الاحتفال حياة ومن لا يحتفل لا حياة له (58) / د.عبد الكريم برشيد
مجلة الفنون المسرحية
فاتحة الكلام
لقد كتب على الاحتفالي ألا ينظر الى الخلف، إلا في تلك المرايا السحرية الموجودة امامه، وهو في في حياته لا يبحث إلا عن حياته الصادقة والحقيقية، وفي حياة ايامه وفي أيام حياته لا يبحث إلا عن أجمل وانبل واكمل وأصدق كل الأيام، والذي هو يوم العيد
وابتداء من بياناتها التأسيسية الأولى، في اواسط السبعينات من القرن الماضي، أكدت الاحتفالية على أن أسوأ كل الأشياء في حياتنا اليومية هي العادة، وهي تلك الآلية التي تمثلها العادة، والتي تقوم على التكرار وعلى الاجترار، وعلى غياب التفكير مع التدبير، ولقد اكد الاحتفالي علىالحقيقة البسيطة التالية، وهي ان(ما تعودنا أن نراه لا يمكن أن نراه) وقد نفعل نفس الفعل، مرات ومرات، ويكون كل ذل بدون الإحساس به، وبدون التفكير فيه، ونكون بذلك آلة متحركة ومحركة، ولا نكون جسدا حيا في عالم حي وعاقل، والعين عادة لا ترى إلا الجديد والمتجدد، وهي لا تحس إلا بما يثيرها وبما يدهشنا، وبما يستفزها، وبما يسائلها، وبما يتحدى طاقتها الإدراك طية، وهي بهذا لاترى، لا تدرك، ولا تحس، بالغريب والعجيب وبالمدهش والمثير وباللامالوف واللا معروف، وفي هذا المعنى يقول الاحتفالي ما يلي:
-- كل ما لا يدهشنا لا سحر فيه ولا فن فيه ولا جمال فيه ولا سحر فيه
-- وكل ما لا نشك في وجوده اولا، وفي كبيعة بنيته ثانيا، فإنه لا يمكن أن نصل إلى درجة اليقين في معرفته بعد ذلك
-- ونعرف أن كل الأبواب المغلقة، والتي لا نطرقها بالسؤال وبالتساؤل وبالشك الجاد، فإنه لا يمكن أن تفتح لنا ابدا
-- وكل ما لا نقر بغموضه المشروع، فإنه لا يمكن أن نرفع عنه غموضه، ولا يمكن ان نفك أسراره وطلاسيمه
-- وكل فعل لا يسبقه التفكير، وكل تفكير لا تسبقه الأسئلة الحارقة، ولا يؤثثه القلق، فإنه لا يمكن أن يكون إلا تفكيرا بلا موضوع وبلا معنى
-- ووجود أسئلة بلا موضوع وبلا هدف وبلا منطق وخارج كل السياقات، فإنها، لا يمكن لن تنتهي إلا الخواء المطلق
وفي القرآن الكريم يقول لك الله تعالى (قرا)
وبالنسبة لسقراط، فإن المنطلق الأساس في المعرفة الحقيقة، هو أن تعرف نفسك اولا
اما الاحتفالية فإنها تقول لك عش وانت تفكر، وفكر في وانت تحيا، وتعيس واجعل ذاتك محور تفكيرك. واجعل شرط وجودك وجودك في الوجود، هو محور تفكيرك اولا، وإذا عرفت نفسك جيدا، فإنه من السهل أن تعرف كل كل الناس الاحياء، وأن تعرف سر الحياة
مسرح جامد في عالم متجدد !
وفي مجال البحث، الفكري والجمالي، هناك قضايا اساسية وجوهرية، وهناك قضايا اخرى جانبية وهامشية، وهناك قضايا فكرية وعلمية تاريخية، وهناك قضايا اخرى موسمية عابرة، واعلى الأصوات اليوم، في المسرح المغربي و طالعربي يمثلها الشكلانيون، ويمثلها أصحاب التجريب، وليس اصحاب التجربة الوجودية الحية، ويمثلها الاتباعيون، ويغيب عنها المبدعون المؤسسون، ويحضر فيها الكلام عن المسرح، والكتابة عن المسرح، في معناه المطلق والمجرد، أكثر من حضور الفكر المسرح ومن حضورىالعلم المسرح ومن حضور الفقه المسرح ومن حضور الأسئلة المسرح الحقيقية التي تبحث عن جوهر وروح المسرح الحقيقي
هناك تغيرات كثيرة وكبيرة وخطيرة تحدث اليوم في الساحة الفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية العالمية، هذه التغيرات هل استوعبهاالمسرحيون العرب؟
هل ترجموها ترجمة مسرحية عالمة وفاهمة ومتفهمة وصادقة وامينة؟
ونحن اليوم امام مسرح عربي جديد، في شكله لا في مضمونه، مسرح مادي وحسي بوعي فكري محدود، مسرح موغل في الحسية والمادية، وفي النفعية والموسمية، وفي النمطية التي تستنسخ الناجح في وقته وساعته، وهو بهذا مسرح بغايات واهداف قريبة ومحدودة جدا، مسرح يخاطب العين والأذن وحدهما، ويدغدغ الغرائز والأهواء العابرة والطائرة، ولا يخاطب العقول المفكرة والمتاملة والباحثة عن عن الفنون الأخرى وعن العلوم الأخرى وعن الأسئلة الأخرى، وعن العوالم والاكوان الإبداعية الأخرى
هذا المسرح العربي اليوم، لا يحمل جديدا، ولا يبشر بما يمكن، وبما ينبغى ان يكون عليه عالم اليوم ومسرح اليوم، وهو يكتفي بان يعرف بالمعروف، وان يخبر بما يخير به الإعلام، وبالتاكيد فان هذا ليس هذا هو المسرح، وليس هذا هو دور المسرح، خصوصا في عالم يسير اليوم بسرعة جنونية، وفيه فوضىتحتاج إلى نظام، وفيه أسئلة كبيرة وخطيرة معلقة، وتحتاج إلى تفسير وتدبير وإلى إجابات فكرية وجمالية واخلاقية حقيقية
وعن قناعة فكرية واخلاقية تامة، دافع الاحتفاليون عن الاهداف الإنسانية والمدنية والحيوية الكبرى للمسرح، ولقد اكدوا دائما، على ان المسرح، في معناه الحقيقي، ليس وقتا فارغا يمكن ان نملأه بأي شيء، وباي قول، وباي فعل، وهو بالتأكيد صوت الإنسان وهو صوت الانسانية وهو صوت الحياة وهو صوت الوجود وهو صوت الجمال والكمال، وهو صوت الحق والحقيقة، وهذا المسرح لا يأتي بأي شيء من عنده، وهو لا يقول إلا ما نريد أن نقوله نحن الآن هنا، والذي لا نعرف كيف نقوله، والذي يتوب عنا المسرح من أجل أن نقوله بشكل فني جميل ومقنع وممتع، وأن نذيعه وننشره بعد ذلك في الناس، وبهذا فقد كان الاحتفاليون دائما صادقين مع أنفسهم، وكانوا مع فنهم وعلمهم، خصوصا عندما قالوا لنا ولكل الناسن بأن المسرح هو بيت من لا بيت له، وهو صوت من لا صوت له، وهو منبر من لا منبر له، وهو علم من لا علم، وهو يند من لا سند له
عنوان مؤقت
في (بيانات كازابلانكا للاحتفاليةالمتجددة بيانات لما بعد الجائة يقول الاحتفالي) ما يلي
( وكل فعل في الحياة وفي الواقع وفي التاريخ ما هو إلا كتابة، وليس ضروريا ان تكون هذه الكتابة بالحبر وبالأقلام، وقد تكون بالأجساد والأرواح الحية، وتكون بهذا أصدق من الأوراق المسودة، وتكون أبلغ وأكثر بيانا وتبيينا منها، ولهذا فقد كان الاحتفاليون - في حقيقتهم - مجرد بيانات) وهم فعلا بيانات حية في هذا التاريخ الحي، وهم بيانات تحمل أسماء، ولا تحمل ارقام ترتيبية، ولأن فعل الحياة وفعل الحيوية، هما الأساس في بناء قيمة الأشياء وقيمة الافكار، فقد تأكد الاحتفاليون، في حياتهم وفي حياة مسرحهم، على فعل التعييد الاحتفالي، وذلك باعتباره فعلا حيا، في ظرف زماني حي، وفي ظرف مكاني محدد
وبخصوص معنى الكاتب ومعنى الكتابة الاحتفالية، يقول الاحتفالي ما يلي
( ان الكتابة تفكير بصوت مرتفع، وأن هذا الفعل المفتوح بحتاج - بكل تأكيد - إلى جرأة أدبية عالية، ويحتاج إلى شيء من الاجتهاد والحياد، ويحتاج إلى الثقة بالنفس، وأن يكون هذا الكاتب المفكر مؤمنا بالكتابة، ومؤمن بما يكتب، وبما يفكر فيه، وأن يكون سائلا ومسؤولا، وأن يعيش عصره بشكل حقيقي، وأن يكون ساهدا عليه، وأن يكون له حضورمتجدد في مركز اللحظة التاريخية، في مركزها وليس على هامشها، وأن يتجاوز، في تعامله مع الناس والأشياء والوقائع، درجة الانفعال الآلي، بما يرى ويسمع، إلى درجة الفعل في كل شيء)
وانا الاحتفالي، العاشق للحياة والعاشق للحيوية، وانا المبدع الباحث عن الجديد وعن المفيد، قد وجدت نفسي، من غير أن ادري، سجين سبعة ايام تكرر نفسها إلى ما لا نهاية، ورأيت ان عوالمي واكواني الداخلية هي اكبر واوسع واعمق واصدق واخطر من هذه الايام السبعة المحدودة، ولهذا فقد كان ضروريا أن ابحث، ومعي كل الاحتفاليين العاشقين عن الجديدوالتجديد، عن يوم إضافي جديد، ولقد وجدت واقتنعت بان هذا اليوم قد كان دائما موجودا، وأن هذه الحياة ما تجددت إلا به، وأن الحضارة ما تحققت إلا به، وهذا اليوم الجديد هو يوم العيد، ولعلىهذا ما جعنا - نحن الاحتفاليين - نتبنى في حياتنا اليومية وفي فكرنا وفي ابداعنا فلسفة اسميناها فلسفة التعييد الاحتفالي، ولقد فسرت هذه الفلسفة في كتاب صدر عن منشورات توبقال، ولقد اعطيته عنوانو(فلسفةالتعييدالاحتفالي في اليومي وفي ماوراء اليومي)
وهذا اليوم الاحتفالي، هو اليوم الثامن في الأسبوع، وهو منحة الوجود ومنحة الحياة ومنحة الطبيعة ومنحة العبقرية الانسانية، ونعرف انه في حضور هذا اليوم الجديد، نكون أكثر حياة وحيوية، ونكون أكثر حياة وحضورا، ونكون أكثر احساسا بالزمن، ونكون مقتنعين بان هذه الشمس لا تغيب إلا من اجل ان تشرق من جديد، وأن تكون في عودتها أجمل واكمل، وأن تكون محملة بالحالات والمقامات الجديدة وبالمشاهدات والمعايشات المختلفة والمخالفة
هو عالم واحد يلتقي فيه كل شيء
في المسرح المسرحي، تماما كما في مسرح الوجود، لا وجود لشيء او لقول او لفعل ليس له معنى، وهذا الوجود فسيفساء تقوم على اساس البناء واعادة البناء، وعلى اساس تركيب العناصر الموجودة تكيبا جديدا، ولهذا فقد بحثت الاحتفالية دائما عن الجديد في بطن القديم، واكدت على أن إضافة اي عنصر جديد. في أية بنية قديمة، يمكن ان يغنيها، وان يجددها، وان يضيف اليها اضافات اخرى جديدة
والقول والفعل، وبخلاف ما يعتقد التجريبيون العرب، هما وجهان اثنان لشيء واحد اوحد، ولقد حرص بعض المسرحيين التجريبيين على ان يرتبوا الفعل في درجة أعلى وأرقى من درجة القول، ولكن. اي فعل، واي قول؟ ففعل الحكماء لا علاقة له بفعل السفهاء، وقول العقلاء لا مجال غلمقارنة بينه وبين قول الحمقى والمجانبن والأغبياء، ولهذا فقد كان من حقنا ان نتساءل، الفعل والقول، هذا التوءم السيامي القديم قدم التاريخ، هل يمكن الفصل بينهما، بدون ان نخطئ في حق الحقيقة وفي حق العلم وفي حق الفنون؟
وهل يجوز لبعض المسرحيين العربواليوم، وهم يركزون على التجريب في الحركة وفي الكتابة المشهدية، بالاجساء وبالأشياء وبالأضواء وبالحركة، هل يمكن أن يستهينوا بالكلمة، والتي لها وجود في النصوص المسرحية، وقبلها لها وجود في حياتنا السومية؟ وهل هناك مجتمع من المجتمعات يمكن أن يفعل من غير أن يتكلم؟
وهل يمكن أن يصبح المسرحي اخرس، حتى يكون مجربا ومجددا؟
وماذا يمكن أن يكون تكلم المتكلم، في معناه الحقيقي؟ أليس فعلا هو ايضا، وأن هذا الفعل يسمى فعل التكلم؟
ونعرف ان الكلمات، في كونها وعالمها، هي اساسا درجات وعتبات ومقامات، بعضها اعلى من بعض، ولا يكفي أبدا ان تكون هذه الكلمة جميلة، اذا لم تكن ناطقة وصادقة وحكيمة وعاقلة، ولم نقلها بشكل جيد وصحيح، ولم نكتبها، بشكل جميل وجيد، وان يكون ذلك في الموقف المناسب وان يكون في التوقيت المناسب، وعليه، فإنه من حقنا ان نقول ما يلي:
-- كل كلام لا يقول شيئا لا معنى له
-- وكل كلام خارج السياق، فإنه مجرد ثرثرة
-- وكل كلام لا جمال فيه ولا موسيقي في بنيته، ولا رسالة في تعبيره، فهو مجرد لغو، أو مجرد أصوات فوضوية لا منطق فيها ولا نظام فيها
وفي معنى هذه الكلمة، يقول عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحية ( الحسين ثائرا) على لسان الحسين بن علي، والذي طلب منه أن يقول مجرد كلمة واحدة، والتي هي ابايع
(أتدري ما معنى الكلمة؟
مفتاح الجنة في كلمة
ودخول النار في كلمة
وقضاء الله هو الكلمة
الكلمة نور
وبعض الكلمات قبور)
وهو نفسه الذي يقول (شرف الله هو الكلمة)
ويقول (الكلمة فرقان بين نبي وبغي)
ولقد كتب على هذا المواطن الاحتفالي، في الوطن الاحتفالي، وفي حقب متعددة ومختلفة من عمر قرنين والفيتين، أن يعيش حياته الحية مع الناس الأحياء، وان يعيش ايامه الاحتفالية مع الأجساد الناطقة والمتكلمة والمعيدة، وليس مع الحجارة الجامدة والخرساء، وهو في حياته الصادقة يتعدد بالأزياء وبالأقنعة المتعددة والمختلفة، تماما كما يتعدد بادواره في مسرحيات الوجود، ويتعدد بالمرأة وفي المراة، وقد يكون امامها، ويكون خلفها، ويكون جسدا وروحا، ويكون مجرد صورة وخيال، ويتعدد ايضا في الصوت وبالصوت وفي رجع الصدى، وبهذا فهو الكائن الحي الذي لا يمكن أن يحيا وحده، ولا يمكن أن يسافر وحده، وهو حين يحضر الآن هنا، فإنه لابد ان يأتي ومعه ذلك الزمن الذي كان معه هناك، يأتي ومعه ظله، وياتي ومعه حلمه، وياتي ومعه ذاكرته، وياتي ومعه تاريخه
زانا المبدع المفكر تساءلت كثيرا، وبالسؤال عرفت شيئا، وغابت عني اشياء اخرى كثيرة جدا وكنت في تفكيري مسافرا وكنت في سفري مفكرا، وبحثت عن الله في نفسي، وبحثت عن كل الآخرين في ذاتي، ولقد اكتشف ان هذه الحياة، رغم اتساعها، تظل محدودة وضيقة، ولقد كان ضروريا أقوم بتمديها وبتوسعتها، بالخيال وبالشعر وبالسحر وبالحلم وبالهذيان الخلاق، ولقد رأيت أن هذه الأيام محدودة، ووجدتها تتكرر بعد كل دورة،، ووجدت أن مشاريعي واحلامي واوهامي اكبر واخطر من هذه الساعات واللحظات الطائرة، ولقد اقتنعت، انا الاحتفالي الغني بالحكمة الداخلية اقتنعت، أن وجود سبعة أيام فقط في الأسبوع لا تكفي، ولذلك فقد غامرت واكتشفت يوما اضافيا جديدا، والذي هو اليوم الثامن، وبشرت - بشرنا به، وقلت وقلنا لكل الناس هو يوم العيد والاحتفال، ولذلك فقد أعطيت لنفسي الحق في أن احتفل، وأن اقول لكل الناس، في كل زمان ومكان، احتفلوا وعيدوا، واعلموا بأنه لا جديد ولا تجديد إلا بالاحتفال وفي الاحتفال، وعليه، فان من لم يحتفل منكم، فأنه لا حياة له، ولا حاضر له، وفي حديث اخر فانه لا مستقبل له
0 التعليقات:
إرسال تعليق