أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الأحد، 29 يناير 2017

الانتقائية في تجربة سامي عبد الحميد المسرحية

مجلة الفنون المسرحية

الانتقائية في تجربة سامي عبد الحميد المسرحية

عبد الخالق كيطان

في الكثير من الأحاديث الجانبية مع الأستاذ سامي وجدته يركز على مفهوم يسميه: المسرح الانتقائي، وفي حوار طويل معه أجريته قبل سنوات أشار الأستاذ سامي الى تجربته بوصفها رائدة في هذا المجال، وأذكر أنه تحدث عن تجربة الفنان الراحل عوني كرومي بالصيغة ذاتها… واليوم، يعود الأستاذ للحديث عن المسرح الانتقائي في كتابه الجديد: نحو مسرح حي (بغداد 2006)… فما هو المسرح الانتقائي في فكر سامي عبد الحميد؟
يرى الأستاذ عبد الحميد أن الانتقائية تدعو إلى تعدد الابتكارات وإلى توسيع الخيال وفسح المجال للتجريب، وفسح المجال للتبسيط والاختزال وللتحول من التخصيص إلى الإعمام. ويواصل حديثه بالقول أن الانتقائية تحرر المخرج من قيود البناية المسرحية التقليدية.
وهو في مقاله الموسوم: الانتقائية هي الأرجح (الفصل الثاني من الكتاب) يقرر سلفاً، كما هو واضح من العنوان بأن المنهج الانتقائي الذي يدعو إليه يطلق العنان لابداع الفنان مما يجعله يتنفس أنسام الحرية، وهي جملة شعاراتية لا تؤسس حقيقة للمشروع الذي يريده هو شخصياً بالرغم من سياحته القصيرة على تجارب مخرجين أجانب عدهم البحث ضمن الرؤية الانتقائية..
يريد الفنان عبد الحميد بدعوته هذه التقعيد لتجربته الممتدة على مدى أكثر من نصف قرن، وهو المخرج المجرب الذي جالت مسرحياته المناهج المختلفة ولم تستقر على منهج بعينه، وهو في مقاله الطويل يذهب إلى المقارنة مع تجربة الفنان الدكتور صلاح القصب، صاحب مسرح الصورة المشهور، بوصفها تجربة أسلوبية ثابتة.. ونحن نعرف أن الأسلوب يؤدي إلى النمط والنمط معناه قبر التجريبي.
لقد تعامل الأستاذ عبد الحميد مع نصوص أجنبية وعربية ومحلية مختلفة، وكان في كل تجربة جديدة له يريد ابتكار رؤية إخراجية تناسب الظرف السياسي العراقي المشحون طيلة القرن الماضي، فهو كالماشي على حقول جمر، فتراه يوماً يميل إلى الواقعية، ومرة إلى التعبيرية ومرة إلى الرمز والكلاسيكية وهكذا.. وعلى صعيد التمثيل أيضاً كانت اسهاماته تتقلب حسب الأدوار التي يلعبها، وإذا كان الأمر مقبولاً بدرجة كبيرة في فن الممثل، على اعتبار أن الممثل صانع أوجه ماهر، فأنه لأمر مختلف حقاً في الإخراج، من دون أن نسقط في فخ الترويج للأسلوب الثابت المكرر.
لا تعني الانتقائية في تقديرنا التقافز بين المناهج المختلفة، بل تعني مطابقة العروض للضرورات، وقد نختلف في توصيف الضرورات، ولكننا سنتفق حتماً في أن لكل عرض، انتقائي بلغة عبد الحميد، شروطاً وظروفاً محيطة ما يبعد العمل عن فكرة المسرحة لصالح أفكار أخرى.. فعبد الحميد مثلاً عندما يشتغل مع طلبة الأكاديمية هو ليسه الذي يعمل مع المحترفين في الفرقة القومية، وعندما يقوم بإخراج مسرحية حدث موسمي هو ليس عبد الحميد الذي يقلقه مشروع مسرحية فيستغرق من وقته وفكره وجهده الكثير.. هكذا يبدو تنقله بين الأشكال المسرحية في الكثير من الأحيان محاولة للإمساك بنحو عصي ومستفز، وبالضرورة خاضع لاشتراطات ما حولية..
تجربة مثل تجربة الفنان عبد الحميد، وعلى هذه الرقعة الزمنية الطويلة، وبكل معاصرتها لأجيال من التجارب والاتجاهات المسرحية المختلفة ليست بالنتيجة تجربة عابثة أو غير مدروسة، فهو حينما يقدم عملاً بتوقيع مؤلف جديد، أو شاب، مبتدئ في المسرح، فإن النزعة التربوية هي التي تتحكم بعمل من هذا النوع، وعبد الحميد، كما نعرف هو أستاذ الدراما في أكاديمية الفنون الجميلة على مدى عقود، فما يمكن تسميته بالمهنة(التدريس) يقع في صلب يومياته التي اعتاد عليها هذا العمر الطويل.. وهذا ما قصدناه قبل سطور في حديثنا عن مطابقة الضرورات.
الأمر نفسه ينطبق على المخرج عندما يخوض في تجربة مختبر مسرحي مع مجموعة من المجربين، تراه في مثل العروض التي تنتجها تلك المختبرات يفكر بعقلية مجرب شبابي لا يأبه كثيراً للمتلقي واشتراطاته، ولا لتنظيرات النقاد واشتراطاتهم.. هنا أيضاً يكون عبد الحميد قاصداً في تجربته مطابقة الضرورات.
هل على المخرج المسرحي في ضوء ذلك أن يكون انتقائياً؟؟
إن جوهر ما يدعو إليه الأستاذ سامي عبد الحميد يقع في ضرورة أن لا يتوقف المخرج المسرحي عند مشروع بعينه، بل عليه أن يتنقل في عروضه بين المناهج والرؤى الإخراجية التي تطابق ضرورات تلك العروض.. ولا يؤمن الأستاذ بالعروض التي يخضعها مخرجوها إلى رؤية قبلية مما يمنحها سمة التكرار، كما يعتقد.
والأسلوب الثابت يؤدي إلى التكرار، هذا صحيح جداً، ولكننا لا نستطيع الإمساك بهذا الأسلوب في تجارب متحركة كما هي الحال في تجارب صلاح القصب، التي أرادها عبد الحميد انموذجاً لنمطية الأسلوب مقابل لا نمطيته عن الانتقائيين، ولو كانت تجارب القصب نمطية لما غامر أستاذنا، مثلاً، وشارك في الكثير منها ممثلاً برؤيته الشخصية التي جاءت لتكمل رؤى المخرج..
إن ما يمكن اعتماده مثلاً للنمط المميت بالمعنى الذي يريده عبد الحميد ينطبق على العشرات من النماذج المسرحية العراقية التي لا يذكر منها اليوم سوى تجربة واحدة أو تجربتين لافتتين، كما هي الحال مع الراحل عوني كرومي.. وبعيداً عن لغة الرثائيات الرخيصة وقريباً من الدقة العلمية فإن أثر كرومي المسرحي لا يتجاوز مسرحية: الإنسان الطيب، وترنيمة الكرسي الهزاز، ومحاولات أخرى لم تستطع بمجملها أن تؤسس لها خطاً إخراجياً يستطيع أن ينتج متأثرين في أقل تقدير.. يبدو أثر الدكتور عوني كبيراً في طلبته وزملائه من جهات أخرى، التدريس مثلاً، وجوانب حياتية شجية ليس مكانها هذا المقال.
وإذ يعتقد الأستاذ سامي بأن تجربة عوني كرومي الإخراجية كانت انتقائية فلأن الأخير تنقل هو ايضاً بين أكثر من منهج وأسلوب، ولكن اليوم، ونحن على وشك إسدال الستار على العقد الأول من القرن الواحد والعشرين فإننا نستطيع وبهدوء أن نذهب بتلك العروض إلى المتحف من دون عناء يذكر في الوقت الذي نكثر فيه من الجدال بخصوص تجارب صلاح القصب الواقعة في النمط الذي أشار إليه الأستاذ عبد الحميد..والسؤال الآن: هل ينطبق ما ذكرناه على تجربة الفقيد عوني كرومي على تجربة الأستاذ سامي عبد الحميد؟
نستطيع الإجابة بوضوح شديد بأن الأمر مختلف كلياً.. لقد ظلت أعمال الأستاذ سامي المتناقضة في أشكالها تعبر عن تجريبية عراقية حائرة طبعت حياة العراقيين، وأقصد الحيرة، طوال أكثر من نصف قرن بسبب التقلبات السياسية العراقية المجنونة والتي دفع ثمنها العراقيون بشتى شرائحهم، وبالتالي فإن ما نراه اليوم، على سبيل المثال من عقم في المشروع الثقافي العراقي هو بلا شك نتيجة حيرة العقود الماضية.. حيرة لم يفلت منها عقل كبير مثل عقل الأستاذ عبد الحميد، ما دفعه للبحث عن مناطق أخرى لتحقيق أحلامه المسرحية الكبرى فكانت إسهاماته المؤثرة في مجالات: البحث، التدريس، النقد، التنظير، التمثيل والإخراج المسرحي.. وذلك لم يتحقق لمخرج مسرحي عراقي كما تحقق لعبد الحميد دون سواه سواء من جيل الريادة الأول أو الثاني أو أجيال ما بعد الريادة.
تنقلات عبد الحميد بين المناهج المسرحية وفق هذا التصور كانت ضرورية بالنسبة للأجيال التالية من المخرجين، فهي تنقلات كانت بمثابة تنقلات جنود المشاة بحثاً عن حقول الألغام من أجل تمهيد الطرق لأرتال من الجنود القادمين.. كان سامي عبد الحميد يحاول في تجاربه المتعددة أن يكتشف ضمن منطق الضرورات آنف الذكر مناطق جديدة لم تكتشف من قبله، ولعل تجارب من قبيل: هاملت عربياً، المفتاح، تموز يقرع الناقوس، بيت برناردا ألبا، ثورة الزنج، إلى إشعار آخر، عطيل في المطبخ ألخ تعد اليوم علامات مهمة في تاريخ مسرحنا العراقي، وكل علامة من تلك العلامات كانت قد اشتغلت، ضمن نظم الأداء الصوري الإخراجي، على أشكال ورؤى قد تكون متناقضة، وهي كذلك حقاً، ولكن ما يربطها جميعاً هو ذلك الإصرار القوي عند الأستاذ عبد الحميد في العيش على الخشبة، لا جوارها، ولا أمامها، ولا خلفها… بل على الخشبة فقط.

--------------------------------------------
المصدر : الصباح الجديد 

السبت، 28 يناير 2017

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي دعوة مشاركة 20-30 سبتمبر 2017

مجلة الفنون المسرحية

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي دعوة مشاركة  20-30 سبتمبر 2017

مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي

                                 دعوة مشاركة
              20-30 سبتمبر 2017
الموعد النهائي لتلقي طلبات المشاركة 30 مايو 2017
يعلن مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي عن فتح باب التقدم للمشاركة في دورته  الرابعة والعشرين
والتي تنعقد في القاهرة في الفترة من  20 إلي 30 سبتمبر 2017 .
المهرجان تنظمه وزارة الثقافة المصرية ، وهو غير تنافسي ويهدف إلي خلق حالة من التواصل والحوار بين مختلف
الشعوب والجماعات عن المسرح وأشكال الأداء ، إضافة إلي تعريف الجمهور في مصر والمنطقة العربية بأحدث
 التيارات في المشهد المسرحي الأولي ، وإتاحة نافذة يطل منها المسرحيون حول العالم علي أحدث تطورات المشهد
 المسرحي في مصر والبلاد العربية .
يقدم كل عرض مشارك عرضين علي الأقل ، ويجوز للمهرجان في تنظيم ليالي عرض إضافية خارج القاهرة بعد
 التنسيق مع مسئولي الفرق المشاركة .
يتحمل المهرجان نفقات الإقامة كاملة والانتقالات الداخلية بحد أقصي 15 فرداً للفرقة الواحدة ، وتتحمل الفرقة المشاركة
 نفقات تذاكر الطيران ذهاباً وعودة وشحن المهمات والمعدات المسرحية الخاصة بالعرض المسرحي .
علي الراغبين في التقدم تعبئة نموذج طلب مشاركة مصحوباً برابط فيديو كامل للعرض ( بدرجة نقاء عالية الصورة والصوت)
 علي جوجل أو يوتيوب علي الموقع الرسمي للمهرجان cifcet.gov.eg
علماً بأن إدارة المهرجان تقوم بتشكيل لجنة مشاهدة واختيار للعروض التي يتم قبول مشاركتها .
وان الموعد النهائي لتلقي طلبات المشاركة 15 فبراير 2017
علي العنوان التالي :
مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي
مبني قطاع شئون الإنتاج الثقافي – ساحة  الأوبرا – الجزيرة – الجيزة
جمهورية مصر العربية

ماريو باسيل مع "ماريوكا" وضد فن الرايتينغ... ولماذا فشلت علاقته العاطفية؟

مونودراما البلياتشو توليف ضرغام عبد الرحمن عن مسرحية "العبرة في النهاية لوليم شكسبير

الجمعة، 27 يناير 2017

طبعات جديدة من أعمال رائد المسرح العربي «توفيق الحكيم»

مجلة الفنون المسرحية

طبعات جديدة من أعمال رائد المسرح العربي «توفيق الحكيم»

في سعيها لتوفير طبعات جديدة من أعمال رواد الفكر والثقافة والأدب في مصر والعالم العربي، أعادت دار الشروق طرح طبعات جديدة من خمسة أعمال لرائد فن المسرحية ومؤصلها الأول في الثقافة العربية؛ توفيق الحكيم (1898 - 1987)
الكتب الخمسة (بترتيب نشرها زمنيا): «أهل الكهف» (مسرحية 1933)، «يوميات نائب في الأرياف» (رواية 1937)، «عصفور من الشرق» (رواية 1938)، «الملك أوديب» (مسرحية 1949)، «عصا الحكيم» (مقالات 1953).

مسرحية «أهل الكهف» (أول مسرحية يكتبها توفيق الحكيم) من أروع ما كتب، وهي بإجماع مؤرخي الأدب ونقاده، أول مسرحية عربية في العصر الحديث بالمعنى الفني الكامل لمفهوم "المسرحية"، عنها يقول الكاتب الكبير بهاء طاهر: "كانت «أهل الكهف» مدخل جيل بأكمله إلى الفن الدرامي ـ جيل عرف الدراما عن طريق القراءة قبل أن يعرفها علي خشبة المسرح. ففي الأربعينيات وأوائل الخمسينيات لم يكن للحياة المسرحية وجود حقيقي. وكانت هذه القطع الأدبية الجميلة تلهب خيالنا باعتبارها نماذج سامية لفن مفقود".

أما روايته «يوميات نائب في الأرياف»، فواحدة من أشهر روايات الأدب العربي الحديث، عالجت واقع الريف وحياة الفلاحين، في النصف الأول من القرن العشرين، وما يتعرضون له من ظلم وإهمال في ظل الجهل والفقر والمرض. عقب صدورها بوقت وجيز للغاية، ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية، وبسببها أطلق على توفيق الحكيم لقب "ديكنز النيل".

وبصدور «عصفور من الشرق» عام 38، أضاف توفيق الحكيم ريادة جديدة إلى رياداته السابقة، بعد أن رسخ دوره كأحد آباء الرواية العربية والأب المؤسس لفن المسرحية، بأسلوبه السهل الممتنع، وقدرته المذهلة على الوصف والتصوير، فضلا عن الحوارات التأملية الشائقة التي برع في إنشائها.

ثم تأتي مسرحية «الملك أوديب» التي استعاد فيها توفيق الحكيم الأسطورة اليونانية الشهيرة؛ "أوديب" الباحث عن حقيقته، فكُتب عليه أن يخوض مسارًا مقدورًا يقتل فيه أباه ويتزوج أمه، وحينما يدرك مأساته يفقأ عينيه!

أما «عصا الحكيم» فمجموعة مقالات أدبية شائقة، نشرت متفرقة فيما بين 1946 و1951، رصد خلالها الحكيم بعينه الراصدة وأسلوبه السهل الرشيق، وصياغته الدقيقة، بعضا من المشكلات الاجتماعية والسياسية والإنسانية التي عاناها مجتمعنا المصري والشرقي في منتصف القرن الماضي. المدهش أن بعد ما يقرب من 65 عاما على نشر هذه المقالات تبدو المشكلات التي رصدها الحكيم وكتب عنها قائمة بذاتها كما هي تنظر إلينا وتبتسم في سخرية!

---------------------------------------
المصدر : الشروق 

عز الدين مجوبي.. عملاق المسرح الجزائري

مجلة الفنون المسرحية

عز الدين مجوبي.. عملاق المسرح الجزائري

كرّم مهرجان المسرح العربي لأوّل مرة منذ إنشائه عام 2009، أحد عمالقة المسرح الجزائري الراحل عز الدين  مجوبي، حيث تمت تسمية طبعته التاسعة التي انطلقت  فعالياتها بوهران ومستغانم، باسمه. وقال المدير العام للديوان الوطني للثقافة لخضر بن تركي خلال ندوة صحفية، «قمنا بتسمية هذه الطبعة من المهرجان باسم عز الدين مجوبي؛ لأنه ابن المسرح الجزائري ورمز يمثّل الجميع». وستخيّم ظلال هذا الممثل وكذا عبد القادر علولة وولد عبد الرحمن كاكي العملاقين الآخرين للمسرح الجزائري، على هذه الطبعة التاسعة للمسرح العربي. 

اغتيل الراحل مجوبي يوم 13 فبراير 1995 أمام مدخل المسرح الوطني الجزائري بعد إصابته برصاصتين قاتلتين، وضعتا حدا لثلاثين عاما من مسيرة حافلة بالنجاحات قضاها بين المسرح والإذاعة والتلفزيون، حيث سجّل مجوبي العديد من الأعمال الدرامية للإذاعة، ولعب أدوارا  في عدة أفلام، لا سيما بالتلفزيون، غير أنّ تألّقه كان أكثر على ركح المسرح. 

بدأ الراحل مشواره الفني بالإذاعة والتلفزيون الجزائري قبل الالتحاق بالمسرح الوطني الجزائري، حيث حظي بأدوار في عدّة مسرحيات، مثل «باب الفتوح» و«الروح الطيبة» و«الأعماق السفلى» و«قف» و«الحافلة تسير». وفي هذه المسرحية الأخيرة أدى واحدا من أفضل أدواره في المسرح. وفي التلفزيون لعب في «يوميات عامل شاب» و«الجريمة والعقاب» و«المحاولة الكبيرة» و«المفتاح» و«الطرفة»، كما ساعد المخرجين  زياني الشريف وكزدرلي وبن قطاف. 

وأسّس مع الثلاثي زياني وصونيا وبن قطاف الفرقة المستقلة «القلعة»، التي أنتجت «العيطة» (1988)، و«الحافلة تسير» النسخة الجديدة (1990)، و«حسرستان» (1991). وفي عام 1993 غادر فرقة «القلعة»، وأخرج لحساب المسرح الجهوي لباتنة «عالم البعوش» الذي فاز بجائزة في المهرجان الدولي لقرطاج. كما قام بإخراج في عام 1994، مسرحية «الحوينة» لحساب المسرح الجهوي لبجاية. ولعب في أفلام سينمائية مثل فيلم «أكتوبر خريف في 

الجزائر» لمليك حامينا، الذي يسرد فيه أحداث أكتوبر 1988 في الجزائر. 

وفي عام 1994 عُيّن مجوبي مديرا للمسرح الوطني الجزائري، واغتيل من قبل مجموعة إرهابية في 13 فبراير 1995، وكان حينها يبلغ 48 سنة من العمر. وجاء اغتياله بعد وفاة الكاتب رشيد ميموني، وبعد بضعة أيام من محاولة اغتيال المخرج جمال فزاز الذي ساعده في إخراج آخر أفلامه «لحن الأمل».

----------------------------

م. حمدية 

ندوة حول المسرح فى موريتانيا

مجلة الفنون المسرحية

ندوة حول المسرح فى موريتانيا

نظمت جمعية فرقة شروق المسرحية في قاعة الندوات بالمتحف الوطني في نواكشوط ليل أمس الأربعاء 25 يناير 2017 ندوة فكرية وفنية حملت عنوان: أي مسرح نريد؟ دعا فيها عدد من الأكاديميين والمسرحيين الموريتانيين الجهات الرسمية بدعم ومساعدة قطاع المسرح، وتوفير البنى التحتية له.
وتأتي الندوة ضمن فعاليات تخليد الذكرى الثانية لتأسيس جمعية فرقة شروق المسرحية تحت شعار "المسرح عطاء وسلام" وتتضمن عرضا مسرحيا في دار الشباب القديمة مساء الخميس 26 يناير.
وأشاد المدير المساعد للعمل الثقافة والفنون بوزارة الثقافة والصناعة التقليدية محمد ولد بادي في كلمة بالمناسبة بدور المسرح في تغيير عقليات المجتمعات ، داعيا الشباب المنتمي إلى هذه الجمعية إلى العمل الجاد في معالجة الأمراض الاجتماعية التي تعيق مسيرة البلد نحو الرقي والتقدم.
وأضاف أن قطاع الثقافة والصناعة التقليدية لن يدخر جهدا في دعم كل عمل ثقافي من شأنه ان يساهم في خلق نهضة ثقافية تواكب جهود السلطات العليا في عملية البناء الوطني.
وقال رئيس الجمعية المخرج المسرحي الأستاذ إبراهيم ولد سمير "إن المسرح أحد أهم الفنون وأرقاها، يمتلك قدرة خارقة في تكوين مجتمع صالح ومتصالح"، مؤكدا "أنه خلق ليكون عطاء ونبراس سلام".
وأضاف ولد سمير "أن الندوة التي تأتي ضمن تخليد الذكرى الثانية لتأسيس الجمعية حاملة شعار" المسرح عطاء وسلام": أن على المسرحيين الموريتانيين الإجابة على سؤال ما المسرح الذي يتطلعون إليه، بدون أن يتعالوا على تجارب الرواد، والابتعاد عن التراكم الفني والتجرباتي".
واعتبر رئيس الجمعية "أن على المسرح الموريتاني أن يحظى بدعم من وزارة الثقافة وسياسة الدولة بحيث تنشئ مراكز للتكوين والتأطير في اختصاصاته المختلفة"، مشددا على ضرورة "خلق مدينة فنية تحمل ميزات المركبات المتكاملة ليقتدر الفن على إيصال رسالته".
هذا وتستعد الجمعية في إطار فعاليات تخليد تأسيسها الثاني الذي يوافق الـ 26 من كانون الثاني/يناير أن تنظم عرضا مسرحيا مساء اليوم الخميس في مسرح دار الشباب القديمة وسط العاصمة، بعنوان "اعتراف" لمخرجه الأستاذ محمد سالم ولد إخليه.
وقال مخرج العرض "إن العرض يتحدث عن الصراع بين الظاهر والباطن، بين ما يضمره المجتمع، ويتحدث به أفراده، والذي يعكس ما يظهر على سطح الحقيقة"، مشيرا إلى أن "العرض يمتد على مدى 40 دقيقة، ويضم لوحات إيحائية صامتة، ومشاهد تحمل حوارا باللغة العربية الفصحى".
وشارك بالنقاش حول موضوع الندوة "أي مسرح نريد؟" عدد من المهتمين بالمجال منهم: المخرج المسرحي محمد الأمين عداهي، وعضو اللجنة الوطنية للسياسات الثقافية د أحمد مولود الهلال، والمخرج المسرحي والسينمائي عبد الرحمن أحمد سالم، والأكاديمي وعضو جمعية المسرحيين الموريتانيين د أحمد حبيبي، بالإضافة إلى رئيس مركز الرواد للمسرح المخرج التقي عبد الحي.

-------------------------------------------
المصدر : أقلام 

مونودراما " الراقص على الخبز " تأليف ضرغام الجابري

أنواذيبو و التجربة المسرحية في موريتانيا

مجلة الفنون المسرحية

أنواذيبو و التجربة المسرحية في موريتانيا

محمد أبوه أسويلم

يتفق أغلب المهتمين بالتجربة المسرحية في موريتانيا على أن هذه التجربة الحديثة ولدت بشكل أساسي في السنوات الأولى للاستقلال أي في الستينيات من القرن الماضي مع جيل الرواد الذي كان أبرز رجالاته همام فال الشاعر الشعبي المعروف بالملك, إلى حد جعل البعض يطلق عليه أب المسرح الموريتاني . وقد أشتهر همام  بما سمي بالكيكوطيات و هي عبارة عن تمثيليات إجتماعية يغلب عليها الطابع الكوميدي الذي هو الغرض الأساسي لها على الطابع الفني أو الأدبي .لأن الهدف الأساسي للكيكوطية كان التسلية و الإضحاك و لعل هذا ربما ما رسخ في أذهان الذائقة الشعبية فكرة أن المسرح ما هو إلا وسيلة ترفيه و تسلية ليس إلا و من هنا جاءت فكرة (لُحمارأي التقليد).وغاب عنصر الجمال و الإبداع الذي إحتكره الشعر بشقيه الفصيح و العامي في الثقافة الموريتانية , كما غاب عنصر التوجيه و الإرشاد الذي أوكل للدين من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر..وظل هذا التصور سائدا عن المسرح في موريتانيا إلى فترة قريبة , حيث حصل التحول بفعل الإنفتاح الواسع الذي حصل في بداية الثمانينات, لتبدأ النهضة المسرحية الجديدة التي ستؤسس لمسرح مبني على قواعد فنية وتكنيكات مضبوطة.في أغلب المدن الموريتانية .
ومن الطبيعي أن تتأثر مدينة انواذيبوكثاني مدينة موريتانية من حيث الأهمية , بكل ما يجري في العاصمة من أحداث سواء على المستوى السياسي أو الإجماعي أو الإقتصادي أو الثقافي ...إلخ.
إلا أن التأصيل للحركة المسرحية في أنواذيبو بدأ قبل الإستقلال بحكم تواجد المستعمر الفرنسي في المدينة بشكل مستقر, ووجود مدارس فرنسية نظامية بالمدينة , دأب مدرسوها على تنظيم أمسيات مسرحية ولو على مستوى محدود, فقدمت مسرحيات موليير بشكل مختصر,وكانت هذه المسرحيات تعرض في أقسام و ساحات مدرسية و لا يحضرها إلا القليل من الجمهور أغلبه من الطلبة و المهتمين بالثقافة الفرنسية و بعض الإداريين الفرنسيين,لذلك قد لا نعتبره نتاجا مسرحيا و موريتانيا على الرغم من أن أغلب من يؤدون الأدوار في العروض هم موريتانيون,غير أنه من ناحية التأصيل التاريخي لا يمكن تجاهله لإثبات أن ساكنة أنواذيبو و المجتمع الموريتاني من خلالهم عرف فن المسرح قبل الإستقلال .و ليس مع همام و كيكوطاته.
وقد إستمرت تلك النشاطات حتى السنوات الأولى من الإستقلال لتختفي بعد ذلك مفسحة المجال لمسرح همام الذي كما قلنا في السابق سيطر على الساحة مقدما نفسه كنتاج و طني صرف ,حيث طغى على كل الساحة الوطنية,لقربه من العقلية الموريتانية و لشهرة رائده وشعبيته في الأوساط الأجتماعية و الشعرية.
وفي السبعينات من القرن العشرين ظهرت أشكال اخرى من المسرح في المدينة و شخصيات متميزة على درجة من الوعي أكبر نسبيا قدمت عدة عروض غلب عليها هي الأخرى الطابع الفكاهي ليزاداد ترسيخ فكرة (لحمار) في ذهن المتلقي عن المسرح .وكان من أبرز رواد هذه الفترة في المدينة لمجد ولد أعمر(وهو أيضا شاعر شعبي) الذي عمد على تقديم شخصية الرجل البدوي الساذج و العفوي في كل تصرفاته,وقد تزامن ذلك مع فترة الجفاف التي ضربت البلاد و أدت إلى تدفق الكثير من سكان الريف و البادية على المدن و أنواذيبو إحدى اهم المدن التي إحتضنت هؤلاء لكونها العاصمة الإقتصادية حيث فرص العمل أكثر,وقد تميز مسرح الأمجد بقربه من هموم الأنسان العادي و عالج مشاكله و على الخصوص الهجرة من الريف إلى المدينة..إلخ,إلا أنه يؤخذ عليه أنه كان مسرحا إرتجاليا يغلب بل ويسيطر عليه طابع المباشرة     و الوعظ الذي أسقطه في معظم الأحيان إلى درجة السوقية ولولا براعة لمجد في تقمص الشخصيات و اسلوبه الكاريكاتوري في تقديمها على المسرح لما أستمرت هذه التجربة.
وفي الثمانينات شهدت الحركة المسرحية منعطفا جديدا على غرار ما جرى في العاصمة و ذلك بفعل التأثر المباشر فكل ما كان يحدث في العاصمة كان يتردد صداه في أنواذيبو سواء بالسلب أو بالإيجاب .هذا المنعطف أو يمكن أن نسميه التحول تمثل في إنشاء تجمعات أو هيئات ثقافية أطلق عليها نوادي و جمعيات . كان أبرزها جمعية غرناطة للثقافة و الفنون و الإتحاد الوطني لمسرح الهواة و لاحقا رابطة شباب انواذيبو للمسرح ضمن أخرى..وكان لهذه التجمعات الثقافية و الفنية الدور الكبير في تأطير و تكوين جيل على درجة كبيرة من الوعي بضرورة خلق مسرح موريتاني وفق أسس فنية بل علمية , لذلك سعت هذه الجمعيات ليس فقط لإعداد و تأطير الممثل فحسب بل المخرج و الكاتب و فني الإضاءة و الموسيقى...الخ مستفيدين في ذلك من خبرات بعض الإطارات المسرحية التي برزت في أنواكشوط و تكونت على يد خليل الطافش الذي كان منتدبا لهذا الغرض و من أهم هؤلاء المخرج الدد ول سيدي الذي قدم على مسارح المدينة مسرحيتي ( الضمير المستتر) و مسرحية ( و أخيرا نطق الحجر) و كذلك الخليل محمد صالح الذي أخرج حينها مسرحية ( العودة ) و كذلك ( لمفلس ), و للأستاذ محمد سالم دندو الدور البارز في هذه الفترة من خلال مجموعة من المسرحيات لعل في مقدمتها رائعته كتابة و إخراجا ( مملكة العقل الواحد ) التي أحدثت ضجة حينها بالرغم من عرضها فيما بعد في التلفزيون من طرف فرقة شنقيط المسرحية, وكانت هذه المسرحية أول مسرحية سياسية تعرض على مسارح انواذيبو و تنتقد بشكل مباشر و صريح السلطة و أسلوب الحكم الغير ديمقراطي.و من أبرز الكتاب المسرحيين الذين ظهروا في تلك الفترة:
- محمد محمود مصطفى السعيد 
- محمد سالم دندو
- محمد أبوه
ومن أهم المخرجين: 
- الخليل محمد صالح
- الدد ول سيدي
-  محمد سالم دندو
وقد برزت الكثير من الوجوه في التمثيل لعل في مقدمتهم: 
- سيدنا ول عابدين
- سيديا ول الشيخ
- أحمد سالم بوننه رحمه الله
- الوالد ول محمد الحسن
- القرشية
- أم العلوي
-عيشه سيد احمد ...الخ.
ومع مطلع التسعينات إختفت كل من جمعية غرناطة و الإتحاد الوطني لمسرح الهواة مما أثر سلبا على أداء التجربة المسرحية في المدينة, وبقي فقط يعمل في الميدان ما كان يعرف حينها برابطة شباب أنواذيبو للمسرح , الذي تشكلت نواته أساسا من مجموعة من الشباب المنشقين من التجمعين السابقين نتيجة للإختلاف في الرؤية و بعض الخلافات السياسية تلك الخلافات و خصوصا السياسية منها التي كانت السبب الرئيسي في تفكك الجمعيتين.
وظلت رابطة شباب أنواذيبو تعمل في الساحة المحلية الى نهاية التسعينات قدمت خلالها مجموعة معتبرة من المسرحيات المهمة و التي كان لها أثرا و صدى كبيرا أنذاك مثل ( المأزق) و ( وادي الجدب) و ( ألف مبروك أيها العريس) و (الهذيان) هذه الأخيرة عرضت في العاصمة عدة مرات و أخرجها المخرج باب ولد ميني مقدمة من طرف جمعية تواصل المسرحية, كما ظهرت في نفس الفترة و بالتحديد في منتصف التسعينات نوادي أخرى عملت مع الرابطة أحيانا و أحيانا أخرى بشكل مستقل من أهمها نادي القدس و نادي الإمام الحضرمي قدموا مسرحيات مثل        (الهذيان) و ( حفلة السم) و ( ألف مبروك أيها العريس) و (الحب و الماء و الخرافة)  ضمن أخرى و كلها من تأليف محمد أبوه , وبرزت في هذه الفترة عدة أوجه مسرحية مثل سيدي محمد أوداع و الشيخ يونس و محمد لمين الصوفي و يحي الدد و ختو يهديه و بنات تلوميت و الممثل القدير حابه.و بالرغم من أن عطاء هذه الكوكبة كان الأطول من الناحية الزمنية إلا أن إفتقار أعظم مكوناتها لعنصر التكوين و التأهيل من الناحية التقنية ضف الى ذلك التهالك الكبير الذي شهدته البنية التحتية ( دور العرض خصوصا) و غياب سياسة محلية بل ووطنية تعتني و تتبنى المشروع المسرحي كانت كلها عوامل أجهضت التجربة و عادت بها إلى الوراء . و صارت المدينة تعتمد على ما يصدر إليها من العاصمة كما حدث في فترة همام فال . بعد صدرت هي نفسها إلى العاصمة سالم دندوبمسرحية (مملكة العقل الواحد) و ولد أداع هذا الأخير شارك عدة مرات في مهرجان المسرح المدرسي حيث قدم من إخراجه مسرحية (الأميرة و الأقزام) التي فازت بجائزة أحسن نص في إحدى نسخ المهرجان.
وبهذا نرجوا أن نكون قد سلطنا الضوء و لو بشكل خافت على بعض أهم محطات التجربة المسرحية في هذه المدينة المتميزة , تلك التجربة التي تجاهلها كافة المهتمين بالمسرح الموريتاني و التي الى حد الساعة لم يتناولها قلم مختص أو متطفل حتى لينفض الغبار عن حيثياتها و يحلل أجزاءها . 
   

الخميس، 26 يناير 2017

مسرح للأطفال ضد الإرهاب

مجلة الفنون المسرحية

مسرح للأطفال ضد الإرهاب  

يفتتح في المسرح الوطني في العاصمة الإسكتلندية إدنبره العرض المسرحي الغريب للأطفال ” نحن وهم” الذي يذكر الناس بأزمة رهائن بسلان أو مجزرة بسلان وهي عملية اقتحام مجموعة مسلحة مدرسة ببلدة بسلان في روسيا واحتجاز أكثر من 1100 شخص كرهينة في 1 سبتمبر 2004.   ففي ذلك التاريخ كان الأطفال في “المدرسة 1 في بسلان” شمال أوسيشيا بروسيا يحتفلون ببداية الفصل الدراسي الجديد عندما اقتحمت المبنى جماعة مسلحة تطالب باستقلال الشيشان، في الوقت الذي تجمعت العائلات اليائسة والقوات الروسية الخاصة في الخارج.   وانتهى الحصار بعد 52 ساعة عندما انفجرت واحدة من القنابل المفخخة في ظروف لم تعرف حتى الآن. وبعد أن اقتحمت قوات الجيش المبنى وتلا ذلك إطلاق نار متبادل بين الجيش والإرهابيين، وكانت النيران قد دمرت المدرسة. وأسفر ذلك عن مقتل 334 شخصا بمن فيهم 186 طفلا، وإصابة مئات آخرين.   وستكون الأزمة موضوع المسرحية التي ستعرض في إطار كوميدي مرح ومؤثر.   يقول مخرج العمل “كارل ويجس” مبتهجا: ” دائما ما أواجه التحديات في أعمالي المسرحية. والتحدي في هذا العمل يكمن فيما إذا كان ممكنا أن نجعل مسرح الأطفال يتحدث بذكاء وذي معنى وبحساسية حول الإرهاب”. 

-------------------------------------
المصدر : وكالات 

انطلاق مهرجان خورفكان المسرحي غدا الجمعة .

مجلة الفنون المسرحية

انطلاق مهرجان خورفكان المسرحي بعد غد الجمعة 

 تنطلق الدورة الرابعة من مهرجان خورفكان المسرحي  غدا " الجمعة "تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة .

أعلنت ذلك إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة خلال مؤتمر صحفي عقد صباح اليوم بقصر الثقافة.

وقال احمد بورحيمة مدير ادارة المسرح و مدير المهرجان إنه بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة تم تغيير مسمى كرنفال خورفكان إلى مهرجان خورفكان المسرحي وذلك لتوزيع النشاط الثقافي و المسرحي بين مدن إمارة الشارقة .

وأضاف إن فعاليات المهرجان تستهل بمسيرة حاشدة تنطلق من وسط المدينة تتشارك في مسارها فرق الموسيقى وعروض العرائس والأداء التي ستقدم وصلات فنية حية فوق مسارح محمولة على ناقلات متحركة بمشاركة أكثر من خمسمائة من فناني المسرح والأداء والرسم والاستعراضات والفنون الشعبية سيقدمون عروضهم المتنوعة على مدار ساعات التظاهرة الفنية الأكبر في الشارقة والتي تستمر حتى منتصف الليل.

وقالت مريم المعيني مسؤول قسم البرامج و الفعاليات بإدارة المسرح إن المهرجان في هذه الدورة يحتفي بعروض أدائية وفنون شعبية لفرق من الهند وأوزبكستان وتركيا واثيوبيا سيتاح للجمهور أن يشاهدها إلى جانب العديد من العروض المحلية المميزة وأضافت إن التظاهرة تحشد العشرات من الفنانين المحليين والخليجيين في برنامج " مسرح النجوم" وتتيح للجمهور الالتقاء والتحاور والتواصل معهم.

ومن بين البرامج التي دأب المهرجان على تقديمها خلال سنواته الماضية مباريات مسرح الارتجال إضافة إلى جملة من العروض المسرحية التي يتم اختيارها لما حققته أصداء واسعة عند عرضها للمرة الأولى في الأنشطة التي تنظمها إدارة المسرح سنوياً مثل مهرجان المسرح المدرسي ومهرجان المسرحيات القصيرة ومهرجان المسرح الكشفي وسواها من الأنشطة التي تعكس الدينامية العالية التي يتحلى بها المشهد الفني في الشارقة.

---------------------------------------
المصدر : وام

بستان شجرة الكرز والاسلوب التشيكوفي الاكثر ثعلبية

مجلة الفنون المسرحية

بستان شجرة الكرز والاسلوب التشيكوفي الاكثر ثعلبية


صباح هرمز الشاني


لا تختلف صنعة مسرحية (بستان شجرة الكرز) عن صنعة مسرحيات تشيكوف الطويلة الثلاث الاخرى والمعروفة، الا بقدر تقليص حجم وكثافة المفردات الموظفة فيها من أربع الى اثنين، وهما الرموز والدلالات الموحية، والمفردات الدالة على الجو النفسي، وغياب بقية المفردات منها كالمؤثرات الصوتية والمونتاج.
تدور حوادثها في ملكية (ليوبوف أندريفنا) العائدة من باريس، بعد غياب خمس سنوات، مع ابنتها (أنيا) والمربية الالمانية (شارلوتا) وخادمها (ياشا)، لتباغت انها لاتتمكن من تسديد فائدة ملكيتها المعرضة للبيع.
ولكون (لوباخن) وكيل أعمالها ورغبة منه لتخلص الملكية من المزاد العلني، أو (هذا ما يبدو عليه في الظاهر)، يقترح عليها تقسيم بستان اشجار الكرز والارض المجاورة لها الى قطع صغيرة لتشيد عليها مساكن صيفية شريطة أن تهدم كل ما فيهما من منازل واشجار، لتقوم بتأجير القطع، وتنال ربحا سنويا منها، ويوعدها بتأمين القرض، الا انها لاتقوم بتنفيذ هذا المقترح على أمل أن تتلقى الدعم من عمتها الكونتيسة التي تعيش في الخارج، ولأن المال الذي تنتظره لايصل، وحتى ان وصل، فأنه لايكفي لسد تأمين القرض، فأن لوباخن يصبح صاحب الملكية، لانه يقوم بشرائها.
لقد أختلف الكبيران تشيكوف وستانسلافسكي على معنى هذه المسرحية، وكان في اساس هذا الخلاف كما يقول ترويا: (تضاد رئيسي في تفسير الاثر من الناحية السايكولوجية) فتشيكوف تصور بستان الكرز وخطط لها وكرر قول ذلك عشرين مرة الى انها كوميدية بل هزلية تقريبا، اما ستانسلافسكي فكان يرى فيها مأساة اجتماعية تطرح موضوع زوال طبقة النبلاء الريفيين امام الاثرياء الجدد المتصلبين والمغامرين من العامة.*1
وما يؤكد على ان هذه المسرحية كوميدية، هي الرسالة التي يبعثها تشيكوف الى زوجته (اولغا) يقول فيها: (سيكون الفصل الاخير مرحا، او بالاحرى ستكون المسرحية كلها مرحة وعابثة)*2
ويرى ترويا: (ان الانفعال الذي تسببه بستان الكرز متأتٍ من التضاد بين التراجيديا الصامتة التي ينطوي عليها الموضوع، والجانب المضحك الى حد ما في الشخصيات)*3
ان هذا الخلاف سبق وان نشب بينهما في مسرحية الخال فانيا، اذ ثمة الكثير من الادباء والفنانين، وقبل ان تصدر اعمالهم، يصفونها تحت تسميات ومصطلحات لا تمت في معظم الاحيان الى مضامينها بصلة. وهذا الكلام يقينا، ليس موجها الى تشيكوف ذلك انه ليس بحاجة مثل هذا التصنيف، هذا الرجل العظيم، الذي هو اكبر منا، ولكنني لا ادري لماذا اجد نفسي منجذبا الى قراءة ستانسلافسكي اكثر من قراءة تشيكوف، وكانت لي على ما اظن نفس القراءة للخال فانيا، ولعل مرد ذلك يعود الى عملية المزج وليس التضاد كما يقول ترويا، بين التراجيديا الصامتة التي ينطوي عليها الموضوع، والجانب المضحك الى حد ما في الشخصيات، بحيث يصبح هذا الجانب اكثر تراجيدية من التراجيديا الصامتة، ويمكن ان نلمس هذا الجانب في معظم شخصيات المسرحية الثانوية، كدونياشا، ويبهودوف، وبشتشيك. فليس من المنطق والمعقول التصدي لثيمة كبيرة، كخيانة الوطن من قبل الطبقتين، ومعالجتها بطريقة كوميدية، (وانتقدت صحف اليسار بعض المؤثرات المضحكة في هذه (المأساة الاجتماعية) ولم يرد احد ان يرى في بستان الكرز الملهاة التي كان تشيكوف يتحدث عنها).(4)
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبالحاح:
- ترى هل ان هذه المسرحية ثورة على طبقة النبلاء او لنقل الجيل الجديد على القديم، أم خيانة من قبل الفريقين للوطن، وهذا ما سأحاول الاجابة عليه عبر التقنية التي استخدمها المؤلف في مسرحيته هذه:
1- المفردات الدالة على الجو النفسي:
تضم عشرين مفردة، موزعة بنصيب ثماني عشرة مفردة، وبشكل متساو على كل من الفصل الاول والثاني والرابع، وبنصيب مفردتين للفصل الثالث.
وتأتي اول مفردة من هذه المفردات على لسان (بيهودوف). كضربة اولى، لطرح موضوع بيع البستان، وعدم الرغبة بالبقاء في الملكية: الصقيع في الخارج يصل الى ثلاث درجات واشجار الكرز مغطاة بالازهار، لا استطيع ان استحسن مناخنا هذا.. (يتنهد) كلا لا استطيع، انه لا يفيد...
والمفردة الثانية التي تأتي بأربع منها (دونياشا) في جملة واحدة، التي هي: تثلج، الطقس، باردا، والربيع تعبر عن شخصيتها المتفائلة وفرحها بلقاء (آنيا): رحلت في فترة الصوم الكبير، وكانت تثلج، وكان الطقس باردا حينها، اما الان فهذا فصل الربيع.
أما في حوار آنيا مع اختها فاريا، فترد مفردة الطقس مرتين، وكانت (تثلج) مرة واحدة، اشارة الى تذمرها في المرة الاولى من (شارلوتا)والثانية من عيش امها بباريس في الطابق الخامس.
(واصبح الطقس دافئا) وفاريا، تفتح النافذة بهدوء، لقد اشرقت الشمس، انظري يا امي، ياله من هواء لطيف، طيور الزرزور تغرد، عشقا بالبستان وتشبثا للبقاء في الملكية.
وعودة (ليوبوف اندريفنا) الى طفولتها، وهي تنظر الى البستان عبر النافذة! وكنت استيقظ تماما كما هو الان، لم يتغير شئ. (تضحك بسعادة) كله، كله ابيض، اوه يا بستاني! بعد فصل الخريف المعتم والعاصف، وبعد الشتاء البارد، تكون شابا وسعيدا مجددا، لم تتخل الملائكة عنك...
ومفردة العاصفة من قبل (يبهودوف) ايحاءً لحظه السيء: ولكنني اشعر بأنه علي ببساطة أن افسر القدر، اذا جاز التعبير، يعاملني بالتأكيد بلا رأفة، كما تعامل العاصفة مركبا صغيرا.
وتلفظ (دونياشا) مفردة (الطقس بارد هنا نوعا ما) نتيجة إرتباكها وردا لقول بيهودوف لها: هل لي ان اكلمك؟
وتأتي مفدرة (الطقس بارد جدا) على لسان (فيرز) اشارة الى اخلاصه لـ (اندريفنا وشقيقها غايف): هلا ارتديت المعطف رجاء ياسيدي. بينما ينطق المتشرد مفردة: (انه الطقس جميل اليوم) لأن اندريفنا تمنحه قطعة نقود ذهبية: انني ممتن لك كثيرا ياسيدي (يسعل) انه لطقس جميل اليوم (أوه، يا اخي المعذب!.. تعال الى الام فولغا التي كانت تاوهاتها...) (يكلم فاريا) هل لمواطن روسي جائع يا آنسة، أن يزعجك لأعطائه القليل من النقود النحاسية
لو باخن (يغضب) لكل شئ حد بالفعل.
اندريفنا: (في حالة ضياع ولاتعرف ما عليها فعله) خذ.. هذه.. خذ (تبحث في حقيبتها) لا املك نقودا فضية.. لا تأبه لذلك، اليك بقطعة نقدية ذهبية...
وتتكرر مفردة (الطقس رائع) مرتين من قبل آنيا وترفموف دلالة على انجذابهما للآخر، ارينا: كم تحسن الكلام (وقفة قصيرة) الطقس رائع هذا اليوم.
ترفموف: اجل الطقس رائع.
(ويحل الشتاء) يقولها (تروخموف) للتعبير عن المعاناة التي عاشها. وعلى لسان (شارلوتا) مرة: الطقس رائع تماما، ومرة على لسان الصوت مرة اخرى، دلالة على الفرح.
لوباخن: لقد حل تشرين الاول، لكن الطقس لايزال مشمسا وهادئا كما لو انه فصل الصيف، انه طقس جيد (ينظر الى ساعته، ومن ثم ينظر الى الباب) لاتنسوا ايها السيدات والسادة، بأنه لم يتبق سوى ست واربعين دقيقة قبل موعد النطلاق القطار، ما يعني بأنه علينا الانطلاق قبل عشرين دقيقة اسرعوا.ان استخدام اكثر من مفردة في حوار لوباخن هذا معناه واضحة وهي تعبر عن سعادته في امتلاكه للبستان، الا ان نظره الى ساعته ومن ثم الى الباب تعمق قوة هذا المعنى وبالتالي تمنحه ابعادا اكثر، وهو استعجاله في رحيلهم، ومن ثم الارتياب بمدى مصداقيته.
وقول اندريفنا: الوداع ايها المنزل العزيز، يا منزل جدي، سيرحل فصل الشتاء، وسيحل فصل الربيع من جديد، وعندها لن تكون هنا، سوف تهدم. ايماءة واضحة الى اضمحلال طبقة النبلاء التي كانت تمثلها وحلول طبقة او جيل جديد بدل الطبقة القديمة فالشتاء هو الطبقة القديمة، والربيع هو الجيل الجديد.
اما مفردة الطقس الرائع يلفظها (بشتشيك) ففيها ثعلبية تشيكوف، اذ يتألم (بشتشيك) لمغادرة اندريفنا للملكية، ولكنه رغم ذلك، ولأنه لا يملك اي قوة لردعها، يلفظها لئلا يظهر ضعفه امامها: وحين تسمعين بأن نهايتي قد اوشكت فكري فقط بحصان وقولي في أحد الايام كان يوجد رجل مثلك، بينما الحوار الدائر بين لوباخن وفاريا، الذي يعرج فيه لوباخن الى العام الماضي وتساقط الثلج فيه، مقارنا به لهذا العام، حيث الطقس صاف ومشمس، اشارة واضحة الى سعادته قياسا بالعام الماضي، لأبتياعه البستان من جهة، وانفراده بالملكية من جهة ثانية، وعدم زواجه بها اي بـ بفاريا من جهة ثالثة، الا ان رد فاريا عليه بالاسلوب التشكيوفي الثعلبي والمراوغ في جملة: لم أنظر (وقفة قصيرة) بالاضافة الى ذلك فأن ميزان الحرارة لدينا قد انكسر (وقفة قصيرة) تكشف عن شخصية لوباخن غير المبدئية بما لا يقبل الشك، وانتهاء كل شئ ما بينهما، العاطفية والاجتماعية في آن.
تقول أندريفنا: حين نغادر لن تبقى روح واحدة في هذا المكان يرد عليها لوباخن بجملة، حتى فصل الربيع
مانحة معنيين في آن، فهو إما يقصد ان الملكية غدت مهجورة وبلا حياة، او انه سيعود في الفصل القادم لاعادة الروح فيها.وتتكرر نفس المفردة بعد حوارين او ثلاثة على لسانه وهو يقول: وهكذا حتى فصل الربيع. هيا ايها السيدات والسادة الى اللقاء يخرج...
2- الرموز والدلالات الموحية:
تحتوي على اكثر من ثلاثين رمزا موزعاً بنصيب عشرين على الفصل الاول وخمس لكل من الفصل الثاني والثالث، ورمزا واحدا للفصل الرابع، ابتداء من وصول اندريفنا مع ابنتها وخادمها بالقطار، وانتهاء بمغادرتها معهم بالقطار ايضا، ايحاء الى بدء الحياة بالسعادة وانتهائها بالالم، مرورا بالحوادث الجارية للمسرحية في البستان الرامز الى روسيا، انتهاء بأول جملة يشرعها لوباخن، وهو يتحدث عن اندريفنا، تاركا انطباعا جيدا عنها لدى المتلقي، وهو يصفها بالانسانة الجيدة والهادئة والبسيطة، الا انه يرجع ليقول، (انه لايعلم كيف تبدو الان)، وهي جملة تشيكوفية، الهدف منها كشف النقاب عن الوجه الاخر لـ لوباخن، كما ان حوار لوباخن هذا هو مقدمة ضرورية لمعرفة المتلقي انتماء كل منهما، فأذا كانت اندريغنا تنتمي الى طبقة النبلاء الريفيين، فأن لوباخن ينتمي الى طبقة الاثرياء الجدد، ورغم ما له من المال، غير انه مازال فلاحا، ويغفو عندما يقرأ كتابا ولايفهم منه شيئا، والجملة الاخيرة تنطوي على نفس معنى الجملة التشيكوفية الاولى من حيث دلالتها في كشف النقاب عن الوجه الاخر لـ لوباخن، لأنتهازية الفلاح، واستخدام كافة الوسائل الخسيسة، سيما وهو لايحب الكتاب للوصول الى اهدافه، وهي جمع الثروة والمالز
لوباخن: مضت على وجود اندريفنا في الخارج خمس سنوات، ولا اعلم كيف تبدو الآن، اذكر ان والدي الذي كان يملك محلا صغيرا في القرية آنذاك، ضربني على وجهي وجعل انفي ينزف. اخذتني اندريفنا التي كانت لاتزال شابة ونحيلة الى المغسلة وقالت لاتبك ايها الفلاح الصغير. ومع ذلك... فأنا الان غني ولدي الكثير من المال. ولكن يمكن لاي شخص ان يلاحظ بأنني مجرد فلاح، وان يتكبد عناء التفكير بي وازعاجي. لقد كنت اقرأ هذا الكتاب ولم افهم منه كلمة واحدة. لقد غفوت وأنا اقرأه.
ان عدم استحسان مناخ البستان لـ يبهودوف، يغيض لوباخن ويطلب ان يدعه وشأنه، ذلك ان مثل هذا الشعور، يحفز بقية اهالي القرية لمغادرتها وبالتالي بقاءه وحيدا، وهذا ما يحصل فعلا في نهاية المسرحية، 
يبهودوف: يحدث لي كل يوم شئ سئ، انما لا أستطيع التذمر، فقد اعتدت على ذلك، حتى انني اسخر منه.
واكتفاء لوباخن بكلمة (آه) ردا على رغبة دونياشا اطلاعه على سر وهو طلب يبهودوف يدها للزواج، دلالة على ربط هذا الزواج بزواجه من فاريا، ورفضه.
والحوار الدائر بين فاريا وآنيا حول عرض الملكية للبيع واكتفاء آنيا بالرد على هذا الخبر بـ (ياالهي) ومن ثم تغيير هذا الموضوع باتجاه طلب او عدم طلب لوباخن يد فاريا للزواج منها، يؤكد عدم رغبة آنيا البقاء في الملكية، والميل باتجاه بيعها.
وان التغير الذي يحدث في نبرة صوتها، يوحي الى ان فاريا تحب لوباخن، ولكن زواجها منه لن يتم، لانه كثير الانشغال، ولا وقت للتفكير لديه، بها، وهذه لمزة اخرى الى تركيز جل تفكيره بمسألة واحدة فقط، وهي جمع المال، ولأن فاريا من اكثر شخصيات المسرحية براءة، ونقاء، وحبا للاخرين، ووصلت الى قناعة انها لن تتزوج لوباخن، فقد انصرفت تحلم بزواج اختها انيا برجل غني من جهة، وبرحيلها هي الى الاماكن المقدسة الموجودة في روسيا، لتصبح راهبة.
فاريا: بينما اجول في المنزل ياعزيزتي، وانا اقوم باعمالي الغريبة، لا اتوقف عن الحلم، لو امكننا فقط ان نزوجك رجل غني... وكنت لارحل بعيدا، متوجهة في البداية الى دير ، ثم الى كيف، وبعدها الى موسكو.. وأنا اسير من مكان مقدس الى آخر، كنت لاواصل مسيري أواه، يالها من حياة جميلة!
وقول لوباخن (الوقت يمر) واجابة غايف عليه بغباء وبتجاهل (ماذا) ومن ثم تغيير الموضوع من قبله ومن قبل آينا، بالاضافة أندريفنا) اشارة الى عدم امكانيا تم سد القرض.ولعل عدم رد اندريغنا على اطراء لوباخن لها بخصوص ما فعلته له في السابق ويحبها كما لو كانت اخته. ايماءة تشيكوفية، لعدم ثقة اندريفنا بـ لوباخن: الامر الوحيد الذي ارجوه منك هو ان تثقي بي كما كنت تفعلين سابقا، يا الهي الرحيم، كان والدي يعمل كرقيق لدى والدك وجدك ايضا، لكنك فعلت الكثير في الماضي، بحيث أغفر كل شئ، واحبك كما لو كنت اختي.. واكثر من اختي.
اندريغنا: لا استطيع البقاء جالسة، انني لا استطيع ذلك بكل بساطة! هذه السعادة كثيرة علي. يمكنكما ان تضحكا علي.. فأنا حمقاء.. يا خزانة كتبي العزيزة (تقبلها) يا طاولتي الصغيرة.
ووصف غايف مقترح لوباخن، تقسيم بستان اشجار الكرز والارض المجاورة للنهر الى قطع صغيرة لتشييد مساكن صيفية، بالتفاهات، وعدم فهم هذا المقترح من جانب اندريفنا، تدل الاجابتان على اتكاليتهما وتوفيقهما، وبالاعتماد على الاخرين في حل مشاكلهما، وفوضوية وعبثية الحياة التي يعيشونها، اذ حتى عندما يحاول (فيرز) الدفاع عن مقترح لوباخن يردعه غايف بجملة: (اسكت يا فيرز).
فيرز: في السابق، اي منذ اربعين او خمسين سنة كان الكرز يجفف ويحفظ وينقع ويصنع منه المربى احيانا... واحيانا كانت ترسل عربات محملة بالكرز المجفف الى موسكو وخاركوف...
اندريفنا: واين هي تلك الصنعة الان؟
وتأتي جملة لوباخن (لست محظوظا اليوم) لا لأن شارلوتا لم تسمح له بتقبيل يدها، بل لأنه لم يستطع إقناع اندريفنا في تسديد قرض الملكية وتقسيم ارض بستان شجرة الكرز.
ويأتي ربط بشتشيك نوم وشخير لوباخن، واستيقاظه مجددا، بطلب قرض مئتين واربعين روبلا من اندريفنا، على الرغم من وصفه بأنه رجل رائع جدا.. هذا ما تقوله إبنته داشنكا ايضا.. وهي تقول مختلف الامور.. (لاحظ الجملتين الثعلبيتين الاخيرتين).. (هذا ما تقوله ابنته).. وهي (تقول مختلف الامور).. اي انه يقول لوباخن انه رجل رائع لا على لسانه وانما على لسان ابنته، اشارة واضحة الى عدم نومه طوال الليل، خوفا من سرقة نقوده، وانه ليس بالرجل الرائع.
ورؤية اندريفنا امها تمشي في البستان مرتدية ثوبا ابيض اللون، هو رد على غايف الذي يقول: (اجل والان سيباع البستان لتسديد ديوننا، لأدانة بيع المزرعة من قبل امها وتذكير لحبها لهذا البستان، ولمضاعفة هذه الادانة وتعميق هذا الحب، تقرن مشيتها بوجود شجرة بيضاء صغيرة وهي تنحني وتبدو كأمرأة.
غايف: والان سيباع البستان لتسديد ديوننا 
اندريفنا: انطر تلك هي امي تمشي في البستان، مرتدية ثوبا ابيض اللون (تضحك بسعادة) انها هي!
فاريا: بوركت امي العزيزة.
اندريفنا: ما من احد، لقد تخيلت ذلك فقط، هناك اتريان الى اليمن، عند منعطف المنزل الصيفي توجد شجرة بيضاء صغيرة وهي تنحني.. انها تبدو كأمرأة.
(وهو ايحاء جميل الى قتل هذه المرأة ببتر الشجرة)
وتتضح الثعلبية في اسلوب تشيكوف اكثر من اي مكان اخر في هذه المسرحية، عندما يصل غايف الى قناعة، وبعد تفكير عميق، بأنه لا يوجد حل لتسديد قرض الملكية سوى لو ترك لهم احدهم القليل من المال، او تزوجت انيا من رجل غني، او لو ذهب احدهم الى ياروسلافل وجرب حظهم مع العمة العجوز الكونتيسة الغنية، وترد عليه فاريا: (ان الله وحده يساعدنا)، اشارة الى هراء ما تتفوه به.
ولا يكتفي بأظهار غايف على هذا النحو المبتذل، وانما يدفعه الى ان يقسم بشرفه على بيع الملكية ليثبت تشيكوف، بأن غايف لا شرف له وانه كلما امعن في مراهناته على عدم بيعها يزداد كذبا ورياء: سندفع الفائدة انا متأكد ذلك (يضع قطعة حلوى في فمه)، اقسم بشرفي بما تشاءان، بأن الملكية ستباع (متحمسا) سأخاطر بسعادتي! ها هي يدي. يمكنكما ان تدعواني كاذبا تافها اذا سمحت بأجراء المزاد، اقسم بروحي!
وقائمة برموز ودلالات طويلة، وسأكتفي بالاشارة اليها فقط:
في الحوار الدائر بين لوباخن واندريفنا وغايف، والحاح الاول على موافقة او عدم موافقة اندريفنا على تأخير ارضها للغلل، واجابتها عليه، باجابة لا علاقة لها بسؤاله.
اصطحاب اندريفنا الفرقة الموسيقية الى المنزل، في الوقت الذي تفتقر فيه الى المال لسد قرض الملكية، اشارة الى فوضى حياتها وعبثيتها.
في الحوار الدائر بين اينا وتروخموف، تلميح جلي الى زوال طبقة النبلاء، عبر عدم رغبتهما البقاء في الملكية ومغادرتها.
والاسلوب التشيكوفي المخفي وراء قول بشتشيك لـ تروفيموف:
يمكنك أن تبيع حصانا.. ولكنه لا يكمل هذه الجملة، وهو في الحقيقة يريد ان يقول: يمكنك ان تبيع حصانا ولكن لا يمكنك ان تبيع بستانا، او ارضا.
وحب اندريفنا للمنزل، وعدم استطاعتها تخيل الحياة بدون بستان اشجار الكرز وبيعها معه، وهو حب المكان والعودة الى الطفولة.
وطلب ياشا من اندريفنا اخذه معها الى باريس اشارة الى رغبة الكل في مغادرة الملكية.
حديث لوباخن الطويل بعد شراءه للملكية الدال على اللف والدوران.
(يسمع من بعيد صوت فأس يضرب شجرة) وما تزال اندريفنا في البستان اشارة الى عدم احترام لوباخن لسيدته.
والحوار الدائر بين لوباخن وفاريا اشارة الى نهاية الحياة في هذه الملكية.
وفي معرض تصديه لهذه المسرحية يقول الاراديس نيكول: (ولايتطرق الى الذهن أن مثل هذا الكلام الذي يقوله تروفيموف يجعل منها مسرحية ذات غاية يدعو اليها المؤلف، فليس هنا مجال للافكار العقلية او الذهنية المجردة بل نرى كل شئ مصغما بالعاطفة مجسما بالخيال)(5)
فأن تكون هذه المسرحية مفعمة بالشاعرية، رأي لاغبار عليه، أما انها بدون غاية، وليس هناك مجال للافكار العقلية والذهنية المجردة فيها، فمثل هذا الرأي لا يتفق مع النجاح الذي حققته بأخراج ستانسلافسكي الذي (أقنع الممثلين ان يمثلوا فيها باتجاه ابكاء الجمهور أمام انهيار عالم سحري محكوم عليه بضرورات الحاضر الاقتصادية، وليس ان يضحك او يبتسم)(6) 
وقد دون تشيكوف بأقتناع: (ما من مكان فيه سلطان ساحق مثلما هي لدينا نحن الروس، نحن المهانين بعبوديتنا السحيقة، والذين يخافون الحرية.) (7)
(وكان يفكر ان مسرحيته المقبلة التي كان يحلم بها منذ زمن طويل ستكون تصويرا ينصب على هذه السلبية الوطنية.) (8) وصاغ هذه السلبية في مسرحية (بستان شجرة الكرز)...

المصادر
1- تشيخوف: تأليف هنري ثرويا
2- نفس المصادر السابق
3- نفس المصادر السابق
4- نفس المصادر السابق 
5- المسرحية العالمية: الاراديس نيكول/ الجزء الرابع
6- تشيخوف: تأليف هنري ترويا
7- تشيخوف: تأليف هنري ترويا

المخرج حرب يعيد إحياء مسرح المقهى في الاردن

مجلة الفنون المسرحية

المخرج حرب يعيد إحياء مسرح المقهى

يعيد المخرج المسرحي حكيم حرب إحياء عروض مسرح المقهى التي كان قد اشتغل عليها في تسعينيات القرن الماضي في مقهى الفينيق الثقافي آنداك.
ويعرف المسرح في المقهى بوصفه إعادة عرض (ريبروتوار) لمسرحية قدمت على مسرح الخشبة (العلبة الإيطالية) وأعيد إعدادها لتقدم في مقهى ثقافي، بينما مسرح المقهى ويسمى أحيانا مسرح "الكباريه السياسي" وما يقدم كمشاهد ولوحات مسرحية يشارك فيها الجمهور إلى جانب الممثلين في غرفة صغيرة في مقهى أو كامل حيز المقهى، وتتراوح تلك المشاهد من أساليب المسرح التقليدي والغناء والارتجالي، وينتمي هذا النوع من المسرح الى مدرسة المسرح التجريبي التي انطلقت في العالم نهاية خمسينيات القرن الماضي، وعربيا في مصر والعراق ولبنان في سبعينيات القرن الماضي. ويرجع نشأة هذا النوع الكاتب والناقد المسرحي الفرنسي المعروف باتريس بافي إلى ما كان يطلق عليه "مقهى الفلاسفة" في القرن الثامن عشر.

وقال المخرج حرب لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) "إن إعادة عرض مسرحية "ليلة سقوط طيبة" مساء الثلاثاء في "أوتاد" حي جبل اللويبدة وداخل مسرح المقهى تجعلنا نعيد قراءة أسطورة "أوديب" على طريقة الكباريه السياسي وفي إطار ما يطلق عليه "الكوميديا السوداء" بعد تخليص الحكاية من شكلها الكلاسيكي القديم وإعادة تناولها بشكل معاصر ورؤية مغايرة، كمحاولة من فريق مسرح المقهى لطرح أسئلة جديدة"، مشيرا إلى أن الجمهور في مسرح المقهى مشارك في اللعبة المسرحية وليس مجرد متلقٍ.
وأشار إلى تجربته الأولى في مسرح المقهى في تسعينيات القرن الماضي في مقهى "الفينيق الثقافي" ومقهى "كان زمان"، مبينا انه أسس أنذاك فرقة مختبر الرحالة المسرحي وكانت الفرقة مهتمة بتقديم عروضها خارج الصالات التقليدية حيث قدمت عروضاً في المقاهي والساحات العامة والشوارع.


وأضاف "كنا قد أسسنا آنذاك فرقة مسرحية أطلقنا عليها اسم " فرقة مختبر الرحالة المسرحي" وقد كانت الفرقة معنية بتقديم عروضها المسرحية خارج صالات العرض التقليدية المغلقة، فجابت شوارع ومقاهي المملكة وقدمت عروضها في الشوارع وعلى الأرصفة وفي المقاهي في أكثر من محافظة أردنية، وكان النصيب الأكبر لمحافظات العاصمة والزرقاء وإربد والعقبة، حتى أننا أثناء سفرنا الى القاهرة عن طريق ميناء نوييع، قمنا بتقديم عرضنا المسرحي "هاملت يصلب من جديد" فوق سطح الباخرة ، وقد تجمع المسافرون من حولنا على شكل حلقة، وشاركنا في هذه التجربة بالإضافة إلى من ذكر سابقاً، الأصدقاء الفنانين : علي عليان، وبسام أبو عياش، وسامر جرار ووسام قطاونة .

وأشار إلى أنه كان لفريق الرحالة المسرحي الشرف الكبير بانتزاع أول جائزة دولية في التمثيل المسرحي على مستوى الأردن في مسرحية "المتمردة والأراجوز" التي أعدها وأخرجها، وكانت من نصيب زميلتنا الفنانة "كفاح سلامة" وذلك في الدورة الرابعة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام 1992 ومناصفةً مع الممثلة البولندية "باربارا دزيكان"، لافتا إلى أن ميزانية المسرحية آنذاك كانت 300دينار فقط " والتي كانت نجحت في انتزاع خمس جوائز من مهرجان مسرح الشباب الأردني الأول، ما أهلها للترشح للمشاركة في مهرجان القاهرة الدولي.

------------------------------------------------
المصدر : مجدي التل-  (بترا)

الأربعاء، 25 يناير 2017

جحيم الحياة في المدن الكبرى عبر 'ليلة قبيل الغابة'

مجلة الفنون المسرحية

جحيم الحياة في المدن الكبرى عبر 'ليلة قبيل الغابة'
 أبو بكر العيادي

“ليلة قبيل الغابة” نص ذو نفس شعري وطرح جريء، لم يفقد راهنيته الحارقة خصوصا في هذا المناخ السياسي والاجتماعي الذي يخيم على فرنسا، والذي تستعمل فيه الهوية كوسيلة للكراهية والإقصاء، في هذا النص الذي يرجع تأليفه إلى أربعين سنة خلت، يحدثنا برنار ماري كولتيس عن إمكانية تشكل الهوية من الإيمان العميق بإنسانية الإنسان، هي دعوة للآخر، المجهول، كمن ينشد إغاثة.


اكتشف برنار ماري كولتيس (1948 /1989) المسرح عندما غادر مسقط رأسه ستراسبورغ، ولم يكن قد بلغ العشرين بعد، وانتقل إلى مدينة ميتز، هناك حضر عرض مسرحية “ميديا” لسينيكا في إخراج للأرجنتيني خورخي لافيلّي وبطولة النجمة ماريا كاساريس، فكان اكتشافا مذهلا فتح له أبواب الفن الرابع، حتى أنه قال في ما بعد “لو لم يحدث ذلك، لما مارست المسرح إطلاقا”.

بدأ التأليف والإخراج منذ العام 1970، بـ”المرارات” عن طفولة مكسيم غوركي، و”المسيرة” عن نشيد الإنشاد، و”محاكمة مترنحة” عن “الجريمة والعقاب” لدستويفسكي، وأسس في الظرف نفسه فرقته الخاصة “مسرح الرصيف”، قبل أن يتنقل في فرنسا وخارجها، في أميركا اللاتينية وأفريقيا بخاصة، ويبدع الأعمال التي كانت سببا في شهرته مثل “في عزلة حقول القطن” و”معركة الزنجي والكلاب” و”الرصيف الغربي” و”ليلة قبيل الغابة”، هذا النص الذي ألفه كولتيس عام 1977، وأخرجه للكوميدي فرانسيز جان لوك بوتيه عام 1981.

هو نص من المسرح التجريبي يتألف من جملة واحدة تمسح ثلاثا وستين صفحة، شديد التكثيف، كثير الاستطراد، مع خطابات مكررة، تعمل عمل كوبليه في أغنية، بطله شخص لا نعرف من هو، ولا في أي مكان يوجد، ولا لمن يتوجه بحديثه.

في عالم ليلي يعبره هاربا دون التفات، يُحدّث غريبا صادفه عن كل شيء، حتى عن الحب، أو كما يقول كولتيس نفسه “رجل يحاول أن يستبقي بكل الكلمات التي يستطيع إيجادها شخصا مجهولا صادفه في عطفة شارع ذات مساء، وهو وحيد”.

رجل هارب سئم الوحدة، “حيث لكل شخص حكايته الخاصة في ركنه المنزوي” يحدث المارّ عن دنياه، وهي ضاحية يهطل فيها المطر، يحس فيها الناس بالغربة، ويعيشون البطالة، أو هكذا شاءها المخرج هذه المرة.

ذلك أن باتريس شيرو، عندما أخرج هذه المسرحية عام 2010، كان قد تصور بطل هذا النص نزيل مستشفى، دامي الجبين، ممددا على فراش، فوق ركح خال، يهذي هذيانا محموما حتى الموت.

أما كريستيان فريديريك فقد استعان، في هذا العرض الذي يتواصل على خشبة مسرح “الجيب” بباريس، بالفنان أنكي بلال، رسام الأشرطة المصورة المعروف، فأنجز له ديكورا أسود عاريا، لا يؤثث عريه سوى قاعدة مغطاة بقطعة من البلاستيك الأسود، يظهر فوقها البطل المجهول تحت وابل من المطر، يحاول أن يحتمي من الزخات ما استطاع، وعلى وجهه علامات خوف لا نعرف مصدرها، هل هو خوف من عنف المدينة الذي يحاصره من كل جانب أم هو عنف توقه ورغبته التي لا تحدّ؟

"ليلة قبيل الغابة" نص من المسرح التجريبي يتألف من جملة واحدة تمسح ثلاثا وستين صفحة، شديد التكثيف
وما إن ينطق حتى يكشف عن حيوية غامرة، فيجهد بكل قواه أن يحوز رضا الآخر، المخاطَب المجهول، وتنعكس صيغ الخطاب في تغير نبرته وحركاته، تماشيا مع إيقاع جملة كولتيس التي لا تنتهي.

يوهمنا بأنه يمشي عبر المدينة، أثناء الليل، تحت المطر، دون أن يتوقف، ليبدو في النهاية مثل “الرجل الذي يترنح” لجاكوميتي، ثابتا في نهاية رصيف يواجه مجهولا قد يكون مضى في سبيله، أو لعله يناجي في الظلمة نفسه ليواجهها بما يحب وما يكره، لكأن ثمة مرآة بين شخص يتكلم وآخر لا يُرى، يوهمنا الكاتب بوجوده، ولكن المتفرج لا يقف له على أثر.

تتبدى المسرحية في البداية كلاما مسترسلا وقولا بلا حدود، ولكن ميل المتكلم إلى مخاطب مجهول يحتّم إيجاد نبرة خاصة يدرك المتفرج من خلالها ما تخلفه الوحدة من عذاب، وما تنطوي عليه رغبة التواصل من آمال.

وتبدو الشخصية وحيدة على الخشبة في مكان غير محدد، قد يكون تطابق عدة أمكنة في مكان واحد: عطفة شارع، مقهى، مترو، غابة تلوح عن بُعد.. ولكنه أقرب إلى فضاء ذهني، متخيل، فضاء شاب منغلق داخل العنف المديني، وداخل رغبته نفسها، ما جعل أداء الممثل مرهونا بدينامكية متذبذبة، للتعبير جسديا عن الملفوظ، المنحصر بين رغبة القول وتأكيد الذات والتحمس والانكسار والعودة إلى أعوام الطفولة، مع المحافظة على خيط الوصل مع الشخص المجهول.

نص عميق عن وحدة الإنسان في عصرنا هذا، وعن جحيم الحياة في المدن، يؤكد رفض الفرد الذوبان داخل كتلة، وسعيه المحموم لربط الصلة. يقول المخرج كريستيان فريدريك “أنا على يقين من أن هذا النص هو أيضا اعتراف طويل بالمتاعب التي يلقاها الفنان في إيجاد موطئ قدم داخل المجتمع”. طوال ساعة ونصف الساعة، ينفخ الممثل دوني لافان الروح في كلمات كولتيس، متمتما حينا، صارخا حينا آخر، مختنقا كأنه يزفر آخر أنفاسه أو يهمس بوصية، ليحاول التقرب من الآخر، بحثا عن أمل، أو عن شيء يتشبث به.

---------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 

بطل مزيف يقتنص الفرص ليجالس جنود العدو

مجلة الفنون المسرحية

بطل مزيف يقتنص الفرص ليجالس جنود العدو

عواد علي 

يكون للكوميديا الساخرة في المسرح، عادة، أبلغ التأثير حينما يفترض المتلقي في الشخصيات ذات المقام العالي الكمال في السلوك، والحصافة في الرأي، والصدق في التعبير، لكنه يتفاجأ بأنها على العكس تماما، أي أنها شخصيات هزيلة وكذّابة ومضللة وفاقدة للقيم، حتى يبادر بالتهكم عليها. وعندما يلتقي النص الساخر المتقن بالممثل المقتدر والمخرج المبدع تبلغ السخرية أوجها وتحقق هدفها، على النقيض من المسرح الهزلي الذي يهدف إلى الإضحاك فحسب من خلال التهريج.

مسرحية "أنت لست غارا" للكاتب التركي عزيز نيسين واحدة من أنجح المسرحيات الكوميدية الساخرة والأصيلة في مبناها ومنحاها. وقد حظيت باهتمام الكثير من المخرجين في المسرح العربي، فقدموها بأشكال إخراجية مختلفة، لم تتخطّ أي منها المغزى الأساسي للنص، وهو فضح السلوك الانتهازي والوصولي للمسؤولين الحكوميين، الذين لا يردعهم وازع أخلاقي عن قلب الوقائع، وتزييف الحقائق، وإيهام الناس البسطاء بصحة أكاذيبهم بغية تحقيق مصالحهم الشخصية، وذلك بجعل رجل جبان وخسيس وجاسوس بطلا قوميا.
بطل مزيف
المخرج الأردني أشرف طلفاح واحد من المخرجين الذين أغراهم هذا النص، فقدمه في عرض متقن جماليا ودلاليا، بسينوغرافيا تعبيرية متقشفة، مسندا شخصياته الثلاث إلى: أحمد العمري (في دور صالصي رئيس جهاز الأمن السري)، وعماد الشاعر (في دور برين مدير بلدية البلدة)، وعبدالرحمن صايمة (في دور غارا). وقد تمكن هؤلاء الممثلون من تجسيدها على نحو بارع بما يمتلكونه من حضور طاغ في الإلقاء المبالغ في نبراته والمثير للسخرية المريرة، وفي الحركات والإيماءات الجسدية الطريفة.
النص يقوم على حكاية بطل اسمه غارا، تكرمه السلطة الحاكمة الفاسدة في بلدة يونتابور على أساس أنه بطل حرب
يقوم النص على حكاية بطل مزيف اسمه غارا تكرِّمه السلطة الحاكمة الفاسدة في بلدة يونتابور، على أساس أنه أدّى أعمالا بطولية خارقة في الحرب، وضحّى بحياته من أجل وطنه، في حين أنه في الحقيقة إنسان يائس وجبان حاول الانتحار عدة مرات، وتطوّع في الجيش ليرتاح من زوجته العاهرة التي حاول أن يطلقها أكثر من مرة، إلاّ أن بعض كبار السادة في البلدة حالوا دون ذلك ليغطي على علاقتهم بها. وكان غارا يتمنى في إحدى المعارك أن تنال منه رصاصة واحدة تريحه، لكن ما من رصاصة نالت منه سوى تلك التي وجهها إليه قائد المعركة فأصابه في ساقه وهو يحاول الهرب.‏
تبدأ المسرحية بحفل إزاحة الستار عن النصب التذكاري للبطل القومي الشهيد غارا، الذي أشيع عنه أنه استبسل في معارك عديدة. ويتسابق على تمجيده والإشادة ببطولاته كل من رئيس جهاز الأمن السري، صالصي، ومدير بلدية البلدة برين. الأول يلقي خطابا رنانا يزعم فيه أن غارا كان من أقرب أصدقائه، وأنه تعلم منه الكثير من المثل والأخلاقيات التي تشجّع على التضحية بالنفس من أجل عزة الوطن وكرامته، ويقرر أن يغير اسم بلدته من يونتابور إلى غارابور تكريما له، ويتكرر الخطاب ذاته مع مدير البلدية بادعاءات ومبالغات جديدة في وصف الشهيد ومناقبه.
وبينما صالصي وبرين على هذه الحال يدخل شخص مشرّد إلى المسرح ويتبوّل على النصب، فيطير صوابهما من هذا التصرف الشائن، ثم يتفاجآن بأن هذا المشرّد هو غارا نفسه، فتشكّل عودته عبئا ثقيلا عليهما وكشفا لأكاذيبهما أمام أهالي يونتابور، وعائقا أمام طمعهما في الحصول على مناصب عليا، لذا يبدآن بالتحقيق معه ويقرران التخلص منه ومحو هويته الحقيقية للإبقاء على هويته الوهمية المزيّفة التي صنعاها.‏
ينتصر الزيف ويظل الناس مصدّقين الكذبة التي صنعتها المصالح
وبما أن غارا عائد إلى بلدته بعد غياب دام عدة سنين ليرى أمه وشجرة السنديان التي تحمل ذكريات طفولته، فإنه يقدم لهما كل المعلومات الحقيقية عن نفسه، فإذا به ليس بطلا، وما روي عنه من مواقف ليست إلّا أوهاما ومغالطات، من ذلك مثلا أنه عندما حمل الرقيب الجريح بعيدا عن ساحة المعركة ليسرق الأموال التي في جيبه ظنوا أنه يحاول إنقاذه، رغم شراسة المعركة، فأعطوه وساما، وعندما فتش جيوب أحد الجنود القتلى ولم يجد معه شيئا انتزع سنّيه الذهبيتين، ولكنهم ظنوا أيضا أنه يحاول أن ينقذ جريحا فمنحوه وساما ثانيا. وهكذا راح يحصد العديد من الأوسمة على ما اقترف من نذالات.
وبسبب خسته كان يقتنص الفرص ليجالس جنود العدو، ويلعب القمار معهم على أوسمته. وبهذه الاعترافات الصادمة، والمثيرة للسخرية يفضح غارا تسلق رئيس جهاز الأمن السري، ومدير البلدية إلى منصبيهما اعتمادا على خدعة البطل القومي. ولذلك فهما يحاولان منعه من دخول البلدة، ويرشيانه بمبلغ قليل من المال وعلبة سجائر لحمله على العودة من حيث أتى، وحين يرفض يشدّان حبلا على رقبته ويخنقانه وهما يصيحان “أنت لست غارا”. وبموت غارا وتضيع الحقيقة المؤلمة، وينتصر الزيف، ويظل الناس مصدّقين الكذبة التي صنعتها المصالح.

سبق للروائي الجزائري رشيد ميموني أن كتب رواية بعنوان “النهر المحول” عام 1986 تقوم على علاقة تناصية مع هذا النص المسرحي، لكن بصيغة معارضة، أي أنه تعامل معه تعاملا تحويليا لا ينفي الأصل بل يسهم في استمراره وقابلا للتجديد. وقد كيّف الكاتب الجزائري عمر فطموش هذه الرواية إلى نص مسرحي يحمل العنوان نفسه، أخرجته حميدة آيت الحاج عام 2007. يروي العرض، كما الرواية، قصة مقاوم جزائري كبير اسمه محند العربي، يصاب في معركة مع الاحتلال الفرنسي فيفقد وعيه، وبعد سنوات طويلة يستعيد وعيه ويقرر العودة إلى بلدته حيث يعيش أهله (والداه وزوجته وابنه) ليجد عالما مختلفا لا يعرف تفاصيله، فيسأل أول شخص يقابله في البلدة عن بعض معالمها العمرانية مثل أيّ غريب تطأ قدماه عالما جديدا، وتقوده خطواته إلى ثلاثة أنصاب من الرخام نُقشت عليها أسماء شهداء المقاومة، فيطلب من الشخص ذاته أن يقرأ له الأسماء المنقوشة، ويفاجأ بأن اسمه مدرج معها. ومن هنا تبدأ رحلة صراعه ومعاناته، وهو يحاول إقناع الجميع بأنه محند العربي، ويسعى إلى استرجاع هويّته ولقاء أهله، لكن سلطات البلدة كلها تهدده وتنصحه بالرجوع من حيث جاء، أي العودة إلى عالم النسيان لكي لا يؤثر على امتيازاتها ومصالحها التي حصلت عليها من جراء استشهاده.\

-------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب

قراءة في مسرحية أسئلة الجلاد والضحية للأنباري كاتبا وصبري مخرجاً: وفرص ولادة جنس درامي جديد

مجلة الفنون المسرحية

قراءة في مسرحية أسئلة الجلاد والضحية للأنباري كاتبا وصبري مخرجاً: وفرص ولادة جنس درامي جديد

تيسير عبدالجبار الآلوسي

تاريخياً عبرت الدراما عن مجتمع المدينة الناشيء وانقسام مجتمعها الذي بات مصطرعاً بين قطبين متعارضين و\أو تعددية أقطابه التي تحيا بصيغة تجمع عناصرها المتناقضة في إطار وحدة تمتلك العلة والسبب في وجودها، وتتحرك إلى أمام بمسيرة التغيير الإنساني وصيرورتها... ومع تعاظم خطى التقدم الدرامي في عصر النهضة والمرحلة الأليزابثية كان الاهتمام بالمونولوجات، موظَّفة فيها، قد بدا أكثر وضوحاً. لكننا إذ نتجه لنستكشف مسستجدات مرحلة ولادة الرومانسية، سنجد اهتماماً بالفرد والنزعة الفردية وبمحاولات استكناه الشخصية وعوالمها النفسية بخاصة منها المضطربة المعتملة بخلجات ربما تكون أحيانا متناقضة حد الانفصام، فضلا عن حال الصراع بين الفرد ومحيطه في محاولته الاستقلال بوجوده عن بيئته وتأثيراتها أو في محاولته إدارة علاقاته بذاك المحيط..
ولهذا السبب فإن التجسد المونودرامي يتشكل في سردية ربما تضمنت تمظهرات حوارية على وفق تمظهرات الشخصية وحالاتها النفسية المتجسدة في النص المكتوب أو نص العرض..
إن شرط المونودراما القائم على الممثل الواحد لا يعني اقتطاع مونولوج من نص أو مطابقته خصائصه؛ فذلك أمر مختلف يبقى يتشكل في إطار نص درامي بتعددية شخصياته وطابعه القائم على الصراع بين طرفين متعارضين.. ولا يُفسّر المونولوج إلا في سياق البنية الدرامية.. بينما المونودراما هي نص مكتمل تركزت معالجته في كثافة أدائها، لكنها ستمتد على مسار ينبني من بداية ونهاية للسرد ويتضمن معالجة درامية تختلف عن السرد القصصي المنبسط في امتداد خطوطه أفقياً، بخلاف الدراما القائمة على التعاقب السببي لحلقات حدثها..
وبين انتشار الكتابة المونودرامية في ظروف المرحلة الرومانسية وانسحابها في ظروف أخرى، كانت المونودراما تمضي بمراحل متعددة لوجودها نصاً درامياً (مسرحياً بمعنى مصطلحه) أو وجوداً لخطاب على الركح.. وبجميع الأحوال احتاج العرض المسرحي المونودرامي إلى عدد من الأمور للتعبير أو التجسيد منها سينوغرافيا العرض وطابع حركة الممثل وتلوينات الأداء الصوتي وتفاصيل سير ما نسميه خط الحدث الدرامي ونموه مجازاً.
المونودراما عمل جمالي ممسرح ينهض به ممثل واحد حصراً لينقل إلى المتلقي تجربته المنفعلة باصطراعات روحية ربما تصل درجة الاضطراب والتمزق والفوضى التي لا تسمح للذات \ الفرد أن تكون عدوانية تجاه الآخر بل تشترط فيه، لا نقول التسامح معه، ولكن إيجاد علاقة تتبادل فيها معه سبب الوجود... وأعلى ما يعبر عنه الممثل السارد (المحاور) مع أو تجاه محيطه أو الآخر هو وصف آثار الآخر في ذات المونودرامي وعبوره لحسم نتيجة الصراع ووضعها بقالب بعينه.. فالمونودراما صيغت للخلاص الفردي الروحي بشكل جوهري أساس لا الموضوعي بما تفرضه قوانين تطوره من متطلبات خلاص لتغيير وضعية فيه...
ولكن، لطالما حاولت المونودراما أن تتملص من الالتباس بالتكثيف الذاتي الغنائي وأنْ تتجاوز حدود الفردي فيما تتقمصه وتعرضه وأن تشير تصريحا لا تلميحا إلى البيئة الموضوعية إلى الوجود بنموذجه الجمعي وإن ظهر متجسِّداً بالفرد.. إن تلكم الإشارة (الإيحائية المشفرة) إلى الموضوعي ليست من بوابة مطلب التغيير والإرهاص الدرامي بوصفه قيمة موضوعية، منذ ولادة الدراما تعبيراً عن الموضوعي متحدا بالذاتي الغنائي، مستولداً وجوده النوعي بوحدة السردي والملحمي، إنما من بوابة التمسك والتحدد بالهموم الروحية النفسية للفرد وآليات الاشتغال والتحول فيها أو التغيير والخلاص بتلك الحدود التي يتجسد بها..
اليوم، نجد من يحاول نحت مصطلح مونودرامي جديد، ربما شكّل جنساً جديداً في إطار النوع المسرحي الدرامي، إذا ما أغنته التجربة الآتية المستشرِفة مستقبلا مشروطاً بالتفاعل مع قوانين التعبير الجمالي عن واقعنا الإنساني الراهن والمرهص.
ما أستطيع الجزم فيه، أنّ أحداً لا يمكنه الحسم بطريقة رياضية قاطعة، توكيداً أو نفياً للتجريب الجديد، فيما تمت تسميته مبدئياً (المونودراما التعاقبية).. فكل شيءٍ يبقى قيد الجدل والتجريب حتى يتكرس منجزاً أو يضمحل إن لم يجد مستقبليه ومنفذيه من مبدعين ومن جمهور لا مناص من وجوده لإقرار وجود كيان جمالي جديد.
لكن ما يمكنني من طرفي وأنا أناصر مبدئياً كلَّ جهدٍ إبداعي جديد، أن أشير بوضوح إلى ما (قد) يثيره وصف (تعاقبية) من التباس كون الدراما بنية سببية في سمة ارتباط حلقاتها تعاقبيا أو في سمة (تعاقبية) حلقاتها على أساس السبب والنتيجة..  لكن، ربما يشفع لأصحاب مشروع (المونودراما التعاقبية) أنهم يتحدثون عن بنية جنس درامي (مسرحي) يلتزم بمبدأ الممثل الواحد لمادته التي تعلن بوضوح عن تأثرها بالتعددية الموضوعية على حساب الأحادية الفردية واحتمالات اقترابها من (الغنائية) وطابع الكثافة فيها...
فماذا أراد الفنان المبدع فاروق صبري أنْ يقدّمَه لنا في مونودراماه التي يتحدث فيها عن التجديد وربما عن استيلاد جنس مسرحي آخر في حضن النوع الدرامي؟ وهل جاء نص الكاتب المبدع صباح الأنباري مطواعاً ومناسباً للتنظير الذي وضعه السيد صبري ويتطلع إليه ويدفعنا لقبوله؟ هل ينطبق مصطلح مونودراما على مادة فيها تعدد في التجسيد تكسر الأحادية فضلا عن ظاهرة تشكّل موضوعي الهوية والوجود للدراما؟
هل شخصيتا الجلاد والضحية بتناقضهما وتعارضهما تسمحان بمادة مونودرامية التجسيد الإبداعي؟ ما هي دواعي وربما أسباب قبول تسمية أو تجنيس الإبداع الجديد كونه مونودراما؟ ثم ما هي دواعي وربما أسباب قبول تسمية التعاقبية من دون تناقض في المصطلح أو على أقل تقدير بتجاوز لعقبة التعارض في المصطلحين (مونودراما بمعنى فردي بأحادية التقمص والتجسيد وبدرجة اقترابه من ذاتي غنائي [ضمنا] بسمات كثافة أحاديته) و (تعاقبي بمعنى تعددي موضوعي ضمنا بغنى تنوعاته التي تكسر التقمص أو التجسد الأحادي)؟
حسنا، وهل جمالياً فلسفياً \ فكرياً يمكننا إقرار شكل التعبير في إطار هذا النحت الاصطلاحي؟ كم هو العمق الفكري للمعالجة المضمونية وهل ترقى لحجم ما تريد البرهنة عليه جمالياً؟ وستكون هناك أسئلة فرعية على هذه المحاور من قبيل: كيف يمكن للجلاد أن يقع بنيوياً في النطق بخطاب الضحية وتقمصه وتجسيده والعكس؟ وما مبررات كل من الكاتب والمخرج لمثل هذا المنزلق في المعالجة و\أو التشخيص الفكري؟ وفي عرض "أسئلة الجلاد والضحية": ما الذي لوحظ على أداء الممثل للهرب من مثل هذه المنزلقات في نص الكاتب أو ريبتوار العرض؟ هل نقبل خيار التحوير اللفظي في نصوص الموروث لتمرير سمات الشخصية مثلما حصل في أداء الممثل (مونودراميا) لأغنية شعبية؟
لدي ثقة وطيدة بأن الخطوة الأولى عادة ما تعترضها الأسئلة؛ ربما بقسوة كما تتبدى شكلياً مظهريا أسئلتي هنا في أول وهلة لقارئها. ولهذا السبب أحاول مراراً توكيد مؤازرتي التجربة المشروعة لاستيلاد جنس تعبيري جمالي جديد، وهي محاولة ستتعزز لاحقاً بالتأكيد.. فعصرنا مثلما مسيرة البشرية يتسم بخصوصيته، بمعنى هوية وجوده وقوانينه، ما يتطلب أن توجد تعبيرات جمالية تتسق وطابعه وتفاصيل الوجود الإنساني فيه..
إن الوليد عادة ما يكون غير مكتمل النمو وتظهر فيه علامات الحاجة للتقدم والنمو والاكتمال.. ولهذا لا يعيب الوليد أنه يولد طفلا غير مكتمل بل هو موجود بنضج بنيوي جيني من نوعه وجنسه. وبهذا لا يهضمنّ عملٌ نقديٌ إبداعاً جمالياً، لمجرد تبيان مواضع ما يُنتظر من التقدم والاستكمال له وفيه بل يؤكد البحث النقدي السليم هذا الإبداع وأهميته بتوقفه عنده وإلا فإن الأعمال النقدية بخاصة الغنية فكرياً نظرياً لا تتوقف عند العمل الزائف الملفق فتلك أمور خارج مهام النقد المعرفي الرصين...


ولنبدأ الرحلة في نقد تطبيقي على عرض مسرحية (أسئلة الجلاد والضحية) حيث تقديم جلاد على ضحية ربما في إشارة إلى سلطة القوة وإلى سطوة القوي وهيمنته وربما من دون سبب منتخب مختار سوى الأداء الصوتي وإيقاعه في ترتيب هذا العنوان..
لنبدأ الرحلة مع مسرحية أُريدَ لها أن تكون تأسيساً لمنجز نوعي كبير وجديد ولكنها حوصرت بالإمكانات المادية المحدودة؛ فصالة العرض كانت لمدرسة ثانوية تفتقر للإمكانات التقنية المطلوبة، من إضاءة و فضاء الركح وتفاصيل مهمة أخرى.  كما أن أغلب بروفات العمل كما يبدو كانت تجري في ظروف إنتاجية محدودة... وذلكم حال اشتغالاتنا المسرحية بعامة في الوطن والمهجر لظروف ليس من الضروري تسجيلها هنا منعاً لتشعب المعالجة وحذراً من ابتعادها عن مادتها الرئيسة..
نبدأ بديكور قحطان الأمين الذي تبنى السهل الممتنع حيث الواقعي يتحد بالرمزي وهنا سنجد أسواراً من سلاسل في فضاء الركح ومحاولة لصنع (السايك) في الامتداد.. وسنجد تلك السلاسل على أرضيته مع أرجوحة حياة وموت تتدلى بها الدمية رمز الضحية؛ يحوم حولها الجلاد.. إنّ تلك الأرجوحة محاولة لكسر سَكينة الضحية وصمتها التي لا يمنحها حراكها إلا مصدر من خارجها بإشارة ذكية لاستسلام (الضحية) و\أو أسْرِها من جهة وهول الإلغاء والهيمنة اللذين يقعان عليها من طرف الجلاد طبعا بمحيط أو بيئة تبقى مقيَّدة بسلاسل الاستغلال والاستعباد والإذلال.. وبذكاء سنجد اختيار صيغة في مجسمات الركح لصنع تعدد نسخ من شخصيتي الجلاد والضحية باستغلال الضوء والظل... إلى هذا الحد لا يغادر الديكورست بل يمنح تفاصيل أخرى للعرض مثل هراوة الجلاد من بين اكسسوارات تشكل ضرورات وحاجات في الاشتغال..
ولأن العرض يقوم على المونو والأحادية ومحدودية في الحركة والتنقلات المتاحة للظهور فإننا سنتحدث عن تفاصيل سينوغرافيا الجلاد والضحية بتلك من بوابة خدمة معالجتها بمحدداتها وما عرضت.. ولكننا سنشير إلى ما توافر من حركة محدودة وتفاعل مع البيئة وُفِّق الأداء في تشكيلها بين مواضع الفعل مشيرين لدرجة انسجامها مع البيئة بصرياً..
ولعل أبرز ذلك ما تجسد في الحركة الدورانية حول الأرجوحة والاقتراب والابتعاد منها وفي اتجاه الشخصية بحركتها ثم تفاعلها مع جدران رمزية الوجود هي (السلاسل المعلقة) ثم إسقاطات الإضاءة والألوان عليها باختلاف المشاهد فنحن أحيانا نجدها حمراء بمعنى وأخرى سوداء برمزية ودلالة مختلفة. إن ذلك هو ما منحنا تصورا إيجابيا طيبا بالخصوص..
هنا أعود لأذكّر بالإضاءة وتلك الألوان التي تتبدى في مشاهد الدم بما أوحى لنا به اللون المختار له عندما طافت الشخصية في ذاك الدم أو غرقت فيه في أثناء هدير خطاب التفجيرات وتمزق أجساد الضحايا ومن ثمّ نزيفها كأنهار وبرك من دمٍ، تجسيدا لحجم الكارثة وفواجعها...
لابد هنا من إشارة إلى اشتغال علي اللامي ومنجزه في المؤثرات الصوتية وفعلها الواضح في تسليط الضغط على المتلقي لنقله إلى فضاء الحدث وقد نجح بوضوح في ملء مهمته بدقة متكاملا مع الأغنية والترنيمات المؤداة في الخلفية أو من طرف الشخصية.. هنا كان أداء الفنانة ريهام صبري على الرغم من قصر حجمه وتحدد مداه، مميزاً في استحضار الصوت العراقي وعذابات الروح وأنينها، وهو يعْلق في الذاكرة لتلك العذوبة التي تبدى بها ولرخامة الصوت وسلامة الأداء الصوتي للحرف وإيقاعه باللهجة العراقية، لقد كانت حنجرة ممتلئة بمعزوفات آلات الإبداع والخلق الموسيقي متناغمة منسجمة مع اللحن ومع إيقاع العمل وتنقلاته الصوتية ومع طباع الانفعالات فيه...
وفي التجسيد المسرحي، لابد لي من التوكيد على نجاح الفنانين غسان العزاوي وميثم صالح في استيعاب الشخصية وفي التناغم معها وأداء مسارها بتفاصيل دقيقة من قبيل الإيماءات وحركة الأكف والأذرع والجسد وتنقلات الحركة الخارجية والتفاعل مع الديكور والاكسسوارات وفي السيطرة على الصوت وطابع دلالاته بعيدا عن الصراخ والبكائية، عميقا حيث مواضع التعبير عن الأحاسيس بطريقة تجسد كل نأمة وكلمة وعبارة بالصيغة أو الآلية التي توصل رسالتها سليمة.. أذكِّر بهذه المناسبة إلى أنّهُ ربما وردت (بضع كلمات) بغير موضعها، لكنها ظاهرة تحصل وتكون ابنة العرض ومساحة عطائه المخصوص.. لكن سبب إشارتي هذه يعود إلى أنّ بعض التغييرات في عبارات النص وصيغة أدائها قد تفضي إلى دلالات تتعارض والغاية الأبعد (استراتيجياً) للعمل كما اشرت بموضع آخر من هذه المعالجة وطبعا حصل هنا بهذا العرض أن جاء الممثلان بأداء أعاد العبارات إلى سياقات ما أراده بيان التنظير لهذا المنجز الجمالي المسرحي..
أثني على الإخراج التلفزيوني لحيدر فارس بخاصة في مواضع الكاميرا وتنقلاتها وزواياها، بما نقل الصورة المسرحية بسلاسة ودقة وربما بتطابق مع رؤية الإخراج المسرحي وتنظيرات سعى إليها كل من المؤلف والمخرج..
لكنني بسبب من محاولتي التركيز على العرض بعدما كتبتُ بوقت سابق عن النص، أحاول هنا بهذه المعالجة، الانتقال سريعا إلى الإخراج المسرحي متسائللا: هل تطابق مع النص؟ وهل استطاع تلبية التنظير الذي أطلقه المخرج نفسه في بيان أسماه (المونودراما التعاقبية)؟ بإشارة صريحة في البيان إلى سعيه لاستحداث جنس درامي بعمق فكري يعبر عن طابع العصر وما فيه؟
أحيل قارئي إلى أن من طابع العصر، بخاصة في ظل انتصار التكنولوجيا الحديثة في بلدان التقدم (التكنولوجي)، سمات تتجسد في طابع الروح الفردي والعزلة ودرجة السحق للبنى التقليدية لوجود الإنسان ومنها التكوينات المجتمعية من عائلة تقليدية ومن حلقات القرابة والصداقة وما أشبه، ليبقى كما أسلغت للتو، الإنسان الفرد بعزلته..
ولربما فرض هذا الطابع على الدراما التي وُلِدت في كنف المدينة وولادة الصراع المجتمعي أول مرة، جنسا جديداً، يقدم الموضوعي بـ(مزيد) من التقمص والتجسد الذاتي الفردي؛ حيث الإنسان بمطحنة الآلة الجهنمية.. فهل نشهد ولادة هذا الجنس عبر المونودراما الجديدة (التعاقبية) في تسمية بيانها الأول عند فاروق صبري منظّراً ومخرجاً منفذاً؟ مثلما عند نص المبدع صباح الأنباري؟؟
بقدر الممكن المتاح،  سأترك الموقف الفكري السياسي المجسَّد في رؤية المزاوجة بين الجلاد \ الضحية، لأركّز على الاشتغال على العمل الدرامي الجمالي وطاقات أدائه ومستوى تعبيره.. وأشير بدءاً إلى أنّ المخرج بعرضه هذا كان قد مزَّق المونودرامية  شكلاً عندما قدمها، بالتكافل مع الكاتب تطبيقاً لاستيلاد الجنس الدرامي الجديد، بتعددية استنساخ (الممثل) على الركح. لنقل: إنَّهما حاولا استنطاق الممثل الواحد باثنين بما اسمياه (التعاقبي) أي مونودرامي يعقب مونودرامي آخر يوحدهما الموضوع من جهة وطابع المعالجة التي تضعهما متكاملين في كينونة إنسانية واحدة..
ولكن، على الرغم من التمزيق المقصود أو الدفع بممثلين اثنين على الركح إلا أنّهما بقيا متناغمين كأنهما وجود واحد أو متحد مندمج إنهما محاولة لتقديم الصراع الداخلي في الشخصية عبر تجسيدهما باثنين هما وجهان لأحادية معنوية يُراد التحدث عن إسقاطاتها الفكرية البعيدة المختزنة فيها وعبرها...
لنلاحظ أن الاختيار قدم نموذجه، موحِّدا للجلاد والضحية بأسئلتهما تحت عنوان بنيوي دالّ هو:((أسئلة الجلاد والضحية)) وتلكم هي عبارة ستتعدد وتتوالد ولكنها تبقى بمرجعية لا تتناسل إلا من ذات الوجود وأحاديته أو وحدته الغريبة.
وفي هذا العرض بكندا، أونتاريو فــ: إنَّ أول ضربة إخراجية، هي تلك التي تبدأ مع دخول الجلاد إذ تولد معها نسختها الأخرى بصرياً على خلفية من ظلال لتتحد النسخة الظل مع دمية هي شخصية الضحية وكأن الضحية تولد بحركة الضوء الظل من رحم الجلاد أو من وجوده الموضوعي بصورة دلالية مشفرة في النسخة التي يتم إسقاطها على الشاشة المعدة في فضاء الركح..
أما لماذا الضحية في هذا المشهد تتجسد هكذا؟ فإن كلا من الكاتب والمخرج أرادا تنفيذ فكرة المونودراما المعبرة عن الإنسان بوجوده الجمعي الموضوعي بصيغة الإنسان الفرد الذي يتقمص هذه الكلية الشاملة للوجود الجمعي وبصيغة المونودراما النظيرة لعزلة الإنسان الفرد وما يعانيه من حال سحقه في إطار الانسحاق العام... وتوكيداً لأسئلتنا الاستطلاعية بشأن الشفرات والرموز نجيب عن تساؤلنا: لماذا (دمية) بقولنا: دمية إنما لرمزية ربما يراد بها كشف مقدار إلغاء الجلاد للضحية وهيمنته عليها بالمطلق وهنا لا تكون الدمية وجودا سلبيا بل إيجابا بمعنى الفعل الدرامي والمشاركة في بناء الحدث بصرف النظر عن المضمون المقصود قيميا أخلاقيا ولهذا قلتُ هنا (إيجابا) ولم أقل (إيجابيا) لأن اللفظ الأول أريد به الإشارة إلى كونها فاعلا ولا أتحدث عنها قيميا بما تدل عليه لفظة (إيجابيا)...

ومع انطلاق الفعل نتأكد من أن الكاتب والمخرج اختارا الإنسان الجمعي لا الفردي من عبارة الجلاد وهو يكلّم الضحية بقوله: "من آلاف السنين" وأنت تقبع تحت التعذيب ألم تكتفِ!؟ ألم تشبع!؟ في هذه اللحظات يؤكد أداء الممثل أسلوب النجوى وكأنه لا يتحدث إلى الآخر الضحية وإنما إلى وجودٍ بداخله ومنه وفيه في محاولة لتجسيد المونودرامية (دلالياً معنوياً) بصورة بنيوية...
لاحظوا معي عند مشاهدة المسرحية ستجدون أن الجلاد يحجب الضحية عن عين المتلقي وقد ظهَر هذا بالوقفة العمودية ربما بقصد أراد توكيد الهيمنة من صفة الجلاد في الوجود البشري على صفة الضحية في هذا الوجود المتحد.. ربما رأى تحليل دلالي إنها محاولة استبدال ولكنها محاولة تجسيد لمتناقضين يهيمن أحدهما على الآخر لتظهر ثنائية جلاد\ضحية في الشخصية الإنسانية وفي الوجود البشري بوحدة الأضداد في هذا الوجود...
في هذه اللحظة التي تصل ذروة من ذرواتها في الهيمنة يستفيد الكاتب والمخرج من لغة الأغنية (الخطاب الغنائي الذاتي) المأثورة بالتلاعب بكلماتها حيث اندماج السادي بالمازوخي بين الجلاد والضحية متحدين، وفي التمثيل نشهد روعة الأداء عندما يوظف هستيريا الضحك بالمشهد حيث ضحكة الجلاد ومعانيها غيرها عند الإنسان العادي المبتلى وهو هنا الضحية..
وفي خطاب الكلمة ستكشف مونودراما (أسئلة الجلاد والضحية) عن أسلوب الأول وكون كل شيء عنده عبارة عن صفقات فيدعو الضحية لعقد صفقة وبلحظة تالية يبدع في سينوغرافيا الظهور متنقلا بين السلاسل وهو يصرخ:  "ألتهمكم الواحد تلو الآخر" ضائعا بـ تيهٍ بين تلك السلاسل \ الجدران في فضاء الركح، وهنا سنشهد تقدم الضحية \ الدمية لتكون مشهديا في مقدمة المسرح وهو ما يُظهره التصوير التلفزيوني وكأنها في منطقة البروسينيوم متضخمة لأنها هي التي تختار الجلاد وهي التي تضعه في موضعه وفعله فكأنها تصنعه؛  فيما الجلاد يلتهم سلبيا في مضمون الالتهام وسلبا في موضع الفعل كونه مصنوع من طرف الضحية متَنَحٍ تجاهها و دمويته وقدراته في الفعل السلبي أخلاقيا هو سقوط وولوغ مصطنع أو دفع به إلى هذا الوضع فعل الضحية واختيارها... أما الضحايا التي يلتهمها فهي غير مرئية لأنها منسحقة ملغاة تماما بلا قيمة وليس وجودها أو رمزها في البروسينيوم إلا حال تضخم إيهامي بمنطق القطيع مغمض العينين فيما أراد أو هكذا افترض الكاتب والمخرج الإيحاء والدلالة عليه بهذه التركيبة القيمية..
لكن ليس بالضرورة بنائيا دراميا أن تكون كل العبارات دقيقة بمواضع ظهورها وتدخل في السياق الذي اخترنا النظر من خلاله إلى تلك المعالجة المونودرامية؛ فعبارة: "قلة خلصت من عندي اختارت المنفى" عبارة لا جدوى منها في سياق العمل وبنيته، إنها دغدغة لمشاعر المتلقي حيث مكان العرض خارج الوطن الذي ينتمي إليهي مبدعو هذا العمل... وهي ثغرة بنيوية ربما جرى تخليصها بعبارة حتى هذا الخلاص جاء برضاي يعني أن الضحية (العراقية) مطلقة الاستلاب ولا مجال لها لفعل بما ينسجم والدلالة الفكرية الأشمل في العمل..
ولابد من وقفة هنا أو على الأقل إبداء ملاحظة كما أشرتُ في أعلاه بشأن سلامة وحدة البنية الدرامية جماليا فكريا فلسفيا.

المشاهد التالية هي مشاهد سردية مشحونة؛ يتبادل الجلاد فيها دوره ودور الضحية للتعبير عن وقائع الحدث.. ومرةً يتيه في فضاء المسرح تعبيرا عن توهان الضحية ومرة يكون موجه الحركة بوصفه الجلاد متهِما جمهور القاعة بأنهم من ساهم في صنعه ثم استخدام المؤثرات بلحظة ذروة انفعالية وليس ذروة تولد من نمو الحدث وتبرير هذا قد يُسعفه كوننا بصدد معالجة مونودرامية الهوية والبنية..
إذن، ربما هذا ناجم عن طابع المونودراما في التعبير عن الاحتقان أكثر من تعبيره عن الصراع؛ لكن هنا يُنتظر من الوليد الجديد التعبير عن الموضوعي في الذاتي الغنائي بطريقة مناسبة وجعل حلقات الحدث متنامية..
بخلاف ما جرى بهذا العمل فلدينا وجهان لشخصية متحدة مندمجة من الجلاد والضحية تقدم الأولى أسئلتها بقصد الإيحاء إلى إجابات باتجاه حتى ينتهي مسار سردها وتجسداته لتبدأ الصفحة الثانية مجسِّدة لأسئلة باتجاه معاكس للضحية وننتهي حيث بدأنا، عندما ينقلب الاتجاه أو يعاود مساراً كأنه الحلقة تدور لتعاود اللقاء بالبداية ولكن بعد أن تكون شغَّلتنا بالاتجاه الواقع خارج الدائرة أو بعيدا عن السرد أي في موضع نكون نحن المتلقين فاعلين في وضع الإجابة لمجمل الأسئلة الملقاة علينا من الشخصيتين المنشطرتين عن وجود إنساني مندمج أو متحد..
قابيل يريد بعضا من هابيل فيما الضحية تتخلص من جثوم هابيل على وجودها برمته.. الجلاد يلتقط أغنية من عالم الضحية وعواطفه وانفعالاته حركت الروح لمن فارقتهم ليصبها في خطابه وتصير حركت الروح لمن عذبتهم وتبادل الأدوار واندغامها أو اندماجها هنا مقصود مثلما في كل مسار المسرحية المونودرامية إلى درجة وحدة الجلاد والضحية بطريقة لم ينقذها إلا المؤثرات الصوتية تحسم إقفال المشهد والانتقال إلى مشهد جديد..
وبانتهاء مشهد الجلاد (ومونودراماه) تظهر الشخصية الفعل على الركح ولكن هذه المرة بروح الضحية وأسئلتها بعد أن انتهينا إليها أعلى صوتا في نهاية المشهد السابق.. إن ولادة الشخصية بوجهها الجديد وجه الضحية (ومونودراما تعقب السابقة، تحدث من تمزيق الدمية وخروج الشخصية من شرنقتها، فينكسر الحراك الخاص بالضحية ليُنهي الجمود والسلبية وليصير هو الفاعل المهيمن على الحدث الدرامي.. ومجددا أؤكد بلا نمو يؤدي بنا إلى خاتمة فعلية متنامية متوالدة الحلقات بل بامتداد أفقي بأغلب مساره وربما دوران يعود بنا ليلتقي بنصفه الآخر قدريا بلا ثورة تغيير بل بفعل مشروط بتعايش سلبي مرضي مازوخي على الرغم من وجود عبارة ترفض أو تنفي هذا، لعل كل من الكاتب والمخرج أحسّا بما فرضه خطاب شخصيتيهما فأرادا نفي ذلك بتلك العبارة المُدخلة بلسان من خارج بنية الشخصيتين...
ربما أقول ربما حاول الإخراج التملص من طابع التكرار المونودرامي والمسار المنبسط أفقيا بوضع ضحكات التحدي للضحية بمواجهة ضحكات هستيرية  للجلاد وبوضع تحديات تعبيرية في أداء الممثل بالضد من استباحة أو استغلالٍ يقع عليه.. لكن المسار البنيوي يبقى مقفلا بالدائرة أو بخط الرجوع المقابل لتقدم الجلاد وهو خط قد يفضي إلى محو ما  وقع من الجلاد ولكنه لا يبني عالما بديلا بالتخلص من الأول وبناء عالم جديد مستقل حر، وهذا ليس سلبية.. لربما لأنه أراد ترك بناء العالم الجديد خارج دائرة النص ودائرة العرض في دائرة التلقي والوجود الاجتماعي الحقيقي حيث يكون الكشف عن الحقيقة في المنجز المسرحي (المونودرامي)  فرصة للتخلص من سكونية الفعل عند الضحية.. ربما! وهذه الربما أقصد بها الجمهور وليس النص ولا غايته ومعالجته!؟

تذكروا معي مشهد ألوان الدم فيما الضحية تطلب من آخر ما ربما من السجان \ الجلاد، تطلب مساعدته لينقذها: "طلعني ما أريد أموت" وتذكروا ايضاً: وضع الجلاد اختيار واحد أمام الضحية وهو ليس سوى اختيار الموت فأين الاختيار الآخر؟ هل نسيه الممثل أم تقصَّده الكاتب والمخرج!؟ كيف يمكن أن يكون اختر بين الموت و... وبين ماذا؟ لربما هناك تقابلات انقطعت عن استكمال مسار السرد وعن مسار بناء التوضيح الدرامي كاملا... أو لم تستطع الإيفاء بالإيحاء للمتلقي بما تريد سوى بانسحاق استسلمت له الضحية بلا خيار حقيقي..

ومجددا الغربة والعودة وعذاباتهما تدخل في النجوى وفي سرد مونودرامي على لسان الضحية، كأن أحداً يريد الإشارة إلى خيط يرتبط بالذين تخلصوا من الجلاد بالتوجه إلى المنفى ولكن لا روابط بنيوية حقيقية تعود على ما سبق أن مر في النص... هناك في إطار الأداء ومسار العرض استدعاءات لمشاهد من واقع الأقبية والسجون ولكن من دون ربط (بنيوي) بحسب ما تقتضيه الوقائع وتسلسلها بل هو استدعاء يستند إلى رابط واه هو رابط الموضوع أو وحدته بسلطانه الخارجي على البنية!

والنهاية الخاتمة تأتينا بلا صوت بل بصمت كما فلسفة الضحية المنسحقة والمستسلمة لذاك الانسحاق وطبعا ليس كما كان يُنتظر من ضرورة الإيحاء بأي افتراض وأي نداء قد تطلقه الضحية في الواقع ولهذا اكتفى كل من الكاتب والمخرج بنهاية صامتة تعود إلى السكينة والاضمحلال مكتفيا إذن هنا بمهمة الكشف عن تداعيات ومجريات السلب والإيجاب بالحدث والواقعة مجردين كما هما وليس بتقديم موقف قيمي أخلاقي أو نداء يتضمن ذلك.. إن كل من الكاتب والمخرج يتطلعان لموقف من شاهد مونودراما الحقيقة الوجودية لظاهرة الجلاد \ الضحية...
هناك في بنية النص ما كان مستهدفا في ثنايا متخفية وهنا في العرض بشيء من التملص من قيود النص محاولة أخرى وكلاهما تسعيان إلى إثارة المتلقي باتجاه رفض السكينة والوداعة ومهادنة الجلاد ورفض السلبية والاستسلام ورفض القبول بالنقيض مهيمنا يلغي وجود الضحية شخصية إنسانية تقف بتحد وباستقلالية.. ترفض السحق لكن من سيرفض السحق ليس ضحية مونودراما الأنباري وصبري ولكنهم المتلقين إذا ما أخذوا أو التقطوا الدرس كما أراداه..ولكن لماذا اختار صياح الأنباري وفاروق صبري ترك الخيار للجمهور ألأنهما يكرران أو يحملان فلسفة الضحية وانهما لا يريان أفق تغيير أم لتبنيهما مدرسة فنية بعينها. ذلك ما أترك الإجابة عنه هنا.
وبالعودة إلى البنى الجمالية؛ فلقد كانت مونودراما (أسئلة الجلاد والضحية) حفلة عرض مسرحي تنتمي إلى الذاكرة العريقة للمسرحية العراقية ومفرداتها ومن هذه الجذور الموحية نستنطق مضوموناً حاولت المونودراما به اختراق الهوية المحلية لتنتقل إلى الإنساني الأشمل في تغطية وجودنا وفي استيلاد منجز جمالي لفن ملتزم إنسانيا.. أما أية درجة من النجاح تحقق فيها فأتركها لكم مثلما تعرفت إليها في جغرافيا قاعة العرض وجمهورها الذي صفق لدقائق عديدة بتصريح أكَّد استقبالا مسرحيا حاراً دسم المادة، ما يجعل تركها لكم يؤكد نجاحا في المنجز سيتحدد مساره وحجمه ليس بعيدا بمستوى العمل نفسه وبمستوى الطرح التنظيري لجنس المونودراما التعاقبية الدرامي..
شكرا فاروق صبري مرات عديدة، للإخراج ولكل المنجز الفني المسرحي ومفرداته ولمحاولة استيلاد عمل بتنظير أثق أنه سيحظى باهتمام أكبر يليق بتجديده وبما يتطلع إليه من حجم مميز كبير وتأكد أن مسرح العبث المنسوب  للفرنسيين مطلع الستينات كان العاني قد قدمه بمسرحنا العراقي سنة 1949 وما سيولد من بنية مونودرامية جديدة بأي مسمى سيستقر عليه الوضع سينسب هذه المرة لأهله ومبدعه فلقد تغير الزمن ووسائط الاتصال والتفاعل المسرحي في عالمنا..
شكرا صباح الأنباري لمنجز جسد تصورا نظريا ووضع اللمسات الأولى لانطلاقة ستبنى تراكميا ولك قصب السبق والأولوية فيها...
شكرا لوعي التمثيل منهجا وأداء بعمق مدارسه ليقدم عرضا ممنهجا بروعة شكرا غسان العزاوي وميثم صالح..
شكرا لوعي المضامين وغنى الشفرات والرموز ودلالاتها في الديكور والمؤثرات الصوتية والإضاءة ولكل فريق العمل مبدعةً مبدعةً ومبدعاً مبدعاً...
أيها السادة لا يقدح في هذا المنجز أي ملاحظة نقدية سجَّلْتُها بل يتشرف بتعميد المنجز ويسعد بفريق العمل متكاملا حتى بمنتجي العمل وهم الجمعية العراقية الكندية في أونتاريو لأنهم المبادرون في تقديم العرض على الرغم من ظروف الإنتاج ومحدودية الإمكانات..
تحية لجمهور العرض الأول جميعا فلقد شهدتم حدثاً سيحتفي به المسرح المعاصر وإن كان اليوم مجرد وليد صغير إلا أنه من البذرة تنمو الشجرة وتولد الغابات سقف الحياة وفضاء وجودنا برمته جماليا بكل مضامينه ومعالجاته..
شكرا لقد أعدتموني مرة جديدة مضافة إلى تخصصي الأكاديمي والإبداعي وإلى اشتغال جمالي مستحق وسط انشغال بأولويات زمننا ومطاحن آلته الجهنمية.

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption