أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الجمعة، 22 أكتوبر 2021

العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس (3) علاقات وطنية وفنية / د. سيد علي اسماعييل

مجلة الفنون المسرحية 


العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس (3) علاقات وطنية وفنية

من المعروف أن هناك علاقات بين مصر وجميع الدول العربية، ومنها تونس بلا شك! وأغلب هذه العلاقات معروفة ومسجلة، وخصوصاً العلاقات التاريخية والسياسية والاقتصادية .. إلخ. أما العلاقات الثقافية فمنها المعروف المشهور، ومنها المعروف غير المشهور، ومنها غير المعروف إلا في أضيق الحدود، ومنها غير المعروف إطلاقاً والذي سنتعرف على جزء منه في هذه المقالة، وسنتعرف على الكثير منه في بقية المقالات!

صاحب باليّن
من المواقف المسرحية التي حدثت منذ تسعين سنة، وتُعدّ من الأسرار الثقافية والمسرحية، ولم تُنشر ولم يتحدث عنها أحد من قبل، أن الكاتب المسرحي المصري «أحمد زكي السيد» ظهرت كتاباته المسرحية بين عامي 1927 و1932، وكتب فيها مجموعة مسرحيات، منها: «فاتنة بغداد، ولص بغداد، وماجدولين، والمدينة المسحورة، وعمر بن العاص أو فتح مصر»، وهذه الأعمال مثلتها عدة فرق مصرية، منها: فرقة أولاد عكاشة، وفرقة علي الكسار، وفرقة جانيت هانم. أما المسرحية الوحيد التي كتبها، والتي لم تظهر على خشبة المسرح، فكانت مسرحية «صاحب بالين»! والسبب في ذلك إنها أساءت إلى تونس!!
وتتمثل تفاصيل هذا الموضوع في أن الكاتب كتب مسرحيته عام 1931، وقدمها إلى الرقابة لأخذ التصريح بتمثيلها على خشبة مسرح «دار التمثيل العربي»، وقرأ الرقيب المسرحية، وكتب ملخصاً لها، قال فيه: «تعود الجيوش التونسية من إحدى الحروب بقيادة قائدها «سرحان» الذي يأتي معه بمئات من الفتيات السبايا ليوزعهن على كبار الدولة التونسية بعد أن يختار أجملهن وهي «فاطمة» لتكون زوجة له؛ ولكن ابنه «أحمد» يرى الفتاة فيحبها وتحبه. وللقائد سرحان ابنة هي «عالية» يحبها الأمير «سليم» وهو ابن أخ سلطان تونس وولي عهده، ويريد باي تونس أن يكافئ قائده سرحان فيخطب منه ابنته عالية، ثم يرى كذلك الفتاة فاطمة، وهي ابنة الأمير «عبد الحفيظ» فيخطبها كذلك من أبيها ويجعل لزفافه بالفتاتين يوماً واحداً. ويتآمر التونسيون على سلطانهم لأنه رجل ظالم ويخلعونه من عرشه ويولون ولي عهده الأمير سليم وبذلك تنتهي المسرحية».
والمفروض أن الفرقة تنتظر تصريح الرقابة بالتمثيل؛ ولكن للأسف أرسلت الرقابة إلى محافظ مصر خطاباً يفيد رفض المسرحية، وضرورة الالتزام بمنعها وعدم عرضها على الجمهور! والسبب في ذلك، كما جاء في الخطاب الرسمي بناءً على تقرير الرقيب «إبراهيم حسني»، الذي اختتم تقريره قائلاً: «الرواية في ذاتها لا مغزى لها، وفيها تعريض جارح بسلطان تونس وتصويره بأنه مستبد ظالم، وأنه شهواني يملأ قصره بمئات الجواري والحسان، ولا هم له إلا مغازلتهن. كما أن في الرواية تعريضاً كبيراً بملوك الشرق الذين يملأون قصورهم بالنساء. وفيها أيضاً تآمر شعب على سلطانه وخلعه وتولية سواه، ومن رأيي عدم التصريح بتمثيلها».
والواضح من الوثائق المكتشفة بخصوص هذه المسرحية، أن تقرير الرقيب تم عرضه على مدير الرقابة، الذي كتب تأشيرة قال فيها: «لا أرى مانعاً من التصريح مبدئياً بتمثيل هذه الرواية بعد إدخال التعديلات الآتية: أولاً، استبدال باي تونس بأمير آخر، ثانياً: حذف ما شطبته بالقلم الأزرق في الصفحات 14، 20، 24، ثالثاً، حذف الفصل الثاني الذي وردت به المؤامرات على خليفة الباي». وبالبحث لم أجد أية إشارة تفيد تمثيل هذه المسرحية، مما يعني أن المؤلف لم ينفذ التعديلات المقترحة لأنه غير مقتنع بها، أو لأنها تعني إعادة كتابة المسرحية مرة أخرى، لذلك ارتضى بمنعها ولم يقم بأي تعديل عليها!
والشاهد هنا أن الرقابة لم توافق على إظهار حاكم تونس بهذا المظهر المخزي، ولم توافق على عرض مؤامرة شعب تونس على حكامه وتجسيد ذلك على خشبة المسرح وأمام الجمهور المصري حفاظاً على العلاقات بين البلدان العربية عموماً وبين تونس ومصر خصوصاً! هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن المسرحية من الممكن أن تؤثر سلباً على الجمهور المصري، لأن مصر في ذلك الوقت كانت تحت حكم الملك فؤاد، ومن الممكن أن يتأثر الشعب المصري بما يراه على خشبة المسرح، حتى ولو كانت الأحداث تدور في تونس، لأنها من الممكن أن تحدث في مصر!!

مع تونس ضد فرنسا
مع اشتداد الحركة الوطنية في بلاد المغرب العربي – ومنها تونس – في أوائل خمسينات القرن العشرين، أمام فظائع الاحتلال الفرنسي، قامت مصر بمنع الفرقة الفرنسية من التمثيل في الأوبرا المصرية، كما كان مقرر لها! وحدث هذا في ديسمبر 1952، أي بعد قيام ثورة يوليو بخمسة أشهر، أي قبل أن يستتب الأمر للضباط الأحرار بصورة كاملة! ومهما كان الأمر فهذا الموقف يُحسب لرجال الثورة المصرية، حتى ولو قللت من شأن هذا الموقف الوطني بعض المجلات، مثل مجلة «الجيل الجديد»، التي قالت:
«قررت وزارة المعارف على أثر الحوادث الدامية التي جرت في تونس ومراكش أخيراً إلغاء موسم الفرقة الفرنسية بمسرح الأوبرا الملكية. ولكن الفرقة الفرنسية، وصلت إلى الإسكندرية في نفس الوقت الذي صدر فيه القرار ومثلت حفلاتها على مسرح الهمبرا. ثم انتقلت إلى القاهرة، وبدلاً من أن تقدم موسمها على مسرح الأوبرا قدمته بقاعة إيوارت [بالجامعة الأميركية بالقاهرة]! فهل يقصد قرار الوزير منع الفرقة الفرنسية من العمل بمسرح الأوبرا فقط، أو منعها من زيارة مصر والعمل بمسارحها إطلاقاً؟ إذا كان يقصد الأمر الثاني وهذا هو المعقول، فإن الفرقة الفرنسية قد أحيت موسمها كاملاً، وقد انتقل رواد الفرقة والذين اشتركوا في حفلاتها التي كانت ستقام بمسرح الأوبرا إلى مسرح قاعة إيوارت بنفس اشتراكات مسرح الأوبرا، أليس هذا عجيباً؟!»

كمال بركات
ظهر «كمال بركات» بين عامي 1946 و1949 ممثلاً وكاتباً للسيناريو والحوار في فيلم «ضحايا المدينة»، ثم مساعد مخرج في أفلام «ملاك الرحمة، ويد الله، وضربة القدر، وشادية الوادي»، ثم مخرجاً وكاتباً للسيناريو والحوار في فيلمي «المليونيرة الصغيرة، وأرواح هائمة». وبالبحث عن اسم «كمال بركات» في الإنترنت، لم نجد أية معلومات عنه سوى المعلومات السابقة! أما المعلومة «الوحيدة» التي وجدناها عشرات المرات، والتي ارتبطت باسمه منذ عام 1948، هي إنه مكتشف الفنان «رشدي أباظة»، الذي أعطاه أول دور تمثيلي له في فيلم «المليونيرة الصغيرة».
اختفاء «كمال بركات» وعدم وجود أية معلومات عنه، راجع إلى أنه سافر إلى تونس في مهمة جليلة، تُعدّ نموذجاً للتعاون الفني بيت مصر وتونس! وأظن أن «كمال بركات» استقر في تونس بقية حياته، وربما مات هناك، وهذه نقطة بحثية مهمة أمام الباحثين التونسيين المتخصصين في الإذاعة والغناء! ومن الممكن للباحثين الانطلاق في بحوثهم من المعلومات التالية!
في ديسمبر 1954 نشرت مجلة «أهل الفن» كلمة كتبها المخرج «كمال بركات» الذي ترك السينما ليعمل في إدارة التمثيليات بالإذاعة التونسية - وقد أنعم عليه جلالة باي تونس بنيشان «الكوماندور» - قال فيها: تركت مصر في مارس 1952 بعد أن تعاقدت للعمل كمدير لقسم التمثيليات العربية في إذاعة تونس، وكونت هناك فرقة من خيرة الشباب، وخرجت بها من حيز ونطاق الهواية إلى الاحتراف، وتكونت بذلك في تونس أول فرقة إذاعية تمثيلية ثابتة، يتقاضى أفرادها مرتبات شهرية من الإذاعة، وتقدم هذه الفرقة تمثيلية كل مساء سبت تستغرق حوالي ساعة. ومعظم الروايات التي قدمتها هذه الفرقة من روائع الأدب العالمي، مثل: «ذهب مع الريح»، و«سيرانو دي برجراك» و«ماجدولين»، وكثيراً ما يكتب لنا الكُتّاب التونسيون تمثيليات تعالج عيوبنا الاجتماعية. ومن ممثلي الإذاعة اللامعين السيدات: نعيمة المهدي، ونجوى إكرام، وفاطمة بوذنية، وزهرة فايزة، ودلنده عبده. والسادة: محمد الهادي، والبشير الرحال، وتوفيق العبدلي، وصالح المهدي، وعبد الرحمن عبيريجة، وبوديبرج، والعرقاوي، وبن جدو. وقد فكرت في الخروج بهذه الفرقة إلى المسرح ومواجهة الجماهير التي طالما استمعت إلينا في الميكرفون، فكونت فرقة «العشرين» على غرار فرقة العشرين التي كونتها في مصر من قبل. ويتولى رياسة الشرف لفرقة العشرين سمو الأمير «صلاح الدين باي» أصغر أبناء جلالة «محمد الأمين باشا» باي تونس. وستقدم الفرقة باكورة أعمالها هذا الموسم إن شاء الله. وقد رسمت لنفسي برنامجاً عندما غادرت مصر لأعمل في تونس، أطلقت عليه «مشروع الخمس سنوات» وينحصر برنامجي في الإنتاج الفني طوال موسم العمل والدراسة والاطلاع خلال الاجازة الصيفية».
واستمر كمال بركات في سرد أعماله أثناء فترة الصيف، حيث سافر من تونس إلى باريس وتنقل بين أستوديوهات الإذاعة والتليفزيون والسينما لمدة شهر، ثم انتقل إلى لندن وقضى بها شهرين لدراسة فن المسرح في مسرح شكسبير التذكاري، والتنقل بين أستوديوهات إنجلترا السينمائية للوقوف على أحدث ما وصلت إليه، ونجح في الاتفاق هناك على إنتاج فيلم مشترك تُصور مناظره في جبال تونس والجزائر ومراكش، وتدور أحداثه حول شخصية أفريقية وهي «هانيبال»، وقام بالاتصال بأصحاب رؤوس الأموال التونسيين لتمويل هذا المشروع. ومن أعمال كمال في لندن قيامه بإخراج بعض التمثيليات لإذاعة لندن منها: «أغنية الموت» و«رصاصة في القلب» لتوفيق الحكيم، وكانت من أداء أنور وجدي وليلى فوزي. كما قام إبراهيم رزق بتسجيل ندوة جمعت بين كمال بركات ويوسف وهبي وفريد الأطرش لصالح الإذاعة البريطانية من خلال أستوديوهاتها في باريس.
وبعد انتهاء شهور الصيف، عاد كمال للحديث عن تونس، قائلاً: «وانتهت رحلتي لأعود إلى تونس حيث تقام أول محطة للتليفزيون في الشرق. أنها محطة تونس التي بدأ إنشاؤها فعلاً وستفتتح رسمياً في نهاية عام 1955. وقد صحبت معي السيدة فايدة كامل والمطرب إبراهيم حمودة لبعض حفلات المسرح في تونس وتسجيلات راديو تونس. ثم الأوبريت الضخمة التي أعدها للمسرح والإذاعة في تونس ويشترك فيها نجوم الإذاعة التونسية مع فايدة كامل وإبراهيم حمودة».
هذا الخبر وجدت له خبراً آخر متعلقاً به في مجلة «الفن»، جاء فيه: «تلاقي البعثة الفنية المصرية التي استقدمتها الإذاعة التونسية ترحيباً وحفاوة من جميع الأوساط في تونس، وقد لاقت أولى حفلاتها نجاحاً عظيماً، وطالب الجمهور تقديم الفرقة في حفلة ساهرة على المسرح، وستستجيب محطة الإذاعة لهذا الطلب، وتقيم حفلة كبيرة في القريب، وستقدم فرقة الإذاعة التونسية قريباً، أولى حفلاتها التمثيلية على المسرح، ويشرف على هذه الفرقة المخرج كمال بركات، وتضم هذه الفرقة مجموعة قوية من الفنانين».
وفي فبراير 1955 أخبرتنا مجلة «أهل الفن» بعودة الفنانين المصريين بعد أن أحيوا عدة حفلات غنائية في تونس بدعوة من «راديو تونس»، وقد تلقت المجلة رسالة من «كمال بركات» رئيس قسم التمثيليات العربية بإذاعة تونس، قال فيها: «كنت في القاهرة لأتعاقد مع بعض الفنانين المصريين لتقديم برامج جديدة لمحطة الإذاعة التونسية، وقد تعاقدت لحساب راديو تونس مع الأستاذ إبراهيم حمودة والسيدة فاطمة علي والمنلوجست محمد كامل والموسيقيين رضا إبراهيم وأحمد العريان وأبو اليزيد الغنيمي وصالح الكراني. وسافرت هذه البعثة الموسيقية إلى مطار «العوينا» بتونس .. وقد تعاونت الفرقة الفنية المصرية مع فرقة الإذاعة التونسية فأصبح التخت مكوناً من عشرة أفراد، ستة تونسيين، وأربعة مصريين. والموسيقيون التونسيون هم: رضا القلعي أول عازف كمان بتونس، وناصر ... [اسم غير واضح] عازف كمان، وعبد الرازق الصباغ عازف كمان، وعبد الحميد بلعلجية للناي، وصادق الكيلاني فيولونسيل، وإبراهيم المهدي الكنترباس الوحيد في تونس. وكانت الفرقة المصرية موضع حفاوة وتكريم الوسط الفني التونسي والشعب التونسي الشقيق، وما أن وصلت هذه الفرقة من الفنانين المصريين إلى تونس حتى بدأت تمارينها، وقدمت بعد ذلك برامج ناجحة لمحطة الإذاعة التونسية، نالت تقدير وإعجاب الشعب التونسي المعروف بولعه الشديد بكل ما يأتيه من الشرق. وخاصة من الشقيقة الكبرى مصر. وقد احتفى سمو الأمير صلاح الدين باي أصغر أنجال جلالة مولانا محمد الأمين باشا باي تونس. احتفى سموه بالفرقة المصرية فأقام لها حفلاً رائعاً بداره، ختمها أجمل ختام إذ قلد جميع أفراد الفرقة المصريين نياشين الافتخار من الدرجة الثالثة «برتبة ضابط»، كما قلد سموه الأستاذ إبراهيم حمودة نيشان الافتخار من الدرجة الثانية «برتبة قائد» ولم تكن المطربة فاطمة علي قد وصلت من مصر، فلم تحضر حفلة سمو الأمير. وقبل أن ترحل الفرقة إلى مصر العزيزة، قامت بتقديم حفلة على مسرح البلدية بمدينة «صفاقس» وهي العاصمة الثانية التونسية ونجحت الحفلة نجاحاً مرموقاً دلّ على مدى تذوق الشعب الشقيق للفن ودقة شعوره وتقديره للفنون. ولم يسعدنا الحظ لتقديم حفلة على مسرح البلدية بتونس إذ كان المسرح مشغولاً بفرق أخرى، ولو أن أملنا كان كبيراً في أن يسعى رجال بلدية تونس الأفاضل في عمل المستحيل في سبيل منحنا المسرح البلدي لتواجه الفرقة الجمهور التونسي قبل عودتها إلى أرض الكنانة. وأخيراً أحب أن أقول إن كل فنان مصري كان في تونس، كان مثلاً حياً لمصر الثائرة، وكان سفيراً صادقاً لمصر الحرة في تونس. هذه رسالتي إليكم .. وتحيتي وتقديري لكل فنان مثّل مصر في هذه الرحلة. وأدى رسالة الفن في أحد بلاد الشرق العربي، وفي تونس الشقيقة»
------------------------------
المصدر: مسرحنا العدد 734 

فرقة «الورشة» التراث الشعبي وأسطورة الحياة / عيد عبد الحليم

مجلة الفنون المسرحية 


فرقة «الورشة» التراث الشعبي وأسطورة الحياة

“فرقة الورشة” واحدة من أهم الفرق المسرحية المستقلة في مصر، التي ساهمت – بشكل واضح – في تطور حركة المسرح الحر، على مدار أكثر من خمسة عشرين عاما.

بدأت الفرقة نشاطها عام 1987 على يد المخرج حسن الجريتلي الذي يعمل في المجال المسرحي منذ السبعينيات من القرن الماضي، فقد حصل على ليسانس المسرح من جامعة برتسول ثم على دبلوم الدراسات العليا في السينما من برنامج خاص بجامعة السوربون، وظل مديرا فنيا لمسرح الأرض والهواء، وهو جزء من المركز القومي للدراما لتطوير التجريب في المسرح الإقليمي البديل في فرنسا في الفترة بين أعوام 1975 و1982.
وبعد عودته إلى القاهرة عام 1982 وتعينيه مخرجا بمسرح الطليعة في العام التالي قوبلت أعماله المسرحية التي كان يعدها إما بالرفض وإما التربص غير المعلن، مما حدا به إلى الاتجاه إلى المجال السينمائي، وفي هذه الأثناء قابل مجموعة من الفنانين مم يتشوقون إلى إيجاد مسرح بديل يحقق حساسيتهم الاجتماعية والجمالية، ويخرج من دائرة رقابة المؤسسة الثقافية، فكونوا “فرقة الورشة” عام 1987، التي قدمت في سبتمبر من نفس العام عرضين ارتكزت فيهما على نصوص عالمية هي “يموت المعلم” لبيتر هاندكه، و”نوبة صحيان” لدرايوفو وفرانكاما، وقد أعيد هذا العرض في أوائل 1988، ثم قدم في مهرجان القاهرة التجريبي الأول في سبتمبر من نفس العام، وهو عبارة عن مونودراما قامت بتجسيدها الفنانة عبلة كامل.
وقد أجادت منحة البطراوي في إعداد وترجمة النص نظرا لصعوبته، حيث تتضافر في مادته الأصلية جذور الأداء الشعبي مع الفكرة الاجتماعية للمسرح.
وهذه الفكرة تعتمد على توليد الطاقة الدرامية من خلال لغة مقتضبة كانت إحدى السمات الأساسية للمرحلة الأولى للورشة التي قدمت فيها أيضا، بعض مسرحيات “هارولد بنتر” باللغة العامية المصرية بما فيها من مشاعر متلاطمة الأمواج، وفضاءات رحبة للتعبير الشعبي. وبما تخفيه الشخصيات وراء أقنعة التعامل الاجتماعي اليومي، ولعل عرض “المستعمرة التأديبية” كان خير مثال على ذلك، فقد جاء بمثابة أمثولة غنية وأليمة في علاقتها بواقعنا، حيث تفضل المؤسسات أن يقتلها الجمود على أن تعيش مغامرة النمو والتطور.
وجاء عرض “غزير الليل” 1993 بعد تدريب طويل على الحكى بمنظوراته المتعددة وعلاقته البديلة بالجمهور، من خلال الكشف عن مواطن الالتقاء في المادة الشعبية بأصواتها وإيقاعاتها المختلفة، وفي الحرية المتمثلة في المنطلقات المتعددة للخيال، ما أنتج تكوين سياق مسرحي يحتضن إيقاع المشاعر، وإلى مراجعة العلاقة المكانية بين العرض والجمهور.
وقد ألقى هذا التوجه بظلاله على طبيعة العرض الذي قدمه ممثلون فطريون شعبيون، بالإضافة إلى بعض  الممثلين المحترفين وكذلك المغنين وعازفي الآلات الشعبية القادمين من الريف.
وهذا ما أوجد ما يمكن أن يسمى بـ”الفعل الفيزيائي” للشخصية المسرحية التي جاءت مزيجا من المناجاة والابتهال والصراخ والرقص، وهي مفردات تعلن عن انتمائها ـ بكل صراحة ـ إلى المزاج الشعبي المصري، وتستحث المشاهد ـ أيضا ـ إلى اللجوء إلى الذاكرة الشعبية الغنية بتراثها وموسيقاها وإيقاعها الذي يهتم بالإنسان أولا.
وقد اعتمد الجريتلي في عرض “غزير الليل” على إعادة إنتاج العلاقات الإنسانية داخل الحكاية الشعبية الشهيرة “حسن ونعمية”، وهي قصة الفتى المغني حسن، ونعيمة التي تعشقه وتهرب معه، فيقلته أهلها انتقاما منه، وقد لعب “الجريتلي” على توظيف هوامش الحكاية وإدخالها في متن العرض مع استخدام نص مسرحي موازٍ يستفيد من الأغاني الأصلية الموجودة في الحكاية المتوارثة، وتتحول الحكاية الأصلية إلى منطقة تصويرية لصنع مشاهد تتسم بجرأة طرح عورات الواقع بعيدا عن المحسنات الشكلية التي تتسم بها لغة “الفلكلور” وقد اعتمد الجريتلي في عرضه على استخدام شخصية “الحكواتي” الذي يمثل جزءا من سياق العرض، وقد قام بهذا الدور الفنان سيد رجب، واستمرت إلى جانب ذلك “ليالي الورشة” التي بدأت بالحواديت فقدمت في القاهرة والإسكندرية والمنيا وقرى البياضة وشرموخ وبورسعيد وبيروت وعمان وباريس وروتردام ولندن وواشنطن، وأصبحت تشمل الخيال والأراجوز والأغاني والتحطيب والآلات الشعبية، وهي الفنون التي يتدرب عليها الممثلون تحت إشراف الفنانين الشعبيين.
وفي هذا الإطار أنتجت الفرقة فيلما تسجيليا تحت عنوان “مولد السيدة عيشة” بالتعاون مع أهالي حي السيدة عيشة الذين ينظمون “زفة” تختلف في طابعها الكرنفالي عن أغلب المواكب التي تصاحب الموالد الأخرى.
كما اهتمت الفرقة بجمع مادة “السيرة الهلالية” من الشعراء الذين يحملون تراثها الشفاهي، والتدريب على أدائها حكيا وغناء، وتقديمها من خلال “ليالٍ مسرحية مستقلة”، وقد تجسدت تلك التجربة في عدة عروض منها عرض “غزل الأعمار” الذي قدم لأول مرة عام 1988 والذي مثل مصر في أكثر من مهرجان مسرحي عربي، كما عرض في عدة أماكن منها معهد العالم العربي بباريس، ومعهد الفنون المسرحية بدمشق، ومهرجان الفجر بطهران ومهرجان “قمة الفنون” في جاكرتا، وفي بعض القرى المصرية في المنيا والإسكندرية وسوهاج وأسوان والشرقية.
ونرى في هذا العرض أن الراوي لم يعد هو البطل المحوري للعرض كما في النص الأصلي، حيث يتولد من خلال الفعل الحدثي للحكاية، فالمنشد له الدور الرئيسي الذي يحرك الأحداث والشخصيات التي تخرج ـ بتلقائية ـ من دائرة الإنشاد إلى التمثيل، ومن الحكي إلى التجسيد، عن طريق تكثيف فكرة الاستلهام التراثي وتطوير “مسرح الحكواتي” الذي بدأ في لبنان على يد “روجيه عساف” في منتصف الستينيات، وقد اشتغلت الورشة على روايتين للسيرة الهلالية، أولاهما رواية الشاعر الشعبي “جابر أبو حسين” 1912ـ1980، التي تم تجميعها من قبل الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، وصدرت منها خمسة أجزاء وأشرطة مسجلة بصوت أبو حسين، أما الرواية الثانية فهي للشاعرين سيد الضوى “الابن والأب”.
وبالإضافة إلى تلك العروض فقد قامت الفرقة بتأسيس “مركز الورشة” لتدريب الممثلين على الفنون الشعبية، وعلى المهارات والتقنيات المسرحية الجديدة، وكذلك إقامة عدة مشروعات بالتعاون مع بعض الفنانين الشعبيين، كان أولها “مركز التحطيب وفنون العصا” في ملوي، كما أسست الفرقة بالتعاون مع جمعية “الجيزويت” و”الفرير” في المنيا مركزا مسرحيا للأطفال قائما على الارتجال المسرحي وخيال الظل والرسوم المتحركة، بالإضافة إلى إقامة عدة مراكز للتدريب على الغناء بالتعاون مع “كورال جمعية الصعيد”.
وحاولت الفرقة ـ أيضا ـ تطوير طرق التعامل مع التراث اليومي للحياة من خلال جمع ما يتعلق بروح الحياة اليومية كالكتابات الموجودة على الحوائط والسيارات والذكريات والأحلام والنكات وأغاني الميكروباص والأفراح والأتراح والأسواق والموالد، وقد تم تقديم هذه المادة في عدة عروض حملت اسم “اللي يعيش” في محاولة من أعضاء الفرقة للبحث عن سياق مسرحي يأخذ أشكالا تبتعد عن استنساخ الواقع، وفي هذا الإطار بدأت الفرقة مرحلة جديدة تهتم بعملية التمثيل باعتبارها وسيلة يتم من خلالها استحضار شخصيات تنبض بالحياة، سواء كانت حقيقية أو متخيلة، من خلال توسيع مساحة الحكي التي جاءت كبديل موضوعي مضاد لميراث التمثيل الخطابي والتجاري.
ومن أهم العروض التي قدمتها الفرقة عرض “رصاصة في القلب” لتوفيق الحكيم، وهي من أهم الأعمال التي أنتجها المسرح العربي حتى الآن، وقد أهمل النص المسرحي نظرا لأن شعبية الفيلم قد طغت عليه منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وقد جاء هذا العرض في إطار “دراما تورجي” قام على تنفيذه خالد جويلي، وهو من أكثر المهتمين بهذا الجانب، وجاء العرض في إطار إنساني يقوم على الإيثار بين الأصدقاء وإعلاء قيمة التضحية، وقد قام ببطولته أحمد كمال والراحلة فانيا اكسر جيان وبطرس رءوف وقدم بالتعاون مع مسرح الطليعة.

----------------------------------------------

المصدر : مسرحنا العدد 734 


ليبيا مائة عام من المسرح " 1908_ 2008 " أو هكذا تكلم المسرحيون / نوري عبدالدائم أبوعيسى

مجلة الفنون المسرحية

الخميس، 21 أكتوبر 2021

مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابي يطلق البوستر الدعائي لدورته السادسة

مجلة الفنون المسرحية 

مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابي يطلق البوستر الدعائي لدورته السادسة

كشفت إدارة مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابي برئاسة الفنان مازن الغرباوي ، عن البوستر الدعائى للدورة السادسة من المهرجان والتى ستقام خلال الفترة من 6 إلى 11 نوفمبر بمدينة السلام "شرم الشيخ" بمحافظة جنوب سيناء . صمم بوستر المهرجان هذا العام الفنان علي عبد الرحمن ، وقد استمد مادته الرئيسية من ألوان البحر مع وجود عنصر الشباب بالإضافة لفكرة الفنون الادائية والتى استوحى شكلها من خلال عرض " إيزيس " الذى شارك في الدورة الخامسة من المهرجان وحصل علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة ، ليؤكد البوستر فى النهاية أن مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابي يجمع فى طياته العروض المسرحية والفنون الادائية المختلفة بمسابقاته المتنوعة . وكانت قد كشفت إدارة المهرجان أن الدورة السادسة منه تحمل اسم الفنانة الكبيرة سميحة أيوب وسيعلن عن تفاصيل الدورة خلال مؤتمر صحفي يوم الاثنين 25 أكتوبر الساعة السابعة مساء بالمجلس الاعلي للثقافة بحضور الاستاذ الدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس ، وكل أعضاء اللجنة العليا للمهرجان المكونة من : د. إنجى البستاوى المدير العام للمهرجان ،الإعلامى خيرى رمضان ،أ. د.طايع عبد اللطيف، مستشار وزير التعليم العالى والبحث العلمى،المخرج عادل عبده ،الفنان هانى كمال ، الفنان محسن منصور ، الفنان نضال الشافعى ،الفنان والمخرج مازن الغرباوى، مؤسس ورئيس المهرجان. يذكر أن المهرجان يرأسه شرفيا النجمة الكبيرة سميحة أيوب ورئيس اللجنة العليا الفنان الكبير محمد صبحي ويقام تحت رعاية الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة واللواء أركان حرب خالد فودة محافظ جنوب سيناء، وستنطلق الدورة السادسة من المهرجان يوم 6 نوفمبر 2021 بمدينة شرم الشيخ وتنتهي يوم 11 من نفس الشهر.


الأربعاء، 20 أكتوبر 2021

مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل دورته السادسة خلال مؤتمر صحفي يوم 25 أكتوبر الجاري

مجلة الفنون المسرحية 
مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل دورته السادسة خلال مؤتمر صحفي يوم 25 أكتوبر الجاري 


 يعلن مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، برئاسة الفنان والمخرج مازن الغرباوي، عن تفاصيل دورته السادسة من خلال  مؤتمرا صحفيا للكشف عن تفاصيل دورته السادسة المزمع إقامتها في الفترة من 6 الي 11 نوفمبر ، وذلك بقاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة، في تمام السابعة مساء.

من المقرر أن يتضمن المؤتمر الإعلان  عن المكرمين وقوام لجان تحكيم المسابقات المختلفة، والعروض المشاركة، والفائزون بمسابقات المهرجان النوعية ، والورش التدريبية، والندوات والمؤتمرات وحفلات توقيع الاصدارات  المقامة ضمن فعاليات المهرجان.

يقام المؤتمر بحضور الفنانة القديرة سميحة أيوب الرئيس الشرفي للمهرجان، النجم الكبير محمد صبحي رئيس اللجنة العليا للمهرجان، الفنانة إلهام شاهين، سفير تونس، بجانب لفيف من الفنانين، أبرزهم لقاء الخميسي، إيهاب فهمي، محمد عبد الرحمن توتا، محسن منصور، أحمد صيام، أمير صلاح الدين، طارق صبري، د. رانيا فتح الله، سامح بسيوني، المخرج عصام السيد، الناقدة فاطمة المعدول، السيناريست نادر صلاح الدين، د. سامح مهران، د. أيمن الشيوي، د. فريد النقراشي، د. مصطفى سليم، د. مدحت الكاشف، د. عبير فوزى، د. إيمان عز الدين.

المهرجان يرأسه شرفيا النجمة الكبيرة سميحة أيوب ورئيس اللجنة العليا الفنان الكبير محمد صبحي ويقام تحت رعاية الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة واللواء أركان حرب خالد فودة محافظ جنوب سيناء، وستنطلق الدورة السادسة من المهرجان في نوفمبر 2021 بمدينة شرم الشيخ.

الإنتاج المسرحي – ثنائية الأهمية والتجاهل

مجلة الفنون المسرحية 
 

الإنتاج المسرحي – ثنائية الأهمية والتجاهل

 د. جمال ياقوت 

إن المتتبع للمناهج التي تدرس في المعاهد والأقسام المتخصصة في الدراسات المسرحية في العالم العربي لابد أن يتوقف أمام التجاهل شبه التام – بقصد أو بدون – لتدريس الإنتاج المسرحي وما يتصل به من موضوعات، ولأن هذا الأمر أكبر من أن يناقش تفصيلاً في مقال، فإنني سوف أكتفي بعرض للموضوعات التي يمكن أن يتم تدريسها في هذه المادة لتوضيح مدى أهمية هذه الموضوعات في بناء مسرحي رشيد يستطيع أن يؤسس لمنظومة إنتاجية احترافية. لأن البعض – للاسف الشديد – يحصرون الإنتاج المسرحي في المعنى الضيق المرتبط بإعداد المقايسات وتنفيذ العناصر المادية للعرض من ديكورات وملابس ومكملات مسرحية وغيرهم من العناصر المادية التي يحتاجها العرض المسرحي، وهم بالتالي يرون أن المحاسبين – وفقط المحاسبين – هم من يجب عليهم ممارسة الفعل الإنتاجي، وهذا المفهوم الضيق للإنتاج المسرحي، هو مفهوم قاصر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ولا يساهم أبداً في التعامل مع المسرح بوصفه صناعة مهمة مثله مثل السينما التي يحظى الإنتاج فيها بالدراسة والاهتمام.
المادة التأسيسة الأولى من مواد الإنتاج مادة : "مقدمة في الإنتاج المسرحي"، وهي المادة التي نتعرض فيها لموضوعات على شاكلة؛ التعريف المبسط لمفهوم الإنتاج بصفة عامة، والتفرقة بينه وبين الإنتاج المسرحي بشكل خاص، ومنها نعرج لدراسة خصوصية وأهمية الإنتاج المسرحي، وبالتالي ندرس مدخلات العملية الإنتاجية – وهو ما يمنحنا فرصة تعريف الطالب بالأنواع المختلفة للموارد الاقتصادية التي تساهم في عملية الإنتاج المسرجي، وأهمها الموارد البشرية، والأصول الثابتة والمتداولة بما فيها راس المال – وكذلك الأدوات التي تستخدم مع هذه المدخلات من أجل القيام بمجموعة من العمليات التحويلية التي تؤدي في النهاية للحصول على مجموعة من المنتجات المسرحية التي تصلح لأن تقدم لجمهور من مختلف الثقافات. وهو ما يمنح الطالب فرصة التعرف على العرض المسرحي بوصفه أهم مخرجات عملية الإنتاج المسرحي، وكذلك المهرجانات المسرحية، والورش التدريبية، ومسابقات التأليف وخلافه. ومن هنا يدرس الطالب الأطراف المستفيدة من هذا الإنتاج وطبيعة المنافع التي تتولد عن عملية الإنتاج المسرحي بأشكالها المختلفة.
كذلك يدرس الطالب أنواع الأنماط الإنتاجية، ودور المنتج  – بوصفه ممول العرض - وتقاطعه مع دور المخرج – بوصفه المبدع الفني للعرض -  في كل نمط، فالمخرج هو سيد العمل ومتخذ القرار في غالبية الأنماط الإنتاجية – خاصة في مؤسسات الإنتاج الرسمية – في حين يملك المنتج حق التدخل في الرؤية الفنية في أنماط الإنتاج الخاصة، ويتوحش دور المنتج في الشركات التي تقدم إنتاجاً من الدرجة الأولى First Class Production فيصل إلى حد التدخل السافر في الرؤية الفنية للعرض، وكذا يمكنه أن يلغي تواجد أي مشارك في العمل وعلى رأسهم المخرج في أي وقت، إنها لغة المال التي تحرك الجميع، ويمكننا أن نستوعب هذا الأمر إذا ما علمنا أن المصاريف المبدئية لأنتاج عرض مسرحي من هذا يمكن أن تصل إلى خمسين مليون جنيه استرليني، النوع – والذي يتمحور غالباً حول العروض الغنائية الاستعراضية كما هو الحال في إنتاج برودواي والويست إيند في لندن – وهو ما يؤدي إلى استمرار العرض لفترات قد تتعدي الأربعين عاماً، إنهم يسعون لتقديم خلطة شيقة بين الفن والتجارة، ولن يقف أي حائل أمام تحقيق هذا الهدف حتى لو كان المخرج نفسه.
كما يتعين أن يتعرف الطالب على الفوارق الجوهرية بين الوظائف الإنتاجية المختلفة، وعلى رأسها مدير الإنتاج وتقاطع دوره مع أدوار المصممين المبدعين، كما سيتعرف على الوظائف المتعلقة بالتخطيط، والتسويق والشؤون المالية والإدارية ... الخ. وهنا تكون الفرصة سانحة كي يدرس الطالب العوامل التي تؤثر في رواج – أو موات – الإنتاج المسرحي في مجتمع ما ، مثل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومدى رواج المسرح بوصفه وسيطاً تثقيفياً في المجتمع، واحترام حقوق الملكية الفكرية، والضرائب والعوائد الحكومية، والمقدرة المالية والتسويقية، والانفتاح المسرحي خارج الحدود.
أما المادة الثانية من مواد الإنتاج المسرحي فهي مادة "تخطيط الإنتاج"، وفي زعمي أنها المادة التي يمكن أن تحل الكثير من المشاكل التي تحدث في واقعنا المسرحي خاصة لهؤلاء الذين يجلسون على مقاعد المديرين في غالبية المؤسسات المسرحية، إنها المادة التي تمكن الطالب من امتلاك المهارات اللازمة لعملية التخطيط، وفي هذه المادة يمضي التخطيط في مسارين؛ المسار الأول يختص بالتخطيط الرأسي للإنتاج المسرحي، وهو ما يعني الدراسة التفصيلية لمراحل إنتاج العرض المسرحي الواحد من لحظة إتخاذ قرار الإنتاج بواسطة المنتج، وحتى إنتهاء الليلة الأخيرة من ليالي العرض. وهنا سوف يتعرض منهج هذه المادة لطبيعة متخذ القرارات في كل مرحلة، وأيضاً سنتعرض للاختلافات بين الأنماط الإنتاجية المختلفة، كما سيتعلم الطالب تفاصيل إعداد ميزانيات العروض بأنماطها المختلفة، وكذلك القوانين واللوائح المنظمة للتصرفات المالية في كل نمط، فالحرية التي يمكن أن يتمتع بها فريق العمل في المسرح المستقل قد لا تتوفر في المسرح الرسمي بشقيه الهادف وغير الهادف للربح.
أما المسار الثاني للتخطيط فسوف يختص بالتخطيط الأفقي في المؤسسات المسرحية التي تقدم أعمالاً مسرحية كثيرة في العام الواحد، وهو ما يجعل من المؤسسة المسرحية أرضاً خصبة للكثير من الأنشطة والفعاليات في آن واحد، فهناك عرض يعرض على خشبة المسرح، وآخر في مرحلة إنتاج العناصر المادية من ديكورات وملابس وخلافه، وآخر في مرحلة التصميمات الإبداعية الأولى ... ومجموعة من المشروعات الإنتاجية في مرحلة الدراسة، كما أن المؤسسة ذاتها قد تكون بصدد تنظيم مهرجاناً للمسرح، أو تنظيم ورشة تدريبية أو مسابقة للتأليف مثلاً. إن وجود هذه الفعاليات المختلفة يتطلب بالضرورة وعياً كبيراً بمسألة التخطيط، وخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار محدودية موارد المؤسسة الإنتاجية مهما كبر حجمها. وبالتالي فإن الوظيفة الأهم التي يجب أن يتعلمها الطالب هي التخطيط، الذي يعني بالموائمة بين الموارد المختلفة التي تمتلكها المؤسسة الإنتاجية، وبين الأهداف التي تسعى لتحقيقها خلال مدى زمني محدد، ولابد أن تتم هذه الموائمة بالصورة التي تحقق الاستخدام الأمثل لهذه الموارد، بمعنى أن تستخدم جميع موارد المؤسسة المسرحية طوال الوقت وبأقصى كفاءة ممكنة.
وسوف يتعلم الطالب في هذه المادة، التفكير الشامل في مسألة إنتاج العرض الواحد أو العروض المتزامنة، والقدرة على حصر وتوزيع الموارد الاقتصاديىة في المؤسسة المسرحية، ووضع البرامج الزمنية لإنتاج العرض الواحد،​ووضع البرامج الزمنية وحل مشاكل اختناقات الوقت والمناولة بين الأقسام الإنتاجية (ورش وعروض)، وهو ما يدعونا لوضع برنامج لتعلم الطريقة المثلى لحصر الموارد، وتحديد أنماط الإنتاج التي تنوي المؤسسة تقديمها خلال هذه الفترة الزمنية، وتخصيص رأس المال المتداول (توزيع الميزانيات على المشاريع)، وتحديد آلية العمل في كل نمط إنتاجي مع تعيين وسائل اختيار المخرجين، ومناقشة المشروعات مع المخرجين، ووضع برامج التشغيل للورش المختلفة، ووضع برامج العروض والتنسيق بين المشروعات، ووضع خطة التسويق، والتوجيه والرقابة والتنسيق بين مختلف الأقسام، في النهاية تتم عملية تعيين الانحرافات وتوصيات الموسم الجديد.
أما المادة الثالثة من مواد الإنتاج فهي مادة "نظم الإنتاج المسرحي"، وهي المادة التي تعني بالتفرقة بين الأشكال المختلفة للمنتجين، وتهدف هذه المادة إلى :  التعرف على أنواع النظم الإنتاجية المختلفة، آليات الإنتاج في كل نظام وحلول المشاكل الإنتاجية المتصلة به، وكذلك يدرس الطالب وسائل تحسين الإنتاج في كل نظام إنتاجي، ويتعلم بناء الاستراتيجيات للنظم الإنتاجية المختلفة.
ونتيجة لذلك، هناك مجموعة من المهارات التي تسعى المادة لأكسابها للطالب وهي: تحليل نظم الإنتاج المسرحي وتحديد الهدف من كل نظام، وطريقة وضع استراتيجيات مؤسسات الإنتاج المسرحي، وبناء استراتيجيات جديدة تقوم على تحسين الأداء، وأيضاً التعرف على بناء الأنظمة الإنتاجية في العالم ومحاولة تطويعها للنظام الإنتاجي في المجتمعات المحلية، وهو ما يعني أن يتم التركيز على عدد محدد من الموضوعات التي يتم تدريسها بصورة تفصيلية على شاكلة: أنواع النظم الإنتاجية والتي يمكن أن تتلخض في: نظام الإنتاج الرسمي الهادف للربح، مثل فرق مسرح الدولة الرسمي، ونظام الإنتاج الرسمي غير الهادف للربح، مثل فرق الجامعات والشركات والهيئات الثقافية، ونظام الإنتاج غير الرسمي الهادف للربح، مثل شركات الإنتاج الخاصة، وأخيراً، نظام الإنتاج غير الرسمي غير الهادف مثل الفرق المسرحية المستقلة – فرق الهواة – الجمعيات - المؤسسات. وكذلك تهتم هذه المادة بتدريس طرق إنشاء مؤسسات الإنتاج المسرحي وما تتضمنه من وضع استراتيجيات المؤسسة التي تحدد مصادر تمويلها، وقيمها المرجعية، وهويتها البصرية، وكذلك آليات الإنتاج في المؤسسة، وصياغة رسالتها ورؤيتها. كما تهتم المادة بتدريس الفوارق الجوهرية بين أشكال الإنتاجح الأكثر شيوعاً، ويأتي على رأسها؛ نظام إنتاج العروض الجوالة، والعروض الموسيقية، عروض المهرجانات، وعروض الارتجال ... الخ.
أما المادة الرابعة من مواد الإنتاج فهي مادة "تسويق المسرح"، وهي تهدف لتنشيط الاهتمام بفكر التسويق في مؤسسات الإنتاج المسرحي، ووضع استراتيجيات لخلق الحاجة للمسرح عند قطاعات الجمهور غير المحتمل. وتسعى المادة لإكساب الطالب مهارات مختلفة مثل، بناء الجمهور على المدى القصير والطويل، والربط بين الإنتاج المسرحي وحاجات الجمهور، وتحليل سلوك الجمهور، وامتلاك القدرة على وضع استراتيجيات لتسويق المنتج المسرحي. ولتحقيق هذه الأهداف سيقوم الطالب بدراسة أهم أنواع المنتجات المسرحية، وكذلك الأنواع المختلفة للجمهور، والسبل التي تمكننا من تطوير الأداء التسويقي لدى فريق التسويق، ويتعرض المنهج للتفرقة بين: الترويج، والتسويق، والبيع، ويتعرض لأساليب الدعاية والإعلان، وطرق تصميم الهوية البصرية للعرض المسرحي وللمؤسسة ذاتها، كما يتعرف الطالب على طرق تقسيم الجمهور إلى قطاعات، والوسائل التي يتم بها تجميع واستخدام نظم المعلومات التسويقية، وطرق تسعير تذكرة العرض المسرحي. كما يدرس الطالب العرض المسرحي بوصفه رسالة اتصالية، وبالتالي يتعرف على قنوات الاتصال والمستقبلين (الجمهور). وأخيراً يدرس الطالب استراتيجيات التسويق الحديثة في الفنون – مع التركيز على المسرح -، وفي النهاية يدرس الطالب أساليب تقييم الأداء التسويقي ووضع خطط الاصلاح.
 
أما المادة الخامسة والأخيرة فهي مادة "تنظيم المهرجانات المسرحية"، وهي تهدف لوضع الأسس النظرية والتطبيقية لتنظيم المهرجانات المسرحية بأنواعها المختلفة، والموضوع وإن بدا بسيطاً لا يحتاج للتنظير والتدريس؛ إلا أن الواقع العملي يشي بالكثير من المهرجانات المسرحية التي ينقصها الكثير من أسباب النجاح، بسبب افتقادها لأبسط المعارف التي يمكن أن تساهم في إنجاح المهرجان تنظيمياً. من هنا فإن هذه المادة سوف تمضي بالطالب قدمأ من التخطيط التمهيدي للمهرجان وحتى تفاصيل حفل الختام، فالطالب يبدأ بالتعرف على أنواع المهرجانات المسرحية المختلفة وفلسفاتها وطبيعة كل منها، وما الذي يضعه نوع المهرجان من ضوابط تحكم عمل المشتغلين به، كذلك يدرس الأهداف المختلفة للمهرجانات بعد أن يدرس المواصفات العلمية لما يمكن أن نطلق عليه هدفاً.  ثم يتعرض الطالب لتصميم الهوية البصرية للمهرجان، وأهم عناصرها وأهمها الشعار المرئي الذي يمثل علامة دالة على شخصية المهرجان،  والذي يجب أن يتسم بالفهم السريع، والوضوح التام، والملائمة للمهرجان، والتناغم مع باقي مكونات الهوية البصرية.
ويتعلم الطالب في هذه المادة طريقة صياغة رسالة ورؤية المهرجان، Mission & Vision ، هذه الصياغة يجب أن تكون كافية للتدليل على أهداف المهرجان، ورسم صورته المستقبلية. وبرغم حداثة هذه المفاهيم التي ارتبطت بجودة الأداء – وبالتالي النتائج -  في المنظمات التجارية والخدمية؛ فإن الواقع يشي بنجاح تجربة تنفيذها، لأنها تتبع منهج علمي واضح في مراحل تخطيطها، وتطبيقاتها العملية. ونظراً للالتباس الشديد في هذه المفاهيم، وهو ما نتج عن الخلط بين طبيعة الرسالة والرؤية وما يتصل بها من الأهداف، فسوف يتم شرح كل عنصر بشكل تفصيلي حتى نتمكن في النهاية من وضع رسالة ورؤية واضحة للمهرجان.
ويدرس الطالب طريقة إعداد الميزانية التقديرية للمهرجان، ووسائل البحث عن ممولين ورعاة وجهات مشاركة،  وتحديد الجهات المشاركة في تنظيم المهرجان، ودور كل منهم، كما يدرس الطريقة التي يتم بها الاتفاق على أشكال المشاركات، وبالتأكيد الأسباب التي تدعو منظم المهرجان للبحث عن جهات مشاركة، وبالتالي دراسة ضوابط اللجوء الى المشاركين.
كما تتعرض هذه المادة لموضوع التخطيط الزمني للمهرجان، فيدرس الطالب : اختيار توقيت المهرجان، ومكان المهرجان و تحديد شروط المشاركة فيه، وكذلك يدرس تشكيل لجان المهرجان بأنواعها المختلفة  مثل لجنة المشاهدة - لجنة التحكيم ولجنة العروض والبرامج ولجنة التجهيزات الفنية ولجنة النظام - ولجنة الشؤون المالية والقانونية - لجنة العلاقات العامة - لجنة الإعلام .. وكذلك الوظائف التخطيطية والإشرافية مثل :  رئيس شرف المهرجان ، ورئيس المهرجان، ومدير المهرجان، والمدير التنفيذي للمهرجان، و سكرتير المهرجان
وتهتم المادة أيضاً بدراسة جوائز المهرجانات التسابقية والفعاليات المصاحبة للمهرجانات، و تعيين نقطة الإلتقاء   (Meeting Point)     وآلية تشغيل أنشطتها اليومية، وتفاعل الثقافات عن طريق عرض تراث كل دولة أو مدينة، وكذلك آليات تنظيم الورش التدريبية، والنشرة المطبوعة، والنشرة المرئية، وتنظيم حفلي الافتتاح والختام، والندوات التثقيفية، والتكريمات، وتصميم استمارة المشاركة في المهرجان وآليات النشر والتلقي.
كما يدرس الطالب المراحل التنفيذية للمهرجان والتي تبدأ بالإعلان عن المهرجان (محلياً ودولياً واختلاف البرنامج الزمني بينهما)، ثم تلقي الطلبات من خلال الموقع الرسمي للمهرجان، و فرز وتصنيف الطلبات، وإعداد جدول المشاهدات (للمحلي والدولي)، وارسال دعوات المشاركة للفرق الأجنبية، وضع برنامج المهرجان، وتنفيذ وسائل دعائية للمهرجان، وتحديد شكل الكرنفال الذي يجوب المدينة، واستلام البيانات التقنية من العروض المشاركة ودراستها، واجتماع اللجنة العليا للمهرجان لتحديد مسؤوليات كل لجنة، وارسال تعليمات للفرق المشاركة (محلي ودولي)، واستقبال الفرق، ووضع برنامج دقيق لفعاليات المهرجان، وومناقشات العروض، وتصميم استمارات استقصاء آراء الجمهور في كافة النواحي الفنية والتظيمية، وتنظيم حفل الختام وتوزيع الجوائز، والتسويات المالي، وتقييم وتقويم المهرجان، البدء في الإعداد للدورة القادمة.
 
الواقع أن هذه الموضوعات وغيرها من الموضوعات، هو الداع الأول والأخير لمطالبتي بأن تقوم المعاهد والأقسام العلمية المختصة بالمسرح بضرورة وضع مواد الإنتاج المسرحي ضمن المواد التي يتم تدريسها، حتى تحين اللحظة التي يكون فيها أقسام للإنتاج المسرحي في معاهد وأقسام المسرح أسوة بمعاهد السينما. فلا يعقل ألا تدرس أي مادة تتعلق بالإنتاج المسرحي، إلا في  قسم المسرح بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية الذي يدرس مادة الإنتاج المسرحي لطلبة الفرقة الثالثة، ومادة الأنتاج والتسويق المسرحي لطالبة الدراسات العليا في مرحلة الماجستير، وهو ما يتنافى مع التوجهات الحديثة التي تتعامل مع المسرح بوصفه صناعة
….

تحديث
اعتبارً من العام الجامعي الحالي
يبدأ العمل بلائحة التشعيب التي ارتكزت على نظام  الساعات المعتمدة بقسم المسرح بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية
ويدرس في هذه اللائحة مواد الإنتاج المسرحي وهي:
- مقدمة في الإنتاج المسرحي
- إدارة مسرحية
- عناصر العرض المسرحي (تطبيقات)
- تخطيط المشروعات الإنتاجية في المسرح (تطبيقات)
- تسويق المسرح

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

فن الرقص والباليه

مجلة الفنون المسرحية


فن الرقص والباليه

سعاد خليل – ليبيا

يقول الناقد فرانكلين ستيفنز: “كلنا راقصون، نحن نستخدم الحركة للتعبير عن أنفسنا، عن جوعنا، عن الأمن، عن غضبنا، عن أفراحنا، عن اضطراباتنا، وعن مخاوفنا، قبل استخدامنا للكلمات بكثير؛ ونحن كذلك نفهم معني الحركات قبل ان نفسهم معاني الكلمات بكثير”.

فن الرقص هو أكثر الفنون انتشارًا خصوصًا في أمريكا حاليًا، ومن أكثر الفنون فيها بحثًا وتنوعًا وتجريبًا.

ما هو الرقص؟ وكيف بدأ وكيف تطور؟

الرقص هو أقدم الفنون، فعمره التقريبي يبلغ 25000 سنة. النقوش الفرعونية القديمة تصور راقصين وراقصات، وتذكر التوراة كيف رقص داوود أمام الرب، كما يخبرنا هوميروس عن الرقص عند الاغريق، في “الالياذة” و”الاوديسة”، والأهم من كل هذا هو أن نعلم بأن الرقص كان آنذاك.

وظل لعصور طويلة حاجة اجتماعية يشارك فيها الناس، وكان في مناسبات كثيرة احتفالًا طقوسيًا يعبر عن الأفراح والأتراح. في بداية البداية، أي في المجتمع القبلي، ارتبط الرقص بساحر القبيلة والطقوس التي كان الناس يؤدونها لوصف الصيد أو الحصاد أو الحرب أو الزواج… ألخ. كما ارتبط احيانًا بالسحر والأديان الوثنية. إن راقصي قبائل (الفودو) في هاييتي وراقصي سهول شمال أمريكا، وراقصي الزولو، في جنوب أفريقيا، هم المؤسسون الأوائل لفن الرقص، ويبدو أن تأثيرهم عاد اليوم إلى خارطة الرقص الحديث في أمريكا وأوروبا. ورقصهم كما ذكرنا كان جزءًا من النشاط الاجتماعي، وأساسًا في احتفالات الولادة والزواج والموت. وهذا يشمل جميع الديانات والمجتمعات القديمة، حتى الهندوسية.

إذًا الرقص يعتبر شكلًا من أشكال الفن، فيستطيع أن يعبر عن جميع العواطف الإنسانية حب، كره، ألم، سعادة.. إلخ.. ويستطيع أن يعبر عن شعورنا بالحياة. كما نوهت أن الانسان القديم عرف الرقص للتعبير عن كينونته وقيمه وانفعالاته المختلفة، فقام بنقلها للمشاهد من خلال الحركات البدنية المنظمة وتنوعها كوسيلة نقل، ومن ثم أمكنه التعبير والايحاء عن جميع المشاعر والايماءات. وقد ظهرت عدة ألوان من الرقص تختلف وتتباين حسب الثقافات، ومراحل التطور التي تسود البلاد، خلال فترات ظهور وانتشار كل من تلك الرقصات؛ حيث يوضح هذا الاختلاف والتباين مدى تأثير الأفكار والتقاليد والقوميات على تنوع ألوانها، وقدرته الواسعة في انتاج أشكال كثيرة تعكس الإحساس بالحياة. هذه الاشكال والانواع لا يمكن أن تتشابه عند الشعوب باختلافاتها الواضحة؛ فهناك الرقص الشعبي والرقص النقري ورقص الجاز ورقص الباليه الكلاسيك،.. إلخ. كل نوع من هذه الرقصات له ما يميزه من العناصر الحركية التي تثير عدة عواطف مختلفة في وجدان المشاهدين عن مثيلاتها من العناصر الحركية للرقصات الأخرى لديهم.

وفي قراءة للكاتب رياض عصمت في كتاب شيطان المسرح وهو يسلط الضوء على عدة تجارب ومعلومات وانطباعات عن المسرح وضمنها الرقص، يؤكد أنه بعد انتشار المسيحية في أوروبا بفترة قصيرة انفصل الرقص عن الدين؛ ففي القرن الثالث عشر تحديدًا وقفت الكنيسة التي سبق أن رحبت بالرقص في البداية كجزء من طقوسها موقفًا معاديًا منه، واعتبرته إلحادًا، وهكذا بقيت رقصات المرحلة السابقة، ولكن بعد أن فرغت من مغزاها الديني.

وما لبث الرقص أن انتقل إلى مرحلة جديدة عندما دخل البلاط الملكي، خصوصًا في فرنسا وإيطاليا، وتميزت رقصات تلك الآونة بالثياب الثقيلة الفاخرة، والإقلال من قوة الحركات، وامتزجت الرقصات بالدراما بحيث عالجت مواضيع الحب واللياقة في القصور. لقد كانت مرحلة انعزال الرقص عن الجماهير الواسعة، وميله ليكون ترفًا خالصًا، ولكن هذا ساعد من جهة أخرى طبقة الحكام على الاهتمام الجدي بالفن الصاعد، ومنحه مباركتها الرسمية. فمع القرن السادس عشر، تغيرت شعبية الرقص وازداد انتشارًا في صفوف الطبقة المتنعمة.

   تعود النشأة الأولى لفن الباليه إلى إيطاليا، وخاصة في عصر النهضة، كما أطلق عليه في القرن الرابع عشر والخامس عشر، وقد ظهر  الباليه في تلك الفترة عن طريق حفلات البلاط وتنافس الملوك والأمراء في مجال الفن، ولما كان الرقص عنصرًا أساسيًا في تلك الحفلات ظهر نوع من الرقص سُميّ فيما بعد بفن الباليه، وهي كلمة إيطالية مشتقة من بلاري أي رقص على الرغم من أنه في تلك المرحلة لم يكن التكنيك هو الأساس الذي يقوم عليه الرقص، بل كانت النواحي الجمالية في الخطوات والتشكيلات الجماعية، ولم تكن الموهبة الفنية تعني شيئًا في ذلك الوقت، ويمكن أن نرجع ذلك إلى صعوبة التحرك بحرية كبيرة مع ارتداء الملابس الطويلة والثقيلة والإكسسوارات الكثيرة التي كانت سمة من سمات  تزيين الملوك والأمراء في تلك الحفلات، كما ذكرت اعلاه.

أسس لويس الرابع عشر عام 1661 الأكاديمية الملكية للرقص، بهدف تخريج راقصين محترفين، وهنا يذكر التاريخ الفني موهبتين رائدتين هما: (جان باتسيت لولي)، و(بيير بوشامب)، ولكن أقصى نجاح للرقص حققه، ليس مصممو الرقصات فقط، بل راقصون وراقصات مبدعون. على سبيل الذكر، كانت (ماري تاغليوني) أولى هذه الأسماء عندما ظهرت في باريس عام 1833، وفي هذه الفترة ظهر حذاء الباليه التقليدي وملابسه، وكان باليه (جيزيل) الشهيرة أول معالم هذا الفن الجديد آنذاك. كان الاهتمام بالرقص كأحد أهم الفنون بالعالم الاوروبي والأمريكي، وبدأ هناك العديد من المصممين للرقص يظهرون لوضع اسم ومعايير الابداع كالمصمم (اوغست بونوفيل) والفرنسي (موريس بيتيبا)، فهو أول من صمم رقصات (بحيرة البجع، وكسارة البندق، والحسناء النائمة) للمسرح الإمبراطوري بسانت بطرسبرغ في روسيا.

والباليه Ballet، حسب تعريفه العام، هو شكل من أشكال الأداء المسرحي يقوم على تقنيات الرقص التعبيري ترافقه الموسيقى والإيماء والمشاهد المسرحية. من أهم خصائص الباليه الحركية، الرقص على رؤوس أصابع القدمين، إذ كانت بداياته مشاهد تؤدى في البلاط الإيطالي لتسلية الضيوف، ثم أطلقه الفرنسيون على حركات الرقص وتقنياته. وقد اكتسب رقص الباليه التقليدي تقنياته من تطبيق نظام صارم في التدريب والتجارب على مدى أربعة قرون ونيف، وجعلت الجسد يتحرك فيها بأكبر قدر ممكن من المرونة والسرعة والسيطرة والرشاقة.

لقد تطور الرقص من الطقسي إلى الباليه، وهكذا أفسح المجال أمام حركات التجديد العصرية للرقص في الظهور. وكذلك الاشتهار، وعلى سبيل الذكر كانت الراقصة الامريكية (ايزادورا دانكان) من أوائل المجددات، بحركاتها البعيدة عن الباليه التقليدي، وملابسها الفضفاضة، والموسيقا المرافقة التي توحي باستحالة الرقص على أنغامها، وتركت أثرًا حتى على جمهور وفناني روسيا عندما رقصت هناك عام 1905، بعدها ظهرت راقصة أخرى هي (روث سانت دنييس) في نفس فترتها.

وقبل أن يصل هذا النوع من الفنون إلى أمريكا، انتقل إلى فرنسا عن طريق الملك فرانسوا الأول الذي كانت علاقته وثيقة مع معظم شخصيات عصر النهضة، حيث كان يؤمن بالأفكار الفنية والنواحي الجمالية، فعمل على إقامة الكثير من هذه الحفلات الفنية الراقصة، حتى جاء ولي العهد هنري الثاني وتزوج من (كاترين دي ميدتشي) التي يرجع لها الفضل في نشأة الباليه في فرنسا التي جاءت به من موطنها إيطاليا. وقد رعت عام 1581 عرضًا للباليه كلّف حوالي ثلاثة ملايين فرنك، وكان الراقصون من النبلاء والنبيلات. هذا النوع من الرقص سمي الباليه.

نعود إلى ما جاء في كتاب الاستاذ رياض عصمت من أن (ميشيل فوكين) وهو مصمم روسي ويعتبر من أبرز المجددين أصدر بيانا عام 1914 دعا فيه إلى مفهوم جديد للبالية والرقص، واحتج على أسلوب (بيتيبا) السابق المتسم بالكلاسيكية والقواعد الصارمة الثابتة أبدًا، مطالبًا بأن تتبع الخطوات والشخصية من الموقف الدرامي نفسه ومن عنصر الرقصة، وهذا ما جعل فوكين الذي لم يهجر أصول الباليه وإنما اقتبسها وطورها أعظم مصمم للرقص منذ بيتيبا. لم يستمر فوكين وترك مكانه لمجددين آخرين أمثال، (ليونيد ماسين)، و(سيرد دياغهيليف) بفرقته التي ظلت – حتي موت دياغهيليف عام 1929 – مسيطرة على فن الباليه في العالم، وذلك بفضل تعاونه مع عدد من المبدعين في فنون شتي؛ كما برز راقصون بارعون مثل (نيجنسكي)، و(بافلوفا)، و(كارسافينا)، ومؤلفون موسيقيون مثل (اثغور سترافنسكي)، و(ميلي بالاكيريف).

كان الرقص الطقسي القديم على جماعيته واحتفاليته محدودًا بغرض مباشر، ومحدودًا أيضًا بالطبيعة الاجتماعية والجغرافية للقبيلة، بحيث لا تعني رقصات الزولو شيئا للهنود، ولا العكس، أما الباليه الذي تطور عبر العصور، واتخذ أشكالًا مختلفة، فهو فن الرقص الانساني الذي ينتقل بلا حدود عبر مجتمعات متباينة، يخاطبها ويرضي نزعتها للجمال، ولولا هذا لما تطور الرقص وتحرر اليوم من الباليه الكلاسيكي الذي وصل لأقصى مراتبه عند الراقصين السوفييت، نحو استكشاف آفاق جديدة.

إن فن الباليه هو الفن الارستقراطي الذي تحبه طبقة الملوك والامراء، وتجلي حبهم لهذا الفن بمشاركتهم في الأداء بما قي ذلك الملك والملكة نفسيهما، وتشهد الأكاديمية الملكية للموسيقا والرقص بباريس التي أنشأها الملك لويس الرابع عشر – كما ذكرت سابقًا – بذلك، حيث بدأت هذه المدرسة أو الاكاديمية باحتفالات البلاط الملكي الفرنسي وزاد أمدها بثلاثة عشر مدرسًا من فرنسا وإيطاليا، وذلك للعمل على إعادة تأسيس هذا الفن على مستوي عالٍ في فرنسا، واشتهرت هذه الأكاديمية بحركاتها الرشيقة، ولم تعتمد على البراعة الفنية الفائقة، وأمتد نفوذ هذه الأكاديمية إلى كل انحاء اوروبا.

عندما نتحدث عن فن الباليه ومفهوم الجمال فيه، نتبين علاقة الفن الجمالي بالباليه: فهو يعتبر عمليات التجميع الهندسي لأفراد يرقصون معًا ويصاحبهم التناسق المتنوع لعديد من الآلات والأدوات. هو فن صامت يتحرك فيه الراقص في الزمان والمكان مستندًا على الموسيقى، وتتحد فيه الروح والجسد ليعبر عن أحاسيس معينة، متصلة بفكرة معينة، وله قواعده وأسسه التي رسخت عبر القرون، وأصبحت تدرس بجميع مدارس الباليه في العالم كفن عالمي أكاديمي موحد.

إن فن الباليه يعتبر فنًا مسرحيًا لغته هي لغة راقصة تعبر عن فكرة من خلال رقص جماعي أو فردي. هو فن مركب يحتوي على الكثير من الفنون الأخرى مثل الدراما والموسيقي، والحركة والديكور إضافة إلى الازياء والاضاءة والاخراج الخ، معتمدًا على تقاليد وعناصر مقننة ومعبرة. أي هو دراما حركية تنقل إلى المشاهد عن طريق الرقص الأكاديمي أو الأداء التمثيلي الصامت، مصاحبًا بالموسيقي والعناصر التشكيلية.

باختصار هذا النوع من الفن يختص بكل عناصره التي تهدف إلى انتاج الجمال، فهو يحدد طبيعية الحكم الجمالي لدى المتذوق أو الاعجاب الذي يظهره المشاهد بالمبادئ الجمالية والثراء التكنيكي الحرفي والوسائل التعبيرية والتشكيلات الهندسية.

المراجع:

رياض عصمت، شيطان المسرح، دار طلاس للدراسات والنشر، دمشق، 1987.

راجية عاشور، تذوق فن الباليه، دار الشرق، القاهرة، 2000.

.

العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس (2) معلومات مفيدة لاكتشافات جديدة/ د. سيد علي إسماعيل

مجلة الفنون المسرحية 


العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس (2) معلومات مفيدة لاكتشافات جديدة


من خلال تتبعي للأخبار المنشورة في الدوريات المصرية المتعلقة بتونس، وجدت معلومات مهمة جداً – ورغم ندرتها – لم أجد لها توابع فيما بعد لتكتمل الصورة! وفي الوقت نفسه وجدتها معلومات مفيدة لو تتبعها الباحثون – وخصوصاً في تونس - لخرجنا بنتائج مذهلة ستغير الكثير من معارفنا حول العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس!

البعثة الأولى
من أمثلة هذه الأخبار، الخبر المنشور في مجلة «الفكاهة» في شهر يونية 1927، والمتعلق بالحكومة التونسية، ونصه يقول: «قررت الحكومة أن ترسل إلى مصر بعثة مؤلفة من مائة شاب تونسي ليتلقنوا العلوم في التمثيل والغناء واللغة العربية»!
وأهمية هذا الخبر أنه منشور من خلال جهة رسمية وهي «الحكومة»! ولو بحثنا حول الخبر ربما نكشف النقاب عن أضخم بعثة تونسية إلى مصر لتعليم التمثيل والغناء؛ لأن تعليم اللغة العربية أمر معروف ومتوقع، لوجود البعثات العربية إلى الأزهر الشريف منذ مئات السنين! حتى ولو كان الطلاب الدارسون سيوفدون لدراسة اللغة العربية في كلية الآداب بالجامعة المصرية الحكومية، سيكون الأمر مقبولاً، لأن الجامعة المصرية الحكومية بدأت رسالتها رسمياً عند افتتاحها عام 1925! 
أما الجديد – والغريب - في هذا الخبر فكان تعليم التمثيل والغناء للوافدين التونسيين؛ بسبب عدم وجود معاهد لدراسة التمثيل والغناء في مصر حتى عام 1927. والمكان الوحيد الذي كان يُدرس الموسيقى بصورة أهلية وليست رسمية، كان معهد الأستاذ برجرين الإيطالي بشارع الشواربي، وكان أغلب أساتذته من الأجانب ويدرسون للطلاب الموسيقى الغربية! وفي هذه الفترة، كان يوجد أيضاً نادي الموسيقى الشرقي، ولعله المقصود بهذا الخبر! أما معهد فن التمثيل في مصر فقد تم افتتاحه عام 1930، مما يعني أن الخبر ربما كان يقصد إلحاق شباب تونس بإحدى الفرق المسرحية الموجودة في مصر لتعليم التمثيل بصورة عملية تطبيقية، لا بصورة علمية نظرية عملية داخل قاعات الدراسة. ولو بحث الباحثون التونسيون في الوثائق التونسية المتعلقة بالبعثات في عام 1927، ربما يصلون إلى إجابات حول هذا الموضوع.
سيرك أحمد عمار
نشرت مجلة «الكشكول» في يناير 1931 خبراً ضمن أخبار «المسارح والملاهي»، قالت فيه: «هبط أرض مصر رجل من الغرب يقولون إنه تونسي واسمه أحمد عمار، وهو مُرقص وحوش وفيّلة وخِيل وسباع، حاله حال سيرك عبده سليمان وغيره ممن يضربون خيامهم في آخر شارع الدرّاسة في مولد سيدنا الحسين. جاء أحمد عمار بخيله ووحوشه واتخذ له مكاناً ضرب فيه خيامه وجعل أجر الدخول مرتفعاً لدرجة لا تحتملها الأزمة المالية، واتخذ من المغريات ما استطاع، وليس في أعماله شيء مما يجعلك تعجب أكثر من أنه رجل درب هذه الحيوانات على ألاعيب خاصة مثله كمثل مروض القردة والمعز والحمير، بل ربما كان المصري أشد ذكاء وأكثر فراسة، ولكنه أقل من الأجنبي مغامرة وأبعد الناس عن معرفة طرق الاستيلاء على النقود في مثل هذه السنة».
وهنا عقدت المجلة مقارنة بين سيرك أحمد عمار، وبين سيرك عبده سليمان وما يُقدم في الموالد من فنون مختلفة. ومن خلال هذه المقارنة، أبانت المجلة عن هدفها من نشر هذا الموضوع، وهو أن أحمد عمار نجح في استنزاف أموال الجمهور المصري في عام الأزمة المالية العالمية، حيث عاشت مصر – وغيرها من البلدان – أزمة اقتصادية طاحنة في هذا العام، ورغم ذلك جاء سيرك عمار واستفاد من أموال الجمهور المصري، هذا هو غرض المجلة من نشر الخبر والمقارنة بين سيرك أحمد عمار التونسي، وبين سيرك عبده سليمان المصري!
والجدير بالذكر أن المجلة ذكرت تفاصيل مهمة لتؤكد فكرتها، قائلة: «لم يتخير أحمد عمار سنة رخاء ينزل فيها مصر حتى يقال إن هذه الكماليات قد تصادف قبولاً من الشعب المصري، ولكنه نزل أرض مصر في وقت استحكمت فيه حلقات الأزمة المالية في جميع البلدان. ومصر كغيرها من البلدان التي أصيبت بهذه الضريبة القاسية، ضربة الأزمة الاقتصادية ولكنها بدل أن يطأ أرضها جيش من السائحين جاءها مربي الحيوانات بجملة من حيواناته، التي رباها صغيرة واستنزف الأموال المصرية دون رقابة على شعب بلغ به الهوس هذا المبلغ؟!! ففي الوقت الذي تهتم فيه الحكومة بماليتها وتبحث عن أيسر الطرق التي تضمن التوازن المالي، يأخذ أحمد عمار التونسي في جيبه خمسمائة جنيه من مصر، فماذا استفادت منه مصر؟؟ وهذا السؤال أهم ما ألفت إليه نظر الجمهور، فهو أحضر حيواناته على بواخر خاصة، وأركبها عربات تماثل عربات السكة الحديدية وتسير على البر فلم يتحمل لها ولا لرجاله نفقات سفر لا في البر ولا في البحر، وهنا في مصر استأجر قطعة من الأرض ودفع لشركة النور أجر ما يستهلكه منها لا أكثر ولا أقل. أما مصر فلم يستفد منه فيها فراش لأن خيامه معه، ولم يستفد منه مطعم لأن رجاله يقومون بتجهيز الطعام، ولم يستفد منه فندق لأن رجاله يبيتون في خيامهم».
وإذا كانت المعلومات السابقة تتعلق بسيرك عمار أثناء وجوده في القاهرة، فقد وجدت معلومات أخرى عن محاولته سفر السيرك إلى فلسطين من مصر، أخبرتنا بها مجلة «الصباح» في نهاية يناير 1931، قائلة: «سافر إلى فلسطين منذ مدة وجيزة مندوب من فرقة سيرك أولاد عمار ليطلب من الحكومة الفلسطينية السماح له بإحياء بضع ليال بها. ولكن الحكومة رفضت بدعوى أن الأزمة الاقتصادية الحاضرة، لا تسمح بذلك».
كما أخبرتنا المجلة نفسها أن سيرك عمار ترك القاهرة ونصب خيمته في «بني سويف»، وهي إحدى مديريات صعيد مصر. وروت المجلة تفاصيل حادثة حدثت في هذا السيرك في فبراير 1931، قائلة: «في منتصف الساعة العاشرة من مساء أمس توجهت إحدى السيدات المصريات ومعها ابنها الصغير - وهي تنتمي لإحدى العائلات العريقة - للتفرج على سيرك أولاد عمار. وبينما هي ذاهبة لتأخذ مكانها تبعها أحد موظفي السيرك الأجانب وأخذ يضايقها مضايقة شديدة، وصدر منه حادث يعتبره القانون المصري جناية، وكان الأستاذ عبد العال أفندي محمود المحامي موجوداً بالقرب من مكان الحادث، فهمّ من مكانه وطلب إلى ذلك الرجل أن يبتعد من المكان خوفاً من اعتداء الجمهور عليه. ولكن موظفي السيرك جمعوا شتاتهم وحدثت بينهم وبين الحاضرين مشادة أفضت إلى تصميم النظارة جميعهم على هدم الخيمة حفظاً للكرامة والشرف، وكان من بين الحاضرين مدير بني سويف الذي توسط في إخماد الثورة بأن أرسل الحكمدار لحضرة الأستاذ وطلب إليه تهدئة الحالة، وأنه سيقوم بعمل اللازم. وفعلاً هدأت الحالة وبعد الانتهاء من الحفلة اعتذر مدير السيرك أمام الأستاذ بحضور سعادة المدير. وإزاء هذا الحادث امتنع الجمهور السويفي من حضور حفلات هذا السيرك حرصاً على الشعور الوطني».
هذه المعلومات حول سيرك أحمد عمار التونسي، وزيارته إلى مصر، تُعدّ معلومات مهمة لأننا لم نكن على علم بها، لا سيما وأن المعلومات المتاحة – في الإنترنت – عن بدايات هذا السيرك شحيحة جداً، وتقول بأن أحمد عمار جزائري وليس تونسياً، وأن سيركه تكوّن في فرنسا قبل أن يستقر في الجزائر، وأنه مازال يعمل حتى الآن في الجزائر باسمه الشهير «سيرك عمار»، ولكن بإدارة أشخاص آخرين اشتروا الاسم والعلامة التجارية للسيرك. والغريب أن المعلومات المتاحة لم تذكر أية علاقة لتونس بهذا السيرك، كما أنها لم تذكر أية معلومة عن زيارة هذا السيرك لمصر! لذلك فالبحث مطلوب الآن لمعرفة علاقة تونس بهذا السيرك، وهل بالفعل أصله من تونس أم من الجزائر؟ وإن لم نصل إلى إجابة مقنعة، فعلى الأقل عرفنا معلومات جديدة عن زيارة هذا السيرك إلى مصر، لم نكن على علم بها من قبل!
طالبان من تونس
من يقرأ في تاريخ المسرح التونسي سيجد لغزاً كبيراً متعلقاً بتدريس المسرح في تونس، ودور المصريين فيه، وخصوصاً زكي طليمات، والذي سنقف عنده كثيراً فيما بعد - في سلسلة مقالاتنا هذه – ولكن المعروف أن زكي طليمات بدأت علاقته بتونس عام 1950، مما يعني إننا لو أردنا أن نقول إن زكي طليمات بدأ يوثر في التونسيين مسرحياً، يجب علينا أن نوضح ونقول إن هذا التأثير بدأ عام 1950 وليس قبل ذلك!! وربما سيسألني البعض ويقول: ما علاقة هذا الموضوع بما نحن فيه؟ سأجيب قائلاً:
وجدت في بروجرام المعهد العالي لفن التمثيل العربي في مصر لعام 1949، دعوة لحضور حفلة تمثيلية اُقيمت في الأوبرا الملكية، برعاية وزير المعارف العمومية الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا، بمناسبة تسليم إجازة المعهد إلى خريجيه في قسميه، إذ يقدم المعهد مسرحيتين هما: المنقذة، والصعلوك لمحمود تيمور، وإخراج عميد المعهد زكي طليمات. ووجدت في البرنامج المطبوع والموزع على الجمهور، تعريفاً للمعهد، مثل الغرض من إنشائه، وهو تدعيم أساس فن التمثيل باللسان العربي من خلال إعداد ممثلين وممثلات ومخرجين إعداداً فنياً صحيحاً، ليعملوا في الفرق التمثيلية وتولي التدريب الفني في الفرق التمثيلية بالمدارس، وكذلك من أجل تنشئة كُتاب يعملون للمسرح بأقلامهم. ومن المعلومات المنشورة أيضاً أن المعهد يشتمل على قسمين: قسم الإلقاء والتمثيل، وقسم النقد والبحوث الفنية. ومدة الدراسة أربع سنوات في كل قسم، وتجرى الدراسة مجاناً، وتمنح الطالبة في قسم الإلقاء والتمثيل مكافأة شهرية قدرها 6 جنيهات، تشجيعاً للفتيات المثقفات على العمل بالمسرح. أما مواد الدراسة في قسم الإلقاء والتمثيل، فهي: إلقاء وتمثيل، وفنية مسرح، وأدب مسرح، وأدب السلوك، وحركة إيقاعية، وحمل السلاح وألعاب رياضية، واللغة العربية أدباً وأصولاً، وتاريخ فنون جميلة، وعلم نفس، وصولفيج، ومكياج. ومواد قسم النقد والبحوث الفنية، هي: النقد وتاريخه، وعلم نفس، وأدب مسرح، وتاريخ، وفنون جميلة، وأدب لغة عربية، وإلقاء وتمثيل، وفنية مسرح، وصحافة.
وبعد قراءة هذه المعلومات المهمة، وجدت في نهاية البروجرام فقرة عنوانها «عدد الطلبة عام 1948»: في قسم الإلقاء والتمثيل 55 طالباً و20 طالبة. وفي قسم النقد والبحوث الفنية 46 طالباً! أما أهم معلومة منشورة في البروجرام، فكانت هذه العبارة: «وبين طلبة المعهد يوجد طالبان من فلسطين، وثلاثة طلاب وثلاث طالبات من سوريا، وطالبة من لبنان، وطالبان من تونس»!!
وإذا علمنا إن هذا البروجرام يُعدّ وثيقة رسمية وصحيحة، لأنه صادر من معهد حكومي، وفي مناسبة سيحضرها الوزير شخصياً، مما يعني أن البيانات المنشورة في البروجراك رُوجعت أكثر من مرة، ولا تحتمل أي خطأ!! وهذا كله يعني أن «طالبين تونسيين» كانا ضمن طلاب المعهد الدارسين فيه عام 1948: إما في قسم التمثيل أو في قسم النقد أو كل طالب في قسم من القسمين، فهل يعرف أحد منّا جميعاً اسمهما أو اسم أحدهما؟! وهل يعلم أي أحد منا في مصر أو في تونس أن طالبين تونسيين كانا ضمن طلاب المعهد العالي لفن التمثيل العربي عام 1948؟!
هذه نقطة بحثية من أهم النقاط المطلوبة في هذه الفترة، لأن كشف النقاب عن هذين الطالبين أو عن أحدهما، سيوضح لنا حقيقة تاريخية مهمة، لأن هناك عدة احتمالات وراء هذه المعلومة المكتشفة، مثل: هل دراسة الطالبين كانت في مجال التمثيل أم في مجال النقد، وماذا فعلا بتخصصهما هذا؟ وهل عودتهما بعد الدراسة كانت إلى تونس أم إلى مكان آخر؟ وهل بالفعل أتمّا دراستهما أم أنهما تركا المعهد أثناء الدراسة، وهذا أمر تكرر كثيراً من بعض الطلاب الوافدين من الدولة العربية!!
أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات من باحثين داخل تونس، يبحثون في وثائق التعليم والبعثات التعليمية، لا سيما وأن تاريخ الواقعة معروف وهو عام 1948، وأن الجهة المبعوث إليها هي مصر، ومكان التدريس معروف أيضاً وهو المعهد العالي لفن التمثيل العربي!! وأرجو من الباحثين مستقبلاً أن يستبعدوا فكرة أن أحد الدارسين هو الفنان «علي بن عياد»، كونه أول تونسي درس في المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة فترة من الزمن، لأن دراسته كانت بعد عام 1948، وكانت لها ظروف خاصة وتعليم خاص، وهذا الموضوع سأتطرق إليه في حينه عندما أصل إليه مستقبلاً، بناء على خبر نشرته مجلة «الفن» في سبتمبر 1963، عندما قالت نقلاً عن مراسلها في تونس «أبو بثينة»: «سيتولى الأستاذ علي بن عياد إدارة الفرقة البلدية .. المدير الجديد درس في القاهرة وباريس وكان من ممثلي الفرقة وأحد مخرجيها». 

-----------------------------
مسرحنا العدد 733

اناتول فرانس مسرحيا / علاوه وهبي

مجلة الفنون المسرحية 
اناتول فرانس مسرحيا 

الكاتب الفرنسي اناتول

 فرانس(1844|1924) لم يشذ عن كتاب عصره ممن جربوا الكتابة للمسرح . ورغم انه اشتهر  بانه كاتب روائي وناقد اكثر من شهرته بانه كاتب مسرح . الا انه اصدر عددا من النصوص المسرحية على بساطتها  قدمت على  مسارح فرنسية . وربما لا يعرف عنه الكثير انه كتب للمسرح اكثر مما يعرف انه كتب الرواية والنقد.
اناتول فرانس تحصل سنة1921علي جائزة نوبل الادبية  وهو عضو اكاديمية اللغة الفرنسية منذ ينة1869.صدرت له عدة اعمال روائية التي بفضلها حصل علي جائزة نوبل الادبية التي رفعته الي صف الخالدين  وروجت اكثر لكتبه. من اعماله الروائية
..جوكاست والهرم الهزيل...صدفة اللؤلؤ
..الزنبقة الحمراء
..تاييس
..ثورة الملائكة
.. الالهة العطشي
وتعد تاييس والزنبقة الحمراء اهم الروايات عنده وهي جالبة الحظ له  والاكثر شهرة بين الأعمال.
اناتول فرانس الذي يكتب النص المسرحي ولكنه يكاد يكون مجهولا في الاوساط المسرحية .وشخصيا لم اكن اعرف انه كتب  نصوصا مسرحية رغم قراءتي لاعماله ولا احد ممن درسوا لنا رواياته اشار يوما الى كونه يكتب النص المسرحي كذلك .
وبالصدفة . واحيانا تكون الصدفة فتحا واكتشافا بالصدفة وانا في محل بيع للكتب القديمة التي يكون اصحابها قد ملوا منها فتخلصوا منها او تخلصوا لحاجة ما .قلت باصدفة وانا في المحل  اقرأ عناوين الكتب المعروضة واقلب في اكداسها وقعت عيني علي اسم اناتول فرانس  وعنوان الكتاب   وتحته  كتب نصوص مسرحية  فلم اتردد لحظة واحدة في اخذ الكتاب ودون مساومة مع صاحب المحل دفعت له ما طلبه سعرا للكتاب.
قال لي صاحب المحل انه هناك كتب اخري عنده لنفس الكاتب . ولكنني لم اهتم لانها كانت روايات وليست نصوصا مسرحية 
يشتمل الكتاب الذي حصلت عليه على ثلاث نصوص مسرحية.هي
...كرانكوبيل
...كوميديا الذي تزوج امراة خرساء
...سعادة صغيرة
هذه النصوص الثلاثة بسيطة  وقصيرة نوع ما وموضوعاتها كذلك بسيطة  تكاد في مجملها تخلو من الصراع الدرامي بين الشخصيات لانها في اغلبها تبدو وكأنها حواربين شخصيات لا تتصادم فيما بينها ولا تتنافس  علي شيئ باستثاء نص سعادة بسيطة اين تتنافس شخصيات النص الرجولية علي حب امرأة .امرأة لا تبدي حبها لأي من المتنافسين وتكتم اسم من تحب حتي علي الذي تحبه واما كوميديا من تزوح امرأة خرساء فهي كما يصفها كاتبه كوميديا ساخرة ومرحة ومضحكة  ولكنها تبرز من جانب معاناة الزوج مع زوجته الخرساء معاناة التواصل بينهما  وفي سعادة صغيرة التي كنا سبقة الاشارة عن امرأة يتنافس على حبها رجال فهي كذلك كوميديا .
ويكون اناتول فرانس كاتب كوميديات ولم يجرب كتابة التراجيديا او الميلودرام كما فعل مجايلييه من الكتاب  الروائيين خاصة الذي دخلوا مجال الكتابة  المسرحية او من غير مجاييليه مثل اميل زولا وموباسان واخرين كثر.
اناتول فرانس  اذن كات نصوص كوميديا  تكاد تخلو من الصراعات ولكنها حواريات جميلة اللغة وشيقة الاسلوب . ورغم انها قدمت علي الركح الا انها لا ترقي الي مستوي النصوص الكوميدية القوية لكتاب اخري سواء ممن يعدوا من جيله او ممن سبقوه في المجال الادبي  والمسرحي .لذلك يمكن قراءة نصوصه هذه كما تقرأ النصوص الروائية والقصصية .والتمتع بها ادبيا لغة واسلوبا ..اما كنصوص مسرحية فينقصها الكثير لترقي الي مرتبة العرض على  المسرح .

المسرح ونظرية الأنساق الدينامية(2) ترجمة أحمد عبد الفتاح

مجلة الفنون المسرحية 


المسرح ونظرية الأنساق الدينامية(2)


مسرح العقل: 

غالبا ما يستخدم المسرح كاستعارة للعقل. فالعقل يُرى باعتباره منطقة العرض، حيث تنسج عناصر العملية الإدراكية (الممثلون) التصورات والذاكرة والعواطف والمفاهيم معا لتشكيل مسار حياتنا. وفي كتابه «في مسرح الوعي: مساحة عمل العقل In the Theater of Consciousness: The Workspace of Mind» ينقل برنارد ج بارس Bernard J. Baars هذه الاستعارة خطوة إلى الأمام بتطوير نظرية مفيدة وان لم تكن مقنعة تماما تربط الوظائف الإدراكية بتضاريس العقل. ويقسم العقل إلي مناطق المسرح: خشبة المسرح والخلفية وقاعة المسرح. فخشبة المسرح ترتبط بالوعي، وهي المكان الذي يشكل فيه الممثلون – عناصر الفكر – صورا متماسكة ومستمرة تميز الحياة اليومية، وكما يعرف كل مسرحي، فان ما يحدث علي خشبة المسرح يعتمد علي الدعم التقني والتجهيزات التي تحدث خارج خشبة المسرح. وبالنسبة لبارس، فان خارج خشبة المسرح هو مجال اللاوعي، حيث تحدث عادة آليات وقرارات الحياة اليومية خارج وعينا. وعموما لا يحتاج الممثلون أن يفكروا في كلمة أو حركة تالية، فالأدوات حيث يحتاجون إليها، وتتغير الإضاءة دونما حاجة إلي مجهود. ويضع بارس المخرج في خلفية المسرح، حيث تركيز الانتباه والاستجابات الملائمة للظروف. ودور الجمهور، وهو أيضا وظيفة لاشعورية في هذا التكوين ليس مجرد التلقي: 
في الجمهور مجموعة واسعة من الآليات الذكية اللاواعية. فبعض أعضاء الجمهور أنماط تلقائية، مثل آليات العقـل التي ترشد العين أو الحركة أو الكلام أو حركــات اليديــن والأصابع. والبعض الآخر يتعلق بذاكـرة السـيرة الذاتيـة وشبكـات المعـني التي تمثـل معرفتـنا للعالـم، والذاكــرة التوضيحية للمعتقدات والحقائق والذاكـرة الضمنـية التي تحافظ علي المواقف والمهارات والتفاعلات الاجتماعية.
وتجد بقعة الضوء أيضا مكانا في استعارة بارس، للإشارة إلى ما ندركه في أي لحظة. ويحتاج السجل أن ينتبه الممثل إلى التبادل الحواري في كل لحظة، ثم ينقل بؤرة التركيز مع قياس استجابة الجمهور أو التحضير للتسلسل التالي في الأداء. وتستمر تجربة الممثل برغم التغير في التركيز المتعمد. ونادرا ما يعتقد الممثلون أنهم في أي مكان إلا علي خشبة المسرح ويعايشون ما يحدث هناك باعتباره تدفقا مستمرا. وعندما يحدث غير المتوقع فقط – أداة ليست في مكانها، أو سطرا منسيا – يلتفت الانتباه إلى مجموعة جديدة من التصورات وقد تبدو تجربة المكان والزمان مفقودة مؤقتا. 
 تفيد استعارة العقل باعتباره مسرحا في تحديد مختلف مناطق الإدراك، وتحديد وظائفها الأساسية، وتقديم رؤى كيفية عمل هذه المناطق في تناغ. ومع ذلك، فان تحديد كل جانب من جوانب مجاز تنظيم العقل أمر صعب، ليس بسبب عدم وجود مناطق مرتبطة بوظائف إدراكية معينة. فالمشكلة تنشأ بالأحرى لأن أغلب مناطق العقل تعمل في تناغم مع بعضها البعض وتنخرط في وظائف متعددة في نفس الوقت. وتزيد هذه التفاعلات المعقدة من صعوبة الكلام بشكل حاسم عن كيفية عمل العقل. ومع ذلك، فان تحديد مناطق مختلفة في العقل ووظائفها الأساسية هو أمر مفيد. والمناقشة التالية ليست حصرية لأن العقل ببساطة معقد جدا ومتعدد الأوجه. وبدلا من ذلك، فإنها تقدم تضاريس عامة للمناطق الرئيسية في العقل، وتسلط الضوء علي تلك الناطق الأكثر صلة بفن التمثيل. 
 هناك نموذجان معياريان في مناقشة العقل هما التطور والتجنيب. ويحدد التطور ثلاث مراحل تطور: مخ الزواحف، والجهاز الحوفي، والقشرة المخية الجديدة (وهي الجزء المتعلق بالسمع والبصر)، ويميز التجنيب النصف الأيمن من العقل عن الجزء الأيسر. وهنك قيمة في تمييز هذه الفروق، ولكن يجب أن نأخذ في اعتبارنا أن هذه التصنيفات محدودة جدا. والترابط بين المناطق المختلفة واضح جدا لدرجة أن هذه التقسيمات مفيدة فقط لتحديد تضاريس عامة، ونادرا يتم تحديد وظيفة لمنطقة معينة. 
 ويكرر تطور مخ الزواحف أولا، كما يوحي الاسم، النيات التي تظهر في الزواحف، والفقاريات. ويتكون من جذع المخ والمخيخ، ويتحكم في الوظائف  اللاإرادية مثل التنفس ومعدل ضربات القلب ويرتبط بالأنشطة الحسية الحركية والبعد العاطفي لغرائز البقاء علي قيد الحياة مثل القتال أو الهروب. وذكريات التجارب التي تتطلب استجابة انعكاسية متضمنة هنا، وتسمح للحيوان أن يستجيب للمواقف الجديدة بطرق أدت إلي نتائج ايجابية في الماضي. وفي البشر، يمكن ذكر هذا الجزء من المخ، وفي بعض الحالات، تُثبط بواسطة مناطق أخرى حديثة التطور في المخ والتي تنطوي علي التدخل الواعي واتخاذ القرار. وبالعكس، يمكن أن يتجاوز مخ الزواحف عمليات اتخاذ القرار المنطقية، كما في حالة عنف الطريق أو رهاب خشبة المسرح. ارتبط مخ الزواحف بشكل وثيق بالمعلومات من الجسم والدوافع للحركة البدنية. 
 والجهاز الحوفي، وهو المنطقة الثانية التي يتم تطويرها في المخ، تستخدم في البداية لدمج الادراكات الحسية وتنسيق التحكم الحركي في الجسم. وبالتلي لها روابط بجذع المخ والمخيخ. مع أنها طورت أيضا وظيفة أكثر تعقيدا مثل التوسيط والتيسير بين بنيات المخ الفطرية والقشرة المخية الحديثة (المسئولة عن السمع والبصر). ويتكون الجهاز الحوفي من عدد من الأجزاء المختلفة؛ أبرزها الحُصين hippocampus، واللوزة amygdale، والحزامية cingulated، و التلفيف gyrus، والمهاد thalamus. وهي مرتبطة بالاستجابات العاطفية، ودمج الذاكرة طويلة المدى، والعمل الاجتماعي، والذاكرة المكانية، ومعالجة الانتباه. في البداية يعمل علي التغذية الاسترجاعية لوضع الجسم وتوليد المشاعر وضبط الحركة، وهناك تكهنات متزايدة حول دور الجهاز الحوفي في الأداء المناسب للكائن الحي: معالجته للتجربة الحسية والإدراكية الأولية وتسهيل عمليات اتخاذ القرار الإدراكي. ويوجد الجهاز الحوفي في قلب المخ المتاخم لجذع المخ داخل القشرة المخية. 
 وأحدث جزء في المخ هو القشرة المخية، موضع معظم وظائف النظام العليا المرتبطة بالوعي – الخيال واللغة واتخاذ القرارات المعقدة. ويتكون الجزء الأكبر من المخ عدد من القشرات الفرعية (قشرة الحركة، والقشرة السمعية، والقشرة البصرية، والقشرة الجبهية، والقشرة الترابطية .. إلخ) والتي تميز الثدييات عن عالم الأحياء الأخرى. ويتم تقسيم كل قشرة مخية إلي مزيد من مجالات التخصص. فمثلا، تنقسم القشرة المخية البصرية الي ست مناطق (وفي بعض الحالات مزيد من التقسيم) كل منطقة بوظيفة معينة مثل التحديد المكاني أو اللون أو الانتباه أو حركة العين، والقشرة المخية الجديدة هي القشرة التي رأى ديكارت أنها مركز العقل وأنها منفصلة عن الجسم والعواطف. وأتمنى أن أوضح كيف أن هذا التمييز ساهم في المزيد من عملياتنا الادراكية فضلا عن تفسيرها. ومع ذلك، فان القشرة المخية الجديدة هي مكان العمليات التي تسمح لنا بالقراءة والفهم والتذكر والتخطيط وصنع التمازجات أو التداعيات بين الذكريات من مختلف أنواع التجربة. وبمصطلحات المسرح، تلعب دورا رئيسا في تحليل النص، واتخاذ القرارات فيما يتعلق بالشخصية وابتكار سجل الأداء. ورغم ذلك، يجدر بنا أن نكرر أن توظيف القشرة المخية الجديدة يعتمد علي نقل المعلومات وعمل منطقة الزواحف  والمنطقة الحوفية في المخ. 
 والتمييز بين نصفي القشرة المخية الخارجية  الأيمن والأيسر غالبا ما يكون مبالغا فيه. وتشير الدراسات التصويرية لأنماط  التنشيط العصب إلي أن الجانب الأيسر من المخ مسئول عن عمليات التفكير والتحليل العقلاني، بينما الجانب الأيمن مسئول عن الابداع والتوليف والحدس. وأن الوصول إلي استنتاجات من هذا بأن بعض الأشخاص يتميزون بقوة في الفص الأيمن من المخ وآخرين يتميزون بقوة في الفص الأيسر منه يضخم بشكل صارخ الديناميكية. فنصفا المخ مترابطان، ويحجبان الحدود بين العمليات الذاتية والموضوعية ويربطانها بشكل حاسم في تركيب وتنسيق مختلف العمليات. وفي نفس الوقت، فان نصفي المخ متماثلان وترتبط مختلف مواقعهما بمختلف الوظائف. أما بالنسبة لأجزاء المخ الأخرى فان هده الفروق ليست نهائية. فعلي سبيل المال يرتبط الفص الأيسر من المخ باللغة عند الغالبية العظمى من الناس، ولكن هناك حالات مهمة لنشاط الكلام من الجانب الأيسر أو حتى كلا الجانبين. ولذلك، بجانب الأدلة التي تدعم التمايز بين فصي المخ، هناك حاجة للتقدير المرن لبدء فهم نشاط معقد مثل التمثيل. 
 خلال التدريبات والعروض يستنتج الممثل باستمرار قدراته التحليلية ومهارته في الارتجال، وتكثيف المشاعر، واستعادة الذاكرة. وتحتاج هذه العمليات المعقدة التناغم بين أكثر من منطقة في المخ، ولكن التضاريس سوف تكون مفيدة في تحديد الأدوار التي تلعبها المناطق المختلفة في التمثيل. ومع مراعاة هذه التضاريس، سوف نحول انتباهنا إلي النظرية التي تحدد كيف تسمح لنا التفاعلات بين أجزاء المخ المختلفة أن نوظفها في العالم وعلي خشبة المسرح .. ورغم ذلك، سوف يتم تقديم عناصر النظرية قياسا علي الأداء المسرحي.  

نظرية الأنساق الدينامية والموجات 
التحدي الذي يواجه أي نظرية في المخ هو تشكيل الكيفية التي تعمل بها الشبكات العصبية في مناطق مختلفة من المخ بشكل متناغم، مما يسمح لنا أن نعمل في العالم وننخرط في التفكير المجرد. والحقيقة هي أنه لا أحد يعرف حتى الآن كيف توظف الشبكات معا، وأن أي محاولة لتطوير نموذج يقوم علي التخمين بدلا من الحقيقة العلمية. ولعل أحد الاتجاهات الواعدة لفهم التفاعل الادراكي المجسد هو نظرية الأنساق الدينامية، وهو مفهوم يقوم علي فكرة المعالجة المتوازية وظهور فعاليات المحرك الحسي والتمثيلات الواعية من خلال تكامل المدخلات والمخرجات من مختلف مناطق المخ. 
 نظرية الأنساق الدينامية ليست ثمرة العلوم الادراكية، ولكنها مجموعة من الصيغ الرياضية المصممة لشرح الظواهر التي تحدث في العالم المادي، مثل الأنماط تتشكل عند تسخين سوائل معينة  لدرجة الغليان. تصف الصيغ أيضا كيف تشكل الأنساق غير الخطية تحديا لنماذج السب والنتيجة الخطية. وأعتمد علي أعمال ثلاثة باحثين في مجالات مختلفة لمعالجة هذا التحول في التفكير حول الإدراك: ايفان طومسون أستاذ الفلسفة المتخصص في الفينومينولوجيا، ومارك لويس أستاذ علم النفس التطبيقي، و ج .سكوت كيلسو أستاذ الأنساق المعقدة وعلو المخ. ويعمل هؤلاء العلماء الثلاثة بشكل منفصل ولكن بالاعتماد علي عمل كل منهم الآخر، ويقدمون الأدوات اللازمة لفهم كيف تكن نظرية الأنساق الدينامية مفيدة في نمذجة العمليات الادراكية. وسوف يلي تعريف الأنساق غير الخطية مخطط تفصيلي للمفاهيم الرئيسية لنظرية الأنساق الدينامية وكيف توضح لنا هذه المفاهيم فهمنا للمخ/العقل/ الجسم / العالم المعقد. وفي هذه العملية أتمنى أن أوضح الكيفية التي تقدم من خلالها نظرية الأنساق الدينامية أساسا ماديا للتجريدات الفلسفية المقدمة في هذا المقال. 
 الممثلون، ولاسيما في مقاربات التمثيل الواقعية، يركزون علي تطوير سجل تمثيلي يقوم علي فكرة السبب والنتيجة. A يفعل ل B، و B يفعل ل A . 
وبينما يدرك الممثلون الظروف الأخرى التي تمس بينية السرد، فانهم يقبلون أن تكون هذه المعادلة هي النموذج المناسب لفهم السلوك. وبالمثل، نخلق في الحياة اليومية سرديات خطية للأحداث، علي الرغم من أننا نواجه دوافع مركبة تجعل سرد القصة غير ملائم. أو نعتقد أننا نفهم الدافع لحدث لكي يكتشفوا فقط أن هناك تأثيرات لا يعون  بها. وبهذه الطريقة هناك تأثيرات مماثلة لأعمال العقل. وقد افترضت نظريات الإدراك الحاسوبية المبكرة أن الذاكرة يتم تخزينها مثل مجموعات الأرقام الثنائية (البايت) علي القرص الصلب ويمكن استرجاعها في المحاولة التالية للخلايا العصبية. من الواضح أن هذا النموذج غير دقيق. ونظرية الأنساق الدينامية – أو أنساق التنظيم الذاتي، أو غير الخطية – تقدم بديلا يدرس بشكل أكثر دقة تعقيد التجربة، علاوة علي كيف يصل العلماء إلي فهم توظيف المخ. 
     يميل النسق الخطي إلي الانغلاق، بمعنى أن المنبه يطلق تسلسلا يتحرك علي طول المسار، لكي يُعاد توجيهه عند تقاطعات معينة أثناء تحركه نحو وجهة نهائية مثل الفعل أو استعادة الذاكرة. ويوازي هذا النموذج بنية البرهان المنطقي المعياري، الذي يتحرك من نقطة إلي أخرى نحو الاستنتاج، ويأخذ في اعتباره التحديات التي تقدمها وجهات نظر بديلة لرفضها. وهناك مساحة صغيرة جدا للارتجال أو لتغيير اتجاه المسار في منتصف الطريق. والحركة الكلية في الأنساق الخطية هي من الاثارة (اضطراب الحالة المستقرة) الي التوازن. بعبارة أخرى، تتبع الأنساق الخطية البنية السردية النموذجية للبداية والوسط والنهاية. تجادل نظرية الأنساق الدينامية ضد الشكلية الأنيقة لعمليات التمثيل الادراكي هذه. وبدلا من اتباع بنية محددة، فان النسق المفتوح هو التنظيم الذاتي : أي أن الاستنتاجات وأنماط السلوك تنشأ من نظام يكون دائما في حالة عدم توازن. ويؤدي تدفق المحفزات إلي زعزعة استقرار النسق، مما يؤدي إلي التعبير عن استجابة لأفعال أو صور أو مفاهيم ذات صلة بالموقف، ولكنه لا يعود إلي حالة ثابتة من التوازن المسبق. وتمنع الاثارة الأخرى النسق من العودة إلي التوازن . وربما يترك ناتج التجربة الادراكية انطباعا دائما (بناء الذاكرة طويلة المدى) أو يتم نسيانها بسرعة. وبغض النظر، فان هذه الحالة غير مستقرة ولكنها تتعطل بسبب الآثار الجديدة التي تؤدي إلي استجابات جديدة في عملية مستمرة. فأثناء الكتابة يتم فعلا صياغة فكرتي الثانية، مما يؤدي إلي العبارة التالية التي أكتبها أو تؤدي إلي عدم اليقين. فما يظهر عندما تخونني الكلمات هو الاحباط من عدم معرفة التالي. وهذا الشعور لا يتبدد فحسب، بل يزيد من اضطراب النسق، حيث أجد صعوبة في صياغة الكلمات التي ستوصل إلي ما أريد قوله. ويقول لويس عن نظرية الأنساق الدينامية : “يشير النظام الذاتي، المحدد علي نطاق واسع، إلي ظهور نماذج وبنيات جديدة، وظهور مستويات جديدة من التكامل والتنظيم في البنيات القائمة، والانتقال التلقائي من حالات الترتيب الأدني إلي حالات النظام الأعلي. وفي مرحلة ما يتم استبدال الشكوك باليقين، وهذا النظام الأعلى، بالنسبة للممثلين، يمن أن يكون فهم الفعل الذي يتطلب الأداء أو يصل إلي التعامل مع علاقات الشخصية.  
 ربما يتم التعامل مع مع تعقيد تداخل الوظائف الادراكية في نظرية الأنساق الدينامية مع التفاعلات الاجتماعية والثقافية بشكل غير مباشر من خلال القياس مع الأداء الذي طوره المسرح القوي في بريطانيا العظمى. وعرض « الأمواج « المقتبس من رواية فرجينيا وولف التي تحمل نفس الاسم عام 1931 من اخراج كيتي ميتشيل بالاشتراك مع ستة ممثلين وفنان الفيديو ليو وارنر عام 2006. 
 ورواية وولف تحكي قصة ستة أصدقاء هم سوزان و جيني ورودا ولويس وبرنارد ونيفيل، الذين شبوا معا، وابتعدوا عن بعضهم لبعض بمرور الزمن، ويعودون من حين لآخر لاحياء العلاقة التي كانت بينهم من جديد. يدور السرد الذي يروى كسلسلة من المونولوجات الداخلية حول بيرسيفال الذي لا نعرفه الا من خلال أوصافهم الذاتية. وبيرسيفال شخصية مثالية تدخل حياتهم في المدرسة ويبدو أنه يحمل المستقبل بين يديه ولكن يتم ارساله إلي الهند حيث يسقط من فوق الحصان ويموت. يحزن الستة أصدقاء لفقدان رمز الربيع والاخصاب هذا ولكن يتضاءل ذكرهم له مع وصولهم إلي منتصف العمر وانشغال كل منهم بحياته. يعكس التأثير غير المقصود لبرسيفال علي الشخصيات ظاهرة المد والجزر : فالتعرف عليه مثل الأمواج التي تصل إلي أعلى الشاطئ عند ارتفاع المد، وهو الأمر الذي بلغ ذروته في حفل العشاء الذي أقيم علي شرفه عند سفره إلي الهند وموته اللاحق وتلاشي ذكراه هو انحسار الأمواج نحو المحيط. ويتردد صدى هذا التتابع من خلال متواليات زمنية أخرى في الرواية. فكل فصل، يبدأ مرحلة جديدة في حياة الشخصيات الست، يبدأ بوصف التغير في الفصول والضوء الذي يلون الأمواج وهي تندفع نحو الشاطئ. وفي نفس الوقت، قصة حياتهم تساوي يوما واحدا، ويعكس ايقاع السرد تقلبات في طاقة الحياة : حيوية الطفولة تعني الصباح، والتقدم في العمر يعني المساء. وتتوازى الكثافة التي تضرب بها الأمواج الشاطئ في بداية كل فصل مع الكثافة العاطفية للشخصيات، فأحيانا تضرب بشغف وفي أحيان أخرى تدور برفق أعلى الشاطئ. 
 تمتزج ايقاعات الحياة، عند فرجينيا وولف، بايقاعات العالم الطبيعي، وتميز بنية شاملة (مثل فترة طويلة من التاريخ) تستمر علي الرغم من التقلبات الوجودية – الحب والغيرة والفقد – التي تحدد لحظة تأرجح الحياة اليومية وتشكيل الأبدية التي تميز الشعور بالذات. ومن تشابك هذه الايقاعات تبرز سلسلة من الانطباعات التي تدحض حتمية مخبأة تحت صخب الحياة اليومية. وبالنسبة للقارئ تظهر هذه الأنماط ببطء، ويصبح الفهم الشامل واعيا من خلال التوتر بين ما يتكرر وما هو جديد، ومن الانفصال بين الحياة البشرية والأحداث الطبيعية. وبقراءة الرواية نمضي قدما فيما نقرأ بينما نواجه ما هو جديد، فالأول يقدم اطارا، والثاني يعدل فهمنا الناشئ. فمن خلال عملية تكرارية يتحقق المعنى ويتكون في حياة الشخصيات الست التي تتجلى في رواية وولف. 
 وفي عرض « الأمواج « الذي قدمه المسرح القومي يواجه المتفرج شاشة كبيرة تغطي أغلب خشبة المسرح علي بعد اثني عشر قدما تقريبا من حافتها. وأمام الشاشة طاولة طويلة بثمانية كراسي، وبضعة ميكروفونات، ومصابيح معقوفة قابلة للتعديل. وهناك أربعة صناديق أسفل الكواليس علي اليمين واليسار، بمقاس ثلاثة أقدام وعمق بوصتين. ويوضع ميكروفون بحامل في أحد الصناديق علي كل جانب من خشبة المسرح، بينما تحتوي الصناديق الباقية علي مواد طبيعية، مثل الحجارة، والعشب والقاذورات. وتحيط بخشبة المسرح رفوف تحمل الأدوات لاستخدامها أثناء العرض. يدخل الممثلون في الظلام ويجلسون علي الكراسي، بينما يعرض فيديو شريط الشاطئ، وقد تم تصويره بكاميرا ثابتة، مصحوبا بصوت اصطدام الأمواج. وبينما تضاء خشبة المسرح، يجلس أحد المملين أمام الميكروفون، ويده سيجارة وهو يرتل مقدمة وولف للفصل الأول من الرواية – وهو نموذج يتكرر طوال العرض. وهذا هو الفيديو المسجل الوحيد، والباقي يتم ابتكاره علي خشبة المسرح أثناء العرض. 
     اختارت الفرقة أحداثا من الرواية ورتبتها في تتابع يتميز بالأنشطة اليومية البسيطة، ثم قسمتها إلي مهام منفصلة مطلوبة لنقل القصة للجمهور. وعند تجسيدها، يتم تجميع هذه المهام في بث مباشر بالفيديو يُعرض علي الشاشة الرئيسية. ينم تحديد كل جزء بزمان ومكان، ومعلومات موضحة علي سبورة موجودة علي يسار خشبة المسرح. يحمل ممثل أحد المصابيح المعكوفة لكي ينير السبورة، بينما يصور الممثل الثاني الممثل الثالث الذي يكتب المعلومات عل السبورة. ويجلس الممثل الرابع أمام الطاولة أمام الميكروفون، مبتكرا صوت الطباشير الذي يحتك بالسبورة ثم يفرك المكنسة بيده لكي يخلق صوت الكتابة. ويشهد الجمهور في نفس الوقت الممثلين وهم يبتكرون الفيديو والصور التي ولّدوها علي الشاشة الكبيرة. يستمر التذكير بالعرض بطريقة مماثلة، علي الرغم من أن الصور عادة ما تكون أكثر تعقيدا. 
 يسير نيفيل ورودا في شارع ممطر، بينما يقرأ الراوي مقاطع عن الحدث في رواية وولف. يقف الممثل الراوي أمام ميكروقون عل يمين المسرح، بينما يرش باقي الممثلين رذاذ الماء علي أرضية المسرح في اليسار، بحيث يقدمون انطباعا بالرصيف المبلل. يحمل ممثل آخر احدى اللمبات لخلق ايهام بأضواء الشارع التي تلمع علي الرصيف المبلل. بينما يصور ممثل ثالث الحدث ويركز علي الأقدام بينما يسير الآخران، ويقفان، ثم يستمران في طريقهما عبر الشارع. ومع ذلك يضيء ممثل آخر المشهد بمصباحين ليوحي بمرور سيارة. يكون لدي المتفرج خيار مشاهدة ابتكار المشهد، وانعكاسه علي الشاشة في خلفية المسرح أو تحويل انتباهه من أحدهما إلي الآخر .
 وفي مشهد آخر، تنظر الممثلة التي تجسد دور جيني في المرآة وهي تفكر في غياب لويس. وبينما تنظر، يظهر أمامها في المرآة، يطل في ذكرى شبحية من فوق كتفيها. يحمل ممثل مرآة ثنائية، بينما يضيئها آخر من الأمام، مبتكرا رد فعل فتاة. في اللحظة الصحيحة في السرد، الذي يقرأ بميكرفون علي الطاولة، ويظهر الممثل الذي يلعب دور لويس في الضوء من خلف المرآة، يجعل الذكرى التي تتحدث عنها الممثلة مرئية. وكا هو معروض علي الشاشة، فان الايهام دقيق جدا. 
     الطبيعة الانطباعية للقصة والبنية المجزأة للعرض ربما تبدو انفصالية وغير موصلة لعواطف قوية. ورغم ذلك يستمر العرض ويعتاد المتفرج علي الطريقة  تتجمع من خلالها الصور، ويكتسب المسار العاطفي للعرض كثافة. وعند النهاية، والشعور الذي نعايشه قوي للغاية وغير متوقع. فقد كانت العواطف حاضرة دائما، ولكن لا يوجد وقت لتقويمها تماما. فهي متضمنة في الحدث، ولكن ذلك فقط من خلال تراكمها عبر الزمن بحيث نشعر بتأثيرها الكامل. وهناك شعور بحزن أقل عند موت برسيفال أكثر من الحزن لفقدان الشباب والبعد الذي يضعف العلاقة الحميمة بين الصداقات. فوجود المشاعر يرجع جزئيا إلي السرد وجمال لغة وولف، ولكن هناك أيضا شيئا عاطفيا في النشاط الدقيق والهادئ علي ما يبدو لانشاء تسلسلات الصور التي توفر نقطة مقابلة للحزن والشعور بالفقدان. 
 يستخدم عرض «الأمواج «، مثل رواية وولف صيغ البنية والتأطير لكي يفحص العلاقات المتغيرة بين الشخصيات. فوولف تمزج ذكرياتها عن تغير المد والجزر والفصول بانطباعات شخصياتها في حياتهم الخيالية لكي تخلق مزيجا غنيا من السرد والتصوير الاستعاري. وتستخدم كاتي ميتشل وأعضاء فرقة المسرح القومي من الممثلين التجاور كصيغة شكلية، ولكن عند الانتقال من الوسيط المطبوع إلي الفيديو، يتحركون من التدفق الأفقي للغة إلي الأنية العمودية للتمثيل المسرحي. وبقدر ما يدرك المتفرج الحركة في كل فصل، فانهم يكونون علي دراية بكيفية تجميع السرد. ويرون كيف نزيل الفرقة ضغط اللحظات السردية، وتقسيمها إلي أنشطة أساسية، ويختارون من بين الاحتمالات التي لا تحصى أفضل وسيلة لخلق صورة لنقل مغزى اللحظة. ولا توفر هذه الصيغ فقط رؤية ثاقبة حول كيفية تأثير الرواية والعرض علينا، بل تقدم أيضا نموذجا للعمليات الابداعية لفنانين مختلفين. وسوف نركز هنا علي العرض المسرحي، حتى لو لم يكن دقيقا تاريخيا، لأن مناقشة كيفية اعداده توفر لنا استعارة مفيدة لأعمال العقل كنسق دينامي. 
..............................................................................
جون لوتيربي  يعمل استاذا بقسم المسرح والأداء المسرحي بجامعة واشنطون – الولايات المتحدة الأمريكية. 
هذه المقالة هي الفصل الثاني من كتابه « نحو نظرية عامة في التمثيل Toward a General Theory of Acting  « الصادر  عن دار نشر Palgrave , Macmillan .

-----------------------------
المصدر : مسرحنا العدد 734 

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption