أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 30 يوليو 2017

هنريك إيبسن في صيغة أسترالية وموليير ألماني

مجلة الفنون المسرحية

هنريك إيبسن في صيغة أسترالية وموليير ألماني

أتى عملٌ آخر مهم للمخرج الأوسترالي الشاب سَيمون سْتُون يطرح مسألة الأسرة والإرث بطريقة حادّة. ونصّ المسرحية عبارة عن ملخَّص لمسرحيّات هنريك إيبسن، الكاتب النروجي الذي عاش في القرن التاسع عشر. وهو يستخرج من بعضها شخصيات يحمّلها سيناريوات جديدة تتبلور من خلال العمل مع الممثلين، والممثلون هنا فرقة تونيلغروب أمستردام، وهي من أفضل الفرق الأوروبية. ومن المعلوم أنّ إيبسن قد أولى أهميّة قصوى في مسرحيّاته للمآسي العائلية وللأسرار المكتومة التي تمنع الفرد من التحكّم بمصيره. وقد أتى السرد كأنّه المقابل العصري الغربي للعنة عائلة الأتريد اليونانية التي تنتقل من جيل إلى جيل. والشخصية الرئيسية في المسرحية هي المكان، هو بيت حقيقي موضوع على الخشبة ركائزه من خشب وحيطانه من زجاج، بيتٌ شفّافٌ ترى فيه كل شيء، يشعّ كمصباح في الظلام. والبيت موضوع على محور يدور عليه طوال العرض، يسمح بذلك من رؤية غرف مختلفة فيه كما يسمح بخاصة بتنويع وجهات نظر السرد. والاستعارة واضحة فالمسرحية – التي عنوانها تحديداً «بيت إيبسن» - ليست إلا للبوح عن أحداث مرعبة مكتومة جرت في هذا المكان سمّمت مصائر أهله. هذا البيت الذي نال جائزة لهندسته المرهفة قد بناه كِييس في اوائل الستينات كي يكون مكاناً للعطلة والترفيه لعائلته. وكييس شخصيّة لامعة ومعقدّة معاً، مهندسٌ معماري بارع وغولٌ كتوم نسج علاقة جنسية حميمة مع ابنته المراهقة ومارس الزنا مع طفلات أخرى من العائلة. وارتكابه زنا المحارم هذا يأتي باللعنة على العائلة التي تتخبط جيلاً بعد جيل في ويلات لا نهاية لها. والمسرحية ليست إلا مواجهة بين الشخصيات يبوحون فيها بأسرارهم الشنيعة التي طال كتمانها، يمزّقون بعضهم بعضاً ويتمزقون بلا هوادة، في سرد لاهث لا يخضع لخطّ زمني مستقيم بل ينتقل بين التواريخ. أما الأداء، فهو مثالٌ للدقّة والحذق والتناسق بين الممثلين والقدرة على التعبير عن أقسى المشاعر بأوجز الوسائل. هنا لا صراخ حادّ، لا مبالغة، بل كلمات وإشارات تخرق في الصميم. والمسرحية التي تنقسم إلى ثلاثة مشاهد تنتقل، على عكس دانتي، من الجنّة إلى المطهر فإلى الجحيم وتنتهي مع ألسنة النيران تلتهم البيت فلا خلاص... «وقد يأتي لاحقاً من لا يعلم قصة البيت فيعجبه المكان والشاطئ والمنظر الخلّاب ويبدأ قصة جديدة...».

الفن والسلطة
الفنّان المسرحي والسلطة في أناشيد تمجّد المسرح وصنّاعه: موليير والباريسيون وبرز في هذه الدورة عملان مسرحيَّان مهمّان يتناولان صلة الفنان بالسلطة، أوّلهما عمل المخرج الألماني فرانك كاستورف، وهو أحد أهم المخرجين الألمان جعل من الفولكْسْبون (أي المسرح الشعبي) البرليني الذي كان مديراً له منذ خمسة وعشرين عاماً مسرحاً أساسياً في أوروبا. هذا العمل الذي ينقل إلى المسرح سيرة موليير كما قدّمها الأديب الروسي بولغاكوف في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، في كتابَين له عن الفنان المسرحي الفرنسي، هذا العمل يعير اهتماماً خاصاً بعلاقة موليير المعقدة بالملك لويس الرابع عشر الذي حماه من جهة ضدّ المتديّنين والنبلاء، كما أنّه، من جهة أخرى، منع بعض عروضه لمجاراة القوى الاجتماعية الرافضة لها. والمسرحية التي تسخر من حمق السلطة السياسية ومن هشاشة الفنّانين وقابليّتهم للعطب نشيدٌ يدافع عن مسرح لا يخضع لقيود المموّلين والسلطة السياسية، وهي تجمع في خطٍّ واحد موليير وبولغاكوف الذي يدين إلى ستالين وحده المرات النادرة التي استطاع فيها أن يقدّم مسرحياته على الخشبة، وكاستورف الذي نَحَّتْهُ مؤخَّراً سلطات برلين الإدارية عن إدارة الفولكسبون، ممّا أثار احتجاجاً واسعاً في ألمانيا. وقد ربط كاستورف في تقديمه عمله بين تنحية سلطات برلين الإدارية له وعمله هذا.
وبالطبع أهمية «رواية موليير» هذه تكمن في فنّ كاستورف، بل لنَقُل في عبقريّته المسرحية التي تتجلّى هنا في عملٍ كل مواصفاته عملاقة: عمل من ست ساعات تقريباً تحت قبّة شاهقة في ساحة قصر العروض الشاسعة حيث تبدو عناصر السينوغرافيا، قياساً، صغيرة - ومنها مسرح خشبي قديم ينتقل على عجلاتٍ وغرفة الملك لويس الرابع عشر التي تكثر فيها الرموز المشيرة إلى الممّولين،- ساحة شاسعة حيث يعدو الممثلون فيبدو كفاحهم في سبيل مسرح حرٍّ، عدواً نحو هدف صعب المنال. وكاستورف الذي يُدخل في نصّ بولغاكوف نصوصاً أخرى مستقاة من مسرحيات راسين وكورنيل وموليير ونصاً لفاسبندر، قاطعاً بذلك حبل السرد، يطلب من ممثليه التزاماً جسديّاً كلّياً ويعتمد على الفيديو الذي يلتقط وجوههم تتلوّى وتكشّر وتبتسم في مبالغات تعبيرية بعيدة عن الحسن الذي يقود الجمالية السينمائية. ولهذا العالَم العملاق فنّانوه العمالقة الذين يفرضون الإعجاب وأولهم الممثلّة الفرنسيّة جان بَالِيبار التي تلعب دور مادلين بيجار، رفيقة موليير، وتبدو جوهرة تتألّق في أناقة أداء لا تني على رغم الأهواء العاصفة، والفنّان الفرنسي جان-داميان باربين الذي يتألق في أصالته مهما كانت المبالغة، كما يتألق في دقّة أدائهما الفنّانان الألمانيان ألكسندر شيير في دور موليير، وجورج فريدريك في دور لويس الرابع عشر.
أما العمل الثاني الذي هو نشيد نابض بالحياة يشيد بالمسرح، فهو عمل الفنّان أوليفي بي الذي نقل فيه إلى الخشبة روايته «الباريسيون» المنشورة عام ٢٠١٦. والمسرحية التي تدوم أربع ساعات تقريباً تروي مسيرة شاب طَموح يقدم إلى باريس من مدينة صغيرة بعيدة ويتعهّد أمام نفسه «فتح» العاصمة، على غرار راستينياك، بطل بلزاك في «الكوميديا الإنسانية»، حين يأتي إليها من دون أن يعرف أحداً فيها. هذا الشاب الذي يشبه بالطبع كثيراً أوليفي بي نفسه، يسلك مسيرة حافلة يواكب فيها وجوهاً من الدعارة مؤثِّرة في إنسانيتها العميقة، تبدو أكثر اهتماماً بالسياسة من السلطات الإدارية أو السياسية نفسها. وترى المسرحيّة أنّ كُنه الباريسيين هو خضوعهم للموضة، جواباً عن غياب الله وانهيار المثل السياسية العليا. ويتطرّق أوليفي بي في المسرحية إلى مواضيع هي في صلب عمله السابق، أورلندو، بل في صلب عمله بعامة، ومنها الحب المثلي وانفصام المرء في رغباته بين زهد ورغبة في ملذّات العالم، والعلاقة بالله والسخرية من السلطة السياسية – ومن وزير ثقافة قد تكون الثقافة آخر همّه. وقد لا يكون الجانب الأكثر جرأة في مسرحيّته تعرّي الممثلين ولا الكلام عن المثلية والجنس ولا سخريته من السلطة السياسية، بل قد يكون إدراجه في السيناريو بحث الشخصيّات الحثيث عن الله في مشاهد يتحاور فيها أكثر من واحد من الشخصيّات بشغف ولوعة مع راهب دومينيكي، وهو بحث تُسمع فيه أصداء صوت بول كلودل وغنائيته في «حذاء الساتين» وغيرها من المسرحيّات. فمَن من المخرجين الغربيين المعاصرين يمكنه الآن إدراج تساؤلات من هذا القبيل في أعماله المسرحية؟
أمّا ديكور «الباريسيين» وأضواؤه فهو رائع الأناقة وهو من صنع بيار-أندري ڤايتز وقد حقّق هذا الفنّان كل ديكورات الأوبرا التى أخرجها أوليفي بي – فبي من كبار مخرجي الأوبرا الأوروبيين، إلى جانب عمله المسرحي. والديكور أرضٌ من مربعّات بيضاء وسوداء تمتدّ شبكتها على مدّ النظر - توحي المرايا بلا نهايتها – تنتصب عليها مباني الحجر الباريسية الهوسمانية المعروفة بأناقتها، ويرقص عليها أوريليان كما تتسارع عليها الأحداث، لاهثة الوتيرة، متلوّنة النبرة، طوال ساعات أربع تقريباً.

رئة المسرح وفن الضيافة
وثمة عمل ثالث هو نشيد بالغ الشاعرية يشيد بالمسرح وصانعيه وهو عمل للمسرحي البرتغالي تياغو رودريغيز، يدفع فيه إلى الخشبة مَن بقي طيلة حياته المهنية في حفرة تحت الخشبة. فقد أقنع المخرج البرتغالي الذي تسلّم عام ٢٠١٤ إدارة المسرح الوطني في ليسبونا، إحدى آخر ملقّنات الكلام في المسرح، كريستينا فيدال، أن تخرج من حفرتها وتروي حكاياتها على المسرح. وملقّن الكلام، كما نعلم، يهمس من حفرته الكلمة للممثّل الذي نسي نصّه خلال العرض. ومهنة ملقّن الكلام هذه تختفي تدريجيّاً من المسارح الأوروبية، وقد استبدلت الآلات التكنولوجية البشر في التلقين ودعم الذاكرات المتهافتة. والعرض ليس عرضاً وثائقياً بل هو تأمّل حول الذاكرة والنسيان وذاكرة الأمكنة وأنفاس المسرح ورئته الحيّة. ولم يتسنَّ لنا مشاهدة هذا العرض الذي أجمع الناس على ثنائه، ولنا إليه عودة عند مروره في باريس.
وأتى عملان مسرحيان في القسم الثاني من المهرجان حملتهما دورة خِرِّيجي المعهد الوطني العالي للفنون المسرحية ليؤكدا اهتمام الفنّانين المحترفين بنقل المعارف والصنعة المسرحية إلى الشبيبة. أوّلهما عمل المخرج فرنسوا سرفانتيس وعنوانه: «كلار، أنطون، وغيرهم»، دفع فيه الفنانين الشباب، انطلاقاً من عمل دقيق على الذاكرة الجسدية وحدها، إلى استدعاء مَن طبع حياتهم من البشر من أهل القُربى أو من ذوي القرابة الروحية. فتجلّت على الخشبة جمهرة من الأشباح النابضة بالحياة وردت من كل أقطار العالم ومن قرون خالية بعضها يعود إلى القرن السادس عشر، كلٌّ يحمل حكاياته ومأساته، وبدا عمل سرفانتيس، الذي يرى أنّ فنّ الممثّل هو فنّ «حسن الضيافة»، عملاً شخصياً ذا براعة وحسّاسيّة مرهفة، فريداً في نظرة هذه الشبيبة المتفائلة إلى المستقبل، وهي نظرة تكاد تختفي من المسارح الغربية المعاصرة. أما العمل الآخر، فهو عمل الفنان كْلمَان ِإرْفيو-لِيجِي الذي أخرج عملين لموليير هما ردٌّ على الانتقادات الحادّة التي أثارتها مسرحيّته «مدرسة النساء»، يلعب فيهما موليير وفرقته أدوارهم الحقيقية فيقدّم أحدهما فرقة تعدّ نفسها لتمثيل مسرحية والآخر مشاهدين يخرجون خائبين من مسرحية «مدرسة النساء». إلا أنّ عمل إرْڤيو-لِيجِي لم يكن مقنعاً لصعوبة تصوير المسرح في المسرح، ولأنّه يفترض من المشاهدين معرفة حقّة بمسرحيّة «مدرسة النساء» وبالسياق الاجتماعي في عام ١٦٦٣.

امرأة تنهض وتنطق في الظلمة
فهذه هي بعض الخيوط وبعض المسرحيّات التي استوقفتنا في المهرجان. ولنا حديث آخر عن الطفولة وعن العروض التي عمادها الصورة لا الكلام. يبقى إنّ المهرجان – الذي يجمع «أقلية» هائلة من ١٢٠٠٠٠ مشاهد تصل إلى ١٥٠٠٠٠ مشاهد، إن حُسب جمهور العروض المجانية، ليس قائمة مشاهد إنما هو فرحة واحتفال قد تكون وجوهه الأساسية في هذه الدورة النساء. منهن المذهلات في أعمال باهرة منذ العمل الأول كالمخرجة كارولين جويلا نغوين في مسرحِيّتها «سايغون» ولنا إليها عودة في الأشهر المقبلة عند عرضها في باريس. وقد يلخّص روح المهرجان وشاعريّته عمل كريستيان توبيرا، وزيرة العدل في العهد السابق، بالتعاون مع المخرجة آن-لور لْيَاجْوَا، اللتين وضعتا وأحيتا مسلسلاً مسرحيًّا مجانيّاً سمَّيتاه «سوف ننال كلَّ ما يُنال» دار في حديقة سيكانو كلّ يوم عند الساعة الثانية عشرة، وحشد كل يوم جمهوراً حافلاً من المستمعين. وهو عبارة عن قراءة نصوص شعرية وأدبية - مستقاة من أكثر من ٦٠٠ نصّ - تضع اللغة والأدب في صلب المسار السياسي. فالمعارك السياسية الكبرى تعتمد على الكلمة وبلا كلمة لا نضال من أجل الحريّة والكرامة، كما يقول أوليفي بي. وقد تكون الصورة العلم لهذه الكلمة ولهذا النضال في هذه الدورة صورة امرأة تنهض وتنطق في الظلمة داعية إلى التخلِّي عن تقسيم الإنسانية تقسيماً قاطعاً ونهائياً إلى أصدقاء وأعداء، إلى أهل الخير وأهل الشرّ.


----------------------------------------------
أفينيون  - جورجين أيوب  - الحياة تجريبي 

مسرحية "العذراء والرجل الخفى " تأليف : احمد إبراهيم الدسوقى

مجلة الفنون المسرحية
المؤلف احمد ابراهيم الدسوقي 

«شكسبير» في جامعة الملك عبدالعزيز

مجلة الفنون المسرحية

«شكسبير» في جامعة الملك عبدالعزيز


عرض نادي المسرح بعمادة شؤون الطلاب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، مسرحية «في بلاط شكسبير» وسط حضور امتلأت به جنبات قاعة المسرح، يتقدمهم عدد من الأكاديميين ومجموعة من مسرحيي جدة.

المسرحية هي نتاج ثلاث دورات قدمها نادي المسرح في الجامعة في علوم المسرح (التأليف والإخراج والسنوغرافيا)، حيث كان الراوي يستلهم في العرض قضايا مهمة طرحها شكسبير قي مسرحياته الخالدة (من قتل عطيل لحبيبته ديدمونة وهاملت في الانتقام ممن سمم والده وقنبلة الشرّ)، التي تمحورت حول شخصية ياغو، وتمكن مخرج العرض ومعده الفنان خالد الحربي من جعل تلك المجاميع من الممثلين في حركة منسابة ومقننة وبشكل احترافي مسرحي وإبهار بصري ومؤثرات صوتية صاحبت العرض صفق لها الحضور. وفي نهاية العرض قدم عبدالله باحطاب شهادات لأبطال العمل، وتحدث الفنان خالد الحربي لـ»المدينة» حول النص وفكرته، فقال: أنا سعيد جدًا بهذا الحضور وهذا التفاعل وبأداء الممثلين، أما المسرحية فهي إعداد لثلاث مسرحيات لشكسبير هي هاملت وعطيل وماكبث وتم ربطها من خلال فكرة الشرف والخيانة ومحاولة إسقاطها على الواقع.

---------------------------------------
وكالة أنباء الشعر 

السبت، 29 يوليو 2017

العرض الأردني "عطيل يعود" الاشتباك القاتل بين الخيال والواقع

سأموت في المنفى لغنام غنام أول مونودراما المزدوجة تعتمد على موهبة الممثل

مجلة الفنون المسرحية

سأموت في المنفى  لغنام غنام أول مونودراما المزدوجة تعتمد على موهبة الممثل

 هايل المذابي : 


المونودراما هي لفظة لاتينية مركبة من شقين الأول مونو و الآخر دراما و مونو تعني شخص واحد و الدراما تعني المسرحية و المحصلة من الشقين تعني ” المسرحية التي يؤديها شخص واحد ” أو بلغة العصر “ون مان شو”.. ظهرت في أوروبا في القرن الثامن عشر محاولات لتطوير هذا الفن من خلال الاعتماد على موهبة الممثل و ليس بإقحام شخصية أخرى في المسرحية و ظلت هذه النظرية التي تعتمد على الممثل و موهبته حبيسة الكتب بمعنى أنها لم تُستوعب في الأعمال الفنية و يتم تجسيدها على الخشبة. عربيا قدمت أعمال كثيرة و سجلت بأسماء أصحابها لدى مؤسسات و هيئات عربية و دولية لكن أغلبها كان احتياليا على المصطلح و لم تعتمد على موهبة الممثل كما أسلفت. و كان بالإمكان الاستعانة بالعلوم الأخرى و موروثات الشعوب لإحداث إضافة حقيقية لهذا الفن لكن لم يتم استيعابها بهذه الطريقة و تم اللجوء أحيانا إضافة شخصيات أخرى أو تغيير في الديكور ليظهر ثنائية العرض. مثلا يقسم علم الشخصية الإنسان إلى ثلاث شخصيات: تلك التي هو عليها و الأخرى تلك التي لا يعرف عنها شيئا و الثالثة التي يظن أنها هو و هذا يناسب تقديم ثلاثية مونودرامية من خلال ممثل واحد و لكن بشرط تحقق موهبته. و هناك أيضا مصطلح القرين الذي يمكن تجسيده على الخشبة من خلال موهبة الممثل و إمكانياته.. و هناك في علم النفس نظرية العالم يونج التي تقول أن الإنسان ثنائي الجنسية و في كل رجل ذكر و أنثى و في كل أنثى مثله و هو ما سمي بالأنيما و الأنيموس الحس الذكوري و الحس الأنثوي و هذا كان أيضا يمكنه تقديم ثنائية مزدوجة تعتمد على موهبة الممثل نفسه الذي يجسد نفسه.. و لعل أهم الأعمال التي ظهرت مؤخرا عمل الفنان المسرحي الفلسطيني غنام غنام و يحمل عنوان “سأموت في المنفى” ليقدم أهم مونودراما مزدوجة بقدرة الممثل و إمكانياته فهو يتحدث بلسان ما كان يفترض به أن يكونه و لسان ما انبثق من تلك الشخصية و سماها شخصية “البدل فاقد” لكنه قدم الشخصيتين بانسيابية لم يكن فيها تكلف و جاءت بالطبيعة كلياً و استطاع غنام بذلك أن يحقق المعادلة في المونودراما المزدوجة التي تعتمد على الممثل و إمكانياته و موهبته.
غنام غنام في رائعته "سأموت في المنفى" حقق معادلة المونودراما المزدوجة معتمدا في ذلك على موهبته أولاً في الأداء الحركي و الأداء اللغوي فظل من خلال اللغة و قواعدها يتنقل بين شخصية افترضها و شخصية أخرى أسماها كما أسلفت "بدل فاقد" و كل هذا جاء طوعاً ليخدم القضية التي يتحدث عنها العرض المونودرامي و هي "القضية الفلسطينية"، و بنفس الكيفية التي كان غنام فيها هو المؤلف للنص و المؤدي للعرض و المخرج، إنه يستخدم كل ما تعلمه طيلة حياته ليخلق عرضا مسرحيا يشبه أن يكون خلاصة التجربة أو هكذا جاء ضمنياً.

الجمعة، 28 يوليو 2017

كسر القواعد المسرحية فـي مسرح عصام محفوظ

مجلة الفنون المسرحية


كسر القواعد المسرحية فـي مسرح عصام محفوظ

فاتن حسين ناجي - المدى 

ولد الشاعر والكاتب المسرحي والناقد اللبناني عصام محفوظ عام 1939 جنوبي لبنان.. كتب الشعر في بداية حياته الادبية ثم مالبث أن هجر الشعر ليتحول الى المسرح  حيث دفعته هزيمة حزيران الى هجران الشعر والتحول الى المسرح، بعد أن ملأ حقائبه بأجمل دواوين الشعر ((أشياء ميتة))، ثم ((أعشاب الصيف)) (1961)، و((السيف وبرج العذراء)) (1963)، و((الموت الأول)) (1973).
بعدها اتجه الى المسرح والتأليف المسرحي بصورة خاصة، وعمل أستاذاً لمادة التأليف المسرحي في الجامعة اللبنانية، حينها عدّ رائداً  للمسرح اللبناني الحديث على مستوى التأليف في النصف الثاني من القرن العشرين. وكان من اوائل الذين طالبوا بخروج المسرح واللغة المسرحية عن اللغة الشعرية وعن أي قيود درامية أو شكلية يمكنها أن تجعل المسرح يدور ضمن حلقة مفروضة عليه. طالب أن تتحرر اللغة أن تكون عامية محكية لذا قدم اغلب مسرحياته باللغة 
اللبنانية .
قدم محفوظ الكثير من المسرحيات كانت أولها مسرحيته «الزنزلخت»، كتبها عام 1964 وضمنها مقدمة تعد هذه المقدمة البيان المسرحي الحديث رقم واحد. 
في مسرحيته حيث اعلن ولادة اتجاه جديد... في بيانه "ضدّ الاتفاق، ضد التقليدية، ضدّ التفاهة، ضد الكسل، ضد اللامسرح". إنّها حرب تجعل أعماله عند "الحد الفاصل بين النص الأدبي والنص المسرحي... إنني ضد الكلمة الشعرية في المسرح، ضدّ الحذلقة الذهنيّة، ضدّ البلاغة، ضد الخطابة، ضد الغنائيّة، ضد الفكر، ضدّ كلّ ما يقتل الحياة في اللغة المسرحيّة". يرى عصام محفوظ أن على المسرح "أن يتحيز لموقف، وأن يبدأ هذا الموقف من الواقع، مستخدماً أول عناصر هذا الواقع: لغته، اللغة المحكية، لغة الشارع والبيت، لغة القبضة
والشجار".
ثم كتب مسرحيته الثانية ((القتل)) عام (1969) وبعدها ((الديكتاتور )) التي كان اسمها الجنرال واجبر على تغييرها الى الديكتاتور. ومن ثم  ((كارت بلانش)) عام 1970 ثم مسرحية ((قضية ضد الحرية)) (1975)، ومسرحية «التعري» عام (2001) آخر مسرحية كتبها قبل الحرب فكانت "حسن والبيك" وكانت عبارة عن مونودراما. 
بعد ذلك تحول الى الكتابة بعد أن جمع مقالاته في الصحف مؤكداً على الشخصيات الثورية والتمردية التي اعطاها اهمية كبيرة في كتاباته ومن قبلها مقالاته الصحفية لاسيما أن كتاباته تخصصت في ميدان الدراسات الأدبية والكتابات والنقدية في اسلوب حواري تارة واسلوب تراثي تارة أخرى، حيث قدم لنا «سيناريو المسرح العربي في مئة عام» (1981) مستعرضاً فيه التراث المسرحي العربي، ومن ثم وفي مجال المسرح ذاته قدم لنا «مسرح القرن العشرين» في جزأين عام (2002)، وبعدها قدم حواراته و«حوار مع الشيخ الأكبرابن عربي» (2003)، و«حوار مع الملحدين في التراث» (2004)، ربما تجلى رفض القواعد المسرحية في رفضه لأن يكون الكاتب خاضعاً للون ادبي واحد، لذا نراه يتنقل بين الشعر والمسرح والنقد والمقال الصحفي وحتى الكتابات السياسية وايضاً في رفضه للغة الشعر داخل المسرحيات مؤكداً على أن اللغة العامة ولغة الشارع هي الافضل في تقديم الحبكة الدرامية على اصولها التامة. وكسره للتابوهات الدرامية القديمة، حيث كان ضد الخطابة والزخارف اللغوية والصورية داخل العمل المسرحي حتى تكون الصورة النهائية للمسرحية صورة متكاملة من البساطة .
توفي عام 2006 بعد أن قدم للأدب والمسرح عدداً كبيراً من الدراسات والمسرحيات والروايات وحتى في فن الرسم والتشكيل والسياسة أيضاً، فقد بلغ عدد كتبه المطبوعة نحو خمسة وأربعين كتاباً.


“حكايات من الجزائر” عرض مسرحي بمهرجان للفنون في أسوان

مجلة الفنون المسرحية

“حكايات من الجزائر” عرض مسرحي بمهرجان للفنون في أسوان

يشارك القوًال والراوي الجزائري ماحي صديق في العرض المسرحي  ” حكايات من الجزائر ” ضمن فعاليات الدورة الرابعة، لمهرجان طيبة الدولي للفنون التلقائية ومسرح الطفل، والتي تقام بمدينة أسوان، في صعيد مصر، في الفترة من الخامس حتى العاشر من شهر  نوفمبر المقبل، بمشاركة 12 دولة عربية وافريقية.

يذكر أن الراوى والقوًال الجزائري، ماحي صديق ، ولد في عام 1960 بسيدي بلعباس في الجزائر، مال إلى المسرح قبل أن يعانق مجد الشعراء المتجولين.

واستلهم ماحي صديق، حكاياته من والدته التي سردت على مسامعه عشرات القصص في صغره ، بالرغم من كل صعوبات الحياة اليومية التي كانت تواجهها. وكان يجد طاقته وضالّته في روح الطفولة والبراءة التي اقتات منها بمدينته سيدي بلعباس ، التي لا تزال واحدة من أهمّ المدن التي تحتفظ بظاهرة ” القوّال” – الحكواتي- وينتمى لها عدد من أهم القوًالين على الساحة المحلية ، والدولية .
-----------------------------------------

المصدر : propaganda

مقاربات في مسرح العبث (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم) للاستاذة سلوى باجي بن حميد: مسرح العبث يتعدّد ويتنوّع بتعدّد السّائرين في طريقه والقراءات التي تمنحه دلالة جديدة..

مجلة الفنون المسرحية


مقاربات في مسرح العبث (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم) للاستاذة سلوى باجي بن حميد: مسرح العبث يتعدّد ويتنوّع بتعدّد السّائرين في طريقه والقراءات التي تمنحه دلالة جديدة..

لزهر الحشاني - المغرب 

 صدر خلال الاشهر القليلة الماضية  عن دار سحر للنشر  ، كتاب جديد باللغة الفرنسية للباحثة

والمختصة في مجال المسرح المقارن ، الاستاذة  سلوى باجي بن حميد يحمل عنوان « مقاربات في المسرح العبثي (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم) ويقع الكتاب في 309 صفحة من الحجم الكبير.

قليلة هي البحوث العلميّة الأكاديميّة الجادّة في مجال المسرح المقارن، لذلك شكل صدور كتاب «مقاربات في المسرح العبثي (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم)» لسلوى باجي بن حميد  وهي أستاذة جامعيّة متحصّلة على التأهيل الجامعي في الآداب الفرنسية، تدرّس  المسرح بكلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة ورئيسة قسم الفرنسيّة بها، وقد شاركت بمداخلات في ندوات علميّة بتونس وخارجها، فضلا عن إشرافها على تنظيم عدّة ندوات وأيام دراسيّة. والكتاب دراسة مقارنة في مجال المسرح، موسومة بالطّرافة والرّيادة من حيث بيان الحاجة إلى الانفتاح وقراءة المسرحي في المسرح الغربي المعاصر، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مع مبدعي الدراما العبثيّة الّذين لا ينتمون إلى الحضارة الفرنسيّة إلا باللّغة فقط، وهم صموئيل بيكيت (S Becket) الإرلندي، ويوجين يونسكو (E Ionesco) الروسي، وكذلك آرثير آداموف (A Adamov) الروسي، بهدف الانفتاح على الثقافات الفرجوية، لنيل مراقي الاغتناء والتطوير من ناحية، ولتجاوز حالة العقم التي عمّت مجموعة من المسارح الأوربية، بسبب التمركز حول قوالب فنية متقادمة لم تعد تؤثّر في جزء مهمّ من الجمهور. مثلما أفصحت هذه الدّراسة عن بعد مقارني، ووفّقت في إبراز أهميّة مسرحيّة الأديب المصري توفيق الحكيم يا طالع الشجرة (1962) وهي تكتب مسرح اللامعقول وتبحث عن العمق المفقود وتؤسّس لمسرح عربيّ جديد، معتمدا بالأساس على قدرات الفنّ الشّعبي وإمكانات الحسّ الشعبي القادرة على خلق الجديد من الإبداعات، بشكل لا يقلّ جدّة عمّا ينشأ في بلاد الغرب.

علما وأنّ هذا الكتاب يجيء موصولا بمقدّمة ماري كلود إيبار (M-C Hubert) أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة مارساي (مرسيليا) وهي مهتمّة بدراسة إشكاليات المسرح وقضاياه، ولها أعمال عديدة في ذلك تضاف إليها مقدّمة هذا الكتاب الذي تضمن ثلاثة محاور رئيسيّة: الأوّل: مسرح العبث مسرح ضدّ المسرح، والثاني: دراسة تحليليّة للعبث: بعد تخييليّ، والثالث: الموت والفنّ ثمّ خاتمة، وأخيرا ببليوغرافيا للمسرحيّات المدروسة، وعناوين أطروحات المرحلة الثالثة المقدّمة في قضايا المسرح، والمجلاّت، والقواميس، والأعمال النقديّة باللّغة الفرنسيّة.

جاء في تقديم ماري كلود إيبار تنويه وإشادة بهذا الكتاب لما له من فوائد ومزايا، أوّلا باعتبار ما شملته عناية الباحثة من المقارنة بين مسرحيّة الكاتب المصري توفيق الحكيم ومسرحيات كتّاب الدراما العبثية الفرنسيين، وثانيا باعتبار أنّ هذا العمل النقدي لا يبدو من صنف البحوث السّهلة، لأنّ سؤال عبثيّة الوجود بعيد أفقه وعصيّ إدراكه..

وفي مقدّمة الكتاب بقلم الباحثة سلوى باجي بن حميد، نلقى تنصيصا على مسألة هامّة تتعلّق بالدراما العبثية باعتبارها أكثر الأشكال انتشارا في القرن العشرين. وقد بيّنت أنّ أصول مسرح العبث وجذوره متعدّدة: منها تأثيرات السريالية، والدادائيّة، والفلسفة الوجوديّة، وكتابات ألبار كامو (A.Camus) وآنويي(Anouilh) وجيرادو(Giraudoux)  وسارتر(Sartre) الّتي تبرز خواء الحياة، وغربة الفرد داخل مجتمعه، وعدم الانسجام بين وضع الإنسان، ورغباته والقطيعة المتبادلة بين بني الإنسان، وشعورهم بالعزلة، ولا معقولية ما يمارسونه من أعمال تشكل الجزء الرّئيسي من حياتهم في هذه الدنيا.

وقد أشارت الأستاذة الباحثة في محور عنوانه «دراسة تحليليّة للعبث»: بعد تخييليّ، إلى خاصيّة من أهمّ خاصيّات مسرح العبث، ألا وهي تشظّي الفضاء والزمن، فالزمن في مسرحيّة انتظار جودو (en attendant Godot) لبيكيت (S. Beckett)أضحى هو السبب المباشر في معاناة الإنسان. وأمّا في المسرحية يا طالع الشجرة، فلا توجد في فواصل في الأزمنة والأمكنة، فالماضي والحاضر والمستقبل أحياناً يوجد في مكانين على المسرح، ويتكلم في الوقت نفسه، فكل شيء متداخل.. أمّا في المحور المعنون بــ «الموت والفنّ»، فقد حدّدت الباحثة أنواعا للموت مختلفة مثل الموت في الأدب والموت السلبي والموت العبثي والإفضاء إلى العدم والموت في مسرح توفيق الحكيم والموت الإيجابي والموت والبعث والأثر الفنّي تحدّيا للموت. ثمّ انتهت إلى جملة من الاستنتاجات، لعلّ أهمّها أنّ الإنسان لم يتوقّف عن البحث والتأمل في قضيّة الموت، ومن هنا يمكننا فهم تجربة سقراط مع الموت، لأنّه كان يؤمن أنّ الحياة تتحقّق بالموت، ففي الموت تتحرّر الرّوح السامية من الجسد الوضيع.. وبناء على ما تقدّم فإنّ هذا الكتاب بحث علميّ جادّ وعميق، يقدّم صورة واضحة عن تيّار العبث الّذي ساد في فرنسا في الخمسينات من القرن الماضي، ثمّ انتشرت أفكاره في بلدان الأطراف ودول المشرق. غير أنّ معالم هذا النوع من المسرح لم تشكّل نسخا باهتة لا روح فيها بهذه البلدان، بل قام روّادها بتأصيلها بما يساير مقتضيات الهويّة والدّين والثقافة والعادات والتقاليد، لذلك بدا هذا النوع من المسرح لا على منهج واحد، ولا طريق واحدة، ولا رؤية واحدة. فيونسكو لم يتماه وبيكيت، وبيكيت لم ينسخ آدموف، والحكيم كذلك لم يغيّب إطلاقا وهو يكتب يا طالع الشجرة شرقيّته وعروبته، لذلك يمكن القول إنّ مسرح العبث يتعدّد ويتنوّع بتعدّد السّائرين في طريقه، وبتعدّد القراءات التي تمنحه دلالة جديدة..

الخميس، 27 يوليو 2017

تكريم الكاتب المسرحي لينين الرملي

مجلة الفنون المسرحية

 تكريم الكاتب المسرحي لينين الرملي

ماهر حسن 

يعد لينين الرملي الكاتب المسرحي الأبرز خلال النصف قرن الأخير وتعددت إسهاماته بين المسرح والسينما والدراما والتليفزيون، وله أكثر من خمسين عملًا وقد أسهمت أعماله المسرحية في تقديم مجموعة كبيرة من الشباب المتميز بين الإخراج والتمثيل للمشهد المسرحي وصاروا نجوما كبارا، وهو مولود في 1945 وحصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية، قسم النقد وأدب المسرح عام 1970، كما شكل ثنائيا ناجحا مع الفنان الكبير محمد صبحي في عدد من المسرحيات والمسلسلات التليفزيونية.
ومن مسرحياته «تخاريف وانتهى الدرس يا غبي وإنت حر وأهلا يا بكوات وعفريت لكل مواطن وسعدون المجنون وبالعربي الفصيح ووجهة نظر والهمجي وسك على بناتك»، ومن أفلامه «العميل 13 وفرصة العمر والإرهابي وبخيت وعديلة والبداية»، ومن مسلسلاته التليفزيونية «هند والدكتور نعمان وحكاية ميزو ومبروك جالك ولد وشرارة».

وقد احتضن المسرح القومي، مساء الأربعاء، احتفالية لتكريم الكاتب الكبير بحضور الكاتب الصحفى حلمى النمنم، وزير الثقافة، والمخرج خالد جلال، رئيس قطاع شؤون الإنتاج الثقافى، والفنان إسماعيل مختار، رئيس البيت الفنى للمسرح، والدكتور عماد سعيد، رئيس المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، والفنان يوسف إسماعيل، مدير المسرح القومى، والفنان نبيل الحلفاوى، والفنان والمخرج المسرحي محمد أبوداود، وحسن عطية، رئيس مهرجان المسرح القومى.

وقد بدأت الاحتفالية بعرض فيلم تسجيلى بعنوان «الشواف» من إنتاج المركز القومي للمسرح والموسيقى والبيت الفنى للمسرح، تحدث فيه لينين الرملى عن حياته ومسيرته الفنية، كما تحدث فيه آخرون ومنهم محمد أبوداود، ومن الفيلم نعرف أن الرملي بدأ الكتابة وله من العمر عشر سنوات وأنه من المدهش أن نشرت له «صباح الخير» مقاله هذا وأنه ابن كاتب وكاتبة وكان أكبر الأبناء وأكثرهم تأثرا بتجربتي أمه وأبيه الصحفي. وقال الرملي في الفيلم أيضا إنه مارس الكتابة والإخراج والتمثيل أيضا وإن له تجربة صحفية وهو فتى صغير تمثلت في مجلات حائط أنجزها وقال إنه حين كان طالبا في معهد المسرح وقعت النكسة وكتب عملا للتليفزيون بعنوان الأسرى متأثرا بالنكسة لكنه مُنع، كما تحدث عن تجربته مع المخرج السينمائي صلاح أبوسيف وبخاصة في فيلم البداية، وعن تجربته مع عادل إمام في «الإرهابي وبخيت وعديلة» وغيرهما.

وعن تجربته مع المخرج جلال الشرقاوي الذي أخرج له مسرحية «إنهم يقتلون الحمير» في عام 1972 وكان الرملي وقتها عمره 28 سنة وخلافهما حول تغيير موضع في هذا النص المسرحي، كما تحدث الرملي في الفيلم عن تجربته مع محمد صبحي بدءا من مسرحية انتهى الدرس ياغبي وتأسيسهما تجربة «استوديو 80» والتي أثمرت مسرحيات المهزوز وإنت حر والهمجي وتخاريف ووجهة نظر وبالعربي الفصيح، وقال إنه كتب لمسرح القطاع الخاص «سك على بناتك» و«تكسب ياخيشة» وأنه أسس فرقة استوديو 2000 بعد انفصاله عن صبحي معتمدًا على الشباب.

كما تحدث المخرج المسرحي والفنان محمد أبوداود في الفيلم عن تجربته مع الرملي قائلا إنه كاتب يتمنى كبار المخرجين التعاون معه وأن الفنان الراحل ممدوح وافي كان سببا في التعاون بين أبوداود والرملي.

أما المخرج المسرحي عصام السيد فقد تحدث في الفيلم عن الشهرة التي تحققت للكثيرين ممن تعاونوا مع الرملي وتحدث عن ملابسات التي أحاطت بإخراجه لمسرحية أهلا يابكوات للرملي والذي كان يغامر بالمخرجين الشباب، كما تحدث في الفيلم جرجس شكري الذي أصدر كتابًا عن لينين الرملي وتم توزيعه على الحاضرين على هامش الاحتفالية والكتاب بعنوان «الشواف» وهو لقب محمد صبحي حين كان يقوم بدور الأعمى في «وجهة نظر»، وقال جرجس شكري إن الرملي بعطائه الممتد لنصف قرن ينتمي لجيل الرواد.

كما تحدث عادل اسكندر، رئيس جمعية الصداقة المصرية الكندية، عما يحتله الرملي من مكانة عربية ودولية وأنه تم تكريمه في كندا ثلاث مرات، فيما تحدثت عنه فاطمة المعدول مبدعًا وإنسانًا وزوجًا وأبًا، وقالت إنه في إبداعاته منحاز للناس.

كما تحدثت في الفيلم ابنته هند عنه كمحب للرسم وأنه شجعها عليه وأنهما يرسمان سويا لكنه يحب الرسم بالرصاص ويتقنه وأنه أب مثالي. فيما تحدث ابنه شادي عن رغبة والده أن يكون ابنه مخرجا.

وبعد الفيلم تحدث عماد سعيد، رئيس المركز القومي للمسرح، عن حرص المركز على المشاركة في تكريم الرملي لأنه يرى أن الرملي من أهم كُتاب المسرح عبر نصف قرن ثم تحدث عما يميز أعمال الرملي.

فيما أشاد خالد جلال باستجابة وزير الثقافة حلمي النمنم لفكرة التكريم الشهري لرموز المسرح المصري بحيث يتم تكريم واحد منهم كل شهر، ووصف لينين الرملي باعتباره كاتبا مختلفا وأنه كان من الشباب الذين ساعدهم وتعاون معهم وأنه أخرج له مسرحية «تحب تشوف مأساة؟؟» ووصف الرملي بأنه فليسوف ومفكر مسرح وأنه يتابع بروفات أي عمل له من البداية للنهاية وأنه تعلم في مدرسته الكثير.

وتحدث وزير الثقافة حلمي النمنم واصفا لينين الرملي بأنه حالة خاصة في الثقافة والإبداع المصري في السينما والمسرح والتليفزيون، وهو معني بتثقيف الجمهور والمواطن وإشراكه معه في السؤال الإبداعي وأنه تعامل مع الجمهور بدون تعال ولكنه حريص في إبداعاته على إثارة الوعي واعتبر أن فيلم البداية يقدم يوتوبيا سينمائية لعالم نحلم به.

وبعد قيام وزير الثقافة تسليم درع التكريم للكاتب المسرحي لينين الرملي، طلبت «المصري اليوم» من الرملي إلقاء كلمة في المناسبة على الجمهور لكنه رفض.
واختتم حفل التكريم بفقرة غنائية تضمن أغاني لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ.

----------------------------------------------------------
المصدر : المصري اليوم 

مسرحية للأطفال " سنان والعم حمدان " تأليف : عدي المختار

مجلة الفنون المسرحية
المؤلف عدي المختار 

قراءة في مسرحية “سأموت في المنفى” للمسرحي الفلسطيني غنام غنام

مجلة الفنون المسرحية 

قراءة في مسرحية “سأموت في المنفى” للمسرحي الفلسطيني غنام غنام


جمال عبد الناصر الفزازي - جسور 


  عرض المبدع غنام غنام مسرحيته ” سأموت في المنفى” في ذكرى استشهاد المناضل المثقف والسياسي الكبير غسان كنفاني،  وختما لعروض المهرجان الدولي للمسرح الجامعي لابن مسيك 8 يوليوز 2017 بمركب ستيديو الفنون بالدار البيضاء- المغرب ، في قاعة مستطيلة طوعها لتكون فضاء لعبيا لفرجة حكواتية دائرية استغرقت ساعة من الزمن لكنها امتدت بعيدا في مفاصل التاريخ ومجازات التخييل. ثلاثة مفاتيح لعرض ناجح : 

أولا :

النص المسرحي : … نص يحفر عميقا في الجسد الفلسطيني المهجر أشتاتا بعيدا عن الارض –الموطن- التي تم تشتيتها بين الاحتلال الاسرائيلي والمملكة الاردنية الهاشمية و المملكة الخديوية المصرية والنظام السوري وبإرادة من بريطانيا المستعمرة “وعد بلفور2017” والغرب عامة.

…في هذا المسرح العالمي تمت مصادرة تركة الشهيد صابر ..صابر من كفر عانا ، انتزع الاستيطان ارضه و مات محروقا كمدا على ابنه المثقف والمناضل المنفي في الاردن ،إثر مكيدة مبيتة من ذوي القربى…

أما غنام غنام الذي يصغره سنا ، فلم يغنم سوى التهجير القسري باسم النزوح او اللجوء.. مثلما غنم ماسي الاسرة وتراجيديا فلسطين ترابا ورمزا .. ولم تتبق لديه سوى حقيبة كانت تحتفظ بتراب وحجر فجرده حرس الحدود منهما، لتصير تلك الحقيبة هويته المجروحة و قبره المفترض.

بهذا سيضع الجمهور أمام غنامين: أحدهما الأصل الذي كان يمكن أن يحيا حياته الطبيعية في وطنه الأم وقريته كفر عانه ، ومدينة مولده أريحا ..وغنام البديل “بدل فاقد” الذي بات يتجرع إهانات المطارات،وجحيم المنافي في إنتظار إسترجاع النسخة الأصلية. لينتهي العرض إلى إستضمار السؤال الوجودي الشكسبيري : “أكون أو لا أكون” أيهما غنام الكائن؟ ..أهو الطبيعي أم الممسوخ بالإحتلال ؟ .. هل هو الميت في وطنه أم في بلاد الغير؟ هل هو الإنسان الذي كان سيكون حرا كريما في وطنه لو لم يوجد إستيطان ..؟ أم هو ظله وقرينه ونسخته المشوهة. قيمة النص الدرامية لا تتأتى فقط من مرجعية النص وقضيته : فلسطين ..بل من إعادة إنتاج فلسطين النصية بشكل جمالي ..ألم يصرخ محمود درويش في الذين يستغلون القضية الكبرى بما دون الفن : ” أنقذونا من هذا الحب القاسي ” ..وهذا النص يمنح للقضية زخما فنيا بعد أن توارت خلف الكوارث العربية بإسم “الربيع العربي”.

وفي الواقع لا يوجد نص مكتوب تم إعداده و الإشتغال عليه ..لأن العرض يوحي إلى أن النص تم التفكير فيه “منجزا فرجويا” ومشروعا مسرحيا تجريبيا منفتحا على الفضاءات العامة…

وبالتالي فهو مشروع عرض يحتوي نصا ملفوظا،  يتم تعديله في كل عرض بحسب طبيعة الفرجة والمتلقي ، وإن كانت بنيته العميقة، و الأساس هي تمثيل الأنا الفردية (غنام غنام) والعائلية (صابر) والجماعية (فلسطين)…باعتبارها موضوعا قابلا للقراءات المتعددة ..النفسية والاجتماعية والتاريخية …

إنه نص محبوك بإتقان يجعل المعقد بسيطا لإمتاع المتلقي وأفهامه ، بل وإرباكه أيضا بدءا من لازمة الإستهلال :” الله يمسيكم بالخير ويمسي الخير فيكم، لأن الإنسان بيحلى بالأيام والأيام بتحلى بالإنسان. و أحلى الناس هم البني آدم،  و أحلى البني آدميين هم الناس، ومساء الخير عالبني آدميين.” . و هي التي ختم بها العرض، وما بينهما كثافة نصوص متداخلة : نصوص شعرية -خاصة شعر محمود درويش –  و أسماء أعلام فلسطينيين : كإميل حبيبي وسميح القاسم و إدوارد سعيد وناجي العلي وغسان كنفاني … و أماكن:  كالقاهرة وجرش وكفر عانه والشارقة… بالإضافة إلى نصوص حكم و أمثال و أخبار تنحت مادتها من السياسة والتاريخ و أحوال المجتمعات. ومن ميزات النص العرضي إنتقال سلس من اللهجة العامية الفلسطيني إلى المصرية ..ثم إلى العربية الفصحى؛  ومن الخطاب الفقهي إلى المحكي المتداول لدى العامة؛  إلى خطاب الرقيب والحاكم أو العالم، بحيثيات القضية و أسرار الشخصيات .

كما أن قيمة النص تعود إلى التلاعب بالزمن من خلال الإسترجاع غير المنتظم للتواريخ و الأحداث،  ووو والإستشراف من خلال إستباق الموت…موت الشخصية في المنفى …

النص يجعل الشخصية معلقة بين- بين…بين الحاضر والماضي و المستقبل .. بين الحياة و الموت ..بين الجسد في فلسطين وفلسطين المحتلة ..بين المنفى بإعتباره وصلا لإحياء فكرة الأرض وبعثها في الأجيال الصاعدة والمنفى بإعتباره فصلا للإنسان عن موطنه الطبيعي .

وبلا شك يتميز النص بل يمتاز بقيمة درامية تفتحه على امكان تجسيده فرجويا ، لأنه يتمحور حول DRAMA الفعل الدرامي أي ما يمكن انجازه هنا والآن مسرحيا، وليس فقط الإكتفاء بالتعبير الإنشائي ذي النزعة البكائية،  كما في كثير من المسرحيات التي تزعم الدفاع عن فلسطين ، أو النزعة المدحية التي تمجد الأسطورة الفلسطينية إلى حد التقديس… 

ثانيا :

– التشخيص: يستثمر التشخيص تقنيات الحكواتي التي تقوم على انجاز الفعل الدرامي هنا هو ما نشاهده عبر حفر القبر او حمل حقيبة او صفع الشخصية واستنطاقها او ندب صابر لمقتل ابنه بحركة اليد وترنح الجسد او التحرك الدائري الذي يشير الى الترحال المستمر دون مغادرة الفضاء المغلق ..انه نص يفتح باب الابتسام والضحك كما يفتح باب المأساة التي نراها في عيني غنام وملامحه كالتركيز على المشاهدين بنظرات حادة والالتفات اليهم باستمرار لانتشالهم من كراسيهم المترهلة وادماجهم في فن الحلقة بفرجة تروم تكسير الجدران وفتح مساحة التباعد بين الشخصية وموضوعاتها بل خلق مسافة نقدية بين الذات الحية وذاتها الميتة. ويهيئ الفرجة للتغريب بحيث تتم اعادة بناء المشهد لفضح منطق الاشياء وربط المعلول بالعلة لكن بلمسة فنية مسائلة ..مما يوفر مساحات للنقد والسخرية والادانة وجعل المشاهد/الجمهور مندهشا بوعي من عالم متوحش ولا مبال او متنكر في صورة انسان متحضر. كما انه تشخيص لا يروم تقمص الشخصية كما عند ستانسلافسكي لأنه لا يعرضها للاندماج فيها بشكل كلي بل لقراءتها بوعي و تجاوزها .وهو لا يعرضها امام العقل كما عند بريخت لان الممثل هو ذاته الكاتب والشخصية والمخرج والانسان الفلسطيني: غنام غنام الذي يحمل مأساته الوجودية في جسده ويتعذر عليه تمثيلها وسلخها من جلده .. وهو لا يحكي كما في تراث الحكواتيين من اجل التفكه او سرد سير الامم الغابرة او البطولات الخارقة واساطير الاولين للسمر والسهر بل يتجاوز فرجة الحلقة التقليدية لأنه يمسرح الفرجة الشعبية ويعيد انتاجها من زاوية اخرى متمثلا الارث المسرحي الجمالي عالميا … 

ثالثا :

الإخراج.. هذا الخيط الذي يتماهى فيه صوت المؤلف وحركة الممثل ورؤية المخرج ، ناسجا ايقاعا حركيا بصريا وسماعيا، اشتغل عليه الاخراج بإضاءة اعتيادية وظيفتها الكشف ..وهو ما سيضطلع به الخطاب المسرحي ،لإبلاغ الجمهور بحقيقة القضية الفلسطينية وتنسيب العلاقة معها ، وفي نفس الان عرض الجسد الجريح بكل ماضيه وندوبه واحلامه واسئلته ..سواء بالصمت والصراخ او باختيار اللون الابيض والاسود في اللباس او من خلال توظيف اكسسوارين : مقعد وكوفية فلسطينية ..وكأننا امام مسرح فقير ل “غروطوفسكي” يغتني بمنح الأشياء الفرجوية القليلة، امكانات فنية بوظائف جمالية ومعرفية شتى، تفترضها الحكاية كأن يتحول الكرسي الى قبر أو نعش ولحد أو أداة استنطاق أو حقيبة، وتصير قطعة ثوب كوفية فلسطينية او خريطة لفلسطين ورمزا .وعلى امتداد العرض ظل الجمهور مأخوذا بالحكاية مندمجا فيها نفسيا لكنه لم يغن الفرجة الحكواتية دراميا وعرضيا بتشخيص او انشاد او رقص او محاورة للحكواتي ،مادام العرض تشاركيا اذ لا شيء فيه خفي ولا كواليس. بهذا تكون الفرجة قد انغلقت في المكان الدائري مثل انغلاق الحدود في وجه الشخصية ..وانفتحت على الجمالي والانساني بإرادة في التحرر من المأساة . انها نداء انساني لتحرير الانسان من التاريخ الممسوخ.. نداء فني يضيء الحقيقة التي تدين الضمير العالمي ..إن كان للعالم ضمير.

تونسيون وسوريون وأفارقة في رحلة مسرحية إلى الموت

مجلة الفنون المسرحية

تونسيون وسوريون وأفارقة في رحلة مسرحية إلى الموت

محمد ناصر المولهي

يواصل مهرجان الحمامات في نسخته الثالثة والخمسين تقديم عروض مميزة، تمازجت بين العروض الموسيقية المنتقاة التونسية والعالمية وبين العروض المسرحية، في رهان على الفن والجودة الجمالية وعلى التنوع الثقافي للمادة المقترحة، لا على العروض التجارية كما بات رائجا في العديد من المهرجانات التونسية.


ضمن فعاليات الدورة الـ53 من مهرجان الحمامات الدولي قدمت مساء الأربعاء 19 يوليو الجاري مسرحية “الشقف” لسيرين قنون ومجد أبومطر، وهي العمل الذي كان من بين آخر مشاريع المسرحي الراحل عزالدين قنون قبل أن يباغته الموت.

“الشقف” هو لفظ يطلقه التونسيون على مراكب الصيد التي تتحول إلى مراكب هجرة سرية، خالية من كل مقومات الرحلة، أو ضمانات الوصول، متهالكة تماما كمن يقامرون بحياتهم لأجل بلوغ ضفة أخرى يكون فيها الحلم متاحا.

تبدأ المسرحية على ظهر “الشقف” (القارب)، رحلة هجرة سرية يؤديها تونسيون وسوريون وأفارقة إلى سواحل إيطاليا، يختضون داخل المركب، لكل منهم هدفه، شاب تونسي يريد الفرار من مجتمعه الذي يسمه بالمجرم، شابة تونسية تهرب من حياتها اليومية كبائعة متجولة ممن يمثلون ظاهرة لافتة في تونس ألا وهي الانتصاب الفوضوي أو ما تطلق عليه الدولة تسمية التجارة الموازية، أيضا نجد امرأة أفريقية تحمل طفلها الرضيع وحالها لا يختلف عن حال الأفريقيين الآخرين، الهاربين جميعهم من حروب القارة السمراء العقيمة.

نجد أيضا امرأة سورية تحاول اللحاق بابنها الذي هاجر على نفس المركب سريا إلى إيطاليا وتحمل إليه طبخة سورية، فيما تحاول العودة وإياه إلى سوريا، ونجد أيضا شابة لبنانية، تدعي أنها سورية إلى أن نكتشف الحقيقة، حيث أنهكها جواز سفرها اللبناني، في إحالة على وضع المرأة اللبنانية، وشاب تونسي آخر تخلت عنه حبيبته، ختاما بقائد المركب.

الشخصيات تمثل نسيجا متكاملا يجسد حالات جنوب المتوسط، بشكل إيحائي، حيث لم تتطرق المسرحية إلى سرد فج عن الفقر أو الإحباط أو غيرهما، إذ تنقد الأوضاع العامة من خلال جزئيات حياتية بسيطة، فيكفي مثلا حديث المرأة السورية الباحثة عن ابنها، والتي ستكتشف أنه غرق ومات لاحقا، للحديث عن أوضاع سوريا، ويكفي حديث اللبنانية عن شوارع بيروت للحديث عن حال لبنان وعلاقته بالجار السوري.

المسرحية لم تقدم عملا يصور الهجرة السرية بشكل مكرر، بل غاصت في حيوات الشخصيات من خلال تفاصيلهم البسيطة
ويكفي غناء الأفارقة لنسمع أنين المهمشين، يكفي حديث شاب تونسي أنه لا ينام لنفهم ما وراء ذلك من ألم، ويكفي حديث تونسي آخر عن حبيبته لنفهم واقع الشباب التونسي الذي مازال يعاني البطالة والتهميش وسطوة التقاليد والعادات، كما يكفي حديث التونسية الأخرى عن عملها كبائعة على الطريق وأحلامها بسيارة ومنزل لنفهم إلى أي مدى بلغ تهميش الإنسان. فحتى قائد المركب يقرر أن رحلته هذه هي الأخيرة، وبعدها سيحرق المركب.

ونلفت إلى أن التطرق إلى تفاصيل الرحلة كان بذكاء كبير، حيث لم تهتم المخرجة التونسية بالصورة النمطية عن رحلات قوارب الموت، بل تطرقت إلى تفاصيل منسية ربما حول المهاجرين السريين، مثلا كيف يقضون حاجاتهم في عرض البحر، كيف ينامون، كيف يتعايشون.

الشخصيات تتقلب مع البحر، إلى أن تكتشف أنها تائهة فيه منذ يومين، هنا تواجه كل شخصية الموت، لأول مرة، حيث تتحول رحلة الحلم بالوصول إلى الضفة الأخرى إلى رحلة حياة أخيرة، تحاول كل شخصية أن تحكي عن أحلامها وعن عالمها البسيط، لا شكوى، بل استذكارا، وكأن الذكرى تميمة ضد الموت المحدق.

تحول آخر يشهده مسار الرحلة، إذ بعد عاصفة بحرية شديدة يتعرض المركب إلى التلف ويتسرب إليه الماء، مهددا الجميع بالغرق بعد الضياع، لذا يقرر قائد المركب أن عليهم تخفيف الحمل، بدأوا بالأغراض، ثم قرروا أن عليهم أن يلقوا أحدهم في البحر، هنا يبدأ منعرج جديد في مواجهة الموت، من منهم سيلقي بنفسه؟

لكن جميعهم متشبث بقليل من الأمل، متشبث بحياته على علاتها، لذا يحاولون الاختيار من بينهم والاتفاق حول من سيلقي بنفسه. لكن لا أحد يقبل بذلك، لكل منهم مبرر لبقائه على قيد الحياة، مبررات قد تبدو بسيطة جدا، لكنها كافية للتشبث بالحياة، أملا في غد أفضل، إلى أن تقرر المرأة السورية الإلقاء بنفسها بعد أن فقدت الأمل تماما إثر معرفتها خبر موت ابنها في البحر، وفقدت الأمل في عودة وطنها سوريا كما كان، لكن الآخرين يمنعونها. هنا يتوحد المصير، إما حياة للجميع وإما موت للجميع.

على هذه الحال مع لعبة الضوء، مع هدير الموج الحقيقي الذي وفرته ظروف العرض في الهواء الطلق وصوت البحر القريب من المسرح، تكتمل الرحلة على صوت المروحيات، وحرس الحدود المتكلمين بالإنكليزية، فيلقي كل فرد بنفسه من ظهر المركب إلى البحر، ولا يبقى إلا اثنان واقفان مبهوتان كتمثالين.

الاشتغال كان ذكيا من قبل المخرجين؛ فالمسرحية لم تقدم عملا يصور الهجرة من الموت إلى الموت بشكل سطحي ومكرر، بل غاصت عميقا في حيوات الشخصيات من خلال تفاصيلهم البسيطة، لتقدم مشهدا حيا، وحكايات من لحم ودم، حيث أن بعض الشخصيات التي قدمتها كانت حقيقية وموجودة في الواقع مثل شخصية البائعة التونسية.

ونلفت إلى الأداء المميز الذي قدمه الممثلون على الركح وعلى ظهر المركب الرخو الذي لا يثبت في محاكاة لحركة البحر، ولتقلبه بشكل مميز.

ونذكر أن مسرحية “الشقف” نص لسيرين قنون ومجد أبومطر وسعاد بن سليمان، وتمثيل كل من عبدالمنعم شويات وريم الحمروني وبحري الرحالي وأسامة كشكار ومريم دارا وغي أنصونوصي وصوفيا موسى وندى الحمصي، وإخراج سيرين قنون ومجد أبومطر.

----------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

'مغامرة رأس المملوك جابر' تكشف خبايا الصراع على السلطة

مجلة الفنون المسرحية

'مغامرة رأس المملوك جابر' تكشف خبايا الصراع على السلطة

شريف الشافعي

يحفل المسرح السياسي العربي بقضايا مصيرية تخص حياة المواطنين وعلاقة الشعوب بالحكام، كما يكشف هذا المسرح في جانب منه خبايا الصراع الدامي على كراسي السلطة، ويفضح انتهازية المتملقين والوصوليين، ويزيل أوراق التوت معرّيا سلبية الكثيرين ممن يحترفون الثرثرة ولا يملكون الفعل، وعلى رأسهم النخبة ومثقفو الصالونات.

 “مغامرة رأس المملوك جابر”، مسرحية سياسية جادة تبرز جنون السلطة وانسحاق الشعب، كتبها السوري الراحل سعدالله ونوس (1941-1997) منذ سبعة وأربعين عاما بعد نكسة 1967، وشهدتها القاهرة منذ أيام قليلة بملامح ونكهات مصرية حديثة، حيث قدمتها فرقة كلية الآداب بجامعة القاهرة على مسرح ميامي، ضمن فعاليات “المهرجان القومي العاشر للمسرح” المنعقد بمشاركة 36 فرقة خلال الفترة من 13 إلى 27 يوليو الجاري.

“أن يبيع الإنسان رأسه مقابل مصلحته”، مدخل مفتاحي لقراءة مسرحية سعدالله ونوس، التي أعدها وأخرجها للعرض القاهري الجديد مصطفى طه، وألف موسيقاها عمرو عبدالحكيم، وصمم ديكورها حسن نبيل، وشارك في بطولتها كل من أحمد مصطفى كامل وسعيد سمير وعمرو سامي ويوسف علي ودنيا عبود وسارة عثمان وغيرهم.


بيع الرأس والأفكار

يدور الحدث الأساسي للمسرحية الذي يرويه “الحكواتي” لزبائن المقهى في بغداد القديمة، حيث يتعمق الخلاف بين الخليفة الحاكم وكبير وزرائه الذي يفكر في الانشقاق عنه، ويحاول الوزير الاستعانة بملك العجم ليمده بجيش خارجي ليتمكن من العرش.

يُحسن المسرح العربي تصوير الصراعات المتصاعدة، خصوصا المجتلبة من التاريخ، مُسقطا أحداثها وتفاصيلها على ما يجري على أرض الواقع من تكرار للمآسي ذاتها
وفي صراعهما المحموم على السلطة يغلّب الخليفة والوزير مصالحهما الشخصية متناسيين تماما أن هناك شعبا له حقوق ومطالب، حيث يقولان “يكفي التلويح للشعب بالعصا لكي يرتدع”، ويستكين الشعب بالفعل ولا يصدر منه صوت اعتراض، ويظل مستسلما لكل صنوف القهر وكافة مذاقات الحرمان، ويعبر أحد أفراد الرعية في المسرحية “اللي يتجوز أمنا نقول له يا عمنا”، وهي إحدى العبارات التي أدخلها معد المسرحية كـ”قفشات مرحة” بالعامية المصرية ولم تكن في النص الأصلي لمسرحية ونوس.

ويزداد الصراع يوما بعد يوم بين القطبين: الخليفة والوزير، ولا يجرؤ أحد من الرعية على الخوض في تفاصيل الخلاف بينهما، وهنا تبدأ خيوط سيناريو “بيع الرأس” في التشكل، إذ يرغب الوزير في إرسال رسالة إلى ملك العجم للاستعانة به وبجيوشه لإزاحة الخليفة، وفي ظل إجراءات التفتيش المشددة على كل خارج من المدينة “حتى الهواء، لا يكاد يمر من بين أيدي الجنود”، يقترح المملوك الانتهازي جابر على الوزير الخائن حلا عجيبا، هو أن يمنحه رأسه كي يكتب عليه رسالته بعد حلق شعره، ثم ينتظر فترة حتى ينمو شعره من جديد فيخرج من المدينة آمنا، ليصل إلى ملك العجم بالرسالة التي سيكون من الممكن قراءتها بسهولة عندما يحلق شعره من جديد.

والمملوك جابر، كما يصوره سعدالله ونوس، ومثلما يشخّصه العرض المصري: شاب تجاوز الخامسة والعشرين من عمره، معتدل القامة، شديد الحيوية، يمتاز بملامح دقيقة وذكية، وفي عينيه يتراءى بريق نفاذ يوحي بالفطنة والذكاء.

وتنجح الخطة، ويقرأ ملك العجم رسالة الوزير المنحوتة على رأس المملوك جابر الذي كان يطمع في أن يكافئه الوزير بمنحه كيسا من الذهب ومكانة مرموقة في المجتمع وتزويجه الجارية زمرّد بعد تحريرها، لكن شيئا من ذلك لم يحدث بطبيعة الحال، فالوزير كتب على رأس المملوك جابر في نهاية رسالته لملك العجم حاشية صغيرة “لكي يظل الأمر سرا بيننا، اقتل حامل الرسالة من غير إطالة”.


وهكذا تُبرز مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” أن الموت هو الجزاء الوحيد الذي تمنحه السلطة الغاشمة لأبناء الشعب، مهما كانت انتماءاتهم وتباينت حظوظهم من الوعي والثقافة واختلفت أفعالهم بين صون الكرامة أو بذل الدناءة، فما يعيشه المواطنون المقهورون على الأرض يشبه ما يسمعونه من الحكواتي، ولا أحد يقدر على تغيير الواقع مثلما أن أحداث التاريخ لا يمكن تعديلها، أما النخبة والمثقفون، على وجه التحديد، فمن الكلام تبتدئ رحلتهم الدائرية وإليه تنتهي.

ويترحم زبائن المقهى على زمن “الظاهر بيبرس” ويطلبون سماع سيرته المليئة بالبطولات والانتصارات والأمان والعز والازدهار، لكن الحكواتي الذي يدور بالمقهى يرفض قراءة سيرة بيبرس، لأن “دور الظاهر لم يأتِ بعد، ولم يحن بعد الزمن الذي يغلب فيه الحق الباطل وينتصر العدل على الظلم”.

ثم يشرع الحكواتي في تلاوة سيرة الاضطراب والفوضى والهم “كان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان، خليفة في بغداد يدعى شعبان المنتصر بالله، وله وزير يقال له محمد العبدلي، وكان العصر كالبحر الهائج لا يستقر على وضع والناس فيه يبدون وكأنهم في التيه يبيتون على حال ويستيقظون على حال، تعبوا من كثرة ما شاهدوا من تقلبات وما تعاقب عليهم من أحداث، تنفجر من حولهم الأوضاع فلا يعرفون لماذا انفجرت، ثم تهدأ حينا من الزمن فلا يعرفون لماذا هدأت، يتفرجون على ما يجري، لكنهم لا يتدخلون فيما يجري”.


تمصير المفردات

تمصير مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر”، لم يكن باللعب في القصة الأساسية ولا الحدث التاريخي في نص السوري سعدالله ونوس، لكن بإدخال مفردات وعبارات، كوميدية أحيانا، بالعامية المصرية، على أحاديث زبائن المقهى والحكواتي، وأبرز الشخوص: المملوك جابر، الخليفة، الوزير والمملوك منصور، ومثل هذه الإضافات جاءت مقحمة لابتعادها عن النسق اللغوي للعرض وعن الطقس النفسي السائد بجديته وقتامته.

واقتصر العرض المصري على تقديم الحدث التاريخي المحوري بمسرحية ونوس (واقعة كتابة الرسالة على رأس المملوك جابر التي تنتهي بقتله)، في حين لم يتعمق العرض التعمق الكافي في بقية الشخوص الذين قدمهم كمجرد مسامرين لجابر، ومنهم المملوك منصور، صديق جابر، ذو الخامسة والثلاثين، و”صاحب القامة القصيرة والبنية القوية والملامح التي تشف عن وداعة وطيبة”، كما في مسرحية ونوس.

المملوك جابر، كما يصوره سعدالله ونوس، ومثلما يشخّصه العرض المصري: شاب تجاوز الخامسة والعشرين من عمره، معتدل القامة، شديد الحيوية، يمتاز بملامح دقيقة وذكية
هذا المملوك منصور يشكل ملمحا شديد الخصوصية في النص الأصلي لمسرحية ونوس، فهو رمز المثقفين في ذلك العصر الذي دارت فيه المسرحية وفي عصور أخرى لاحقة بالتأكيد، حيث القدرة على فهم وتحليل الأمور، لكن بقدر من التعالي على البسطاء والعاديين والتكاسل عن تقديم أية مبادرة إيجابية على أرض الواقع، الأمر الذي يهدر كل فرص النجاة أمام الشعب القابع في ظلام الجهل والفقر وقلة الحيلة.

على هذا النحو الذي فصّله سعدالله ونوس في مسرحيته وأهمله عرض فرقة كلية الآداب المصرية، يبدو رأس مثل هذا المثقف معادلا لرأس المملوك جابر، فكلاهما مبتور في الحياة ومقطوع بعد الممات، وكلاهما رأس لا يعمل لصالح الشعب، وكلاهما تمكنت السلطة من تحييده واحتوائه ثم القضاء عليه في النهاية.

“مغامرة رأس المملوك جابر” هي مغامرة مسرحية أيضا بامتياز، حيث الثيمة الجديدة التي يتماهى فيها رواد المقهى مع جمهور المسرحية، في حين يأتي الحدث الدرامي من الخلفية التاريخية التي يرسمها الحكواتي لبغداد القديمة وخليفتها ووزيرها ومماليكها وشعبها، وتقود هذه الآليات إلى لعبة اجتذاب الجمهور إلى قلب الحدث ليشارك فيه بشكل تفاعلي، ثم تطغى ألاعيب السياسة على المشهد تدريجيا، ومع تلاحق الأنفاس تفرض بغداد القديمة نفسها عنوانا لمدن العرب الراهنة، وما أكثرها.

ويُحسن المسرح العربي تصوير الصراعات المتصاعدة، خصوصا المجتلبة من التاريخ، مُسقطا أحداثها وتفاصيلها على ما يجري على أرض الواقع من تكرار للمآسي ذاتها، إذ تبدو العلاقة بين الشعوب العربية والحكام بمثابة مأساة وملهاة في الآن ذاته، يشاهدونها صامتين على طول الخط ويكتفون بأن يضربوا كفًّا بكف عند كل زلزلة أو بركان، وتبقى الحال على ما هي عليه، أو تزداد سوءا.

-------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 


الأربعاء، 26 يوليو 2017

إنجازات ثورة 23 يوليو فى المسرح وأهم كتابها وأعمالهم

مجلة الفنون المسرحية


إنجازات ثورة 23 يوليو فى المسرح وأهم كتابها وأعمالهم


 لم يكن المسرح ببعيد عن تناول الحدث الأهم فى حياة المصريين وهو ثورة 23 يوليو عام 1952 فقد قدم المسرح المصرى مجموعة من الأعمال بفضل كتاب كبار تناولوا الثورة ومبادئها وأهدافها وتكونت أول فرقة باسم فرقة المسرح الحر وقدمت مسرحية " الرضا السامي " وكانت هناك ارهاصات  مسرحية أخرى عن الثورة.
 
لكن يكاد يكون الكاتب الكبير توفيق الحكيم هو أفضل من عبر عن ثورة يوليو فى كتاباته فقد قدم الكثير من الأعمال التى دافعت عن الثورة ومجدتها مثل مسرحيات " الصفقة " و" الأيدى الناعمة " كما أنه فى مرحلة أخرى انتقد الثورة فى مسرحية " السلطان الحائر " حينما طرح السؤال المهم : هل الحكم بالسيف أم بالقانون ؟ كما كتب فى مرحلة أخرى " بنك القلق " التى جمعت بين فنى المسرح والرواية وتناول فيها فكرة ضياع الحلم وتغيير مسار الثورة فى مرحلة النكسة .

 كتاب واعمال ومسرحيات ثورة يوليو
 
ومن الكتاب أيضا الذين كان لهم إسهامات فى كتابة أعمال مسرحية عن ثورة يوليو، الكاتب الكبير نعمان عاشور فى مسرحيات : " الناس اللى تحت " و"الناس اللى فوق" و"الجيل الطالع " و"عيلة الدوغرى "، والذى اتجه فى أعماله نحو النقد الاجتماعى للظواهر الاجتماعية السلبية فى قالب كوميدى ساخر، كما كتب سعد الدين وهبة أعمالا مسرحية جسدت العديد من الواقع المصرى ومدى تأثيرها على الفقراء والبسطاء ومنها مسرحية "السبنسة- كبرى الناموس- كفرالبطيخ" وبعدها فى مرحلة أخرى انتقد سعد الدين وهبة الثورة فى "سكة السلامة" لسعد الدين وهبة و"يا سلام سلم الحيطة بتتكلم"، كما قدم على سالم مسرحيات " أنت اللى قتلت الوحش" و"عفاريت مصر الجديدة " و"عملية نوح " ، وكان أيضا الكاتب محمود دياب من الكتاب الذين تناولوا الثورة فى مسرحيات " أرض لا تنبت الزهور ".
 
وبعيدا عن المسرحيات التى تناولت الثورة، فقد شهد المسرح المصرى نهضة حقيقية، والسنوات التى أعقبت قيام الثورة من عام 1952 إلى عام 1967 تعد العصر الذهبى للمسرح المصرى والعربى على حد سواء وفى تلك الفترة تأسست العديد من الفرق المسرحية ولمعت عشرات الأسماء لكتاب ومخرجين وممثلين أفذاذ تركوا بصماتهم الواضحة فى تاريخ فن المسرح فى مصر أمثال عبد الرحمن الشرقاوى، ويوسف إدريس وصلاح عبد الصبور، وألفريد فرج، وكبار النقاد أمثال رجاء النقاش، ومحمد مندور، ولويس عوض وغيرهم.. ونجحت الثورة فى تفريخ كوكبة من كتاب المسرح المصرى الذين تأثروا إلى حد كبير بالمناخ الثورى الذى أشعلته الثورة، والذين كشفوا النقاب عن أوجاع الوطن من خلال مؤلفاتهم التى عبرت عن مدى تفاعلهم مع روح وأفكار ثورة يوليو، إلى جانب تأثرهم بالحركات المسرحية العالمية
ومن مسرحيات تلك الفترة: "على جناح التبريزى وتابعة قفة"، و"سقوط فرعون" لألفريد فرج والأعمال المسرحية للأديب الراحل "يوسف إدريس" ومنها "المخططين" التى تناول فيها رؤيته للنظام السياسى، إلى جانب تألق العديد من الوجوه المسرحية البارزة فى تلك الحقبة مثل سعد أردش، وكرم مطاوع، كما تألق المسرح الشعرى على يد صلاح عبد الصبور، وعبد الرحمن الشرقاوى، ونجيب سرور وغيرهم .
 
أما من حيث الفرق المسرحية، فقد كان هناك ثلاث فرق قبل الثورة، اثنتان تحت إشراف الحكومة هما : "الفرقة المصرية للتمثيل" وتقدم الهزليات والميلودراما والمسرحيات الشعرية، والفرقة الثانية "فرقة المسرح الحديث"؛ وكانت تسير على نفس النهج، وبعد الثورة ضُمت الفرقتان تحت اسم "المسرح المصرى الحديث" بإدارة يوسف وهبى حتى 1956.
 
ومن إنجازات الثورة فى المسرح أيضا ما سمى بمشروع مسرح التليفزيون الذى بدأ تأسيسه مع بدايات النهضة الثقافية بعد ثورة 23 يوليو ويعد الأب الروحى لمعظم الفرق المسرحية التى ساهمت فى خلق مناخ مسرحى غير مسبوق فى مصر بالإضافة إلى أن مسرح التلفزيون هو صاحب الفضل فى تقديم معظم النجوم الكبار من الرعيل الأول والثانى من ممثلين ومخرجين وكل العناصر الفنية التى قدمها مسرح التلفزيون للجمهور المصرى والعربى ومنهم على سبيل المثال لا الحصر عبد المنعم مدبولى وعبد المنعم ابراهيم وأبو بكر عزت ومحمد رضا ومحمد عوض وزوزو ماضى وفؤاد المهندس ونور الدمرداش، وكرم مطاوع وعبد الرحيم الزرقانى وسعد أردش .


----------------------------------------------
المصدر : اليوم السابع 

"سالومي" التأويلات الجديدة المرتبكة، وتمويهات لغة الإخراج

التعبير الحركي والعروض البينية والاستيعاب الطقسي لثقل العالم

مجلة الفنون المسرحية

التعبير الحركي والعروض البينية والاستيعاب الطقسي لثقل العالم

د. صبري حافظ 

لا يتوقف مهرجان أفينيون عن التطور، ليس فقط في استيعابه لما يمور به عالم الفنون المسرحية من تجديدات، وتقديمه أفضل ما في جعبتها من ابتكارات، ولكن أيضًا لملاحقته متغيرات الثورة الرقمية وما تتيحه من إجراءات. فمع أنني ما زلت أقاوم الهواتف الذكية، التي تمكن العالم بأخياره وأشراره من متابعة حامليها طوال النهار والليل، وقد تحولت لجواسيس أليفة تصاحب حاملها، وتستأثر بمعظم اهتمامه، حتى ولو كان مع أقرب الناس إليه، وتخبر من يريد معرفة كل حركاته وسكناته بما يريد؛ إلا أنني وجدت أن الثورة الرقمية قد أحالت تذاكر المسرح الأليفة، وما بها من قسم يأخذه المسرح عند الدخول إلى أثر من آثار الماضي العتيق. 
كانت الثورة الرقمية تتيح للمشاهد أن يحجز تذاكره عبر الإنترنت، وأن يدفع ثمنها سلفًا ببطاقات الائتمان، ولكن كان على المشاهد ما أن يصل إلى أفينيون أن يذهب لشباك تذاكر المهرجان، وأن يحصل على تذاكره. لكن هذا الأمر تغير لأول مرة هذا العام، في خطوة أولى نحو الإجهاز على التذاكر الورقية كلية، بل إن التذكرة الورقية أصبحت تحمل اسم شاريها لأول مرة. فحتى قدامى المشاهدين مثلي الذين يحصلون على تذاكر ورقية، لم يعد المسرح بحاجة إلى ذلك الجزء من التذكرة، الذي يأخذه منها من يسمح لك بالدخول، والذي يبدو أنه تحول إلى زائدة من آثار الماضي، بل يتركونه لي وكأنني لم أستعمل تلك التذكرة؛ لأن في يد الفتيان والفتيات الذين يسمحون لك بالدخول إلى كل فضاءات المهرجان الآن جهاز صغير يقوم بقراءة التذكرة من خلال ماسح ضوئي. كما أن الكثيرين من المشاهدين أتوا وقد انطبعت تذاكرهم على شاشة هواتفهم الذكية، وهي خطوة أكثر تقدمًا من تلك التي طبع أصحابها تذاكرهم على طابعاتهم الخاصة في البيوت، وعلى ورقة عادية تحمل الكود الرقمي للتذكرة، والذي يقرأه الماسح الضوئي.

وكان من تجديدات مهرجان هذا العام البدء بعرض لصغار المشاهدين، ابتداء من التاسعة من العمر، بعنوان أين الغيلان/ العفاريت؟ Ou Sont Les Ogres في المهرجان الرسمي؛ بعدما كانت عروض الأطفال قاصرة على المهرجان الهامشي Avignon Off وحده، وكانت تستأثر بقدر كبير من اهتمامه وفضاءاته، خاصة أن أغلبها يدور في الصباح. وهو نفس الأمر الذي انتهجه المهرجان الرسمي حيث يعرض عمله للأطفال في الحادية عشرة من صباح كل يوم. كما أصبح من تقاليد المهرجان في الأعوام القليلة الماضية توسيع رقعة اهتماماته الجغرافية، حيث نجد في مهرجان هذا العام أعمالا من نيوزيلندا وفيتنام وجورجيا، والتركيز على منطقة جغرافية بعينها، واستقدام عدد من عروضها المتميزة، وهو الأمر الذي خصصه مهرجان هذا العام لأفريقيا من جديد، فقد سبق له أن ركز على مسرحها في أكثر من مهرجان سابق. 

لكن يظل حرص المهرجان على أن يقدم أرقى ما في جعبة المسرح الأوروبي من إنجازات هو مركز ثقله المستمر، والذي جعله أهم مهرجانات المسرح في أوروبا بشكل عام. وإذا كنا نفتقد في مهرجان هذا العام عددًا من الأسماء الكبيرة في عالم الإخراج المسرحي عودنا المهرجان على أعمالهم المتميزة: مثل الألماني توماس أوسترماير، أو الإيطالي روميو كاستيلوتشي، أو اللبناني الكندي وجدي معوض، أو البلجيكي إيفو فان هوفا الذي استحوذ على إطراء كل من شهد عمله في العام الماضي، يقال لإحساس مديره، أوليفييه بي، بالغيرة من مثل تلك الأسماء اللامعة؛ فإننا نجد فيه الياباني ساتوشي مياجي، وهو نجم مهرجان هذا العام بلا نزاع، والإنكليزية كيتي ميتشل، والبرتغالي تياغو رودريغيز، والأسترالي سايمون ستون وغيرهم.

العروض البينية العابرة للأنواع

وكان من اكتشافات هذا العام بالنسبة لي اليوناني ديميتريس بابايوانو، الذي قدم عرضًا تركيبيًا مدهشًا، بعنوان (المروّض الكبير The Great Tamer) لم يشأ المهرجان أن يصنفه في مجال المسرح أو الرقص، وإنما اختار أن يدعوه بالعمل البيني العابر للأنواع Indiscipline. فهو بحق عرض عابر للأنواع، لا يستخدم أي لغة بالمعنى التقليدي للغة الحوار المنطوقة، ولكنه يبدع لغته الخاصة بمفرداتها وما يمكن دعوته بأجروميتها النابعة من البنية التكرارية لبعض المشاهد، والتغايرات الطفيفة في التكرارات. يحيل أجساد الممثلين العشرة، وحركاتهم على المشهد، إلى لغة شاعرية بالغة الشفافية وثرية بالدلالات. فبالرغم من أن هذا المخرج اليوناني (مولود عام 1964) يحظى بسمعة كبيرة في بلده، أسسها بعد أن كرس اسمه كرسام أولاً، ثم كمخرج ومصمم للرقص ثانيا، حتى أنه اختير لإخراج عرضي افتتاح وختام الألعاب الأولمبية في اليونان، حينما جرت فيها عام 2004، فإن هذه هي المرة الأولى التي يدعوه فيها مهرجان أفينيون. وقد جلب إليه عملاً متميزًا سيترك أثره في ذاكرة المهرجان بلا شك. فقد قدم للجمهور عرضًا ممتعًا ومثيرًا للتأمل والتفكير من النواحي البصرية والحركية والموضوع الذي يطرحه معًا.

ويحمل العرض عنوانا بالغ الدلالة لن نكتشف حقيقة معناه إلا بعد الاستمتاع بالعرض، لأن "المروّض الكبير" هنا هو الموت الذي مهما خادعناه، وراوغناه، وحاولنا التغلب عليه، فإنه هو الذي يروضنا في نهاية المطاف؛ ولكن ليس من دون أن يتحول الطراد الطويل بيننا وبينه إلى حياة بالغة الشاعرية، وجديرة بأن تعاش بكل أبعادها الحسية والاجتماعية وحتى الفلسفية. فالعرض بجمالياته الحركية والبصرية المدهشة ليس احتفاء بالموت، بالرغم من وعيه بأنه المروّض الكبير الذي سينتصر في نهاية المطاف؛ ولكنه احتفاء صاخب بالحياة، بكل ما تنطوي عليه من تحققات وإخفاقات على السواء، وبكل ما نعيشه فيها من حميميّة حسّيّة تمكننا من النمو والإبداع. وحينما ندخل إلى المسرح، نجد أن خشبته قد تحولت إلى أرض غير مستوية مفروشة بألواح كبيرة متر في مترين (وهي قياسات القبور)، أو رقائق من"الأبلكاش" أو البلاستيك كلها بدرجات من اللون الرمادي تحيل خشبة المسرح الفسيحة إلى نوع من الأرض الجرداء ذات التضاريس المتباينة. وهناك في امتداد الفضاء المسرحي وفي زاوية بعيدة نسبيا كرسي صغير وبجواره حذاء رجل. أما في منتصف مقدمة المسرح، فثمة رجل في حلّة سوداء نائم على الأرض وبجانبه حذاء، ثم يقوم ويلبس حذاءه، ويقف ثابتا ينظر إلينا، بينما لايزال المشاهدون يتوافدون إلى المسرح.


وما أن يظلم المشهد ويبدأ العرض من دون أي إعلان عن بدءه كما هي العادة في بقية العروض التي يعلن فيها صوت أن العرض على وشك أن يبدأ ويطالب بإغلاق الهواتف المحمولة، حتى يخلع هذا الرجل ملابسه ثم يتجه إلى وسط أعلى المسرح، فخلفية المسرح مرتفعة قليلا عن مقدمته، في هذه الأرضية غير المستوية، ويقلب أحد الألواح الرمادية فنكتشف أن الجانب الآخر فيها أبيض، وينام عاريا عليه، ويجيء من يفرد عليه ملاءة بيضاء. هكذا نبدأ بمفردة الموت، ولكنها مفردة مرفوضة بدءا. لذلك يجيء من يقيم لوحًا من تلك الألواح على جانبه على مبعدة أكثر قليلاً من متر من الميت المغطى بالملاءة، ويتركه يسقط بإيقاع محسوب فيطيّر هواء سقوطه الملاءة التي تغطي الميت، فيجيء من يغطيه بالملاءة من جديد، ويتكرر هذا الفعل عدة مرات يقوم بعدها الميت من ميتته. ويشارك في المشاهد التي تتابع فصولها أمامنا. بما فيها من خلع الأحذية ولبسها، واستخدام تعرية أجزاء من جسم الممثلين، بينما هم دائما في ملابس سوداء، فيبدو لنا أننا بإزاء أطراف، سيقان أو أذرع، تتحرك وحدها؛ فالعرض يستخدم فقط اللون الأسود والرمادي والأبيض ولكل دلالاته فيه.
ولن أستطيع أن أحكي للمشاهد كل ما دار في العرض الثري الجميل، لأننا معه بإزاء لغة مغايرة كلية، وبالتالي بنية جديدة تنبثق عن تلك اللغة المختلفة، تذكرنا بمقولة مارشال ماكلوهان الشهيرة أن الوسيط/ الشكل/ الصيغة هو الرسالة The Medium Is the Message. أننا بإزاء مشاهد حركية بصرية متشابكة ومتراكبة معا، تسعى لصياغة سردية ليست بأي حال من الأحوال بأقل من أن نسميها سردية الحياة اليومية، بما فيها من أفراح وأتراح، ورغبات وإحباطات، وشهوات ومخاوف، بل حتى حروب مجانية وصراعات. لكنني أحب أن أشركه في بعض الصور المدهشة التي تتخلق من مفرداتها تفاصيل هذه السردية. فهناك مثلاً مشهد يمد فيه حذاء أحد الممثلين جذوره في أرض الخشبة، فينزعه الممثل من الأرض بصعوبة لنجد أن الجذور قد انبثقت من نعله فروعا وأغصان، وأنه يخلعه من الأرض بتؤدة، وقد تشعبت الجذور خارجة من حذائه فلا يسعه إلا أن يرفع قدميه عاليًا، ويمشي على يديه. وهناك في المقابل المرأة التي تحمل أصيصًا كبيرًا، فتنبثق فيه النباتات ويورق، وذلك الذي يحفر في أرض الخشبة فيخرج ترابا ثم تتبعه أجزاء أجساد حية تتحرك، وأطراف أجساد أخرى سرعان ما تتجمع فتتخلق امرأة من ساقي رجلين، وجسد امرأة ورأسها تتحرك أمامنا حيث يقوم بدورها ثلاثة ممثلين ببراعة مدهشة في التناغم الحركي. وهناك هذا المشهد اللاذع الذي يتم فيه تعرية شخص على مائدة، ثم تمزيقه، واستخراج أحشائه وكل ما في جوفه، وتحويله إلى وجبة شهية وقد مُدت المفارش على المائدة، ونظمت الصحون لعدد من الذين مزقوه ونهشوا لحمه حيا، فجلسوا يأكلون بكل طقوس الأكل المحترمة؛ في نوع من التجسيد الشعري لبشاعات التعذيب، أو قل لطقوس النهش الجماعي التي اعتدنا ممارستها في حياتنا اليومية.

وهناك هذا المشهد البديع الذي يدور فيه الصراع بين شخص وشخصين آخرين، فيهرب منهما ويبني له مخبأ تحت بعض الألواح التي تتعدد استعمالاتها بطرق مبتكرة طوال العرض، فتبدو هذه المرة وكأنها خيمته التي يحتمي بها، فيذهب المعتدون ويأتون بآخرين من أطراف الخشبة يصبون عليه وابلا من السهام، التي تنهال عليه بالعشرات، بل المئات، وتُرشق كلها في الألواح التي يحتمي بها، ويخرج بعد هذه المعركة سليما. وهناك مشهد ينفتح فيه أحد المربعات عن حوض من الماء، يطلع منه شخص يدفع عن نفسه الماء، ويطفو ثم يخرج ويجلس على حافة الحوض. وهناك مشهد آخر يأتي فيه عارض وقد تم تجبير "تجبيس" ساقيه وذراعيه ورقبته وكل جسمه. يهدهده آخر فيكسر "الجبس" عن ساق بعد أخرى، ثم عن ذراع بعد الآخر، ثم عن بقية الجسدن باحتضان كل جزء وتكسير الجبس من عليه قطعة قطعة في نوع من الرعاية الحميمة التي ينهض بعدها المحطم معافى وسليمًا مرة أخرى. ناهيك عن مشاهد اللقاءات الحسية الجميلة التي يتعانق فيها جسدي الرجل والمرأة، وهما يعزفان لحن التمازج أو التناغم والاندغام كل منهما في الآخر، والتي يجسدها العرض بشاعرية مرهفة، يصبح فيها العري قصيدة لجماليات الجسد الإنساني، وفعلا يدرأ به الإنسان عن نفسه وحشة الحياة وصدماتها القاسية.

إننا هنا بإزاء سيمفونية من المشاهد المتتابعة التي يتولد أحدها من رحم الآخر، بصورة تشد انتباه المشاهد وتدهشه باستمرار، وهو يرى ما تنطوي عليه الحياة من تجدد وحيوية. يرجع فيها العرض ثلاث مرات إلى ما يمكن دعوته بنغمة القرار فيه، وهو مشهد جسد الرجل العاري المسجى على لوح أبيض وسط مؤخرة/ أعلى المسرح في بداية العرض، يفرد عليه شخص ملاءة بيضاء، ثم يجيء آخر فيقيم أحد الألواح على جانبه، ثم يتركه ليسقط فتطير الملاءة من فوق الجسد المسجى، فيعيدها من فردها عليه من جديد؛ ويتكرر هذا الفعل عدة مرات، ثم يفسح مكانه لعدد آخر من المشاهد يعود بعدها المشهد ليذكرنا بنفسه من جديد، وبنفس إيقاعه التكراري البطيء. حتى نصل في نهاية العرض إلى ذروة هذا المشهد وقد انتقل من مؤخرة المسرح إلى مقدمته؛ حين ينفتح أحد المربعات وفي الوسط تماما عما يشبه القبر، به هيكل عظمي انطبع على أرضية القبر، وحينما يرفع تلك الأرضية عارضان، ويميلانها بالتدريج تبدأ العظام في التساقط، في مقدمة المسرح، حيت تسقط الجمجمة وتتدحرج إلى صالة المشاهدين! وهكذا يعلن المروّض الكبير عن وجوده الطاغي بيننا. لكن العرض يعلن أيضًا عن أن قوة الإنسان نابعة من رفضه له رغم تسليمه بسلطته، حينما يترك العارض الذي أمال القبر كي تتساقط العظام الجمجمة التي سقطت بيننا، ويرتد هو إلى المسرح ينفخ ورقة تطير، ويحافظ على طيرانها بأنفاسه كي لا تسقط ويظلم المسرح على تلك النغمة المتفائلة التي تؤكد أن الحياة تسير، برغم عبء الموت.

الوقوف في الوقت وطقوس درء الموت

العمل الآخر الذي شاهدته في مهرجان هذا العام والذي اهتم كذلك بدرء عبء الموت عن الإنسان باللجوء إلى الشعر بمعناه الحرفي هذه المرة، كان في الواقع أول ما شاهدت من عروض هذا العام. وهو عرض جاء من آخر العالم، أي من أوكلاند عاصمة نيوزيلندا، أغراني باختياره أن من ساهمت في كتابته شاعرة سورية تدعى رشا عباس، تؤبن فيه ضحايا الحرب المجرمة التي تدور في سورية منذ سنوات، أو تكشف فيه عما تنطوي عليه من جنون وسعار. إذ يبدو أن هذه الحرب قد شتت السوريين في كل أرجاء المعمورة، حتى آخر رقعة مأهولة في العالم، حيث تثبت المهاجرة السورية قدراتها الإبداعية. بل وتدمجها في قلب الثقافة القديمة في هذا الجزء من العالم. وهو بعنوان (الوقوف في الوقت Standing in Time) ومن تصميم وإخراج ليمي بونيفاسيو Lemi Ponifasio، يصنفه المهرجان على أنه من العروض البينية Indiscipline أيضًا. مع أنه يستخدم اللغة، ولكنها لغة الماوري Maori القديمة، وهي لغة سكان نيوزيلندا الأصليين، قبل استيطان الأوروبيين فيها. بل ويحرص على ألا يتم ترجمتها في شريط الترجمة فوق الخشبة عادة، لأن لها دورا صوتيا غنائيا فحسب. وليمي بونيفاسيو مصمم العرض ومجمع رؤاه وطاقاته، راقص ومصمم رقصات أسس فرقته في أوكلاند عام 1995 وسماها MAU وهي مفردة تعني السعي للحقيقة في لغة الماوري، من فنانين من مختلف جنسيات العالم لسبر أغوار ما يمور به عالمنا من تناقضات واستقطابات مدمرة، وحروب.

وفي لغة الماوري Maori وهي اللغة الأصلية للنسوة العشر اللائي يتعامل معهن في عرضه، ثمة مفردة تعرف المرأة بأنها هي التي تتعهد أمور الموتى بعد الموت، وهي التي تضمن لهم أن يدلفوا بكرامة إلى العالم الآخر. وهو التصور الذي يقول أنه انطلق منه في بلورة عرضه الذي يهتم باستعادة كرامة الإنسان في عالم يطيح بكرامته في كل مكان تقريبًا من دون رحمة. وفضلاً عن ذلك فقد ربط بين هذا التصور وبين ما لاحظه في الثقافة الأوروبية من أن جوستيسيا Justicia ربة العدالة عند الرومان هي أيضًا امرأة تعيش بيننا وتوزع العدل بطريقة محايدة. ويصورها الضمير الأوروبي معصوبة العينين تمسك بميزان العدالة، وبسيف ذي حدين. فهل تمثل بحق العدل؟ أم أن عينيها المعصوبتين تعميانها عن الحقيقة، بما يترتب على هذا العمى من إراقة دم الأبرياء؟ هذا السؤال المحوري بدأت تطرحه عليه أشعار رشا عباس، المهاجرة السورية، التي تجسد عبرها المأساة السورية بكرامتها وما تنطوي عليه من عنف مؤلم ودمار لا عقل له، بصورة يصعب معها معرفة الحقيقة. هل نستطيع حقًا أن نعرف الحقيقة؟ وهل يمكن أن نقوم بأي عمل لتخفيف حدة العنف والدمار الذي يسود العالم؟ هل باستطاعتنا الحياة بتواؤم مع البيئة المحيطة بنا والطبيعة التي نعيش بها؟ ألا نعيش في عالم نقوم بتدميره واستنزافه بمعدلات غير مسبوقة؟ ألا تعكس الطريقة التي ندمر بها العالم نزعة الدمار التي ندمر بها أنفسنا؟ من هذه الأسئلة المدببة ينطلق العرض.

ويسعى ليمي بونيفاسيو إلى خلق لغة تعبيرية قادرة على بلورة هذه الأسئلة الملحة، وإلى مساءلة مفهوم العدالة والكرامة الإنسانية، من خلال استثارة جدلية الخلق والدمار معًا، عبر رحلة الإنسان عبر الحياة وصوب الموت. يسعى إلى خلق مسرح قادر على تمكين المشاهدين من الإنصات إلى أرواحهم وتذكيرهم بأفضل ما فيهم. لذلك فإنه ينصت إلى إيقاع الحياة الخام البسيطة والقاسية معا في جزيرة ساموا Samoa الصخرية التي جاء منها، وليس إلى تقاليد مدارس الرقص وتصوراتها الغربية أو حتى المسرحية، من أجل أن يتعانق في عمله الكوني والإنساني. بين هذين الوترين/ المحورين أو بالأحرى الرؤيتين المختلفتين للعالم ولدور المرأة فيه، بين إيقاع الحياة والموت الهادئ في جزيرة ساموا وصخورها الأليفة، وبين الحياة المرعبة التي خلفتها رشا عباس في سورية وراءها، وكرست أشعارها لتجسيد وقائعها المرعبة، يسعى ليمي بونيفاسيو لتخليق طقس مسرحي يدعو إليه المشاهد، للحديث عن مصير النساء اللواتي يختفين من الحياة الاجتماعية من دون توضيح.

وحينما ندلف إلى فضاء ساحة ليسيه سان جوزيف الكبير، نجد مسرحًا فارغًا ليس عليه غير مجموعة من الصخور أو الأحجار المكسرة قرب يسار المسرح، وأن هناك دكة طويلة سوداء على كل جانب من جوانبه، تجلس على الموضوعة في يسار المسرح امرأة متشحة بالسواد وعلى مبعدة قليلة منها تتناثر الحجارة، وعلى الواقعة في يمينه سبع نساء متشحات بالسواد مثلها، لا تظهر من أجسادهن غير الرقبة والرأس والكفين. ويبدأ العرض بأن تبدأ النساء، وكأنهن جوقة تقودها المرأة الجالسة وحدها يسار المسرح، نوعًا أقرب إلى التعديد الجمعي بلغة الماوري؛ يستهدف إدخال المشاهدين في إيقاعاته البطيئة المختلفة. وبعد قليل تظهر امرأة في ثياب بيضاء وشعر سادل طويل تنشد شعرًا، يوشك أن يكون شعرًا عربيًا من حيث الإيقاع والموسيقى، ولكن كلماته غير واضحة، لأن العرض كله لا يهتم بما يقال، بل بطريقة قوله وإنشاده.

وأهم ما يهتم به هو ما يحدث أو ما يدور أمامنا من تشكيلات حركية من أجساد النساء التسعة اللواتي تظهرن في بعض الأحيان كالمشبوحات، وفي أخرى كالراقصات اللواتي تقمن بأدوار إيقاعية محسوبة ومتعمدة. ويتغير التكوين التشكيلي للمشهد باستمرار، حينما تأخذ النساء واحدة وراء الأخرى الأحجار، ثم ترصها بشكل يحدد خطًا يقسم المسرح إلى نصفين. ثم تصعد الممثلة الوحيدة التي ترتدي ملابس بيضاء إلى ما يشبه المائدة أو النعش، بينما يتبدل وضع كرات الضوء التي كانت تنير المشهد، كي يتغير دور الظلال على الخشبة، وتتنامى في الخلفية أصوات تظاهرات، قد يكون بعضها مأخوذًا من تظاهرات الحراك السوري، من دون أن يهتم العرض بأن يمكن المشاهد من فك شفراتها. ثم تصعد ممثلة أخرى فوق النعش وتتعرى بينما يتصاعد صوت الهتافات، وتتحول رقصات النسوة في القسم الثاني من المسرح إلى الصخب والعنف، وفي أيدي بعضهن أدوات معدنية يهددن بها، ثم تقبل بعضهن لرش الرماد على جسد العارية المسجى على النعش، بينما يقوم بعضهم الآخر بحسو الرماد على وجوههن. كل هذا يدور بينما تواصل المنشدة في ملابسها البيضاء الدوران وسط ما يتصاعد من دمار، وقد عاد تناثر الحجارة من جديد. هكذا يتتابع إيقاع العرض، ومن خلال التوزيع بين الأسود والأبيض تتخلق علاقات أو جدليات بين الواقعي والتأملي، حيث تنتصر المشاعر على المعاني، بطريقة تحاول فهم ما يحيط بنا وما يدور لنا في الوقت نفسه. وقد تعمد العرض كما ذكرت عدم استخدام شريط الترجمة الفوقي الذي يستخدم عادة في مثل هذه الظروف، كي يركز المشاهد على الجماليات الصوتية للغة وكأننا إزاء شعرية الفقد والدمار دون تحديد لغة أو مجتمع بعينه، حيث يستشري هذا الفقد في كل ما حولنا من خراب. فمهما كانت معرفتنا باللغة، فإن الوصول إلى المعنى الكامل أمر بالغ الصعوبة، بل ربما أمر مستحيل، وهذا هو ما دفع العرض إلى الاهتمام الشديد بالبعد الطقسي للفعل المسرحي.

وقبل الانتقال من تلك الأعمال البينية للحديث عن جانب آخر مما شاهدت في هذا المهرجان، لا بد من الوعي هنا بأن هذه الأعمال البينية تعي برغم استخدامها لأكثر من عنصر من عناصر الفرجة المسرحية، أهمية أن يكون العمل المسرحي دراميا، وأن ينبني على مجموعة من الحتميات المتتابعة التي تتخلق منها الدراما، وتتوتر حدتها وقد استطاعت أن تمسك بخناق المشاهد، وأن تستولى على اهتمامه. فبدون هذا التوتر الناظم يتحول العمل إلى مجموعة من الاسكتشات المفككة أو المترهلة. كما نرى كثيرا مع مخرجين من طراز أقل. بل كما رأينا هذا العالم وفي أهم فضاءات المهرجان للأسف، في عرض فييستا!

----------------------------------------
المصدر : العربي الجديد 

جماعة الناصرية للتمثيل في رسالة ماجستير ..

مجلة الفنون المسرحية

جماعة الناصرية للتمثيل في رسالة ماجستير ..

ياسر البراك 

جرت صباح الثلاثاء 25 / 7 / 2017 الساعة العاشرة صباحاً في قاعة المسرح الرئيس لكلية الفنون الجميلة - جامعة البصرة مناقشة رسالة الماجستير للطالب ( حيدر رثام غايب ) والموسومة ( الخصائص الإخراجية في عروض جماعة الناصرية للتمثيل ) وتشكلت لجنة المناقشة من الاستاذ الدكتور عبد الكريم عبود عودة رئيسا والاستاذ الدكتور محمد كريم خلف عضواً والمدرس الدكتور فراس جميل جاسم عضواً والأستاذ المساعد الدكتور أحمد إبراهيم محمد عضواً ومشرفاً وبعد مناقشة مستفيضة لتفاصيل الرسالة تم قبول الرسالة بدرجة ( جيد جدا ) .

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption