أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات مسرحية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 18 أبريل 2018

أونيل وتعبيرية الواقع

مجلة الفنون المسرحية

أونيل وتعبيرية الواقع

وضاء قحطان حميد


( يوجين أونيل ) حياته
" يحتل يوجين أونيل ( 1888_ 1953) مكانة مرموقة لا في المسرح الاميركي فحسب , بل على مستوى المسرح في العالم , فهو أحد أعمدة المسرح الحديث . كان يتمتع بموهبة مسرحية
, وحاول أن يقدم أنماطاً مسرحية جديدة تكسر طوق النزعة الميلودرامية التي كانت تسود المسرح في بلاده , واستطاع أن يوفق في محاولاته "(1) .
أونيل هو ابن الممثل المشهور ( جيمس أونيل ) ترك الدراسة في جامعة ( برنستون )وعمل 
أعمالاً غريبة واصيب بمرض السل .
" وفي عام 1914 نشرت له خمس مسرحيات قصيرة ودخل في صف ( بيكر ) للتأليف 
المسرحي في جامعة هارفرد " (2) .
وفي عام 1915 انتمى الى عدد من أعضاء فرقة ( بروفانتاون ) التي قدمت له أول أعماله
" ( القرد الكثيف الشعر )1922 و( رغبة تحت شجرة الدردار ) 1924 و(الاله  الكبير براون)
1926و ( ماركو ميليونز ) أو في ترجمة اخرى ( ملايين ماركو ) 1928 و( المتطفل الغريب) 1928و ( الحداد يليق بالكترا ) 1931" (3) .
وفي عام 1936 حصل على جائزة نوبل في الادب .
" ان أونيل الكاتب خياله خصب الذي تمرس على أساليب كثيرة مختلفة بفضلها وصل الى أرقى
مكانة في فئات الكتاب المسرحيين , اذ انه كثيراً ما كان يفتقر الى القدرة التي يصقل بها عمله
حتى يصل الى نوع من العمل التام المصقول , ان موضوعاته تخلب اللب وتتصارع مسرحياته
مع الممكنات لكنها مثل سقوط الماء باهر براق بسخاء من الطبيعة المسرف أكثر مما تذكرنا بتهذيب واسلوب الفنان الكامل , ظهرت لاونيل في سنة 1920 مسرحيتان طويلتان وذلك بعد
مجموعة من المسرحيات القصيرة التي كانت تعكس خبرات أونيل في البحر , اتخذت مسرحية ( وراء الافق ) البح خلفية لها وكذلك مسرحية ( التيه ) ومسرحية ( تحت أضواء القمر الكاريبي ) , وكانت مسرحية ( الامبراطور جونز ) أكثر نجاحاً , وتستخدم الاسلوب التعبيري لتنقل به الحالة الصحيحة في حكاية العبد الزنجي الذي وقع في شرك الغابة وقد استولت عليه 
دقات الطبول الصاخبة " (4) .

ان بداية اسلوب أونيل تأثره بمواضيع البحر والمغامرة وبالاسلوب الواقعي , ثم اتجه نحو المسرح التعبيري , ثم عاد الى المسرح الواقعي بمسرحية ( الحداد يليق بالكترا ). " ان مسرحية ( ايها البرية ) 1933 تعد ملهاة رقيقة  , وكتب ايضا  أونيل مسرحية
( الرجل الثلجي يأتي ) 1946 لم تعد بخير كثير , كان يوجين أونيل رائداً له أثرباق من الضخامة بحيث أطاح بآثار المسرح الاوروبي وأبعده عن المسرح الوطني , يفتقر أونيل أحياناً الى دقة المهارة وصقلها , ان له طاقة وحشية وغزارة أفكار ساعدته على قيام مدرسة مزدهرة من الكتاب المسرحيين الاميركيين "(5) .
( كتاب التعبيرية وروادها ) 
1_ جورج كايزر( الماني ) (1838_1945) ( مسرحية الغاز )
2_ ارنست توللر ( الماني ) ( 1893 _ 1939) ( الانسان والجماهير )
3_ جورج بوخنر ( الماني )
4_ هاوبتمان ( الماني )( النساجون )_ ( الخصام )
5_ ديكند ( محطمو الالة )
6_ اوجست ستريندبيرج ( سويدي ) ( الحلم _ سوناتا والشبح _ وثلاثية الطريق الى دمشق)
7_ بريتولد بريشت ( الماني )(1898_1956) أهم مسرحياته التعبيرية ( بعل _ طبول في الليل ) .
خصائص المسرح التعبيري *
1_" تدور أحداث المسرحية التعبيرية  حول فكرة أو ثيمة رئيسة .
2_ تقترب الشخصية الرئيسة من شخصية  المسرح التي لا تهتم بالماديات .
3_ يختزل مؤلف المسرحية التعبيرية  العناصر الدرامية فالحركة والحوار ليست الا
تطبيقات للنقاش أو رسالة .
4_ التجريد والتشويه موجود في كل عنصر درامي وتتصف الاحداث بالغرابة .
5_ التضاد الحاد صفات ملازمة للعناصر فالحوار يتغير من الشعر الى النثر ومن
الانشودة الى التليجراف ومن المونولوج الى الجمل الحوارية القصيرة .
6_ صفة الفانتازيا والسحر هي الصبغة العامة  التي تصبغ الاعمال التعبيرية  التي 
تكون مسرة ومبهجة أحياناً ومرعبة ومحزنة أحياناً اخرى كما هو الحال في الصور
الحلمية  التي   تعطي انطباعاً عن الكابوس .
7_ الانطباع العام مجازي يلبس لبوس الكابوس أو الرؤية "(6).

نموذج من مسرحيات يوجين أونيل مسرحية : الغوريلا أو القرد الكثيف الشعر * " قصة هذه المسرحية أن هناك رجلاً يعمل على السفينة ويعمل  بجد من أجل لقمة العيش , لكنه ينسى نفسه , ويظهر الشعر في  وجهه وبدنه ويكون أشبه بالقرد , حتى ان الذين يرتادون السفينة  يسخرون منه وينالون منه ويقولون عنه بأنه أشبه بالغوريلا , فيتأثر بكلامهم ويعتقد بانه قرد وتأتيه أحلام وكوابيس بهذا الشأن أي  كونه قرد و تستمر هذه الاحلام تراوده أو الكوابيس حتى يموت من هذه الاحلام
والكوابيس وهكذا تنتهي هذه المسرحية بهذه النهاية المأساوية شأنها شأن باقي 
المسرحيات التعبيرية  التي تعتمد على الرؤى والاحلام والكوابيس والصرخات التي تعبر عن دواخل النفس البشرية وما تحمله من عذاب وظلم واضطهاد وتتميز المسرحيات التعبيرية بكثرة المونولوجات كما في مسرحية( الغوريلا )ومسرحية
(الامبراطور جونز )"(8) .
مسرحيات يوجين أونيل *
1_ " ماوراء الافق 2_ التيه 3_ تحت أضواء القمر الكاريبي 
4_ ملايين ماركو 5_ ضباب 6_ رحلة يوم طويل الى الليل
7_ فترة استراحة غريبة 8_ الامبراطور جونز 9_ القرد الاشعر
10_ فتاة الغرب الذهبي 11_ زيت الحيتان 12_ الحداد يليق بالكترا
13_ ايام لا نهاية لها 14_ الينبوع 15_ الفاصل الغريب " (7) . 

قائمة المصادر
1_ عبد الرحمن شلش , مدخل الى فن المسرحية , ط1, 1983, ص55 .
2_ د.سامي عبد الحميد , اكتشافات المسرحيين في القرن العشرين , ص213.
3_د.سامي عبد الحميد , المصدر نفسه , ص214 .
4_د.سامي عبد الحميد , المصدر نفسه , ص214 .
5_ لويس فارجاس , المرشد الى فن المسرح , ترجمة : أحمد سلامة , بغداد :القاهرة
, ص206 .
 6_ لويس فارجاس , المصدر نفسه , ص 207 .
7_ د. سامي عبد الحميد , مصدر سابق , ص129 .
8_ينظر مسرحية : الغوريلا , تأليف : يوجين أونيل , ترجمة : د. محمد اسماعيل الموافى .

إشكالية المسرح الإسلامي

مجلة الفنون المسرحية

إشكالية المسرح الإسلامي

أحمد بغالية - الجمهورية 

إن المسرح الإسلامي، هذا المصطلح الناشئ، الذي يداعبه بعض الكتاب هنا وهناك خلال السنوات الأخيرة، ابتدأ من منتصف الثمانينيات، هذا الشكل الذي نشأ وترعرع في أحضان ما يسمى بالصحوة الإسلامية، والذي اعتبر اتجاه أو شكلا من أشكال مسرح الهواة على اعتبار أن المشرفين والممارسين له أغلبهم شباب هواة، وقد ظهر استجابة لمرحلة معينة في الساحة السياسية، والتي أخذت في فترة تعج بالأحزاب السياسية الإسلاماوية (حماس، نهضة، إنقاذ)، بحيث انطلق هذا النوع من المسرح من الجامعات والمعاهد في نشاطات الحركة الطلابية الإسلامية، ثم امتد ليغزو الأعراس الشعبية، ومع"مودة" و"أسلمة" كل شيء شاع مصطلح "عرس إسلامي .. زواج إسلامي .. سوق إسلامي"،.. وهكذا إلى أن وصل مصطلح مسرح إسلامي"... إن فرصة الاختيار أمام الفنان المسلم مطروحة، وهي أن يقبل المسرح كشكل فني، وأن يرفض المضمون، لأن الإسلام لم يقف يوما إزاء الأشكال في ميدان الفنون والآداب، غير أن الإسلام يرفض الأشكال التي ارتبطت عضويا بمضامينها أشكال فكرية وعقائدية أو مضامين عبثية خاوية أو مادية مغرقة، أو خيالية مريضة، أو واقعية هابطة، أو واقعية حرفة أو رمزية وثنية، دعا الإسلام إلى رفضها و الإستلاء عليها صوب أشكال ابتكرها الإسلام نفسه وربطها ربطا حيويا بقيمه وأهدافه.
من هذا الاختيار المساير لمنطق الإسلام المنبثق عن تكوينه الحضاري يجد الفنان (المسلم) نفسه وقد أتيحت له فرصة جديدة للتعبير، لأن يقول ما يشاء بشكل أكثر تأثيرا و بمضامين كبرى حرة طليقة من قيود المدارس المسرحية، التي فرضت نفسها عبر العصور، هذه هي مساحات الفن المسرحي (الإسلامي) وهذا مداه، وفي إطار لا يخرج عن سمته التي لا تزول :"شهادة أن لا إله إلا الله "، وإسلام النفس له.
السؤال المطروح هل ثمة ضرورة لإعادة صياغة الشكل المسرحي بما يتفق و المضامين الإسلامية ؟ وهل ثمة ارتباط عضوي حيوي بين التصوّر التجربتين الإسلاميتين، وبين الشكل المسرحي الذي تحتلاه ؟ الجواب أنه كلما ظهرت إلى الوجود مسرحية إسلامية جديدة لا يمكن فصمها عن الشكل و المضمون في المسرح (الإسلامي)، كما أن المضمون يفتح مجالات جديدة وآفاقا واسعة أمام المخرج، يتحتم عليه استخدام مزيد من الإمكانيات والمؤثرات والوسائل المسرحية، ويدخل إلى الخشبة شخوصا وأدوارا لم تألفها المذاهب الأخرى، إذن المقصود بالمسرح (الإسلامي) هو ذلك الفن الذي يوضح التعاليم الإسلامية، ويشرحها، إن أهم المسارح (الإسلامية) التي عرفت في هذا القرن"مسرح الجماعات الإسلامية"، هو نوع من المسرح القائم على الأفكار، يلجأ فيها إلى الطقوس ويعتمد الدفوف والطبول وأناشيد المديح المصحوب بحركات إيقاعية كالعيساوة مثلا، وهناك مسرح الإخوان المسلمين الذي أنشأه (حسن البنا)، وتبناه أخوه(عبد الرحمان) وحث عليه باعتباره وسيلة من وسائل التبليغ وأنتج هذا المسرح مسرحيات:"معز الدين الله الفاطمي" و"صلاح الدين الأيوبي"، ومن الأسماء التي تبرز في المسرح (الإسلامي) الدكتور(الشرباصي)، لأنه أكثر غزارة وهذا يعني أن المسرح (الإسلامي) هو المسرح الذي يعرف بأبطاله وبمواقفهم التاريخية المشرقة. 
ومن إشكالياته أنه مسرح لا يخالف مضمونه ولو في أبسط الأمور وعادة ما تكون مواضيع المسرحية منبثقة من الواقع المعيش عاكسة بدورها حياة يومية في مجتمعنا بصفة دينية وأخلاقية، مسرحيات تشخص الداء أو الخلل من خلال تأزم الحدث المسرحي، ويشترط في التمثيل (الإسلامي) أن لا يمثل بشخصيات تاريخية لها قدسيتها في نفوس المؤمنين كشخصيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدين، لأن إظهارهم يفقد في النفوس قداسيتهم واحترامهم، والمحجوب دائما محترم ومقدس ومرغوب، وألا يظهر أي مظهر من المجون والخلاعة كالرقص والمعزف وظواهر الخمر، وألا تظهر النساء أصلا على خشبة المسرح، وأن يستهدف التمثيل مصلحة الدين والعلم والأخلاق، لكونه يوضح الفكر ويحدد الواقعة ويصور الحادثة ويثير العاطفة لأجل تربية الفرد والأسرة والمجتمع.لكن بالتمعن بالتتبع للمسرحيات (الإسلامية) هنا وهناك نجد مآخذ جمعت وسلبيات هذا الشكل، ومنها ضعف الجانب التقني في أغلب الأعمال المسرحية، وهذا الضعف من خلال استغلال الفضاء والمساحة المسرحية على مستوى الخشبة، وكذا تحكم في توزيع الأدوار والممثلين، وهناك مشكلة ارتباط المسرح (الإسلامي) بالحركة أو التنظيم أو الحزب الموجود على الساحة (نهضة، حماس....). أي أنه مقيد بعقلية سياسية، حيث حلت محله الارتجالية والهزلية والفوضوية والتهريجية في أغلبها، والتي لا تستند إلى أي نص ثابت، مما يثير نوعا من التذبذب في الأفكار وطرحها.

الاثنين، 16 أبريل 2018

«هنري الرابع» لبيرانديللو: الخيط الرفيع بين العقل والجنون

مجلة الفنون المسرحية

«هنري الرابع» لبيرانديللو: الخيط الرفيع بين العقل والجنون

ابراهيم العريس 


للوهلة الأولى، وانطلاقاً من عنوانها، تبدو مسرحية «هنري الرابع» للكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو، وكأنها اقتباس لواحدة من مسرحيات شكسبير التاريخية. لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق. مسرحية بيرانديللو هذه هي، مثل القسم الأكبر من مسرحياته، عمل معاصر لا علاقة أساسية له، لا بشكسبير ولا بحياة ذلك الملك التاريخي الشهير الذي يمكن ان يكون مسرح شكسبير من أهم المؤرخين لحياته وجرائمه. مسرحية بيرانديللو هي، في نهاية الأمر، مسرحية عن ازدواج الشخصية، وعن التماهي بين الممثل ودوره، كما حال بعض أهم مسرحيات بيرانديللو وفي مقدمها «ست شخصيات تبحث عن مؤلف». و «هنري الرابع» - أو بالإيطالية «إنريكو الرابع» -، تتوسط، زمنياً، مسار بيرانديللو الكتابي، إذ إنها كتبت، ونشرت وقدمت للمرة الأولى في العام 1922، أي بعد 24 سنة من بدايات مؤلفها، وقبل 22 سنة من كتابته آخر مسرحية له «عمالقة الجبل» في العام 1934. ومن هنا لا تعتبر المسرحية التي نتحدث عنها هنا، فقط واسطة العقد في مسار هذا الكاتب، بل خصوصاً ذروة هذا العمل إذ إنها حملت في آن معاً، خلاصة تجربته السابقة، وإرهاصات مسرحياته التي سيكتبها خلال السنوات العشر التالية. ومن هنا أهميتها الفائقة، وما يجعلها أكثر مسرحيات الكاتب الإيطالي الكبير، تقديماً على خشبات المسرح حتى أيامنا هذه.

> كما أشرنا، مسرحية «هنري الرابع» مسرحية معاصرة. الشخصية المحورية فيها، شخصية نبيل كهل في مقتبل العمر، يعيش في فيلا حديثة في منطقة إيطالية راقية في زمننا الراهن هذا. وهذا السيد النبيل يعيش الآن، جنونه الخاص المتمركز من حول عشرين سنة من حياته قضاها وهو يمثل على الخشبة دور الملك هنري الرابع - الامبراطور الألماني-. والذي حدث هو انه خلال مسيرة كارنفالية كان خلالها يرتدي ثيابه المسرحية التي كان يرتديها للقيام بهذا الدور، يقع صاحبنا من على حصانه ويُغشى عليه وحين يفيق يخيّل إليه، لجنون أصابه، أنه في حقيقة الأمر ذلك الامبراطور. وهكذا يعيش في الفيلا تحت قناع تلك الشخصية فارضاً على أهل الفيلا بمن فيهم الخدم ان يتزيوا دائماً بثياب عصر الإمبراطور، الذي لا يتخلى هو عن ملابسه بالطبع. وإضافة الى هذا يتوجب على حياة الفيلا بأسرها ان تتطابق مع الحياة الامبراطورية القديمة التي عرفها هو، من خلال ديكورات وأزياء المسرحية التي مثّلها طوال كل تلك السنوات التي لم يكن فقد فيها عقله بعد. اما اليوم، مع بداية المسرحية فها هم أربعة اشخاص يأتون لإنقاذه مما هو فيه: ماتيلدا سبينا، المرأة التي كانت حبيبته ذات يوم وعادت وتخلت عنه، لكنها أتت حفظاً للود القديم. ومع المرأة هناك عشيقها الجديد بلكريدي، وابنتها فريدا، وخطيب هذه الأخيرة، الذي هو في الأساس ابن اخت «الامبراطور». وهؤلاء اذ يأتون الآن في محاولة لإنقاذ «إنريكو الرابع» يحضرون معهم طبيباً، يرى ان أفضل طريقة للمعالجة ستكون في إحداث صدمة لدى المريض تكشف له حقيقة أمره، من خلال عرض مشاهد أمامه تنتمي الى الماضي وإلى الحاضر معاً، وتتعلق بماتيلدا وابنتها فريدا. بيد ان «إنريكو» ما إن يجابه بعلاج الصدمة هذا، حتى يثور غضبه إذ يتبين لنا بسرعة ان الدور الحاضر الذي يلعبه في حياته، كان يخدمه طوال السنوات الأخيرة إذ يوفر له حماية من مجابهة الواقع الذي كان عبره يعزيه، من دون ان يعطيه أي أبعاد رضا واكتفاء حقيقية. وهنا إذ يكشف أنريكو نفسه امام نفسه، نجده يكشف في الوقت عينه الأمر ووعيه له، امام أربعة من مرافقيه، يفضحونه امام ماتيلدا. لكن ماتيلدا لا تريد ابداً ان تصدق ان «إنريكو» يمكن ان يكون واعياً ما ألم به، وأنه إنما يواصل تمثيل دور يدرك هو، قبل الآخرين، انه دور تمثيلي نقله من خشبة المسرح الى مسرح الحياة لا أكثر. وهنا يتدخل إنريكو نفسه ليقول انه، قبل ثماني سنوات، حين «استعاد» عقله، بعد فترة الجنون الأولى، اكتشف بسرعة ان الأمر سيان وأنه يمكن ان يكون مرتاحاً وسعيداً في الحالين معاً: حال الجنون وحال امتلاك العقل. إذاً؟ إذاً قرر ان يبقي على قناع الجنون، لأن هذا القناع الأخير أخف وطأة من القناع الآخر. والأدهى من هذا ان الرجل سرعان ما يكشف أمام المتجمعين المذهولين من حوله، ان حصانه يوم الكرنفال لم يسقط صدفة، بل ان من أوقعه عمداً كان بلكريدي نفسه، الذي إنما أراد ان يتخلص منه. اما هو فإنه استمرأ اللعبة تاركاً المجال لكل واحد ان يعيش ويتصرف على هواه. هنا، إذ يدرك بلكريدي لعبة إنريكو هذه ويفهم ان غريمه في غرام ماتيلدا سليم العقل، ينهار تماماً ويُحمل هالكاً فاقداً عقله الى الخارج، بعد ان يكون إنريكو في ثورة غضبه قد قتله. وهنا امام هذا الحدث الجديد، وإذ «يكتشف» إنريكو انه الآن بات مرتكباً جريمة سيعاقبه عليها القانون، يرسم خاتمة للدائرة: يدّعي مرة أخرى الجنون، ويعود سيرته الامبراطور إنريكو الرابع، حتى يفلت من العقاب. في معنى ان عليه من الآن وصاعداً ألا يتوقف عن الجنون وعن لعب الدور - القناع، حتى النهاية.

> من الواضح، بالنسبة الى هذه المسرحية، التي اعتبرت دائماً من أعمق وأجمل ما كتب بيرانديللو، ان من الخطأ النظر إليها على اعتبارها عملاً ذا أطروحة أو رسالة أخلاقية أو فكرية. فبالنسبة الى بيرانديللو الذي كان دأبه الدائم ان يرسم، أو حتى يزيل، الخط الفاصل بين الحقيقة والوهم، لا يتوجب على الفنان المبدع ابداً ان يترك المكان للفيلسوف، او لفيلسوف الأخلاق في شكل خاص. لكل دوره. ومن هنا كان حسب بيرانديللو، في هذا العمل، كما في أعماله الأخرى، ان يشعر بأنه وصل الى غايته من خلال خلق تلك العلاقة الجاذبة - النابذة بين الوهم والحقيقة، بين الواقع والقناع. من المؤكد هنا ان رسمه المتقن، والمبرر في كل لحظة لملامح شخصية نبيله الإيطالي اللاعب دور «إنريكو» على الخشبة أولاً ثم في الحياة. وفي الحياة كاختيار طوعي أولاً ثم كضرورة وجودية، هذا الرسم يستجيب الى تلك الرغبة الفنية والإنسانية التي طالما عبّر عنها في كل أعماله. لكنه هنا يوصلها الى ذورتها من خلال تأرجح بطله بين تناقضيه وحاليه. فالواقع ان «إنريكو» إذا كان يناضل هنا في كل لحظة من لحظات هذه المسرحية، فإنه يناضل ضد أشباحه الخاصة. وهذا النضال يرميه في عزلته الواقية له في المرتين: حين كان يلعب، ثم حين صار اللعب ضرورة. ومن هنا ندرك عبثية كل المحاولات التي يقوم بها المحيطون به، من اجل «إنقاذه» فيما هو يجابههم بـ «كشف سره». ومن هنا ايضاً، ما يبدو لنا في نهاية الأمر انه اذا كان ثمة ما يفعله إنريكو طوال هذه المسرحية فإن هذا ليس سوى سرده مونولوغاً طويلاً، ينتمي الى تيار وعي مبتكر، لا تعود الشخصيات الأخرى سوى جمهور يصغي إليه عاجزاً عن أي فعل. وهذا المونولوغ هو في الحقيقة جوهر هذه المسرحية، وضامن بعدها الإنساني العميق المنتمي حقاً الى الحداثة.

> انطلاقاً من هنا يمكن القول، بالطبع، ان لويجي بيرانديللو (1867 - 1936)، إنما كتب هذا العمل في ارتباط تام مع هواجسه من حول تأملاته في الشرط الإنساني خلال الزمن الصاخب والمتأرجح الذي عاش فيه. ونعرف ان هذا الكاتب الذي كان تأرجحه السياسي، أحياناً، على ضخامة والتباس تأرجح زمنه، أبدع في المسرح وفي القصة القصيرة وكان واحداً من كبار كتّاب ايطاليا خلال الثلث الأول من القرن العشرين، حتى وإن كانت مكانته لطخت خلال بعض الوقت بسبب تواطؤ غير واضح قام بينه وبين فاشيي موسوليني. غير ان هذا لم ينقص - بالطبع - من قيمته ومكانته كمبدع، ترك للحياة الثقافية العالمية، بعض أبرز المسرحيات التي شكلت وتشكل بعض أفضل ما في الريبرتوار العالمي، من «ستّ شخصيات تبحث عن مؤلف»، الى «الجرة» ومن «الإجازة» الى «قواعد اللعبة» مروراً بـ «لذة ان يكون المرء نزيهاً» و «الأحمق» و «الابن الآخر» و «كما تريدني» وغيرها.

بيراندييللو ودور الاقنعة

مجلة الفنون المسرحية

بيراندييللو ودور الاقنعة

 وضاء قحطان حميد

( حياته )
" ولد لويجي بيرانديللو في مدينة جير جنتي وهي قرية قديمة بناها الاغريق في جزيرة صقلية 
في 28حزيران عام 1867"
ومات في 10 ديسمبر عام 1936 , كان أبوه وأمه من أسرتين أشتهرتا بالوطنية وكان جده لامه عضو بالحكومة المؤقتة عام 1848 بصقلية .
" درس في الصبا وفي الثانوية في قريته وقد اغرم بالتأليف والتمثيل وقد أتم دراسته الثانوية 
في باليرمو ثم رحل الى روما ليلتحق بكلية الاداب ولم تعجبه الدراسة وانتقل الى بون بالمانيا 
بنااءاً على نصيحة أحد أساتذته حيث أتم دراسة الاداب عام 1891وعمل لمدة عام بالكلية في
تدريس اللغة الايطالية "(1).
وبعد عودته الى روما نشر ديوان شعره الثاني في 1895 وفي عام 1894تزوج أبنة أحد شركاء أبيه في الصناعة ."(2). وقد أدى هذا الزواج الى سلسلة من المتاعب العائلية كان لها 
أثر كبير في فن بيرانديللو . فينجب طفلين وبنت وعندما تحدث الحرب العالمية الاولى عام 1915 يجند ابنه فيؤسر وتعاني زوجته من اضطرابات وتغار عليه حتى من بنته , فتدخل 
الى مصحة "(3) .
( فلسفته )
" يعد بيرانديللو من أهم كتاب المسرح في ايطاليا في هذا القرن بدأ حياته روائياً وكاتب 
قصة قصيرة . يشرع بيرانديللو في مناقشة طبيعة الحقيقة نفسها ويهتم بالحقيقة الباطنية 
للانسان كما يهتم بنفس القدر بالمظهر أو الشخصية الخارجية التي يعرف بها الفرد في 
العالم أو المجتمع الذي يعيش فيه .
ينجح بيرانديللو في جعل أعظم الموضوعات عسرا وتعقيداً عظيمة التأثير على المسرح "(4).
تعد مسرحية ( الانسان والحيوان والفضيلة 1991 تعد ملهاة مريرة فيها يتعين على العاشق أن يفكر بسرعة ليتخلص من موقف خطير فقد أورط عشيقته في الحمل وقد حان ميعاد عودة زوجها البحار الى الوطن .
ومن أهم مسرحياته ( ست شخصيات تبحث عن مؤلف )1921و ( هنري الرابع )1922          
و ( كما تشتهي ) 1930 , ويطلق على مسرحه بما يعرف المسرح داخل المسرح او الميتامسرح حيث يحوي على ثنائية الحقيقة والوهم وثنائية الفن والحياة .ومن وجهة نظره
فان في الفن الحقيقة لان الحقيقة في الحياة أكثر حقيقة من الحياة نفسها وان الحياة هي 
الوهم لان اغلب الناس يرتدون اقنعة ملئها الزيف والخداع .
وأوضح مثال على هذه الفلسفة فلسفة بيرانديللو في مسرحية ( ست شخصيات تبحث عن مؤلف ), فيقول(ريموند وليامز ) عن مسرحية ( ست شخصيات تبحث عن مؤلف ) ان شيئاً من حوار الاب يفضح الحدود الضيقة التي تفرضها المدرسة الطبيعية في ثقل التجربة الشعرية , ان الطبيعة لا تسمح بالفلسفة لانها تعتمد على حركة الواقع ..
على نمو الحدث الدرامي بشكل يشد الجمهور للتعايش معه .
ان تحليل مفهوم الطبيعية يوصلنا الى الاكتفاء بالمسرحية بحد ذاتها " (5) .
وملخص مسرحية ( ست شخصيات تبحث عن مؤلف ) لبيرانديللو هو ان هناك زوجة تنجب
طفل ثم تترك زوجها وتنجب من رجل اخر طفل وابنتان ثم تضطر الى العمل في محل ملابس 
,حتى يقتحم الاب وعائلته المسرح ليبحثوا عن مؤلف ويبدؤا مسرحيتهم لعرض قضيتهم وشرح 
أحوالهم فتتداخل فلسفة مسرح داخل مسرح , وفي النهاية يسمع دوي اطلاق نار فبقتل الطفل نفسه والممثلون غير مصدقون بما حدث .
" ويتكرر الامر في مسرحية ( الليلة نرتجل ) حيث يسخر بيرانديللو من من اسلوب كوميديا ديلارتي الذي يعتمد على الارتجال وعلى الشخصيات النمطية .
وعندما يرسم المفارقة بين الاسلوب التجاري وبين رغبة الممثلين في الخروج عن الاطار , 
بحيث يطردون المخرج ليقدموا للمتفرجين مأساة تدفع الدموع من مآقيهم , حتى ليتسائل المرء
هل هم يمثلون نصاً أم انهم أصبحوا تلك الشخصيات الخيالية فعلاً " (6).
( أهم مسرحياته )
 "(فكر في الامر يا جيا كومينو _ هنري الرابع _ الانسان والحيوان والفضيلة _ الجرة _ ليولا_ست شخصيات تبحث عن مؤلف _ الليلة نرتجل _ كما تشتهي _ ستر العرايا _ كل شيخ له طريقة _ عملاق الجبل _ الملزمة _ واجب الطيب _ ليمون صقليا )" (7) .
ثم يبدأ بيرانديللو بكتابة مسرحيات ذات الفصل الواحد مثل الجرة والملزمة ثم كتابة مسرحيات تنتمي الى المسرح داخل مسرح مثل مسرحية ( ست شخصيات تبحث عن مؤلف _ والليلة نرتجل ) .
" أما نموذج مسرحيات ذات الفصل الواحد لبيرانديللو هي مثلاً مسرحية ( الجرة ) وملخص المسرحية أن هناك في قرية صاحب أملاك وضيعة وكان لديه فلاحين يعصرون الزيتون 
ويجلبونه اي الزيتون على البغال ويضعون هذا الزيت في جرة , ومصادفة يكتشف المالك 
بأن هذه الجرة مكسورة فيحزن صاحب الارض ويجلب صانع جرار ليصلح الجرة , فيقرر 
أن يضع لها معجون ويسد الجرة من الداخل ولكن الجرة فيها أكثر من ثقب , فيقرر هذا الصانع 
أن يدخل الى داخل الجرة ليصلح الثقب ولكن عندما يدخل الى الداخل لا يستطيع الخروج من الجرة , فيزداد حزن صاحب الجرة , فيقرر جلب محامي لحل الازمة , فيقول له المحامي 
اما أن تكسر الجرة أو أن يدفع الصانع ثمن الجرة , فيرفض الصانع ويطلب أن يدخن سيجارة 
ويدخن وهو يقول ان الجو داخل الجرة منعش وهو أشبه بالجنة , فيقومون الفلاحون حوله بالغناء والرقص حول الجرة , وتوضع الجرة أعلى مرتفع ثم تتدحرج فتنكسر الجرة ويخرج
الصانع وهو يقول لقد ربحت لقد فزت ويحزن المالك حزناً شديداً وسط فرحة الفلاحون بهذا الامر, وبهذا الحال تنتهي هذه المسرحية ذات الفصل الواحد "(8) .
قائمة المصادر
عوض شعبان , بيرانديللو , ط1 , بيروت , 1979, ص5 .
مقدمة مسرحية لويجي بيرانديللو , قواعد المبارزة , ترجمة : أحمد سعد الدين , تقديم :
سعد أردش, مصر , ص 11_ ص13 .
مقدمة مسرحية لويجي بيرانديللو , مسرحية : قواعد المبارزة أو قواعد اللعبة .
المرشد الى فن المسرح , لويس فارجاس , ترجمة : أحمد سلامة , بغداد , ص 188.
رياض عصمت , البطل التراجيدي في المسرح العالمي , ط1 , بيروت , 1980,ص109.
المصدر السابق , ص 113.
ايليا حاوي , بيرانديللو في سيرته ومسرحياته , ط1 , بيروت , 1980, ص51.
سلسلة أعلام الفكر العالمي , لويجي بيرانديللو , ترجمة : عوض شعبان .

الثلاثاء، 10 أبريل 2018

"مسرح الفكر": استعادة مفاهيم فالتر بنيامين

الاثنين، 2 أبريل 2018

مسرح الصورة.. صلاح القصب والتجربة العراقية الطليعية

مجلة الفنون المسرحية

مسرح الصورة.. صلاح القصب والتجربة العراقية الطليعية

عواد علي  - الجديد 

اتسمت تجربة “الأقنعة” بخصائص كثيرة من مسرح الصورة، فمشاهدها تتوزّع على عشرة أمكنة تشكّل جغرافية البيت، وتطغى على هذه المشاهد بنية صورية غرائبية لا يرتبط بعضها ببعض بحبكة درامية تقليدية، بل بنسق من العلاقات السيميائية والطقسية الشديدة الإيحاء، وتحمل وعياً متقدّماً، ورؤيةً إنسانيةً تستغور قضايا العصر الكبرى، وتستشرف الكوارث والمحن التي لحقت بالعراق خلال العقود الأربعة الماضية، إضافةً إلى أن بناءها الدرامي ذو منحى طليعي حديث يفلت عن التنميط لتداخل مستويات عديدة من الأشكال الفانتازية والسريالية والعبثية والرمزية في نسيجها الفني، وأن أجواءها تبدو خليطاً من الجدّ والسخرية والهجاء والمأساة بحيث تجعله أقرب إلى الكوميديا السوداء. لقد حمل نص “الأقنعة” في وقته ثلاث علامات أساسية تنبئ بميلاد مبدع مسرحي ذي موهبة حقيقية، أولها حسه التجريبي المسكون بهاجس التجديد والبحث والمغايرة، وثانيها ريادته في ممارسة شكل مسرحي ذي منحى صوري في المسرح العراقي، من دون أن يطلع على تجارب مسرح الصورة، أو منطلقاته النظرية في الغرب، كما هي الحال مع صلاح القصب، وثالثها تنبؤه بكوارث الحروب والدمار والقمع والجوع التي حلّت ببلده العراق، مستقرئاً واقعه السياسي على نحو صحيح.

مسرح الصورة

بدأت تجربة القصب في مسرح الصورة بالعراق، كما أشرتُ، بعرض “هاملت”، الذي قدّمه في كلية الفنون الجميلة ببغداد عام 1980. وكان قد اطلع على هذا الشكل المسرحي خلال دراسته العليا في رومانيا، وحين عاد إلى بغداد بدا متحمساً لتطبيقه، والتنظير له، فكتب بحثاً بعنوان “مسرح الصورة بين النظرية والتطبيق”، وهو البحث الذي وسّعه، في ما بعد، وصدر في كتاب بالعنوان نفسه عام 2003 عن المجلس الأعلى للثقافة والفنون في قطر.

تقوم بنية الخطاب المسرحي في مسرح الصورة، كما فصّلها القصب في ذلك البحث، على شبكة من التكوينات الجسدية، والأشكال الحركية والإيمائية والسينوغرافية المركبة، الغامضة، المصمّمة وفق علاقات إيحائية متغيرة، وتصاحبها إيقاعات صوتية بشرية مختلفة، كالتمتمات والصرخات والتأوهات والهمهمات.

وقد تستغني هذه البنية عن الحوار استغناءً تاماً، أو تكتفي بالقليل الجوهري منه لإعلاء الجانب البصري في العرض. أما خصوصية هذا الخطاب فإنها تتمظهر في:

1- إضفاء الجو الطقسي على العرض.

2- التوكيد على أنماط السلوك والأفعال التي يفرزها اللاشعور عند الشخصية.

3- عدم ترابط الأفعال، وتقاطع حلقاتها باستخدام أسلوب الهدم والبناء المتكرر للفعل، أو الحافز الواحد، بحيث لا تنمو الأفعال نموّاً طبيعياً، كما هي الحال في ما يسمى بـ”المسرح الواقعي”.

4- اختزال المشاعر وتقديمها في شمولية مركزة.

5- تحفيز طاقة المتلقّي على التخيّل والتأويل.

6- الصورة تبدأ من شكل فوضوي وقلق وملتبس لتنتهي إلى شكل منتظم ومستقر قابل للفهم والاستنطاق.

7- الصورة تنزع إلى أن تكون حلماً متدفقاً يثير الدهشة بغرائبيته، وكشفه عن المسكوت عنه، والمطمور في داخل الإنسان.

8- الزمن في العرض ينبني على فرضية الذاكرة، ويزاوج بين مفهومي الزمن التاريخي والزمن الأسطوري.

9- سيناريو النص لا يعدُو عن كونه نقطة انطلاق لصياغة عرض تشكّله مخيّلة المخرج والممثلين والتقنيين، وتجليات الارتجال المنظم.

10- الشخصيات غالباً ما تكون مفتّتة، شعورياً ووجودياً، وعلامات قابلة للتكرار، والموت والانبعاث.

11- يعتمد أداء الممثل على التفاعل الوثيق بين الفعل الداخلي (السيكولوجي)، والفعل العضلي الخارجي.

12- العرض يستبدل شاعرية الحوار اللغوي (الملفوظ) بشاعرية الفضاء التي تجمع بين لغة الإشارات والتشكيلات والألوان.

ولا يخفي القصب في بحثه، ومحاضراته، والحوارات الصحافية التي تُجرى معه، أنه أخذ هذه الأسس عن أستاذيه الرومانيين، المخرجة ساندا مانو والمخرج ليفيو جوليه، المتأثرين إلى أبعد الحدود، طبعاً، بمنظور آرتو للمسرح، وتجاربه، وأفكاره التي وضعها في كتابه “المسرح وقرينه”.

لكنّ مسرح الصورة عُرف في الولايات المتحدة في سياق المسرح ما بعد الدرامي، وللناقدة المسرحية الأميركية بوني مارانكا كتاب عنوانه “مسرح الصور” نُشر عام 1977، تقدّم فيه قراءات في بعض العروض المسرحية، مثل “إرضاء الجماهير” للمخرج ريتشارد فورمان، “رسالة إلى الملكة فيكتوريا” للمخرج روبرت ويلسون، و”صورة الحصان الأحمر المتحركة” للمخرج لي بريور؛ مؤكدةً أن العرض المسرحي لا بد أن يكون تمريناً في الإحساس البصري. ولروبرت ويلسون أيضاً كتاب يحمل العنوان نفسه صدر عام 1984.


تجارب القصب

قدّم القصب خلال عشرين عاماً اثني عشر عرضاً مسرحياً، في سياق مسرح الصورة، هي (هاملت، الخليقة البابلية، طائر البحر، الملك لير، أحزان مهرج السيرك، الحلم الضوئي، العاصفة، عزلة في الكرستال، الشقيقات الثلاث، الخال فانيا، حفلة الماس، وماكبث). وأنتخبتُ سبعةً من هذه العروض فقط لأنها تكفي، من وجهة نظري، لاستقراء أبرز عناصر الرؤية المسرحية الصورية في تجربة المخرج، وأبدأها بالعرض الأول “هاملت”.


هاملت

شكّل هذا العرض صدمةً للوسط المسرحي في العراق إبان عرضه قبل ما يزيد على ثلاثة عقود، لا بسبب طابعه التجريبي، فقد اعتاد ذلك الوسط على الرؤى الإخراجية التي تشتغل على تحديث النصوص الكلاسيكية، أو تقوم بتغييرات شكلية على فضاءاتها، وأجوائها، وطبائع شخصياتها، أو تختزل مشاهدها وحواراتها، وتحذف منها ما يتعارض وروح العصر، بل لانتهاكه النص الشكسبيري، وغرائبيته، وافتراضاته وصوره العجيبة، وتأويلاته السيكولوجية، وأجوائه الطقسية البدائية؛ فقد افترض المخرج عدم وجود جريمة حقيقية تقضّ مضجع هاملت، وهي جريمة قتل أبيه الملك، وإنما هي وهم محض صاغه مخياله المريض، كونه مصابا بـالانفصام (الشيزوفرينيا)، في الوقت ذاته الذي تعاني فيه مملكته من روح شريرة مدمرة. وعلى هذا الأساس جعل القصب هاملت يتحرّك في خطين: يسير الأول تحت سيطرة الروح الشريرة، ويسير الثاني بمعزل عنها، وهو يمثّل الأفق العقلاني في سلوكه ورؤيته، فحينما يكون تحت تأثير الروح الشريرة يظهر متلبساً شخصية أفريقي بدائي (مثّلها ممثل أسود البشرة)، وتبدو له شخصية أوفيليا بوجه أفريقي بدائي (مثلتها ممثلة سوداء أيضاً)، ترتدي زياً تمتزج فيه ألوان زيّ كل من أوفيليا والملكة الأم الحقيقيتين، وحينما يكون هاملت خارج تأثير تلك الروح يظهر في شكله الاعتيادي (مثّله ممثل أبيض)، ويرى في أوفيليا الحقيقية (مثّلتها ممثلة بيضاء ذات وجه طفولي) روح البراءة، ومثالاً للوضوح والحب والمستقبل. ولكي يعمّق القصب الجانب المريض في مخيّلة هاملت، وروحه القلقة، وانفصامه العقلي فقد وظّف في فضاء العرض أشكالاً ورسوماً وأشياء مختلفة مستوحاة من الفنون البدائية، كالأسماك الحجرية والأواني الفخارية والحيوانات الخرافية، وعمد إلى شطر الشخصيات، واستخدم في بعض المشاهد المؤثرات الضوئية الخاصة، كالأشعة فوق البنفسجية، لخلق أجواء طقسية، وصور ذات ملامح سحرية، تدعمها أبخرة ودخان وروائح منتشرة في فضاء العرض. وفي محاولة منه للإيحاء إلى المتلقين بأن أحداث المسرحية وشخصياتها هي أحداث وشخصيات شمولية (كونية) توجد في أي عصر وبيئة، لا في العصر الذي حدّده شكسبير في الدنمارك، فقد جرّدها من ملامحها البيئية، وإطارها التاريخي. ولكن ينبغي التوكيد على أن رؤية القصب لهاملت وأفيليا بوصف كل منهما شخصيتين متناقضتين، تفصح عن موقف كولونيالي يشبه مواقف آرتو وبروك وغروتوفسكي وشيشنر في تعاملهم مع التراث الملحمي والطقسي لشعوب الشرق تعاملاً جرّده من سياقه المعرفي والروحي، ووصمه بـ”البدائية”، أو نتاجاً للآخر “الشرقي” المختلف والساذج وغير العقلاني؛ فشخصية هاملت البيضاء هنا تتصف بالعقلانية، والوضوح، والتحرر من سطوة الميتافيزيقيا، في حين أن شخصيته السوداء، وهي تمثّل الآخر المختلف، تتصف بالبدائية واللاعقلانية والاستسلام لسطوة الروح الشريرة). وكثيراً ماعبّرت الكتابات الاستشراقية عن مواقف شبيهة تمثّل المركزية الغربية في رؤيتها للآخر.


الخليقة البابلية

في تجربته الثانية ابتعد القصب كلياً عن النص الدرامي التقليدي، كنقطة انطلاق، أو عجينة يصنع بها ما يشاء لتمرير رؤيته الإخراجية على وفق منهجه المسرحي، واختار نصّاً محليّاً صوريّاً بحتاً بعنوان “الخليقة البابلية”، أعدّه تلميذه ثامر عبدالكريم عن أساطير العراق القديم، لثلاثة دوافع: الأول للرد على من اتهمه بأنه استنسخ عرض “هاملت” من تجربة شاهدها في أوروبا، والثاني لصياغة عرض ذي بنية صورية بشكل مطلق، والثالث لمسرحَة جانب من الموروث الغني في حضارته العراقية العريقة.

يقوم عرض “الخليقة” على سبعة ألواح تصوّر نشوء الكون البابلي بدءاً بالسكون، حيث الكون عبارة عن كتلة هلامية (هيولى/ عماء) تسبح في الفضاء، يليه التشكيل، ثم الصراع بين عناصر الفوضى/ الشر المتمثلة بـ”تيامت”، إلهة المياه المالحة (الإلهة الأمّ للعالم الأول) من جهة، وقوى التنظيم/ الخير المتمثلة بـ”مردوخ” ربّ الأرباب (لاحظوا هنا النزعة الذكورية في الأسطورة) من جهة أخرى، وصولاً إلى انتصار العناصر الثانية على عناصر الأولى، ومن ثمّ خلق الإنسان، وبناء مدينة بابل المعروفة. وقد استخدم المخرج مادتين أساسيتين في سينوغرافيا العرض هما: أقمشة شفافة، وستارة زرقاء كبيرة شكلت علامةً ذات مدلولات مختلفة، منها إضفاء ضبابية على المشاهد الأولى لتجسيد صورة العماء، وأخرى البحر والسماء.


طائر البحر

مع “طائر البحر” لتشيخوف عاد القصب، من جديد، إلى النص العالمي، وتكرار فكرة انشطار الشخصية، فأخرج النص بأسلوب فانتازي/ صوري، مختزلاً الكثير من حواراته، ومفترضاً، أيضاً، أن تربليوف وأركادينا مصابان بالشيزوفرينيا، وغرس الفعل الدرامي في إطار سينوغرافي ذي طابع ذهني؛ مجرّداً إياه من ملامحه الواقعية التي حدّدها تشيخوف، فالبحيرة التي أوحى بوجودها في وسط المسرح وضع فيها أشياء لا ترتبط بعلاقات كنائية، بل اعتباطية، أو رمزية، مثل: لوحة الموناليزا، وآلة كمان، وحقيبة سفر،… إلخ. ويثير تجاورها في ذلك الفضاء، بل وجودها أصلاً هناك، استغراباً وتساؤلاً لا إجابة له إلاّ في السريالية، حيث يجوز للمتناقضات الحسية والذهنية أن تتجاور، وتتأنسن وتتحاور وتختلط اختلاط الليل بالنهار، كما يقول إيلوار. كما افترض أن تربليوف يموت بسبب فيضان هذه البحيرة، وليس انتحاراً بطلقة مسدس كما يحدث في النص الأصلي. ومرةً أخرى وظّف القصب في هذا العرض ستارةً بيضاء شفافةً، أسهمت الإضاءة والمؤثرات الصوتية، في جعلها توحي بماء البحيرة، وجرّد الشخصيات من انتمائها البيئي وملامحها المحلية من خلال الأقنعة والأزياء التي ارتدتها، والمكياج الذي مسخ وجوهها، للإيحاء بكونيتها.


الملك لير

أعقب القصب “طائر البحر” بـ”الملك لير” لشكسبير، مرةً أخرى، وجاء عرضه في مهرجان بغداد المسرحي الأول عام 1985 فرصةً ثمينةً بالنسبة له، فمن خلاله أتيح للمسرحيين والنقاد العرب أن يشاهدوا، أول مرة، عرضاً لمسرح الصورة في سياق منهجه الذي يتبنّاه ويطبّقه القصب في العراق. وكعادته فقد عمل مبضعه في النص، وحذف منه ما رآه غير جوهري، وغيّر الثيمة الأساسية التي يقوم عليها مفترضاً أن الأزمة التي أوقع الملك لير نفسه فيها ليست ناتجةً عن الخطأ الذي ارتكبه بتوزيع مملكته على بناته الثلاث، بل عن الخطأ الكوني الموجود، أصلاً، في بنية العلاقات الإنسانية. وقد عمد القصب في صياغته الإخراجية إلى إذابة الأصوات المحيطة بالملك كلها (بناته الثلاث، وصهريه…)، وحوّلها إلى ما يُشبه الأصداء التي تحيط بالصوت، أو إلى بقايا شخصيات تدور حول الشخصية الرئيسة، ولذلك بدا نصه الإخراجي وكأنه نص مونودرامي. كما اختزل الحوار إلى ما يُشبه الصمت أحياناً، وتصدرت البنية المشهدية الصورية تصدراً طاغياً، وباتت هي العمود الفقري للعرض. واشتغل القصب على الكوريغرافيا، فأصبحت أجساد الممثلين هي الأداة الرئيسة للتعبير بدلاً من الحوار، وقد شكّلها على المسرح تشكيلاً سينوغرافياً بنوع من الدينامية البلاستيكية. وكرّر استخدام القماشة البيضاء كعلامة تشير إلى الكفن/ الموت الذي يلفّ التراجيديا وشخوصها، كما استخدم في بناء السينوغرافيا أقفاصاً حديديةً، وتابوتاً يتصدّر الشكل، ووضع في يد البهلول بوقاً صامتاً (وهو علامة رمزية لانهيار المملكة)، إضافةً إلى العجلات التي يتنقل الشخوص بها (وهي أيضاً علامة رمزية تدل، إيحائياً، على عجزهم). وأسند دور الملك لير لممثلَين يوجد بينهما تباين صارخ في العمر والهيأة والصوت، أحدهما سامي عبدالحميد، الذي يقترب إلى الستين، ويتميز بامتلاء الجسد والطول النسبي ورخامة الصوت، والثاني كريم رشيد، دون الخامسة والعشرين، المعروف بقصر قامته الملفت ونعومة صوته.


أحزان مهرج السيرك

في عرض “أحزان مهرج السيرك”، الذي أعدّه عن سيناريو سينمائي قصير للكاتب والشاعر الروماني ميهاي زامفير، خطا القصب خطوةً أكثر إيغالاً في تجريد الصورة المسرحية من ملامحها الأيقونية، فقدّم تجربةً ذات أجواء غريبة تتداخل فيها مستويات عديدة من أشكال التعبير البصري السريالي والفانتازي والرمزي، في نسيج شديد الكثافة، تفتقر فيه اللقطات والمشاهد إلى الحد الأدنى من المعقولية، فلا وجود لأي حبكة، ولا استمرارية للفعل، ولا زمان وفضاء تاريخيين، بل ذاتيان ونفسيان، حيث تبدو معظم المرئيات والكائنات في فضاءات سحرية وحلمية، وهي تقطع من سياقها الطبيعي وتوضع في مواقع اعتباطية مدهشة، وتنتقل بحركات سائلة كما لو كانت كائنات أسطوريةً توحي بإحساس باطني بالقلق. تشبه الدلالة الأساسية للعرض تلك الدلالة التي يخرج بها قارئ رواية “الشيخ والبحر” لهمنغواي، ومفادها “أن الإنسان قد يُهزم، لكنه لا يقهر”، فالمهرّج، وهو بطل العرض، الذي جعل منه القصب فناناً موسيقياً موهوباً، لا مهرّجاً مضحكاً، يعيش في وسط اجتماعي غير إنساني، يحاصره باستمرار، ويعمل على مسخ موهبته بشتى أساليب العنف والاضطهاد، الأمر الذي يبعث في نفسه إحساساً دائمياً وعميقاً بالرعب يدفعه إلى الاستسلام للأحلام والكوابيس والتداعيات الحرة الغريبة، التي تتبدى فيها صور مفزعة وغامضة للمعاناة، وتتمظهر القوى التي تستلبه في شكل كائنات وحشية تلتهم الحياة وتقتل الحب وتسحق البراءة وتشوّه الجمال من خلال طقوس شديدة الإثارة يحكمها السحر واللامنطق. لكن على الرغم من ذلك كله لا يفقد المهرّج روح المقاومة إلاّ في حالات خاصة يكون فيها خصومه في أشدّ فورانهم الوحشي، فيضطر إلى الاستجابة لرغباتهم، ويشرع في التوقيع على صوره، وتوزيعها على المعجبين، متحملاً تحول صورته إلى كائن ضئيل في نظر زوجته. وفي الأخير يعيده المخرج إلى حلبة الصراع، ويخرجه منها وهو مصرّ على الاستمرار في إبداعه، ونمط الحياة التي يريد أن يحياها؛ وهذا ما توحي به اللوحة الختامية في العرض، حيث يظهر جالساً على الأرض رفقة زوجته، وبيده كتاب يقرأ فيه، في جوّ تأملي ساكن، وكأن ما حدث له اختبار لصلابته وعزيمته ليس إلاّ. وعلى النقيض من رؤيته الكونوليالية في عرض “هاملت” اتسمت رؤيته في هذا العرض بإنسانيتها العميقة، وقد أسند دور المهرّج (المتحضر/ المبدع/ الشفاف) للممثل الأسود نفسه الذي مثّل دور هاملت “البدائي”.


الحلم الضوئي

شارك القصب في إخراج مسرحية “الحلم الضوئي” المخرج شفيق المهدي، ويمكن إدراج هذا العرض، وهو في الأصل سيناريو من بضع صفحات كتبه المخرجان، في سياق ما يسمى بالـ”Meta- theatre”، أو “المسرح الانعكاسي” الذي يعرف بأنه تشكيل مسرحي يحيل المتلقي على نسق اللعبة المسرحية، وينبّهه إلى آلياتها بدلاً من أن يخفيها خلف قناع وهمي.

ينهض هذا العرض، أساساً، على شيفرات لا شعورية تتضمن تصوّرات ذهنيّةً ونفسيّةً تفتقد إلى المنطق، وتسودها الاعتباطية التي تبيح كل شيء خارق للعادة أو الاحتمال، وتهيمن عليه العلامات البصرية (المكانية) تبعاً لمعيار الالتقاط من جانب المتلقي، والعلامات الاصطناعية، تبعاً لمعيار المنشأ العلامي. وقد توصلت إلى تحديد ثلاث مجموعات من هذه العلامات:

1- علامات انعكاسية، وتضم: المؤدّي بوصفه ممثلاً، المؤدّي بوصفه منتجاً للعرض، المؤدي بوصفه متلقيّاً.

2- علامات رمزية تتألف من: شبكة التكوينات، العلاقات بين المؤدّين، السينوغرافيا بما فيها من ملحقات وإضاءة وأزياء.

3- علامات إشارية (أمارية): وتتمثّل ببعض الحركات والإيماءات.

إن عرض “الحلم الضوئي” عرض تجريبي صوري بشكل مطلق، يستغني عن النص، حتى كنقطة انطلاق، ويقوم على لغة الجسد، ويتسم بعدم ترابط أفعاله المسرحية، وتقاطعها من خلال صيغة البناء والهدم المتكرر للفعل، والتحوّل المستمر للشخصية، وعدم استقرارها على مواقف أو حالات محددة، أو واضحة. أما الفضاء الذي يجري فيه العرض فهو فضاء مفتوح (يشكّل اقتراحاً سيميائياً يُقّدم للمتلقي لكي يملأه بمخياله)، وتتألف العناصر الملقاة فيه من مجموعة أشياء ومرئيات غير متجانسة، تنتمي إلى أنساق متعارضة، بحيث يمكن تغيير تتابعها على وفق كيفيات مختلفة، من دون أن يحدث أي خلل في العلاقات الأفقية في ما بينها. وأخيراً، وبسبب تعليق العرض للمعنى، أو إرجائه (بالمعنى الذي اجترحه دريدا)، فإنه يصعب الإمساك بأي ثيمة، أو مدلول مركزي له، فدواله، في الأغلب، حرة عائمة يمكن أن يستحضر لها المتلقّي ما لا يحصى من الصور الذهنية من خلال فعاليته القرائية الاستعارية.


ماكبث

كما بدأت تجربة القصب مع تراجيديا “هاملت” لشكسبير، فقد انتهت، حتى الآن، مع تراجيديا “ماكبث” للكاتب نفسه، في عرضه الأخير الذي قدّمه عام 1998، قبل أن ترغمه تراجيديا بلده على الرحيل، والعمل في قطر. ولأنني غادرت العراق قبل تقديم هذا العرض، فإنني لم أحظ بمشاهدته للأسف، بل وصلتني أصداؤه عبر الصحافة والأصدقاء، ولذا أستعين هنا بتحليل باحث أكاديمي له، هو فراس جميل جاسم، الذي خصّص رسالته للصورة ودلالاتها في تجارب القصب. يقول صاحب التحليل إن المخرج بدا في عرض مسرحية “ماكبث” يشتغل على مفهوم جديد في بناء الصورة المسرحية وتشكيلها؛ واعتمد على فلسفة المكان المفتوح أولاً، واستخدم مجموعةً من الفنون المجاورة في معالجته الإخراجية للنص الشكسبيري المبنيّ على تجليات الجريمة، وعمق مأساة التضخم الإنساني المتولد نتيجةً لتصارع الطموحات غير المشروعة. ويضيف أنه وجد ثيمة هذه المسرحية تشتغل على فعل القتل، الذي أصبح تاريخاً لأسكتلندا، وتتقلص أحداثه إلى صورة واحدة وتقسيم واحد، القتلة والقتلى. ومن فعل القتل ينطلق صلاح القصب في رؤيته الإخراجية، ويعوّل عليه بمعالجاته للفضاء، وحركة الشخصيات والأدوات المسرحية، وفي رسم أجوائه عبر الصورة التي هيمنت على مجمل العرض المسرحي، وأن الصورة/ الحركة، التي وضعت لتعميق المأساة، كانت معدّةً سلفاً في سيناريو مصغر، يهدف إلى نقل مأساة شكسبير إلى واقع مغاير تتمازج فيه الفنون: الرسم، النحت، السينما، والمسرح، اعتماداً على آلية القصّ واللصق، وعلى مستويات الحوار، الذي تجسد فيه صوتا ماكبث والليدي مكبث الداخليين. وثمة محور آخر فرض نفسه على العرض تمثّل في تلك العزلة التي فرضتها الشخصيات على نفسها لإخفاء نواياها ومفاجآتها. ويشير صاحب التحليل إلى أن العرض قدم في ساحة كلية الفنون والكراج المجاور لها بمستوييه (الساحة شبه الدائرية) و(الخلفية المستطيلة – الطبيعية) توكيداً لفلسفة المكان المفتوح التي يستند إليها القصب. ويمضي الباحث قائلاً إن القصب ركّز فعل القراءة الجمالي على مفردة الصورة/ الحركة من خلال دمج أكبر قدر ممكن من التقنيات والخامات والفنون الأخرى بالتعاضد مع المستوى الدلالي للفضاء المسرحي بمستوياته المتعددة (السكلة، السيارة، الأرضية، الأشجار) ومع الجسد الإنساني. كما وظف تقنية السينما؛ مستفيداً من مفردات الصورة المتحركة فيها، وأبعادها المعروفة (لقطة قريبة، لقطة بعيدة، لقطة مزدوجة، لقطة عامة). وركّز في تلخيصه لنص شكسبير على الحوار المنفرد لكل من “ماكبث” وزوجته؛ مستبطناً دوافعهما الوحشيّة التي أنتجت القتل.

لقد كانت هذه العروض التي صاغها القصب، ووقفت على بعض ملامحها، إضافةً إلى تلك التي ذكرت عناوينها فقط، مغامرةً فنيةً خلخلت الذائقة الجمالية، والثوابت المعرفية، وأعراف التلقّي المألوفة في المسرح العراقي، واستفزت الأذهان الراكدة لعشرات المسرحيين والمثقفين، وصدمت آفاق توقعاتهم بجسارتها وتطاولها على المواضعات المسرحية والقيم الدرامية التقليدية، وتقاطعها مع واقع اجتماعي محاط بالأسلاك الأيديولوجية، ومعبّأ للحرب والقتال، ولذلك كان من الطبيعي أن يُنعت، خاصةً في السنوات الأولى من تجربته، بشتى النعوت، أقلها أنه شكلاني، مارق، غامض، غير عقلاني، جامد العواطف، ومُهلوِس.


إشعاع الصورة

يجدر أن أشير في الختام إلى أنّ تجربة القصب المتفردة في مسرح الصورة، بغضّ النظر عن تباين النقاد في استقبالها، وثرائها الإبداعي ونقاط ضعفها، قد تركت أثراً كبيراً على جيل من المخرجين الموهوبين في العراق، وبعض الدول العربية، وحفّزته وحرّضته على إنتاج خطاب مسرحي بصري يقوم على بنى مشهدية، في التشكيل الحركي، والأداء الجسدي، والسينوغرافيا، بيد أن هذا الجيل، كما أرى، لا ينسخ تلك التجربة، بل يعتمد على القراءة التأويلية الخلاقة للنصوص، وإبراز المسكوت عنه فيها، ومحاولة إيجاد علاقات سيميائية/ إيحائية، بعضها جريء، وبعضها حذر جداً، بين نصوص العروض المنتجة عن تلك القراءة والواقع السياسي والاجتماعي.

الخميس، 29 مارس 2018

مسرح الطفل والمراهق في الإمارات.. الواقع والتحديات

مجلة الفنون المسرحية

مسرح الطفل والمراهق في الإمارات.. الواقع والتحديات 

 حسن علي الحمادي - البيان 

مما لاشك فيه, أن مسرح الأطفال والمراهقين من الأدوات والوسائل الفنية والدرامية الممتعة والمثيرة في مجال ترسيخ المضامين النفسية والوجدانية والانسانية والقومية في وجدان الأطفال والمراهقين وفكرهم وجوارحهم منذ مرحلة مبكرة في حياتهم. والمثل العربي الشهير، (العلم في الصغر كالنقش في الحجر) يرتبط ارتباطاً وثيقاً في مجال المسرح, وإن لم يكن تعليماً مباشراً بالأسلوب التقليدي. ومع تطور العلوم والدراسات السيكولوجية ظهرت أهمية المسرح في نمو الطفل والمراهق جسمياً وعقلياً واجتماعياً وازداد اهتمام المسؤولين والمربين بنشاط المسرح من خلال ربطه باللعب التلقائي والمخطط, كوسيط هام واساسي للنمو المتكامل للشخصية. لقد أظهرت الدراسات الحديثة أن قدوم الأطفال والمراهقين إلى المسرح واستخدامهم لحواسهم المختلفة هو مفتاح التعلم والتطور, وبدون هذا الاستخدام يعاق التعلم والنمو. واعتبر المسرح أفضل وسيط قادر على اتاحة فرص استخدام الحواس والعقل بصورة بناءة, اذ ان الاطفال المراهقين من خلاله, يكتشفون بيئتهم ويتعرفون على عناصرها ومثيراتها المتنوعة والمختلفة, ويتعرفون على ذاتهم ـ ومن هم ـ ويعرفون مركزهم ويتعلمون أدوارهم ـ وأدوار الذين يحيطون بهم من كبار وصغار. كما أنهم يكتسبون من خلال المسرح اللعب وألوانه المختلفة ـ ثقافة مجتمعهم وقيمه ـ ويكتسبون اللغة التي هي أداة التعامل مع أفراد المجتمع من: مفردات, واصطلاحات, وعبارات, وجمل بالإضافة إلى ذلك يكتسب الطفل والمراهق كل الأمور الحياتية والوطنية كل حسب عمره الزمني من مرحلة تربيته المنزلية حتى المرحلة الإعدادية. مبررات الاهتمام منذ بدأ المسرح في دولتنا حتى أيام الشارقة المسرحية والتي انتهت فعاليتها مؤخرا, لم يظهر على الساحة الفنية مسمى (مسرح الطفل الإماراتى) . وبالرغم من قيام بعض الفنانين الإماراتيين بتمثيل مجموعة من المسرحيات إلا أنها اتخذت طابع المد والجزر في مضمونها وإعادة تكرارها وتنفيذها, واعني ان معظم المسرحيات التى قدمت للأطفال والمراهقين في دولتنا, تهتم كثيراً بقضايا الاساطير والخيال والحيوانات وما شابه ذلك بصورة مثيرة وجذابة.. وتناست قضاياهم المهمة والحساسة ألا وهي التربية والتعليم والانتماء إلى الوطن والمهارات الحياتية.. بل غالباً ما يعتمد في تلك القضايا على أغنية أو أغنيتين خلال العرض أو في نهايته للتنويه بهذا المضمون أو ذاك, فتبدو كلتاهما مقحمة بشكل لامسوغ له في النسيج الدرامي للنص المسرحي المقدم. ودراستنا هذه ليست بصدد نقد تلك الأعمال المسرحية, بل نريد التأكيد على ضرورة انشاء مسرح إماراتي يهتم بشؤون الطفل والمراهق لأن كليهما يحتاج إلى مهارات اساسية في جميع نواحي الحياة. وعندما نعود إلى واقع المسرح الإماراتي, واعني مسرح الأطفال والمراهقين الذي يبدو دوره غائباً أو متعثراً, فمن الملاحظ من خلال المتابعة لبعض الأعمال المسرحية الخاصة بهاتين الفئتين والتي يمكن ان تعد على اصابع اليد الواحدة في كل موسم, ان معظمها تركز الاضواء على التناقض بين قيم الخير والشر, مثل مسرحية (سمسوم الشرير) التي تم عرضها قبل عدة شهور. فهذا النوع من المسرحيات التي تقدم للطفل ظاهرة طبيعية, لكنها تلجأ أو تقع احياناً في محظور التقرير المباشر الذي قد يصل إلى استخدام احدى شخصيات العرض لكي تكون المتحدث الرسمي بلسان المؤلف, مما يدل على عدم تمكن المؤلف من توظيف الامكانات الدرامية في تجسيد وايحاء وتلميح واسقاط واستعارات ورموز وصور تخلق الجو العام الذي يتشربه الطفل بمتعة واثارة دون ان يتلقى درساً مباشراً في الفروق بين الخير والشر. ولقد خلق الله تعالى عز وجل الإنسان وفي داخله طبيعة فطرية تدرك ما هو شر وما هو خير, ماهو حرام وماهو حلال, ومن ثم فإن الطفل اصبح اليوم يحمل همومه منذ سن التاسعة, وقبل هذه السن كان يحتاج إلى اهله, اما بعدها فالأسرة اصبحت في نظره فندقاً, والمدرسة مسرحاً, والشارع أو المجتمع وسيلة مرور, ومن ثم فإن الطفل والمراهق ليسا في حاجة حقيقية إلى التعرف على هذه الفروق بطريقة مباشرة, ولكنهم في اشد الحاجة إلى المرور بتجربة نفسية (سيكولوجية) درامية ممتعة تعيد صياغة فكرهم ووجدانهم تجاه مفهوم اسرهم ومدرستهم والشارع الذي يمرون به ومجتمعهم, وهو ما تفتقر اليه معظم المسرحيات التي تقدم للطفل والمراهق, لأن المؤلفين كثيراً ما ينحازون إلى الجانب السهل والمباشر في التعبير, ويتركون, التكوين المركب للنص المسرحي الذي من شأنه ان يصبح جزءاً عضوياً من كيان الطفل والمراهق, وخاصة إذا وضعنا في اعتبارنا ان الفن هو مصدر من مصادر المعرفة والتربية للطفل والمراهق, بوصفه اداة متميزة تملك ما لاتملكه الأدوات الاخرى من المعرفة التقليدية. ولكي يشق هذا الفن طريقه نحو مستقبل أفضل لمفهوم الاسرة والمدرسة والمجتمع, ينبغي ان يغرس الايجابيات في تينك الفئتين اللتين تعدان من اخطر شرائح المجتمع تكويناً. ويتخذ بعض المعالم التي تعد ضرورات اساسية للخروج بهذا الفن من أزمته الجماعية التي نلمسها بالمتابعة لما قدم منذ نشأته في دولتنا حتى الآن, ومن هذه المعالم ما يمكن تأكيده وابرازه وهو ما نسعى إليه في هذه الدراسة. منهجية درامية مما لا خلاف عليه, ان مسرح الطفل الناجح هو الذي لابد ان يعرف سمات كل مرحلة عمرية بجميع جوانبها الانفعالية والثقافية والاجتماعية والحركية واللغوية, والاحتياجات التى تختلف باختلاف هذه المراحل.. خاصة ان كل مرحلة عمرية تحتاج إلى (تكنيك) درامي خاص يساعد المؤلف على توصيل النص إلى الطفل بسهولة في المرحلة المبكرة أو مرحلة ما قبل المدرسة.. وكذلك المراحل العمرية المختلفة, حتى نصل إلى مرحلة ما قبل المدرسة... وكذلك المراحل العمرية المختلفة, حتى نصل إلى مرحلة الطفولة المتأخرة أو مرحلة المراهقة والنضج, وهذه المرحلة هي التي نمزجها بمسرح الطفل من ناحية وفي مضمون بحثنا من ناحية اخرى. وهي المرحلة التي تفتقد الأعمال التي تتواءم مع سماتها وخصائصها وطبيعة القرن الحادي والعشرين وتحدياته, بل تعد مرحلة ضائعة وتدور في حلقة مفرغة ما بين أعمال الكبار واعمال الصغار, وكل المشاكل التي نسمع عنها ونواجهها تنشأ من هذه الفئة العمرية, سواء كان تسرباً دراسياً أو مخدرات وغيرها, وفي المقابل حتى يومنا هذا, يتعذر علينا الحصول على مسرحية موجهة إليها بصفة خاصة, مع ان هذه المرحلة العمرية هى مرحلة حرجة بطبيعتها, ففيها تتكون الملامح والخصائص المميزة التي قد تترك بصماتها على المراهق طوال حياته بعد ذلك, فهي تكاد تكون عنق الزجاجة التي يمكن ان يخرج منه المراهق ناضجاً واعياً, او يفتقد تماماً إلى مثل هذه الضرورات التي يجب ان يتسلح بها في مستقبله. ولذا اصبح في عصرنا الحالي للخبرات الدرامية matized Eypenienc Dra أهمية ومكانة فى العملية التعليمية التربوية, يكون فيها الطفل أو التلميذ أو الطالب المشارك فاعلاً وايجابياً وبذلك يتم توظيف الخبرات المسرحية للاسهام في العملية التربوية بصفة عامة والعملية التعليمية بصفة خاصة, وهذا قد يكون ممكن الحدوث اذا ما كان للدراما مكانة في المنهج. اما بخصوص المسرح المنهجي السليم فهو يمر بخطوات منتظمة يبدأها الطفل بالرياضة الحركية للتعبير عن طاقاته, ويكملها المراهق للتعبير عن ذاته والبحث عن الحلول لمشكلاته الآنية والمستقبلية, لذا فهو مسرح الطفل والمراهق الذي نبحث عنه ونتمنى ادراجه في قائمة الأنشطة المدرسية والأنشطة الاخرى المصاحبة لمسرح وزارة الإعلام في الدولة, ولهذا المسرح مراحله المختلفة: أولاً ـ مرحلة الحضانة: لاشك ان الطفل يُفصح عن نفسه منذ الولادة بالصراخ والبكاء ليستجيب له الأهل, ويبكي اذا غادر أهله غرفته, لانه يشعر ان فراقهم هو الموت بسبب عجزه, فتوقف الاتصال يعني الموت, ففي هذه المرحلة, نود الاشارة إلى الوالدين, ان لايأخذكم, الشرود وانتم تصغون لصوت اطفالكم, بل ابدأوا بممارسة التمثيل الذي يرغبون فيه من خلال اللعب حتى قبل دخولهم رياض الأطفال, فقد يرغب الولد بتمثيل دور ابيه مقلداً له (تمثيل الدراما الاجتماعية) في كلماته. وقد تقف البنت من والدتها نفس الموقف. فمثلاً الطفل عادة يبدأ الاستمتاع بسماع القصة حين يبلغ الثانية من عمره, وبعدها بقليل تأخذ الاشياء منه اهتماماً جديداً, فهو يستعلمها لخوض تجارب العالم التى يعرفها. فالكرسي ينقلب رأساً على عقب ليصبح عربة كعربة والده, والصندوق بالنسبة للبنت يصبح فرناً, والعروسة تصير رضيعاً يرضع اللبن متخذة دور الأم, وعندما تلعب البنت مع لداتها, او عندما يمتطي الطفل عصاه متخيلاً انها حصان (كذا) فيتصرف بما تمليه عليه انفعالاته آنذاك. هذه هي الاهتمامات التي يستوعبها الطفل في هذا السن وهي تصنع مادة غنية بالقصص ومن ثم يمثلها الطفل. أما طفل المرحلة الثالثة من عمره فيكون قد بلغ مرحلة التأكد من نفسه والوثوق بها والاعتزاز والفخر بقدراته, ويصمم على عمل كل شيء لنفسه, ويستنكر تدخل الكبار لأن تدخلهم يحرمه الشعور بالاستقلال. وفي هذه السن يبدأ في الاحساس بالاعتزاز بممتلكاته, كما انه يدرك التفاصيل التي تميز الاشياء المحيطة به سواء كان شخصاً أو لعبة أو جماداً. وقدرة طفل الثالثة على الملاحظة تزداد يوماً بعد يوم وخاصة فيما يتعلق بالجماد, فمثلاً يستطيع ملاحظة تغير لون غرفته من أبيض إلى وردي وهكذا. ومن الضروري ونحن بصدد الحديث عن مسرح الطفل ان نشير إلى انه لايكفي ان تماثل صور الناس أو الاشياء حرفياً, بل يجب ان تنقل الصور لافكار وانفعال, وخير طريقة لتحقيق ذلك هي الحركة والتمثيل. اما طفل الرابعة فيكون قد وصل إلى درجة عالية من ضبط النفس ومعرفة المحيط الذي حوله, ذلك انه يستطيع الآن ان يتحدث بسهولة ويلعب في تعاون مع غيره من الأطفال. فعلى سبيل المثال أطفال الرابعة يمكنهم ان يربطوا الافكار ببعضها ويلعبوها معاً في تعاون كلعبة واحدة. ويلاحظ ذلك على وجه الخصوص في لعبهم المنزلي حيث تجتمع كل الأسرة, فطفل يمثل الأم وهي تطبخ وتنظف المنزل وترعى الرضيع, بينما طفل آخر يمثل الأب وهو ذاهب إلى العمل, وآخرون يمثلون الأطفال وهم ذاهبون إلى النادي, او المراكز الرياضية أو الدينية. وهكذا تسير اللعبة خطوة خطوة تقود الفكرة إلى فكرة اخرى وكل طفل يلعب دوره. ومن الخطأ ان يحاول كاتب مسرحي ان يجعل من الشقاوة نموذجاً للأطفال في هذه المرحلة لانها تندرج تحت عنوان الخير والشر اللذين اسلفنا ذكرهما, فالمطلوب هو مسرحة المعلومات في هذه المرحلة عن طريق التمثيل الواقعي الممزوج بالحيوان والانسان والمألوف لديهم بعيداً عن الصورة الزائفة. ثانياً ـ مرحلة رياض الأطفال: تبدأ هذه المرحلة من سن الخامسة, فيصبح الطفل شخصاً صغيراً جاداً, فلعبه الآن شغل وعمل في نظره, ويشيرون إليه بذلك فيقول: (انا لا استطيع ان آتي لأني لم انته من عملي) . اما في سن السادسة فيطول مدى الانتباه عند الأطفال, ويسعون جاهدين إلى انجاز المهارات التى يطلبها منهم الكبار. ويتوقع ممن هم في هذا السن ان يتعلموا مهارات القراءة والكتابة, وان يتقنوها بالمستوى العادي لأمثالهم. ففي هذه المرحلة هناك بعض الألعاب التي يكون للتمثيل العفوي علاقة بها كدور الارنب في أغنية, أو أحد الأدوار الاجتماعية العفوية, ذلك ان مفهوم التمثيل واللعب مترادفان في المعنى والوظيفة والغاية, اذا كانت مقرونة بالتلقائية, حيث يمكن حينذاك تسخيرها والاستفادة منها في خطط وأهداف الروضة, الى جانب اسهامها في تطوير قابلية الأطفال ونشاطهم. ويحتاج طفل هذه المرحلة في علاقته مع الكبار إلى رصيد كبير من الأمن والاطمئنان والدفء العاطفي حتى لايحس بفقدان التوازن وهو ينشد الاستقلال عن الكبار. ثالثاً ـ المرحلة الابتدائية: يزداد مدى الانتباه والقدرة على التركيز في هذه المرحلة, ويتحقق الاستقلال في مهارة القراءة, ويقرأ الطفل في استغراق كامل, ويكتشف ان القراءة ممتعة كنشاط يزاوله. ومن ثم يقبل عليها كهواية, ويرغب في ان يترك في فترة هدوء مع القراءة لايقطعها عليه احد. اما التمثيل فيمكن ان يكون دوره فعالاً في امتاع الطفل وتقريب المعلومة إلى ذهنه, ويجعله قادراً على فهم الحياة والناس فهماً أفضل. والهدف الرئيسي للتربية المسرحية في المدارس الابتدائية الدنيا والعليا, هو تحقيق نشاط تربوي حقيقي. والنشاط في مجال التربية هو التعليم عن طريق العمل الايجابي والخبرة المباشرة, وعلى هذا فإن مدى نجاح النشاط المدرسي فى المدارس الابتدائية يتوقف على مدى ما حققه من فائدة في اطار هذا المفهوم التربوي الشامل. رابعاً ـ المرحلة الإعدادية: هذه هي مرحلة النمو السريع والبلوغ, وفيها يتنوع معدل النمو الجسماني, والفتيات يسبقن البنين في هذا التطور, اما من ناحية الاهتمامات القرائية فيستمر الخلاف بين ما يفضله البنون وما يفضله البنات. وفي هذه المرحلة يزداد احساس الجنسين بذاتهم ويمعنون في طلب اثباتها, ويهتم كلاهما بعواطفه الخاصة به وبغيره, ويبحثان عن القيم, وينفتحان على العالم فيهتمون بمشكلاته. فمن هذا المنطلق يجب استخدام الخبرة الدرامية للتدريس وغرس القيم (مسرحة المناهج) لخطورة هذه المرحلة, فيجب على المعلمين تنفيذ المنهج الدراسي وخاصة في مادة العلوم (للجنسين) وتهيئتهم لمواجهة مشكلاتهم, فمن الطبيعي ان يكون للأساليب التي يتبعها المعلمون في توصيل خبرات المنهج لتلاميذهم اثرها في تحقيق الأهداف المرجوة, فتكون هي أول الطريق للنجاح والقضاء على سلبيات هذه المرحلة التى يترك اثرها على الأسرة والمجتمع. فلابد من التركيز على التلميذ كمحور اساسي للموقف التعليمي الذي لابد ان تلبي احتياجاته, وان يكون ما يتعلمه ذا قيمة بالنسبة له. ومن الأنشطة التعليمية التي يمكن الاستفادة منها في التدريس منها, الدراما (الخبرة الدرامية) والخبرة المسرحية. فالمسر ح يحرك مشاعر التلاميذ واذهانهم في هذه المرحلة وتأثيره واضح كل الوضوح, فهم يبدون ردود فعل شديدة حيال الأعمال الدرامية. فمثلاً من عوامل الايهام المسرحي في هذه المرحلة تعاون التلميذ مع معلميه ومن ثم يتم بناء الموقف الاندماجي فيما بينهما, والذي من خلاله يستطيع المعلم القضاء على العديد من السلبيات التي تواجه التلميذ سواء مشكلات دراسية أو مشكلات اجتماعية وغيرها. فقد تكون مرحلة التعاطف الدرامي كمخرج ناجح للقضاء على هذه النوعية من المشكلات إلى ان تصل بالتلميذ إلى قمة الانفعال والتأثر فيما شاهده, اذا احسن تمثيل هذه المشكلات وتم الربط المقنع في معلومات تلك المشكلات, وروعيت الخصائص التربوية والسيكولوجية والفنية المختلفة. تساؤلات وحلول يلاحظ في كل ما تقدم, ان الايهام المسرحي وخيالات الأطفال في مراحلهم الدراسية المختلفة التي اسلفنا ذكرها تندرج تحت مسمى (خيالات الأطفال والمراهقين) التي تنبثق جذورها من اندماجهم وتعاطفهم وانفعالاتهم والتي تجعل للمسرح تأثيراً كبيراً في غرس القيم الجديدة وخاصة تلك القيم التي نشأ عليها آباؤهم واجدادهم من جميع النواحي سواء كانت تعليمية أو اجتماعية أو اقتصادية.. ألخ, اذ انه يضع أمام الأطفال الوقائع والاشخاص والافكار بشكل مجسد وملموس ومرئي ومسموع. ويعتبر مسرح الأطفال والمراهقين من الوسائط المهمة والفاعلة في تنمية الأطفال والمراهقين عقليا وعاطفيا وجماليا ولغويا وثقافيا. فهو ينقل للأطفال والمراهقين بلغة محببة إلى نفوسهم الافكار والقيم, كما يضعهم وجها لوجه امام تجارب جديدة ويحفزهم إلى التطلع نحو تجارب اخرى. أى أن الخبرة الدرامية الممسرحة بما تحويه من مواقف وحوار يمكن ان تسهم في اثراء القيم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها في نفوس الأطفال والمراهقين اذا كان المسرح الحكومي يتطلع اليها. بينما هناك اثراء آخر للدراما الممسرحة وهي تخص المسرح المدرسي وما يقدمه في اثراء المادة العلمية المقدمة داخل الفصل وتقديم العديد من المثيرات التي تحقق الرغبة في المعرفة, كما يمكن ان تثري صور النشاط خارج الفصل اقبال التلاميذ على المادة العلمية وينمي قدرتهم على التفكير السليم ويكسبهم الاتجاهات العلمية السليمة. وهذه المعلومات تقودنا إلى التساؤل: هل المدخل الدرامي مناسب للتربية المسرحية من خلال مسرحة المناهج؟ أم أن بعض المسارح الأخرى يمكن ان تكون أكثر فاعلية من مسرح المدرسة؟ هل هناك احتمال لأن يستفيد التلاميذ من قيامهم بأدوار تمثيلية بأنفسهم داخل مسرح المدرسة؟ أم الأدوار التي يقومون بها لفهم مغزاها في مسرح المدرسة؟ أم يعتبرونها عملا شكليا لامعنى له إلا ضياع الوقت والجهد والعزوف عنه بعد تمثيل الدور؟ هل تحقق الأهداف التعليمية دورها في المسرح المدرسي وتعمل على زيادة التعلم أم لاداعي لها؟ هل تتم الفائدة من استخدام مسرحية جاهزة من مسرح حكومي أو مسرح غير حكومي أو مسرح من دولة أخرى أم يتم اعداد مسرحية من داخل الدولة مع مشاركة ممثلين من خارج نطاق المدرسة؟ بداية لابد من التركيز على ان مسرح الطفل والمراهق الإماراتي سواء في داخل المدرسة أو خارج المدرسة (المسرح الحكومي) هو في حقيقته منهج للعب التخيلي الذي يشبع حاجات الأطفال والمراهقين الابتكارية الخلاقة, لان النص المسرحي المعروض لايعتمد على الارسال فقط, بل يمكن ان يتفاعل من خلال الاستقبال الوارد من الأطفال والمراهقين المشاهدين, وهذا التفاعل الحي بين المنصة والقاعدة من شأنه ان يشعر الطفل والمراهق انهم ذاهبون إلى ممارسة مثيرة هما عضوان ايجابيان فيها. فهم يرون الإنسان بنفسه يقف امامهم يؤدي الحركة والاثارة والابتسامة والضحكة, ويستخدم جميع حواسه وعضلاته, فيخلق من خلالها ومن خلال الحوار مع الآخرين حياة جديدة على المسرح. فإذاً الطفل والمراهق ليسا بمجرد مشاهدين سلبيين يتلقيان التعليمات والحكم والأمثال وغير ذلك من الوسائل التي تحيط الطفل والمراهق بقيود الاوامر والاحباطات التي يجب ان يتخلصا منها بمجرد دخولهما المسرح, سواء كان مسرحاً مدرسياً أو حكومياً, الذي يفترض انه المكان الذي ينطلقان فيه بخيالهما واحاسيسهما نحو كل ما يحبان ويرغبان التنفيس عنه. ولذلك فمن المهم تلمس ميل الأطفال والمراهقين للتمثيل من حبهم لمشاهدة برامج التلفاز الذي يقضون ساعات طويلة أمام شاشته ولاسيما أطفال المرحلة الابتدائية الدنيا والعليا والاعدادية, فلابد من معرفة اسقاطات الأطفال والمراهقين الرمزية على الاشياء المادية والطبيعية حتى يستفيد منها المهتمون بالكتابة لتلك الفئتين, اذ ان الدلالات الرمزية للموجودات عند الأطفال والمراهقين في المرحلة الابتدائية الدنيا والعليا والإعدادية لابد ان تختلف فيما بينهما. واذا كان الكاتب بالضرورة يستطيع ان يعبر ويظهر الفوارق الايجابية أو السلبية في المرحلة الإعدادية وآثارها الاجتماعية والتربوية وغيرها, فلابد ان يتمكن من معرفة هذه الدلالات الرمزية عند الأطفال بمختلف مراحلها, حتى يستطيع ان يستخدم لغتهم الارشادية, وبذلك ينجح في مزج العالم الفكري والفني الذي يأنسونه بحكم انتمائهم اليه. وهذا جزء من اللعب التخيلي الذي يساعد الطفل والمراهق على القيام بعدة عمليات معرفية, فمثلاً يستطيع الطفل التعرف على أدواته المدرسية والمنزلية وغيرها من أمور الحياة ولغوية تظهر في ادراكه للغته العربية التي يستطيع ان يعبر بها في جميع المحافل. اما بالنسبة للمراهق فقد تتمثل بمعرفته القيام بدوره في المنزل والمدرسة والمجتمع وذلك من خلال اندماجه الاجتماعي والتصدي للمشكلات التي تؤرق حياته في هذه المرحلة, سواء من ناحية نفسية أو فسيولوجية, وتغلبه عليها ينعكس بشكل مباشر على دروسه العلمية وصحته الجسمية. وجميع هذه العوامل يمكن الاستفادة منها في استكشاف قدرات المراهق الابداعية وموهبته الابتكارية. غرس القيم لاشك ان تجربة العرض المسرحي المدرسي وغير المدرسي (الحكومي) عند الأطفال والمراهقين, هي فى حقيقتها تجربة تساعدهم على ان يتحرروا من العديد من القيود التي تكبل حياتهم وتشدهم إلى الخلف, مثل الاحساس بالذنب والقهر والخوف, ولن يستطيعوا الخروج من هذه المآزق إلا إذا كان هناك ترسيخ لاحساسهم بالانتماء إلى دولتهم واحترام ذاتيتهم من خلال مسرحة فكرهم وتعميق وعيهم باحساسهم انهم يعيشون في داخل مجتمع يدركون ملامحه بالتدرج من خلال مشاهدتهم لمسرحية بعد اخرى, سواء كان داخل المدرسة والمتمثل في مسرحة المناهج او خارج المدرسة, وأعني المسرح الحكومي الذي يكمل ما يقوم به المسرح المدرسي بعرض المناهج بطريق مماثلة مشوقة ممزوجة بالانتماء الوطني والتعلم الذاتي. والعرض المسرحي يجب ألا ينتهي بمجرد اسدال ستار الختام. فالهدف ليس اثارة الأطفال والمراهقين بما يمثل امامهم وبما يلقى على اسماعهم من التعبير الجاد والساخر أثناء العرض المسرحي, وانما رفع وعيهم المبكر في استيعاب القيم بأنواعها وجماليات الشكل الفني, وفي هذا المجال يمكن ان نتحدث عن نوعية القيم التي لابد ان يغرسها المسرح المدرسي والحكومي في الأطفال والمراهقين ومنها: القيم النظرية: وهذه القيم هي تعبير عن اهتمام الأطفال والمراهقين وميولهم لاكتشاف الحقائق والمعارف من اجل تحقيق توازن بين الاشياء على أساس ماهيتها, ويتميز سلوك الفئتين في هذه القيم بالاتجاه الفكري العقلي والتجريبي والنقدي. القيم الاقتصادية: يتميز الأطفال والمراهقون بهذه القيم من ناحية الاهتمام النفعي فيحرصون على جمع الألعاب المركبة بالنسبة للطفل واعتبارها ملكاً خاصاً بهم, أما بالنسبة للمراهقين فيحرصون على جمع النقود وزيادتها ويتميزون بنظرة عملية للأشياء والأشخاص. القيم الجمالية: يهتم الأطفال والمراهقون بالناحية الجمالية فيما يحيط بهم, فهم ينظرون إلى ما حولهم نظرة التنسيق والتأليف الشكلي ولايقتصر هذا الجانب على الفنانين الذين يتعاملون معهم, بل يمتد إلى كل المعلمين والمتذوقين للفن والمهتمين به. القيم الدينية: يتمسك الأطفال والمراهقون بالمبادىء الدينية التي يتم غرسها بواسطة اولياء الأمور او المدرسة ويسعون إلى كسب رضى الله, ويحرصون على ان يكون سلوكهم دائماً قدوة طيبة. القيم الاجتماعية: يهتم الأطفال والمراهقون بأقرانهم ويحبونهم ويميلون إلى مجالستهم ومساعدتهم, فهم ليسوا انانيين أو انفعاليين بل يتسم سلوكهم بالمرونة. ونخلص من ذلك إلى ان تصنيف القيم لايدل على استطاعتنا الاحاطة بجميع اصنافها وانواعها, فهذا من اصعب الأمور, إلا اننا من واجبنا ان نركز على بدايات الطفل المسرحية من جميع جوانبها, والاصرار على تهيئة المراهقين, فهم يحتاجون إلى وقفة جادة من جانب وزارة التربية ووزارة الإعلام للنهوض بهذه الشريحة من خلال المسرح المدرسي والمسرح الحكومي, والبحث عن كل جديد من الأفكار والاشارات, والتعليقات وخاصة اثناء العرض المسرحي, لوقف النزيف الحالي من المشكلات الآنية والمستقبلية, سواء في داخل المدرسة مثل التدخين والتسرب الدراسي والمشاجرة, أو في المجتمع حيث العديد من المشكلات مثل التسكع في الشوارع والتباهي بمظاهر الحياة واثرها على الأسرة والمجتمع.. ألخ. إن ادراج مثل هذه المشكلات في المسرح المدرسي والحكومي يقلل من الهدر التربوي والاجتماعي, اذ لايستطيع ان ينجح المسرح المدرسي والحكومي لحل هذه المشكلات إلا إذا كانت هناك وقفة جادة من الجانبين, وأعني ان على كل من المسرحين مناقشة كل مسرحية تتحدث عن الأطفال أو المراهقين بعد عرضها من قبل خبراء تربويين ونقاد فنيين يستطيعون بأسلوب سلس ان يجعلوا الصغير والطفل الكبير والمراهق على اتصال حميم بالعرض المسرحي الذي قد يضيف إلى مداركه معارف اخرى يسجلها منذ نعومة اظفاره ومعايير وقيماً اجتماعية وثقافية تنمي مداركه المعرفية وخاصة المراهقين. فالتجربة المسرحية للصغار والكبار (المراهقين) في حقيقتها هي أسلوب قادر على ان يخلق من المتفرجين نواة للمستقبل, فهناك العديد من المواقع الاستكشافية للطفل والمراهق تعتبر مؤشراً لتجسيدها درامياً, فعلى سبيل المثال, البرامج التلفزيونية لقناة دبي الفضائية واهتماماتها بنشاطات الطفل الصغير والكبير مثل التحليق في الفضاء, واكتشاف الذات بواسطة المسابقات المتنوعة, كذلك مركز الاستكشاف في امارة الشارقة الذي يعتبر تجسيداً لصورة الغد المجهول الذي يتشوق إليه الطفل في عالمه السحري, وتزويده بطاقة مستمدة من الوعي والثقة بالنفس دون غرور, فالمطلوب من أي مسرح مدرسي أو حكومي أن يترجم هذه الابتكارات ويشبع حب الاستطلاع والاستكشاف, وغير ذلك من الخصائص التي تميز الأطفال و المراهقين جميعاً, والتي يجب ان تنمو دون ان يفرضها الكبار عليهم, سواء في اللعب أو القراءة أو التعليم أو التثقيف. اذ يجب أن يكون توصية الكبار (أولياء الأمور) والمعلمين بأسلوب دقيق وغير مباشر, ولكنه فعال خاصة عندما يكون زاخراً بالحب والحنان. الإقناع لا التعسف ان اسلوب الحوار في العرض المسرحي المدرسي والحكومي عندما يكون ناضجاً يمكن ان يشكل حوارا يتبع في الحياة اليومية. ونحن في دولة الإمارات نعاني من فجوة عميقة فيما يتعلق بأسلوب التربية القائم على انعدام الحوار بين الكبار والصغار, وهو ما نلمسه في وقتنا الحالي بالمدارس والمنازل والشارع نتيجة ضعف التنشئة الثقافية الاسرية التي أساسها الحوار الذي يمكن ان يؤدي إلى ايجاد افكار وآراء جديدة دون عسف من طرف لآخر, وبذلك يصبح الحوار المسرحي المدرسي والحكومي وما يحملانه من قيم ومعرفة, أكثر الأنشطة ايجابية في تعميق وعي الطفل وتكوين شخصيته, فمثلا, قيام تلاميذ رياض الأطفال في الآونة الأخيرة بتمثيل مجموعة من الفعاليات التي تعبر عن أسبوع المرور الإماراتي ـ الخليجي يحبب لهم الحياة المدرسية من جهة والنظام المروري في الحياة الاجتماعية على المدى البعيد من جهة أخرى, ويشعرهم بأداء ما عليهم من واجبات, كما يهيىء لهم فرص الإلمام بقوانين السير والمرور وحوادثه المتعددة. أما بالنسبة للمراهقين, فمثلاً (البنت) وتمثيلها لبعض المسرحيات التي تعبر عن دور الأم وارتباطاتها المتنوعة ومواقفها المختلفة من مجموعة التاريخ الحقيقى للأمهات على مدى السنين الماضية, اذ من خلال هذا الموروث الشعبي تكتشف البنت عادات وتقاليد الامهات على مدى السنين الماضية, ولتحقيق غرس مثل هذه القيم والمعلومات وغيرها لابد للحوار الدرامي في المسرح المدرسي والحكومي ان يتبنى مثل هذه الافكار والمعلومات حتى لايدور هدف الانتماء الاسري والتعليمي في دوائر مفرغة من التكرار وكثرة المرادفات أو التأكيدات المملة, فلابد من توازن المعلومة المسرحية المقدمة من الكاتب سواء من داخل المدرسة أو من خارج المدرسة, فيجب ان تكون الأساليب المتبعة من جانب الكتاب ايجابية تنمي وتطور الايقاع المسرحي ولاتوقف احداثه, مما يؤدي في نهاية الأمر إلى طمأنة الطفل وعقلنة المراهق بأنه لا يتلقى دروساً مملة في بعض فقرات المسرحية. كما يجب غرس الاثارة الجمالية والفنية والابتعاد عن ضعفها بسبب هذه الدوائر المهمة والتى ينبغي ان تكون غير مفزعة في الحوار, فعلى المؤلف محاولة البحث عن الدراسات الاجتماعية والثقافية والتربوية التي ترصد القاموس اللغوي بألفاظه وتراكيبه وعباراته التى تتفق مع كل مرحلة عمرية, لتوصل الاحساس بأحسن صورة يتخيلها, فالحوار المسرحي هو شريان المسرحية, لأنه يعبر عن شخصياتها نفسياً واجتماعياً, ونجاحه يرتبط إلى حد كبير بمدى موافقته لمستويات الأطفال والمراهقين كل في قدراته اللغوية والسلوكية. الاسطورة والواقع مما لاشك فيه ان مسرح الطفل يلجأ في كثير الاحيان إلى الاسطورة والخيال, تلك القصص التي تشرح خواص بعض الحيوانات أو طباعها, او عادات الناس وتقاليدهم. وهذا النوع من القصص يندرج تحت مسمى (القصص الشعبية) التي تتصل اتصالاً وثيقاً بالأسطورة. إلا ان ذلك لايعني هروب مسرح الطفل والمراهق من الواقع, بل ينبغي علي المسرح المدرسي والحكومي الخاص بالطفل والمراهق مواجهة الواقع في كل صوره الجوهرية, لأنه يوجه الفئتين إلى سلبيات هذا الواقع من خلال تجربة درامية ممتعة وليس بالوعظ والارشاد. فمثلاً اعادة تمثيل مسرحية (توب توب يابحر) للأطفال والمراهقين, يكتسبون من خلالها الاشارات الواضحة لقيمة العمل والبناء والصبر والتحمل, فهذه المسرحية تعبر في مجملها عن معاناة الآباء والاجداد وماضيهم المجيد في مواجهة البحر واهواله. وتكرار مثل هذه الانماط من المسرحيات يعمل على ايقاظ الاحساس عند الأطفال والمراهقين ويكرس التقنيات الجمالية للمسرح الاسطوري أو الخيالي وتأثيرها الفعال الايجابي في طاقات الطفل والمراهق الابداعية, بل ان مشاركتهما في ابداع هذه الجماليات وابتكارها من خلال الاحداث, من شأنه ان يجعل الطفل والمراهق اعمق فهماً للواقع, واكثر قدرة على صياغته لصالحها, فالمسرح يساعد الطفل والمراهق في التعرف على ماضي الآباء والاجداد, كما يساعد على الانتماء إلى الجماعة والتعاون معهما من خلال اكتسابهما مهارات الآباء والاجداد ويتم تطبيقها من خلال علاقاتهما مع الشخصيات التي يتعاملون معها, ومن ثم يمكنهما التعامل مع اقرانهم بمواجهة الواقع لا ان يهربا منه, كما قد يتصور البعض تخوفاً من الجو الاسطوري. ولكن من يستلهم نصوصه المسرحية من التراث او الاسطورة الخيالية ينبغي له الحيطة والحذر في تناول السلوكيات الشخصية التي لاتنتمي إلى عاداتنا وتقاليدنا من جهة والتي قد تشوب العمل المسرحي سواء كان مدرسياً أو حكومياً من جهة أخرى. فمثلاً الأسرة لاترغب في تعليم اطفالها وكبارها بعض الانماط السلوكية التي لاتمت بصلة إلى موروثها الشعبي بالرغم من تقديمه بأسلوب ساحر وخلاب وكذلك بالنسبة للمدرسة فهناك العديد من المدارس ترفض بعض الانماط التربوية الخاطئة المتمثلة بالأهداف التربوية المتسلطة. ولذا وجب على من يتعامل مع التراث أو الأسطورة تقديمه برؤى تحمل مناقشة أو محاكمة هذه القيم أو المعايير المرفوضة من خلال مفهوم الكاتب أو من خلال المعلم الكاتب أو من خلال مناقشة الطفل والمراهق لها بعد العرض. التسلية النموذجية لاشك ان اشد أيام التوتر التي يعيشها الأطفال والمراهقين هي هذا العصر, وهم أكثر حاجة مما مضى إلى المرح والتسلية والترفيه, ولايتحقق ذلك إلا إذا كان هناك مسرح كرس أهدافه ولوائحه للتسلية الجادة لمواجهة الواقع وتفسيره, ومن ثم فهو لعب جاد من الطراز الأول والذي يمكن ان ندرجه تحت مسمى (القصة الفكاهية) والتي من خلالها يدخل كل أنواع الحكايات الهزلية والمضحكة للأطفال والمراهقين. والقصة الفكاهية ذات فائدة كبرى للطفل وتستحق التكرار والاعادة التي يطلبها الصغار, وتكمن قيمتها في تمرين عضلات الصوت والاسترخاء, فقد تتقمص هذه التسلية ثوب التمثيل أو المواقف العفوية مما يفجر طاقات الابداع والابتكار عند الطفل. أما المراهقون فقد يحتاجون إلى مكان خاص للقصة الفكاهية الممزوجة بالتسلية, وأعتقد ان اكثر مكان ملائم لهذه الفئة هو فصل الدراسة فمن المفيد للتلاميذ في هذه المرحلة ان يضحكوا اذا لم يكن ضحكهم تهكماً وسخرية من الآخرين أو خروجاً عن اللباقة والأدب والذوق. أما مسرح الطفل والمراهق الحكومي, فلابد ان تكون أهدافه مكملة للمسرح المدرسي, وغرفة الفصل وخشبة المسرح هما المكانان اللذان يغرسان القيم والاتجاهات للفئتين من ناحية التحرر العقلي والخيال الناضج والتوافق النفسي والاجتماعي الذي يستمتع به الطفل والمراهق على حد سواء في مشاهد العرض المسرحي المتقن الذي من خلاله يمكن ان تنضج شخصية تلك الفئتين دون قسر أو اكراه, لأن متعته بالتسلية تفوق اي اعتبار. كذلك فإن المسرح الحكومي والمدرسي يشبع خيال الطفل والمراهق الذي يجدانه متجسداً امامهما على المنصة, ويخفف أيضاً من قلقهما وتوترهما, ويمنحهما فرصة للتنفيس عن مكبوتاتهما ورغباتهما, وبذلك يصبحان قادرين على مواجهة الحياة بمشكلاتها المضادة. القيادة الناجحة ان الأطفال والمراهقين يهتمون كثيرا بما يمثل أمامهم وبما يلقى على اسماعهم مع انماط التعبير الجاد أو الساخر. فالحرص على اشراك هاتين الفئتين في استنتاج العمل المسرحي من جميع جوانبه (إخراجا ـ وانتاجا ـ وتمثيلا) يساعدهم في ذلك, ويوجههم في داخل المدرسة معلموهم وفي خارج المدرسة الفنانون المسرحيون الكبار. فالطفل والمراهق حينما تتوافر لهما تلك المتطلبات, يزيد احساسهما بأهمية دور الفرد في المجتمع, ذلك ان العناصر الثلاثة نوع من التقمص والتعبير عن النفس بالصورة التي يعشقها الطفل والمراهق بطريقة ايجابية ممتعة, ففي هذا المجال يشعر الأطفال والمراهقون بتنظم احاسيسهم ومكونات شخصيتهم وهم يمثلون ويعبرون عن مخاوفهم واحلامهم وتطلعاتهم لخبرات لم يكتسبوها من قبل. فمثلا يفاجأ بعض المعلمين في احيان كثيرة ان تلاميذه يحفظون تمثيلية ما ويستطيعون تمثيلها, وقد وزعوا أدوارهم, واكتشفوا بأنفسهم شخصيات أصدقائهم, التي تناسب شخصيات المسرحية! وهذا المنهج من جانب التلاميذ يتجاوز أسلوب الثواب والعقاب في التوجيه والارشاد, وهو أسلوب ثبت عقمه خاصة في العصر الحديث. فإذا كان المسرح يعلم الأطفال والمراهقين اسرار القيادة الناتجة عن اداء الأدوار والاخراج والتمثيل, فليس أقل من ان يملك المؤلفون القدرة على مثل هذه القيادة والتوجيه الفنى غير المباشر. الفروق بين المجتمعات والأجيال: إذا سألت طفلا في أية روضة أو مدرسة في دولتنا التساؤلات التالية: ماذا تشكل لك الروضة أو المدرسة؟ وماذا يشكل المنزل؟ فلعل الاجابة لاتتعدى أن تكون: إنني أذهب إلى الروضة أو المدرسة لأتعلم فيهما! ! أما المنزل فهو يشكل لي مكاناً للراحة والاستقرار واللعب. ومن المفروض ان يدرك كتاب المسرح المدرسي والحكومي ان مسرح الطفل والمراهق هو تجربة نفسية (سيكولوجية) كالأجابة التي نتوقعها من الأطفال والمراهقين. وهناك حقيقة لابد ان نذكرها وهي ان مسرح الأطفال والمراهقين اعمق تأثيرا فيهم من اثر مسرح الكبار في مشاهديه بصفة عامة.. وبذلك فإن أى اثر سلبي لايدركه الكاتب اثناء تأليف المسرحية لهاتين الفئتين العمريتين قد يحدث آثارا في نفسية الأطفال والمراهقين لايتخيلها المؤلف من هنا كانت الصعوبة الكامنة في الكتابة لمسرح الطفل والمراهق, لأنه يفترض في المدرسة حينما يقوم المعلمون بتدريب التلاميذ على تمثيلية معينة, ان يمتلك المعلمون المهارة اللغوية التى يفهمها الطفل والمراهق, فليس كل ما يقدم على مسرح الطفل الصغير يصلح للطفل الكبير (المراهق). وهذا يؤدي بنا إلى قضية المترجمات في المسرح الحكومي, اذ لابد من اختيار النصوص التى تلائم طبيعة أطفالنا الصغار ومراهقينا الكبار سواء على مستوى المضمون التربوي أو الشكل الفني, فليس كل ما يقدم على مسرح الأطفال والمراهقين في الخارج يصلح لمسرح أطفالنا ومراهقينا. وبصفة عامة فإن دولتنا تزخر بتاريخ طويل وموروث شعبي غزير لابد من استغلاله فكريا وفنيا, فالطفل والمراهق ليسا على استعداد للاقتناع بأي شيء يقدم لهما وهو وما يتصوره كثيرون, خاصة أطفال ومراهقي القرن الحادي والعشرين الذين يتعاملون مع الحاسب (الكمبيوتر والانترنت) والأجهزة التقنية (التكنولوجية) المعقدة, ولن يتقبلوا أي نص مسرحي يشعرون فيه بالاستهانة بعقولهم وتكنولوجيتهم, فإذا كانت القيم الإنسانية الراقية كالعدل والصدق والشجاعة والأمانة.. ألخ, لاتتغير بتغير الزمن, فإن طريقة تخزينها تكنولوجياً سهلة ويستطيع الطفل والمراهق اكتسابها. اما تجسيدها دراميا في النص المسرحي سواء في المسرح المدرسي أو الحكومي فإنها تختلف من عصر لآخر, فما كان يتقبله الطفل والمراهق في الستينيات قد يرفضه طفل ومراهق عام 2000م, واعني على سبيل المثال, إذا أردنا تجسيد لعبة شعبية قديمة (الدراما الاجتماعية) فلابد من مزجها مع التقنية الحديثة, وهنا تساعدنا الدراسات النفسية (السيكولوجية الجديدة) في محاولات الوصول إلى عقل الطفل والمراهق وقلبيهما. ويتحتم على وزارة التربية والتعليم والشباب في دولتنا والمتمثلة في قطاع الأنشطة ان تختار عددا من الكتاب المتميزين في مجال مسرح الطفل المدرسي, وأن تكون خطتهم اليومية والفصلية والسنوية تجسد القيم المرغوب فيها بالميدان التربوي والتي تثير احساس الدفء والاشباع العاطفي لدى الأطفال والمراهقين, ولكن بأسلوب ناضج يصل إلى مسرحة المناهج الدراسية والدراما الاجتماعية والفن المسرحي عن طريق الاشباع العقلي وتنمية الفكر وتوسيع المعرفة وتعميقها, ذلك ان الاشباع العقلي الذي هو بمثابة التوازن النفسي لا يغني عن الاشباع العقلي, فكلاهما دعامة ينهض عليها البناء الناضج لشخصية الطفل والمراهق. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن للمدارس ان تثير اهتمام التلاميذ بالمسرح المدرسي؟ الإجابة: هي ان الأساس الذي يمكن ان تبني عليه المدارس خطتها حتى يدخل المسرح في مجال اهتمام التلاميذ هو ان تجعل المدرسة المسرح جزءا من البرنامج المدرسي وتقديره فيخصص المدرسون له وقتا وفسحة (ركنا) من الصف أو في الهواء الطلق أو في الإذاعة المدرسية أو مسرح المدرسة أو في أي مكان يراه التلاميذ مناسبا للقيام بالتمثيل, بل على المدرسين غرس هذا الفن لما يحويه من جمال في المعنى, والأسلوب, والصور, والخيال والمدرسون على الطريقة الحديثة يقدمون التشجيع والجوائز لأفضل مخرج ومنتج وممثل, بل يقومون بتسجيل المسرحيات على أشرطة فيديو وما شابهه حتى يستمع إليها التلاميذ كلما ارادوا, ولم تعد الجوائز تقدم على الانتاج والتمثيل والاخراج لمجرد حالة وقتية. وأهم من ذلك كله ان يحمل المدرس للمسرح محبة وتقديرا في نفسه فيفيض من هذه المحبة على تلاميذه (وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه!) . ويمكن لمسرح الطفل والمراهق الحكومي ان يقدما مناهج مكملة للمسرح المدرسي, سواء كانت مناهج فكرية وفنية لاعادة النظر في أسلوب التعليم القائم في دولتنا والذي يولد أجيالا ونسخاً متماثلة أو مكررة (كربونية) لاتعي أبعاد واقعها, بالاضافة إلى أسلوب التربية الواقع تحت القهر السلطوي من الكبار في البيت أو المدرسة, وهو ما يؤدي إلى تعطيل ملكات الأطفال والمراهقين ووعيهم, ويعوق قدراتهم على التفكير المبدع الابتكاري الخاص بهم. توصيات ومقترحات أولا: الرقابة الذاتية من المعلمين والكتاب لأنهم آباء قبل كل شيء ومسؤولون ذاتيا. ثانيا: الرقابة المسرحية من الإدارات المدرسية وقسم الأنشطة في وزارة التربية, بالاضافة إلى الرقابة المسرحية من وزارة الإعلام ودورها في توجيه القيم والاتجاهات لخدمة القضية التربوية والاجتماعية مع ملاحظة النقاط التالية: 1 ـ ضرورة وجود مسرح لكل مدرسة على مستوى الدولة (مدن ـ مناطق نائية). 2 ـ ضرورة وجود مسرح للأطفال والمراهقين تتبناه الدولة, كما هو الحال في مصر. 3 ـ ان تقف وزارة التربية ووزارة الإعلام من المحاولات الجادة موقف المتعاون مع توفير الامكانات لكي تقلل من الاخطاء الفنية. 4 ـ يجب ان نفرق بين مسرح الطفل المؤقت ومسرح الطفل الدائم, وذلك حين نقوم بتقييم العروض المسرحية الخاصة بالطفل. 5 ـ العمل على مشاركة بعض الأطفال والمراهقين النابهين لمشاهدة العرض المسرحي الخاص بالأطفال والمراهقين, واعطائهم مساحة أكبر في ابداء الرأي, وتكريم الأطفال والتعقيب على كل عرض مسرحي حتى يستأنس برأيهم. 6 ـ تشجيع المعلمين على الحضور إلى دور العرض المسرحي للأطفال والمراهقين, حتى يتشجع الطفل والمراهق على متابعة معلميه من جهة وغرس الحب للمعلمين في التواصل مع المسرح المدرسي والحكومي. 7 ـ ترك الحرية للطفل ليقول رأيه دون تدخل منا, وليعبر بلغته عن فكره ورأيه في المسرحية المعروضة. 8 ـ ان نراعي في مراقبتنا لدور مسرح الطفل والمراهق غياب النجومية عند بعض الأطفال عامة والمراهقين خاصة, حتى لاتطغى النجومية عندهم, وبالأخص المراهقين الذين يرون اظهار أنفسهم بطريقة أو بأخرى, وألا يؤثر العمل المسرحي سواء المدرسي أو الحكومي على تحصيلهم العلمي. 9 ـ المطالبة بالتلوين في أداء الأدوار, فتارة تكون تمثيليات تخص مسرحة المناهج والإدارة المدرسية, وتارة أخرى تشمل الدرامام الاجتماعية والموروث الشعبي. 10 ـ مشاركة أكبر مجموعة من الأطفال والمراهقين في العروض المسرحية حتى يشمل هذا النشاط مشاركة غير المتفوقين. وفي الختام, يجب ان تكون تجارب المسرحية الخاصة بالأطفال والمراهقين أكثر تأهيلاً وعمقا. ونتمنى على علماء النفس والمؤسسات التربوية المساهمة في تنمية الخيال والاحساس الجمالي لفن المسرح الإماراتي الخاص بالأطفال والمراهقين, وكذلك تعميق القيم الاجتماعية والدينية والقومية والمثل الإنسانية العليا الضرورية لطفل اليوم أو شباب الغد. كاتب وباحث من الإمارات .

الاثنين، 26 مارس 2018

اليوم العالمي للمسرح والمتغيرات الجديدة الغنية بالشفرات والأيحاءات والدلالات الصورية والحركية

مجلة الفنون المسرحية


اليوم العالمي للمسرح والمتغيرات الجديدة الغنية بالشفرات والأيحاءات والدلالات الصورية والحركية

محسن النصار 

ندخل في  يوم 27 إذار 2018 قي اليوم العالمي للمسرح بمتغيراته  الجديدة الغنية بالشفرات والأيحاءات والدلالات الصورية والحركية
كون  المسرح  كفعل  اتصال جمالي وثقافي وأجتماعي ومعرفي  يؤكد على المفاهيم الفلسفية النبيلة لخلق الفكر والأدراك  والذائقة الجمالية  والفكرية  بأتجاه المتغيرات الجديدة الغنية  بالدلالات الصورية اولبصرية والحركية التي  تثير المتلقي  من خلال بناء أيحاءات وشفرات معرفية  لأأيجاد المضمون والشكل أو الرؤية المسرحية  لخلق أفكار متقدمة من النواحي الجمالية والفلسفية والفكرية والثقافية والأجتماعية وتأكيدها في المسرحية ، وكلمة جاد مرتبطة بالجدية والحداثة التي تخاطب مختلف التيارات الفكرية والفلسفية والسياسية والعقائدية. فالمسرح بدأ كشكل طقسي في المجتمع البدائي ، وقام الإنسان الذي انبهر بمحيطه بترجمة الطقس إلى أسطورة ، ولتكون الصورة هي مقدمة للفكرة التي ولفت آلية الحراك العفوي ، ثم الانتقال بهذا الحراك إلى محاولة التحكم به عبر أداء طقوس دينية أو فنية كالرقص في المناسبات والأعياد, وولادة حركات تمثيلية أداها الإنسان للخروج عن مألوفه .. وأفكار التقطهاوطورها فيما بعد الإغريق وأسسوا مسرحهم التراجيدي ، ومنذ ذلك الحين والمسرح يشكل عنصرا فنيا أساسيا في المجتمع ، ويرصد جوانب مختلفة من الحياة الأنسانية ، ومع كل مرحلة نجد أن المسرح يواكب تغيراتها وفق رؤى جدية غير تقليدية ، و تبعا للشرط ( الزمكاني ) شهد هذا الفن قدرة كبيرة على التجدد من المسرح التراجيدي الكلاسيكي الى الرومانسي والى كلاسك حديث إلى الواقعي والطبيعي والرمزي والسريالي واللامعقول ومسرح الغضب ، والسياسي وفي كل مرحلة من مراحل تطور المسرح تحمل بدون شك بعدا جديا وتجريبياً تتمثل إشكاليات تلك المرحلة وتعبر عن ظروفها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية , المسرح الجاد يؤكد قدرة المسرح على أستيعاب التجارب السابقة وإعادة صياغتها ، نحو الحداثة والخروج من العلبة الإيطالية إلى الفضاء المفتوح ، وتناول عناصر العرض المسرحي التي وضعها ستانسلافسكي ( التكامل والتوازن بين الكاتب والمخرج والممثل والجمهور) بطرق جديدة وبما أن أهم سمة في المسرح  هي المعاصرة نحو التحولات المعرفية والتي هدمت كثيرا من الحواجز و كانت مقدمة لولادة الأفكار المعرفية الكونية ، فأثبت المسرح الجاد وجوده ليواكب الحداثة بكل مكوناتها ، و أثبت وجوده في العالم كله ، خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين ، حمل شرف ولادة مسرح اللامعقول على يد يوجين يونسكو وصموئيل بيكت وفرناندوا أرابال .. هو مسرح الكل بامتياز أوربي – عربي – أمريكي.. الكل ساهم ويساهم في تطويره ووضع خصائصه .. و يمتاز المسرح التجريبي بتجاوزه لكل ما هو مألوف وسائد ومتوارث و الإيتان التجريبي إمكانية تجاوز الخطوط الحمراء البنوية والشكلية من خلال ( جسد ، فضاء ، سينوغرافيا ، أدوات ) .. ومنها : - تفكيك النص و إلغاء سلطته ، أي إخضاع النص الأدبي للتجريب ، من خلال الفكرة ليقدم نفسه يحمل هم التجديد والتصدي لقضايا معاصرة ويوحد النظرة إليها عبر رؤيا متقدمة ،أو على الأقل رؤيا يمكننا من خلالها فهم ما يجري حولنا عبر صيغ جمالية وفنية وفلسفية ، لكنها في جوهرها تمثل جزءا من مكاشفة يتصدى لها المسرح كفن أزلي باقٍ مادام الإنسان موجودا .
بدأ من  السينوغرافيا والفضاء المسرحي و دور التعبير الجسدي في توصيل الحالة الفنية وكأن الحركة هي اللغة التي يضاف إليها الإشارات والأيحاءات والعلامات والأدوات المتاحة لمحاكاة المتلقي .. أسئلة مطروحة أمامنا  كمسرحيين نقف مع المسرح  بخلق العديد  من الأسئلة ، لتأكيد  المختبر المسرحي ، ومن هذه الأسئلة : لماذا لا تكون اطروحات العرض مختبرية  عبر توظيف توليفة متكاملة للغة والحركة والإشارة والعلامة ؟  لخلق  أفكارا وفلسفة للعرض  ،وبالتالي خلق فضاء أوسع للأداء عبر صيغ جمالية مؤثرة ذات دلالة معبرة توظف معهاالإضاءة والحركة والموسيقى والرقص لدعم العرض  ,ويكون  المخرج هو المحور في العرض , والممثل هو أداة في تشكيل العرض الحركي . وأخيرا أبارك جميع المسرحيين في اليوم العالمي للمسرح 27 اذار 2018 متمنيا للجميع اللإبداع والتألق نحو مسرح جديد ومتجدد.


الأربعاء، 21 مارس 2018

نَـشــــوة الصـمــت في الــيــوم العالمي للمسرح !

مجلة الفنون المسرحية

 نَـشــــوة الصـمــت  في الــيــوم العالمي للمسرح !

       نـجــيب طـــلال

 تـحيــة صـادقة لكـُـل المسرحيين وفي سياق اليوم العالمي للمسرح ؛ هـل حـقـا يحلو أن يكـون الصمت ؛ سيدا مـن سـادة الموقـف؛ و سـلطان زمانه ؛ يسـود ويتـحكم في ضمائرنا وحـناجـرنا وأقلامنا ؟ ممـكن لأنـه قيل لقـوم الجنوب : أن الصمت حكمة عند العـُقـلاء واللامبالاة فـضيـلة عند الدهماء ! أما الكـلام جـريمة؛ بالتأكيد جـريمة نـكْـراء ؛ في عـهد الجاهلية الثالثة !
ولكـن بما يتميز الإنسان بالصمت أم الكلام؟ يَـا لَـه مِــن سؤال في قِــمة البـلادة ؛هكـذا سيعتقد البعـض أليس كـذلك ؟ لنترك اعتقادهم في محـراب الخمارات ؛ التي تعج بالضوضاء والغـوغاء والضجيج؛ المُـقلـق لديونيزوس ؟ أما أصحاب الهجـرة ؛ هنا وهناك فـأطروحتهم تعلن بأن الإنسان يتميز بالصمت حتى لا يصاب بمكروه الميكروبات المنتشرة في كل الأمكنة والفضاءات؛ لأن الصمت هُـنا أولى؛ وأبـلغ من الكلام في حـضرة الأيام العالمية ، تلك الأيام نستغـلها لأغـراضنا؛ ولكنها بـِدعٌ مـن بِـدَعِ سـفـهاء الـغـرب الـكافـر ! 
هـكـذا يتكَـلم بعض المبدعـين عـندنا؛ في السِّــر و في دهاليز الخمارات؛ ولكن الإبداع بكـل تجلياته يحاول إبادة تـلـك الميكروبات؛  قـَدر المستطاع . لأن الإبـداعِـية الـحـقة تـرفض الصمت وتـرنـو للكـلام/ التعبير؛ لآن  الكـلام سلـطة و شهـوة:
سـلطة أمام جبروت الظلم والتضليل؛ وصمت الصامتين؛ كأن الطير على رؤوسهم ! وشـهـوة  ليس من الجانب السلبي لشهـوة الكلام ( الثرثرة ) بل لمحاولة تبديد إجترار نفس الكلام واتخاذ  مبادرات عملية تساهـم في إنهاء مـا أصبح زادا لكل ذي شهـوة للكلام، وهنا نـلغي ما يسمى    ( الثرثرة ) لأنها سبب البلاء في مليء الفراغ الذي يعكـسه اللآمسرح واللآحـركية إبداعية تذكر؛ لـَست عـدميا ؛ فـواقع الحال هو الذي يدفعـنـا لـقـول هـذا؛ وإن كـانت هنالك بعـض المحاولات فهي محـتشمة ؛ ويزيد الصمت في نسفـها؛ واللامبالاة في اغتيالها !  فالأغلبية أمست تعـشق الصمت وتـهْـواه؛ لكي تستفيد من صمتها ؛ إيمانا أن لسانه سـبـب فى ضرب عُــنـُق ممارستـه الفنيـة ؛ بحـيث الشواهـد والوقـائع؛ مدرجـة في النسيج الفـني والمسرحي؛ بين التوطين واللاتوطين وحـول  والـدعـم  واللآدعـم  وبين هـامش للترويج واللاترويج ؟ 
ولكـن لماذا لم يتم تأسيس منظمات للدفاع عن الصمت؛ كـحـق من الحقوق الفـردية ؛  على غـرار منظمات للدفاع عن حرية التعبير عن الرأي ؟
بكل بساطة ؛ فالإنسان كـائن  اجتماعي مـما جُـبـِل على الكلام  والحديث، كوسيـلة للتواصل والـتعارف، ويسمَـح لنا أن  نكون أكـْـثر تفاعـلاً  في / مع المجتمع ؛ الذي نعيش فيه وبالتالي  فالغموض قد يٌنفر من حولنا الآخرين؛ مـادام الصمت جُـبن وضعـف في الشخـصية ؛ لآن المال والدعـم أخـرس جـل الألسنـة ؛ ولم يـعُـد أحـد يتجـرأ أن يعبر عـن رأيه ، لمـا آلـت إليه الأوضاع المسرحـية ببلادنـا ؛ لا نقابات في مستوى المسؤولية ؟ و لا احتراف في مستـواه الفني واللوجستيكي والتدبيري؟ ولا مسرح الهـواة أعاد ضالته ؟ ولا مسرح الشباب ابتهج بشبابه ؟ ولا مسـرح جـامعي حقـق أكاديميته ؟ ولا تظاهـرات مسرحية في مستواها الجمالي والمعرفي؟ أما مسـرح الطفـل لقـلته ؛ أمسى مظهرا للارتزاق ؟ أما المسرح المدرسي فلا قـرار لـه ؟ أمـا المسرح الأمازيغي؛ فـبوادر حصاره ومحاربته بـدأت تشق طريقها إليه؟
إذ نعـيش تصـحُّـرا وجفافا إبداعـيا بـكل مقاييس الأرصاد الأرضية والجوية و الـحيوية؛ ولا أحـد أمسى يطلب الغيث والـنداء لصلاة الجماعة في محـراب الركـح !
ألا يكـون التعـبير بالإشارات في المسرح ؛ ويتم توظيف لغة العيون ولغة تعبير الوجه ولغة الجـسـد ؟ حـيث لا وجـود  للغة الـحـوار؛ فيصبح الصمت وعَـدم الكلام هو سيد الموقف؛ لكنه  كالستارة الرمادية الـتي تخـفى ما يُـوجـد خلفها ؛ فـما خلفها إذن ؟
سـوى  كـلام والذي يـفهمه  و يعبر عـنه الجمهور أو المتلقي؛ أمام إبداع رائق وماتـع ؛ لكن حينما يكـون المبدع ذو شخصيته مهزوزة ؛ ولـقـد اهـتزت بفـعـل التهافـت على الريع والدعـم ؛ فـطبيعي أن المتلقي أو الجمهور ومن يحاوره يشعُـر أنه أمام  إبداع / مبدع  تافـه ! وبالتالي فكفاءة المبدع / المثقف؛ تظهر من خلال تعبيره عـن رأيه ومتأكـد من صحة آرائه واشتـغاله الفني والإبداعي؛ باعتباره قـوي الشخصية يبادر ويطرح رأيه بكـل جـرأة .لأن عَـقل الإنسان مدفـون تحت لسانه ؛ تلك  في الأصل حكمـة  قـديمة .
فـهـذا القول يدفعنا لإثـارة مسـألـة أساسية؛ يشفـع لنا بطرحـها اليوم العالمي للمسرح؛ وقبل طرحـها نشير مبدئيا؛ وتبديدا للتأويل الصبياني الذي يمارسه ( بـعْـض) مثقـفـي ومبدعي هَـذا البلد؛ فسطورنا هاته لا علاقة له بتمجيد الذات؛ وممارسة الدعاية لنص[ حبال الرحيل] لأنه أصلا منشور إلكـترونيا؛ ونعـرف ما أهـمية النـشر الإلكتروني الآن من عملية الانتشار عبر العالم ؛ واختراقه جغـرافية  ومـحيط أي كاتب أو مبـدع ؛ أينما كان ؛ وكيفما كان.
إذ المفارقة التي يمكن أن يستنتجها أي مهتم أو قارئ؛ بأن النص المسرحي( حبال الرحيل) يستحـضر مبدعين مغاربة انتـحـروا في ظروف عـصيبة ومختلفة ؛ ولكن رابطهم الإبداع واصطدامه بواقع مهترئ وصمت مطلق من لدن أصدقائهم ومحيطهم الاجتماعي والثقافي؛ لكن أثنـاء انتحار كـل واحـد عـلى حـدة ؛ ارتفعت الحناجر وتـم شحْـذ الأقلام و وهَـللت الأقـوام تندب فـُقـدان ذاك الذي انتحـر(؟؟) إنها قمـة الاستخفاف فيما بيننا ؛ إذ  (مثلا) من اعتبروا أنفـسهـم أصدقاء الشاعـر[ كريم حُـوماري] وأصدروا ديوانا له [ تقاسيم على آلة الجنون] وأسسوا موقعا باسمه ؛ والذي انقضى مفعوله بعـدما انتهى  وطرهَـم مـنه ؛ نعلم أنهـم تلصصوا على ( النص) ولم يفـكرمـن ادعـوا أصدقاءه و من قالوا في حق الراحل شعـرا ما لم يقله أبا نواس في فحشائه ولا مـالك في خمرتـه ؛ إشارة ولـو عابـرة أو مراسلة حَـول النص؛ وإن كنا ندرك بأن إشكاليتنا لا نـقـرأ ولكن نتلصص عـلى القراءة ؛ ناهينا عن مسرح القناع الذي يحمل مشعَـل الراحل المسرحي( حوري حسين) ولا همسة  تنويه أو إشادة ؛ من لدن أعضائه؛ ولاسيما أننا نتواصل يوميا عبر[ الفايس بوك] أما الشاعر الراحل ( عبد القادر الحاوفي) فلديه أخ شاعـر؛ ربما لا يقرأ النصوص المسرحية؛ ولاسيما أن الشعـر سليل المسرح؛ والمسرح ربيب الشـعـر؛ ولنا في الإلياذة / الأوديسة. ما يكـفي كلاما ؛ ولنترك الراحل سعيد الفاضلي؛ راقـدا في تربته؛ لأن استرسال الأحداث ؛ تفرض اتساعا وكلاما مضاعَـفا؛ ولكن نقتصر؛ بأن الدعـم المعنوي؛ والإشادة في العطاء؛ تأتي من خارج محيطـك ومعارفـك ؛ بحيث قـدمها ويقدمها لنا دائما رجالات ومبدعـون؛ في شتى بقاع المعمور؛ ومن صحف ثقافية أجنبية/ عربية الهوية. وإن كنا لا ننتظر الثناء أو المقابل؛ لأن طالبه مهما تعَـلل بالأعـذار والمبررات ؛ فـهو يمتلك بوارد الحِـس الانتهازي ؛ وهـذا ليس من شيمنـا؛ ونصرح بها بكًـل اعـْتـزاز.   
وما أثرته له عـلاقة بالصمت كعملـة سـائدة في رحـاب المشهد الثقافي والجمالي؛ وبالتالي فكيف لنا أن نتزحـزح من منطقة التخلف ورداءة الممارسة المسرحية ؟ واللامبالاة تحْـبط المبادرات والصمت يغلب الصوت؛ وإن كانت هاته ثنائية وجودية مبهرةٌ في عموم الوجـود ومطلق الكون ؛ يبقى الإنسان كائنا صوتيا وليس بصامت. ولهـذا فالمرء البليغ ؛ الفصيحُ يكون في كل الأحوال صاحب صوت . أمـا العاجـزُ المقيّد عن التعبير أشبه بالأبكم ؛ وفي كل دورة يبقى ديونيزوس ينتظر صرخته الأبدية ؛ لتنتعش كـُؤوس الإبداع على موائد جمالية باهرة بالعطاء الرفيع والعاطفة الصادقة والإنسانية الشفافة ؛بعيدة عن المجاملة ومجالس القتاتين/ النمامين.......

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption