل.
الخروف : ( خائفاً ) حاااااضر !! سأتحرك، اقصد سأعمل أو اتحرك واعمل في نفس الوقت
(يتعالى ضحك الجميع مرة ثانية)
الخروف : ( ينهمك في العمل ثم يلتفت ناحية الجميع ويقول ) أشكركم يا أصدقائي على ما بذلتم
من جهود معي، وأعدكم بأنني سوف لن أكرر ما فعلت مرة أخرى .. لقد علمتموني
درسا مهما في الحياة، أن نكون جميعا يداً واحدة كي لا يفرقنا أحد ، وأن نعمل ،
ونجدَّ ، ونحصد ثمرة عملنا ، وأن لا نفكر إلا بالمستقبل .. وشكراً لكم مرة أخرى
لأنكم سامحتموني، وهذا إن دلَّ على شيء ، فإنما يدلُّ على طيبتكم، وتسامحكم
وأخلاقكم العالية
( ستار)
الناصرية – تموز – 2014
ammarsaefsh@gmail.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق