أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 18 يناير 2011

ذكرى عبدالصاحب تبث الجمال عبر منظومة الماكياج المسرحي

مجلة الفنون المسرحية

 ذكرى عبدالصاحب تبث الجمال عبر منظومة الماكياج المسرحي

ضمن اشتغالاتها المتنوعة تواصل المؤلفة وفنانة الماكياج ذكرى عبدالصاحب بث خطابها العلمي والأكاديمي في مجال عملها، فقد صدر مؤخراً عن مطبعة الخيال كتابها الجديد المعنون "منظومة الماكياج وعملها في تجسيد الشخصيات المسرحية - مسرح الطفل انموذجاً" والذي قدمت من خلاله بحثاً مستفيضاً في فن الماكياج، وخصوصاً في مجال مسرح الطفل، وجاء في متن البحث الكثير من العروض المنهجية والتطبيقات العملية على العديد من الأعمال المسرحية الخاصة بالطفل، كما تضمن الكتاب استعراضاً للأسس العلمية التي يبنى عليها فن الماكياج.
وفي مطلع الكتاب كتب الناشر مقدمة جاء فيها "ينطوي البحث في منظومة الماكياج بما تمثله من أهمية رئيسة في بنية أي عرض وبخاصة في المسرح على مغامرة لا تخلو من خطورة مع ما تقتضيه من بذل جهد ينطوي البحث في منظومة الماكياج بما تمثله من أهمية رئيسة في بنية أي عرض فني مضاعف للإحاطة بظاهرة مزدوجة الحضور على المستويين: النظري والعملي أي في المنطلقات التي تؤطر عمل الماكياج وتحدد وظيفته الرئيسة في العمل المسرحي من جهة وطبيعة التشكيل الذي يتوافق وحدود الشخصية ودورها في العرض من جهة أخرى انطلاقاً من الإحاطة بهوية هذه الشخصية وتجسيد تلك الهوية عملياً وتكييف بعدها البصري وأثرها في العمل المسرحي".

ثم ابتدأت المؤلفة كتابها بمقدمة عرّفت من خلالها بفن الماكياج حيث قالت "يعد فن الماكياج من الفنون الأساسية المكملة للعروض المسرحية لما يؤديه من دور فعال في إعطاء الممثل أبعادا تتفاعل مع أبعاد الشخصية المسرحية والتعبير عن مكنوناتها الداخلية الفاعلة والعاملة على تحقيق الشكل الخارجي للشخصية من خلال وجه الممثل وجسده واقناع المتلقي وخاصة إذا كانت الشخصية هي إحدى شخصيات مسرح الطفل لأن عملية إقناع الطفل بالشخصية المقدمة على المسرح هي بالتأكيد أصعب من إقناع الكبير، وهنا تكتسب هذه المنظومة أهمية مضاعفة بحكم الصفات السيكولوجية للطفل وطبيعة قدراته الذهبية والعوامل التي تحرك سلوكه، ونظراً لتلك الأهمية فإن للماكياج منظومة عمل متشعبة ومتداخلة مع باقي فنون السينوغرافيا المعروفة، ومع هذا الدور الحيوي للماكياج في الفعل المسرحي إلا انه ظل فقيرا في مجال الإثراء النظري والتأليف المبني على أسس علمية ومنهجية في بلدنا على الرغم من قدم الحركة المسرحية فيه، ولذلك فإن الهدف من تأليف هذا الكتاب والذي هو بالأصل دراسة أكاديمية خصصت للتقييم والتقويم والمناقشة والتحكيم العلمي الدقيق – هو سد الفراغ النظري في مجال خطير من مجالات المسرح بالأخص مسرح الطفل".

وفي مبحثها الأول تناولت المؤلفة مفهوم الماكياج عبر محورين علميين وضحت من خلالهما الكثير من النظريات العلمية الخاصة بهذا الفن، وقد نجحت الفنانة في طرح رؤى تنظيرية مكتملة، واعتمدت على مصادر ذات بعد فلسفي جمالي تجعل من الطرح سلساً وغير ممل، ففي محورها الاول الذي عنونته بـ "التشخيص"، وتحدثت بالقول "فن الماكياج عمل مكرس لانتاج المعنى الدلالي بالاعتماد على مبدأ قديم هو مبدأ (التشخيص) حتى تطورت غائية الماكياج وتعدت حدود الشكل لتخترق المحتوى النفسي ودلالاته واستطاع الماكياج التعمق اكثر في اظهار درامية موقف الانسام والذي كان مضمراً في طيات حياته منذ الازل واخذ طابعاً تزيينياً لا يمكن الاستغناء عنه حتى يومنا هذا بالاخص في المجتمعات المتحضرة، اضافة الى غائيته في المسرح قد استخدمه الرجال على حد سواء مع النسوة اللاتي استخدمنه رمزاً للجمال بألوانه الجذابة وتفنن في وضعه وتشكيله على البشرة والوجه وفي كل بقعة من أجزاء الجسم حيث الماكياج التجميلي أو التصحيحي ضروري جدا في السينما والتلفاز تزداد أهميته كلما تطورت تقنية الكاميرا والإضاءة.

وكان لنشأة التلفزيون ونهوض الانتاج السينمائي اثر بالغ في تقدم وتحسين الوسائل التي يستعملها اختصاصيو الماكياج في محيط عالم التسلية وكل نهوض عمليات الالوان (...) عاملا اضافيا لخلق مظهر طبيعي في صبغ الوجه وتغيير معالمها يمكنه خداع العين الفاحصة الناقدة لالات التصوير وإذا صاحب الماكياج اضاءة صحيحة كان عاملا في التعاون التام اللازم لنجاح الاخراج الحديث.

بينما قالت في محورها الثاني الذي جاء تحت عنوان "منظومة الماكياج والشخصية المسرحية": "تشكل منظومة الماكياج وحدة عمل متكاملة من ناحية الالية (آلية الاشتغال) ومواد التشكيل وادواته سواء في السينما او المسرح او التلفاز وتتألف منظومة الماكياج من عناصر هي المواد والادوات: فالادوات هي الطلاءات والمساحيق والغراءات ومواد كيميائية مختلفة في القوام والتكوين واللون وانواع الشعر والصوف والخيوط لعمل اشكال الشعر وصناعة اللحى والشوارب والباروكات اما الادوات فهي كل مايساعد في وضع هذه المواد وتشكيلها على وجه وجسم الممثل الذي يجسد شخصية معينة في مسرحية ما او عمل تلفزيوني او سينمائي والتي تحتويها حقيبة الماكياج كالفراجين والمقصات وادوات القطع وادوات الصب والمبارد".
وتسترسل المؤلفة في حديثها لتؤكد "كما يعتبر الاختصاصي في فن الماكياج هو الاداة الاهم في هذه المنظومة باعتباره جزءا لا يتجزأ منها وهذا ينطبق على الشخصية المجسدة اذ تعتبر جزءا مهما من هذه المنظومة ايضا وتدخل في عمل منظومة الماكياج وفي تجسيد الشخصية المراد العمل عليها عناصر اخرى مهمة هي: الوراثة، الجنس، البيئة، المزاج، الصحة والعمر والذي يتحدد بثلاثة مراحل هي: الشباب، متوسط العمر، الشيخوخة.
ذكرى عبدالصاحب وعبر مبحثها الثاني انطلقت الى فضاءات اوسع من المعرفة، فقد لصقت لنا على ورق كتاباتها منهج علمي منفتح يعرّف اكثر بهذا الفن الذي يحتاج العامل في وسطه الى دراية وامكانيات فنية وثقافية وجمالية واسعة فهي وعبر سرد تاريخي للتطور الحاصل فهي تقول: "لم يدرك الانسان البدائي الاول (انسان ما قبل التاريخ) ومنذ بداية تكوينه ماهية الماكياج رغم انه نشأ بنشوء ذلك المخلوق البشري ثم اصبح مكملا لحاجاته اليومية وفي اول ظهور للانسان على وجه الارض استعمل اوراق الاشجار للتستر بها والاغتسال كورق (السدر) او الاضطباغ كورق (الحناء) اذ ان الانسان البدائي الاول الذي كان يعيش في البراري والكهوف والمغارات كان يطارد الحيوانات ويصارعها للسيطرة عليها وتذليلها لمعيشته وقد لبس جلودها (متنكرا) وقلد اشكالها (متقمصا) لكي يستدرجها حتى يتمكن منها وقد اتخذ طريقا اكثر فاعلية وسهولة لغرض مخادعة الحيوان واستدراجه، ومن ثم السيطرة عليه واصطياده عن طريق المحاكاة وممارسة طقوس سحرية بدائية بالتنكر والاختفاء بهيئات مختلفة هذا التذكر جاء للتعبير عن الانفعالات النفسية والعاطفية والمعتقدات الدينية وطقوس السحر لاشباع حاجته اليومية من الطعام وغيرها فقد ارتبطت مفاهيم حياة الانسان الاولي غرائزه بالمفاهيم الروحانية والطقوسية.

إن الاصل الديني القوي للمسرح عامل له من الاهمية في المسرح اكثر مما هو مفهوم بصورة عامة من هنا جاءت فكرة المسرحة (ما يسمى بالغريزة التمثيلية) فمن خلال ميل الانسان البدائي بغريزته للتمسرح والتظاهر في كافة تعاملاته مع الطبيعة ومع اخيه الانسان بل مع كل الكائنات من حوله عندما كان يأتي لعشيرته آخر النهار ليحكي مشخصا لهم كيف قام باصطياد فريسته مستخدما عناصر جسده التعبيرية من ايماءات واشارات وحركات دالة تحمل معاني ما يسرد اذ انه ارتكز على دافع نفسي داخلي في تفسيره للظروف البيئية المحيطة به".
ثم تتحدث المؤلفة عن الحضارات الشرقية وخصوصاً (الهند، الصين، اليابان) وتقول في هذا الصدد: "أثرت وتأثرت تلك الحضارات بما يجاورها من الحضارات وكانت لهم تقاليدهم وشعائرهم وتعددت تلك الشعائر واختلفت نظرا لتعدد الديانات والعبادات لديهم وكانت طبيعة هذه الاحتفالات عبارة عن حركات راقصة تحمل رموزا واشارات يصحبها الغناء تمثل قالبا هو احد الاشكال الخاصة بالشعوب الآسيوية هذه الحركات والاشارات الاجتماعية تحولت انفا الى المسرح الشرقي التعبيري الذي تميز بالايقاع والتناغم وقد ظلت المسرحية الشرقية مجهولة تماما بالنسبة للمسرح الغربي حتى الجزء الاول من القرن التاسع عشر والتي اتخذت من جسد الانسان محورا رئيسا في التقاليد المسرحية.

وكانت ميزة الراقص هو تلوين الاطراف بزخارف ومنها الاصابع بالخضاب او بالرسوم الخاصة وتلوين الوجه ورسمه بطرق تتناسب مع تلك الحركات و الايماءات مع لبس الزي الخاص والمكملات فالميزة التي تمتاز بها مسارح الشرق هي عبارة عن تقاليد تراعي كل ما يتصل بالتمثيل الملابس والماكياج والحركات تجري كلها في نظام معلوم.

وقد افاضت المؤلفة في طرح رؤاها عن تلك الحضارات كل على حدة ، وطرحت عبر منظومة وعي متكاملة العديد من الاشكاليات ، فضلاً عن استعراضها للاساطير ومدى علاقتها بهذا الفن من حيث التأثير والتأثر.
وحتى يكتمل الطرح اخذت المؤلفة عيناتها من خمسة اعمال مسرحية عراقية خاصة بمسرح الطفل، حيث اشتغلت على تلك الاعمال عبر تطبيقات مليئة بالتمعن البصري والتأملي، وتلك الاعمال هي مسرحية " طائر بلون الفضة" تاليف حسن موسى واخراج سعدون العبيدي ومسرحية "انا بلبل" تاليف واخراج ناجد جباري ومسرحية "اصدقاء الشمس" تاليف جاسم محمد صالح واخراج عبد الكريم سلمان و مسرحية "زينب والنمل" تأليف طه سالم واخراج عبد علي كعيد ومسرحية " فيتامينات(O) ونزال التحدي" تاليف واخراج حسين علي هارف.
وقدمت المؤلفة في فصلها الاخير نتائج بحثها العامة والتوصيات الخاصة بالبحث، فضلا عن عدد من الملاحق التي لها علاقة بالبحث اضافة الى الصور التعريفية الخاصة بفن المكياج، ليكتمل المؤلف ويصير بين ايدينا كتابا مهما في الفن المسرحي يغني المكتبة العراقية أنتجته الذائقة الفنية للفنانة الكبيرة ذكرى عبدالصاحب.

-------------------------------------------------------
المصدر : عدنان الفضلي  - ميدل ايست أونلاين

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة

د.فاضل الجاف 

شهد المسرح الحديث في العقود الاخيرة تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا، وقد شمل هذا التطور ميادين معمار المسرح والسينيوغرافيا(الفضاء والمناظر المسرحية) والضؤ والصوت والازياء.
 ومما لاشك فيه ان هذا التطور أدى بشكل مباشرالى خلق آفاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين والممثلين بإكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف انسانية أفضل في ظل إمكانيات وتجهيزات حديثه على كل الاصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر.

 وتجدر الاشارة الى ان هذا التطور لم ينبثق فجاءة في هذه المرحلة من تاريخ المسرح، فالتكنولوجيا المسرحية، كانت قائمة منذ العصر الاغريقي، بماكنتها البسيطة وحلولها السهلة في تجسيد مشاهد المسرحية، وقد تطورت هذه التكنولوجيا على مرّ العصور المسرحية.
 لكن التكنولوجيا المسرحية قديما كانت في مجملها سهل التنفيذ وذات وظيفة مجازية في معظم الأحيان.
 ويدرج بعض الباحثين التقنيات التكنولوجية التي شهدها المسرح في العصور الاولى من تطوره، ضمن التقنيات السهلة او البسيطة، اما ماجرى من تطور تكنولوجي للمسرح الحديث فيندرج ضمن النوع المعقد ذي سرعة وإيقاع شديدين، حتى انه بات من الصعب مواكبته من قبل المسارح ذات الامكانات المتواضعة.

فمثلا في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية كان صوت الرعد ينفذ حتى الخمسينات من القرن المنصرم بإستخدام صفيحة معدنية، وصوت حافر الخيل كان ينفذ عن طريق إستخدام قشرة جوز الهند الجافة. وكانت ثمة ماكنة بسيطة تستخدم لإحداث صوت الرياح بفعل قماش من الخيش. أما صوت سقوط المطر فقد كان يتم عن طريق تحريك البازلاء الجافة في أنابيب. أما ما حدث من تطور في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية في العقود الاخيرة، خصوصا بعد ظهور الكومبيوتر فتعد قفزة لم يشهدها تطور المسرح من قبل كما ونوعا وسرعة.

ومن الباحثين من يطلق على التطور الحاصل في مجال تقنيات المسرح ثورة داخل ثورة المسرح الحديث، ثورة مهّد لها روّاد المسرح الحديث من أمثال مييرهولد، كريغ، آبيا ونيهر ببدايات وإنجازات متمثلة بالخطوات الاولى في تغيير بنية المسرح معمارا وفضاء وأضاءة و تقنيات في الصوت. 
 كانت تصورات الرواد حول تغيير المسرح تغييرا جذريا تبدو حينها ضربا من الحلم والرؤى المستقبلية، لكن رؤى الرواد وتصوراتهم كشفت امام المسرح المعاصر عن آفاق وأفضية شاسعة ربما لم يكن تصورها سهلا إلا لمخيلة مبدعين من امثال مييرهولد وكريغ وآبيا.

ويمكن القول ان هذا التطور الهائل الذي بلغ أوجّه في المسرح الموسيقي والأوبرا وعروض الرقص، خلَقت لغة مسرحية جديدة لغة مسرح الحداثة وما بعد الحداثة، كما هي تتجلى واضحة في اعمال كبار مخرجي عصرنا، من أمثال جورجيو ستريهلر وروبرت ويلسون وروبرت ليباج. أعمال تحقق فيه الكثير من أحلام رواد المسرح الحديث الاوائل.
وكانت التكنولوجيا الأداة الرئيسة لتحقيق الحلم الفني، ومنفذا لرؤى مخيلة الفنان المسرحي.

ومما يجدر الإشارة اليه هو ان تطور التقنيات في المسرح الحديث إستمد دوافعه وجذوره أساسا من المخرج ومخيلته وسعيه الى تجسيد رؤاه وأحلامه. فالتصورات الجديدة لإستخدام التكنولوجيا في المسرح وتطويعه في مجالات مختلفة، برزت وتبلوّرت ببروز المخرج كصاحب مهنة مستقلة ومهمة في العملية الإبداعية.

 فالمخرجين الأوائل مييرهولد، كريغ، رينهاردت فعَلوا ونشَطوا دور السينوغراف والمصمم المعماري و مصصم الانارة ومهندس الصوت، وبدأ التقنيون يتبأون لأول مرة مكانة مهمة في ثورة المسرح. 
ولعل من الصواب القول بأن أول قفزة في سياق التطوّر التكنولوجي بعد اختراع قوة الكهرباء كانت البنائية، التي استوجبت هندسة أخرى في الفضاء المسرحي والمعمار والماكنة المسرحية. ان التطوّر الحاصل في هيكل التقنيات المسرحية لهي إمتداد لإنجازات البنائيين في مجال إستخدام البنى الكبيرة والماكنة المعقدة على المسرح وبتقنيات غاية في البراعة والإتقان. تقنيات دخلت كجزء حيوي ضمن هيكل العرض المسرحي  وليس بخاف فإن البنائية إنبثقت في المسرح كثمرة للجهد المشترك بين المخرج والفنان المعماري. وعليه فإن الأنجازات في مجال التكنولوجيا المسرحية ما هي إلا تحقيق لرؤى وتصورات الاوائل من المخرجين والرساميين والمهندسين وتعاونهم في عمل مشترك لتطوير مسرح العصر الحديث.

يقول كريستوفر بو في كتابه العرض المسرحي والتكنولوجيا كان كريغ يريد لمناظره المسرحية ان تتحرك كالصوت، مثلما الموسيقى تتحرك.
ويذكر ايضا ان احد مصصمي المناظر المسرحية في فرنسا كتب بعد لقائه كريغ في رسالة الى مدير مسرحه عام1910 يقول:
"إن كريغ يريد لمناظره ان تتطور مع سير المسرحية، لا أعرف كيف يمكن ان يتم تنفيذ مثل هذه الفكرة. ولكن الفكرة بحد ذاتها تعد من الدرجة الاولى. فلو تم تحقيق ذلك لغدا ثورة في مجال السينوغرافيا".

إن كريغ كان فنانا يدرك ضرورة الخيال وضرورة إدراك كون التكنولوجيا المسرحية  إمتدادا للخيال المسرحي ذاته. فأستخدامه عند مييرهولد وطرق الاستفادة منها كان جزء من العملية المسرحية والابداع الفني.
 ولعل المخرج البريطاني بيتر هول احسن من يعبّر عن الحذر من إستخدام الماكنة في المسرح من أجل الاستخدام فقط، فهو يقول: إن المسرح يحبّذ التناقض وعليه فإن الماكنة في المسرح تجب ان تستخدم كقيمة مجازية.

رؤى وأحلام دافينشي في المسرح البصري
كان اكبر الحالمين بالحلول التكنولوجية المبتكرة، هو الرسام والنحات الايطالي ليوناردو دافينشي الذي على يده حصل أهم تطوّر في تأريخ التقنيات المسرحية.

كان نموذج دافينشي لأوبرا أورفيوس تطورا هائلا في مجال الأوبرا. فقد صمم دافينشي العديد من الماكنات المسرحية في ميلانو. وكان أهم تصميم جديد له هو تصميمه خشبة مسرح تقدم عليها لأوبرا أسطورة أورفيوس 1518.

كان تصميم المنظر معقدا جدا في حينة، فقد أحتوى المنظر قبة تمثل قبة الكنيسة، تتفتح شيئا فشيئا على شكل جبل، لتكشف عن مشهد آخر، ثم تسحب الجبال عن المسرح من الجانبين. الى جانب هذا كان المشهد الأكثر غرابة هو المشهد الذي كان يرفع من تحت الارض كمصعد الى مستوى المسرح.
ماذا لو عاش دافينشي في عصر مييرهولد و كريغ!،لكانت إنجازاتة بلغت العصر الحديث بفاعلية خارقة.
 ففي الخمسينات من القرن المنصرم فقط بدأت المسارح تستخدم الاصوات المسجلة على الاسطوانات الكبيرة، وقد كان الاعتراض على أستخدام الصوت المسجّل شديدا في حينه.

إن المسرح البريطاني يعد من أهم المسارح الذي أختبر وحقق مختلف التقنيات الحديثة، وكان الى جانب المسرح الاميركي السبّاق في التجريب على كافة أنماط التقنيات الحديثة، فعروض الويست إيند وعروض برودواي حملت في مجال التقنيات الحديثة دهشة وانبهارا لمشاهدها لم يكن متاحا قبل ذلك. وكانت العروض الموسيقية لمسرحيات من أمثال الشعر 1957 و مسرحية يا لها من حياة حلوة 1963 السبَاقة في كشوفاتها التقنية.
وعلى الرغم من ان المسرح البريطاني لم يشهد نهضة تقنية تستحق الاشارة الى نهاية حرب العالمية الثانية، لكن بعد ذلك استمد كبار المصمين في المسرح والأوبرا الإلهام في خلق وإبتكار تقنيات جديدة أستخدمت من قبل المخرجين الشباب في الستينات من أمثال بيتر هول وتريفور نان وجون كاريد.

رواد التكنولوجيا في المسرح المعاصر


يوسف سفابودا:1920- 2002
المصمم التشيكي سفابودا صمّم و اخرج أكثر من 700 عمل مسرحي، منهدس معماري اصلا، مخترع المصباح السحري على المسرح، مؤسس الستائر المتعددة أو المضاعفة، إلى جانب عدد من التقنيات البصرية والسمعية.
نجح سفابودا في جعل الضؤ وسيلة مادية ملموسة، ذا قصد نحتي تجسيدي، وذلك بإستخدام العاكسات (بروجيكشن).
لقد نجح سفابودا في خلق تشكيلات مسرحية على شكل مونتاج مؤلف من الممثلين و الصورة المنبعثة من العاكسة، لينتج بذلك مشهدا ملئيا بالحيوية.
لم يكن هدف سفابودا في عمله يقتصر فقط على خلق صورة مسرحية كإنعكاس للضؤ المنبعث من العاكسة، بل كان نجح في خلق مشاهد نحتية مجسّدة، مفعمة بالحيوية والعنفوان الدرامي.

ومن التقنيات المهمة التي أبتكرها سفابودا إستخدام المكعبات في صف واحد، على شكل جدار، وفي كل مكعب كان ثمة بروجكتور يعكس الصورة على النظارة بهدف خلق عمل حي متحرك لفن العرض.
كان هدف سفابودا يتلخص في السينوغرافيا الحية والتي هي الاخرى الى جانب الضؤ والموسيقى يجب ان تشارك في الفعل المسرحي، أو أن تكون في حركة دائمة ولا ينبغي أن تقتصر الحركة على الممثلين فقط.
لعلنا لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا سفابودا أهم مبدع ورائد ومطبق، بعد آبيا في مجال استخدام الضؤ وفي إبتكاره مفهوم السايكوبلاستيك وهو مفهوم يعتمد التقنيات العلمية الحديثة في تجسيد العلاقة بين الابعاد الثلاثة للفضاء المسرحي، وعلاقتها بالحالة النفسية والشعورية وبالنظارة في نفس الوقت. وفي رأيه ان مهمة السينوغراف تكمن في أستخدام هذه العناصر مجتمعة في وحدة واحدة، في بعد رابع يسميه الزمن- الفضاء، بما أن الحركة على المسرح تتطلب فضاء وزمنا.
إن منجزات سفابودا في مجال إستخدام التقنيات الحديثة في مجال ربط الفضاء الدرامي والزمن الدرامي والإيقاع الدرامي والضؤ الدرامي تعتبر من أهم إنجازات النصف الثاني من قرن العشرين.

روبرت ولسون

 إن المخرج الاميركي روبرت ولسون منهدس معماري ومصمم ديكور في المقام الأول، فهو عمله في الاخراج من التكوين المعماري والبصري للعرض قبل كل شيء ويساعده في تنفيذ ذلك خلفيته الثقافية كمعماري، ودرايته الواسعة في إستخدام التقنيات الحديثة، بالإضافة الى إعتماده على فريق كبير من أمهر التقنين في مختلف التقنيات المطلوبة في العرض المسرح … وإذا وضعنا جانب الانتقادات الموجهة إليه في هذا الصدد والتي تتلخص بطغيان الجانب البصري في عروضه على حساب النص والمضمون، فإن لروبرت ولسون طريقة متميزة ولغة فنية خاصة به فهو يقول : 
إنني أفكر في إعدادي الصور و التصاميم والرسوم البيانية، لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص. وقد اعتاد ولسون على النقد المألوف الذي مفاده كيف يقوم المخرج برسم العرض قبل أن يلتقي بالممثلين، أو كيف يتم رسم الصورة والميزانسين دون وجود الممثل، وفي هذا الصدد يقول :

إنه مسألة تنظيم معماري في الزمن والفضاء، ولا يهم إن كان هناك ممثلون أو لا! فالضوء يتحرك، والأدوات المستعملة على المسرح تتحرك، إنها مسألة التوقيت، إنه البنيان (البناء) في الفضاء، لذلك أعتقد، إنه المعمار، أي بناء الشيء، سواء كان ذلك عند موزارت أو فاغنر أو شكسبير، باختصار إنه الأداء على أسس الرقص، دون الاكتراث بالبناء الأدبي للنص، فالقيمة البصرية تحل محل القيمة الأدبية دائماً. وعليه فإن الغرض القائم جمالياً لا يمس من قبل الجمهور، ولسون يحتفظ بخط البروسينيوم والمعمار التقليدي للمسرح ويسعى أن يقيم المتفرج علمه المسرحي هناك على مسافة.

 يبدأ ولسون عادة تمارينه بتنظيم ورشات عمل مع ممثليه لإلغاء المهمة الشفوية للعمل المسرحي، وغالباً ما تحدد متطلبات عمل الورشة باحتياجات الممثلين الفردية، لكن الورشة تحتوي دائماً على حركات جسدية عامة، يؤديها الجميع للعمل المسرحي.

وبرغم الخطوط العامة والسمات المشتركة لأسلوب ولسون، فإنه دائماً يبتكر شكلاً متميزا غير مألوف للعرض. ففي مسرحية "ماكنة هاملت" لهنري ميللر القصيرة، كان المؤلف قد خطط للعرض كي لا يتجاوز 15 دقيقة، لكن العرض في معالجة ولسون استغرق ساعتين ونصف، حيث وزع حوار المسرحية على الممثلين بشكل عشوائي، مما أعطى للعرض طابعاً سريالياً صرفاً. 
تشكل الموسيقى في الغالب عنصراً مهماً في العرض من البداية وحتى النهاية، ثم هناك الكلمات التي تدخل العرض بشكل متقطع.

إن السينوغرافيا في عرض ولسون المذكور تتضمن، بالإضافة إلى الهيكل المعماري، الصور المرسومة على الستائر، السلايدات المنفذة بدقة، بحيث تدخل البناء المعماري في إيقاع واحد مع الموسيقى والأداء المؤسلب المتأثر بروح المسرح المشرقي (نو الياباني).

روبرت ليباج
يتمتع المخرج الكندي روبرت ليباج، الملقب بساحر المسرح، بشهرة عالمية واسعة وحضور دائم في معظم المهرجانات المسرحية. ويحتل اسمه حالياً مكانة مرموقة بين أسماء أهم خمسة مخرجين مسرحيين بعد جيل بيتر بروك، وهم الأمريكي روبرت ويلسون، والألماني بيتر شتاين، والروسي ليف دودون، والفرنسية أريانا منوتشكين.
ويشارك هذا المخرج، الذي ولد في مدينة كوبيك عام 1957 ودرس المسرح فيها قبل أن ينتقل إلى فرنسا، الأمريكي روبرت ولسون في ريادة ما يسمى بالمسرح البصري.

ولعل الاستشهاد برأي المخرج الإنكليزي المعروف ريتشارد إر يساعدنا في الدخول إلى عالم ليباج المسرحي، وفهم أسلوبه الإخراجي، فهو يقول: "إن ليباج يحوّل المكان العام إلى مكان سحري، والمكان السحري إلى مكان واقعي سهل المنال، وليباج ممون أحلام، والأمر المحفّز بالنسبة إليّ أنه يعمل بلغة ومفردات تنتمي إلى لغة العرض".

 يقول ليباج ان التطور التقني جعل من المسرح يعيش عصر نهضة جديدة، فبالنسبة اليه ساعده هذا التطور في خلق الشكل المطلوب على المسرح، وفي تجسيد التصور الاخراجي بمساحة واسعة من الحرية.
تتسم أعمال ليباج المنجزة أسلوبه الإخراجي أفضل من تلك الأعمال التي يقدمها على المسارح الأوروبية كمخرج ضيف، حيث يعمل مع ممثلين من مدارس تأهيلية مختلفة، ضمن عقود مع مؤسسات مسرحية وتحت ظروف فنية مختلفة. 
وفي حين تتمتع "إكس ماشينا" بوحدة فنية في الأسلوب ومنهج صارم في التدريب والمران والعمل الدؤوب في الابتكار، يتم خلالها إنتاج أعمال مسرحية مدهشة بغية عرضها في المهرجانات العالمية وهي في أوج تكاملها. 

الصياغات السينوغرافية
في لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ، تجري مشاهد المسرحية في مكعب مثبت على ركيزة، يدور المكعب لينتقل الممثلون من سطح إلى آخر حسب توالي المشاهد بطريقة مسرحية رشيقة، وكأنهم يعانون من ضغط هائل، ولا منفذ أمامهم سوى الحلم، بينما يتجلى البحر تحتهم على شكل مساحة مائية يشرف عليها المكعب المأهول بسكانه. وفي "حلم ليلة منتصف صيف" يحوّل ليباج الغابة الشكسبيرية إلى ساحة شاسعة من الوحل والمياه، تتمرغ فيها أجساد الممثلين ببدائية وعنفوان. 
ويهتم ليباج باللغة وأصواتها، ففي عروضه التي يعدها لفرقة "إكس ماشينا" يستخدم لغات عدة حسب انتقال المشاهد، ويكرر هذا الاهتمام في النصوص التي يكتبها بنفسه، حيث أن الجرس الموسيقي والتنويع الصوتي للغات المختلفة يضيفان على العرض شعراً إيقاعياً مثيراً، ويخلقان تأثيراً يضاهي التأثيرات البصرية.

الخلاصة

إن التتقينات الحديثة تمثل في جوهرها تحقيقا لخيالات ورؤى المسرحيين الاوائل ممن كانوا يسعون الى تجديد المسرح شكلا ومضمونا.
على المخرج ان يكون مطّلعا على المنجزات العملية في عصره، ويكون على وعي بانجازات الباحثين في مختلف مجالات العلوم. ان المخرج والتتقنين في عصرنا الحالي لايمكن أن يعيشوا بمعزل عن التطور العلمي والتكنولوجيا الذي غزت ميادين الحياة. وكلما كان إطلاع المخرج عميقا وشاملا كلما اصبح بمقدوره ان يجسّد أفكارة وتصوراته وحلوله الإخراجية بسهولة وبسبل فنية مدهشة و ساحرة. وكلما كان المسرح بمعزل عن التقنيات الحديثة أو غافلا عنها كلما أكتنفت لغة العرض صعوبات في التنفيذ والتحقيق.

ان لغة العرض شهدت تطورا كبير، لم يكن ليدور في خلد الرواد الاوائل من المجددين، فقد ادهشني عرض في الرقص على أحد مسارح ستوكهولم كان ينقل أجزاء مكملة من نفس العرض على مسرح في امستردام بتقنية بارعة و في مونتاج مبهر حيث ان المشهد الذي كان يجري أداءه على مسرح أمستردام، كان يشكَل جزاء حيا من عرض استوكهولم.

ولا يمكن إنكار حقيقة وجود مخرجين مبدعيين عملوا ويعملون بمنأى عن إستخدام التكنولوجيا المعقدة، الى هذا الصنف ينتمي على سبيل المثال، كروتوفسكي وبرووك في العصرالراهن، لكن تجاوز بعض المخرجين في اوربا التكنولوجيا والعمل بمبدأ الحد الادنى في العرض المسرحي لا يعني بالضرورة، الطلاق النهائي مع التكنولوجيا، فحتى في هذه الحال نرى ان كل شئ بإستثناء لغة العرض القائمة على الفضاء الفارغ عند برووك مثلا مرتبط إرتباطا وثيقا بالتطور التكنولوجي الحاصل في ميادين التقنيات المسموعة والمرئية، ناهيك عن مجالات التسويق والاتصال بالنظارة وبمختلف مسارح العالم وقطاعات الثقافة.
ففي آخر عرض شهدته لبيتر برووك في ستوكهولم في خريف عام المنصرم، شهدت كيف ان العرض البسيط العاري من كل التقنيات و باللغة الفرنسية، تصاحبه شاشة الترجمةـ فلم تعد اللغة حاجزا كبيرا أمام العرض المسرحي بفضل تقنيات الترجمة.

ومن الواضح ان الانتاج المسرحي بإعتماده على تقنيات الكومبيوتر قطع شوطا كبيرا في التنفيذ المتقن والسريع. في، حيث يتم برمجة المشاهد والضوء والموسيقى والصوت بطريقة يسيرة، مما يسهل إنتاج المسرحيات الطويلة الصعبة التنفيذ بأسابيع معدودة من المران والتدريب.
لعل إستخدام الكومبيوتر في مجالات الانتاج يعتبر اهم خطوة بعد اكتشاف الطاقة الكهربائية. فقد أصبح بإمكان فنان السينيوغرافيا ان يجسد نموذجه على شاشة الكومبيوتر وان يدخل عليه الممثلين وهم يتحركون وإختبار مدى إمكانية تغيير وتبديل المناظر عمليا،كي يصل الى نتيجة مضمونة قبل تنفيذ النموذج على الخشبة، والشئ نفسه ينطبق على الضؤ. اما بالنسبة لمصمم الازياء فقد حقق الكومبيوتر نجاحا في هذا المجال ايضا حيث يستخدم فنان الازياء صورة الممثل نفسه ليجرب معه مختلف أنواع الازياء وصولا الى الزي المناسب.

المسرح العربي والتكنولوجيا

وأمام هذا التطور الهائل الذي يشهده المسرح في الميدان التكنولوجي، نجد أن المسرح العربي يعاني قصورا كبيرا في استخدام التقنيات الحديثة وفي ندرة عدد تقنيين أكفاء، وان هذا القصور يشمل معظم ميادين المعمار والفضاء وهندسة الضؤ والصوت. ومما لاشك فيه ان القصور يشّكل أيضا نقطة مهمة في إنحسار المسرح العربي وتخلفه عن الركب المسرحي العالمي.

ان المسرح العربي بأمس الحاجة الى إعداد وتهيأة تقنيين أكفاء وجود التقنين في مختلف مجالات المسرح قبل إقناء الاجهزة والمعدات التقنية، فإن ذلك سيعطي للمسرح العربي زخما في طريق التطور والازدهار. ان الكليات ومعاهد المسرح في العالم العربي يجب ان تأخذ على عاتقها مهمة تدريس التكنولوجيا الحديثة في مناهج تدريس السينوغرافيا والضؤ والصوت والازياء

ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نغفل دور التخلف التكنولوجي في المسرح العربي على إنحسار الجمهور الذي لا يمكن ان يعتاد على متابعة العرض المسرحي في صالات متهرئة وبتقنيات بالية.

يعيش المخرج في المسرح العربي في حالة تصادم دائم مع الخشبة، لكونها غير مجهزة بالتقنيات المطلوبة، وعليه فهي لا يمكن ان تستجيب لمتطلباته، وان كان مجهزا بالتقنيات فهناك غياب اوشحة في التقنين الاكفاء الذي بإمكانهم ان يقدموا للمخرج وللعرض ابعادا وجلولا إبداعية تضفي على العرض جوانب إضافات فنية لا تقل عن إبداع المخرج والممثل والمؤلف. 
 فإبداعات المخرج مهما كان بارعا، لايمكن ان تجسّد تجسيدا فنيا دقيقا متقنا الا بوجود الفنان التقني الذي بإمكانه ان يفتح بوجه المخرج أفاقا لا يمكن أن يتصوره أحيانا.

ان لغة العرض قائم في وظيفته ودلالاته في جزء كبير منه على العلاقة الابداعية والحرفية القائمة بين المخرج والتقنين، وهي علاقة مازالت ضعيفة في المسرح العربي، ان لم تكن معدومة في الكثير من العروض المسرحية.
 فالمخرج العربي مازال يجد نفسه وحيدا في العملية الابداعية و في إنتاج العرض، بينما نجد ان هذه العلاقة على درجة كبيرة من المتانة والحميمية في المسرح الغربي والشرقي معا، حيث ان فناني السينوغرافيا والضؤ والصوت يتفننون في خلق وتجسيد رؤى المخرج الفنية، بل فهم يعملون معا في انتاج العرض، إن الكلية في العمل الابداعي هي سمة المسرح المعاصر، هذه السمة مازالت ضعيفة، ان لم تكن معدومة في المسرح العربي.

ونتيجة لذلك نرى ان المخرج في المسرح العربي بشكل عام محروم من إبداعات الفنانين التقنيين، و لا يزال غير قادر على التعامل معهم  بلغة فنية قائمة على الحرفية وإحترام إبداع وعطاء الاخر، بغية الوصول الى عرض متكامل. وعليه فإن العروض المتكاملة تقنيا نادرة في المسرح العربي.

إن المسرح العربي لايزال يعتمد في لغة العرض على عطاءات المؤلف ثم المخرج وأخيرا الممثل. أما التقني فما زال دوره محدودا أو بعيدا عن الحرفية. بينما التكنولوجيا في المسرح المعاصر قطعت شوطا في كشف الحالة الانسانية في الدراما وتجسيد الدوافع الانسانية بأساليب حديثة، مسموعة ومرئية، فالتكنولوجيا الحديثة تمنح المؤلف المسرحي والممثل إمكانيات هائلة في تجسيد ما يدور في مخيلة المؤلف المسرحي شريطة ان يكون على دراية ووعي بذلك. وحتي في مجالات التجريب، فإن ما يسمى في المسرحي العربي تجريبا، خصوصا في مجال المسرح البصري على سبيل المثال، الذي هو اكثر المسارح اعتمادا على التقنيات الحديثة، فقد أكل الدهر عليه وشرب منذ الخمسينات في اوربا.
وأخيرا فان التكنولوجيا في المسرح لا يمكن ان يكتب لها النجاح من دون تقنيين مؤهلين تأهيلا تاما، ومن دون ممارستها بصورة مبدعة، ومن دون ان يتوفر لها المعمار المسرحي المناسب.

ملاحظة:
- استقيت معلوماتي عن سفابودا من كتاب العرض المسرحي والتكنولوجيا، كريستوفر بو. باللغة الانكليزية.
- المعلومات عن كريغ مستمدة من كتاب نهوض المسرح الحديث، غوستا بيرغمان، باللغة السويدية. 
- الفقرات الخاصة بالمخرجين ويلسون وليباج، مقتبس من كتاب المسرح السويدي، اراء وأفكار، د. فاضل الجاف، باللغة العربية

---------------------------------------------
المصدر : أيلاف 

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المعاصر والتقنيات الحديثة


د.فاضل الجاف 

شهد المسرح الحديث في العقود الاخيرة تطورا كبيرا في مجال التكنولوجيا، وقد شمل هذا التطور ميادين معمار المسرح والسينيوغرافيا(الفضاء والمناظر المسرحية) والضؤ والصوت والازياء.
 ومما لاشك فيه ان هذا التطور أدى بشكل مباشرالى خلق آفاق جديدة امام المخرجين والمؤلفين والممثلين بإكتشاف سبل وأدوات وإمكانيات جديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف انسانية أفضل في ظل إمكانيات وتجهيزات حديثه على كل الاصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، مما يتناسب وروح العصر.

 وتجدر الاشارة الى ان هذا التطور لم ينبثق فجاءة في هذه المرحلة من تاريخ المسرح، فالتكنولوجيا المسرحية، كانت قائمة منذ العصر الاغريقي، بماكنتها البسيطة وحلولها السهلة في تجسيد مشاهد المسرحية، وقد تطورت هذه التكنولوجيا على مرّ العصور المسرحية.
 لكن التكنولوجيا المسرحية قديما كانت في مجملها سهل التنفيذ وذات وظيفة مجازية في معظم الأحيان.
 ويدرج بعض الباحثين التقنيات التكنولوجية التي شهدها المسرح في العصور الاولى من تطوره، ضمن التقنيات السهلة او البسيطة، اما ماجرى من تطور تكنولوجي للمسرح الحديث فيندرج ضمن النوع المعقد ذي سرعة وإيقاع شديدين، حتى انه بات من الصعب مواكبته من قبل المسارح ذات الامكانات المتواضعة.

فمثلا في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية كان صوت الرعد ينفذ حتى الخمسينات من القرن المنصرم بإستخدام صفيحة معدنية، وصوت حافر الخيل كان ينفذ عن طريق إستخدام قشرة جوز الهند الجافة. وكانت ثمة ماكنة بسيطة تستخدم لإحداث صوت الرياح بفعل قماش من الخيش. أما صوت سقوط المطر فقد كان يتم عن طريق تحريك البازلاء الجافة في أنابيب. أما ما حدث من تطور في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية في العقود الاخيرة، خصوصا بعد ظهور الكومبيوتر فتعد قفزة لم يشهدها تطور المسرح من قبل كما ونوعا وسرعة.

ومن الباحثين من يطلق على التطور الحاصل في مجال تقنيات المسرح ثورة داخل ثورة المسرح الحديث، ثورة مهّد لها روّاد المسرح الحديث من أمثال مييرهولد، كريغ، آبيا ونيهر ببدايات وإنجازات متمثلة بالخطوات الاولى في تغيير بنية المسرح معمارا وفضاء وأضاءة و تقنيات في الصوت. 
 كانت تصورات الرواد حول تغيير المسرح تغييرا جذريا تبدو حينها ضربا من الحلم والرؤى المستقبلية، لكن رؤى الرواد وتصوراتهم كشفت امام المسرح المعاصر عن آفاق وأفضية شاسعة ربما لم يكن تصورها سهلا إلا لمخيلة مبدعين من امثال مييرهولد وكريغ وآبيا.

ويمكن القول ان هذا التطور الهائل الذي بلغ أوجّه في المسرح الموسيقي والأوبرا وعروض الرقص، خلَقت لغة مسرحية جديدة لغة مسرح الحداثة وما بعد الحداثة، كما هي تتجلى واضحة في اعمال كبار مخرجي عصرنا، من أمثال جورجيو ستريهلر وروبرت ويلسون وروبرت ليباج. أعمال تحقق فيه الكثير من أحلام رواد المسرح الحديث الاوائل.
وكانت التكنولوجيا الأداة الرئيسة لتحقيق الحلم الفني، ومنفذا لرؤى مخيلة الفنان المسرحي.

ومما يجدر الإشارة اليه هو ان تطور التقنيات في المسرح الحديث إستمد دوافعه وجذوره أساسا من المخرج ومخيلته وسعيه الى تجسيد رؤاه وأحلامه. فالتصورات الجديدة لإستخدام التكنولوجيا في المسرح وتطويعه في مجالات مختلفة، برزت وتبلوّرت ببروز المخرج كصاحب مهنة مستقلة ومهمة في العملية الإبداعية.

 فالمخرجين الأوائل مييرهولد، كريغ، رينهاردت فعَلوا ونشَطوا دور السينوغراف والمصمم المعماري و مصصم الانارة ومهندس الصوت، وبدأ التقنيون يتبأون لأول مرة مكانة مهمة في ثورة المسرح. 
ولعل من الصواب القول بأن أول قفزة في سياق التطوّر التكنولوجي بعد اختراع قوة الكهرباء كانت البنائية، التي استوجبت هندسة أخرى في الفضاء المسرحي والمعمار والماكنة المسرحية. ان التطوّر الحاصل في هيكل التقنيات المسرحية لهي إمتداد لإنجازات البنائيين في مجال إستخدام البنى الكبيرة والماكنة المعقدة على المسرح وبتقنيات غاية في البراعة والإتقان. تقنيات دخلت كجزء حيوي ضمن هيكل العرض المسرحي  وليس بخاف فإن البنائية إنبثقت في المسرح كثمرة للجهد المشترك بين المخرج والفنان المعماري. وعليه فإن الأنجازات في مجال التكنولوجيا المسرحية ما هي إلا تحقيق لرؤى وتصورات الاوائل من المخرجين والرساميين والمهندسين وتعاونهم في عمل مشترك لتطوير مسرح العصر الحديث.

يقول كريستوفر بو في كتابه العرض المسرحي والتكنولوجيا كان كريغ يريد لمناظره المسرحية ان تتحرك كالصوت، مثلما الموسيقى تتحرك.
ويذكر ايضا ان احد مصصمي المناظر المسرحية في فرنسا كتب بعد لقائه كريغ في رسالة الى مدير مسرحه عام1910 يقول:
"إن كريغ يريد لمناظره ان تتطور مع سير المسرحية، لا أعرف كيف يمكن ان يتم تنفيذ مثل هذه الفكرة. ولكن الفكرة بحد ذاتها تعد من الدرجة الاولى. فلو تم تحقيق ذلك لغدا ثورة في مجال السينوغرافيا".

إن كريغ كان فنانا يدرك ضرورة الخيال وضرورة إدراك كون التكنولوجيا المسرحية  إمتدادا للخيال المسرحي ذاته. فأستخدامه عند مييرهولد وطرق الاستفادة منها كان جزء من العملية المسرحية والابداع الفني.
 ولعل المخرج البريطاني بيتر هول احسن من يعبّر عن الحذر من إستخدام الماكنة في المسرح من أجل الاستخدام فقط، فهو يقول: إن المسرح يحبّذ التناقض وعليه فإن الماكنة في المسرح تجب ان تستخدم كقيمة مجازية.

رؤى وأحلام دافينشي في المسرح البصري
كان اكبر الحالمين بالحلول التكنولوجية المبتكرة، هو الرسام والنحات الايطالي ليوناردو دافينشي الذي على يده حصل أهم تطوّر في تأريخ التقنيات المسرحية.

كان نموذج دافينشي لأوبرا أورفيوس تطورا هائلا في مجال الأوبرا. فقد صمم دافينشي العديد من الماكنات المسرحية في ميلانو. وكان أهم تصميم جديد له هو تصميمه خشبة مسرح تقدم عليها لأوبرا أسطورة أورفيوس 1518.

كان تصميم المنظر معقدا جدا في حينة، فقد أحتوى المنظر قبة تمثل قبة الكنيسة، تتفتح شيئا فشيئا على شكل جبل، لتكشف عن مشهد آخر، ثم تسحب الجبال عن المسرح من الجانبين. الى جانب هذا كان المشهد الأكثر غرابة هو المشهد الذي كان يرفع من تحت الارض كمصعد الى مستوى المسرح.
ماذا لو عاش دافينشي في عصر مييرهولد و كريغ!،لكانت إنجازاتة بلغت العصر الحديث بفاعلية خارقة.
 ففي الخمسينات من القرن المنصرم فقط بدأت المسارح تستخدم الاصوات المسجلة على الاسطوانات الكبيرة، وقد كان الاعتراض على أستخدام الصوت المسجّل شديدا في حينه.

إن المسرح البريطاني يعد من أهم المسارح الذي أختبر وحقق مختلف التقنيات الحديثة، وكان الى جانب المسرح الاميركي السبّاق في التجريب على كافة أنماط التقنيات الحديثة، فعروض الويست إيند وعروض برودواي حملت في مجال التقنيات الحديثة دهشة وانبهارا لمشاهدها لم يكن متاحا قبل ذلك. وكانت العروض الموسيقية لمسرحيات من أمثال الشعر 1957 و مسرحية يا لها من حياة حلوة 1963 السبَاقة في كشوفاتها التقنية.
وعلى الرغم من ان المسرح البريطاني لم يشهد نهضة تقنية تستحق الاشارة الى نهاية حرب العالمية الثانية، لكن بعد ذلك استمد كبار المصمين في المسرح والأوبرا الإلهام في خلق وإبتكار تقنيات جديدة أستخدمت من قبل المخرجين الشباب في الستينات من أمثال بيتر هول وتريفور نان وجون كاريد.

رواد التكنولوجيا في المسرح المعاصر


يوسف سفابودا:1920- 2002
المصمم التشيكي سفابودا صمّم و اخرج أكثر من 700 عمل مسرحي، منهدس معماري اصلا، مخترع المصباح السحري على المسرح، مؤسس الستائر المتعددة أو المضاعفة، إلى جانب عدد من التقنيات البصرية والسمعية.
نجح سفابودا في جعل الضؤ وسيلة مادية ملموسة، ذا قصد نحتي تجسيدي، وذلك بإستخدام العاكسات (بروجيكشن).
لقد نجح سفابودا في خلق تشكيلات مسرحية على شكل مونتاج مؤلف من الممثلين و الصورة المنبعثة من العاكسة، لينتج بذلك مشهدا ملئيا بالحيوية.
لم يكن هدف سفابودا في عمله يقتصر فقط على خلق صورة مسرحية كإنعكاس للضؤ المنبعث من العاكسة، بل كان نجح في خلق مشاهد نحتية مجسّدة، مفعمة بالحيوية والعنفوان الدرامي.

ومن التقنيات المهمة التي أبتكرها سفابودا إستخدام المكعبات في صف واحد، على شكل جدار، وفي كل مكعب كان ثمة بروجكتور يعكس الصورة على النظارة بهدف خلق عمل حي متحرك لفن العرض.
كان هدف سفابودا يتلخص في السينوغرافيا الحية والتي هي الاخرى الى جانب الضؤ والموسيقى يجب ان تشارك في الفعل المسرحي، أو أن تكون في حركة دائمة ولا ينبغي أن تقتصر الحركة على الممثلين فقط.
لعلنا لا نجانب الصواب إذا اعتبرنا سفابودا أهم مبدع ورائد ومطبق، بعد آبيا في مجال استخدام الضؤ وفي إبتكاره مفهوم السايكوبلاستيك وهو مفهوم يعتمد التقنيات العلمية الحديثة في تجسيد العلاقة بين الابعاد الثلاثة للفضاء المسرحي، وعلاقتها بالحالة النفسية والشعورية وبالنظارة في نفس الوقت. وفي رأيه ان مهمة السينوغراف تكمن في أستخدام هذه العناصر مجتمعة في وحدة واحدة، في بعد رابع يسميه الزمن- الفضاء، بما أن الحركة على المسرح تتطلب فضاء وزمنا.
إن منجزات سفابودا في مجال إستخدام التقنيات الحديثة في مجال ربط الفضاء الدرامي والزمن الدرامي والإيقاع الدرامي والضؤ الدرامي تعتبر من أهم إنجازات النصف الثاني من قرن العشرين.

روبرت ولسون

 إن المخرج الاميركي روبرت ولسون منهدس معماري ومصمم ديكور في المقام الأول، فهو عمله في الاخراج من التكوين المعماري والبصري للعرض قبل كل شيء ويساعده في تنفيذ ذلك خلفيته الثقافية كمعماري، ودرايته الواسعة في إستخدام التقنيات الحديثة، بالإضافة الى إعتماده على فريق كبير من أمهر التقنين في مختلف التقنيات المطلوبة في العرض المسرح … وإذا وضعنا جانب الانتقادات الموجهة إليه في هذا الصدد والتي تتلخص بطغيان الجانب البصري في عروضه على حساب النص والمضمون، فإن لروبرت ولسون طريقة متميزة ولغة فنية خاصة به فهو يقول : 
إنني أفكر في إعدادي الصور و التصاميم والرسوم البيانية، لكن ليس الهدف من الصور تصوير النص. وقد اعتاد ولسون على النقد المألوف الذي مفاده كيف يقوم المخرج برسم العرض قبل أن يلتقي بالممثلين، أو كيف يتم رسم الصورة والميزانسين دون وجود الممثل، وفي هذا الصدد يقول :

إنه مسألة تنظيم معماري في الزمن والفضاء، ولا يهم إن كان هناك ممثلون أو لا! فالضوء يتحرك، والأدوات المستعملة على المسرح تتحرك، إنها مسألة التوقيت، إنه البنيان (البناء) في الفضاء، لذلك أعتقد، إنه المعمار، أي بناء الشيء، سواء كان ذلك عند موزارت أو فاغنر أو شكسبير، باختصار إنه الأداء على أسس الرقص، دون الاكتراث بالبناء الأدبي للنص، فالقيمة البصرية تحل محل القيمة الأدبية دائماً. وعليه فإن الغرض القائم جمالياً لا يمس من قبل الجمهور، ولسون يحتفظ بخط البروسينيوم والمعمار التقليدي للمسرح ويسعى أن يقيم المتفرج علمه المسرحي هناك على مسافة.

 يبدأ ولسون عادة تمارينه بتنظيم ورشات عمل مع ممثليه لإلغاء المهمة الشفوية للعمل المسرحي، وغالباً ما تحدد متطلبات عمل الورشة باحتياجات الممثلين الفردية، لكن الورشة تحتوي دائماً على حركات جسدية عامة، يؤديها الجميع للعمل المسرحي.

وبرغم الخطوط العامة والسمات المشتركة لأسلوب ولسون، فإنه دائماً يبتكر شكلاً متميزا غير مألوف للعرض. ففي مسرحية "ماكنة هاملت" لهنري ميللر القصيرة، كان المؤلف قد خطط للعرض كي لا يتجاوز 15 دقيقة، لكن العرض في معالجة ولسون استغرق ساعتين ونصف، حيث وزع حوار المسرحية على الممثلين بشكل عشوائي، مما أعطى للعرض طابعاً سريالياً صرفاً. 
تشكل الموسيقى في الغالب عنصراً مهماً في العرض من البداية وحتى النهاية، ثم هناك الكلمات التي تدخل العرض بشكل متقطع.

إن السينوغرافيا في عرض ولسون المذكور تتضمن، بالإضافة إلى الهيكل المعماري، الصور المرسومة على الستائر، السلايدات المنفذة بدقة، بحيث تدخل البناء المعماري في إيقاع واحد مع الموسيقى والأداء المؤسلب المتأثر بروح المسرح المشرقي (نو الياباني).

روبرت ليباج
يتمتع المخرج الكندي روبرت ليباج، الملقب بساحر المسرح، بشهرة عالمية واسعة وحضور دائم في معظم المهرجانات المسرحية. ويحتل اسمه حالياً مكانة مرموقة بين أسماء أهم خمسة مخرجين مسرحيين بعد جيل بيتر بروك، وهم الأمريكي روبرت ويلسون، والألماني بيتر شتاين، والروسي ليف دودون، والفرنسية أريانا منوتشكين.
ويشارك هذا المخرج، الذي ولد في مدينة كوبيك عام 1957 ودرس المسرح فيها قبل أن ينتقل إلى فرنسا، الأمريكي روبرت ولسون في ريادة ما يسمى بالمسرح البصري.

ولعل الاستشهاد برأي المخرج الإنكليزي المعروف ريتشارد إر يساعدنا في الدخول إلى عالم ليباج المسرحي، وفهم أسلوبه الإخراجي، فهو يقول: "إن ليباج يحوّل المكان العام إلى مكان سحري، والمكان السحري إلى مكان واقعي سهل المنال، وليباج ممون أحلام، والأمر المحفّز بالنسبة إليّ أنه يعمل بلغة ومفردات تنتمي إلى لغة العرض".

 يقول ليباج ان التطور التقني جعل من المسرح يعيش عصر نهضة جديدة، فبالنسبة اليه ساعده هذا التطور في خلق الشكل المطلوب على المسرح، وفي تجسيد التصور الاخراجي بمساحة واسعة من الحرية.
تتسم أعمال ليباج المنجزة أسلوبه الإخراجي أفضل من تلك الأعمال التي يقدمها على المسارح الأوروبية كمخرج ضيف، حيث يعمل مع ممثلين من مدارس تأهيلية مختلفة، ضمن عقود مع مؤسسات مسرحية وتحت ظروف فنية مختلفة. 
وفي حين تتمتع "إكس ماشينا" بوحدة فنية في الأسلوب ومنهج صارم في التدريب والمران والعمل الدؤوب في الابتكار، يتم خلالها إنتاج أعمال مسرحية مدهشة بغية عرضها في المهرجانات العالمية وهي في أوج تكاملها. 

الصياغات السينوغرافية
في لعبة الحلم لأوغست سترندبرغ، تجري مشاهد المسرحية في مكعب مثبت على ركيزة، يدور المكعب لينتقل الممثلون من سطح إلى آخر حسب توالي المشاهد بطريقة مسرحية رشيقة، وكأنهم يعانون من ضغط هائل، ولا منفذ أمامهم سوى الحلم، بينما يتجلى البحر تحتهم على شكل مساحة مائية يشرف عليها المكعب المأهول بسكانه. وفي "حلم ليلة منتصف صيف" يحوّل ليباج الغابة الشكسبيرية إلى ساحة شاسعة من الوحل والمياه، تتمرغ فيها أجساد الممثلين ببدائية وعنفوان. 
ويهتم ليباج باللغة وأصواتها، ففي عروضه التي يعدها لفرقة "إكس ماشينا" يستخدم لغات عدة حسب انتقال المشاهد، ويكرر هذا الاهتمام في النصوص التي يكتبها بنفسه، حيث أن الجرس الموسيقي والتنويع الصوتي للغات المختلفة يضيفان على العرض شعراً إيقاعياً مثيراً، ويخلقان تأثيراً يضاهي التأثيرات البصرية.

الخلاصة

إن التتقينات الحديثة تمثل في جوهرها تحقيقا لخيالات ورؤى المسرحيين الاوائل ممن كانوا يسعون الى تجديد المسرح شكلا ومضمونا.
على المخرج ان يكون مطّلعا على المنجزات العملية في عصره، ويكون على وعي بانجازات الباحثين في مختلف مجالات العلوم. ان المخرج والتتقنين في عصرنا الحالي لايمكن أن يعيشوا بمعزل عن التطور العلمي والتكنولوجيا الذي غزت ميادين الحياة. وكلما كان إطلاع المخرج عميقا وشاملا كلما اصبح بمقدوره ان يجسّد أفكارة وتصوراته وحلوله الإخراجية بسهولة وبسبل فنية مدهشة و ساحرة. وكلما كان المسرح بمعزل عن التقنيات الحديثة أو غافلا عنها كلما أكتنفت لغة العرض صعوبات في التنفيذ والتحقيق.

ان لغة العرض شهدت تطورا كبير، لم يكن ليدور في خلد الرواد الاوائل من المجددين، فقد ادهشني عرض في الرقص على أحد مسارح ستوكهولم كان ينقل أجزاء مكملة من نفس العرض على مسرح في امستردام بتقنية بارعة و في مونتاج مبهر حيث ان المشهد الذي كان يجري أداءه على مسرح أمستردام، كان يشكَل جزاء حيا من عرض استوكهولم.

ولا يمكن إنكار حقيقة وجود مخرجين مبدعيين عملوا ويعملون بمنأى عن إستخدام التكنولوجيا المعقدة، الى هذا الصنف ينتمي على سبيل المثال، كروتوفسكي وبرووك في العصرالراهن، لكن تجاوز بعض المخرجين في اوربا التكنولوجيا والعمل بمبدأ الحد الادنى في العرض المسرحي لا يعني بالضرورة، الطلاق النهائي مع التكنولوجيا، فحتى في هذه الحال نرى ان كل شئ بإستثناء لغة العرض القائمة على الفضاء الفارغ عند برووك مثلا مرتبط إرتباطا وثيقا بالتطور التكنولوجي الحاصل في ميادين التقنيات المسموعة والمرئية، ناهيك عن مجالات التسويق والاتصال بالنظارة وبمختلف مسارح العالم وقطاعات الثقافة.
ففي آخر عرض شهدته لبيتر برووك في ستوكهولم في خريف عام المنصرم، شهدت كيف ان العرض البسيط العاري من كل التقنيات و باللغة الفرنسية، تصاحبه شاشة الترجمةـ فلم تعد اللغة حاجزا كبيرا أمام العرض المسرحي بفضل تقنيات الترجمة.

ومن الواضح ان الانتاج المسرحي بإعتماده على تقنيات الكومبيوتر قطع شوطا كبيرا في التنفيذ المتقن والسريع. في، حيث يتم برمجة المشاهد والضوء والموسيقى والصوت بطريقة يسيرة، مما يسهل إنتاج المسرحيات الطويلة الصعبة التنفيذ بأسابيع معدودة من المران والتدريب.
لعل إستخدام الكومبيوتر في مجالات الانتاج يعتبر اهم خطوة بعد اكتشاف الطاقة الكهربائية. فقد أصبح بإمكان فنان السينيوغرافيا ان يجسد نموذجه على شاشة الكومبيوتر وان يدخل عليه الممثلين وهم يتحركون وإختبار مدى إمكانية تغيير وتبديل المناظر عمليا،كي يصل الى نتيجة مضمونة قبل تنفيذ النموذج على الخشبة، والشئ نفسه ينطبق على الضؤ. اما بالنسبة لمصمم الازياء فقد حقق الكومبيوتر نجاحا في هذا المجال ايضا حيث يستخدم فنان الازياء صورة الممثل نفسه ليجرب معه مختلف أنواع الازياء وصولا الى الزي المناسب.

المسرح العربي والتكنولوجيا

وأمام هذا التطور الهائل الذي يشهده المسرح في الميدان التكنولوجي، نجد أن المسرح العربي يعاني قصورا كبيرا في استخدام التقنيات الحديثة وفي ندرة عدد تقنيين أكفاء، وان هذا القصور يشمل معظم ميادين المعمار والفضاء وهندسة الضؤ والصوت. ومما لاشك فيه ان القصور يشّكل أيضا نقطة مهمة في إنحسار المسرح العربي وتخلفه عن الركب المسرحي العالمي.

ان المسرح العربي بأمس الحاجة الى إعداد وتهيأة تقنيين أكفاء وجود التقنين في مختلف مجالات المسرح قبل إقناء الاجهزة والمعدات التقنية، فإن ذلك سيعطي للمسرح العربي زخما في طريق التطور والازدهار. ان الكليات ومعاهد المسرح في العالم العربي يجب ان تأخذ على عاتقها مهمة تدريس التكنولوجيا الحديثة في مناهج تدريس السينوغرافيا والضؤ والصوت والازياء

ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نغفل دور التخلف التكنولوجي في المسرح العربي على إنحسار الجمهور الذي لا يمكن ان يعتاد على متابعة العرض المسرحي في صالات متهرئة وبتقنيات بالية.

يعيش المخرج في المسرح العربي في حالة تصادم دائم مع الخشبة، لكونها غير مجهزة بالتقنيات المطلوبة، وعليه فهي لا يمكن ان تستجيب لمتطلباته، وان كان مجهزا بالتقنيات فهناك غياب اوشحة في التقنين الاكفاء الذي بإمكانهم ان يقدموا للمخرج وللعرض ابعادا وجلولا إبداعية تضفي على العرض جوانب إضافات فنية لا تقل عن إبداع المخرج والممثل والمؤلف. 
 فإبداعات المخرج مهما كان بارعا، لايمكن ان تجسّد تجسيدا فنيا دقيقا متقنا الا بوجود الفنان التقني الذي بإمكانه ان يفتح بوجه المخرج أفاقا لا يمكن أن يتصوره أحيانا.

ان لغة العرض قائم في وظيفته ودلالاته في جزء كبير منه على العلاقة الابداعية والحرفية القائمة بين المخرج والتقنين، وهي علاقة مازالت ضعيفة في المسرح العربي، ان لم تكن معدومة في الكثير من العروض المسرحية.
 فالمخرج العربي مازال يجد نفسه وحيدا في العملية الابداعية و في إنتاج العرض، بينما نجد ان هذه العلاقة على درجة كبيرة من المتانة والحميمية في المسرح الغربي والشرقي معا، حيث ان فناني السينوغرافيا والضؤ والصوت يتفننون في خلق وتجسيد رؤى المخرج الفنية، بل فهم يعملون معا في انتاج العرض، إن الكلية في العمل الابداعي هي سمة المسرح المعاصر، هذه السمة مازالت ضعيفة، ان لم تكن معدومة في المسرح العربي.

ونتيجة لذلك نرى ان المخرج في المسرح العربي بشكل عام محروم من إبداعات الفنانين التقنيين، و لا يزال غير قادر على التعامل معهم  بلغة فنية قائمة على الحرفية وإحترام إبداع وعطاء الاخر، بغية الوصول الى عرض متكامل. وعليه فإن العروض المتكاملة تقنيا نادرة في المسرح العربي.

إن المسرح العربي لايزال يعتمد في لغة العرض على عطاءات المؤلف ثم المخرج وأخيرا الممثل. أما التقني فما زال دوره محدودا أو بعيدا عن الحرفية. بينما التكنولوجيا في المسرح المعاصر قطعت شوطا في كشف الحالة الانسانية في الدراما وتجسيد الدوافع الانسانية بأساليب حديثة، مسموعة ومرئية، فالتكنولوجيا الحديثة تمنح المؤلف المسرحي والممثل إمكانيات هائلة في تجسيد ما يدور في مخيلة المؤلف المسرحي شريطة ان يكون على دراية ووعي بذلك. وحتي في مجالات التجريب، فإن ما يسمى في المسرحي العربي تجريبا، خصوصا في مجال المسرح البصري على سبيل المثال، الذي هو اكثر المسارح اعتمادا على التقنيات الحديثة، فقد أكل الدهر عليه وشرب منذ الخمسينات في اوربا.
وأخيرا فان التكنولوجيا في المسرح لا يمكن ان يكتب لها النجاح من دون تقنيين مؤهلين تأهيلا تاما، ومن دون ممارستها بصورة مبدعة، ومن دون ان يتوفر لها المعمار المسرحي المناسب.

ملاحظة:
- استقيت معلوماتي عن سفابودا من كتاب العرض المسرحي والتكنولوجيا، كريستوفر بو. باللغة الانكليزية.
- المعلومات عن كريغ مستمدة من كتاب نهوض المسرح الحديث، غوستا بيرغمان، باللغة السويدية. 
- الفقرات الخاصة بالمخرجين ويلسون وليباج، مقتبس من كتاب المسرح السويدي، اراء وأفكار، د. فاضل الجاف، باللغة العربية

---------------------------------------------
المصدر : أيلاف 

الاثنين، 15 نوفمبر 2010

السينوغرافيا...وأشكالات التعريف والمعنى

مجلة الفنون المسرحية

السينوغرافيا...وأشكالات التعريف والمعنى 


د.فاضل خليل 

اختلف المهتمون في المسرح، حول معنى (السينوغرافيا) وحول تعريفها، فمنهم من اعتقد بأن المعنى فيها يقف عند حدود المنظر (الديكور)، والآخر في الضوء (الإنارة)، وغيرهم اعتبروها الزخرفة وغيرهم في المستلزمات البقية للتكوين الفني للصورة المسرحية وهكذا. ومثلما اختلف المعنى المحدد لها، تعددت التعاريف الكثيرة التي سترد في سياق البحث تباعا. لكني وجدت بعد المرور على أكثر من تعريف، بأن التعريف الأمثل لها هو أن ٍٍ" السينوغرافيا هي فن تنسيق الفضاء ، والتحكم في شكله بغرض تحقيق أهداف العرض المسرحي [.....] الذي يشكل إطاره الذي تجري فيه الأحداث "(1). وهو تعريف واف وشامل ولا يترك الفرصة لأن تنفرد واحدة من مكونات العرض بالمعنى وإنما كل ما يحقق الصورة المسرحية بكاملها أمام المتفرج، وبعكسه ستصبح السينوغرافيا ناقصة بغياب واحدة من مكوناتها. وعليه فأن السينوغرافيا هي "الفن الذي يرسم التصورات من اجل إضفاء معنى على الفضاء"(2) وإضفاء المعنى في وصول الفكرة لن يترك مكونا من المكونات التي تحقق تشكيل الفضاء وتنسيقه إلا استخدمتها. إذن هي العملية الأهم في عمل المخرج على إعداد العرض المسرحي من اجل الوصول إلى التكامل الفني في العرض المسرحي.وبدأ من تحديد المخرج لـنوع المسرح  joiner، الذي يؤهل بالشروع في وضع الخطة الأرضية plan ، وما يتبعها من مناظر وضوء وألوان وحركة وإكسسوارات، وكل ما من شأنه توضيح المعالم النهائية المعبرة عن صورة الشكل والتجسيد في الفضاء المسرحي [ ساحة الأحداث ] المفترضة لحياة المسرحية، أو المكان الذي يتم اختياره في استخداماتها في الفضاءآت المتنوعة: [ المدينة ، الملاعب ، الساحات العامة ، العمارات ، السطوح ، المزارع ، السواحل البحرية أو النهرية أو البحيرات ، الشارع ، المقهى ، المعمل ، السجن ... وغيرها من الأماكن المهيأ للفعاليات وأنواعها ]. ولو أن البعض يرى بأن [السينوغرافيا] فن لا يتجاوز فهمه عن حدود الديكور[المنظر]، منطلقين. مبررين ذلك من أن المصطلح الوارد في الدوريات المسرحية الصادرة باللغة الانجليزية، والمستخدمة غالبا في معاهد المسرح في أمريكا وانكلترا. وان الاستخدام الأقرب للسينوغرافيا يكمن في المصطلح [ scene design ] و[ seenichut ] و[ setting ] و[ scenic setting ] وكلها تصب في [فن المنظر](3). إن هذا الرأي وكل ما دار في فلكه من الآراء، لا يمت بصله لمفهوم السينوغرافيا مدار البحث إذا ما عدنا إلى التعريف السابق [ فن تنسيق الفضاء ]. لسبب هام هو أن {فن المنظر} لا يبتعد عن تصميم وتنفيذ وتركيب المنظر [الديكور]، بعيدا عن خدمته بما يجعل منه مضمونا وشكلا واضحين ومتحركا باللون والممثل وبقية مستلزمات من موسيقى ومؤثرات وغيرها . والذي اثار انتباهي في هذه الآراء هو انه اتكأ على آراء تؤيد سيادة استخدام المصطلح الحرفي في تسيد [ فن المنظر] ، وليس المعنى الآخر الذي يعني كما أسلفنا [ فن تنسيق الفضاء ] وفي الفضاءآت على اختلافها. لكن وعلى الرغم من الاقتراب الكبير بين المعنيين القديم لـ [ السينوغرافيا ]، والمعنى الحالي، وكلاهما يبقى بعيدا عن مفهوم [ الزخرفة] بالمعنى الذي نعرفه، إلا أنها قريبة من معنى [ الديكور] أو انه يشكل جزأ من تكوينها. على أن نعرف من أن العديد من مصممي الديكور يؤكدون من أن السينوغرافيا ، والديكور ، فنان مستقلان عن بعضهما ، وكل واحد منهما فن قائم بذاته، كما أنهما لا يلغي احدهما الآخر ، والذي يمارسهما يلمس الفرق بوضوح ويتأكد من الاختلاف بينهما.  
     [ السينوغرافيا stenographic ] باعتبارها مصطلحا – في البدء كان يونانيا - و" معناه كل مايتعلق بالرسوم المتواجدة على خشبة المسرح "(4). ورغم الاعتقاد السائد بقوة في أن المصطلح اليوناني هذا لم يكن يقتصر على المناظر وحسب، وإنما تعداه إلى حركتها – المناظر - مع بقية العناصر المكونة لشكل العرض المسرحي كاملا، بدءا" من [ المضمون، وما يتبعه من حركة الممثل، ومستلزمات التنسيق لصورة الفضاء المسرحي. والذي ينطبق على سينوغرافيا المسرح ينطبق على غيره من سينوغرافيا الفضاءآت الأخرى، مارة الذكر. صحيح أنها جميعا ولدت من رحم [فن الزخرفة]، وإنها اشتقت من الكلمة اليونانية skenegraphein والتي تعني: تجميل واجهة المسرح skein بألواح مرسومة، عندما كان المسرح [ خيمة ] أو [ كوخا من الخشب ]، ثم [ مبنى ](5). و- أنا – اتفق تماما مع هذا المعنى لسبب غاية في الوضوح، وهو أن التقنيات الحديثة - المستخدمة الآن - لم تكن معروفة بعد في الفترة الرومانية وما تبعها من حقب، وإنما تدرجت في التطور لتصل إلى ما تعارفنا عليه اليوم بـ [ فن الديكور ]. ومن خلاله ما حصل من تطورات لتصل إلى فنون [ السينوغرافيا ] بمفهومها الحالي والذي نعرفه: [ فن تنسيق الفضاء ]، - حسب معماريو عصر النهضة أيضا – أو كما أطلقوا عليه [فن المنظورات](6). وقد برزت موجة في فرنسا، نهاية العقد الأخير من القرن العشرين، نزعة أخرى ثار أصحابها على كل المعاني القديمة فأطلقوا على حركتهم تسمية [ انفتاح السينوغرافيا ] ، وتعني " تطبيق ما يتصل بخشبة المسرح في مجالات أخرى غير العرض المسرحي. فبشروا بـ[ سينوغرافيا المعارض ] و [ سينوغرافيا الأحداث الهامة ] و[ سينوغرافيا المناسبات والاحتفالات ]"(7). والتي تهدف إلى "عمارة الفضاء. وخلق إطار معين وتحديد فراغ ما، وإضفاء طابع معين على مكان ما، من اجل شخوص معينة وحكاية ما، وصياغة وجهة نظر أو أكثر"(Cool. إن استخدام كل الوسائل والمستلزمات الواجب تحضيرها بما يحقق الصورة المثلى لتنسيق الفضاء في شكله ومضمونه قبل التحضيرات التركيبية لها، كي يعرف العاملون – من مصممين ومنفذين وفريق عمل - كيف يتصرف كل منهم في الحيز المخصص لواجبه وإبداعه ضمن مكانه المخصص له في السينوغرافيا ضمن مكانها المقرر المسرح أو أي مكان آخر كان. على أن نعرف بأن أهم المتحركين في كامل الفضاء المنوي تجسيده هو [ الإنسان ] في الفضاءآت خارج المسرح، أما الإنسان المقرر في فضاء المسرح فهو [الممثل] الممتلك لأدواته والعارف بنوع العلاقة التي تجمعه مع كل واحدة من تلك المستلزمات ومنها العلاقة مع الممثلين، وما يحيط به من الكتل الديكورية ومصادر الضوء وما يرافقها من ألوان تحدد نوع تصرفه في فعله وحركته ، وبضمنها المتفرج الذي يتلقى الخطاب المسرحي يدخل ضمن سينوغرافيا المسرح . بل وكل ما " يشير إلى تنسيق كافة العناصر الداخلة في الإنتاج المسرحي ضمن فراغ محدد هو المسرح "(9) وقاعة العرض وخارجها ، فهي جميعا تدخل ضمن الجو العام الذي يتحكم بالمزاج العام لكل ما يدور في فلك الفنون الدرامية. فلا يقتصر فعل السينوغرافيا على ما فوق خشبة المسرح وحسب ، وإنما يتعداه إلى ما هو خارجها أيضا ، بل وفي الفضاءآت المتعددة ومهما كان حجم فضاءها سواء كان ذلك الفضاء ضيقا حينا أو متسعا في أحايين  أخرى . حيث ينشط في استثمارها [ السينوغراف ]: الرجل الخبير بالرسم والتصوير والنحت والعمارة والمنظور، الذي يبتكر ويصمم وينفذ ما يتاح له من أشكال معمارية فنية وكل أنواع الديكور اللازمة للمسرح"(10) وغيره من الفضاءآت التي مر ذكرها . فهو – السينوغراف – أو – المخرج - الذي يمارس عمله على إيجاد الخطاب المناسب – وفق رؤيته – كي يبثه إلى المتلقي ، من خلال تلك الفضاءآت، ومن خلاله يلعب دوره الذي يريد . وبالتالي السينوغرافيا : كأي فضاء حي دائم التبدل والتنوع ، تماما كما الحياة الواقعية الدائمة الحيوية المتغيرة في تحولاتها المتعددة والمنطقية للأشياء ، بل وحتى اللامنطقية منها أحيانا. والمسرح الذي يخضع للتغير وفق التطورات الحتمية في الحياة ، وفي حركة الممثل المتنقل دوما بين الأجزاء والمحرك الديناميكي لفضاءآت العرض. وهذا لا يمكن له أن يحصل إلا في لحظات ثبات الرؤية الفنية في وحدة فنية وأسلوبية للصورة المكتملة وما يليها من الصور في سياقات التطورات الديناميكية الدراماتيكية للحياة والمسرح ، تماما مثل حركة [المتواليات المنطقية] والمحكومة بقوانين التطور الاجتماعية. وهنا حيث تتدخل ضمن عمليات التكوين ، في الهدم والبناء ، قوانين : [ الكتلة ، والحركة ، والزمن ] مع الاستخدام الأمثل : [ للضوء ، والظلام ، والمؤثرات الصوتية والصامتة ، وما يلحق بها من الملابس على اختلافها ، وما يتخللها من الالون ]، في الفسحة التي تمنحها مكونات فراغ الفضاء من : [ الارتفاع والعمق والعرض ] . وهي المستلزمات التي تساعد الإنسان - الممثل في المسرح ] إلى امتلاك الأجواء في إتقان فعله المسرحي، في تأثيراته العاطفية والنفسية والجمالية، والتي تحقق الإيقاع – نبض الحياة الطبيعية أو المصنوعة، التي توصل الخطاب المطلوب في أحسن صوره. إن في فهم تلك العناصر المكونة للعرض – مجتمعة - كفيلة بخلق صورة السينوغرافيا التي نريد في الحياة أو على خشبة المسرح . وعليه فان الحركة في المسرح وتحريك كامل أجزاء الفضاء ، هي : [ صورة التشكيل الحركي ] أو ما نطلق عليه اصطلاحا [ الميزانسين في حالة الفعل ] . 
    والسينوغرافيا فن مركب – كما أسلفنا - ويمتلك التعددية في المعنى أيضا . فهو الجامع لكل الفنون وهو احد تعريفات المسرح الذي نطلق عليه مصطلحا [ أب الفنون ]. أو هو  نتيجة حتمية لجمع شمل كل الفنون في تركيبة واحدة نطلق عليها [ العرض المسرحي ] ، في وحدة أسلوبية وفنية بقيادة [ السينوغراف ] أو [ المخرج ] – الرجل الأهم في المسرح – فهو المفكر ، والقائد ، والمنظم لكامل العميلية في تنسيق الفضاء ، والذي لن يستغني عن جهود المحرك لكل أجزاء السينوغرافيا ، ومكوناتها [ ألممثل ] ، في وحدة متجانسة ، وكل لا يتجزأ . والذي ينطبق على سينوغرافيا المسرح وتنسيق فضاءه ، ينطبق كذلك على الفضاءآت الأخرى – مارة الذكر - المراد تحريكها في السينوغرافيا. وعليه فإن أي تداخل بين عمل [السينوغراف] - إذا ما أفردنا له عملا في العرض المسرحي – يتعارض تماما مع عمل [ المخرج ] في المسرح وربما في مجالات العمل المرئية كافة – لن نخوض في نقاشها لأنها خارج موضوع بحثنا- . وبالتالي فان من يقترح وضع السينوغرافيا المسرحية هو [المخرج] حتما وليس الـ[ سينوغراف ] ، وذلك بعد دراسة علمية مستفيضة لكامل احتياجات شكل المضمون المراد تجسيده . والتي تعني في الإخراج: [علم المرئيات والمسموعات] للخطاب المبني على دراسة وافية التي تلبي حاجات المتلقي الاجتماعية وما يتبعها من إجابات لتساؤلاته وفي البحث عما يخلصه من مخاوفه في الحياة المحفوفة بالكثير من المخاطر.  ولكي لا ينشأ الخلط بين عمل الاثنين [المخرج والسينوغراف ] لابد لنا من الاستغناء عن واحدة منها وبالتأكيد هي  وظيفة – السينوغراف – للتخلص من التداخل في عمل الاثنين معا في المسرح . على أن نتفق على أن في التفريق بينهما ، لا يعني الاستغناء الكامل عن دور[ السينوغراف] في بقية الفضاءآت التي مر ذكرها حيث ستحقق هناك نجاحها الأكيد غالبا ، لكنها لن تستغني في النهاية عن مكملات المشاهدة بالاستعانة ببقية الفنانين – كما في المسرح - بإضفاء اللون والضوء وحركة الناس – من غير الممثلين - في الفضاءآت الأخرى البعيدة عن المسرح.معزولة عن وظيفة المخرج في المسرح، إذا ماتم الاتفاق عليها وممارستها – كدور معزول – له خصوصيته في صناعة العرض، ستعزز النقاش. 
     تتنوع السينوغرافيا في المسرح بتنوع الفضاء المسرحي الذي تقدم فيه العروض المسرحية من شكل الفضاء ونوعه ، فهناك الفضاءات المستوية والعلبة والمسارح المقوسة والدائرية ، وكذلك سعة الفضاء وضيقه ، كأن يكون ساحة عامة أو معمل أو مقهى .. وغيرها . كما في تجارب بروك واستخداماته لفضاءات بعيدة كل البعد عن مسرح العلبة الايطالية ولنا في تقديمه لأحد عروضه على ساحل البحر مثلا في مشاركته ألمعروفه في مهرجان شيراز في إيران . أو في تجربة ماكس راينهاردت ، حين قدم مسرحية ( حلم منتصف ليلة صيف - شكسبير ) التي قدمها على مسرح دوار. والبطل في اختيار الفضاء هو المخرج حين يقترح المكان الذي يعتقده مناسبا للمضمون الذي يشتغل عليه ، ويقوم بتدريباته فيه. وهي في كل الأحوال ليست من اختيارات الفنان التشكيلي أو المعماري أو [ السينوغراف ]. ولا نستبعد استعانة المخرج بهم لأغراض تحقيق الانسجام harmony في المنظور التشكيلي، وليس ابعد من ذلك. على أن نعرف بان السينوغرافيا لا تقدم أكثر مما يشاهده المتفرج من تلقاء نفسه حين تستهوية لحظة إبداع تتفق مع استقباله والتي تثير دهشته، للجزء المرئي من كامل السينوغرافيا وليس كلها – أحيانا – كما في الكاميرا التي تلتقط الجزء الهام من وجهة نظر الفوتوغرافي -. إذن [المثير] هو الذي يلعب الدور الهام في المشاهدة، سواء في الفضاء الواسع أو الضيق على حد سواء، وقد لا يثيره شيئا من ذلك الفضاء ، وهو ما نطلق عليه بـ [ موت السينوغرافيا ] أو فشلها. والسينوغرافيا المبدعة التي تحقق الدهشة، تأخذ بنظر الاعتبار ماتم عمله من قبل خوفا من السقوط في التكرار أو التقليد . والسينوغرافيا واحدة من ثلاث وسائل للرسم في البناء المعماري – مسرحي وغيره – وهي:
1) التخطيط الأفقي.
2) التخطيط العمودي.
3) السينوغرافيا، في بقية مكوناتها.
وهي هنا " تصوير لوجه من وجوه المبنى، والواجهات المتحركة التي تسمح بالحصول على تصور كامل عن مظهر المبنى النهائي عن طريق الحيل البصرية "(11). والحيل البصرية هنا هي ما يضفي على الواجهة من ضوء ولون ، وعليه فهي تأكيد كبير على إن السينوغرافيا هي ليست [ المنظر ] وحسب. والاختلاف في وجهات النظر حول مفهومها إنما تؤكده الممارسة لوحدها ، وهي الكفيلة التي تحسم الخلاف وفقا لتجربة كل فنان . فما جدوى من تأسيس الشكل المنظري المتكامل في ظلمة دامسة ، خالية من حياة الممثل التي تحركها؟ ومن بقية المستلزمان التي تحقق فيها المشاهدة الفنية ذات المتعة الحسية العالية. 
     وفي المحصلة نستنج بأن [ السينوغرافيا ] بالنسبة إلى المعماري: هي تصور المظهر التشكيلي الخاص بالحيز الذي يقام عليه العرض ساحة أم ملعبا أم واجهة لبناية ..وغيرها . تماما مثل [ خشبة المسرح حين يعمل على تنسيق فضاءها فنيا [ المخرج]. فـ [ السينوغراف ]: هو مقنن المهمات والمواد التقنية التي يحويها المكان. و [ السينوغرافيا ]: يجب أن تستوعب مكانا فيه: حكاية، وشخوصا، وصياغة. أو باختصار شديد هي: [ إضفاء معنى للفضاء الذي نختاره للعمل ]. وهي منذ المخرج الأول في المسرح الحديث [ ساكس ما يننغتن ] في[ ألمانيا - برلين في 1 مايو 1874 ] الذي دعى إلى" إخضاع المناظر والإضاءة والملابس والماكياج والملحقات الأخرى إلى جانب التمثيل والتخطيط الكامل ، وكلها تجتمع في إطار التأثير العام "(11). 

المصادر 
1. مارسيل فريد نون : فن السينوغرافيا ومجالات الخبرة ، كراس [ السينوغرافيا اليوم ]، ترجمة: إبراهيم حمادة وآخرون، وزارة الثقافة، منشورات مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي 1993 القاهرة ، ج.م.ع. ص8.
2. نفس المصدر السابق، ص8.
3. سامي عبد الحميد: السينوغرافيا وفن المسرح، بحث قدم إلى مهرجان أيام عمان المسرحية، الدورة الثالثة من 27/3/1996 لغاية 8/4/1996.
4. زينو بيوس: السينوغرافيا، ملحق الثقافة الأجنبية، إصدارات وزارة الثقافة والإعلام، دائرة الشؤون الثقافية للطباعة والنشر، بغداد 1980، ص128.
5. مارسيل فريد فون: ص13 .
6. الياس أنطوان الياس: {القاموس العصري} المطبعة العصرية، ط1، ج.ع.م، 1956.
7. مارسيل فريد فون: ص8 .
8. مارسيل فريد فون: ص8 .
9. لوي دي جانيتي : كتاب ( فهم السينما ) ترجمة : جعفر علي ، دار الرشيد للنشر ، بغداد 1981 ، ص75 .
10. مارسيل فريد فون: ص8. 
11. مارسيل فريد فون: ص13.

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

خالدة سعيد في كتابها "الحركة المسرحية في لبنان : 1960 - 1975" . مرجع أول يؤرخ نقدياً للمسرح الحديث ويحتفي بالحقبة "الذهبية"

مجلة الفنون المسرحية

خالدة سعيد في كتابها "الحركة المسرحية في لبنان : 1960 - 1975" . مرجع أول يؤرخ نقدياً للمسرح الحديث ويحتفي بالحقبة "الذهبية" 

عبده وازن

لئن شهدت بيروت منذ مطلع الستيّنات حركة مسرحية طليعيّة كانت السبّاقة في ترسيخ الهويّة الاختبارية للمسرح العربي الحديث فأن هذه الحركة لم يواكبها تيار نقدي في حجمها يمهّد لها الطريق نظرياً ويمعن في درسها وتحليل ظواهرها والتحولات التي أحدثتها. ظلّت الحركة المسرحية منذ انطلاقتها تفتقر الى المرافقة النقدية العلمية والمنهجية والى النقاد الأكاديميين الذين كان من المفترض أن يؤرّخوها علمياً ويصنّفوا الاتجاهات التي برزت خلالها ويوثقوا الأعمال التي قدّمت طوال سنوات. فالنقد اقتصر على الصحافة وعلى الصحافيين الذين مهما نجحوا في أداء مهمتهم يظلّ نقدهم نقداً صحافياً أي عاجلاً وانطباعياً وقصير النفس، نظراً الى طبيعة الصنيع الصحافي الذي يجدر به أن "يغطّي" الأعمال أكثر ممّا عليه أن يحلّلها بهدوء ورويّة. غير أنّ وصفاً مماثلاً للعمل الصحافي لا يقلّل من أهمّيته أبداً ولا سيّما في لبنان الذي شهدت صحافته بدءاً من الستينات ازدهاراً لم تعرفه أي صحافة عربية أخرى. وأدّى النقاد - الصحافيون واجبهم كاملاً تجاه الحركة المسرحية ونجحوا في ابداء آرائهم وفي توجيه الجمهور توجيهاً سليماً وفي صنع ذائقته. إلا أنّ المقالات الصحافية ما كانت لتكفي وحدها في تأسيس مرجع علميّ للحركة المسرحية. فالمقال هو وليد اللحظة والأثرِ الذي يتركه العرض في وجدان الصحافيّ تماماً مثلما أنّ العرض المسرحيّ نفسه وليد تلك اللحظات التي يُقدّم فيها للجمهور. ظلّ النقد المسرحي اذن في لبنان مقتصراً على الصحافة وعلى ذائقة الصحافيين وردود فعلهم وعلى ثقافاتهم الخاصّة ونظراتهم، ولم تعرف الحركة المسرحية إلا كتباً قليلة جداً سعت الى قراءتها ولكن قراءة جانبية ومنها مثلاً كتاب غسان سلامة شبه اليتيم عن "المسرح السياسي" وهو كان عبارة عن أطروحة جامعية.

كان لا بدّ إذن من أن تأخذ الناقدة خالدة سعيد على عاتقها مهمّة تأليف أول مرجع علمي للحركة المسرحية اللبنانية. وكان لا بد أن يملأ كتابها "الحركة المسرحية في لبنان: تجارب وأبعاد: 1960 - 1975" الفراغ الذي عرفه النقد المسرحي العلميّ والحركة المسرحية على السواء. ولا تتجلّى فرادة هذا الكتاب الضخم في كونه المرجع الأوّل للمسرح اللبناني فحسب وإنّما في شموليته وعمقه أوّلاً وفي منهجيته العلمية الصارمة تالياً وفي نزاهته وتجرّده وترفعه عن التناقضات التي نشبت في عالم المسرح اللبناني ولا سيّما بعد الحرب. ولا تخفي الناقدة شغفها الكبير ليس فقط بالحركة المسرحية اللبنانية الطليعية التي رافقتها عن قرب وإنّما بمدينة بيروت التي كانت في السنوات الستين والسبعين مختبراً حقيقياً للثقافة والأدب والفنّ عموماً. وعجزت الناقدة عن إطفاء جذوة الحنين المستعرة في قلبها ووجدانها الى تلك المرحلة الفريدة كيلا أقول الذهبية التي شهدتها بيروت وولّت كما لو أنّها حلم باهر أحرقته نار الحرب الأهلية.

والصدفة الجميلة تجلّت في صدور كتاب خالدة سعيد عشية إعلان بيروت عاصمة للثقافة العربية فبدا الكتاب وكأنّه تتويج لهذه العاصمة ولتاريخها الثقافي ولمرحلة الستينات "المرحلة الذهبية" التي شهدت كما تعبّر الناقدة "لحظات حيّة وخلاّقة". إلا أنّ صدفة أخرى ولكن أليمة رافقت اعلان بيروت عاصمة ثقافية وكذلك صدور الكتاب تجلّت في إغلاق "مسرح بيروت" الذي كان موئلاً للحركة المسرحية الطليعية. وبين تاريخ المسرح اللبناني كما كتبته خالدة سعيد وواقعه الراهن هوّة عميقة هي الهوّة التي حفرتها الحرب وما تلاها من أحوال سلمية لا تقلّ قهراً وبشاعة عن الحرب نفسها.

أدركت خالدة سعيد في تأريخها الحركة المسرحية اللبنانية وفي تحليل ظواهرها وتصنيفها أنّ من أولى مهمّاتها أن تبني مرجعاً أو ما يُسمّى نواة تنطلق منهما وتستند اليهما في قراءتها النقدية المنهجيّة. فهي وإن عاصرت الخطوات الأولى والمحاولات والتجارب وشاهدت عروضاً كثيرة في تلك الآونة تحتاج الى مرجع فعليّ، شبه تاريخي وشبه وثائقي. وقد اكتشفت كما تعبّر، أنّ الصورة التي تمجّدها تفلت ملامحها منها ولم يكن من السهل عليها أن تمنحها "مقوّمات حضور موضوعي متكامل". فعالم المسرح شاسع ومتعدد في مداخله ومخارجه وتصعب الإحاطة به من دون الارتكاز الى محطاته التاريخية وبعض وثائقه. وان سعت الناقدة الى وضع كتاب شامل يغطّي الحقبة تلك فهي لم تدّعِ أنّ كتابها ذو طابع موسوعي. ولم تدّعِ كذلك أن عملها "كامل وشامل" بل هو في نظرها يضيء ركائز الحقبة المسرحية ويؤسس مرجعاً أوّلياً حولها. وصفة "الأولية" هنا لن تعني البديهية أو المحاولة الناقصة مقدار ما تعني التمهيد النقديّ الذي قد يُغني بذاته عن سواه ويفتح في الحين عينه الطريق أمام البحث المستفيض والتوثيق والقراءة المختلفة. ويجب الانتباه الى أنّ الناقدة أعادت بنفسها تأريخ المسرح لا لتقف عنده بل لتنطلق منه. فالحركة المسرحية غير مدوّنة وغير مدروسة كما تشير والمصادر والمراجع نادرة جداً. وكان عليها أن تعتمد مصدرين اثنين: عالم المسرح بأهله مبدعين وعاملين فيه وعالم المسرح بجمهوره والمتلقين على اختلاف مشاربهم.

وهكذا كان لا بدّ لها أن ترجع أوّلاً الى "أفكار" المسرحيين والى منطلقاتهم النظرية وسواها وهي ظلّت في معظمها "طيّ الصدور" ووقفاً على "حيّز الذاكرة". فالمسرحيون اللبنانيون ظلّت أعمالهم عبارة عن عروض قُدّمت وانطوت بعد تقديمها، ولم يسعوا الى كتابة التجارب التي خاضوها والأفكار التي تبنّوها و"بشّروا" بها ولم يعمدوا الى تدوين نظرياتهم مثلما فعل بعض الروّاد في العالم. ويمكن استثناء قلّة قليلة جداً ومن ضمنها مثلاً منير أبو دبس الذي حاول على غرار ستانيسلافسكي أن يدوّن آراءه في الممثل وفنّه. غير أنّ بعض الأحاديث والشهادات التي أدلى بها المسرحيون الى الصحافة أو شاركوا عبرها في "الملفات" الصحافية حملت بعض وجهاتهم وآرائهم وعبّرت عن هويّاتهم المسرحية وقضاياهم. وفيما كان من المنتظر أن تنضج الخبرات في نهايات السبعينات حلّت الحرب الأهليّة فأحرقت ودمّرت وأوقعت الخراب في الذاكرة والواقع.

تعترف خالدة سعيد إذاً أنّها انطلقت من "الأفكار" و"الذكريات" منبثقة من منابعها الأولى أي كما سردها أو أعاد سردها المسرحيون أنفسهم وبعض الذين رافقوهم في أعمالهم. وإذ تجاهر أنّ المسرحيين هؤلاء فتحوا "خزائن الذكريات" وتكلّموا فهي سرعان ما توضح منهجها في محاورتهم والطريقة التي اعتمدتها للحصول على الوقائع والمفاهيم. فالفنانون حين يتكلّمون عن أنفسهم قد يقعون في المبالغة وفي مدح الذات مغمطين الآخرين حقهم. وهذا ما حصل حين عمد أحد المسرحيين اللبنانيين الى تأريخ المسرح "مسرحياً" أو مشهدياً فقدّم نفسه على الآخرين وبدا كأنّه هو الذي أسس المسرح اللبناني ورسّخ معالمه. عرفت إذاً خالدة سعيد ماذا تأخذ من الحوارات وماذا تُسقط. وهي أصلاً لم تثبت الحوارات كاملة ولم تعتمد صيغة السؤال والجواب مقدار ما قارنت بين الأحاديث والشهادات وما كتب في الصحافة حينذاك. وكانت موضوعية في محاورتها المسرحيين كي تتمكّن من رصد معالم الحركة المسرحية. فتناولت نواحي عدّة من تجاربهم: بداياتهم وبيئاتهم، مراحل المعرفة المسرحية، مذاهب الإخراج والتقنيات، علاقتهم بالنصوص، علاقتهم بمحيطهم ورؤيتهم الخاصّة الى التيارات السياسية والاجتماعية، علاقتهم كمسرحيين بالحياة الثقافية ككلّ شعراً وفناً... وانطلاقاً من ثمانين حديثاً مع ثمانية وخمسين مسرحياً ومعنياً بالمسرح استطاعت الناقدة أن تستعرض الحركة المسرحية تاريخياً وأن تحلّل معالمها وظواهرها وأن تصنّف اتجاهاتها وتبحث في مبادئها ومنطلقاتها النظرية والعملية. وقد توفّرت لها مئتان وثمانون ساعة مسجّلة من الأحاديث والحوارات فضلاً عن الرسائل التي تلقتها. وحصلت كذلك على بعض النصوص المسرحية المؤلّفة أو المقتبسة أو المعدّة وكانت أشبه بالمرتكزات المهمّة ولا سيّما في تناولها الكتابة الدرامية واللغة والاقتباس.

ورجعت الناقدة الى مصدر ثان هو كما سمّته "جهة المشاهد أو المتلقي" وحدّدته في المقالات النقدية والأخبار والتعليقات التي دوّنتها الصحافة في متابعتها الأعمال والعروض. وقد أفادت من هذه المادة "الحيّة" التي كانت تشهد للحين على المسرحيات والتجارب وغدت بين يديها مرجعاً يضيء بعض الزوايا ووثيقة تؤلّف سجلاً للتيارات الفنّية والنظرات النقدية. وشهدت تلك المقالات على اختلافها ووضاعتها على التطوّر الذي حقّقه النقد المسرحي في مقاربته للأعمال منتقلاً من مهمّة أولى وعابرة كالمدح والوصف والتعليق والتشجيع الى مهمّة أعمق كالتحليل والتوقف عند الأهداف والأساليب والتقنيات.... وأثبتت الناقدة ما استقت من شواهد من النقد والتعليقات في نصّها ولم تكتفِ بتلخيصها كي تكون شواهد فعلية على لغة النقد المسرحي الذي رافق الحركة طوال تلك السنوات.

كتاب لا يختصر

يصعب حقاً اختصار كتاب خالدة سعيد في صفحاته التي تربو على السبع مئة وقد تحتاج بعض فصوله الى قراءة خاصّة نظراً الى شموليّتها. فالناقدة لم تكتفِ بالتأريخ للسنوات الخمس عشرة التي شهدت ولادة المسرح اللبناني الحديث وتحوّلاته الرئيسية بل توقّفت نقدياً أمام بعض المحطّات والظواهر والنظريات. وقدّمت للمرحلة "الذهبية" تلك بمراجعة بانورامية للمراحل السابقة التي مهّدت لها مذكّرة أنّ ولادة المسرح العربي في صيغته "الغربية" تمّت في لبنان على يد الرائد مارون نقّاش 1817 - 1855. ثم تطرّقت لتجربته الطريفة ولما سمّي هجرة المسرحيين اللبنانيين الى مصر ومن أبرزهم جورج أبيض 1880 - 1959. وترسيخاً للتجربة التاريخية توقّفت عند محمد شامل وفيليب عقيقي وسواهما من المسرحيين الذين سبقوا الانطلاقة الحديثة الأولى وقد حققها لقاء منير أبو دبس وأنطوان ملتقى عام 1909 حول مسرحية "ماكبث" ثم رسختها فرقة المسرح الحديث وكانت أسستها مهرجانات بعلبك الدولية في العام 1960. وتوضح الناقدة أن كتابها غير معنيّ بالتأريخ للمسرح في النصف الأوّل من القرن الحالي لكنّ العودة الى الحياة المسرحية التي سبقت "وثبة الستينات" تجيب على أسئلة كثيرة مطروحة.

ترى خالدة سعيد أنّ المسرح اللبناني والعربي عموماً ولد في حقل الأفكار وليس في ميدان الطقوس والاحتفالات الشعبية حتى وإن تأثر بعض المسرحيين بجوّ الطقوس والاحتفالات. والمسرح "المفكّر" هو ابن المدينة الجديدة وجزء من فضائها الحديث، وعرف المسرح اللبناني ذروتين "في خضمّ حركتين واسعتين" حملت الأولى عنواناً هو "النهضة" والثانية عنواناً آخر هو "الحداثة". كان المسرح إذاً في صميم "حركة الأفكار" منذ عصر النهضة حتى عصر الحداثة.

وترصد المؤلّفة المعالم الثقافية التي شهدتها بيروت واحتضنت من خلالها الإنطلاقة المسرحية ومنها: حركة الفنّ التشكيلي وما رافقها من سجال، حركة مجلة "شعر" التي استقطبت بدايات الحداثة الشعرية العربية وكذلك الموسيقى والصحافة وسواهما... وكانت الأوساط المسرحية على علاقة عميقة بهذه الحركات وقد أسهم بعض الرسامين والشعراء في إحياء النشاط المسرحي. وقد طمح المسرحيون الى وضع تصوّرات جديدة والى ترتيب القيم والعلاقات والى اعادة النظر في المنطلقات الأولى والتقنيات والتلقّي. وقد أفاد المسرح اللبناني كثيراً من المناخ السياسي والثقافي في لبنان. فالحياة الثقافية كانت تتمتع "بهامش واسع من الحرية" وهي طبعاً حرية التعبير والاعتراض والتظاهر والانتماء. وكثيراً ما تميّز "الهامش" الثقافي بالتعدد والتنوع والاختلاف. أمّا أبرز ما ميّز تلك المرحلة فهو انفتاحها على اتجاهات المسرح العالمي الحديث. "فما كان يجري في العالم كان مرئياً هنا وله حضوره ولم تكن النوافذ مغلقةً. واستطاع المسرح فعلاً أن يستوعب "الحياة المدينية التي كانت تتمشهد وتتظاهر". وكان على "المظاهرة" أن تصعد الى الخشبة وعلى المسرحية أن تنزل الى الشارع. وفي خلاصة الكلام أنّ المسرحيين الجدد رأوا في المسرح "لغة مؤهلة أو وسطاً فكرياً مؤهلاً لمناقشة الأفكار والاضطلاع بدور فلسفي أو دور سياسي...".

لم تدعْ خالدة سعيد قضية أو تجربة أو فرقة أو نظرية عرفتها السنوات الخمس عشرة إلا وتطرّقت اليها. وتطرّقت كذلك الى المخرجين ومناهجهم وأساليبهم والى الممثلين وتقنياتهم والى معظم العاملين في الحقل المسرحي كالسينوغرافيا وسواها. وإن لم يهدف كتابها الضخم الى التأريخ الصرف للحركة المسرحية فهو وضع تاريخها من دون قصد ووفق منهج علميّ ولكن خالٍ من الجفاف الأكاديمي. وانطلقت من لجنة المسرح العربي التي أسستها لجنة مهرجانات بعلبك وراحت تتعقب حركة المسرح مرحلة تلو مرحلة، وحلقة تلو حلقة.

وفي رصدها معالم "الانطلاق والبحث" توقفت أمام ظاهرة الممثلين معتبرة إياهم "قاعدة الحركة المسرحية" وتوقفت طويلاً كذلك أمام "الكتابة المسرحية" من خلال كاتبين هما: جورج شحادة وعصام محفوظ. ولم تهمل طبعاً "المخرجين المؤلّفين".

وسعياً منها لترسيخ دراستها علمياً ومنهجياً ولقراءة الحركة المسرحية اللبنانية على ضوء التجارب العالمية المعاصرة خصّصت الناقدة فصلاً كاملاً عنوانه "في آفاق البحث المسرحي" تناولت عبره جذور الثورة المسرحية الحديثة في العالم وروّادها ومواقع البحث المسرحيّ والعلاقة بين العرض والجمهور. وقد نمّ هذا الفصل المختلف عن عمق ثقافتها المسرحية وعن إلمامها الشامل بالحركة المسرحية العالمية وبالمناهج النقدية المسرحية الحديثة والمفاهيم الجديدة. وهذا الفصل يحتاج فعلاً الى مراجعة خاصة ومن الممكن أن يفيد منه القرّاء والمسرحيون والنقاد على السواء.

وإن كان من الصعب جداً اختصار كتاب خالدة سعيد شبه "الموسوعي" حتى وإن رفضت هي هذه الصفة فلأنّه يختصر مرحلة رئيسة من تاريخ المسرح اللبناني الحديث ولأنّه حقاً المرجع الأوّل الذي ملأ الفراغ الذي تركه النقد المسرحيّ تاريخياً وتوثيقياً وتحليلياً طبعاً. وقد بذلت الناقدة جهداً كبيراً لتضع هذا الكتاب الشامل والعميق وهو جهد أفراد وليس جهد فرد. وجمعت الى منهجيتها العلمية ودقتها في البحث سلاسة في الأسلوب واللغة. فإذا النصّ النقديّ يقدّم نفسه الى القارىء بسهولة لا تخلو من العمق. وعبر كتابها أسست خالدة سعيد فعلاً لنقد مسرحي علميّ تاريخي وتحليلي وظّفت عبره رؤيتها النقدية الثاقبة وثقافتها ومنهجها وخبرتها الطويلة فلي حقل النقد الأدبيّ والبنيويّ. وإن أسدت خدمة كبيرة للمسرح اللبناني وللمسرحيين والجمهور كذلك في رسمها معالم التجربة المسرحية الحديثة فهي أسدت خدمة أيضاً للنقد المسرحي الذي وجد - وسيجد دوماً - في هذا الكتاب مرجعاً لا بدّ من العودة الدائمة اليه. وربّما لم تؤسس الناقدة فقط بل أسست وانطلقت في مشروعها النقديّ من غير أن تهمل أو تتجاهل ما كتب قبلها سواء في الصحف أم في المنابر الأخرى.

وإذا شاءت خالدة سعيد الابتعاد عن مسرح الحرب وما بعدها مكتفية بحدود التأسيس والتجربة الحديثة فهي تركت المجال مفتوحاً لمن يشاء من النقاد أو الباحثين أن يكمل ما بدأته هي وأنجزته. ترى مَن سيجرؤ على اقتحام مرحلة الحرب في تناقضاتها وفي الأسئلة المريرة التي طرحتها؟ فالحرب التي أصابت "المشروع" الثقافي اللبناني لم ينج من آثارها المسرحيون أنفسهم. وقد خان بعضهم قضاياهم ومواقفهم وتراجع بعضهم عن طليعيّتهم ليقعوا في "شرك" السطحية والإدّعاء والافتعال.

* صدر الكتاب عن لجنة المسرح العربي - مهرجانات بعلبك الدولية بيروت 1999، في 718 صفحة من الحجم الكبير وضمّ مجموعة من الصور والجداول.
-------------------------------------------------------------
المصدر : جريدة الحياة - 31 مارس 1999 / 00:00



الجمعة، 22 أكتوبر 2010

الأضاءة واللون في المسرح

مجلة الفنون المسرحية

الأضاءة واللون في المسرح 

 محسن النصار

بدون الضوء تنعدم الرؤية تماما في الوجود أذ لايمكن رؤية الألوان وتميزها بمعزل عن الضوء ,وهذا يؤكد وجود علاقة نسيجية بين الضوء واللون لايمكن فصلها او تجزئتها من الناحية العلمية والفيزياوية ويمكن القول ان اللون هو الضوء ,والضوء هو اللون اما عملية دراستهما وتحليلهما وفيجب فصلهما عن بعضهما بطريقة تمرير شعاع الضوء على زجاجة تسمى الموشور الزجاجي فيتحلل الشعاع الضوء الى الألوان التالية وحسب تسلسلها وطول الموجة الخاصة بألون كمايلي (بنفسجي , نيلي ,أزرق ,اخضر ,أصفر ,برتقالي , أحمر ) وهنالك فرق بين الأنارة والأضاءة ,فالأنارة يقصد بها أزالة الضلام من مكان ما مثل نور الشمس او القمر أو نور الشوارع واما الأضاءة هي استخدام ضوء خاص على شكل معين وذلك بأستخدام الضوء الصناعي ,والمعروف ان الأضاءة المسرحية تبدا عتدما تنخفض أنارة الصالة قبل بدأ العرض المسرحي , وعندما يبدأ المتلقي بالأحساس بالجو الدرامي للعرض المسرحي . سر الأنسان رؤية الألوان من حوله واصبحت وسيلة لتبادل الأفكار مع غيره وهي محملة بالدلالات الكثيرة ,للون الأضاءة صفات وقيم ودرجات وكذلك وزن وما يخلفه من احساس عند المتلقي ,وأن ألوان الأضاءة المسرحية الأساسية هي (الأحمر , الأزرق ,الأخضر )وخلط ألوان الأضاءة يعطي القيم التالية أحمر + أزرق = أرجواني ,وأحمر + أخضر = اصفر وأزرق + اخضر = ازرق مائل للخضرة ,وعندما نخلط الألوان الأساسية للأضاءة الأحمر+ الأزرق +الأخضر فانها تعطي اللون الأبيض .
تعتبر الإضاءة عنصراً مكملأ لفنيات العرض المسرحى، ويغتنى العرض بوجودها الفاعل، ويؤثر على نجاح المشهد، ويضفى جاذبية خاصة على الصورة المسرحية التي يراها المتفرج، ولا تكتسب الإضاءة أهميتها من تعدد مصادرها ومفاتيحها أو من تطور تقنياتها بل من التعامل الواعي والمدروس مع كل مفتاح حتى لو اكتفى العرض كاملأ بثلاث نقلات أو أكثر أوأقل.

        وهناك فرق بين الإنارة والإضاءة كالفرق بين الواقع والفن، فالإنارة تجعل من رؤية المتفرج للمشهد أمرأ ممكنأ بينما الإضاءة المسرحية هى لغة فنية تصاغ بشكل مدروس ومحدد لإضفاء دلالة أو حالة نفسية محددة ومقصودة بحد ذاتها.
        ومع بدء التعامل الفني في تاريخ المسرح الحديث مع الإضاءة تحولت إلى عملية مشتركة بين الفن والتكنيك (الحرفية) فلا هي فن خالص ولا علم هندسى كهربي خالص، لذلك لا تكفي أحياناً الرؤية الفنية للمخرج إذا لم يرافقها خبرة حرفية علمية لها.

الوظائف الفنية للإضاءة:
        الإضاءة لغة بصرية تهدف إلى خلق جو معين يعيش فيه الممثلون والمتفرجون حالة مسرحية ذات معنى، وذلك يتأتى من خلال تحقيقها لوظائفها العديدة والحيوية والتى نجملها في النقاط التالية     : 
 الرؤية
وهي أبسط وظيفة للإضاءة، لكنها جاءت- تاريخيأ- في المقدمة، وهى إضفاء الرؤية الواضحة والكافية للمتفرج، وتشمل إبراز أجساد الممثلين وتعبيرات وجوههم وفاعلياتهم الحركية، وإنارة الخشبة وما عليها من خلفيات أو ديكورات أو أكسسوارات والرؤية غير الواضحة تعقد عملية التلقى وتجعل المتفرج فى إرهاق شديد. 
التأكيد والتركيز 

        لأن العالم الفنى على الخشبة عالم مصنوع يتحكم المخرج بكل جزئياته ، فقد ينتقي تفصيلأ صغيرأ على الخشبة أو جزءأ محدودأ منها لتدور فيه الأحداث، ويلغي باقي الأجزاء فى أحد المشاهد، أو قد يقسم الخشبة إلى قسمين أو ثلاثة أو أكثر وكل قسم يعبر عن منظر أو مكان محدد للأحداث ويتم إلغاء المنظر الذي لا تدور الأحداث حوله الآن، وذلك يتم عبر تعتيم الإضاءة ويؤكد المخرج عبر الإضاءة على وجه ممثل أو أحد أعضاءه أو على أكسسوار أو قطعة ديكورية بتسليط ضوءآ أكبر فوقه ويترك باقي الأجزاء فى الظل وهكذا... وهذه تعتبر من مهمات الإضاءة الرئيسة التى تنقل المتفرج إلى عوالم وأفكار عدم وهم أمام نفس المنظر.
 التكوين الفني: 
        فللإضاءة جماليات لا تحصى من خلال إستخدامها للون وتمازجه والشكل الهندسى للبقعة الضوئية وتفاعلها مع شكل آخر، والتقنيات الحديثة التي تغلبت على إمكانات المسرح المحدودة، فمن الممكن الآن إيجاد المطر والسحاب والحريق وغيرها من خلال الإضاءة، كما أنها تقوم بهذه المهمة من خلال التأكيد على جماليات أخرى كالحركة و التكوينات البصرية الأخرى. 
 خلق الجو النفسي العام  
        الإضاءة أول ما يُشاهد على خشبة المسرح وهي أول عنصر يعطي إيحاء ما للمتفرج فمن الممكن التعبير عن القلق، الخوف، الاضطراب أو الفرح والسعادة، أو الحزن و الأسى، وذلك من خلال اللون ودرجة الإنارة وتوزيع البقع على الخشبة وهى بهذا تساعد باقي العناصر وتكمل دورها في تكريس هذا الجو الدرامي مع الممثل والمؤثرات.. الخ. 
 الإيهام بالطبيعة
        الإضاءة تقرب الواقع قدر الإمكان للمتفرج، فقد تظهر الشمس أو القمر أو الثلج أو الفضاء إذا دعت الضرورة. 
الدلالة على الزمان والمكان
وهي تعبر بوضوح عن زمن الأحداث (ليل، نهار، فصل الشتاء، فصل الصيف.. الخ) والمكان (قصر، ملعب، مدينة)
ووظائف الأضاءة الملونة على المسرح فأنهاتساهم في ايقاظ المشاعر وتحريك العواطف ,وشد الأنتباه ,وكذلك أبراز الحجم والمساحة ,وتأكيد الحدود الخارجية ,وخلق الأيهام بالحركة

المصادر

1- فرانك م.هوايتنج "كتاب  المدخل الي الفنون المسرحية "القاهرة، دار المعرفة للنشر،1970 .

2-    شكري عبد الوهاب:كتاب "الإضاءة المسرحية " الهيئة المصرية العامة للكتاب 1985 .

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

المسرح الإفريقي بين الأصالة والمعاصرة

مجلة الفنون المسرحية


المسرح الإفريقي بين الأصالة والمعاصرة

بشير خلف

" ما يميز الكاتب المسرحي هو امتلاء روحه برسالة إنسانية
سامية ينشرها بين الناس من أجل الارتقاء بحياتهم،وتحريرهم
من كل عوامل القهر والاستغلال وانتهاك الكرامات. "

المَسْرَح شكل من أشكال الفنون يُـؤدّى أمام المشاهدين، يشمل كل أنواع التسلية من السيرك إلى المسرحيات. والتعريف التقليدي للمسرح هو أنه شكل من أشكال الفن يترجم فيه الممثلون نصًّا مكتوبًا إلى عرض تمثيلي على خشبة المسرح. كما يقوم الممثلون، عادة بمساعدة المخرج على ترجمة مواقف النص وشخصياته التي ابتدعها المؤلف إلى تشخيص، وحركات، ومواقف حياتية تشبه ما تكون عليه في الواقع على خشبة المسرح.

عادة ما يكون الحدث المسرحي الناجح عملاً مشوقًا لكل من المشاهد، والممثل والفني، بغض النظر عن مكان عرضه: مسرحًا محترفًا، أو مسرحًا مدرسيًّا، أو مجرد مساحة أقيمت مؤقتا لهذا الغرض. وتندرج العروض من التسلية الخفيفة، مثل العروض الموسيقية والكوميديا، إلى تلك التي تبحث في مواضيع سياسية وفلسفية جادة.

وليس المسرح كالمسرحية بالرغم من أن الكلمتين تُستخدمان عادة وكأنهما تحملان المعنى نفسه، ذلك لأن المسرحية تشير إلى الجانب الأدبي من العرض.. أي النص ذاته. وعلاقة المسرح بالمسرحية علاقة العام بالخاص، أو بمعنى آخر: المسرح شكل فني عام، أحد موضوعاته أو عناصره النص الأدبي (المسرحية). ويعتقد بعض النقاد أن النص لا يصبح مسرحية إلا بعد تقديمه على خشبة المسرح وأمام الجمهور. ويقول آخرون: إن النص ليس سوى مخطط يستخدمه المخرج والفنانون الآخرون كأساس للعرض.[1]

والعرض المسرحي من أكثر الفنون تعقيدًا؛ لأنه يتطلب العديد من الفنانين لأدائه. ومن بين هؤلاء المتخصصين: مؤلف النص المسرحي، والممثلون، والمخرج ومصممو الديكور، والأزياء والإضاءة، ومختلف أنواع الفنيين. كما تتطلب بعض العروض الأخرى مصممي رقصات، وموسيقيين وملحنين. ويُسمى المسرح أحيانًا الفن المختلط؛ لأنه يجمع بين النص، والجو الذي يبتكره مصممو الديكور، والإلقاء، والحركات التي يقوم بها الممثلون.

كان الكاتب المسرحي في عهد المسرح الأول يقوم بجميع الأعمال الفنية مثل كتابة النص، والتمثيل والإخراج، وبالتدريج أصبح هناك مختصون. وبرزت فنون المسرح العديدة، واكتسب كلٌّ من الممثل، وكاتب النص شهرة في البداية بسبب أن الواحد منهما يعتمد على الآخر في إخراج فنهما إلى حيز الوجود.

وفي المسرح الحديث، اعتاد المخرج على مواءمة جميع خصائص العرض من تصميم الديكور إلى تصميم الأزياء، والإضاءة، والمؤثرات الصوتية والموسيقية والرقص. وربما كان أهم عمل للمخرج هو قيادة الممثلين في عملية إبداعهم، ومساعدتهم على أداء أدوارهم.

ارتكزت بداية المسرح الإفريقي على عدة أعمال جريئة، قام بها أشخاص غير متخصصين في هذا المجال الفني. روَّج بعض الناس دعايات وحملات لصالح المسرح، وبعضهم الآخر سانده بدعمه، والتزاماته في كل المحافل واللقاءات العلمية. أفرزت هذه المرحلة أيضاً جماعة من المثقفين، ساهمت في كتابة المسرحيات وإخراج النصوص وبناء قاعات العرض.‏

بدأ تطور المسرح الأفريقي من خلال الوسط العائلي، مما جعله ينتشر في ربوع القارة بأسرها، وينتقل من جيل إلى جيل. شارك في هذا الإنجاز الرجال والنساء والأطفال، حيث أبدعوا فيه إبداعاً بالغاً أثناء الاجتماعات العائلية، والأعياد، والطقوس الدينية المتنوعة.‏ تتركز فترة الاستعداد لهذه المناسبات على مراسيم، وأشكال، وتفاصيل، وتقنيات تمثل أفضل إخراج مسرحي عند الأفارقة.‏

يقرُّ مؤرخو المسرح الأفريقي بأن هذا الفن كان موجوداً بالطريقة المذكورة آنفاً قبل ظهور المسرح الأوروبي. لهذه الأشكال التقليدية للمسرح الإفريقي جذورها الاجتماعية، والدينية والسياسية التي ترى من منظور المجتمعات القبلية، وقد شكل هذا الموروث الأساس للأعمال الفنية لكثير من الكتاب المسرحيين الذين نالت أعمالهم إعجاب الأفارقة، وغير الأفارقة على السواء. وقد ازدهر الفن المسرحي منذ انتهاء الحكم الاستعماري الأوروبي، ومن الأسماء اللامعة في الفن المسرحي في الفترة التي أعقبت الاستعمار: برنارد رايي، و ولي سوينكا، وآما عطا عايدو.

وعلى الرغم من الأثر الذي تركته المسارح الغربية في بناء المسارح الإفريقية، إلا أن معظم المسرحيات الإفريقية تُـؤدى في الهواء الطلق، ولكن مع ذلك توجد بعض المسارح المرنة مثل مسرح الكودزيان (دار القصة) في آتْيوا بجمهورية غانا.

وكثيرًا ما يذهب جمهور المشاهدين إلى المسرح ليس ليشاهدوا العمل المسرحي، بل ليشاركوا فيه، فالمشاركة الجماهيرية تقوم بدور مهم في المساعدة على تحرير المجتمعات فكريًا وتطورها. ويتضح هذا بجلاء في أعمال كل من زاكيس إمدا في اللوزوتو، وبنينا إملاما في تنزانيا، وفي أعمال الكاتب المسرحي والمخرج الجزائري كاتب ياسين والمغربي الطيب الصديقي.

وإذا كان المهتمون بالمسرح يؤرخون لبداية المسرح بعام 490 ق.م الذي عرضت فيه مسرحية " الضارعات " لأبي المسرح الإغريقي " إسخيلوس"، فما ذلك إلا لأن الحضارة الإغريقية عرفت الكتابة، والتدوين في وقت مبكر، على حين غيرها من الحضارات بما في ذلك الثقافات الإفريقية ما عرفت الكتابة والتدوين إلاّ في الشمال الإفريقي، في حين تأخرت الكتابة والتدوين كثيرا في الجنوب، أي جنوب الصحراء الكبرى، وبطبيعة الحال ظل المسرح في تلك المناطق على مدى القرون نشاطا شفويا ومرتجلا شأنه في ذلك شأن الأدب الشعبي، ولا يزال في مناطق عديدة بإفريقيا جنوب الصحراء على نشاطه الشفوي، وإذا كان في القرون السابقة يركز المسرح الإفريقي الشفوي على الأغراض الدينية، أو الشعائرية[2]، والمناسبات الاجتماعية، فإن أغراضه بداية من القرن العشرين، وصار له مؤلفوه، وأضحى أداة للوعي الاجتماعي، والسياسي، ووسيلة مقاومة زمن التحرر من الاستعمار الغربي.
ويؤيد هذا الرأي الباحث السنجالي بكري طراورية في كتابه الموسوم بـ " المسرح الزنجي الإفريقي ووظائفه الاجتماعية" حيث يرى أن المسرح الإفريقي الزنجي التقليدي ذو أصول اجتماعية، وأنه انعكاس لاحتياجات اجتماعية، بحيث أنه كان مسرحا واقعيا في معظمه، كوميدي النزعة، يخدم قضايا اجتماعية، ويتسم بطابع تعليمي، ولا ينكر المتعة والتسلية، كما يتحرر من دقّة البناء الدرامي على غرار المسرح الأوروبي.

بل بعد دراسته المعمّقة للدراما الإفريقية يستخلص هذا الباحث أن موضوعات الدراما الإفريقية أنها ذات مواضيع متعددة تدور في معظمها ول الأساطير، والحكايات الشعبية، والخرافات، والعادات، والبطولات، وأمجاد الأسلاف، والأخلاق، والسلوك..كل ذلك في مشاهد شديدة البساطة في شكلها، قوية التماهي بالغناء والرقص في حوارها، تشرك بتلقائية جمهورها المتلقي في عروضها، ومن ثمة فهي عادة ما تُقدم هذه العروض المسرحية في المناسبات الاجتماعية كالختان، والبلوغ، والزواج، والحصاد، وإعلان الحرب، وغيرها من المناسبات.[3]

إن المسرح الإفريقي التقليدي فضلاً عن أنه مسرح مجاني للعاملين فيه، والمتفرجين، فالديكور فيه طبيعي يوحي يالثقة والبساطة، والاطمئنان، تُلقى فيه حكمة الشيوخ، لتكون عظات سلوكية يتشرّبها الشباب الحاضر، كما أنه مسرح بسيط يخلو من بهرجة الأزياء، ولكن لا يستغني عنها لأنها مرتبطة بالأسلاف، والشعائر؛ مسرح يتحاشى التعقيد في الأحداث والبناء، والصراع فيه ليس صراعا بين الآلهة والبشر، كما هو الحال في المسرح الإغريقي القديم، ولا هو صراعٌ بين العاطفة والواجب كحال المسرح الأوروبي بعد عصر النهضة، إنما هو صراعٌ بين الشر والقيم، بين ما هو مُتاحٌ وواجبٌ، بين ما واقعي ومثالي.

كانت إفريقيا - يضيف الباحث- متعددة الدول والجمهوريات وكذلك اللغات واللهجات والأجناس والأديان، فإن أفرادها وقبائلها كانوا يتنقلون في الماضي في وضع غير مستقر، وكل هذه الأسباب أفرزت نماذج عديدة من أشكال الفن المسرحي مثل (الياييك)، غنائيات (مِفت)، (ساتيريات ( (يوروبا)، (الأوشالة)، (زولى امبونجي )، ولم يقتصر تقديم هذه الأشكال الفنية في العروض الدائرية فقط، بل كانت تعرض كذلك في المهرجانات الفنية الإفريقية..لكن الفن الإفريقي تعرض للغربة..أو للحصار كما يقول الباحث لذلك لا نعثر على إشعاع مسرحي داخل القارة، وبالنظرة العلمية والاجتماعية نعتبر الأفارقة في قارتهم محرومين من هذا الثراء الروحي الثقافي الذي يؤثر بشكل أو بآخر في التنمية وفي إعداد الإنسان الإفريقي بما يشكل تأخراً في ميدان الثقافة.

ويعتبر الباحث أن القرن التاسع عشر هو قرن حصار الفن الإفريقي، ومحاصرة محاولات الإبداع فيه، وما هذه الحالة إلا رافد من روافد الاستعمار للقارة الإفريقية إلا أنه بالاستطاعة القول إن أشكال الاستعمار المختلفة قد شلت تقدم الفنون عامة في إفريقيا، هذا المرض العضال الذي انعكس على تكوين بنية إنسان إفريقيا، وصرفه إلى المعاناة والحروب والقتال والتقوقع، بعيداً عن الفكر والمعرفة والتطور..

نعم لقد استهدفت الثقافة الأوروبية الميدان الإفريقي مساحة جغرافية ومؤثرات نفسية وعادات وتقاليد اجتماعية، بغية اقتلاع الجذور النفسية والاجتماعية ونزعها لتحل محلها ثقافات وعادات أوروبية منقولة من خارج إفريقيا، ومستوردة كالسلع التموينية سواء بسواء،.. لقد أجبر الأوروبيون إفريقيا وشعوبها ( يضيف الباحث) على تقبل الحضارة الأوروبية وتقليدها والنسج على منوالها فعرفت إفريقيا في القرن التاسع عشر أنماط المسرح الأوروبي ومدارس فن التمثيل والمناظر والزخرفة، ولم يكن هذا اللقاء المفاجئ بين إفريقيا وأوروبا في صالح القارة السوداء..ولماذا لم يكن في صالح القارة.. يؤكد الأستاذ كمال الدين:

1 ـ لأن الذين قادوا الثقافة الأوروبية في بلاد إفريقيا كانوا من إرساليات تنتهج نشاطاً تبشيرياً منظماً ومخططاً..

2 ـ كان من نتيجة سيطرتهم على الشؤون الثقافية أن اضطهدوا مظاهر الرقص الإفريقي حتى استطاعوا وقفه وإلغاءه من الظهور على المسرح تماماً كما منعوا ما يشير إلى الاحتفالات الدينية أو عبادات الله سبحانه وتعالى.

3 ـ أدى هذا التغيير في شكل المسرح الإفريقي إلى إهمال الأفارقة للعروض الأوروبية ذات الحوار الكثير والطويل الذي لم يتعودوا عليه، وبقي العرض الجديد غريباً شاذاً لا يشبه تقاليدهم، ولا يمت إلى مجتمعاتهم أو عالمهم..

4 ـ انتهت التلقائية من العروض الإفريقية، وتحدد الدور المسرحي فهمًا وحفظًا وأداءً على غرار المسرح المعاصر، كما ضعف دور الموسيقا، واختفت مواقف الرقص الديني رغم محاولة المبشرين التقدم بمسرحيات دينية (خداعاً) في بداية خططهم المشبوهة..

5 ـ انتشار الموجات المسرحية القادمة من أوروبا بفعل الشباب الإفريقي الذين نهلوا من علوم المسرح وفنونه في أوروبا، الأمر الذي أدخل كثيراً من الأشكال الأوروبية على أصل المحتوى الإفريقي، وهو ما قدم في نهاية الأمر شكلاً ممسوخاً، ومحتوى يطغى فيه الشكل على الأصل، فيترك المتفرج الإفريقي بلا دليل أمين، وكان أساس البلاء يكمن في الشكل المستورد من خارج القارة...

الآن وكما يؤكد الباحث توجد محاولات للتصحيح..أو للعودة للجذور تحديداً..وكان لا بد أن يتغير هذا النهج بعد تقدم الجانبين العلمي والمعرفي بفعل أبناء إفريقيا للتحرر والانعتاق من ربقة الاستعمار. وهو ما حدث فعلاً في النصف الثاني من القرن العشرين، فعلى طريق المسرح قامت أصوات جديدة تطالب بإعادة تأصيل الثقافة الإفريقية في استعمال للأدوات والوسائل والأشكال الأصيلة تحقيقاً لميلاد مسرح إفريقي حقيقي..لقد بدأت الأنماط القديمة للمسرح الإفريقي في العودة إلى الساحة الآن..[4]
واليوم يستعمل الدرامي الإفريقي لغته، أو لهجته الإفريقية محاولاً بها ترقية مسرحه بما يعبر عن طموحات وآمال القارة الإفريقية السوداء.
ويعتبر مسرح السلوك الاجتماعي الأكثر ازدهاراً بمسمياته المختلفة في البلاد الأفريقية، إذ يطلق عليه في "مالي" "مسرح مفيد"، وفي "بوركينا فاسو" يسمى "مسرح المنبر" أو "مسرح الجدال" ويتميز بأنه يعرض بلهجة محلية على الجمهور في قرى الأرياف وعلى طبقة العمّال في المدن.
ويستهدف مسرح السلوك الاجتماعي أن يغير الاتجاهات في مسائل نوعية مثل بعض القيم السلبية، والاعتقادات البالية، والصحة العامة والقضايا ذات الصلة بالعلاقات الاجتماعية مثل الملكية الجماعية "كالبئر مثلاً".
ويمكن رؤية دلالات هذا التغيير في العدد الكبير والمتزايد من التسهيلات المتاحة لإنتاج مثل هذا النوع من الأعمال الفنية وما وفرت له من الإمكانات؛ لأداء أفضل على مختلف البلاد الأفريقية، إضافة إلى تعميم قوي من جانب الفنانين الأفارقة لإنتاج مسرح يناسب جمهورهم.

وفي حقبة الثمانينيات كانت الحياة السياسية هي المصدر الأول لكتاب المسرح الأفارقة، الذين ركزوا على وصف ما رأوه مثل: فشل النظم السياسية الأفريقية، وهناك عشرات بل مئات من المسرحيات التي تناولت هذا الجانب مثل: مسرحية "أنطوني باع لي مصيره" لسوني لابوتانسي عام (1986م)، ومسرحية "شارع الذباب" (1985م) وكذلك "ستر الآلهة" (1985م) لزادي زاهود برنادي.

ومن هذا القبيل أيضًا مسرحية "السلحفاة المغنية" لسنوقو أجيوتا زنسو، ومسرحيتا "السفانا البهيجة" (1990م) و"المجنون" (1997م) وكلها مسرحيات شعبية رائجة.

وقد حل محل السياسة في إلهام كتاب المسرح الأفارقة مع قدوم التسعينيات ثلاثة مصادر رئيسة أخرى هي: المسرح التقليدي، والطقوس الدينية، والفنون الشعبية "الفولكلوري".

المسرح التقليدي
القوانين التقليدية التي تحكم المجتمع الأفريقي تقيد الفرد لدرجة تجعله يعتقد بأن المجتمع هو وحده الجدير بالاعتبار، ولكن مسرح السلوك الاجتماعي يتيح لحظات من الانطلاق للفرد بأن يخالف تلك القواعد الاجتماعية، مثال ذلك "مسرح كوتيبا" في مالي، وهو نمط من المسرح الشعبي ينظمه الشباب مرة كل سنة، ويعطي لهم فرصة لانتقاد كبارهم، وهذه هي المناسبة الوحيدة في السنة التي يستطيعون فيها أن يفعلوا ذلك دون خطورة؛ فيجهرون برأيهم في المجتمع، ولا يستطيع الكبار أن يعارضوهم، وكل ما يقال في هذا المسرح هو أنه فوق القانون.
وفي بوركينا فاسو تقيم مجتمعات " مُوسي " مرة كل سنة سوقًا ليلية، وفي غضون الليل تسري في الليمبو القواعد المستترة كلها؛ فيستطيع المرء أن يمضي مع الشخص الذي كان يحلم به طوال السنة (من ذكر أوأنثى) وما إن يطلع الفجر إلا وقد عاد كل شيء إلى طبيعته.

وهذان المثالان من أشكال التمثيل المسرحي، وغير المسرحي يدرك أبطالهما أنهم يمثلون وأن القواعد قد تتغير في لحظة معينة، ويستهدف هذا النوع جمهورًا من العامة، أكثرهم أميون، يستميلهم عن طريق التعامل بأشياء تهمهم في حياتهم اليومية.

والهدف من ذلك خلق جو يشجع على الاتصال بين مختلف فئات الجمهور؛ ليقرر ما إذا كان عليه أن يغير سلوكه أم لا؟!

الطقوس الدينية
المسرح بصفته لا يستطيع أن يتجاهل الحركات الدينية من المسيحية والإسلام، لذا فهناك عودة لطقوس دينية في المسرح، ففي كوت ديفوار (ساحل العاج) على سبيل المثال قد ازدهر ما يعرف بالمسرح الشعائري من بين طرائق التجريب الأساسية في المسرح منذ عام 1985م، ومنذ ذلك الحين أصبح وجود الشعيرة في المسرح أمرًا مألوفًا، كما أن الاقتباسات قد امتدت إلى ديانات أخرى مستوردة كما يلاحظ في بعض المسرحيات في "توغو" وغيرها.

ومعظم العروض المسرحية الأفريقية الكبرى في الوقت الحاضر لها نصيب من الطقوس بطريقة أو بأخرى، مثل مسرحية "العاطفة" لكاتب زائيري، ومسرحية "حكاية حقيقية" لكاتب غيني.

الفنون التقليدية
الفنون التقليدية أصبحت موردًا ثريًا يستمد منه معظم كتاب المسرح إلهامهم، وحوالي عشرين مسرحية عرضت في المهرجان الأفريقي للإنتاج المسرحي في وغادوغو العام الماضي كان أكثر من نصفها قائما على أساس الحكايات الشعبية، مثل مسرحية "غضب الأجمة"، و"الولاء المضروب". [5]

ومن خلال استخدام هذه المصادر الشعبية استطاع المسرح الأفريقي أن يعزز هدفه، وهو التعبير عن نفسه فوق كل شيء، مخاطبًا جمهوره الأفريقي عن طريق ترجمة طموحات هذا الجمهور ليحظى بالمصداقية، ويبقى أكثر الوسائل تأثيرًا في الإنسان الأفريقي؛ لأنه يجده في ذاته ومتنفسًا لمشاعره وعواطفه.

مشاكل المسرح الإفريقي
مشاكل وصعوبات عديدة تعترض تطوّر، وانتشار المسرح الإفريقي، وفي مقدمتها إيجاد المتفرج، وحرية التعبير، ووسيلة الإيصال، والتمويل، وإيجاد المرافق العصرية للعرض، والتجهيز بالتكنولوجية العصرية للعرض، وإشكالية اللغة ؛ حيث أن معظم الكتَّاب والمسرحيين الأفارقة يكتبون باللغة الفرنسية، والإنقليزية، وليس باللغات الأم مما يخلق صعوبة في إيجاد جمهور متبع، وكذا في التعبير عن واقع الشعوب الأفريقية ومشاكلها وتطلعاتها.‏
بوسون أناي كليمان، كاتب روائي ومسرحي وشاعر من كوت ديفوار، الذي زار الجزائر أخيرا، وشارك في ملتقى "المسرح الإفريقي بين الأصالة والمعاصرة" في إطار مهرجان الجزائر الدولي للمسرح، تحدث عن خصوصيات المسرح الإيفواري باعتباره نموذجا من المسارح الإفريقية المعاصرة، فاقرّ بأنه
لا يختلف عن المسارح الإفريقية، إلاّ في نقطة استعماله للواقع والتراث الإيفواري، فالمسرح فن الخشبة وهو الذي يعكس الحقائق على نفس هذه الخشبة، ويجب عليه أن يتكيّف حسب طبيعة كلّ بلد حتى يقوم بواجبه ويوصل رسائله إلى الجمهور.

المسرح الإيفواري عرف تطوّرا معتبرا في الستينيات والسبعينيات، ولكنّ تأثّر بالأزمات التي مرّت بها البلاد، ولا يزال يعاني من مشاكل عديد بما في ذلك البقاء في المحلية، ومع ذلك فهو يحيا دائما بفعل إرادة محبيه وصانعيه، أذكر من بينهم إيناس ألومو الذي اقتبس أحد أعماله من أحد كتبي، هناك أيضا زيجري، ماتا وباكابا مدير قصر الثقافة، فكوت ديفوار هي بحق أرض المسرحيين.

ويلحّ يوسون إلى إخراج المسرح من القارة الإفريقية، حتى يتمكن المسرحيون الأفارقة من التعريف بالوجه الحقيقي للمسرح الإفريقي في الخارج، تأكيدا على أنّ لإفريقيا الكثير من الثروات الطبيعية والبشرية وأنّ لها العديد من الأوجه الجميلة.[6]

المسرح الإفريقي ما يزال فنا حديثا وموجها إلى نخبة المجتمع
يعتبر الأكاديمي أحمد شنيقي أحد المهتمين القلائل بالفعل المسرحي في القارة السمراء، حيث أصدر، قبل حوالي ثلاث سنوات، مقاربة هامة حملت عنوان ’’المسرح في إفريقيا السوداء، مسارات وميول’’. ويحاول شنيقي عبر هذا الحوار الكشف عن بعض العناصر التي تشكل خصوصية الفن الرابع في القارة السمراء.لقد كان حذرًا عندما سُئل عمّا إنْ كانت هناك حركة مسرحية إفريقية حاليًا:

ـ هل يمكننا حقا أن نتحدث اليوم عن ’’حركة مسرحية’’ إفريقية؟
ـ هو سؤال حرج نوعا ما يحيلنا إلى الفضاءات الوجودية والمعرفية، ويدعونا إلى استحضار مفكرين من طراز فرانز فانون، كينياتا، نكروما وأمياتيبا. باعتقادي إنه انطلاقا من التساؤل عن مفهوم القارة الإفريقية وعن حدودها وعن تطورها، يمكن التحدث عن وجود ’’حركة مسرحية’’ إفريقية. مما لا شك فيه أن الاستعمار شكل الخاصية المشتركة بين مختلف بقاع القارة السمراء. ولم يكتشف الفرد الإفريقي الآخر سوى من خلال التواصل التراجيدي مع الاستعمار. وعلى غرار كثير من الفنون التمثيلية، يعتبر المسرح فنا مستوردا ساهم في الحد من انتشار فنون الأهالي الأصلية. هذا المعطى الذي يحيلنا إلى صعوبة الإجابة عن السؤال. نلاحظ اليوم عرض العديد من المسرحيات التي تقدم رؤية متناقضة تجمع بين الإيحاء المحلي والبناء المسرحي، مع التأكيد على اللب الأوروبي. ذلك ما نلمسه على كثير من أشكال التعبير الفنية والثقافية والسياسية.

وعلى غرار تجربة الكتابة الأدبية، يظل المسرح الإفريقي مهووسا بالواقع السياسي، فإشكالية التأثـر بالراهن السياسي قضية تميز الجزء الأهم من الأدب ومن المسرح أيضا، سواء بدول المغرب وبالدول الإفريقية المختلفة. مع ذلك، وجبت الإشارة إلى حقيقة تفيد أن أولى النصوص الدرامية والأدبية التي برزت في إفريقيا اشتغلت بمعالجة قضايا اجتماعية، محاولة قدر الإمكان إخفاء القضايا السياسية. من هنا نبعت ردة الفعل القاسية من طرف فرانز فانون، عبر كتابي ’’المعذبون في الأرض’’ و’’بشرة بيضاء، قناع أسود’’. قبل بروز موجة الاستقلال السياسي في القرة السمراء، لم نكن نلمس كثيرا من النصوص التي تعالج الراهن السياسي. أما بعد تلك الحقبة، فقد حاول الكاميروني مونغو بيتيه والسينغالي عصمان سيمبان، في الرواية، وخصوصا الغيني كايتا فوديبا، في المسرح، التنديد بشدة بالحقيقة الاستعمارية. كما شكلت الكتابة الشعرية أيضا أهم مجالات معالجة تحول الوعي السياسي. في مرحلة موالية، بعد تجاوز هموم البحث عن الاستقلال، أبان كثير من المؤلفين، على غرار نديبيكا، كوما ندومبي، أو سوني لابو تونسي، عن قلق مرفق بخيبة إزاء راهنهم المعيش الصعب، وعدم رضا بسياسة الحكم الأحادية.

اليوم، نلاحظ جيلا جديدا من المؤلفين منخرطا في دائرة معالجة الواقع السياسي على غرار نغادندو نكاشاما. موضوع ’’الخيبة’’ صار يشغل بال كثير من المؤلفين الأفارقة اليوم. إلى جانب ذلك هنالك أيضا مواضيع أخرى تطرقوا إليها، على غرار التاريخ، المجتمع والمسائل الفلسفية. كما تجب الإشارة إلى أن أهم الأعمال الأدبية والدرامية التي عالجت الواقع السياسي، وحالة اتساع دائرة ’’الخيبة’’ صدرت في الدول الأوروبية المستعمِـرة سابقا.

يجب أن ندرك بداية أن كثيرا من الفرق المسرحية الإفريقية تتلقى مساعدات من طرف هيئات أوروبية. ثم وجب أن ندرك أن القارة السمراء تتوفر على عدد كبير من اللغات واللهجات مما يشكل عقبة على مستوى التلقي. كما أن غياب الديمقراطية والحريات الشخصية يقود العديد من المسرحيين الأفارقة إلى البحث عن ملجإ في دول أوروبية، وهناك يطرح السؤال عن طبيعة الجمهور الذي وجب مخاطبته.
بالتالي، يبقى المسرح الإفريقي بعيدا عن الاستجابة لأفق انتظار المتلقي، إضافة إلى أهم عقبة تواجه المسرح الإفريقي تتمثل في العقبة اللسانية حيث باءت كثير من المحاولات لإنجاز أعمال مسرحية باللغات المحلية بالفشل. كما أن أداء العمل المسرحي باللغتين الفرنسية، أوالإنجليزية يتطلب جمهورا متعلما. كما تجب الإشارة إلى أن المسرح ما يزال فنا حديثا، وموجها إلى فئة، أو نخبة معينة من المجتمع الإفريقي. [7]

’’لانزال هوّاة والاحترافية حلم يراودنا’’
أماطت المخرجة المسرحية فردوزة موسى، اللثام عن جملة النقائص التي تعترض سبيل المسرح في جيبوتي، خصوصا ما يتعلق بالتمويل والتكوين، وكذا غياب المختصين. وذلك على هامش مشاركتها في فعاليات المهرجان الثقافي الإفريقي بالجزائر.

ردت فردوزة موسى عن سؤال بخصوص واقع المسرح في جيبوتي، قائلة: إن المسرح في بلادها ما يزال يفتقر إلى العديد من الآليات والتقنيات الحديثة. الأمر الذي جعل ركحه يتخبط في نقائص لا تعد ولا تحصى؛ ’’فالمسرح عندنا يشهد انعداما شبه كلي للمختصين في السينوغرافيا، والكوريغرافيا وغيرها من المجالات الفنية الأخرى.

وهو ما يضطر المخرج إلى احتواء كل هذه الأمور بمفرده، بدءا بانتقاء النص، والبحث عن الممثلين، والاشتغال على شخصية كل واحد منهم، وصولا إلى التحكم في الديكور، والإضاءة والصوت، وغيرها من الأدوات المسرحية التي يجب مراقبتها عن كثب، حتى يكون العمل ناجحا وفي مستوى آمال وتطلعات المشاهدين’’.

وعن الصعوبة المتأتية من اعتماد العروض المسرحية في جيبوتي على الفضاءات العمومية، قالت المتحدثة: إن ثمة جملة من العقبات والعراقيل التي تعترض سبيلهم خلال تقديم العروض المسرحية في الهواء الطلق، وكذا الفضاءات العمومية، خصوصا ما يعنى بمسألة التحكم في الصوت والإضاءة ’’فهما تقنيتان أساسيتان لإنجاح أي عمل مسرحي مبني على الاحتكاك المباشر بالجمهور الواسع، هذا الأخير الذي يتابع الأعمال المسرحية بشغف وينتظرها على أحر من الجمر’’.
وقد عرجت فردوزة موسى، في سياق حديثها، على أزمة التكوين التي تطرح نفسها بقوة في جيبوتي، موضحة: ’’معظم المسرحيين عندنا ما يزالون هواة، كما أننا لسنا محترفين.

ولكن لا يجب أن نتغاضى عن الدور الفعال الذي يلعبه المركز الثقافي الفرنسي بجيبوتي، خصوصا تلك الدورات التكوينية التي نتلقاها هناك على يد المخرج المسرحي موسى حسن موسى، الذي يعد واحدا من كبار المخرجين المسرحيين في جيبوتي.[8]

تمسّكٌ بالأصالة
المخرج والممثل الليبي مفتاح إبراهيم الفقيه في مقابلة معه خلال مشاركته في الملتقى العلمي إشكالية "واقع المسرح الإفريقي بين الأصالة والمعاصرة " بالجزائر أخيرًا يرى بأن البعض من الدول الإفريقية لا تزال متمسكة بأصالتها، ومازال عندها عشق، وحُـبٌّ، وإضافة رقصات في المسرح.. الشيء الذي نفتقده في الدول المغاربية، والعالم العربي للأسف.. ومن الضروري الاهتمام بهذه الأشياء..الحداثة مفيدة عندما نسخّرها للأشياء المهمّة التي تبرز أصالتنا، نأخذ منها ما نريد وليس ما يريده الغرب..يعني المسرح بمقاسنا نحن على ضوء ما يمكن أن نستهلكه من التقنيات الحديثة والمفيدة.. العالم قرية واحدة ولزوم عليك الاستفادة من تقنيات العمل، ومفردات المسرح الليزرية للديكور، الإضاءة، المكمّلات، ومسهّلات العمل المسرحي.. كلّ هذا يجب الاهتمام به.. ومن جهة موازية وبنفس شدّة الاهتمام نوجّهه نحو أصالتنا بالعودة إلى إرثنا والاستقاء منه لإنتاج مسرح يشبهنا.

 [1]
[1] [1] ـ أ. فرحان بلبل/ النص المسرحي..الكلمة والفعل ص: 121 منشورات اتحاد الكُتاب العرب 2003 سوريا
[2]ـ د. علي شلش/ الأدب الإفريقي..سلسلة عالم المعرفة العدد 171 ص: 86
[3]ـ أ.بكري طراوريه./ المسرح الزنجي الإفريقي ووظائفه الاجتماعية.
[4]ـ د. كمال الدين عيد/ المسرح الإفريقي..موقع الزحف الأخضر/ ليبيا
[5]ـ الخضر عبد الباقي/ المسرح الأفريقي.. لحظات من الانطلاق..موقع فنون عربية
[6]ـ جريدة المساء ليوم السبت 11/ 07/ 2009
[7]ـ جريدة الخبر ليوم الإثنين 13/ 07/ 2009
(8)ـ جريدة الخبر ليوم الإثنين 13/ 07/ 2009

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption