أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح في فرنسا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المسرح في فرنسا. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2020

"الثغرة".. مسرحية يفكك أبطالها الحلم الأميركي

مجلة الفنون المسرحية


السبت، 3 أكتوبر 2020

المسرح الفرنسي في القرن العشرين... مواجهات صادمة مع الوجود الإنساني

مجلة الفنون المسرحية
 

المسرح الفرنسي في القرن العشرين... مواجهات صادمة مع الوجود الإنساني

رضاب نهار

ثار المسرح الفرنسي على النمط الواقعي الكلاسيكي الذي سار عليه المسرح العالمي طيلة قرون

يقول الأديب الفرنسي يوجين يونسكو (1909 ـ 1994): "إن رغبة المؤلف في مسايرة عصره دليلٌ على أنه تخلّف عنه".

تلخّص عبارة يونسكو منهج مسرحيي القرن العشرين الفرنسيين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تغيرات مخيفة طالت كافة نواحي الحياة لدى الإنسان الحديث. وما كان منهم إلا أن أنصتوا بصدق إلى قواهم العقلية والروحانية، فأبدعوا أشكالاً مسرحية جديدة، لم تساير العصر، إنما قرأته بوعيٍ ثقافي وفكري وقدّمت نقدها الموضوعي لتحولاته ضمن منظومة متكاملة من العناصر الفنية غير التقليدية على الإطلاق.

ويعتبر مسرح القرن العشرين في فرنسا، منذ بدايته وحتى نهايته، مختبراً للتجارب الجديدة التي التفتت بحقّ نحو المعاناة الإنسانية بعيداً عن التراجيديات الكلاسيكية والقواعد الصارمة المحددة للمؤلفين. وفي حين نجد أن هناك ثمة اختلافات واضحة بين مناهج هذا المسرح، نؤكّد أنها جميعها ناقشت مفاهيم الذات، الهوية، التشظّي الإنساني الحاصل بغض النظر عن الأسلوب والطريقة.

وإذا ما تتبعنا أصول التيار الفكري الجارف الذي غزا المسرح الفرنسي والحياة الثقافية والفنية الفرنسية طيلة القرن الماضي، نصل إلى الثورة الفرنسية التي عزّزت حرية التعبير وحرّضت على الإبداع، إذ أطلقت العنان للفكر بالتمرّد على الكثير من القواعد والأطر الكلاسيكية المقيّدة لحياة الإنسان في ذلك الوقت. ولقد أدى التطور الاجتماعي والسياسي الناتج عن الثورة إلى إعادة النظر في النظريات الفلسفية المعنية بالوجود الإنساني والتي تمظهرت في عدد من التيارات الدينية والفلسفية منها المذهب الأرواحي الذي ثار على الرؤية الكونية الخرافية بقيادة الفرنسي آلان كارديك (1804 ـ 1869).

صيغ وقوالب جديدة تناسب المحتوى الجديد

لكن، وبالعودة إلى المسرح، فإن الجهد الثوري في الكتابة المسرحية الفرنسية قد بدأ عندما وجد الكاتب المسرحي نفسه أمام تحديات زعزعت أسس ومفاهيم القيم بالنسبة إليه. وصار مطالباً بخلق صيغ وقوالب جديدة تناسب المحتوى المتغير للأفكار التي أصبح عليها شكل العالم الجديد. وعلى الرغم من أن هذه التجارب الطليعية انتشرت في كل أوروبا، وفي مناطق أخرى من العالم، إلا أن البصمة الخاصة كانت للأيدي الفرنسية التي بدأت بالتغيير وبتكسير القوالب الجامدة وبخرق القواعد الأرسطية متجسّدةً في عدة تيارات فنية وفكرية ما زال تأثير روّادها من المسرحيين الفرنسيين حاضراً على مسرح اليوم في جميع أنحاء العالم، من بينهم صموئيل بيكيت، يوجين يونسكو، جان جينيه، جان بول سارتر، أنطونان آرتو وجان كوكتو الذي تلا في العام 1962 الرسالة الأولى لليوم العالمي للمسرح.

وكان من الملاحظ أن تلك التجارب التي ظهرت مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، قد تميّزت بالفكر العدمي، كالدادائية ومن بعدها السريالية التي أسسها الشاعر الفرنسي أندريه بريتون (1896 ـ 1966) كمذهب يستند على اللاوعي الإنساني أو على العقل الباطن. وهو ما جعل المسرحيات السريالية شبيهة بالأحلام التي يفقد فيها العقل الواعي سيطرته على الأحداث.

ولا نستطيع أن نذكر المسرح السريالي دون أن نذكر المسرحي الفرنسي ألفريد جاري (1873 ـ 1907) الذي فتح الباب أمام السريالية في مسرحيته الشهيرة "أوبو ملكاً" المكتوبة وفق المعايير الكلاسيكية المسرحية المعهودة، والحاملة في مضامينها ثورة ضد عبدة السلطة ومجانينها ومنهجاً فكرياً جديداً بين السطور. وبهذا قدّمت تهكّماً قوياً لراهن ذلك الزمن الراسخ تحت الأنظمة البرجوازية المتعفنة، معتمدةً على إبراز الأحلام والغرائز الإنسانية المكبوتة.

مواجهة أخرى للواقع نجدها في "مسرح القسوة" الذي أوجده الكاتب والمخرج الفرنسي أنطونان آرتو (1896 ـ 1948) ساعياً من خلاله إلى صدام مباشر وشديد مع الجمهور. وهنا لا نتحدث عن نصوص بقدر ما نتحدث عن عروض بصرية تلجأ إلى عناصر وأغراض وأفعال تُمارس على خشبة المسرح، وتسيطر عليها ثيمة العنف من أجل الوصول إلى ما أطلق عليه آرتو اسم "التطهير النفسي" عند المتلقي.

وآرتو الذي قضى أواخر حياته في المصحات العقلية، تأثّر بالسريالية بعد أن وجد الواقع المعيش بحاجة إلى تغيير في الأسلوب المسرحي. فلجأ إلى تطوير عناصر المسرح لتعبّر عن واقعٍ استثنائي خارجٍ عن المألوف، لا يعكس الحياة اليومية العادية لكنه مستوحى من معنى الحياة بحد ذاتها.

الجهد الثوري في الكتابة المسرحية الفرنسية بدأ عندما وجد الكاتب المسرحي نفسه أمام تحديات زعزعت أسس ومفاهيم القيم بالنسبة إليه

لماذا تمّ التخلّي عن الواقعية في المسرح؟

ثار المسرح الفرنسي على النمط الواقعي الكلاسيكي الذي سار عليه المسرح العالمي طيلة قرون. ولم يعد للوحدات الثلاث سطوتها على نتاجات المسرحيين الجدد. تغيّر مفهوم الشخصيات المسرحية وتبدّلت حواراتها بما يعكس التشظّي الكبير الذي بدأ إنسان القرن العشرين بتلمّسه في شتى نواحي الحياة وأصبحنا أمام تيار جديد يسمّى بـ "العبث" صاغه الناقد مارتن إسلين من مقالة كتبها الفرنسي ألبير كامو عام 1942 حول عبثية الموقف الإنساني.

جاء "العبث" نتيجة حتمية لما عاشه المجتمع الفرنسي والعالمي بعد خوض أفظع وأشنع المصائب التي تسبّبت بها الحرب العالمية الأولى ومن بعدها الحرب العالمية الثانية، حيث لم يعد هناك قدرة للتعبير بواقعية عن واقع مجنون يفتقر إلى أدنى معايير الإنسانية. وأصبح "الخرس" سيّد الموقف وأبلغ تعبير عن الخوف، الضياع، وغيرها من المشاعر السلبية التي جعلت الإنسان يتقوقع على نفسه وسط عزلة فردية منعته من التواصل السليم مع ذاته ومع الآخرين حوله.

ازدادت هذه العزلة مع الثورات الصناعية التي عملت على تعزيز الطبقات والفروقات الاجتماعية، فضلاً عن كونها حوّلت الجوهر الحقيقي للحياة الإنسانية إلى ماديات وبالتالي فقد الإنسان هويته وكينونته متحولاً إلى مجرد شيء لا يسيطر على مجرى الأمور. فبعد أن كان هو المحور الرئيسي للأحداث أصبح مفعولاً به لا أكثر ولا أقل.

ويؤكّد محمد عبد المنعم في كتابه "المسرح السياسي" أنه "حينما قامت الحرب العالمية الثانية، تركت آثارها المدمّرة في النفس البشرية، إذ تعتبر امتداداً للحرب العالمية الأولى فيما خلّفته بويلاتها من خراب وفوضى، فتراكمت الآثار السلبية للحربين العالميتين، وحدثت أزمة في الضمير العالمي تمثّلت في موجة من الغضب شملت الأنساق الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة. خاصةً وقد أنهت أمريكا الحرب بإطلاق القنبلة الذرية، فصارت الحياة الإنسانية كلها مهدّدة بخطر الإبادة الشامل، فضلاً عن استخدام السلاح النووي في عملية ابتزاز دولي متبادل بين الأطراف، فخيّم على العالم في ظل الحرب الباردة رعب نووي كامن، مما أصاب إنسان هذا القرن بالحيرة وتناقض الأفكار والعواطف، والتأرجح بين واقعه الجديد ومعطيات عالمه الداخلي، الأمر الذي شعر معه بالضياع وفقدان الثقة واليقين في كل شيء، فتمخّضت عن ذلك مذاهب فكرية وفلسفية عديدة، كانت لها انعكاسات واضحة في الأدب المسرحي كالوجودية مثلاً".. وأشهر روّادها الفرنسي جان بول سارتر (1905 ـ 1980) الذي وجّه نقده لأخلاقيات المجتمع مؤكّداً على الأدب الملتزم الموجّه نحو قضايا الحرية والتبعية وغيرها من المواضيع السياسية والفلسفية.

إذاً  وكما يرى عبد المنعم أنه وفي غمرة هذه الحيرة التي سيطرت على العالم بأسره، تصاعد شعور الإنسان في ذلك القرن بعبثية الكون والوجود، وعدم جدوى الحياة أو النشاط الإنساني، فالعدم يهدده ويتربّص له..

الشخوص المسرحية في مسرح "العبث" واقعية، بشرية من لحمٍ ودم لكنها تعيش وسط محيط غير معقول، يصعب تصديقه. تتصرف بعبثية وسريالية، لكل كلمة تنطق بها تأويلات فلسفية وجودية يمكن إسقاطها على ذلك الواقع المزدحم بعلاقات غير منطقية ولا يمكن حلّها. وغالباً نراها تعيش في دوامات لا منتهية،  وتواجه مواقف وأحداثاً غامضة ولا يمكن حلها، ومن الصعب التوصّل إلى تحليلات منطقية حولها، ما يعني أن العبث هو الثيمة والمنهج والأسلوب. فمن هو "غودو" في مسرحية "في انتظار غودو" للإيرلندي الفرنسي صموئيل بيكيت (1906 ـ 1989) ؟ هل هو شخص من لحمٍ ودم؟ أم مجرد رمزٍ له معنى وجودي أكبر من حرفية الكلمة؟ بالطبع نعم..

تمادت ثورة مسرحيي العبث على الواقع السائد بأفكاره التي لم يعودوا يؤمنون بها حتى طالت اللغة نفسها. فنصوص تيارات مسرح  العبث واللامعقول تعكس في عباراتها فقدان التواصل والتفاهم بين البشر، وتحيل إلى سخرية سوداء تحاكي التشاؤم الشديد في حقيقة الأمر. بالإضافة إلى أنها وصلت حد الفصام بدءاً منعناوين المسرحيات نفسها.. فلا وجود لمغنية صلعاء أبداً في مسرحية "المغنية الصلعاء" التي كتبها يوجين يونسكو  لتعبّر عن اغتراب وفصام الإنسان في الواقع.

التغييرات التي طالت الكتابة المسرحية، امتدت آثارها إلى خشبة المسرح حتى احتضنت كل العملية الإخراجية التي استحوذت مع ستينيات القرن الماضي على اهتمام أكبر تنحّت أمامه أهمية النص كأدب مقروء. لكن هذا لا يعني أن الأدب المسرحي اضمحلّ نهائياً وتراجع حتى مات المؤلف. فثمة نصوص كثيرة ما زالت تقرأ الواقع برؤية معاصرة، وتعكس في صفحاتها المفاهيم الحداثية الجديدة التي فرضتها العولمة وثورة الاتصالات والتكنولوجيا في فرنسا وكل العالم، وهي موجودة بقوة وبكثرة على الساحة الأدبية في فرنسا. لكن وتحديداً، فيما يخصّ القارئ العربي، فالمشكلة تكمن في ندرة الترجمة التي تحوّل النصوص الفرنسية الحديثة إلى اللغة العربية.

وقد التفتت الدكتورة ماري الياس الحاصلة على دكتوراة المسرح من فرنسا، إلى هذه الأزمة في كتابها "أنتولوجيا المسرح الفرنسي الحديث" الذي ترجمت في جزئيه مجموعة من النصوص المسرحية كتب معظمها في الثلث الأخير من القرن العشرين، مبينةً أن بعض ما تمّ ترجمته في الكتاب هو نماذج لما يمكن أن نسمّيه الكتابة الجديدة في القرن العشرين.

والياس الحاملة للسعفة الأكاديمية فرنسا عن مهماتها الثقافية، كانت قد أشارت في مقدمتها أنه من الصعب تأطير هذه النصوص في تيار، حيث أن الكتابة اليوم بشكل عام تحمل سمةً أساسية: هي التحرر من أية قواعد أو أعراف مهما كانت، ومنها قواعد العرض الأولي التي تفترض وجود الشخصيات المكتملة والحوار إلخ...

وأكّدت أن الكتابة المسرحية الفرنسية الغزيرة في هذه المرحلة لا تحمل صفات النسبية وعدم الاكتراث التي توسم بها كتابة ما بعد الحداثة. فهذه النصوص، وخلافاً للمرحلة السابقة لها، ويقصد هنا مرحلة مسرح العبث أو حتى مسرحيات بيكيت المتأخرة، لا تنفي وجود المعنى خاصة على مستوى التفصيل ولا تتجاهل متلقيها، على العكس تماماً إنها تطرح إشكالية التلقي على كافة المستويات. وهي من ناحية أخرى لا تدّعي أنها تملك منظوراً متكاملاً للعالم. بمعنى أن النص لا يختزل العالم أو المجتمع ولا يطمح لذلك.

إذاً فإن نصوص المسرح الفرنسي في نهايات القرن العشرين غير محكومة بمدرسة فنية كما حصل مع التجارب الطليعية في بداياته وفي منتصفه. إنها موجودة كنتيجة لرؤى شخصية، تعرض قصصاً وحكايات من الواقع المعيش فعلاً، وتتمحور حول مفهوم "الأنا" دون الإنقاص من أهمية إلقاء نظرة تفحصية لكامل المحيط من حولها، خاصةً وأن هذه "الأنا" تعيش ضياعاً كبيراً في عزلتها الفردانية المتناقضة مع مجتمع مزدحم.

وبدورها تحدّثت الكاتبة والباحثة ماري كلود هبرت في كتابها "المسرح" عن أن الحد الفاصل بين المسرح والرواية يكاد يختفي حالياً في الكتابة المسرحية الفرنسية. فالكتابة الدرامية المعاصرة تقترب من السرد الخالص، حيث يميل الحوار في بعض الأحيان إلى التلاشي. ونجد أنفسنا أمام مونولوجات كثيرة ما زالت تقترب من العبثية.

إلى أين؟

يستحضر المسرح الفرنسي في الوقت الراهن موضوعات وأفكار مختلفة من كل زمان ومكان. لكنّ كتابه غالباً يفضّلون التعبير من خلاله عن الأزمات النفسية للفرد التي تعكس أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية تخصّ العالم كله.

وعلى الرغم من عدم قدرتنا للتنبؤ بمصير النصّ المسرحي، من ناحية الشكل والمضمون، نستطيع التأكيد على استمراريته بوصف أدباً حياً وفناً لا يتلاشى أبداً..

قالت الممثلة الفرنسية إيزابيل هيوبرت في كلمة يوم المسرح العالمي للعام 2017: "المسرح لديه حياة مزدهرة يتحدى بها الوقت والفضاء، أغلب المنمنمات المسرحية المعاصرة يتم تغذيتها من خلال إنجازات القرون الماضية، جل الكلاسيكيات السابقة في المسرح تصبح حديثة وتبث فيها الحياة من جديد بمجرد إعادة عرضها مرة أخرى، المسرح يبعث من جديد من خلال رماده، يظل المسرح مُحيا من خلال إعادة تدوير أشكاله القديمة وتشكيلها من جديد".
--------------------------------------------
المصدر : INDEPENDENT عربية 

الأحد، 27 سبتمبر 2020

" عدوّ الشعب" مسرحية تعالج قضايا بيئية راهنة

مجلة الفنون المسرحية

السبت، 26 سبتمبر 2020

ارموند غاتي ..ضرورة المسرح / علاوة وهبي

مجلة الفنون المسرحية 
ارموند غاتي ..ضرورة المسرح  / علاوة وهبي

ارموند غاتي  شاعر وكاتب مسرح ومخرج وسنيماى فرنسي .من جيل  التمرد ومسرح  التحريض  ولد سنة 1924 في مدينة موناكو وتوفي سنة2017.
شارك غاتي في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال النازي والقي عليه تلقبض سنة1943 لكنه بطريقة ما تمكن من الهروب من المحتشد الالماني لينضم الي القوات الجوية الفرنسية سنة1944 وشارك بذلك في تحرير فرنسا من الاحتلال الالماني النازي.لعد انتهاء الحرب العالمية الثانيةعملةفي مجال الاعلام محققا وفي محال السنيما  وكتب وصور مجموعة من الافلام وحاز باحداها سنة1961جائزة في مهرجان كان. واهتم اكثر بالكتابة للمسرح وكان عليه مواجهة  الرقابة التي منعت الكثير من نصوصه ايام النظام الديغولي  ووزارة مالرو الثقافية وذلك بحجة طابععا السياسي التحريضي. اعمال غاتي المسرحية وحتي الشعربة لا بمكن فصلها عن حياته . ارموند غاتي الذي كان يؤمن بان المسرح ضرورة ويقول بان المسرح وجد ليجيب علي ما يجري في العالم ومن هنا عليه ان يجد اللغة التي تناسبه انه بشكل من الاشكال ولادة.
جاب غاتي في اطار عمله الاعلام اصقاع العالم وزار اكثر الاماكن اشتعالا بالثورات ومنها استمد اغلب موضوعات اعماله المسرحية. في خلال زيارة له الي غواتيمالا التقي باحد الشباب الثوار الذي قال له جملة اثرت فيه ودفعته الي تغيير اسلوب حياته وعمله وكتاباته .هذا الشاب الثائر الذي تم اعدامه بصورة وحشية ساعاتوبعد لقائه غاتي . قال لغاتي لائما(انتم  الغرينقو  واليانكي .كلماتكم تحكي ولكنها لا تقول. لا شيئ تقوله ابدا. انتم تلقون بكلماتكم هكذا  ولكنكم لا تجعلونها 
تحيا.)من هنا بدا غاتي يفكر. كما اكد ذلك في بعض احاديثه  بدا يفكر ويتساءل خاصة بعد مقتل هذا  الشاب الهندي الثائر تساءل غاتي  لماذا اكتب   وماذا اكتب واختار في النهاية  اختار ان يكتب بشكلوغير الذي اعتادةان يكتب به غيره من الكتاب في المسرح الاروبي. اختار ان يكتب عن الثورات والثوار  فتخلي عن شخصيات الدراما الكلاسيكية وتخلت شخصياتها عن مكانها لشخصيات دورها   الاساسي حمل النص  الثوري الي فضاء الجمهور.كل شيئ عنده اعيد فيه النظر. النص ..الفضاء.. الجمهور...الاصوات. لماذا(لان المسرح ضرورة فهو وجد ليجيب عن الاسئلة)
لم يكن غاتي يكتب ويمارس المسرح بهدف العرض لانه كان يرفض وبشدة فكرة تلعرض. وفكرة المتفرج المستهلك. فالمهم بالنسبة له هو العمل .ذاته .اي النص المكتوب وما يقوله  من خلال الملمة  الصوت  الجسد .الموسيقي. وبالاخص الفكرة.والفعل.(انها الواجهة بين الفرد وتلنص. انها تجربة وظعوة الي المعرفة والتعلم.)تعلمىلغة تسمح لكل فرد ان يكون سيد نفسه  ومان غاتي يسائل اللغة اكثر مما يفعل مع الكلمة يسائل معناها ذلك لان اللغة هي التي تسمح للفرد. الانسان ان يثور . ان يتمرد . وبانسبة لغاتي(فان الشعر والثورة يكملانةبعضهما فاللغة وسيلة وبهذه الوسيلة يتم اختيار المقاومة .والوقوف الي جانب النعذبين في الارض  المقهورين الذين طحنتهم تلة  الاستعمار او الديكتاتورية  اذ كلاهما وحه لعملة واحدة. واللغة وسيلة وعي .وعي بمن استولوا علي السلطة .لذلك بدا غاتي ومنذ 1970تجربة  الكتابة المختلفة . كتابة المسرحية السياسية التحريضية  من اعماله نذكر.
1 السمك الاسود1958
2..الضفدع1959
3.الخياة الوهمية لعامل النظافة اوجيست1962
4..اغنية جماهرية امام كرسيين كهربائيين ورجل واحد1963
5..ف. ثدمثل فياتنام1967
6..قبيلة كاركان في الحربضد من1974
7..اربعة شيزوفرنيين يبحثون عن وطن1975
8..المتاهة1982
9..لسنا شخصيات تاريهية1984
10..اغنية حب الاميين في اوشويتز1987
11..عبور الطيور للسماء1990 كل كل هذه النصوص وغيرها مما كتبه ارماند غاتي تنحو الي التحريض .تحريض الانسان المقهور  ان يثور ضد من قهروه ضد من اخذوا منه حريته .ضد من سلبوا منه وطنه ووطنيته . لكل هذه الطروحات الفكرية والسياسة التحريضية منعت السلطات الفرنسية بعض اعماله وهي الدولة الاستعمارية التي نهبت خيرات الشعوب واضطهدتها  وقهرتها وقتلت ابناءها من الثوار  لذلك كانت تري في اظانة غاتي لمثل هذه الاعمال ادانة لها هي.
مسرح ارماند  غاتي .هو مسرح ضرورة التغيير الساسي  نحو الافضل  ودعوة لحرية الشعوب  وادانة صريحة لكل اشكال الاستعمار واغتصاب الاوطان  وحق الفرد في الحياة   وفق نا يعتقده صالحا له  انه مسرح الضرورة  ولغة التغيير  المغاير لكل الكتابات المسرحية التي كانت  قبله .ولقد وجد هذا المسرح صدي كبيرا  عند الشعوب التي تحررت حديثا ووجدثةنصوص غاتي اقبال الفرق المسرحية علي تقديمها لانها كانت تجد ذاتها فيها خاصة في فترة الستينيات والسبعينيات  الفترة التي عرفت حصول دول عديدة علي استقلالها خاصة في القارة السمرا.افريقيا.

الأحد، 21 يونيو 2020

مسرحي فرنسي يتحدى الحجر بعرض أسبوعي على النت

مجلة الفنون المسرحية

مسرحي فرنسي يتحدى الحجر بعرض أسبوعي على النت


أبو بكر العيادي - العرب 


"امرأة حياتي" مسرحية من نوع التمثيليات النفسانية البوليسية، وروبير بلانيول رغم موهبته وأدائه المقنع كان يحتاج إلى ممثل ثان يسنده.

من المبادرات الطريفة لكسر الطوق الذي ضربه الحجر الصحي على العروض المسرحية، ما قام به الممثل الفرنسي روبير بلانيول، حيث أنشأ موقعا يعرض فيه أسبوعيا، مباشرة من بيته، آخر مسرحياته وهي بعنوان “امرأة حياتي”.

باريس – في انتظار رفع الحجر الصحي وإعادة فتح المسارح، قامت بعض المؤسسات المسرحية الفرنسية العامة والخاصة بعرض منجزاتها السابقة مجانا على مواقع خاصة، تتولى تجديدها كل ثلاثة أيام بأعمال أخرى.

أما روبير بلانيول فقد اختار أن يقدّم على الشبكة عرضا مباشرا من بيته، لهواة الفن الرابع، فأنشأ موقع directautheatre.com على منصة زوم  ليبث من خلاله عمله الأخير “امرأة حياتي” كل أسبوع، مجانا في البداية، ثم مقابل عشرة يورو، بطلب من المشاهدين أنفسهم، لتسديد حقوق المؤلف وأجور التقنيين الستّة الذين يشرفون على العرض من ألفه إلى يائه. والأوقات كما في المسرح مضبوطة، لا يقبل دخول المتأخرين. وأمام النجاح التي ناله، والإطراء الذي حظي به من النقاد خاصة في إذاعتي فرنسا الثقافية وفرنسا الدولية، دعا بلانيول زملاءه إلى الاستفادة من تجربته كطريقة لكسر الحجر الذي عطّل كل شيء، لأن العودة الفعلية لن تكون قبل يناير 2021.

“امرأة حياتي”، مسرحية من تأليف البريطاني أندرو باين صاحب سلسلة “المفتش برنابي”، وكانت قد عرضت أول مرة في مهرجان أفينيون عام 2008، بإخراج لجيل بانيي.

والجدير بالذكر أن بلانيول من الحريصين على نقل مؤلفات أندرو باين إلى الخشبات الفرنسية، فقد سبق أن تعامل مع بعضها مثل “سينوبسيس” و”سكواش” كمترجم وممثل.

أندرو باين هو من جيل يعمل على تجديد النص المسرحي البريطاني أمثال ديفيد غريغ، وغريغوري بيرك، وسيمون ستيفنز، وأنطوني نيلسون، وأليس بيرش، وأليستير ماكدويل، وسام هولكروف، ولوسي كيركوود، ومات هارتلي. وتتميز كتابته بتأكيدها على المنطوق، على غرار السيناريو الإذاعي أو التلفزيوني، مع تخيّر خطاب يجسده الممثل والإطار السينوغرافي.

روبير بلانيول تتميز كتابته المسرحية بتأكيدها على المنطوق، على غرار السيناريو الإذاعي أو التلفزيوني

هذه المسرحية هي من نوع التمثيليات النفسانية البوليسية، وبطلها فرنسيس هو رجل نشأ في وسط شعبي، وأسرة متواضعة، من أب عنيف يقسو في تربيته ويتوقّع له السجن، وأم زاعقة زاجرة مبتذلة سليطة اللسان. عندما يكبر تنقذه امرأة تعمل في حانة، وتعتني به فيحبها ويتزوجها، ثم ينتظرها بعد أن قاده الانحراف إلى السجن، فلا تأتي.

تنطلق حكايته عندما بدأ يعمل سائقا لعصابة من المنحرفين، فيعترف بأشياء حميمة سوف تكشف عن مواطن ضعفه. يسردها في نرجسية تامة، ليبيّن كيف كان ينهر رفاقه في الحيّ، ثمّ زملاءه في شتى الحرف التي امتهنها، بل يتحدّث بسوء حتى عن والديه، والإنسانية جمعاء.

بعد السجن، حيث انجذب إلى المطالعة وتعرّف من الكتب على كبار المؤلفين والفنانين وعرف معنى الأناقة، يتحدّث بدم بارد عن تفاصيل مهمّة كُلّف بها، ويستطرد أحيانا للحديث عن تلك المرأة التي ملكت حياته، ليبيّن تبعيته لها، وكأنه مدمن، ثم خضوعه لأبيه كنقطة ضعف أخيرة.

على مدار ساعة وربع الساعة، ورغم المسافة بين الممثل وجمهوره، ينفخ روبير بلانيول الروح في هذا المونولوغ الطويل، الذي يمتزج فيه المعيش البائس بالتراجيديا المعاصرة، ما خلق جوّا خانقا يتجلى في قسمات الممثل وحركاته وأقواله وينتقل إلى المشاهد.

وقد عبر بلانيول عن سعادته بوجود جمهور حقيقي خلف الشاشة، رغم أن التفاعل مع الجمهور الحيّ أساس العمل المسرحي، ما جعله يحسّ بأنه لم يغادر الخشبة، على حدّ قوله.

ولكن رغم موهبته التي لا تنكر، وأدائه المقنع، فإن العمل المقترح، الذي يتأرجح بين المسرح والسينما من جهة محتواه وإخراجه، كان يحتاج إلى ممثل ثان يسنده، ويكون بمثابة ظلّ للحاضر أو تذكّر للماضي، ليخلق نوعا من الصدى، وفصلا بين زمنين، ويحدث تغيرات مفاجئة تقطع رتابة العرض، وتفتح وضعيات جديدة.

ومع ذلك، كانت ردود الفعل فوق المتوقع، بل إن منتجة ومخرجا، بعد أن شاهدا العرض على الشبكة، اقترحا على بلانيول التفكير في تحويل النص إلى سلسلة، لما في النص من إمكانات تستجيب لسيناريو مسلسل تلفزيوني. ذلك أن هذا النص، البريطاني في سوداويته وسخريته المرة، يتميز بكتابة تجمع بين التحليل النفساني والأكشن، وتقبل التحوّل إلى عمل درامي تلفزيوني أو سينمائي.

بقي أن نقول إن “امرأة حياتي” هو أيضا عنوان شريط سينمائي فرنسي أخرجه ريجيس فارنيي عام 1986، وقام بأدوار البطولة فيه جان لوي ترانتينيان، وجين بيركين وكريستوف مالافوا، وموضوعه يشبه إلى حدّ ما موضوع مسرحيتنا، إذ ثمة امرأة تحاول أن تعيد إلى الجادة رفيقها سيمون عازف الكمان المدمن على شرب الخمر، ثم تهجره.

ولكن الاختلاف أن زوجة فرنسيس تغادر حياته بعد دخوله السجن، بينما تغيّر لورا طبعها بسبب غيرتها من بيير الذي استفاد من تجربته في ترك الكحول، ليدفع صديقه سيمون إلى الإقلاع عن تعاطيها نهائيا، إذ سعت عن غير وعي إلى إعادته إلى الإدمان من جديد، لأنها لم تقبل أن يشفى بفضل شخص آخر.

الأحد، 26 يناير 2020

العرض المسرحي "حكايات وأساطير": بناء الذات في عالم مستقبلي

مجلة الفنون المسرحية

مجلة الفنون المسرحية

الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019

المفكر الحداثي وطيف الكلمات والأشياء "لا نظام الخطاب" عرض مسرحي يستعيد واحدة من محاضرات المفكر الفرنسي ميشيل فوكو

الجمعة، 11 أكتوبر 2019

مسرحية (أورلاندو) لفرجينيا وولف: على مسرح الادويون في باريس

مجلة الفنون المسرحية



مسرحية (أورلاندو) لفرجينيا وولف: على مسرح الادويون في باريس

محمد سيف/باريس


تعيد المخرجة البريطانية (كاتي ميتشل) في هذا العرض، التفكير في المغامرات غير العادية لشخصية (أورلاندو)، التي تمثل إشكالية، في الأدب الروائي. إن الشخصية، مثلما تطالعنا الرواية، من بنات أفكار الكاتبة فرجينيا وولف. ولدت رجلا، وتحولت إلى امرأة، على متن رحلة الى تركيا، ذات صباح جميل من شهر مايو، فصارت مثل (كاتي ميتشل) التي تتأرجح بين المسرح والسينما. إن العرض بمثابة أرضية جميلة لهذه الرواية المحيرة، والتي تعلن من خلاله مخرجته، عن التزامها النسائي اكثر من محاولتها لإثباته. وهذا بحد ذاته ما يدعونا للتساؤل: هل ان هذه المخرجة البريطانية التي برزت في السنوات الأخيرة كشخصية مسرحية رئيسية على الساحة الأوروبية، لديها نمط أو نوع مسرحي خاص بها؟ لا سيما أنها تتساءل في أعمالها باستمرار عن وضع المرأة وتدين من خلالها العنف الذي تتعرض له. سواء كان الأمر يتعلق بعرضها (مرض وموت مارجريت دوراس) الذي قدمته على مسرح البوف دي نورد، أو عرض أسطورة (أورفيوس)، الذي يذهب إلى عالم الأرواح والجحيم ليحضر محبوبته (يوريديس)، على مسرح الكولين، وذلك باعتمادها على النسخة التي أعادة كتابتها المؤلفة النمساوية الفريد جيلينيك. فالمرأة في أعمال كاتي ميتشل، غالبا ما تكون في قلب اهتماماتها وقلقها المسرحي والإنساني. وشخصية أورلاندو، بالطبع، ليست استثناء.
يتم تحول شخصية أورلاندو من رجل إلى امرأة من دون ألم، ويكاد أن يكون هذا التحول مكتملا، وناجحا لدرجة أن الشخصية نفسها لا تشعر بالمفاجئة. وبطبيعة الحال، عندما يتغير جنسها، يتغير مستقبلها من دون شك، ولكن ليس شخصيتها. وبهذه الطريقة، يُستبدل اتفاقيا، الضمير (هو) على الفور، بالضمير (هي)، مما يُمكن الشخصية من العودة إلى ماضي حياتها دون عوائق، من خلال تسلسل شريط ذكرياتها. إن شخصية (أورلاندو)، عابرة للقرون، عاشت في عصر الملكة إليزابيت الأولى في بداية القرن التاسع، دون أن تتقدم في السن؛ إنها شخصية، لطيفة ولكنها في نفس الوقت معقدة، كانت رجلا ثم أصبحت امرأة؛ تعرف الأسرار، وتتقاسم نقاط الضعف في كلا الجنسين، تتغذى من ثنائية جنسها، ومن الماضي والحاضر، ومن توقها للحياة، ورغبتها في الوحدة والسعي وراء المجد من خلال الكتابة، وهي بالتالي، لديها أوجه عده.
تعتبر شخصية (أورلاندو) واحدة من أكثر الشخصيات غموضًا وإثارة للدهشة، والأكثر إغراءً جدًا، في الأدب الروائي. إنها نتاج خيال حر، تلعب مع وعلى جميع الحدود، تمارس الغواية، ليس لديها عمر محدد، تجذب النساء والرجال على حد سواء. ويمكن ان نقول عنها، عابرة للعصور. وتكاد ان تهرب أو بالأحرى تفلت كشخصية من جميع التصنيفات الاجتماعية، وقوانين الموت العادي، والقيود الجنسانية. استوحت الروائية فرجينيا وولف، قصتها من التاريخ المضطرب للشاعرة والروائية الأرستقراطية (فيتا ساكفيل ويست)، التي تنتمي عائلتها إلى اعلى الطبقات اللندنية النبيلة. تصور فرجينيا وولف في هذه الرواية، الأدب الإنكليزي الكلاسيكي، بشكل ساخر، من خلال استمتاعها بقص حياة شخصية (أورلاندو) المستحيلة، التي ولدت في عهد إليزابيت الأولى، في لندن الرطبة في القرن التاسع عشر، ليمتد وجودها إلى الوقت الذي يتم فيه نشر الرواية، في 11 أكتوبر 1928. وقد اعتمدت المخرجة (كاتي ميتشل) على فرقة (Schaubühne) المرموقة في مرافقة شخصية (أورلاندو) في رحلتها الطويلة، وشبابها الذي لا ينضب، الذي يمتد في هذا العرض، من عام 1928 إلى يومنا هذا. لقد أرادت هذه المخرجة في رؤيتها الإخراجية إعطاء هذا المتن الروائي، جسد مضحكا، وحساسا وقويا جدا، تعالج من خلاله القضايا الملحة للغاية المتعلقة بحقوق المرأة والعبور أو تحول الهوية وتغيرها. أليس هذا ما فعلته فرجينيا وولف، على وجه التحديد مع أورلاندو، عندما رسمت شخصية متعددة وتحت شكل حكاية خرافية؟؛ ثم أليس أن المذكر والمؤنث، مثلما تقول (ماري كلير باسكييه)، في المجلد الجماعي، الصادر عام 2014، عن دار نشر غاليمار الفرنسي: مقالات وروايات فرجينيا وولف، مجرد قطبين، وإن كل فنان عظيم هو ثنائي الجنس؛ وبالتالي، اليس هذا ما كانت تؤمن به وبقوة، فرجينيا وولف نفسها، ليس فقط من خلال حبها وعشقها، وإنما من خلال عملها ككاتبة أيضا؟
قامت المخرجة كاتي ميتشل بتكيف هذه الرواية الغريبة للغاية لجيل جديد من ممثلي فرقة Schaubühne البرلينية، وقد مزجت في عرضها الذي قدمته مؤخرا على مسرح الأوديون الباريسي، التمثيل الحي بالاصطناعي الفوري، بالسيرة المتخيلة لشخصية أورلاندو التي خلقتها فرجينيا وولف باعتبارها تحديا أدبيا. إن شخصية أورلاندو، في هذا العرض لا تموت، ونشاهدها وهي تقود سيارة بعد بضعة قرون في شوارع لندن، مثلما نراها وهي على متن طائرة، تغير جنسها بشكل غامض في الثلاثين من عمرها، بعد نوم طويل استمر سبعة أيام … نشاهد السيارة، والطائرة على شاشة خلفية معلقة في عمق أعلى خشبة المسرح، تم تصويرهما من قبل المخرجة، بالإضافة إلى العيديد من المشاهد الأخرى، كما هو الحال في مشهد شجر البلوط الذي يلهم الشاعر الذي هو أورلاندو. لم تكتف المخرجة هنا، كما هو الحال في كثير من الأحيان، بتصوير العرض الذي يتم عرضه على الهواء مباشرة، وإنما قامت بالتركيز على الكثير من التفاصيل من خلال اللقطات المقربة (الزوم)، والكشف عما يحدث في أروقة الكواليس، قدمت من خلاله تشريح رائع للأداء المسرحي والسينمائي معا. لا سيما ان هناك صور والأفلام قد تم تصويرها مسبقا، مما اعطى عمقا روائيا للتكيف المسرحي الذي اعتمدته المخرجة، وقد نشطتها أو بالأحرى أحيتها بلحظات محورية من الرواية، اشتبكت وتقاطعت، وتناسبت، في آن واحد بشكل جذاب ولطيف، مع لغة العرض البصرية، وخاصة في المشهد الذي تقرأ فيه الراوية أمام الميكرفون، وهي تطفو في الفضاء اللعبي، مقاطع طويلة من هذه القصة الغريبة التي تتحدث عن المتحولين جنسيا، عبر الفضاء والزمن.
إن خشبة المسرح، مثلما يطالعنا العرض، مجزأة بأماكن وأحداث مختلفة، شغلها باستمرار عشرات المصورين والتقنين، في وئام تام، خال من أي اضطراب: غرفة نوم، صالون طعام، مدفأة، وفضاء للمكياج والأزياء. وعلى أنغام خلفية موسيقية خافتة عميقة، يتتابع الممثلون من خلال أشرطة سينمائية تظهر بعضهم البعض في لقطات مقربة. بحيث كان الفيديو والمسرح في حركة ذهاب وإياب أضاءا العرض وأضافا، في أحيان كثيرة، حداثة إلى الخيال والكوميديا اللذين لجأت إليهما كاتي ميتشل في رؤيتها لمناخات الرواية. مستمدة ذلك من دون شك، من عوالم فرجينيا وولف، وتعلقها بالمسرح. وقد استولت هذه المخرجة، مثلما يبدو، هذا الشغف على أكمل وجه، وتجرأت على استحضار رواية تمتد أحداثها عبر الزمن، والفضاء، وقامت بتحديثها بشكل جيد عن طريق جعل بطلها (أورلاندو) يصبح بطلة سابقة دائما لوقتها؛ كائن عالمي، محايد، وشامل، يتحدث بدهاء، وفي ظروف غامضة، في آذان الجميع.
الدراماتورجيا والسينوغرافيا التي اعتمدتهما كاتي ميتشل تكادان ان كونا راديكاليين. لا سيما أن خشبة المسرح لم تعد مكانا للعب يتطور فيها وعليها الممثل وهو يتحدث بشكل مباشر وفوري ومجابه مع المتفرج. كان الممثلون يتوجهون بكلامهم إلى الكاميرات التي كانت تقوم بتصويرهم أثناء عملية منتجة الصور بشكل حي. مثلما كانت القصة المصورة صارمة ودقيقة للغاية ونابعة من قلب الحدث الذي يجري على المسرح بشكل مباشر. وهذا ما أتاح للممثلين ومساعدي الصوت، والمصورين، والمسؤولين عن الاكسسوارات، على بث ما يمثل من أحداث على الشاشة بشكل حي تقريبا. بحيث خلق تسلسل المشاهد المسرحية واللقطات وامتزاجها ببعضها البعض وهما بأن الفيلم الذي يعرض أمامنا قد تم تصويره من قبل، في الوقت الذي كان يمثل ويمتنج وينتج أثناء عملية التنفيذ، ببراعة تقنية مذهلة. خاصة وأن الجمال كان أنيقا والكوادر السيمائية دقيقة.
كان الممثلون، على خشبة المسرح يركضون وراء السيناريو، وإن (القص) في عملية المونتاج أصبح هو سيد اللعب، ولم تعد خشبة المسرح سوى وسيلة لدعم هذا التحدي التقني، الذي كان يمنعنا أو بالأحرى يحرمنا من مشاهدة ما يجري فوقها من أحداث بشكل كلي، إلا من خلال الشاشة. إن مشاركة ممثلين فرقة la Schauühne يمكن تصنيفه، إلى حد كبير، ككومبارس في مسرح مصور، -على طريقة كاتي ميتشل- الذي نادرا ما يعطى لهم فرصة الكلام بشكل مباشر إلى الجمهور. وعلى الرغم من التمكن والإتقان السينوغرافي والأدائي للممثلة (جيني كوينغ) والممثل الألماني (كونراد سينجر) وإدارتهما لشخصياتهما، اقتصر عمل مجموعة الممثلين بكليتهم تقريبا، على التوضيح الرئيسي لرواية فرجينيا وولف. وبين الصور المسجلة والمُصوَّرة على الهواء مباشرة، والمرتبطة مع بعضها البعض من خلال المونتاج الخام أحيانا، فإن الكل كان متعالقا مع الجمالية السينمائية الجديرة بمسلسل بريطاني في سنوات الثمانينات، ويكاد ان يكون بعيدا كل البعد عن طريقة عمل المخرجة (كاتي ميتشل) في مسرحية Schatten (Eurydike sagt)، التي قدمتها على مسرح الكولين الوطني، في عام 2018، الذي صورة فيه شخصية (يوريديس)، الأسطورية، كامرأة معاصرة تعيش في عصرنا الحالي، تحت نير وعبودية محبوبها (أرفيوس)، لأجل رسم صورة كاريكاتورية للرجل الذكوري المعروف باستيعابه الذاتي ورغبته في التملك؛ لقد صورة المخرجة رحلة (يوريديس) إلى عالم الموتى كهروب من الإهانة التي تعرضت لها على الأرض، وكوسيلة لاكتساب حريتها وتكريس نفسها للكتابة، بعيدا عن العالم. على عكس ما فعلت في عرض، Schatten (Eurydike sagt)، التي حولت فيه خشبة المسرح إلى استديو للتصوير، تتابع الكاميرات فريق عملها من الممثلين والمخرجين ومنشئي الصوت، في كل ركن من أركان المساحة التي صممتها. في تركيبة ابتكاري، كان بث الفيلم فيها مباشرا وتفاعلي مع اللعب الممزوج بما هو بصري، حلق عاليا، ومعرفيا، إلى حد كبير، بالكلمة، والكلام الخام الذي كان ملفتا للنظر. في حين أن شخصية (أورلاندو)، تصبح، في هذا العرض الذي نحن بصدد الحديث عنه، ومنذ الوهلة الأولى، بمثابة قفاز واقي لكاتي ميتشل.
أثبتت المخرجة البريطانية في الماضي، مرارًا وتكرارًا ذوقها للقضايا الجنسانية والأنواع التي غالباً ما تحب أن تطرق أبوابها. ففي أعقاب الفريد جيلينيك، وعملها على إعادة كتابة قصة (أورفيوس)، وعلاقته بمحبوبته (يورديس)، عرفت كاتي ميتشل، كيف تعوم بعكس التيار الأسطوري للأحداث، مثلما قامت تماما، بتحويل شخصية (السيدة)، في عمل (الخادمات) لجان جينيه، إلى رجل متخنث. فهي معتادة في اغلب أعمالها على التحيز الراديكالي، لكن يبدو أن هذه المرة شعرت بنوع من بالترهيب الغريب، فتركت نفسها عرضت للالتهام من قبل رواية فرجينيا ولف، دون القيام بأي مشاكسة مسرحية، إن صح التعبير.
كانت الرسومات الجدارية الحميمة والتاريخية التي رسمتها الروائية البريطانية فرجينيا وولف، من خلال السيرة الذاتية المحورة للشاعرة والروائية (فيتا ساكفيل ويست)، كافية لإعطاء المخرجة (كاتي ميتشل)، مقدار كبيرا من الحبوب القابلة للمضغ والعض، التي تجعلها على اتصال دائم مع القضايا الأكثر احتراقا. فهي تحكي على مدار أربعة قرون تقريبا، من أواخر القرن السادس عشر إلى بداية القرن العشرين، قصة شباب (أورلاندو)، الثنائي الجنس والحالم، الذي لم ينجح في العثور على مكانه في هذا المجتمع البطريركي، مما جعله يبحث فيه عن نفسه من خلال اللقاءات التي تبدو وكأنها هروب إلى الأمام. ومن رحلة إلى أخرى، ينام لعدة أيام، ويستيقظ ذات صباح قي جسد امرأة. لم يطرأ عليه أي تغير، ومع ذلك فإن مجتمع الذكوري يرسل له صور مختلفة ويمنحه مكانا مختلفا. وبين المرونة الرائعة والمحتوى الواقعي المفرط، نلاحظ ان فإن فرجينيا وولف، لم تعن كثيرا بشخصيتها، وإنما انصب جل اهتمامها على الشخصية التي خلقتها، ومغامرتها، وكيانها أكثر من سيكولوجيتها. في هذه الرواية الكبريتية التي تحاكي هذا الوقت، يحتل عنصر الروي دورا رئيسيا. بعيدا عن كونه حكواتيا بسيطا، فهو أيضا كان ممثلا، يضع نفسه على الخشبة ويقوم بتعليقات ساخرة بشكل منتظم إلى حد ما، على ما يجري حوله من أحداث.
لقد اختارت كاتي ميتشل هذه القواعد الأدبية الخاصة لتتولى أمرها بنفسها. ولكنها حبست الراوية كما في عملها (مرض وموت مارجريت دوراس) في شكل يشبه إلى حد كبير، جرت الراديو، وحملتها مسؤولية الكشف عن خيط القصة، كما لو لم يكن هناك ضرورة حقيقية للتكييف. إلا أن العملية في المسرح، تدار، دائما بشكل أصعب بكثير من الأدب. لا سيما ان كل شيء في هذا العرض، قد وضع، للأسف، من البداية على مسافة بعيدة من الجمهور، ولهذا جاء محفوفا بالمخاطر، وخاليا من القراءة الخاصة تقريبا، وليس فيه تحيزا واضحا، سواء للمسرح أو فن المسرحة.








--------------------------------------------------------------
المصدر : موقع مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي والمعاصر 

الأربعاء، 3 يوليو 2019

بيتر بروك في باريس يسأل: لماذا المسرح؟

مجلة الفنون المسرحية

بيتر بروك في باريس يسأل: لماذا المسرح؟
المخرج والمؤلف البريطاني يستعيد ذكرى ومأساة المخرج الروسي مايرخولد الذي أعدمه ستالين.

 عمار المامون

حاز بيتر بروك الذي بلغ هذه السنة عامه الرابع والتسعين على جائزة أميرة أستورياس الإسبانيّة، كواحد من أفضل المخرجين في القرن العشرين، إذ بدأ مسيرته كمخرج مسرحيّ منذ منتصف الأربعينات من القرن الماضي، ومازال حتى الآن مستمراً بالعمل، باحثاً في الأشكال المسرحيّة من أقصى الشرق حتى أوروبا، ومطوراً نظريته الخاصة في إعداد الممثل وتقنيات العرض ومفهوم المسرح نفسه، والأهم “الحقيقة” التي يحويها المسرح ويحاول إنتاجها.

يستضيف مسرح “بوف دو نورد” في العاصمة الفرنسية باريس مسرحيّة “لماذا؟” لبيتر بروك، التي يصفها بأنه محاولة لاكتشاف جدوى المسرح، سواء على المستوى السياسي أو الفنيّ والجمالي، مفككاً عناصر العرض ومسائلاً إياها، وذلك لرثاء وتكريم ذكرى المخرج المسرحي الروسي فسيفولد مايرخولد (1874-1940) الذي قتل ستالين زوجته، ثم اعتقله وأعدمه مُتهماً إياه بمعاداة أهداف الثورة البلشفية وانتمائه للتروتسكيّة، وكأن المسرح الذي وصفه مايرخولد بأنه كالديناميت أفقده حياته، بعكس صديقه مايكوفسكي الذي قرر الانتحار متحدياً السلطة السوفييتية التي كانت تهدده.

ندخل صالة المسرح لنرى سجادة وبضعة كراسي كعادة عروض بروك السابقة، حيث الديكور شديد البساطة، يلعب فيه ثلاثة ممثلين شخصياتهم الحقيقية مُرتدين ثياب التمرين الخفيفة، منتقلين بين أدوار صغيرة، ليخبرونا بداية أن المسرح هدية من الآلهة، أعطاها للبشرية في اليوم السابع من الخلق، لأنّ الناس أصيبوا بالملل، ليقول لهم حينها “ليكن هناك مسرح”، فكان المسرح كشكلٍ جمالي لتسليتهم.

 لكنهم وبعد شجار احتدم بينهم عن الشخص الأهم في العرض المسرحي سألوا الآلهة مرة أخرى أن تحدد لهم من الأهم: المخرج، الممثل، مدير الخشبة…الخ، ليكون الجواب في رسالة تحوي كلمة واحدة “لماذا؟”، الجواب الذي لم يعجب البشر، تركهم في بحث دائم عن أشكال جديدة للمسرح، ينقلنا إثرها الممثلون إلى بداية القرن العشرين وأشكاله المسرحيّة.
اطياف مايرخولد

أطياف مايرخولد
سؤال لماذا المسرح تكرر على ألسنة الكثيرين ممن عملوا به، ونهم مايرخولد الذي كان مُتحمساً للثورة البلشفية، وكان لديه حينها مسرحه الخاص وفرقته الخاصة التي تعمل فيها زوجته، والأهم أنه كان يطور شكلاً مسرحياً جديداً مأخوذاً بحماس الثورة، إذ أنشأ مسرحاً مفتوحاً للجميع لا تذاكر فيه ولا أبواب مغلقة، يتداخل فيه الجمهور مع الممثلين، الذين نراهم على الخشبة أمامنا يشرحون لنا آليات التمثيل المختلفة، والتمارين التي يقوم بها الممثل لخلق “الحقيقة” المسرحيّة، وجعلها قابلة للتصديق، لنختبر معهم كيف يعمل الجسد كالمحرك الأول للمعنى، يليه إدراك الذات لما يحصل.

 فنحن نخاف جسدياً أولاً كرد فعل طبيعي، ثم “نشعر” بالخوف، فالممثلون يشرحون لنا نظرية مايرخولد في البايوميكانيك وإعداده للمثل، ليصفوا لنا بعدها عروضه وكيف كانت تؤدى ويُبنى فضاؤها الغني بصرياً، دون أن نرى منه شيء، سوى ما يرسم في مخيلتنا إثر الأداء شديد الاحتراف والاتقان للممثلين، وكأن جواب من الأهم في المسرح يعود بصورة غير مباشرة للممثل، مولّد الحقيقة ومختبرها على الخشبة.

يخبرنا الممثلون عن مأساة مايرخولد، وكيف اتهم بالجاسوسية ثم قتلت زوجته واقتلعت عيناها، ثم يقرأون لنا من رسائله إليها ثم إلى القاضي الذي يخبره مايرخولد بأنه اعترف تحت التعذيب، ووقع اعترافات كاذبة بسبب الأذى الجسديّ الذي تعرض له، والأهم، نستمع إلى سؤاله عمن اتهمه بالجاسوسيّة، ولفّق له تهمة كهذه، ليتركنا الممثلون بعدها أمام سؤال محيّر: هناك حقيقة الممثلين كأشخاص، وحقيقة المسرح، و”الحقيقة” السياسيّة، لكن، أي واحدة منها قابلة للتصديق؟ ليترك الجواب لنا، نحن المشاهدين الذين ننسى أن نصفق بعد نهاية العرض لشدة التأثر.
يخبرنا الممثلون عن مأساة مايرخولد، وكيف اتهم بالجاسوسية ثم قتلت زوجته واقتلعت عيناها

ما يثير الاهتمام في العرض هو الصيغة التي اعتمدها بروك لتكوين مساحة اللعب، فالإضاءة على الجميع، لا فرق بين الممثلين والجمهور الذين يشاركون في العرض أحيانا، حين يشرح الممثلون لنا آلية عملهم داعين إيّانا إلى تقليدهم ومطرين على أداء البعض، هم يحدّقون بنا واحداً واحداً أثناء حديثهم عن صنعة المسرح، والمسافة بين الممثل وبين الجمهور، تلك التي تملؤها العاطفة المتبادلة بين الاثنين لخلق التصديق، لنرى أنفسنا أمام درس في التمثيل والأداء، يدفعنا لنسائل أنفسنا في حياتنا اليومية، كيف نكرر أفعالنا وردود أفعالنا بـ”طبيعية” وتصديق تام.

حتى لو وضعنا في ذات الموقف عدة مرات، أما الممثل الذي يتعامل مع الوهم، مضطرٌ لأن يكون مُقنعاً في كل مرة يعيد فيها عرض ما، مكرراً الحقيقة المسرحيّة دون خطأ أو سهو ينفي التصديق، هنا تأتي تساؤلات مايرخولد عن المسرح نفسه، بوصفه مساحة يشعر فيها المشاهد كأنه في بيته، كل من فيها “صادق”، في ذات الوقت مُتقن لدوره وحركاته، التي تخلق الوهم بالحقيقة، لنكمل نحن المشاهدين المعنى في عقولنا.

هذه التساؤلات عن “الصدق” على الخشبة تحيلنا إلى السؤال الأبرز في العرض، ما الخطأ الذي ارتكبه مايرخولد أثناء اللعب المسرحيّ ليستحق الإعدام، ما هو الخطأ الذي يمكن أن يودي بحياة مخرج مشهور حاز على وسام ستالين؟

في ذات الوقت، هل يمكن لنا نحن في حياتنا العادية أن نرتكب ذات الخطأ الغامض في ظل دكتاتوريات أنظمة تنتهك أجسامنا؟ أنظمة نحن فيها ضحية عنف بسبب أخطاء لا ندري ما هي، ما يدفعنا لـ”نكذب” في سبيل النجاة، كون “حقيقتنا” لن تحررنا، لأن “الحقيقة” التي تمتلكها السلطة مختلفة، وغير قابلة للجدل، وتكذيبها محفوف بالمخاطر.

--------------------
المصدر: العرب

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

"شروخ، صمت الرجال" مسرحية تدين التزمت الذكوري

السبت، 23 يونيو 2018

الفارس ذو الوجه الحزين مسرحية عن دونكيشوت معاصر

مجلة الفنون المسرحية

الفارس ذو الوجه الحزين مسرحية عن دونكيشوت معاصر

باريس - العرب 

المسرحية توظف صيغة بصرية تدمج بين السينما والمسرح، كأسلوبي سردٍ يحضران معا على الخشبة، وذلك للاستفادة من مميزات كل منهما لبناء الحكاية ومستوياتها.

 كيف يمكن الحديث عن  دونكيشوت في الألفية الجديدة، في ظل الفصام الرأسمالي، والسياسات القمعيّة، والخراب المتسارع للشروط الإنسانيّة، وكيف ستنتقل حكايته في عالم تطغى عليه التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعيّ، التي تتيح للفرد أن يكون بطلا أو أضحوكة في ثوان، التساؤلات السابقة تحضر في مسرحيّة “تحت جلد دونكيشوت”، التي تستضيفها خشبة مسرح المدينة في العاصمة الفرنسيّة باريس.

العرض من إخراج كل من ماتيلد وايرغانس وسامويل هرقل مؤسسي فرقة “لاكوردنيري”، التي توظف صيغة بصرية مميزة، تدمج بين السينما والمسرح، كأسلوبي سردٍ يحضران معا على الخشبة، وذلك للاستفادة من مميزات كل منهما لبناء الحكاية ومستوياتها؛ كأن نرى الممثلين على الخشبة يؤدون بأصواتهم ما يحصل على الشاشة، وأثناء سير العرض، نرى أن الممثلين يلعبون دورين مختلفين ومتزامنين، الأول آنيّ مسرحيّ أمام الجمهور، والثاني سينمائيّ خارج زمن العرض.

التقنية السابقة مرتبطة بطبيعة نص سيرفانتس، والعلاقة بين المتخيّل الهذياني الذي يعيشه دونكيشوت، وبين “حقيقته” كشخص، فالسينما بوابة نحو الأحلام وتحقيقها، في حين أن الخشبة، تختبر “الحقيقة” ومدى واقعيتها، فالعرض وليخلق الحس بالواقعيّة، يتبنى ذات التقنيّة الموجودة في النص الأصليّ؛ إذ يبدأ العرض بفريق العمل (الراوي) ومحاولتهم لإنجاز مشروع مسرحي جديد.

 وأثناء ذلك، تخبرنا المخرجة أنهم وجدوا صدفة صندوقا قديما يحوي سيناريو فيلمٍ غير مكتمل، لمؤلف مجهول التاريخ اسمه سيدي حامد بن علي، ذات الشخصية الوهمية التي يشير إليها سيرفانتاس، بوصفها التي قامت بتأليف حكاية دونكيشوت، هذه “الصدفة” هي التي تدفع الفريق إلى إعادة بناء حكاية الفارس الشهير بوصفه بطلا عابرا للأزمان.

تقوم الفرقة المسرحيّة بإنتاج السيناريو الناقص، وتحويله إلى فيلم ونص مسرحيّ، حينها نتعرف على بلدة مجهولة في الريف الفرنسيّ، يسكنها ميشيل ألونزو، الذي يعمل في مكتبة البلدة العموميّة، كموظف مسؤول عن تحويل مؤلفات القرون الوسطى إلى نسخ رقميّة، إذ نراه يقضي ساعات يومه صامتا، يقرأ وينضد الكتب وينسخها على أقراص ليزرية، تحت إشراف العمدة الذي يرغب في مواكبة العصر والنهوض بالمكتبة.

 لكن، وأثناء تأديته لعمله البيروقراطي والروتيني، يقع ألونزو في حب طبيبة نفسيّة ترتاد المكتبة، وتستعير دوما كتاب دونكيشوت، وفي ليلة رأس السنة، مطلع الألفية الثالثة، وإثر خطأ في الكمبيوتر، تبتلع الشاشة ألونزو، ليتحول إلى دونكيشوت، لنراه في أرض الخيال السينمائيّة، باحثا عن معشوقته، مرافقا إياه سانشو (عامل في المكتبة) الذي يساعده في مغامراته، وفي الدفاع عن شرف الفرسان والتصدي للبرجوازيين الصغار.

تتجلى أمامنا مأساة دونكيشوت تدريجيا، إذ يبدأ جنونه وأوهامه السينمائيّة بالتلاشي، ويبقى حبيس الواقع/ الخشبة، حيث ينعته الناس بالجنون، أما معشوقته، فغافلة عن مشاعره، ولا تعلم سوى أنه مريض نفسي، تحول إلى أضحوكة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وحين انتهى به الأمر في المستشفى النفسي، يقرر الأطباء أنه مصاب بكل الأمراض الهذيانية والفصاميّة التي يمكن أن تحضر في معاجم التحليل النفسيّ، مع ذلك فهو قريب من حبيبته التي تشرف على علاجه، ولا تدري أنه فارس من العصور الوسطى وأسير عشقها، تناوله الأدويّة يوميا، كي يعود إلى “عقله”، وممارسة حياته كميشيل ألونزو موظف المكتبة المسحوق، أسير اسمها وكلمات سيرفانتس.

الألفية الثالثة جعلت  دونكيشوت أضحوكة عالميّة، مأساته الذاتيّة وفصامه العرضيّ ملك للشاشات، في إحالة إلى سياسات الاستعراض، التي تستهدف مختلف أشكال النشاط البشريّ، مرضيا كان أم صحيا، هلوسة أم إبداعا، وتحوله إلى بيكسلات ونقاط ضوئيّة.

فما يهم هو الأسلوب العلنيّ، والسلوك الذي يجعل الفرد متاحا ليكون منتجا جديرا بالتبادل والمونتاج وإعادة التبادل، فالمسرحيّة تنتقد مفاهيم الصور واستنساخها اللامتناهي حد فقدانها لأصلها، فألونزو يحضر على شاشة السينما وخشبة المسرح ثم شاشات وسائل التواصل الاجتماعيّ، بوصفه عارضا لواقع متخيّل ووليد عطل في الكمبيوتر، خطأ تقنيّ يتكرر ويتحول إلى “حقيقة” لا أثر لها إلا على الشاشة، وكأنه تجلّ مادي للنوستالجيا المرتبطة بالألفية الجديدة، والحنين إلى زمن وعلاقات ماضية ولّدتها المخيلة ذات السيناريوهات غير المكتملة.

السبت، 30 ديسمبر 2017

معرض فرنسي يستعيد 3 قرون من التفاعل بين ثياب المدينة وأزياء المسرح

مجلة الفنون المسرحية

معرض فرنسي يستعيد 3 قرون من التفاعل بين ثياب المدينة وأزياء المسرح
أخفت سارة برنار ترهلاتها بجيوب كبيرة فصار فستانها موضة تقلدها النساء


 الشرق الأوسط


ينظم المركز الوطني الفرنسي للأزياء المسرحية حدثاً فريداً من نوعه يجمع بين ثلاث نظرات، فنية واجتماعية وتاريخية. إنه معرض يقدم لزواره مجموعة شاملة من أزياء المسرح والعروض الفنية، شارحاً علاقاتها بمصممي الموضة وتياراتها، وذلك لفترة طويلة تتخطى الثلاثة قرون: بين عامي 1700 و2015.

لأول مرة، يتناول حدث فني العلاقة بين ثوب المدينة وزي المسرح. وهو رهان المركز الوطني للأزياء المسرحية في مدينة مولان، وسط فرنسا، حيث يثبت المقولة الشهيرة «المظاهر خداعة». فاللباس لا يصنع الإنسان إنما الإنسان يتصنع به. وهو ما يستشفه الزائر الذي يتابع، بالصور، العلاقة بين المجتمع والمسرح والموضة وتأثيراتها المتبادلة، الواحد في الآخر، من خلال الألبسة والموضة والخياطة الراقية «هوت كوتور»، وذلك على فترات تمتد على 315 عاماً.

في السابق، كان هناك لكل عرض مسرحي مسؤول عن الملابس والإكسسوارات. ولاحقاً، راح عدد كبير من المسارح يلجأ إلى مصممين عالميين معروفين لإبداع أزياء خاصة لمسرحية معينة أو عرض فني أو أوبرالي. وهو ما يشكل تمريناً صعباً للمصمم، لا يكفي فيه بأن يترك لخياله العنان، إنما أن يأخذ اعتبارات عديدة في الحسبان. فالزي ينبغي أن يراعي حرية حركة الممثلين والراقصين والممثلات والراقصات، وألا يعيقها، بل على العكس يجعلها أيسر ويضفي عليها بعداً تشكيلياً يكون له مفعوله الإيجابي على الأداء المسرحي أو العرض الراقص. كما يفترض أن يتفاعل الزي بالشكل المطلوب مع الإضاءة لكي ينتج مزيجاً جميلاً يعزز المشهد. ويمضي المعرض لكي يشرح للزائر تفاصيل مهمة المصمم الذي يتحتم عليه اختيار القماش واللون بدقة، فضلاً عن إتقان التصميم في حد ذاته.

تقول كاترين جوان دييتيرل، مفتشة المعرض، إن القرن العشرين شهد تحالفاً جديداً بين خشبة المسرح وخشبة عروض الأزياء. وتضيف أن «العلاقة الشائكة والبديعة، في الوقت نفسه، بين عالمي المسرح والموضة هي ما استدعى عامين اثنين من البحث والتقصي قبل إقامة هذه المعرض. وقد تولى كل من الفنانين ألان باتيفولييه وسيمون توفار رسم فضاءات العرض والواجهات الممتدة على طول الصالات، وأغنياها بإيضاحات وتعليقات تتيح متابعة التفاعل الدائم بين عالمي الموضة والمسرح».

ولا تخفي مفتشة المعرض دهشتها إزاء كل ما أتى به المسرح من إثراء للموضة، مؤكدة أن مخرجي المسرح التزموا، لفترة طويلة، بتقديم شخصيات المسرحيات القديمة وهم يرتدون أزياء تناسب فترات تأليفها وعرضها. وتضيف: «كان المخرج يصر على مطالبة الممثلات بارتداء ملابس البلاط، حتى ولو لتأدية دور خادمة، وعليه كانت الأزياء على المسرح تشبه ما ترتديه في المدينة النساء البرجوازيات والأرستقراطيات». لكن علينا أن نتذكر أن من بين 30 مليون نسمة في فرنسا، آنذاك، لم يزد عدد من يرتدون تلك الأزياء الممسرحة على 300 ألف شخص. وقد كانت ثياباً مقتصرة على الفئات الميسورة. والمدهش أن تلك الفئات كانت، بدورها، تتصرف في الحياة الحقيقية اليومية وكأنها تلعب أدواراً مسرحية، وذلك للتباهي والتباري، لا سيما في مظاهر اتباع الموضة واستعراض الأناقة».

من المنظور التاريخي، يشير المتخصصون في تاريخ المسرح الفرنسي إلى أن جوستين فافار (التي عاشت بين سنتي 1727 و1772) كانت السبّاقة إلى إرساء مفهوم الزي المناسب للدور المناسب، بحيث انتعلت قبقاباً متواضعاً من الخشب لأداء دور فلاحة، وتنازلت عن الحذاء الجلدي الفاخر الذي كانت ستصرّ عليه أي ممثلة أخرى في تلك الفترة العائدة إلى النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وهنا، تعود كاترين جوان دييتيرل لتؤكد على التأثيرات بين المسرح والموضة والإعلانات، رغم أن هذه الأخيرة كانت بدائية في تلك الأيام، وبالتالي تداخل الفن مع التجارة والبيع والأعمال الحرفية. وتوضح: «كان يكفي أن تربط الممثلة شعرها بشريط وردي حتى تبادر النساء إلى تقليدها وإضافة شريط مماثل لتسريحاتهن. وهو أمر كان يساهم في إنعاش عمل الحلاقين وصناع الشرائط القماشية، وذلك مجرد مثال». ومن الأمثلة الأخرى، تقليعة الشعر القصير للنساء بخصلات لاصقة على الجبين. وهي موضة بدأت سنة 1792 في أوائل الحكم الجمهوري، وسميت «قَصّة تيتوس»، نسبة إلى الإمبراطور الروماني تيتو مثلما يبدو في التماثيل النصفية الكثيرة التي أنجزت له في أيام حكمه. هنا أيضاً، كان المسرح وراء شيوع الموضة، وبالتالي نرى جلياً أن العلاقة بين المسرح والمدينة متشعبة ومتبادلة وأشبه بحلقة مترابطة يؤثر فيها كل عنصر بالآخر، ويتأثر به بشكل متواصل.

ثم ظهرت سارة برنار، وما أدراك ما سارة. فبدءاً من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبتأثير من تلك الممثلة النجمة ذات المتطلبات الخاصة والنهج الفني المميز، بدأ المخرجون يلجأون إلى أزياء تناسب العصور التي يفترض أن أحداث المسرحية تدور فيها. وتقول مفتشة المعرض، وهي المديرة السابقة لمتحف الأزياء لمدينة باريس، إنها سعت إلى دراسة تطور العلاقة بين زي المسرح وزي المدينة، فاستنتجت أن الحالات الشخصية تؤثر أيضاً في تطور تلك العلاقة. فقد حدث أن فقدت سارة برنار رشاقتها بسبب مرض معين. وللتحايل على ترهلات جسدها، استنبطت زياً جديداً ذا حزام منخفض وجيوب عريضة في مستوى الصدر، لتمويه بروز بطنها. وسرعان ما شاع ذلك الزي كموضة للنساء استمرت لبضع سنوات.

يقدم المعرض سلسلة من الأزياء البديعة التي يحمل كل منها تاريخه مسجلاً بجواره، مع سرد مشوق لقصصها وطرائف دارت حولها. فمثلاً، هناك أزياء أبدعتها المصممة المعروفة كوكو شانيل سنة 1924 لباليه «القطار الأزرق»، الذي عُرض على «مسرح الشانزيليزيه» في باريس. لكن تلك الأزياء، على روعتها، لم تعتمد للعرض بتاتاً لكونها كانت ثقيلة تعيق حركة الراقصين والراقصات. وتمّ التخلي عنها وظلت «جديدة» لم تلمس جسد أي ممثلة. ويضم المعرض، أيضاً، ثوباً من الساتان والـموسلين، من إبداع المصمم بول بواريه (1879 - 1944)، تولى خياطته لزوجته الممثلة، مع تنورة أسطوانية الشكل حملت اسم «التنورة المنارة» بسبب هيئتها الهندسية. وهناك أزياء مسرحية لمصممين معروفين آخرين، منهم كريستيان لاكروا، وإيف سان لوران، وتييري موغلر، وكريستيان ديور، وجان بول غوتييه، إضافة إلى المصممين المتخصصين أصلاً في أزياء المسرح، من أمثال باتريس كوشتييه ويانيس كوكوس. ومن بين عشرات الفساتين المعروضة، لا بد أن يتوقف الزائر متأملاً ثوباً مدهشاً باللونين الأسود والأحمر القاني من توقيع ديور، كبير المصممين الفرنسيين عبر التاريخ، ارتدته الممثلة إيزابيل هوبير على خشبة مسرح «أوديون» الباريسي سنة 2011 لأداء دور في مسرحية «ترامواي» لكريستوف فارليكوفسكي.

الأحد، 17 ديسمبر 2017

المسرح في باريس هو باريس وهو وحده الحقيقة!

الثلاثاء، 25 أبريل 2017

تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية

مجلة الفنون المسرحية

تحفة سينمائية فرنسية... مهزلة مسرحية

باريس - نبيل مسعد 


توقع كثيرون ممن يتابعون أعمال فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الفرنسية الوطنية، أن تتغير بعض الأمور فيها إثر تولي الفنان إيريك روف إدارتها في منتصف عام ٢٠١٦، خصوصاً أن الأسلوب الذي ميز المديرة السابقة موريال مايات واجه على مدار أربع سنوات عشرات الانتقادات الحادة، خصوصاً لجهة قلة اتخاذ المبادرات الفعالة والاكتفاء بتكرار ما هو موجود مرات ومرات.
ولكن هناك ألف طريقة وطريقة للتجديد وتغيير المعايير، وتلك التي اختارها إيريك روف تدل حتى الآن على رغبة ملحة في كسر أكثر من الأسلوب الإداري الذي طالما ميز زميلته السابقة، فالمسؤول الجديد يطيح عبر الأعمال التي يقرر تقديمها على خشبة أعرق مسرح في فرنسا، كل الكلاسيكية التي يفترض وجودها في إطار فرقة كهذه استحقت مع مرور الزمن (٤٠٠ سنة) لقب «بيت موليير»، تيمناً بالكاتب الراحل جان موليير (1622-1673) الذي وضع أساسها في القرن السابع عشر، والذي دخل إلى التاريخ كواحد من أبرز المؤلفين المسرحيين في تاريخ البشرية/ حاله حال الإنكليزي وليم شكسبير.
وتأتي الكلاسيكية المكسورة بفضل إيريك روف، ليس في المسرحيات التي يقرر عرضها فحسب، ولكن أولاً من المخرجين الذين يسلمهم زمام تنفيذ هذه المسرحيات، والذين إذا تميزوا بعبقرية محددة صنعت سمعتهم في إطار المسرح الحديث، فإنهم يديرون ظهرهم في شكل كلي لما هو تقليدي ويفضلون اعتماد منحى «جنوني» في إدارة الممثلين وطريقة استخدام مساحة الخشبة والديكور والعنصر الصوتي أيضاً.
وآخر مثال على ذلك، يتلخص في دعوة إيريك روف المخرجة المسرحية البرازيلية كريستيان جاهارتي إلى تقديم مسرحية مقتبسة عن الفيلم الفرنسي الكبير والمعروف عالمياً والذي يدرس في معاهد السينما حتى في الولايات المتحدة الأميركية «قاعدة اللعبة» La Règle du jeu، من إخراج جان رونوار في مطلع الأربعينات من القرن العشرين. والفيلم معروف بالنظرة القاتمة التي يلقيها مؤلفه على المجتمع البورجوازي الفرنسي الذي يعيش الحرب العالمية الثانية من دون أن يدرك أنه يشهد نهاية عالم سيبتلعه الظلام.
ولم تعثر كريستيان جاهارتي على طريقة لتفتتح مسرحيتها سوى تكريسها نصف ساعة لعرض فيلم سينمائي في قاعة مسرح «لا كوميدي فرانسيز» على شاشة ضخمة، هو مجّرد إعادة بأسلوب فني حديث للفيلم الأصلي «قاعدة اللعبة» وبممثلين جدد هم أفراد فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الذين سيظهرون عقب الفترة المذكورة فوق الخشبة وكأنهم قفزوا من الخيال السينمائي إلى الواقع المسرحي، أمام الجمهور في الصالة.
ولكن ما فائدة هذا الفيلم أو هذه المقدمة السينمائية بمعنى أصح، إذا علمنا أن المتفرج الباحث عن «قاعدة اللعبة» في حلته السينمائية يقدر على مشاهدته أينما شاء في الصالات بما أنه لا يزال يُعرض في نواد السينما، أو بواسطة الوسائل الحديثة المتوافرة؟ وعندما يتحول العرض في ما بعد إلى عمل مسرحي بحت، يروح يروي أحداث العولمة التي تعيشها المجتمعات حالياً ساعياً إلى العثور فيها على البؤس البشري الذي طالما واجهه العالم في أيام تنفيذ فيلم رونوار.
ويغادر المتفرج قاعة «لا كوميدي فرانسيز» من دون أن يدرك ما الذي حدث على مدار ساعتين كاملتين، وماذا كانت الحبكة، ولماذا حل الصوت العالي إلى درجة قتله كل ما قد يشبه الانفعال، مكان الحوار العادي الذي يسمح بحسن إدراك المعاني. ويسأل المشاهد ما علاقة التحفة السينمائية «قاعدة اللعبة» بالمهزلة التي يسمح إيريك روف بعرضها في المسرح الذي يديره والتي لا يتذكر المتفرج من حسناتها في النهاية إلا فرقة الممثلين البارعين المظلومين، وعلى رأسهم المغربية الجذور سوليان إبراهيم.

--------------------------------
المصدر : الحياة 

مسرحية «لوكريس بورجيا» تستعيد «أنوثتها»

مجلة الفنون المسرحية

مسرحية «لوكريس بورجيا» تستعيد «أنوثتها»

باريس - نبيل مسعد 


كان الموسم المسرحي 2015 - 2016 فوق خشبة «لا كوميدي فرانسيز» (المسرح الوطني الفرنسي) قد شهد عرض أحد أنجح الأعمال التي قدمتها هذه الفرقة في السنوات الخمس السابقة، وهو «لوكريس بورجيا»، المسرحية التي ألفها الأديب الفرنسي الراحل فيكتور هوغو والتي اختار المخرج دوني بوداليديس أن يقدمها في حلة استثنائية بعيدة كلياً عن الكلاسيكية التي عادة ما تميز مؤلفات هوغو.
وأتت الهامشية من وراء قرار بوداليديس منح دور بطلة المسرحية لوكريس بورجيا وهي امرأة صاحبة نفوذ تُمارس الديكتاتورية في كل مجالات حياتها، متجاهلة إنسانيتها ومستعدة لارتكاب أبشع الجرائم حتى في حق أقرب المقربين إليها، إلى الممثل غيوم غاليين بينما أسندَ شخصية الأمير الشاب دي جينارو إلى الممثلة المغربية الجذور سوليان إبراهيم.
وفور الإعلان عن الحدث، حجزت الأماكن لستة شهور مقبلة في أقل من أسبوع من تاريخ طرحها للبيع. وانقسمت الآراء حيال أداء غيوم غاليين لشخصية بورجيا واضعاً جانبه الذكوري القاسي في مقدم الساحة، وإن كان قد ارتدى ملابس نسائية، فجسّد امرأة مجرّدة من أدنى درجات الأنوثة أو مشاعر الأمومة.
كما تساءل الجمهور عن طريقة تمثيل سوليان إبراهيم الناعمة دور الأمير دي جينارو. وأبدت الغالبية رضاها عن مبادرة المخرج بوداليديس معتبرة إياها في محلها بل أكثر من ذلك، بما أنها شكلت خطوة جريئة للغاية في مسار فرقة «لا كوميدي فرانسيز» الذي تميزه الكلاسيكية. وهناك فئة ثانية رأت في الحكاية حيلة دعائية هدفت إلى تحقيق «تقليعة» غير جديرة بسمعة الفرقة الوطنية أو مكانتها لا أكثر ولا أقل.
حققت المسرحية نجاحاً لافتاً، ولكن بعد تولي الفنان إيريك روف مسؤولية إدارة الفرقة أخيراً، استدعى المخرج دوني بوداليديس لإبلاغه بضرورة إعادة تقديم المسرحية، شرط إستاد الدور النسائي إلى لسيدة والدور الذكوري إلى رجل، على أن يبقى هو المخرج.
وبرر روف موقفه بحجة بسيطة لا تتعدى كون فيكتور هوغو من أكثر المؤلفين تقليدية ورومانسية في كتاباته وأن أبسط الواجبات تجاهه تستدعي الحفاظ على هذه المقومات والامتناع عن المساس بها.
وافق بوداليديس على إقتراح، بل على أمر رئيسه، وراح يعيد إخراج «لوكريس بورجيا» من الألف إلى الياء مختاراً هذه المرة الممثلة إلزا لوبوافر لأداء شخصية بورجيا، ومن ثم الممثل الشاب الداخل حديثاً إلى الفرقة الوطنية غاييل كاميليندي لتقمص الأمير دي جينارو.
وبدأت العروض الجديدة المستمرة حتى نهاية أيار (مايو) المقبل، وهي تلاقي بدورها رواجاً. غير أن البعــض يعـــتبر إلزا لوبــــوافر أكثر خــشونة من غيوم غاليين، وغاييل كاميـــليندي أكثر نــعومة من سوليان إبراهيم، بمعنى أن العرض خسر في نظر هؤلاء من قوته في ما يتعلق بتسليط الضوء على الخيط الرفيع الذي يفرق بين جنس وآخر.

--------------------------------------------
المصدر : الحياة 


الاثنين، 17 أبريل 2017

طاعون يجتاح باريس

مجلة الفنون المسرحية


طاعون يجتاح باريس

عمار المأمون 

مسرحية 'حالة حصار' لألبير كامو تعكس ظاهرة الدكتاتورية وأنظمة الهيمنة المرتبطة بها إلى جانب اكتساح الأنظمة الرأسمالية البيروقراطية التي تتسلل إلى كل تفاصيل حياتنا.

عُرضت مسرحية "حالة حصار" للفرنسي ألبير كامو أول مرة عام 1948 إذ كتبها متأثراً بـ"جورنال سنوات الطاعون" تأليف دانيل ديفو، كما نراه يشير في مقدمة المسرحية إلى أنها ليست اقتباساً عن روايته “الطاعون”، لكن حينها لم تلق المسرحيّة نجاحاً باهراً بالرغم من أن كامو استخدم العديد من تقنيات العرض المسرحيّة حسب ما يشير هو في مقدمة النص.

حالياً يشهد مسرح “تياتر دو فيل” في باريس عرض “حالة حصار” السابقة، إخراج إيمانويل ديمارسي موتا، وفيه نعيش تجربة مرعبة مع طاعون يجتاح المدينة ضارباً أساسها ومفتتاً بنيتها ليعيد خلق نظام دكتاتوري بيروقراطي يزعزع الحياة في المدينة وعلاقات سكانها، مغرقاً إياهم في الوباء الذي ينتقل بينهم باللمس وعبر الهواء، ليغرق سكان المدينة في صراع جوهره الخوف من العدوى ومحاولة النجاة من نظام يطلب منهم ورقة رسمية ليبرروا فيها "سبب وجودهم"، وإلا سيكون مصيرهم الموت.

يبدأ العرض دون أن ندري، إذ نرى أحدهم يحيّي الحضور، ثم يدعوهم للرقص، مع شاشات في الأعلى تصور من يرقص، ليتوالى ظهور الممثلين من بين الجمهور أو دخولهم من البهو، وكأننا في أمسية لطيفة في مكان عام، فجأة تعلو صفارة الإنذار، وتبدأ الرسائل بالظهور على الشاشة "إنها نهاية العالم" و"إنها نهاية مدينتنا" لنشهد نوبة فزع تجتاح الجميع لجهلهم بما يحصل.

المدينة تغرق في بيروقراطية دكتاتورية لنرى الشخوص تنهار تحت وطأة ما يفرضه عليهم الطاعون، ومع ازدياد وطأة القمع تبدأ هذه الشخوص بالكشف عن وجهها الحقيقي
بعد حالة الرعب التي تنتشر بينهم يدخل "الطاعون" مُشخصاً أمامنا معلنا سيطرته على المدينة ومطالباً بالسلطة، لتبدأ بعدها سلسة من الأحداث المفزعة إثر الهيمنة التي يمارسها عليهم مع مساعدته والتي تجعل حتى الحب مستحيلاً بين العشيقين دييغو وفيكتوريا، إلى جانب فشل محاولات الهرب من المدينة، فالطاعون نهاية يترك الخيار لدييغو إما أن يموت وتعود حبيبته للحياة ويرحل عن المدينة أو أن يبقى حياً وتموت حبيبته.

تغرق المدينة في بيروقراطية دكتاتورية لنرى الشخوص تنهار تحت وطأة ما يفرضه عليهم الطاعون، ومع ازدياد وطأة القمع تبدأ هذه الشخوص بالكشف عن وجهها الحقيقي، فعمليات التطهير التي تتم للمصابين تجعل الخوف يسيطر على الجميع، فالوسم بالموت الذي يمارسه الطاعون يعني فناءهم وانصياعهم الكلّي له، إلى جانب الخوف من العدوى الذي يفتت العلاقات بين السكان، فالخوف هو العاطفة البشريّة الأشدّ تأثيرا في النفس إذ يزعزع إيمان الجميع، فالكل يتصرف على أساس الخوف ويحاول الفكاك منه، بالرغم من ذلك نراهم يحاولون التحايل في سبيل قبول الوضع الجديد وتقبّل الطاعون بل وينصاعون لأنظمته البيروقراطيّة ولمنهجيات السيطرة التي يقوم بها، حيث يغرقهم بالأوراق الرسمية مستحيلة التحقيق، مع ذلك نراهم في ضائقة يتجنبون المواجهة المباشرة بل ينصاعون بشكل مهين للنظام، لكن ذلك ينتهي بمجرد أن يبدأ دييغو الثورة ضد الطاعون والخيار الذي وضعه أمامه.

تعكس المسرحية الكثير من الظواهر المنتشرة في عالمنا الآن والتي تتمثل بالدكتاتورية وأنظمة الهيمنة المرتبطة بها إلى جانب اكتساح الأنظمة الرأسمالية البيروقراطية التي تتسلل إلى كل تفاصيل حياتنا، فالطاعون حين يجتاح المدينة يدّعي أنه يريد إعادة النظام إلى الفوضى العارمة التي أمامه، فهو يؤسس لسلطة إدارية وقوائم وأوراق وإحصائيات تكمّم كلّ ما هو بشريّ وانفعاليّ.

لكن يبق السؤال هل هذا الطاعون داء غريب عنا؟ أم هو نتيجة لأفعال الإنسان نفسه؟ فالنص كتب بعد الحرب العالمية الثانية والفزع الذي أصاب الجميع من قدرة الإنسان على القتل يتكرر الآن. فنحن أيضاً وإثر ما يمر به العالم نقف فزعين من قدرة الإنسان على التجاهل، كالقاضي في المسرحية نسعى للاختفاء في غرفنا وبيوتنا هرباً من الخارج، من الثورة المطلوبة في الخارج ضد كل طاعون يسمنا بالموت وينتهك إنسانيتنا.

------------------------------------------
المصدر : جريدة العرب 
تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption