ندوة المسرح والذكاء الاصطناعي " الإضاءة المسرحية البديلة" المسرح العربي الدورة الدورة 15عمان 2025
مجلة الفنون المسرحية
د. عماد هادي
قد علمنا التاريخ بحقائقه الحتمية إن كل إزاحة وتحريك تبدأ بهرطقة فتكون ثورة وتنتهي واقعا جماليا جديدا يمتلىء بحقائقه ومعطياته كما في هرطقة (كوبرنيكوس) و (غاليلو غاليلي) و (مارتن لوثر) وهكذا هي الإضاءة المسرحية البديلة بمعطيات التقنية الرقمية كذلك هي تدشن واقعا جماليا مغايرا للتراث والمألوف وتترك بجمالياتها أثراً لإزاحةٍ بالغة في إستراتيجيات الذوق والتلقي الجمالي للعرض المسرحي.
لطالما شكلت الإضاءة المسرحية عنصراً حاسماً في بناء التجربة البصرية والوجدانية للعروض المسرحية، حيث تتجاوز وظيفتها الأساسية المتمثلة في إظهار الممثلين وتسليط الضوء على الحركة المسرحية لتصبح أداة قوية تعبر عن العواطف وتخلق المزاج وتصور الأفكار المجردة عبر رموز بصرية مؤثرة، والتي من خلالها، يمكن إيصال مشاعر التوتر والفرح والحزن والغموض، مما يجعل الإضاءة المسرحية جزءا لا يتجزأ من السينوغرافيا والإخراج الفني.
تقليديًا، كان تصميم الإضاءة المسرحية يتطلب خبرة عميقة وفهماً دقيقًا للأدوات المتاحة مثل المصابيح والفلاتر وزوايا الإضاءة، مع التزام صارم بقواعد فنية معقدة، فكانت هذه العملية تتطلب وقتا وجهدا كبيرين، مع قدرة محدودة على التكيف اللحظي أو الاستجابة للتغيرات المفاجئة أثناء العروض.
ومع التطور التكنولوجي المتسارع، برز الذكاء الاصطناعي كأداة ثورية أعادت تعريف دور الإضاءة المسرحية، ما أدى إلى ظهور مصطلح ما يُعرف بـ(الإضاءة المسرحية البديلة)، والذي يشير إلى استخدام تقنيات رقمية متقدمة تعتمد على تقنيات الواقع الافتراضي والمؤثرات البصرية التي تُحدثها أجهزة الإسقاط الضوئي (Data Show Projector)، لتحل محل الإضاءة التقليدية بطرق إبداعية وغير تقليدية، والتي يكمن جوهر اشتغالها في تجاوز الإعدادات الثابتة نحو ديناميكية أكبر وتفاعل حي مع العرض المسرحي، بحيث أصبح بالإمكان برمجة الإضاءة لتستجيب تلقائيا لحركة الممثلين وتغيرات المشاهد، مما يعزز التأثير البصري والدرامي للعروض، فضلا على ان التقنيات الذكية والمتمثلة بالإضاءة البديلة أتاحت التكيف اللحظي مع المزاج العام للمشهد من خلال ضبط الإضاءة بشكل يتناسب مع الرسالة الفنية المطلوب إيصالها، علاوة على ذلك، أحدث الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في تصميم الإضاءة من خلال المحاكاة الافتراضية التي تسمح بتجربة تصاميم الإضاءة داخل بيئات ثلاثية الأبعاد قبل تطبيقها فعليا على المسرح، وان هذا لا يساهم فقط في تقليل الأخطاء، بل يفتح آفاقًا جديدة للإبداع والتجريب الفني دون الحاجة إلى إعدادات مكلفة وطويلة الأمد، وبفضل هذه الإمكانيات التكنولوجية المتطورة، يمكن القول اليوم بان العروض المسرحية اصبحت قادرة على تجاوز الحدود التقليدية، حيث تتفاعل الإضاءة بذكاء مع العناصر السمعية والبصرية الأخرى كالصوت والحركة لتقديم تجربة متكاملة تغمر الجمهور في عوالم درامية مشحونة بالعواطف والمعاني. لم تعد الإضاءة مجرد أداة تقنية لإبراز الممثلين أو إضاءة المشهد، بل تحولت إلى لغة تعبيرية بصرية قادرة على إيصال الرسائل الفنية بأقصى درجات العمق والتأثير.
علاوة على ذلك، ساهمت هذه التقنيات في تحسين الجوانب العملية للإنتاج المسرحي، حيث أصبحت عمليات التثبيت والبرمجة أكثر بساطة ومرونة، مما يتيح للمصممين والمخرجين حرية أكبر في تجريب التكوينات الضوئية المختلفة دون الحاجة إلى إعادة ضبط مادية معقدة. كما أن الأنظمة الذكية المدمجة في الإضاءة الحديثة توفر تحكما دقيقا في توزيع الضوء وكثافته، مما يعزز من تأثير المشاهد المسرحية ويوسع إمكانيات الإبداع البصري.
من ناحية أخرى، يتيح استخدام التقنيات الحديثة تحسين استهلاك الطاقة بشكل كبير بفضل اعتماد أنظمة إضاءة موفرة للطاقة وقابلة للبرمجة الذكية، ما يساهم في تقليل التكاليف التشغيلية للمسرح ويجعله أكثر استدامة من الناحيتين الاقتصادية والبيئية، كما وأن إمكانية المحاكاة الافتراضية للإضاءة عبر برامج التصميم ثلاثية الأبعاد تتيح اختبار السيناريوهات المختلفة قبل التنفيذ، ما يقلل من الهدر في الموارد ويزيد من كفاءة الإنتاج المسرحي.
بذلك، يتحول المسرح إلى منصة إبداعية ديناميكية قادرة على التفاعل مع تقنيات العصر، متجاوزة القيود التقليدية للمسرح الكلاسيكي، فالإضاءة لم تعد مجرد عنصر تقني، بل أصبحت شريكا إبداعيا في صياغة التجربة المسرحية الشاملة، مما يفتح آفاقا جديدة أمام الفنانين لتقديم عروض مسرحية فريدة، غامرة، وملهمة تتحدى التوقعات وتجذب الجمهور بطرق لم تكن ممكنة في الماضي.
وختاما لذلك يمكن القول بان كتاب "الإضاءة المسرحية البديلة" يقدم رؤية ثورية لهذا التحول، مستعرضًا كيف انتقلت الإضاءة المسرحية من مجرد أداة تقليدية للكشف والإظهار إلى وسيلة إبداعية تمتلك إمكانات لا محدودة لتشكيل الفضاء الدرامي. فضلا على الكشف عن دور الإضاءة في إعادة تشكيل استراتيجيات الذوق والتلقي الجمالي للعرض المسرحي، مسلطًا الضوء على الإمكانات الهائلة التي أتاحتها التكنولوجيا في الفنون المعاصرة
لذلك جاء هذا الكتاب التنظيري التطبيقي على اربعة فصول:
الاول: التأسيس التقني للإضاءة المسرحية
الثاني: عناصر التصميم الفني في التقنية الرقمية
الثالث: خصائص المعالجة بتقنية الاضاءة المسرحية البديلة
الرابع: قراءات ومقاربات في تجارب التقنية الرقمية في الاضاءة المسرحية البديلة وهنا تم الاشتغال على ثلاث عروض مسرحية تم العمل بها بشكل قبلي أي بشكل تقليدي ومن ثم تم الاشتغال بعد ذلك باستخدام الاضاءة البديلة واشتغالاتها وانتهت التجربة الى استنتاجات مهمة وهي:
1. المعالجة بالبديل الضوئي تحقق ربحاً على مستوى الكلفة، والوزن، والحجم، والعمر الإفتراضي للجهاز
2. إختزال البنية التحتية للعرض المسرحي إلى الحدود الدنيا متمثلة بالبديل الضوئي، والأزياء، والممثل.
3. بمعالجات جهاز البديل الضوئي يتحول الفضاء المسرحي الإفتراضي وسيطاً تجريبياً، لتحقيق الفرضية الإبداعية بما تستدعيه من إقترانات، وشروط فيزيائية للواقعة المسرحية، إذ تحل الفرضية الإبداعية في فضاء لا متناهي الاحتمال معه تتصاعد طردياً فعالية التأويل.
4. بمعالجات البديل الضوئي أصبحت مرجعية العالم المسرحي على الخشبة منظومة من الإفتراضات بعد أنْ كانت مرجعيته الواقع.
5. يمتاز التصميم بالبديل الضوئي بالمرونة في إجراءات التصميم, والتعديل، والتنفيذ، وفق برمجيات مخزونة مسبقاً في الكمبيوتر.
6. تعدد الأنظمة اللونية في البديل الضوئي تمكن المصمم من الإفادة في مشاريعه التصميمية في بناء تصميمه الإبداعي بما يتيح من إنشاءات ضوئية عِدة في فضاء العرض المسرحي
7. ضبط الوحدة الإدائية للممثل بوساطة البديل الضوئي وأستمرارية حضوره سواء في العرض, أو التمرين (عند استعماله في التمرين) على مستوى الإيقاع الحركي، وبناء المشهد.
8. تسمح خصائص التقنية الرقمية في البديل الضوئي بتحقيق الإضاءة الملونة على وفق سلم واسع من التدرج اللوني, فضلاً عن التحكم بخصائص اللون بالإضاءة عن طريق صفتي السطوع والإبهار.
9. المعالجة التقنية بالبديل الضوئي تتيح كماً هائلاً من إمكانات التركيب المتعدد الوسائط للأشكال التفسيرية للثيمات الدرامية في ديناميكا الإحداث الدرامية.
10. إن المعالجة بالبديل الضوئي فيما يتعلق بالممثل وحضوره الحسي, نجد عدم تأثر الممثل بصريا بالـ(out focus) عند دخوله وخروجه من البقعة.
11. عند المعالجة بالبديل الضوئي يتحقق بديل الدِم في الإضاءة التقليدية عن طريق لون الضوء الأسود إذ بالإمكان التعرف على قطع الديكور والإكسسوار على خشبة المسرح في الدِم بالبديل الضوئي مضافاً إلى سهولة الحركة للممثلين والفنيين.
12. انَّ المعالجة بالبديل الضوئي بما تتيح من إمكانات التجسيد الحسي عبر معطيات التقنية التصميمية والتنفيذية تُمكن من خلق معادل سينوغرافي بديل عن الإنشاء السينوغرافي الحسي التقليدي.
13. حقق البديل الضوئي خصائص تقنية أتسمت بالمرونة العالية بالتصميم والقدرة على التعديل في الإنشاء الضوئي, فضلاً عن سرعة إجراءات التنفيذ والتعديل, وهو ما إنعكس إيجاباً على العلاقة الإبداعية ما بين الرؤى الإبداعية للمصمم والرؤى الإبداعية للمخرج من أجل تحقيق للتكامل
14.أنَّ البديل الضوئي الأكثر أماناً في المسرح بسبب انعدام تسليكات الكهرباء, ومن ثمَّ عدم حصول تماس كهربائي هذا من جانب, ومن جانب آخر أختيار الزاوية لا تؤثر على الجهاز البديل, ولا على السلك الوحيد الموصل به لتجهيزه بالكهرباء, كون الإضاءة المستعملة فيه باردة ومن ثمَّ فرصة إنعدام التماس الكهربائي تكاد تكون معدومة في حين في أجهزة الإضاءة التقليدية.
15. الإنشاءات الضوئية قد تحققت بتدرجات لونية واسعة الطيف باستعمال الألوان الرقمية متمثلة بصيغة نظام الـ(RGB) اللوني الرقمي إذ تضمن ثلاثة ألوان ضوئية بقدرة تعبير ضمن سلم قيمي من 255 درجة لونية مع القدرة على التحكم بمستوى وكثافة كل لون، وهو ما لا تستطيع تنفيذه حتماً أجهزة الإضاءة التقليدية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق