أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

«العرس الوحشي».. اختطاف وطن

الفنون المسرحية

عرض على مسرح الدراما بكتارا مسرحية «العرس الوحشي» أحد العروض المشاركة خارج المسابقة الرسمية للمهرجان.

العمل من تأليف فلاح شاكر وإخراج فيصل رشيد، سينوغرافيا ناصر عبدالرضا، مساعد مخرج وتمثيل حنان صادق ومحمد الملا، الإضاءة عمار عتروس، الموسيقى إسماعيل قصاص، الملابس والمكياج نشوى أحمد.

والمسرحية مقتبسة جزئياً عن رواية العرس الوحشي لـ«يان كافلك» الفرنسي المهول. إنها قصة اغتصاب امرأة عند الفرنسي لكنها عند فلاح شاكر، تتشظى هذه الجريمة لتنعكس على وطن كامل، فالمرأة هي رمز للعراق أو الوطن المغتصب اليوم.

اعتمد المخرج على العمق الداخلي للمسرح مما تسبب في ضياع الصوت كما انه استخدم الرمز المباشر باستخدامه السفينة وكأنه بنى مسرحاً داخل المسرح أو خشبة فوق الخشبة، وقد يكون ذلك أوقعه في إشكالية، فكان من المفترض عليه أن يكتفي بالرمز لشكل المركب كوضع حبال بصورة معينة، وخشبة الصواري كنوع من الرمزية والدلالة.

ربما فقدت حنان صادق مصداقيتها كمخرجة ولكنها لم تفقد أبداً قدرتها على التمثيل فكانت، جداً بارعة أدهشت الجميع منذ بداية العرض وحتى الخاتمة.

صحيح أن النص نصٌ ثرثارٌ بطبيعته ولكنه لم يكن مملاً، فقد أجاد الممثلون التعامل مع النص وإن كانت السينوغرافيا وتحديداً الديكور ووجود المركب بهذا الجمود سبب في تصلب الأنظار نحوه فقط.

هذا وقد شكلت شخصيتا العرض تجسيداً متناظراً للثيم التي توطنت رميزاته العرس يقابله الاغتصاب، وما يسقط شرعيته، والاغتصاب بما يحمله رمز المرأة الذي يمتلك حضوراً يستدعي الدلالات الضمنية الأم الوطن الأمان، أما الابن فهو التشويه الذي يطال الحاضر والمستقبل.

إذاً المرأة الأم والابن المشوه شكلا علامة أفرغت محتواها لتصبح مدار تخصيب مستمر للمدلولات الضمنية التي توافرت في بنية العرض المفتوحة لتتحول إلى دوال متدفقة عبر استثمار الفضاء المسرحي ببعديه المادي والحسي وفق العلاقات الرابطة للدوال المكانية، فضلاً عن الإضاءة والمؤثرات الصوتية بوصفها ترجمة للانطباعات النفسية وبتفاعل الممثلين بوعيهم وأجسادهم التي كان من المفترض أن تكون أكثر مرونة مما كانت عليه، فجاءت حنان صادق جداً ثقيلة على المسرح وكذلك محمد الملا فمرونة جسدي الطرفين كانت صنعت تفصيلات العرض، ما كان سيؤكد هيمنة البنية الشكلية في تأسيس الأفكار واستدعاء المضمون الذي ينبثق عنها.

------------------------------------------
المصدر : الوطن 

الخميس، 15 أغسطس 2013

مهزلة مسرح الطفل.. من يوقفها؟



 
ماذا يحصل في العروض التي يقدمها بعض المنتجين في العيد؟ ربما السؤال يفتح الباب على مصراعيه للحديث عن المهازل التي تقدم على خشبة المسرح خلال فترة الأعياد والمناسبات الأخرى، حيث يتسابق المنتجون لتقديم أعمال، يقولون إنها مخصصة للطفل، والطفل منها براء.
عندما أسست السيدة عواطف البدر قبل أكثر من ثلاثين عاما مسرح الطفل، هل كانت تفكر بالحال التي سيؤول إليها هذا المسرح بعد تلك السنوات؟ أغلب الظن أنها لم تضع في حسبانها هذا التراجع المخيف والمستوى المتدني الهابط، الذي وصلت إليه حال ما يسمى بمسرح الطفل، وإلا فإنها بلا شك لم تكن لتقدم على هذه الخطوة.

طرح تربوي
العروض التي كانت تقدم في المرحلة الأولى من انطلاقة هذا المسرح، وتحديدا منذ أواخر سبعينات القرن المنصرم إلى منتصف ثمانياته، كانت تتسم بنوع من الطرح التربوي الموجه للطفل، حيث النصح والإرشاد والكلمة الطيبة والأغنية الاستعراضية المعبرة، لذا ما يزال الجميع يتذكر الأغاني التي قدمت في مسرحيات مثل «السندباد البحري، البساط السحري، سندريلا» وغيرها.
وقد ساهم في أعمال تلك المرحلة فنانون يحترمون الكلمة، ويقدرون الفن مثل عواطف البدر، منصور المنصور، عبدالرحمن العقل، كاظم الزامل، هدى حسين، زهرة الخرجي، عبدالعزيز الحداد، عبدالناصر الزاير، حسين المسلم وغيرهم.

حكايات التراث
كان اختيار الأعمال يتم من خلال التركيز على موضوعات قريبة من مدارك الطفل وفهمه، تتناسب مع المراحل العمرية المختلفة التي يمر بها الأطفال.
وقد ساهم مؤلفون بارزون في التأليف لهذا المسرح، مثل فارس يواكيم، خلف أحمد خلف، مهدي الصايغ، محفوظ عبدالرحمن، وسواهم من الأسماء التي تمتلك ناصية الطرح التربوي، ولديها الأمانة في التعاطي مع الكلمة.
وعلى الرغم من أن معظم الأعمال كانت تعتمد بالدرجة الأولى على قصص ألف ليلة وليلة وحكايات التراث العالمي، فإنها نجحت في جذب الأطفال إليها، وقدمت أفكارا تطرح قيما يحرص أولياء الأمور على تنميتها في نفوس أبنائهم، فأقبل عليها الأطفال والكبار.

إثراء
ما حدث في الفترة الأخيرة أن بعض المنتجين دخلوا الساحة من أجل الإثراء على حساب الطفل، فبدأوا اختيار موضوعات لا علاقة لها بالطفل من قريب أو بعيد، مستغلين فترة الأعياد التي يبحث فيها الشباب والأطفال عن الترفيه والتسلية البرئية، فتسابق هؤلاء المنتجون لتقديم أعمال لا علاقة لها لا بالمسرح ولا بالطفل، ولا تخضع للتربية بأي حال من الأحوال.
الشكاوى من سوء الأعمال وصل حدا كبيرا، والتذمر واضح على محيا من يخرج بعد مشاهدته لأعمال هابطة، لا هدف لها إلا سرقة عيادي الأطفال.
موضوعات تلك الاعمال، أو بعض تلك الأعمال لا علاقة لها بالمسرح، حيث اتجه المنتجون لتقديم حكايات غريبة ومشوهة مستمدة من التراث الهندي أو الأفريقي، لا قصة لها ولا حكاية ولا موضوع، والمؤسف أن بعض الفنانين الكبار شاركوا في تشويه الصورة الجميلة لمسرح الطفل.

المجلس يتفرج
المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وهو الجهة التي تمنح المنتجين الإجازة على النص لعرضه، لم يحرك ساكنا، ويقال ان هناك بعض الأعمال التي عرضت لم تمر على الرقابة، فمن يتحرك لإنقاذ أطفالنا من حملة التشويه. من المهم أن يتحرك المجلس الوطني للثقافة، لمنع هذا التشويه الذي يمارسه بعض المنتجين مستغلين أطفالنا بصورة بشعة، من المهم أن يكون لإدارة المسرح في المجلس الوطني تحديدا دور في منع هذا الانحراف الشديد في مسار مسرح الطفل.
على المجلس الوطني أن يقف وقفة جادة لمنع المهازل التي تقدم باسم الأطفال، ولنا في عروض عيد الفطر المبارك خير دليل على الصورة المشوهة التي تقدمها بعض الأعمال، مطلوب تحرك جدي قبل فوات الأوان لإعادة مسار مسرح الطفل ووقف المهازل التي ترتكب باسمه.

عبدالمحسن الشمري
القبس

صدور كتاب بعنوان "المسرح المغربي.. المسالك والوعود" عن تجارب المسرح المغربي وعطاءات رواده.





ضمن مشروعها البحثي "نقد التجربة- همزة وصل"، الرامي إلى تعزيز الإلمام بأهم التجارب المسرحية العربية، وتقديم مقاربة نقدية لمسارات المسرح بتجلياتها وخصوصياتها القطرية، أصدرت الهيئة العربية للمسرح -التي يوجد مقرها بالشارقة- كتابا بعنوان "المسرح المغربي.. المسالك والوعود" عن تجارب المسرح المغربي وعطاءات رواده.
ويعد الكتاب -الذي جاء في 248 صفحة من القطع المتوسط- ثمرة ندوة نظمتها الهيئة على هامش دورة يونيو/حزيران 2012 من المهرجان المغربي للمسرح الذي يقام سنويا بمدينة مكناس (وسط المغرب)، بمشاركة نخبة من أهم النقاد والباحثين في المسرح بالمملكة.
ويقترح الكتاب جولة بانورامية في التجارب الفردية الرائدة لأعلام المسرح المغربي الذين صنعوا الفرجة المسرحية منذ النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم، بل طور بعضهم أشكالا فرجوية أصيلة، أصبحت مدارس كاملة الأركان وجدت صدى لها في العديد من الدول العربية.

الصدّيقي والريادة ويعدّ الكتاب خطوة تثير إشكالية التدوين والتوثيق النقدي للتجارب التأسيسية وإبداعات الرواد، وربط الجسور بين أجيال المسرحيين، وتجاوز ثقافة عدم الاكتراث والإقصاء -كما يقول الباحث عبد الواحد بن ياسر- وهو يقارب تجربة الرائد الطيب الصديقي.[/b]
ويصف بن ياسر الصدّيقي بأنه "المؤسس الحقيقي للمسرح بمفهومه الحداثي في المغرب، لا لكونه الوحيد أو الأول زمنيا، وإنما لأنه كان بأفكاره وإنجازاته الأبرز في حقل المسرح الناشئ".
ويعتبر الصديقي من أبرز المسرحيين العرب في المشرق والمغرب الذين تعاملوا مع التراث ووظفوا جزءا من مخزون الثقافة الشعبية، من خلال الاتجاه إلى الأشكال الفرجوية الشعبية القديمة وفي مقدمتها فن "الحلقة" (الفرجة والحكاية الشعبية في الساحة العمومية) الذي جعله من أسس المسرح العربي الحديث بعد أن كان فنا مهددا بالانقراض.
ويؤكد بن ياسر أن الصديقي أول من قدم التجسيد الإبداعي لمفاهيم الفرجة والاحتفال المسرحيين، والمسرح الشامل والتغريب والاشتغال على جسد الممثل والابتكار السينوغرافي.

كلاسيكية الطيب العلج
وإلى جانب الطيب الصديقي -المسرحي الأكثر شهرة لدى نخبة أبي الفنون (المسرح) في المشرق العربي- يحتفي الكتاب أيضا بتجربة الطيب العلج تحت عنوان "كلاسيكي المسرح المغربي"، في ورقة للباحث مسعود بوحسين الذي يقارب شخصية فنية تضافرت في تشكيلها البنى الدرامية "المولييرية" مع المخزون الفكري واللغوي والتخييلي الذي ورثه العلج عن طفولته ومراهقته.[/b]
ويلاحظ بوحسين أن العلج وبعد أن نهل من التقاليد الثقافية الشعبية، وبعد أن شكلت تجربة الاقتباس محطة مهمة اكتسب فيها تقنية الكتابة الدرامية (خصوصا من خلال اقتباس أعمال موليير)، شكلت المصادر التراثية عند الكاتب منبعا أصيلا لديه، حيث تشبع بعالم الحكي والقول اللذين استمدهما أيضا من تجربته كشاعر زجال، فبرزت سمات متعددة في مسرحياته المؤلفة.
فبغض النظر عن تلك الأعمال التي تتناول الواقع اليومي والمعتمدة على اللون الكلاسيكي، جاءت تلك المستمدة من الحكايات الشعبية في قالب يحمل بعض ملامح الكتابة الملحمية، وذلك من خلال توظيف الراوي والجوقة للحكي وتقديم اللوحات والتعليق على المشاهد والمزاوجة بين التمثيل والغناء والانفتاح على قاعة المتفرجين.
 
رائد الاحتفالية
ويقارب الباحث مصطفى رمضاني تجربة عبد الكريم برشيد بوصفه رائدا للمدرسة الاحتفالية التي انطلقت بإصدار بيانها الأول عام 1976 من مراكش، بانخراط عدد من المسرحيين المغاربة والعرب. وفي ظل خفوت العديد من التيارات والتجارب الرائجة على الساحة، واصلت الاحتفالية تجددها وعطاءها بفضل برشيد الذي جعل الاحتفالية رؤية مفتوحة، وورشة للمستقبل.
وفي إطار هذه الرؤية، يلاحظ رمضاني أن مسألة تأكيد هوية المسرح العربي ظلت الشغل الشاغل للمسرحي المغربي ولمجهوده التنظيري، وضمنها إشكالية التعامل مع التراث بكل تنويعاته.
وقد استفادت الاحتفالية من التنظيرات العربية التي دعت إلى تأصيل المسرح العربي وتحريره من النموذج الغربي والمراهنة على الجماليات المحلية، على غرار مسرح يوسف إدريس وتوفيق الحكيم مع قالب الحكواتي والمصري علي الراعي في مسرح الارتجال والسوري سعد الله ونوس في مسرح التسييس والتونسي عز الدين المدني في مسرحة بعض الصيغ العربية التراثية، مع أن أهم مصدر وقف عنده برشيد والمسرح الاحتفالي هو المسرح الملحمي للألماني برتولد بريخت.
وتقدم احتفالية برشيد نفسها -حسب الباحث- كمشروع فني وفكري يمكن أن يجيب عن كثير من القضايا المرتبطة بمجال الإبداع والتنظير، وإن كانت قد راهنت على حقل المسرح من خلال مفهوم المسرح الاحتفالي. فهي فضاء رحب يسع كل الفنون والإبداعات والعلوم. ويبدو المسرح من هذا المنظور ورشة مفتوحة لكل التجارب التي تخدم الإنسان وترسخ فيه القيم الجميلة والنبيلة.
وإلى جانب هذا الثلاثي الكبير في نخبة رواد المسرح المغربي الحديث، تناولت مقاربات الكتاب تجارب أخرى لا تقل تميزا من قبيل التجربة النقدية لحسن المنيعي في مواكبته للإبداع المسرحي المغربي والعربي، ومحمد الكغاط في انعطافه إلى مسرح ما بعد الدراما ومسار عبد القادر البدوي المناضل المسرحي لأزيد من نصف قرن وكذا التجربة المتميزة للممثلة المسرحية ثريا جبران، التي تقلدت أيضا مهمة وزيرة للثقافة في المغرب.
 
نزار الفراوي - الرباطالجزيرة نت

مسرح عالمي.."نقد المسرح".. من خلال التجربة الشخصية



من الغريب أنك إن كنت تريد أن تعرف ما هو أكثر عن مراجعة المسرحيات نقدياً، فقد كان هناك كتاب واحد فقط تنبغي قراءته. و كان ذلك كتاب أيرفنغ ووردل Irving Wardleالذي يحمل عنواناً لا التباس فيه، ( نقد المسرح Theatre Criticism ). أجل، كانت هناك كتب لنقّاد ــ بوجه خاص مجموعة العروض النقدية التي لا تقدّر بثمن لكينيث تاينان و مايكل بيلينغتون ــ إلا أنه كان هناك كتاب واحد عن كتابة النقد. لكنه، و الحمد لله، كان أيضاً كتاباً جيداً جداً، كما يقول أندرو هايدن في إشارته هذه.
و ما هو أكثر إثارة للدهشة بشأن كتاب ( نقد المسرح ) هذا درجة معقوليته، و خلوه من التعليمية. فبالنسبة لفرع من المعرفة يولّد بصورة متكررة المزيد و المزيد من الحرارة و الضوء، فإن ما لا يصدَّق إلا قليلاً أن الكتاب الوحيد الذي يصف شعائره الغريبة ينبغي أن يكون مصاغاً من الناحية اللغوية بشكل مقبول هكذا. فعلى امتداد الكتاب، تبدو الروح التي يكتب بها هذا الناقد روحاً أنيسة ــ حيث تجده يردد " حسَنٌ، هكذا أرى الأمر، بأية حال " أكثر مما تجد فيه قائمة تقادمية من افعل و لا تفعل. و الكثير من ذلك أيضاً بأسلوب الحكاية النادرة. و يرشد ووردل القراء بالمثال، أكثر في الغالب من عد أخطائه كتوضيحات للكيفية التي تستطيع بها المراجعات أو العروض النقدية أن تفهم الأمور خطأً.
كما أن الكتاب يقوم مقام المذكرات المضيئة من فترة خاصة في المسرح البريطاني، ماضياً من أواسط الخمسينات إلى نهاية الثمانينات. و هذا يعني أنه يفوته انطلاق الكتابة الجديدة في التسعينات و ما بعدها، و آلاف أشكال العمل الجديدة التي أحدثتها الفرق التجريبية. و ما يجعله لافتاً للانتباه تماماً كم هو قليلٌ تأثير ذلك في المبادئ العامة للتفتح العقلي و الاستطلاع الذي يدعمه.
و بالطبع، فإن حقل النقد قد تغيَّر بشدة في العقد الماضي. فقد منح الأنترنت الكتابة عن المسرح ( و كل شيء آخر ) فضاءً غير محدود و جمعاً أعظم من الأصوات، محطماً القوة الخانقة للعرض النقدي في الصحف. و على كل حال، ووفقاً لذلك كله، فإن أي ناقد شاب اليوم لديه نسخة من ( نقد المسرح ) و يجد فيه مع هذا شيئاً يُعد أساسياً و ملهماً في مقاربته الجادة لوصف كيف يكون الانتاج بكل ما يمكن من وضوح.
[ ولد ووردل عام 1929، و كان أبوه ناقداً للدراما و ممثلاً مسرحياً في " مسرج بولتون الصغير ". و سار ووردل على خطى أبيه، و عمل ناقداً مسرحياً في العديد من الصحف و المجلات الانكليزية. و نشر كتابين : ( مسارح جورج ديفين ) و هو سيرة حياة، و ( نقد المسرح ).
و له أيضاً أعمال مسرحية، منها مسرحيته الأولى ( خادم المنزل The Houseboy )، التي مُثلت في عام 1973، و هي شبه سير ذاتية، تستند على تجربة ووردل في عمل جزئي كغاسل صحون في دار للضيافة بلندن. و قد تم تكريمه عامَ 2004 في مهرجان القاهرة العالمي للمسرح التجريبي، كما جاء في الموسوعة الحرة].
 عن: Intelligent Life


--------------------------------------------------
ترجمة: عادل العاملالمدى - بغداد

رؤية حول كتاب " تحولات في الفرجة المسرحية " منصور عمايرة





  هذه الدراسة تقرأ أو تحاول قراءة تحولات في الفرجة المسرحية، وهي تتعرض لتصورات الفرجة المسرحية، وفي جزئية مهمة للعرض المسرحي الحي، وهي اشتغال الوسائط بكيفية تحول الفرجة المسرحية، لإنتاجية العرض المسرحي. إن الدراسة انشغلت بالوسائط المسرحية، وانشغل الباحث بها منذ زمن بعيد، وهي تمثل رؤية حول المسرح.
   إن مفهوم الوسيط المسرحي أمسى متشعبا الآن، وبشكل يدعو إلى التفكير كثيرا وبرؤى جديدة في بنيات العرض المسرحي، فهو لم يعد مادة بسيطة ووسيط سهل من منظور الضرورة، ومتطلب رئيس في العرض المسرحي، كالملابس على سبيل المثال، وبغض النظر عن الصيغة التي تتم بها تلك الملابس، من حيث المدة الزمنية لتاريخية الحدث المسرحي، أو من حيث المكياج والألوان البسيطة والسهلة، أو من حيث الديكور والمنظر العام للشمهد المسرحي، كأن يكون طبيعيا مثلا، أو من حيث الإضاءة، والتي قد تتراوح بين ضوء الشمس والفانوس والشمعة والكهرباء، لتمثل إنارة فحسب، أو من حيث الموسيقى التي تعبر عن منظر عام أو مشهد خاص، وربما تكون مقحمة كسماع صوت الناي أو القيثارة.
  الأمر يبدو أكثر تعقيدا وأكثر صعوبة مما قيل آنفا، فلم تعد الملابس هي البساطة في التعبير، وضرورة لإكمال الدور والمشهد المسرحي، ولم تعد الإضاءة كحالة طبيعية تراتبية عبر الزمن، ولم يعد المكياج كحالة زينة تعبر عن البلاهة، ولم يعد الديكور المنظر الطبيعي الذي يحتكم لرؤية سطحية.

  والإشارة الأخرى بما يخص الوسائط، تلك التي أصبحت منفلته من كل ما هو ساذج وطبيعي وتراتبي، فدخلت وسائط لم يكن بمقدور المسرح تصورها، وذلك من خلال تطور وسائل الاتصال والتقنية الحديثة، بدءا من الصورة وانتهاء بالإضاءة مرورا بالموسيقى والديكور والأزياء، وتعدت ذلك إلى الانشغال العام بمفهوم الفضاء المسرحي، والذي يؤطر لحالة مسرحية، فبدا الفضاء المسرحي جزئية مهمة في العرض المسرحي، من حيث المكان وكيفية تشكل المكان وكيفية أخذ الصيغة النهائية لمكان العرض، ولا يتم هذا العرض إلا بوجود جمهور، وهذا هو صلب موضوع الفضاء المسرحي الذي يتغيا حالة التلاقي بين المرسل والمستقبل، بين الممثل والمتلقي، بين الممثل والرؤية الإخراجية والمتلقي، بين الممثل والممثل، بين الممثل والتقنيات.

  ولم يعد الأمر يتوقف عند هذا الحد، فواصلت وسائل الاتصال تقدمها من حيث التقنية والتطور، و وصلنا إلى ما يعرف بعالم الرقمنة/ التحويل الرقمي في الحاسوب، وكلها أمست من ضروريات الحياة، ولكن هل هي من ضروريات المسرح؟

  لا شك أن للكمبيوتر دورا كبيرا في العرض المسرحي الآن، فهو الذي يبين لنا خطاطة المخرج، وهي ترسيمة لم تعد مخطوطة على الورق بقدر ما هي ميزانسين رقمي، وهذه الرقمية هي التي تصيغ جلّ العرض المسرحي.

  وليس هذا مجال الخلاف بما يعني الوسيط المسرحي، وتعدى الأمر إلى وسائط متعة وفكر جديدة غزت الحياة العامة للإنسان، وتطورت قبل ولوج الكمبيوتر للحياة البشرية، إنها وسائل الاتصال المسموعة والمرئية، والمسموعة قد كانت منذ زمن، وشاركت بصياغة المشهد المسرحي من دون ملاحظة فجوات قد تجعل المعني بالمسرح وخاصة الناقد لا يتوقف عندها كثيرا، بل ربما صارت مطلبا ضروريا من حيث جودة الصوت أو رداءته، المسألة تتعلق بالتقنية المرئية، تلك هي تقنية التلفزة والفيديو والسينما، وهنا لا بد أن نتوقف كثيرا قبل ولوج هذه التقنية لعالم المسرح الحي، فيبدو الانفصام هو ما يسطّر الحالة المشهدية، ويبدأ من هنا الاختلاف بين المسرح الحي والمسرحي المصور أو غير الحي، من خلال ولوج الشاشة السينمائية بشكل خاص إلى قلب العرض المسرحي، وهنا كلمة قلب تعني من وجهة نظر أخرى قلب الشيء إلى غير ماهيته أو الغاية التي وجد من أجلها، ونعني هذه الكلمة تماما.

  وما من شك، فإننا سندرك أن هناك تحولات فرجوية حدثت بتراتبية الزمن، فالزمن الكورنولوجي يسير باتجاه تصاعدي، وهذا الزمن هو ما يؤثر ببنائية المسرح، ولتكون هذه التراكمية الزمنية هي مدار البحث والدراسة والمساءلة، وهذه الأشياء كلها هي التي تمثل المسرح، فالمسرح تراكمي عبر الزمان والمكان، فالزمن وإن شهد توقف المسرح، فهو لا يعني توقف التراكمية البنائية للمسرح، بل يعني افتقار الرؤية المسرحية التي تدعو إلى التجدد في المسرح، ولكن ليبقى مسرحا، معطى للإنسانية جمعاء من خلال المتعة، ومن خلال التفكر، ومن خلال التغيير، فالمسرح لا بد أنه يتشكل من هذه الرؤى، وهي رؤى كبرى تعني الفرجة المسرحية.

  إن هذه الدراسة تستدعي إثارة الحوار، للوقوف على تجليات ورؤى المسرح عبر مراحله المتعددة، وتثير جملة من التساؤلات حول كيفية اشتغال الوسيط المسرحي في العرض المسرحي، وهذا ما نعني به تحول الفرجة المسرحية، وهو عكس الجمود ونمطية العرض المسرحي، وما مدى تأثير الوسائط في المتلقي الذي يتوجه إليه  العرض المسرحي؟
***

ومن جانب آخر فكتاب " تحولات في الفرجة المسرحية " يتعرض للغروتيسك والنمط المسرحي. إن الغروتيسكGrotesque ، قد يتشكل،  وهو يتمثل على مستوى الهيئة والفكر، كرؤية إنثربولوجية، وذلك بالنظر إلى كيفية حياة المجتمعات الإنسانية، وطرق عيشها التي تمثل الأبعاد الثقافية المتعددة، كالكتابة والطقوس الدينية، والرسوم، والمعرفة، والتواصل المعرفي مع المجتمعات الأخرى، ليندرج الغروتيسك في البعد الأنثروبولوجي العام Anthropologie والإثنوغرافي Ethnographie لمجتمعات متعددة، والإثنولوجي Ethnologie لمجتمع ما، فالأنثروبولوجيا تشمل جزئيتي الإثنوغرافيا والإثنولوجيا.

  وبما أن ثقافة المجتمعات الإنسانية تمثل رؤية وجدلية على مستوى الدين واللغة والتكيف الاجتماعي، فهي لا بد أنها ستدخل في بنيات التصور والتعبير الأدبي والفكري للإنسان، وهذا ما يعبر عنه بطرق عدة، منها الكتابة إذا ما توافرت في ذاك المجتمع، ومنها البعد الشفوي لنقل معارف وتجارب المجتمع وعاداتهم وتقاليدهم من جيل إلى جيل للحفظ والتدارس، ومنها ما يعبر عنه بطرق طقوسية كالرقص والغناء والتمثيل، وقد يتعدى ذلك إلى حالة طقسية تتمثل بالشعائر والتعاويذ.
  والغروتيسك بعد تلك النظرة، اهتم به المجتمع الحديث لدراسة الحالة الإنسانية المتشكلة عبر الزمن، في إطار البيئة المكانية والزمانية، ومدى تأثر العلاقات وتشكلها مع مجتمعات أخرى، وكيف تأثرت وأثرت فيها، فالغروتيسك يتجاوز حالة البعد الفردي للإنسان، وحالة البعد البدائي، فالعلاقات بين المجتمعات وإن كانت قديمة فهي تبدأ بعد تفاهم واحترام فيما بينها.
  والغروتيسك عندئذ لا بد أنه سيتحول من مفهوم شكلي إلى مفهوم ثقافة وتعارف بين المجتمعات، فلم تعد تلك التصاوير التي تمثل التعويذة، ولا تلك الحروف والرسوم التخطيطية حالة طقسية، بل هي حالة معرفية، ولذلك فإن الحديث عن التشوه والقبح قد يكون نظرة اعتباطية، لأنها أكثر قصورا من ولوج لب الرؤية الثقافية للإنسان في مجتمع ما.
  ولأهمية الدراسة في مجال الآداب والفكر والثقافة العامة في العصر الحديث، بدأت الاهتمام بدراسة الغروتيسك من خلال المسرح، فالمسرح قديم، إذا ما نظرنا إلى تلك الطقوس والتعابير القديمة التي واكبت تطور الإنسان، ولذا فالمسرح نوع أدبي ومعرفي إنساني يتمثل فيه الغروتيسك، ونستطيع أن نتبينه من خلال البعد التعبيري، وتحولات التعبير التي تبين عن حالات انفصالية بين رؤية تعبيرية وأخرى.
  الدراسة تهتم بمفهوم الغروتيسك، ولكن في إطار التحول الفرجوي المسرحي. وقد استفادت من الدراسات المسرحية والنصوص المسرحية التي اهتمت بها الدراسة، وكانت تلك الدراسات والنصوص الركيزة التي بنيت عليها هذه الدراسة، بتحليل كل العناصر التي شكلت الرؤية المسرحية، فانشغلت الدراسة بعنوان البحث: الغروتيسك والنمط المسرحي في النص المسرحي، و إثارة تساؤلات حول الغروتيسك كمفهوم، وإعادة النظر بالمفهوم وكيفية اشتغاله في المسرح.
عمّان 2012/ 2013

 خاص بالموقع

المسرح المغربي.. التجارب وعطاءات الروّاد

مجلة الفنون المسرحية

المسرح المغربي.. التجارب وعطاءات الروّاد

نزار الفراوي-الرباط

ضمن مشروعها البحثي "نقد التجربة- همزة وصل"، الرامي إلى تعزيز الإلمام بأهم التجارب المسرحية العربية، وتقديم مقاربة نقدية لمسارات المسرح بتجلياتها وخصوصياتها القطرية، أصدرت الهيئة العربية للمسرح -التي يوجد مقرها بالشارقة- كتابا بعنوان "المسرح المغربي.. المسالك والوعود" عن تجارب المسرح المغربي وعطاءات رواده.
ويعد الكتاب -الذي جاء في 248 صفحة من القطع المتوسط- ثمرة ندوة نظمتها الهيئة على هامش دورة يونيو/حزيران 2012 من المهرجان المغربي للمسرح الذي يقام سنويا بمدينة مكناس (وسط المغرب)، بمشاركة نخبة من أهم النقاد والباحثين في المسرح بالمملكة.
ويقترح الكتاب جولة بانورامية في التجارب الفردية الرائدة لأعلام المسرح المغربي الذين صنعوا الفرجة المسرحية منذ النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم، بل طور بعضهم أشكالا فرجوية أصيلة، أصبحت مدارس كاملة الأركان وجدت صدى لها في العديد من الدول العربية.
"يعتبر الصديقي من أبرز المسرحيين العرب في المشرق والمغرب الذين تعاملوا مع التراث ووظفوا جزءا من مخزون الثقافة الشعبية "
الصدّيقي والريادة 
ويعدّ الكتاب خطوة تثير إشكالية التدوين والتوثيق النقدي للتجارب التأسيسية وإبداعات الرواد، وربط الجسور بين أجيال المسرحيين، وتجاوز ثقافة عدم الاكتراث والإقصاء -كما يقول الباحث عبد الواحد بن ياسر- وهو يقارب تجربة الرائد الطيب الصديقي.
ويصف بن ياسر الصدّيقي بأنه "المؤسس الحقيقي للمسرح بمفهومه الحداثي في المغرب، لا لكونه الوحيد أو الأول زمنيا، وإنما لأنه كان بأفكاره وإنجازاته الأبرز في حقل المسرح الناشئ".
ويعتبر الصديقي من أبرز المسرحيين العرب في المشرق والمغرب الذين تعاملوا مع التراث ووظفوا جزءا من مخزون الثقافة الشعبية، من خلال الاتجاه إلى الأشكال الفرجوية الشعبية القديمة وفي مقدمتها فن "الحلقة" (الفرجة والحكاية الشعبية في الساحة العمومية) الذي جعله من أسس المسرح العربي الحديث بعد أن كان فنا مهددا بالانقراض.
ويؤكد بن ياسر أن الصديقي أول من قدم التجسيد الإبداعي لمفاهيم الفرجة والاحتفال المسرحيين، والمسرح الشامل والتغريب والاشتغال على جسد الممثل والابتكار السينوغرافي.
"شكلت المصادر التراثية منبعا أصيلا لدى الطيب العلج، حيث تشبع بعالم الحكي والقول اللذين استمدهما أيضا من تجربته كشاعر زجال، فبرزت سمات متعددة في مسرحياته "
كلاسيكية الطيب العلج
وإلى جانب الطيب الصديقي -المسرحي الأكثر شهرة لدى نخبة أبي الفنون (المسرح) في المشرق العربي- يحتفي الكتاب أيضا بتجربة الطيب العلج تحت عنوان "كلاسيكي المسرح المغربي"، في ورقة للباحث مسعود بوحسين الذي يقارب شخصية فنية تضافرت في تشكيلها البنى الدرامية "المولييرية" مع المخزون الفكري واللغوي والتخييلي الذي ورثه العلج عن طفولته ومراهقته.
ويلاحظ بوحسين أن العلج وبعد أن نهل من التقاليد الثقافية الشعبية، وبعد أن شكلت تجربة الاقتباس محطة مهمة اكتسب فيها تقنية الكتابة الدرامية (خصوصا من خلال اقتباس أعمال موليير)، شكلت المصادر التراثية عند الكاتب منبعا أصيلا لديه، حيث تشبع بعالم الحكي والقول اللذين استمدهما أيضا من تجربته كشاعر زجال، فبرزت سمات متعددة في مسرحياته المؤلفة.
فبغض النظر عن تلك الأعمال التي تتناول الواقع اليومي والمعتمدة على اللون الكلاسيكي، جاءت تلك المستمدة من الحكايات الشعبية في قالب يحمل بعض ملامح الكتابة الملحمية، وذلك من خلال توظيف الراوي والجوقة للحكي وتقديم اللوحات والتعليق على المشاهد والمزاوجة بين التمثيل والغناء والانفتاح على قاعة المتفرجين.
رائد الاحتفالية
ويقارب الباحث مصطفى رمضاني تجربة عبد الكريم برشيد بوصفه رائدا للمدرسة الاحتفالية التي انطلقت بإصدار بيانها الأول عام 1976 من مراكش، بانخراط عدد من المسرحيين المغاربة والعرب. وفي ظل خفوت العديد من التيارات والتجارب الرائجة على الساحة، واصلت الاحتفالية تجددها وعطاءها بفضل برشيد الذي جعل الاحتفالية رؤية مفتوحة، وورشة للمستقبل.
"استفادت احتفالية عبد الكريم برشيد من التنظيرات العربية التي دعت الى تأصيل المسرح العربي وتحريره من النموذج الغربي والمراهنة على الجماليات المحلية "
وفي إطار هذه الرؤية، يلاحظ رمضاني أن مسألة تأكيد هوية المسرح العربي ظلت الشغل الشاغل للمسرحي المغربي ولمجهوده التنظيري، وضمنها إشكالية التعامل مع التراث بكل تنويعاته.
وقد استفادت الاحتفالية من التنظيرات العربية التي دعت إلى تأصيل المسرح العربي وتحريره من النموذج الغربي والمراهنة على الجماليات المحلية، على غرار مسرح يوسف إدريس وتوفيق الحكيم مع قالب الحكواتي والمصري علي الراعي في مسرح الارتجال والسوري سعد الله ونوس في مسرح التسييس والتونسي عز الدين المدني في مسرحة بعض الصيغ العربية التراثية، مع أن أهم مصدر وقف عنده برشيد والمسرح الاحتفالي هو المسرح الملحمي للألماني برتولد بريخت.
وتقدم احتفالية برشيد نفسها -حسب الباحث- كمشروع فني وفكري يمكن أن يجيب عن كثير من القضايا المرتبطة بمجال الإبداع والتنظير، وإن كانت قد راهنت على حقل المسرح من خلال مفهوم المسرح الاحتفالي. فهي فضاء رحب يسع كل الفنون والإبداعات والعلوم. ويبدو المسرح من هذا المنظور ورشة مفتوحة لكل التجارب التي تخدم الإنسان وترسخ فيه القيم الجميلة والنبيلة.
وإلى جانب هذا الثلاثي الكبير في نخبة رواد المسرح المغربي الحديث، تناولت مقاربات الكتاب تجارب أخرى لا تقل تميزا من قبيل التجربة النقدية لحسن المنيعي في مواكبته للإبداع المسرحي المغربي والعربي، ومحمد الكغاط في انعطافه إلى مسرح ما بعد الدراما ومسار عبد القادر البدوي المناضل المسرحي لأزيد من نصف قرن وكذا التجربة المتميزة للممثلة المسرحية ثريا جبران، التي تقلدت أيضا مهمة وزيرة للثقافة في المغرب.

----------------------------------------
المصدر : الجزيرة


الاثنين، 12 أغسطس 2013

المسرح ما بعد التغيير.. أزمة وطموح

مجلة الفنون المسرحية


المسرح ما بعد التغيير.. أزمة وطموح

حين كان العقل تكون الإبداع , وحين تكون الإبداع كان الفن , وحين كان الفن والإبداع كيانين كان دافعهما الحرية والجمال. من هنا بدا الفن في أزمة , وأزمته هي صراع طويل بين القبح والجمال. فالقبح له مواليه  والجمال له مريدوه , وهكذا بدا صراع القبح والجمال في مجتمعات الكون الإنساني ما بين الأزمة والطموح . ولكي يستديم ديالكتيك القبح والجمال فلابد من وظائف ونشاطات تحقق إزاحات لعمل كليهما في ساحة المجتمعات البشرية. فالقبح وظيفته التمرد والتربص لكل من يصنع حياة  مدنية حضارية , وعلى عكسه يشتغل الجمال بوظيفة إنسانية يعتمد فيها منظومة القيم التي تحقق نقلة معرفية في التفكير والمؤانسة والرؤى والقياس لمجتمع نعتمد فيه على (استنباط المجهول من المعلوم) كما اعتمد الفيلسوف( ابن رشد )1 في منجزه الإبداعي الثـر وتلك هي بالأعم أزمة المسرح قبل وبعد التغيير, والتي سنخوض في حيثياتها تباعا.

إن من أولويات تحقق وظائف ونشاطات المسرح الأساسية هي منظومات القيم المجتمعية التي تمهد لنظام حضاري مدني مستقر يشق نظام القبح والتخلف , وحين تنجلي سحب الظلام تنهمر العقول الخيرة مطرا من الإبداع والجمال لتزرع أرض الله ربيعا وجمالا يختلف عن ربيع الدم والتخلف الذي يمارس الان والذي لا يحمل أية قياسات برهانية لأصل العلة والمعلول في مصطلح سمي زورا وبهتانا بـ ( الربيع العربي) . يذكر ديورانت في "قصة الحضارة" أن :
الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي, وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: المواد الاقتصادية, والنظم السياسية , والتقاليد الخلقية , ومتابعة العلوم والفنون, 
وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق , لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف, تحررت في نفسه
دوافع وعوامل الإبداع والإنشاء , وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه
إلى فهم الحياة وازدهارها.2 
تلك هي المنظومات القيمية المجتمعية التي في كنفها يزال قبح التخلف والتحارب . وبدون تلكم العناصر الأربعة التي يمكن بواسطتها استنباط وتبني تحليلاتك القياسية في ضوء استقراء المعلوم منها لتبحر عقلا في مجهول المستقبل طالما أن حاضر الأشياء بات معلوما لبناء خيال فعال في خافية الفنان المبدع الجمعية لظواهر المجتمع الذي تنتمي إليه .ولذا نقول أن ما ينتج من 
قبح ومصدات وحواجز لحاضر ومستقبل المسرح هي مسؤولية مشتركة بين صاحبي القرار ومنفذي الإبداع معا لإزالتها , وتلك هي المعادلة بين الحاضر المتمدن والمستقبل الواعد, وستكون محاور بحثنا منطلقة من واقع الأزمات وحيواتها والتي يعمل المسرح على محاكاتها بالفن والجمال وليس بالنقل والاستنساخ.
نكوص أم ردة أم تغيير :
لقد شهد عام 2011 اول تحول جماهيري مجتمعي في الوطن العربي حين كسر البو عزيزي حاجز الخوف الذي خيم خريفه على تعطيل ماكنة التفكير والانتقائية المجتمعية التي تطمح في تفكيك قيود الفرد نحو الحرية والديمقراطية , ومن أجل البحث عن نظام حياتي جديد من هنا جاءت النقلة التي ارتبطت مفردتها الرمزية اٌعلاميا بشفرة " الربيع", لإزاحة فصل ديكتاتورية الخريف . فارتبط الربيع بالتغيير ..والتغيير بالربيع برهانا افتراضيا يحمل الدال والمدلول لمعنى المفردة, ومن خلال تطابق شفرة الأمل والتجديد الذي يقود عنفوانه و حيويته الشباب. وهكذا يكون الإعلام قد صاغ مصطلحا متحرك المعنى ليلغي الثابت القمعي .لقد لعبت الفضائيات دورا مهما في ربيع ثورات العرب الطامحة للتغيير , ولكن أصدق القول هو الواقع الحي والمعاش بل والمشاهد في تلفزيونات الفضائيات والذي ينص على أن الأزمة لن تحسم لصالح ربيع عربي يغير أنظمة خريفية بربيع يتنفس فيه المرء نسائم حرية ومدنية وبناء. وبشواهد التجربة ثبت قطعا فشل ربيعنا العربي حتى الآن في ساحات العرب ونجحت الفضائيات بخطاب إعلامي متميز. لقد نجح القبح وتعطلت لغة الجمال ووزعت بطاقات الموت على الناس واستلبت ثورات الشباب وزاد القتل على الهوية وهدمت البنى التحتية وانتعشت صادرات المخيمات ليصبح أهل البلد لاجئين وارتفعت صادرات الأمم المتحدة بتوفير وشراء المخيمات لتصبح أكثر من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 . وغادرت المدنية والحضارة والثقافة والأدب والمسرح مكاناتها كي تبحث عن خيمة تستر مصيبتها التي انتكس فيها الإنسان والإبداع والجمال .إنها في حقيقة الأمر حالة نكوص وردة وتغيير نحو الهاوية, وذلك هو الانعطاف الخطير للربيع السلمي الذي تحول إلى ربيع السيف .وهنا صاغ شكسبير فكرته على لسان أدموند في مسرحية ماكبث.. يقول أدموند:
اعلم أن الناس على هوى زمانهم : فصاحب السيف لا تليق به رقة القلب.3 
والسؤال هو : ترى هل يستطيع صاحب السيف أن يقتل الثقافة أو يلغي المسرح؟؟؟
هذا ما سنجيب عنه مشكلات البحث .
مشكلة #1
هل يتوقف المسرح أو يلغى ؟
منذ أكثر من أربعين عاما أو يزيد كتب الشاعر العراقي المرحوم بلند الحيدري قصيدة مهداة لشاعر فاضل مناضل وطني فذ بامتياز هو مظفر النواب وكانت باسم (غصن وصحراء ومظفر) .يقول بلند في مطلعها : أصحيح يا مظفر 
رغم الريح والصحراء أخضر...؟ 4 
لا أحتاج لشرح شفرته الرمزية ولكن القياس والتأويل في لغتنا العربية يمنحنا فسحة لكليهما قياسا وتأويلا في تفكيك شفرة الرمز التي إعتادها الإنسان منذ الخليقة حتى الآن ولذلك أطلق
كاسيرر على الإنسان بأنه حيوان ذو رموز 5. نعم لقد مر المسرح بانتكاسات ونكوص ..تهميش وإقصاء حيث توقفت الحياة المسرحية بعد سقوط روما وإمبراطورتيها عام( 476 )6,حين سيطرت الكنيسة على السلطة في العصور الوسطى وساد الظلام على كل أنواع الإبداع الثقافي والعلمي والمسرحي و حرم النشاط المسرحي بجميع أشكاله. ولكن الكنيسة أرادت أن تنشر تعاليمها وأن تفسر نصوصها الدينية فكان لها أن تفتح مكونات فهم النصوص عن طريق الزمان والمكان والمجتمع. ولأنها تحتاج الجماهير فهي تحتاج الوسائل والوسائط التي تخلق قواسم مشتركة لفهم النص وتعاليمه ,لذا لم يكن أمام الكنيسة من وسائل إعلامية أو فتح قنوات فضائية خاصة بها فلابد أن تلجأ للمسرح بوظيفته الجماهيرية الاجتماعية الإنسانية الجمالية لتسوق منتجها الفكري والديني وتحقق التواصل لجميع الناس وليس فقط للنخب التي تجلس في بيوت الديانات ( الكنائس) .نعم ضاق المكان ولم يتسع إلا للقليل من المتلقين فكان المسرح أخضر رغم الرياح والصحراء فتولدت أزمة تحث على صراع آخر وكانت الكتابة والإعداد والسيناريوهات الدينية ومسرحة الطقوس والنصوص الكنسية وقداديس أعياد الفصح وولادة السيد المسيح عليه السلام وصولا لمسرحيات الأسرار والمعجزات التي أدت وظائف أكثر جماهيرية في تعبئة الناس وتناغمها الروحي والمادي في البحث عن المتعة والمعرفة والموعظة بجمال الفن و أدواته وعاد المسرح قويا فاعلا معالجا ملتصقا بمجتمعه وجماهيره. وهكذا من أصل ديني طقسي طارد للمسرح, خرج المسرح قويا يعيش في زهو عصر جديد هو عصر النهضة الذي أعاد للمسرح عافيته وحيويته ونشاط حريته وإبداع صانعي جمالياته وتوق جماهيره وتطور مدارسه حتى بات أخضر برغم الرياح والصحارى.
وما أشبه اليوم بالبارحة, جرى الحديث أن المسرح وبعد التغيير في العراق قد همش وكاد أن يلغى من الذاكرة الجمعية العراقية , ولكن إن حمل هذا التصور بعضا من الصحة فمرجعه ليس الدين وليس من المرجعيات أو الحوزات العارفة والمتعمقة في عقائد الدين . ودليلنا على ما نقول هي الحرية الدينية المعطاة لتمثيل (( واقعة الطف)) تلك التراجيديا التي تخص المسلمين كافة وغير المسلمين , والتي أصبحت متطورة في الأداء والعقدة والصراع الذي ينتهي به البطل التراجيدي إلى الموت أو الاستشهاد . لم تمثل تلك الواقعة في المكانات المغلقة وإنما في الساحات العامة والتي تغص بالجمهور الذي يشاهد ويشارك ويتعاطف ويتأثر ويحاكي ما حصل للحسين بن علي عليهما السلام .هذا أولا .
ثانيا ..الذي يتتبع المواكب الحسينية في عاشوراء وبعد التغيير يجد أن تطورا حصل في طريقة العرض والأداء في إقامة التعازي وكيفية محاكاة الجمهور, فقد جمع القارئ الحسيني طريقة الراوي في شرح وتفسير الواقعة على الطريقة الكلاسيكية ومزج معها الأدعية والقصائد ومشاركة الجمهور الجالس في المجلس بطريقة المحاورة وهذه طريقة متطورة أن تجمع القراءة المنبرية مع ما يسمى ( الرادود الحسيني) في واحد مع مشاركة الجمهور .
ثالثا .. ولكي تكون المشاركة بين الخطيب المنبري وبين جلاس المجلس الحسيني دائمة التواصل في الإصغاء والاندماج على التحفز والتشويق والإثارة للنفوس .أصبح قارئ المنبر يغادر منبره ويتحرك بين الحضور منتقلا من مكان إلى مكان وهو بذلك يستخدم البلاغة والخطابة والتلوين 
بالإلقاء والمشاعر والأحاسيس المحزنة ليحقق بذلك وحدة المشاعر الكلية والعواطف الإنسانية لظاهرة الاستشهاد والانتصار على الظلم ولعظمة المأساة وندرتها في تاريخ الإنسانية عموما.
رابعا : اجتهدت المؤسسات الدينية على أن تدخل باب المسرح وخصصت مهرجانات عالمية ..عربية وعراقية لكتابة البحوث الفكرية والثقافية والمسرحية إضافة إلى النصوص المسرحية حيث أصبحت تلك المهرجانات المسرحية سنوية ويخصص لها جوائز مالية مجزية لتنشيط الحركة المسرحية مع إستخدام الممثل والأزياء والديكور والمؤثرات والعناية بطرق الصوت والإلقاء. وقياسنا البرهاني المطابق لقولنا هو :
1- سعت العتبة العباسية المقدسة وللسنة الرابعة لتحقيق مهرجان سنوي بعنوان((مهرجان المسرح الحسيني)) . وستقيم الأمانة العامة للعتبة العباسية المقدسة مسابقة للنص المسرحي الحسيني وذلك في 27-28 من شهر آذار القادم للسنة 2013م 
كذلك سعت العتبة العباسية المقدسة وفي مهرجانها الثقافي السنوي الخامس وفي مدينة الحلة وبمناسبة ذكرى ولادة الإمام الحسن أن تحيي مهرجانا فكريا ثقافيا مسرحيا يعتمد البحوث الرصينة وسيقام في السنة القادمة 2013م. 8 
خلاصة القول أن المسرح أصبح حقيقة لايمكن الاستغناء عنه واستخدمت المحاكاة للقصص والشخصيات في تقديم العرض الفني الخالص والذي يحمل ثقافة وإبداع مؤصل يقوم على التواصل المبدئي الفني والجمالي مع المتلقي الذي ينهل المعلومة الفكرية والثقافية بأسلوب فني رفيع المتعة عالي المستوى وبعيد عن الإسفاف واللعب في عقول الجماهير التي شعرت وتشعر أنها ترتبط بالمسرح كحاجة لترسيخ قيم وأخلاق فاعلة في عقيدة المرء ضمن منظومات القيم الإنسانية الحضارية تشكل استراحة للقلوب دافعها الفن والإبداع المتجذر في حرية المبدع وأدواته الجمالية والاجتماعية , وتلك هي وظيفة المسرح الإنسانية في محاكاة الحياة بإبعادها المختلفة و أزماتها ولكن بطريقة الفن , ولذا فإن الحاجة للمسرح لن تتوقف أو تلغى أو تهمش وبراهين الماضي والحاضر تشهد على حاجته .إضافة لما ينتج من أعمال سينمائية ومسلسلات تلفزيونية بدءا من فيلم ( الرسالة) للفنان الراحل مصطفى الحلاج وحتى الآن. كما قدمت بعض النخب المسرحية بفنانيها في المحافظات وبغداد نماذج وعروضا مسرحية اتبعت سياق الواقعة نفسها ولكن بمحاكات في التأليف والإخراج ولم تشكل على عروضها الفنية المؤسسة الدينية وتحليلنا قاسمه المشترك هو حاجة المسرح وطرق التعبير الفنية في تناول الموضوعات ولكنها سلكت محدودية مناسباتية.

يعد الحاضر واقعا لا يسعف في تقييم منتجه المسرحي بعد التغيير وذلك تبعا لمعطياته التي لم تخلق لنا نماذج إبداعية للقياس والبرهان على انبثاق بنية تحية جديدة تنقل المسرح لعالم رحب فيه من الحرية والديمقراطية التي تنشدها الثقافة عموما و مسرح ما بعد التغيير خصوصا. لأن الربيع العربي المفترض مازال يفور فيه التنور ربيعا دمويا . لقد كان متوقعا في بلدان مثل مصر وسوريا وتونس ,تلك البلدان التي كان نمو وتطور المسرح فيها لافتا للنظر في نشاطاته ومهرجاناته وتجريب مسرحه من الدايناميكية المحركة لبقية البلدان العربية. ولكن ربيع تلك البلدان جعل من السيوف الجديدة ساحات موت وخراب قد يعيدها لعصر الظلام ولذا فلن يعود المسرح فيها قريبا, ولكنه لن يموت وبذلك يحتاج إلى معاناة حقيقية لإزاحة القبح الذي تحدثت عنه وصولا إلى الرشد الثقافي الجمالي الآتي.
من هنا بات واضحا أن النشاطات المسرحية التي تقوم بها بعض دول الخليج العربي متمثلة بدولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان ,و الكويت يضاف إلى الأردن الذي بدأت نشاطاته ومهرجاناته المسرحية بالتميز نظرا لمنظومة المدنية الحضارية التي أعطت بنيتها التحتية حالة الاستقرار و وصولا للعراق الذي كان من المتوقع لمسرحه أن يؤسس لدائرة معارف مسرحية في ظل التغيير أو ما بعده ويبني حاضرا مسرحيا اعتمادا على مخزون الإبداع الذي كان محبوسا لسنين عجاف عند مبدعيه الرواد والشباب , ولكنهم لم يستطيعوا بناء حاضر جديد لمسرح ما بعد التغيير بالرغم من أن المسرح العراقي ومنذ بداية السبعينات كان سباقا في التجريب أيضا. والسبب هو أنهم كانوا يمشون على كومة من الرمال المتحركة ويعيشون فوضى الدهشة التي سلكها المجتمع في اللاإنتقائية غير الخلاقة : فمن دهشة الموبايل وتحديثاته إلى الفضائيات والمسلسلات التركية إلى موضات الأزياء النسائية والشبابية وصولا إلى الكم الهائل من أنواع الموديلات من السيارات التي ستخصص لها يوما حرية السير على الأرصفة نظرا لما ضاقت بها الشوارع ذرعا. أما الأكثر حزنا هو كثرة الانفجارات والقتل المجاني الذي حصد آلاف الأبرياء وغياب البنية التحية التي تؤسس للمجتمع الجديد .كل هذا وأكثر منه جعل حاضر المسرح مضببا لا تنفعه مضادات أو مسكنات أو أية عقاقير ينتهي مفعولها بانقطاع التيار الكهربائي وطنيا كان أم محولة .
إن التجارب القلقة التي قام بها منتدى شباب المسرح التجريبي والتي تؤشر لأفق جديد لما فيها من الحرية والاستفزاز الفني والتي اعتمدت على النص المكتوب قبل التغيير بمعالجات جديدة وبعض عروض المسرح الوطني يضاف لما تقدمه المحافظات من عروض مسرحية فقيرة الإنتاج ومهمشة من العاصمة التي لا يحظى مسرحها الوحيد بمنهاج مسرحي سنوي كل هذا وغيره من المثبطات لا يدلل على أن حاضر المسرح الذي غاب عنه جمهوره المرعوب بهاجس الأمن يستطيع أن يؤشر لقيام مستقبل زاهر والقياس يحمل مغالطة إذ لا يوجد ما يؤهله من برهان ولكنه يحمل قياسا فلسفيا بكون: إذا كان الحاضر غائبا ..والمسرح غائبا.. إذن مستقبل المسرح غائب.
يقين القول هو أننا قبل كل شيء إن أردنا بناء مستقبل للمسرح العراقي , فإن الحاضر قلق في حيثياته المعروضة على واقع مضبب وغير مستقر . واقع لم يستطع حاضره أن يؤسس لتقاليد مسرحية ناجحة يواظب المتفرج فيها على حضوره المسرح كعادة ثقافية اجتماعية جمالية فنية فيها من المتعة والدهشة والإثارة والتذكر والتفكر, وسببه الأول هو غياب منظومة الثقافة والفن التي تعد منهجا تقليديا احترافيا رصينا لا يتأثر بعوامل التعرية السياسية , لا في دوائر المسرح الحكومية وأقصد التي تملكها الدولة وهو واحد مع الأسف, ولا في الجامعات والمعاهد التي يفترض بها أن تقدم منهجا ونظاما ( اليبرتوار) لسير العملية المسرحية المتكاملة التي تهيئ المتخرجين المتميزين المبدعين لعالم الاحترافية والتي تقودهم قيادة فنية مركزية كأن يكون مركز دراسيا ميدانيا للفنون المسرحية العلمي يمكن أن نطلق عليه ( مرجعية المسرح العليا) الذي يقرر نهجا ونظاما لسير وتطور العملية المسرحية العراقية ومنجزها الفني والجمالي ذو المستوى المتطور والذي يحاكي مستجدات المدنية وحضارة الثقافات الحديثة في العالم ويتميز بالتنوع كما حصل في تنوع مسرحيات( برودواي وخارج برودواي) في نيويورك .ولذا فإن الحاضر لابد له من تكوين تلك المرجعية كي تعتمد قراراتها في تأسيس حاضر متين. إذن هناك أزمة و صراع والمسرح قائم بجملته على صراع الأزمات التي تسود حاضر الوطن بعمومه , أما المسرح العراقي وحتى العربي وبعد هذا التغيير النوعي المسكون بصراعات السلطة ومحاولة تقسيمه وللأسف لم ينتقل إلى الواحات الفسيحة في إثبات جنسيته التي نبحث عنها إلا حينما يغادر صحراويته المجدبة حاليا وذلك بمساعدة الدولة التي تريد أن تبني البنى التحتية المنهارة ولابد أن يكون هاجسها هو بناء منظومة فكرية وعملية للنهوض بواقع المسرح المتصحر كما تفكر في بناء منظومة الكهرباء والتعليم وبناء مدنية وحضارة جديدة لسعادة العراقي. إننا وعلى جميع الأصعدة نعيش حالة تصحر وعراك سياسي لا يسمح للدولة أن تلتفت فيه لتأسيس نظام مجتمعي جديد ولذا نجد المسرح العراقي وبما قدم من إنجازات تذكر في تاريخه الطويل أصبح هو الآخر يعاني من هذا العراك بالرغم من مساحة الحرية التي فتحت أبوابها مشرعة على التجريب وغيره من الاستنساخات التي سميت خطأ بالتجريب الذي ليس له علاقة بالاستكشاف الفني والمسرحي المنشود بقدر ما هو استنساخ رديء غيبت فيه معالم المجتمع العراقي وأصالته .والسبب يعود لفقدان المرجعية الفنية شبابية كانت أم روادية أم مؤسسات حكومية .
السؤال هو : هل استفادت المؤسسة الثقافية من البحوث التي قدمت خلال الفترة ما بعد التغيير وحتى الآن في عمل ورشات ومناقشات دراسية تخرج بها بورقة عمل تشكل خارطة طريق لحاضر المسرح العراقي ؟
أم هل رممت بعض البنايات المهملة والمتروكة في بغداد أو المحافظات لتستخدم في العروض المسرحية لتسهم في تفعيل وتنشيط الحركة المسرحية الحاضرة ؟
أما على صعيد القطاع الخاص : هل فكر أحد من أصحاب رؤوس الأموال أن يشيد مسرحا كالذي يشاهده في زياراته لدول الخليج العربي وليس لأوروبا ؟
الجواب على جميع الأسئلة كلا .. لماذا ؟؟ والسبب هو : لا ضمانات لمثل هكذا مشاريع في الوقت الحاضر . وسبيلنا هو أن نقترح سبلا لنجاح مسرحنا ما بعد التغيير وأن تتحمل المسؤولية النخب المحترفة مع الدولة من أجل ينمو الغصن أخضر في صحراء المسرح الحاضر لينشر خضاره ربيعا ثقافيا ومسرحيا في العراق.

مقترحات الحاضر والمستقبل لمسرح ما بعد التغيير
لكي نعيد لمسرحنا العراقي عافيته ونهضته الجديدة في ظل الحرية والديمقراطية المنضبطة كنظام حياتي واعد فاعل في العراق الجديد علينا جميعا مسؤولية مشتركة في تحقيق نهضة إبداعية في الثقافة والفنون والعلوم وكل عناصر ومنظومات المعرفة لخدمة مدنية المجتمع عموما وكل من اختصاصه ومن خلال تأسيس بنى تحتية قادرة على التفاعل مع شعبها وجماهيرها وصولا للمجتمع المدني الواعد .لذا نقترح بعضا من المقترحات العملية التي تفيد الحاضر لنبني له مستقبلا رصينا يحمل جنسيته الوطنية وينفتح على تجارب العالم في أصدق حوار للحضارات الحقيقي وليس عن طريق المقابلات التلفزيونية الدعائية التي لم نحصد منها موسما مسرحيا بعد.
1- أن ترصد الدولة في ميزانيتها بناء مسارح عالية الجودة والكفاءة في بغداد والمحافظات ولا تحجب أو تتمنع عن بذل ما يستحقه مسرح المحافظات وأهله من المبدعين والمتلقين حيث يصبح العمل المسرحي الإبداعي في العاصمة والمحافظات متساويا وحسب طبيعة كل محافظة ونشاطها الإبداعي .وهذا ما شاهدناه مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية فبالرغم من أن واشنطن هي العاصمة ومركز القرار السياسي ولكن مراكز الإبداع الفني المثيرة والمستفزة تتركز في لوس أنجلوس وشيكاغو ونيويورك وغيرها من الولايات .
2- من أجل تحقيق البند الأول نقترح تأسيس ورشة عمل وزارات مشاركة في بناء المسارح تتوزع على وزارة الثقافة , وزارة التعليم العالي , ووزارة الشباب والرياضة وذلك لدورهم المميز في دعم الشباب ورفع ذائقة المتلقي العراقي بإبداع منظم ملتزم بضوابط الفن العالي الصنعة والاحترافي الممنهج طالما أنها وزارات لها تماس مع الجماهير وبمختلف الأصعدة والمعايير.
3- تأسيس برلمان مسرحي أو مجلس أعلى للمسرح يقوم على صياغة مرجعية تؤسس لجنسية المسرح العراقي المميزة في المنجز المسرحي التقليدي والتجريبي من خلال تشجيع المؤلف المسرحي الجديد في تناول المواضيع العراقية التي يزخر بها العراق حيث يتعرف المتلقي على المسرحية أو هوية المسرح العراقي مثلما هو في المسرح الألماني والروسي والفرنسي والإنكليزي والأمريكي ويبقى الباب مفتوحا في تناول بعض جنسيات المسرح المذكورة من أجل تحقيق جسر متواصل في الإبداع. يعمل المجلس أربع سنوات ثم يصار لانتخاب مجلس جديد يضيف على ما أنجز ولا يلغي الحاضر بحجة أن المجلس الجديد سيبدأ من الصفر.
4- العمل جديا على إعادة درس الخطابة والتربية الفنية والمسرح في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية لما له من أهمية في تنمية القدرات العقلية الإبداعية ومنح الثقة بالنفس في الحديث ومناقشة الآراء والإصغاء وتقبل الرأي الآخر والتعويد عليه منذ الصغر لصقل الذائقة الفنية والثقافية والعلمية ويسهم في بناء شخصية الفرد العراقي. وهذا جزء من بناء بنية للإنسان العراقي الجديد.
5- تفعيل نظام الريبرتوار الجامعي حيث تقدم الجامعة كل عام موسمها المسرحي في كل محافظة توجد فيها كلية للفنون الجميلة وذلك لترغيب الجمهور بارتياد المسرح لتحقيق التفاعل مع الجمهور وتنشيط ذائقته الفنية والمعرفية من خلال العروض الكلاسيكية والتجريبية مع فسح المجال لولادة الممثل المبدع والمخرج المبدع الذي سيقود بالمحصلة في بناء مستقبل المسرح في زمن التغيير. شرط عدم تزامنه في نفس الوقت الذي يقوم فيه المسرح الوطني بتقديم برنامجه المسرحي المحترف.
6- إرسال مبعوثين في مجال السينوغرافيا والتكنيك المسرحي ( إنارة, ديكور, موسيقى, ماكياج) بدورات قصيرة الأمد خارج العراق لصقل قدراتهم وتطويرها والاطلاع على جديد التكنلوجيا في عالم المسرح وتجاربه المتطورة. مع رفد الحركة المسرحية في تخصيص زمالات أو بعثات فقط بالنقد المسرحي المنهجي الاحترافي لا النقد المسرحي الصحفي وذلك لتأسيس وتصحيح حركة النقد الموضوعية والتي تساعد على تطوير أدوات المبدعين على المسرح أكاديميا إلى جانب ما تقدمه النقود الصحفية التي لا يستهان بقدراتها الإبداعية.
7- إقامة مهرجانين مسرحيين الأول للمسرح العراقي الكلاسيكي والتجريبي والثاني للمسرح العربي حيث يضيّف المسرح الوطني بعض أعمال المسرحيين العرب مع عقد ورش عمل وبحوث دراسية تمنح فيه جوائز مجزية للفائزين حيث يعد هذا المهرجان عملا إبداعيا تسويقيا إعلاميا للتعريف بالمسرح العراقي بعد التغيير و مدى تطوره.
8- إقامة مؤتمر سنوي لمؤلفي المسرح العراقي ومناقشة طموحات النص الجديد مع تقييم نصوص المؤتمر بجوائز مجزية وإحالة النصوص الفائزة لمخرجين المسرح الوطني أو كليات الفنون الجميلة لإنتاجها ثم تتولى وزارة الثقافة طبع النصوص المسرحية بكتاب سنوي يخصص 50% من ريع المبيعات للمؤلف و50% للوزارة ويسوق في معرض الكتاب داخل وخارج العراق.
9- على الوزارات المعنية ترجمة الأطروحات المهمة والمتميزة في علميتها وموضوعها من حملة الدكتوراه الذين درسوا خارج العراق شريطة أن تواكب زمن التغيير للاستفادة منها ككتب دراسية أكاديمية تتعلق بالإخراج والنقد الفني وما تحمله من قيم إبداعية مع تقديم مكافآت مالية مجزية لصاحب الأطروحة المميزة ولقيمتها العلمية والفنية .
10 – العمل جديا على تحديث البرنامج أو المنهج الدراسي للمرحلة الأولى من كليات الفنون الجميلة في درس التمثيل والبدء بالطراز الواقعي القريب من ذهنية الطالب المبتدئ ليحاكي واقعه وواقع الفن التمثيلي أداءً ولا يتقولب في الطراز الكلاسيكي الإغريقي . كما نقترح أن يكون هذا الطراز هو في مرحلة متقدمة لأن تعويده على الأصعب يشكل عرجا في ثقافة الممثل المبتدئ .
11- لا قيمة للبحوث والدراسات المقدمة من قبل الباحثين إن لم تترجم عمليا ونرى مردودها الفعلي في مسرح ما بعد التغيير.

الخاتمة:
لقد تطرقنا في هذا البحث المتواضع وبمزيد من الاختزال لحركات أو ثورات الربيع العربي التي كان لابد لها من أن تسهم في تنشيط وتثوير إبداعات الإنسان الذي كسر حواجز الصمت والقمع والاضطهاد الخريفي الذي طال أمده كي ننتقل لربيع الأمل والحرية والازدهار , ولكن الربيع العربي سرق وتحول لربيع دموي دفعت ثمنه الشعوب العربية التي تقطعت فيه سدى ولحمة الإنسان والثقافة والمسرح . وضربنا أمثلة على انكسارات وإنحسارات المسرح ولكننا عرفنا من التاريخ أن المسرح عاد ثانية بجواز مرور جماهيري لأنه يمثل حاجة المجتمعات المتطورة والمدنية .كما اختصرنا حاضر المسرح العراقي الفقير المبني على عدم استقرار البلاد وعدم المباشرة في إعادة البنى التحتية لمجتمع مستقر. حيث إن استقر المجتمع بجميع منظوماته يكون التوق والمطالبة والإقبال على المسرح حاجة كحاجة الفرد للعيش الحر الكريم .الذي أراه أن مسرحنا الواعد إن تحمل الجميع شرف وصدق بناء الوطن والولاء التام له سيكون المسرح حاضرا ومستقبلا يستقبل مبدعيه روادا وشبابا لأن النقطة الأهم في المسرح والعاملين الفاعلين المبدعين المفكرين الناشطين فيه أن يخرج المسرح من أزمته ليحقق طموحه في أن تكون له هوية عراقية كينونة وكيانا . ولعلنا نعلنها وبالرغم مما تحفنا من أزمات لكن مسرحنا أصيلا ولن تجد فيه مكانا طائفيا أو قبليا قط وتلك هي سمة المسرح العراقي سواء الحاضر منه أو المستقبلي, الذي يفتح أبوابه على تجارب المسرح العربي والعالمي بروح المعرفة والجمال الإنساني.
------------------------------
المصدر : المدى 

الأربعاء، 10 يوليو 2013

مسرحية " منظر طبيعي " تأليف: هارولد بنتر ترجمة علي كامل

مجلة الفنون المسرحية
الكاتب البريطاني هارولد بنتر 


مسرحية  " منظر طبيعي "  تأليف: هارولد بنتر  ترجمة علي كامل

الخميس، 9 مايو 2013

دعوة الهيئة العربية للمسرح إلى المسرحيين العرب خارج الوطن العربي

الفنون المسرحية

إلى المسرحيين العرب خارج الوطن العربي.. ضمن سعيها إلى مد جسور التعاون و المشاركة مع المسرحيين العرب في شتى مواقعهم ، تأمل الهيئة العربية للمسرح من المسرحيين العرب خارج الوطن العربي أفراداً و فرقاً ومؤسسات ، تعبئة الاستمارات المرفقة و إرسالها إلى العناوين المثبتة في الرسالة، آملين تعاونكم لنتمكن من خدمة المسرح و المسرحيين.





عرض مسرحية "ترى ما رأيت " تشكيل مسرحي تعبيري





عرضت المسرحية في مهرجان المسرح الحر الدورة الثامنة في الأردن، المركز الثقافي الملكي، في المسرح الرئيس يوم الاثنين 6-5-2013،   درماتورج نصوص شعرية لكمال بوعجيلة. تمثيل  جلال عبيد، مكرم الفورتي، أسماء بن حمزة، حمزة بن عون، نورس بن شعبان، جهاد الفورتي، وليد الخضراوي. فنيون: جمال شندول، عبد الكريم ضيف الله، وسام سيف النصر، فتحي شندول، عبدالله الشلبي. سينوغرافيا وإخراج: أنور الشعافي
وهذا العرض التونسي" ترى ما رأيت"، يتشكل من ثلاث أيقونات: الخطاب الشعري، الكوريغرافيا Choreography، السينوغرافيا Scenography. تشغتل على الخشبة لتشكل رؤية تكاملية حول الموضوع المسرحي. فالشعر بدا كصوت خارجي، ولكنه انبعاج ذاتي من منظور أنه شعر غنائي يمثل الرؤية الفردية التي ستتشكل كرؤية جماعية، لأن ما يعنيك يعنيني، وهذا الخطاب بالتالي هو صورة للروح، والمسرحية تدور حول الروح الإنسانية، فيبدأ بالحديث عن العلاقة الروحية بين الرجل والمرأة، وهي حالة لا بد منها لتصيغ الحياة، وكيف تتشكل الحياة من دون الروح؟ عندئذ وبالابتعاد عن الروح تصبح الحياة مخاضا يقود إلى المجهول، وهذا المخاض هو ما يجعل الإنسان الجمعي كشعور جمعي يتألم، وإن بدا على شكل فردي، لأن كل الأفراد في المجتمع هم الذين يعانون، لتكون الصورة النهائية تعبير عن الشعور الجمعي، والعرض المسرحي ترى ما رأيت يعبر عن الشعور الجمعي.
المسرحية بجزئياتها الثلاث، حيث تبرز ماهية الحب والروح في بداية العرض المسرحي، وما يلاقيه هذا الحب الروحي من معاناة تنعكس على الجسد كصراع ما بين الروح والجسد، ويبقى هذا الصراع يشكل الروح والجسد كحالة ثورية، تعبر عن رؤية جماعية ثم إدانة الحكم، وقبل ذلك تمر الحياة الإنسانية، وكما بدت في العرض بحالة من القهر، لتأتي اللحظة القادمة تعبر عن ثورة وروح تحررية.
االسينوغرافيا: شكلت العرض المسرحي، وهي تشتغل أكثر ما تشتغل على الجسد كرؤية سينوغرافية أيضا.
فالإضاءة، شكلت رؤية انتعاش في حالتين من العرض المسرحي، في المرة الأولى عند النجاة من الغرق، ومهما كانت تلك الحالة قاسية على الإنسان، ويتحمل تلك القسوة الجسد المعترك في خضم بحر متلاطم، والمرة الثانية بعد حالة شبه استقرارية الآن، ولكنها غير مفهومة المعالم، تلك الحالة التي تتحدث عن الثورة التونسية/ الحراك التونسي/ الرؤية التونسية كمجتمع متعدد، وهذا الصراع الحواري، وإن بدا يتشارك في هذا اللون الأحمر، وهنا إشارة إلى التعارك على المستوى الفكري والجسدي مرة أخرى، فالصورة مازالت ضبابية. فالإضاءة تشاركية في العرض المسرحي، فهي لم تكن تلك الإضاءة العادية التي تعطي معنى مجازيا فحسب، لتكون الإضاءة في عرض ترى ما رأيت منتجة للعرض المسرحي كحالة تأويلية.
واللون في العرض المسرحي كمؤثرات ضوئية/ وهو هنا مؤثر جزئي لأنه اشتق من الإضاءة بشكل عام - وبذكر جزئيات المؤثرات، هي ما يجب أن يولي العرض المسرحي اهتمامه بها، لأهميتها في بنية الاشتغال على مستوى العرض كله - واللون يشتغل في العرض كحالة انتعاش للمريض، أو حالة هدنة. واللون اشترك في انتاج المعنى المسرحي التأويلي بعيدا عن اللون العادي أو أحادي الرؤية، ومرة أخرى تمثل برداء الصبي، باللون الأحمر وهو دلالة متعددة، فقد يشير إلى الاندفاع ورعونة الشباب وهذه دلالة بسيطة، ولكنه يشير إلى الثورة، وبرؤى متعددة روحية وجسدية وهي في إطار الثورة أيضا.
السرير يبدو في العرض المسرحي كأيقونة تمثل حالة المرض، وهذه الصفة يشترك فيها كل مكان يعج في المرض والاستشفاء " المستشفى " وهو مكان عام يتواجد في كل المجتمعات، ولكن السرير يشتغل على مستويين أخريين: المستوى الأول الحالة التي تمثلها الحكومة وما آل إليه مصير البلاد والعباد إلى هذه الحالة التي تقود إلى حالة الموات، والمستوى الثاني، إشارة لما يعانية المجتمع " الإنساني " الجمعي بسبب هذا المرض.
في الأول يمثل حالة الترهل، وفي الثاني يمثل حالة القلق والترقب لتنبثق عن القلق رؤية، يسببها المستوى الأول الذي مثل مرض المجتمع في ظل الحكم الفردي والآراء الخاصة بالحكم. فتأتي الثورة التونسية لتخوض التصارع مع الكائن المريض.
الصبي يبدو كأيقونة خطابية مرة من خلال الخطاب الشعري، وتشكل جسدي مرة أخرى من خلال الكوريغرافيا، إنه الحلم الذي تحلم به الثورة، إنه التغيير، وضع له حد منذ زمن بعيد، ثم قرر أن يصرخ مهما كان طغيان اللون الأحمر في النفس الإنسانية، الصبي وهو بالثوب الأحمر يعني الثورة شبابية. إن حلم الصبي الذي بدا على خشبة المسرح كحالة ركحية " صورة " مرتين، المرة الأولى التي تشي بالتحرك والاضطراب، والثانية التي تشي بالثورة والمشاركة الفعلية فيها، وهو المسبب الأول لها وموقد الشمعة التحررية من حكم فردي ينسحب على كل الأمة العربية، حيث يتجاوز المجتمع التونسي، لتصل الثورة إلى مصر وليبيا وربما لن تتوقف! الصبي في المسرحية يمثل الحالة الحلمية، إنها الشتاء، ويبدو هذا الشتاء يتمثل في حالة برد وارتجاف وقلق وارتقاب، ويبدأ يشع الدفء قليلا، فالشتاء يطرق الربيع ويشتغل الربيع على الجانب الروحي والبصري، حياة جديدة تمثل الانتعاش وتملأ العين بالسرور، وبقي الصبي في إطار الشتاء، ومازال الشتاء رابضا، فكأن الربيع أو "الربيع العربي" ومهما قيل حوله قد لا يأتي، ولكن الشتاء يطرقه، وهذه صورة تعبيرية حية ماثلة، فلا مندوحة عن هذا مهما حاولنا إغماض عيوننا عنها.
لابد من الإشارة إلى أن العرض المسرحي يشتغل على مستوى عرض المسرحية على ثلاث جزئيات، في الأولى الروح وعلاقة الروح الثنائية، وهو بالتالي يشكل المجتمع، وفي الحالة الثانية الصراع الذي يدور في المجتمع وهذا الاضطراب وتلك الفوضى، عراك مرير يتمثل بمعانة الجسد بسبب الروح، والحالة الثالثة، حالة الثورة والتحرر وهي تنعكس على الجسد كحلم صغير شبابي يتمثل في الصبي كحلم وأمل.
وتكون المرحلة الثالثة أكثر اعتراكا، لأن التحول هنا بدأ يتشكل بين الذين يريدون صياغة الحلم، فتتوجه الأيدي إلى الجميع، الجميع يتهم الجميع، ويبدأ التصارع مرة أخرى، وهنا تبرز الأبعاد الفكرية المتعددة في المجتمع العربي وفي الثورة التونسية وفي الربيع العربي، ويبقى التصارع قائما تصارع فكري ينعكس على الجسد، فلا بد أن الجسد هو حمّال الأذى كما يقال.
وهنا لا بد من التوضيح أن المسرحية مهما وجهت الأيدي إلى الآخر، فهي تمثل إدانة ذاتية، وهذا ما نلمحه في حالة ركحية حيث تشير الأيدي إلى الجمهور، فالخطاب هنا جماهيري، وإن أشار إلى المجموع العام في المجتمع، فهو يمثل إدانة ذاتية لهذا الصراع، وقد خفت وطأة الاتهام بشكل ما لتنبعج الإدانة إلى الذات، فالكل متورط ولا أحد بريء مما يحدث الآن في تونس أو الرؤية العربية إذا ما صح هذا التعبير، فتوجيه اللوم للآخر يتحول إلى إدانة ذاتية أيضا.
الرقمنة الحاسوبية والفيديو: اشتغلت المسرحية على سينوغرافيا الرقمنة والفيديو كوسيط تقني حديث، يطبل له البعض، ليكون في صلب الوسائطية المسرحية الجديدة، فبدت المستشفى من خلال صورة الفيديو، وهي تمثل حالة المرض وتعكس الصورة الواقعية للمكان، ولكنها في العرض لا تشتغل على هذه الصورة البسيطة بقدر الإشارة إلى حالة مرضية كبرى، وقد تمثلت هذه السينوغرافيا بشاشة توسطت خشبة الركح، واستخدمت بشكل فني، وبقيت الستارة تعمل في العرض بمستويات متعددة، فيبدو ما وراءها تارة شخصيات العرض المسرحي، وتبدو مرة ثانية صورة فيديو، وتبدو مرة ثالثة شاشة سينما، وخاصة فيما يتعلق الأمر بصورة القارب المنعكسة على الشاشة، واضطراب البحر وانقلاب القارب وتصارع الإنسان في البحر، وهنا إشارة إلى حالة المخاض الماضية والتي سينعكس عليها العنوان، عنوان المسرحية " ترى ما رأيت" فهذه الصورة هي " ما رأيت " لم تستمر هذه الصورة كثيرا، حيث تبدو الشخصيات تظهر للعيان بصورة جزئية العنوان " ترى ".
بما يخص هذه الجزئية وأنا لا أخفي أنني لا أحبذ استخدام الشاشات بكل أنواعها في العرض المسرحي الحي خارج إطار السينوغرافيا، ليس لأنها تشتت المتلقي، ولكنها تغيب الممثل أيضا، فالممثل الحي هو حمّال الخطاب والمعنى، والصورة السينمائية، صورة مسجلة ماضوية، فهي لا تكون تحت عنوان المسرح.
وهذا لا يعني أن نتجنب الوسائط الحديثة، شريطة أن تكون سينوغرافيا، وتشتغل، ولكن لا تشتغل على خطف العرض المسرحي الحي، ولا تشتغل على تغييب الممثل، ولا تشتغل على تغييب المسرح في نهاية الأمر، فالخشية من هذه الوسائط أن يصبح المسرح سينما منزلية، عندئذ سيطرح سؤال كبير بألم لماذا أذهب إلى المسرح؟ هذا سؤال مشروع، لأن خشبة المسرح فاضت بالتقنية المسجلة وحتى الدعوة إلى الرقمنة " المسرح الرقمي " وهنا حالة تبدو متردية، قد لا يحسد عليها من يهمه المسرح.
ومرة أخرى سأشير إلى تلك اللقطة السينمائية والتي بدت مقحمة في العرض، صورة الماضي من خلال القارب في البحر، كان بإمكان المخرج أن يشتغل على مجموعة الممثلين " أجساد الممثلين " كسينوغرافيا في العرض بتشكيل هذه الأيقونة ومن وراء الستارة، فتوحي بحالة الماضي، وهنا قد يكون اكتسب خاصيتين، الابتعاد عن الصورة المسجلة السينمائية، والاشتغال على عرض حي يتمثل بأجساد الممثلين، ولا ننس أن هناك سريرا في السينوغرافيا، وممكن أن يشكل منه قارب، هذا الشيء ليس بالصعب، وهو عندئذ ليس تشكلا عاديا، بل تأويليا، وهذا الإقحام في الصورة التقنية على مستوى الفيديو والشاشة، يستطيع المخرج أن يتخلص منه، ليكون العرض المسرحي الحي تعبيري حي بعيدا عن التسجيل.
الكوريغرافيا: لا شك أن عرض ترى ما رأيت عرض كوريغرافي، وتمثل في الرقص التعبيري، والذي يشتغل بالتشابك مع الموضوع المطروح على خشبة المسرح، وهذا الرقص التعبيري، هو الذي يمثل بعدا تأويليا في العرض المسرحي الحي، لأنه تشاركي وينتج العرض المسرحي، ومن خلاله ينتج المعنى، فالجسد حامل للمعنى، وقد حمله في هذا العرض، وبالوقوف على هذه الرؤية الكوريغرافيه ليست حالة اعتباطية، وليست حالة تقسيم ما بين الرقص العادي أو البالية والرقص التعبيري، ولهذا يجب الاشتغال على هذا الرقص مرتين، المرة الأولى على مستوى التدريبات الجسدية العضلية والذهنية، وهذه الجزئية صعبة وبحاجة إلى فنيين متخصصين، والجزئية الثانية هو أن يكون تعبيريا تشاركيا في العرض المسرحي، وهذه الجزئية فنية كرؤية إخراجية ودراماتورجيا. وبذكر الدراماتورج أشير إلى أن العرض بني على خطاب شعري، وهو يبدو بهذه الصورة كدراماتورج، فلم يكن لدينا نص مسرحي، بل خطاب شعري توافق مع الرؤية الإخراجية والكوريغرافيا بإنتاج المعنى من خلال أجساد الممثلين، فالعرض مرة أخرى يمثل مسرح الصورة.
وبما أنني ذكرت الخطاب الشعري، وهنا أشير إلى المخرج، ألم يكن بإمكان الممثلين أن يتقاسموا هذا الخطاب؟ وخاصة أن هناك حالة حوارية في العرض تدور بين الرجل والمرأة، وإن بدت بلغة ثنائية. صحيح قد يكون الأمر صعبا على الممثلين؛ لأنهم اشتغلوا كوريغرافيا من بداية العرض حتى نهايته، لكن اندماج الخطاب اللغوي في الجسد يمثل اندماجية أكثر في العرض المسرحي، وخاصة أننا نتحدث عن رقص تعبيري وليس بالية، الرقص التعبيري اندماجي وباستطاعته حمل الخطابين اللغوي والجسدي، والبالية رقص فردي أو جماعي هو أكيد مجازي، لكنه لا يستطيع حمل أكثر من خطاب الحركة الجسدية المرنة.
العرض المسرحي، يعبر عن حالة تعبيرية " مسرح تعبيري " عن الإنسان وما يتنازعه من قيم روحية تنعكس بالتالي على معاناة جسدية، وهذه التعبيرية وكما أشرت آنفا تدور حول الراهن العربي/ الراهن التونسي.
إن الممثل في عرض " ترى ما رأيت " ومن خلال الخطاب الجسدي، اشتغل بجهد كبير، وهو يحمل الخطاب والمعنى، وما بعد المعنى " التأويل ". العرض المسرحي يتكئ على جسد الممثل ليمثل مسرح الصورة، فهو أكثر بكثير من هذه الرؤية التي تبدو فجة، فعندما نقول مسرح الصورة يبدو للوهلة الأولى حالة مجازية، وقد يشتغل عليه البعض بهذه الصورة، ولكنه في هذا العرض رؤية تعددية.
والتشكيل الجسدي في العرض يتواءم مع الخطاب الشعري، فالشعر إحساس ذاتي وجمالية روحية، تتناغم معه كل الحواس الإنسانية، فالجسد يقدم الموضوع وهو الخطاب النصي في العرض، من خلال الجسد الذي يتمثل بالحركة والإشارة والصوت والموسيقى واللون والضوء وبحالة ذهنية واعية.
وبالوقوف على العنوان " ترى ما رأيت " يوحي إلى حالة المعاناة القديمة الحاضرة، مازال المخاض التونسي يشتغل على مستوى الرؤية الفكرية، وهذه الرؤية ما بين صراع وهدنة. تبحث عن الاستقرار النهائي في إطار رؤية مؤسساتية تحتاجها كل الدول العربية أيضا.
وبالإشارة إلى المسرح التعبيري، فإن الوضع العربي بشكل عام وبشكل خاص لكل بلد عربي هو بحاجة لتصحيح المسار، وهذا العرض جاء إدانة لهذا المسار المعوج على كل الصعد التي تشكل المجتمع العربي: الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، الثقافي " الفكري "، كل المجتمعات العربية بحاجة لاستراتيجية تصحيح مسار، ولكن برؤية تشاركية بعيدا عن النرجسية التي تعني أولا وأخيرا الفساد.
العرض اشتغل بتشابك جزئياته الثلاث، والرؤية الإخراجية عملت جاهدة على تشابك جزئيات العرض كلها من خلال مقولة الحب الروح/ ومعناة الجسد التي بدأت من أول العرض لتنتهي به، بأداء كوريغرافي منسجم مع أطروحة العرض كموضوع، وحضور وسائط تشاركية وتنتج المعنى.
***

منصور العمايرة كاتب وناقد مسرحي أردني
   عمّان يوم 7-5-2013

الأحد، 6 يناير 2013

مُساهمة أما زلنا بانتظار "غودو" ؟ لماذا ؟

مجلة الفنون المسرحية

 أما زلنا بانتظار "غودو" ؟ لماذا ؟


لماذا ينتظر العالم "غودو" بعد كل هذه السنين؟ وكيف شقت مسرحية صموئيل بيكيت طريقها من بين جدران صالة مسرح "بابيلون" في باريس لتقتحم كبرى صالات المسارح العالمية ؟
قبل 60 عاما اجتذبت مسرحية "بانتظار غودو" بنصها الفرنسي جمهورا من أوساط النخبة الباريسية، ويقول جيمس نولسون، صديق المؤلف وكاتب سيرته "كل أولئك الآلاف الذين يدعون الآن أنهم حضروا العرض الأول لم يكونوا هناك، ببساطة لأن عدد المقاعد كان محدودا".
كما أنه لم يكن بالإمكان التنبؤ بأن تلك المسرحية التي جسدت على المسرح في 5 يناير/كانون الثاني عام 1953 ستصبح علامة فارقة في تاريخ الدراما الحديثة.
إذن، لماذا احتفظت المسرحية بشعبيتها وتأثيرها طوال هذه الفترة، متجاوزة بذلك أعمال "كتاب الغضب" الذين برزوا في نفس الفترة تقريبا ؟
يقول بروفيسور نولسون إنه يعتقد أن الغموض هو السبب، فالمسرحية تعتمد الإيحاء أكثر من التصريح بالأشياء بشكل مباشر.
ويضيف نولسون "بإمكان القارئ أن يجد فيها ما يشاء" ، وهذه الحرية في تفسير النص جعلت المسرحية لا ترتبط بزمن محدد.
تطرح المسرحية أسئلة وجودية عن الحياة والموت وتتساءل عن جدوى ما يحدث بينهما، لكن بطريقة لا ترتبط بزمان أو مكان.
واكتسبت المسرحية شهرة بسبب أنها عرضت في أماكن مختلفة، فكل من عانوا الكوارث الطبيعية والحروب استلهموا "غودو": عرضت المسرحية في مناطق الكوارث والحروب من "سراجيفو" عقب الحرب الأهلية إلى نيو أورليانس بعد إعصار كاترينا، وفي سجن "سان كوينتين" في كاليفورنيا رأى السجناء فيها تجسيدا "لانتظارهم".
ومن الطرائف التي مر بها مؤلف المسرحية، أنه كان مسافرا من مطار هيثرو في لندن إلى باريس ، حين سمح قائد الطائرة يحيي الركاب قائلا "كابتن غودو يحييكم"، ويقول بيكيت إنه عندها أحس وكأن القدر قد أمسك بتلابيبه أخيرا بأن وضع غودو المنتظر في طريقة
.
---------------------------------------------
المصدر : Arabic BBC - شون كولان

الاثنين، 19 نوفمبر 2012

كتاب "الإضاءة المسرحية "تأليف شكرى عبد الوهاب

مجلة الفنون المسرحية


 كتاب "الإضاءة المسرحية "تأليف شكرى عبد الوهاب

إن هدف هذا الكتاب، طرح أحدث مبتكرات العلم والمعرفة في مجال الإضاءة المسرحية، وإرساء مجموعة من التقاليد والقواعد التقنية النظرية منها والعملية، التى تصلح أرضية لكل من يريد التعمق مستقبلا في دراسة هذا الفن، كما يهدف إلى تعميق جذور مهنة جديدة على المسرح العربي، وهي مهنة التصميم الضوئي، فالموهبة الفطرية وحدها لا تكفي. لقد ساند المؤلف الموضوع بخلفية تشكلية وتاريخية عريضة أسهمت في جعل التوليفة الفنية كائنا مفعما بالحياة والحيوية.
ومما لاشك فيه أن خبرة المؤلف العملية في هذا المجال وممارسته لهذه المهنة قد أتاحا له فرصة الاقتراب من أحدث ما انجره العقل البشري في مجال صناعة الأجهزة الضوئية من كشافات مركزة وشموس غامرة ومخفضات ضوء فاستعرضها بالتفصيل ليتعرف عليها كل العاملين في مجال الفن.

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

بناء الدور المسرحي والنصف الغائب من طريقة ستانسلافسكي !

مجلة الفنون المسرحية


بناء الدور المسرحي والنصف الغائب من طريقة ستانسلافسكي !



عرض وتحليل : صالح سعد

" خلال بحثنا المستمر عن طريقة لمعالجه المسرحية والدور معالجه داخليه ، حدسية ، طبيعية ، مباشرة ، اهتدينا إلى وسيله جديدة غير متوقعه ، خارقة للعادة ! ..، إن طريقتي هذه تقوم على أساس الصلة الحميمة بين الروح والجسد ، وتستدعى مشاعر الدور بمساعدة خلق حياة جسمنا الإنساني الطبيعي (الفيزيولوجي) ..!"                                            ستانسلافسكي



لا شك بأننا غير ملزمين بديهيا بالتعريف لشخصيه كوستانتين ستانسلافسكي ، شخصية المخرج العملاق الذي يقف أمامنا واحدا من أعمدة المسرح الغربي الحديث ، تلك الشخصية التي وضعت حجر الأساس تقريبا لوظيفة المخرج في المسرح باعتباره أستاذ ومعلم فن التمثيل أولا ، قبل اعتباره فقط صاحب الشكل أو الرؤيا المنظرية التي تهالك إليها فن الإخراج مؤخرا..

وسواء كنا على اتفاق مع منهج ستانسلافسكي أو كنا مختلفين معه ، فان الأمانة العلمية تقتضي ضرورة التعرض إليه عرضا أمينا غير مخل ، خاصة إذا علمنا أن ما قد وصلنا من تراث ستانسلافسكي العظيم ليس سوى شذرات لا تقاس بالنسبة إلى حجم ما خلفه من آثار وكتابات يكفى لبيان ضخامتها أن نعلم أن اللجنة الأكاديمية المشرفة على تراث ستانسلافسكي في الاتحاد السوفيتي قد عملت على نشرة كاملا في ثمانية مجلدات كبيرة.. غير أن هذه المادة الضخمة قد غابت في معظمها عن أيدي وعيون الباحثين والمسرحيين العرب، وبخاصة أولئك العارفين باللغة الروسية ممن انهوا دراساتهم العليا بمعاهد الفن السوفيتي وعادوا إلينا يحملون الدكتوراه خلال الأربعين سنة الماضية..!

* كوستانتين سيرجيفيتش  ستانسلافسكي ( موسكو 5 أو 17 يناير 1863ـ 7 أغسطس 1938):

هو الممثل الروسي، والمخرج، والمعلم المسرحي، ومؤسس ومدير مسرح موسكو الفني، والحائز على لقب فنان الشعب (بالاتحاد السوفيتي) 1936، وهو مفكر عظيم ومنظَر مسرحي.  وقد لا ترتبط الواقعية كاتجاه في الفن المسرحي بكاتب، أو مخرج، من رجال المسرح الحديث (مسرح القرن العشرين) مثلما ترتبط باسم ستانسلافسكي، وطريقته، أو منهجه في الواقعية السيكولوجية. فهو أكثر من حققوا عن جدارة صفة العالمية بصورة عملية، وليس مجرد لقب يضيفه إلى اسمه مواطنوه أو معجبوه افتخارا. والأمر الهام هنا هو أن ستانسلافسكي حاز مكانته تلك ليس بسبب عروضه التجريبية الرائعة، أو آرائه السياسية الساخنة، ولكن لأنه كان وبحق أول معلم تمثيل حقيقي، أي أول من امتلك طريقة أو منهجا في تدريب الممثل.

وقد كان ميلاد منهج ستانسلافسكي هو خطوة مهدت لها كافة خطوات التطور السابقة للمُثل الجمالية للواقعية الروسية خلال القرن التاسع عشر، فقد جاء إبداع المنهج تأسيسا على أفضل ما في التقاليد الفنية الروسية (تقاليد إبداع الفنانين الروس العظام: بوشكين، جوجول، شبكين، اوستروفسكي، ل. تولستوي..) إلا أنه يبدو أن التأثير الخاص على الصياغة الجمالية لنظرة ستانسلافسكي هو ما كان لكتابات تشيخوف وجوركي الدرامية. وهي الواقعية التي تختلف بالمرة عن الطبيعية التي كانت قد سادت المسرح الأوروبي حتى ذلك الوقت، والتي فرضت على الكل مناهضتها لما فيها من سطحية وشكلية فارغة.. وكما يشير ستانسلافسكي فهذه الواقعية التي يقدمها: " لم تعد هي واقعية البيئة، أو الصدق الخارجي السابق، بل واقعية الصدق الداخلي في حياة النفس الإنسانية، واقعية المعايشة الطبيعية التي تتماس بطبيعتها مع مشارف المذهب الطبيعي الروحي.."

في أولى مراحله الفنية كان ستانسلافسكي (ككل المبتدئين) يقلد لعب العديد من الممثلين الكبار،  فقد لعب في صباه عشرات الأدوار الكوميدية الغنائية الراقصة في الفودفيلات، والأوبرتات التي كانت تقدمها حلقة الهواة التي كونتها عائلته.. وكان لهذا ميزة أته سرعان ما أدرك أن تقليد النماذج الأخرى مهما يكن فإنه يقود إلى الأكليشيهات، وأن البحث في الحياة والطبيعة هو ما يقود الفنان ـ عبر طريق واسع ـ إلى الفن الحقيقي  المتسع..

وهكذا قرر ستانسلافسكي رفض الأسلوب الحماسي ـ الخطابي للتمثيل من أجل مدخل أكثر واقعية، يركز على القواعد النفسية لتطور الشخصية، وعلى هذا الأساس أقام منهجه/طريقته، من خلال عمله في مسرحه..مسرح الفن (1898) في موسكو. ولكن ما هي حقيقة هذا المنهاج، الذي أورثه ستانسلافسكي تلامذته في العالم أجمع، وليس في روسيا وحدها..؟

يتألف المنهج (الذي نشرته اللجنة العلمية المشرفة على تراث ستانسلافسكي في ثمان مجلدات باللغة الروسية) وفق الخطة التي وضعها ستانسلافسكي نفسه لمؤلفاته من مدخل وقسمين: المدخل: وهو كتاب (حياتي في الفن) حيث يعرض فيه منطلقاته الأساسية في الفن المسرحي، معتمدا على تجربته الذاتية..

القسم الأول: ويتألف من جزأين بعنوان (عمل الممثل مع نفسه) وهما:

1. إعداد الممثل في المعاناة الإبداعية [الداخلية]. 2. في المعايشة والتجسيد [الخارج].

القسم الثاني: وهو كتاب (عمل الممثل مع الدور) أو (إعداد الدور المسرحي)..

هذا عدا أبحاثه وكتاباته النقدية في الفن المسرحي، وفن الأوبرا، وأيضا رسائله.

وتختلف الطريقة، أو المنهج، عن غالبية الطرق المسرحية السابقة عليها في كونها لا تطمح إلى دراسة النتائج النهائية للإبداع ، ولكن إلى تفسير الدوافع المؤدية إلى هذه النتائج أو تلك.. فمن خلالها تحل مشكلة السيطرة الواعية على العملية الإبداعية اللا واعية وتتبع خطوات عملية التجسيد العضوي التي يجريها الممثل للشخصية.. والمهم أنها لم تكن مجرد نظرية صرف بمعزل عن التجربة الكلية الإبداعية والتعليمية لـ ستانسلافسكي نفسه ومسرحه، وقد سماها ستانسلافسكي "فن المعايشة".. ولا يعني هذا المصطلح، الذي عانى من التباسات كثيرة، أن يفقد الممثل نفسه في الشخصية، بل يعني ما أشرنا إليه من عملية ولادة، أو خلق الممثل " شخصية إنسانية جديدة، على أساس من صفاته الفردية الخالصة., أي أن يُخضع الممثل ذاته، وأفكاره ومشاعره لجميع دقائق، وخصائص إنسان آخر.."ـ كما يقول كيدروف ـ  فالصدق الذي يسعى إلى تحقيقه الممثل وفقا لهذه الطريقة، ليس هو بالمرة الصدق الواقعي، بل هو الصدق الفني: " الذي يؤمن الممثل بوجوده في نفسه، وفي أذهان وقلوب غيره من أعضاء الفرقة.. فالصدق والإيمان متلازمان في الوجود، وبدونهما لا وجود للعمل الخلاق على المسرح.."

هكذا نجد أنفسنا ملزمين بالتعريف لمنهج ستانسلافسكي تعريفا سريعا ومختصرا ، ولكن يسبقه فقط ، تنويه لازم ، بالجهد الكبير الذي بذله المرحوم (د. شريف شاكر ) وهو ناقد مسرحي سوري الأصل ، حيث أخذ على عاتقه مهمة ترجمة وتراث ستانسلافسكي إلى العربية عن الأصل الروسي ، وليس عن طريق الترجمات الإنجليزية ، التي وصلتنا عن طريقها الترجمات القليلة عنه!، ولكن القدر لم يمهله ليستكمل مشروعه الكبير، وسوف نستعين في هذا المقال بترجمته مرشدا وهاديا.، وهناك أيضا جهد فقيد المسرح العربي السوري ، المخرج (فواز الساجر) ، الذي اعد أطروحته للدكتوراه عن (مشكلات العمل وفق نظام ستانسلافسكي مع الممثل العربي).. حتى نتعرف على حقيقة هذا التراث العظيم الذي أورثه (ستانسلافسكي) تلامذته لا في الاتحاد السوفيتي فقط ولكن في كافه أنحاء العالم ! ؟

وسنبدأ من اللحظة التي اكتشف فيها ستانسلافسكي قصور طريقته القديمة في تدريب الممثل اعتمادا على الدوافع السيكولوجية الداخلية ، وعلى طاقته الروحية ، التي تتبدى عند التطبيق العملي شيئا غائما ، لا يمكن الإمساك به ، وهى الطريقة التي مازلنا نعرف بها (ستانسلافسكي) حتى اليوم ! ففي عام 1910م وبعد انتهائه من إخراج مسرحيه (شهر في القرية) للكاتب الروسي (تورجينيف) يشير ستانسلافسكي أول مرة إلى مشكلة الدور وبنائه بواسطة الممثل فيقول : " إن أهم ما توصلت إليه في هذا العرض هو أنني تعرفت على حقيقة معروفه منذ القدم.!، فالممثل ليس بحاجة فقط للعمل في إعداد نفسه ، بل وللعمل في إعداد دوره أيضا.، وهذا مجال واسع يتطلب دراسة خاصة ، وتقنية مستقلة.! "

وخلال السنوات التالية ، كان هذا الموضوع هو ما يشغل بال ستانسلافسكي على الرغم من استمراره في العمل وفق الأسلوب السيكولوجي الخالص الذي اشتهر به ، وهكذا بدا يكتب إعداد الدور المسرحي على أساس مسرحية (صاحب العقل يشقى) ل جريبودييف ، ثم (رواية تربوية) ، وقد توصل ستانسلافسكي بعد هاتين المخطوطتين إلى اكتشاف انه لا يمكن إخضاع المشاعر والأحاسيس الداخلية للمثل لمراقبة العقل وتأثيره على طريقة (أنا أريد أن احزن .. إذن ، فلتدر التروس الداخلية ! ، ولتحترق أعصابي.!) ، فحتى لو تمت هنا معايشة من أي نوع ، فإنها غالبا ما تكون شكليه ، ضعيفة ، لا يمكن الاعتماد عليها ، ولكن حتى في هذه المرحلة كان عمل ستانسلافسكي ما يزال مرتبطا بوجهة نظره الأولية حول عمل الممثل ، التي لم تكن قد وصلت بعد إلى تمام نضجها ، وقد أعرب هو نفسه عن عدم رضاه عن هذه المرحلة.

أما ما يعتبر انه مرحلة النضج الحقيقي في تطوير منهج ستانسلافسكي ، فهو مخطوط إعداد الدور المسرحي على أساس مسرحية (عطيل) شكسبير ..، فهي هذه المرحلة (سنوات الثلاثينات) أدرك ستانسلافسكي أهمية العودة لتقديم نتائج عمله السابق وتعديل منهجه بما يتفق واكتشافاته في الواقع العملي ، التطبيقي مع الممثلين فما هو هذا الجديد الذي توصل إليه ؟ والذي أصبح بمثابة نقطة التحول في منهجه كليه ؟ وهو الذي نزعم انه الجزء الغائب عن أبدى معظم العاملين على طريقته لدينا !؟

هذا الجديد هو (الفعل البدني ـ الفيزيولوجي) باعتباره نقطة الانطلاق في عمليه خلق الشخصية ، بدلا عن المعايشة السيكولوجية الداخلية ، التي اصبح موقعها تاليا منذ الآن ..وهو ما يعنى استجابة ستانسلافسكي لمعطيات التطور في الفن الدرامي آنذاك ، وتوافقه مع الاتجاهات المسرحية الجديدة التي راحت تظهر متتابعة ، وتلقى بآثارها على كل ما هو موجود أصلا ، باعتبار الشكل المثالي ، داعية إلى تغييره ، ولا ننسى أن هذا كله كان يحدث في روسيا التي كانت تعيش مرحلة صاخبة من التغيير بعد نجاح ثورة أكتوبر وتسلم البلاشفة مقاليد الحكم. ، ويكفى أن نعرف انه في عام 1927 كان في روسيا وحدها حوالي 24 ألف مجموعة مسرحية تجريبية ، لها من الورش المسرحية والمعامل والمسارح ، ما لم يكن له مثيل في غيرها من البلدان ..!

وإذن فقد تخلى ستانسلافسكي عن طريقته السابقة في تحليل المسرحية من وراء الطاولة (الترابيزة) واضطر إلى اللجوء إلى لغة الحركة الفعلية مباشرة على الخشبة جنبا الى جنب مع شرح الترابيزة ، مكتشفا أهمية (الارتجال) كقوة دافعة لخيال الممثل الحركي ، يمكن أن تساعده في تحليل دوره وفهمه بشكل عميق وجدلي ! وهو ما سماه ستانسلافسكي (الإحساس الواقعي بحياة المسرحية والدور) وهى الطريقة التي رأى أنها قادرة على تحليل المسرحية بسهولة ، باجتذابها للطبيعة العضوية ، والقوى الإبداعية الداخلية بالتالي ، نحو الإيماء بالأفعال المادية والخلق الفعلي للشخصيات من اجل اكتشاف طبيعة هذه الشخصيات وسلوكها وحقيقتها الداخلية ، لا بمجرد النظر والتعبير الصوتي الزائف ، وإنما برؤيتها في مواقف فعلية ، حركية تستدعى استجابات حقيقية ، صادقة وتكشف عن ماضيها واحتمالات سلوكها وتصرفاتها في المواقف المختلفة ، وهكذا يتم استدعاء المادة الإنسانية الحية الضرورية للإبداع من داخل الممثل ، ويتضح منذ البروفات الأولى إلا حساس بالجو العام للمسرحية ومزاجها. وكما يقول ستانسلافسكي نفسه: " إن جميع هذه الإمكانيات الإبداعية الجديدة ، والمهمة للغاية التي تتمتع بها طريقتي ، تجعل منها وسيلة عملية ذات فائدة كبيرة " !!

على إننا لا يجب أن نمضي إلى ابعد من هذا في الحديث عن نظرية (الأفعال) التي صورناها هنا باعتبارها الركن الأساسي الناقص في معرفتنا بمنهج ستانسلافسكي ، قبل أن نشير إلى ملاحظتين هامتين:

أولا: ما يؤكده هذا القول الذكي لرجل المسرح المعاصر (بيتر بروك) عن النظرية بأنها (حين تصاغ في كلمات فانه كثيرا ما يصيبها الخلط والتشويش). فمنهج ستانسلافسكي في النهاية عبارة عن وحدة واحدة ، وان كان هو قد عمد كثيرا إلى بيان أجزائه كل على حدة ، لكنها أيضا لا يمكن فهمها بمعزل عن وحدتها الكلية ، تماما مثل فكرته عن تقسيم الدور إلى أجزاء أو وحدات منفصلة ، فان تجاهل فكرة الوحدة والفعل الكلى الذي يربط هذه الأجزاء ، يؤدى إلى ضياع ملامح الدور والى ضياع الممثل نفسه ، وهذا يعنى أن ما نعرضه هنا من أسلوب عمل ستانسلافسكي في بناء الدور لا ينفصل في ذاته عن بقية منهجه في التحليل الباطني للمسرحية وعن مفاهيمه الأساسية المعروفة مثل الهدف الأعلى والذاكرة الانفعالية، ولا عن الشروط الأساسية التي وضعها لعمل الممثل مع نفسه (في التجسيد الإبداعي ): مثل الخيال ـ التركيز ـ الصدق ـ الإيمان ـ الاسترخاء ، فما نعرضها هنا يمكن أن يكون على علاقة بكل من هذه الشروط على حدة من ناحية ، وبها جميعا مجتمعة من ناحية أخرى ، بالإضافة إلى كونه يضيف إليها شرطا جديدا هو (الفعالية).

ثانيا: لا يمكن ونحن نتحدث عن الارتجال وتحليل المسرحية واقعيا عن طريق الفعل الفيزيولوجي ، أن نغفل الإشارة إلى أن كل ما يقدمه الممثل في هذا المجال، لابد وان يكون مرتبطا بالدرجة الأولى بمفهوم (الظروف المعطاة) المعروف في منهج ستانسلافسكي، وكما ترى (نينا زفيريفا) فإن المخرجين والممثلين يميلون إلى الانشغال أما بصيغ الأفعال (البحث عن أفعال لغوية طريفة)، وإما بالبحث عن وسيلة التعبير الخارجي ، غافلين عن الشيء الأساسي ، أي البحث عن الدوافع الشعورية الفعالة للأفعال ، واللازمة من اجل تنفيذها .، ويغفل في خضم التهافت على الأفعال المعبرة ، أنها يجب أن تولد من المجموعة المعقدة من الظروف الاجتماعي، والمعيشة، والجو ، والعلاقات المتبادلة ، والشعور. والظروف المعطاة هي ماضي ومستقبل الشخصيات المسرحية ، وهى الجو الذي تعيش فيه ، وهى النظرة إلى الحياة ، والتربية ، والميول والعادات ، وأعمارها ، ومظهرها ، وهواياتها ، وعلاقاتها ببعضها البعض ، وهى ذروة الأوضاع المفجعة أو المضحكة ، العادية أو الخارقة ، والصاخبة، والمتآلفة ، أو الهادئة ، والتي لا يكاد يلحظها الناس المحيطون بها، وبمعنى آخر فانه ينبغي على الممثل عند العمل في إعداد دوره ، أن يبرز الصراع بين " الوجود القائم" لبطله ، وبين حياته الواقعية وكيف يجب ويمكن ويريد ويسعى إلى أن يعيش.

وإذن.. يمكننا الآن العودة لتفصيل مخطط ستانسلافسكي حول "بناء الدور المسرحي" ، والذي اكمل به المعلم الأول جدران منهجه في العمل "داخليا ـ خارجيا" على خشبة المسرح ، وكذلك ـ وهو الأهم ـ العمل "بشكل مبرر وهادف ومثمر"...

وحتى يكون عملنا واضحا ، وغير مخل بالكتاب الاصلى (والذى ترجمه د. شريف شاكر إلى العربية تحت عنوان (إعداد الدور المسرحي)..) فإننا سنختار جزءا بأكمله منه لنعرضه مختصرا ، وهو عبارة عن مخطوطة عمل الممثل في إعداد الدور حسب الطريقة الجديدة على أساس مسرحية (عطيل)، والتي يرجح المؤرخون أنها لم تكتب قبل عام 1937، وهى الوثيقة الوحيدة في هذا الموضوع.

خطة العمل في إعداد الدور المسرحي :

1 ـ التعرف الأول بالمسرحية والدور عن طريق سرد سير فعل المسرحية سردا عاما وليس تفصيليا ، ويتم هذا بالطبع بعد القراءة الأولى للمسرحية التي يوصى ستانسلافسكي بأهميتها ، وضرورة مراعاة أصولها مراعاة كاملة ، تلك الأصول التي يمكن تلخيصها فيما يلي :

- التمهيد للقراءة بصورة تفصلنا عن الشيء اليومي العادي ، وتركز انتباهنا كله على ما نقرا (لا أن نقراها في أي مكان وكيفما اتفق...!)

ـ ضرورة أن نكون نشيطين لحظة القراءة ، سواء من الناحية الروحية أو الجسمانية ، بصورة لا يعيق معها شئ عمل الحدس أو حياة المشاعر .

ـ قراءة المسرحية قراءة تقريرية ، بسيطة ، مفهومة.. دون استخدام أي تعبير فني ساطع ، ولكنها قراءة تكشف في الوقت نفسه عن إدراك حقيقي لجوهر المسرحية الأساسي ، وخطة تطورها الرئيسي ، وميزاتها الأدبية .

2 ـ أداء سير الفعل الظاهري (الخارجي) حسب الأفعال البدنية (الحركية )...

على سبيل المثال يدخل الممثل إلى غرفة .؟ ، طبعا لا يمكنه الدخول هكذا وبصورة صحيحة إذ كان لا يعرف من أين ؟ والى أين ؟ ولماذا ؟ ولذلك فقد يسال الممثل عن الوقائع الخارجية المباشرة (المادية) التي قد تبرر أفعاله ، وهكذا يجرى تبرير الأفعال الفيزيولوجية المباشرة ، بالظروف المقترحة الظاهرية والمباشرة أيضا ، على أن يتم اختيار هذه الأفعال من المسرحية نفسها ، وما لا يكفى يمكن ابتكاره من روح المؤلف. والمهم هو الإجابة على السؤال: ماذا يمكنني أن افعل إذا وجدتُ أنا (الآن) (اليوم ) (هنا) ..في ظروف مشابهة لظروف الدور.

3 ـ القيام بدراسات تجريبية على الماضي والمستقبل (فالحاضر هو المشهد نفسه) من أين جئت ؟ والى أين اذهب ؟ وماذا حدث بين الذهاب والمجيء ؟

4 ـ سرد الأفعال الفيزيولوجية وقصة المسرحية سردا تفصيليا اكبر ، من جانب الممثلين ، وتحت إشراف المخرج ، وفى هذه الخطوة يجرى تدقيق الظروف المقترحة ، وكلمة لو بصورة تفصيلية اكثر عمقا.

5 ـ تحدد المهمة العليا التقريبية المادية للدور بصورة مؤقتة.

6 ـ يتم تحديد خط الفعل المتصل التقريبي (والمادي) على أساس المادة المتلقاه من النص .،

ويستمر السؤال الدائم (الأساسي): ماذا يمكنني أن افعل "لو"...

7 ـ ومن اجل تحديد خط الفعل المتصل ، لابد من اللجوء إلى تقسيم الدور إلى أجزاء فيزيولوجية كبيرة ...

فيكون السؤال هو: ما هي الأفعال الفيزيولوجية/البدنية الكبيرة التي لا وجود للمسرحية بدونها !؟

8 ـ أداء هذه الأفعال (الأجزاء ) الفيزيولوجية على نفس الأساس: ماذا يمكنني أن افعل "لو"...

9 ـ إذا كانت الإحاطة بالجزء الكبير متعذرة ، يمكن التقسيم إلى أجزاء متوسطة ، وإذا احتاج الأمر إلى أجزاء اصغر نوجدها.

ملحوظة : تجرى دراسة طبيعة الأفعال الفيزيولوجية باستخدام أدوات متخيلة ..، ويراعى الحرص على منطق الترابط بين الأجزاء الكبيرة ومكوناتها مراعاة دقيقة توحدها في أفعال كبيرة تامة.

10ـ وضع خط منطقي مترابط للأفعال الفيزيولوجية مترابط للأفعال الفيزيولوجية الظاهرية.، يسجل هذا ويتم تثبيته بالممارسة.. فيؤدى هذا الخط عددا اكبر من المرات ، ويثبت بقوه بعد التحرر من كل ما هو زائد فيه ، ولتحذف منه 95 % ـ لو احتاج الأمر ـ لنصل إلى الصدق والإيمان .، فان منطق الأفعال الفيزيولوجية وترابطها يوصلان إلى الصدق والى الإيمان بهذا الصدق (وهذا بالطبع غير طريقة الصدق في سبيل الصدق !)

11 ـ يجرى تدعيم المنطق والترابط بين الأجزاء وكذا تدعيم الصدق والإيمان في الحالة المذكورة (هنا ـ اليوم ـ الآن ) وتوطيد ذلك كله توطيدا اكبر .

12 ـ نجاح هذه الخطوات كلها يؤدى إلى خلق حاله " أنا موجود ".. وحيثما توجد مثل هذه الحالة ، توجد الطبيعة العضوية وعقلها الباطن.

13 ـ كنا نؤدي حتى الآن بكلماتنا الخاصة ، فلنبدأ بقراءة النص جماعية اون..فالممثل سيلقى الآن من النص كلمات وجمل معينة يكون في أمس الحاجة إليها ، تدهشه بدقتها ، فليسجلها ويدخلها إلى نص الدور بين كلماته الخاصة والعفوية التي تخلقت حتى الآن..

14 ـ بعد مرور وقت قصير تجرى القراءة الثانية ، والثالثة .، مصحوبة بتسجيلات أخرى لكلمات جديده ، تدخل في نص الدور العفوي اللاإرادي ، وهكذا بالتدريج ، في البداية بمساحات منفصلة ، ثم بمراحل طويلة كاملة ، تملأ فيها كلمات المؤلف الدور.، ولا يبقى بعد ذلك سوى ممرات ووصلات صغيرة سرعان ما تمتلئ هي الأخرى بنص المسرحية تبعا لإحساس الممثل بالأسلوب واللغة والعبارة.

15 ـ يحفظ النص ويثبت ..ولكن يجب ألا يلفظ بصوت عال ، حتى لا يفسح مجالا للثرثرة الآلية ، والتلاعب اللفظي (وهو ما يحدث لدينا في البروفات الأولى مباشرة ـ !.) ..والميزانسين أيضا لا يُثبت حتى لا يفسح المجال لاتحاد خط الميزانسين مع خط الثرثرة الآلية.

16 ـ يعاد أداء خطوط الأفعال المنطقية المترابطة ، بالصدق ، والإيمان بهذا الصدق ، وتأكيد حالة (أنا موجود) والطبيعة العضوية للممثل وعقلها الباطن ، ويكرر هذا لفترة طويلة حتى يتم توطيدها بقوة مع نص الدور ، فهكذا تتولد أثناء تبرير الأفعال ، بصوره تلقائية ، ظروف مقترحه اكثر دقه ، وينشا خط للفعل المتصل اكثر عمقا واتساعا وشمولا ..

17 ـ وأثناء هذا العمل يستمر سرد مضمون المسرحية بصورة تفصيلية اكبر فاكبر ، ويبرر تدريجيا بصورة غير ملحوظة خط الأفعال الفيزيولوجية بظروف مقترحه سيكولوجية معمقه ، وبخط فعل متصل ، وبمهمة عليا.

18 ـ الاستمرار في أداء المسرحية حسب الخطوط المقررة ، والتفكير بكلمات النص واستبدالها أثناء الأداء بالنبرات !

19 ـ الآن وقد تحددت معالم الخط الداخلي الصحيح من خلال عمليه تبرير الخط الفيزيولوجي الظاهري وغيره من الخطوط ، فانه ينبغي تقويه هذا الخط الداخلي ، حتى يصبح النص المنطوق خاضعا له فلا يصبح نصا آليا..

20 ـ يستمر أداء المسرحية بالنبرات ، وفى الوقت نفسه العمل على تأكيد خط ما وراء النص الداخلي .

21 ـ يعاد السرد لمضمون المسرحية ، ولكن بكلمات الممثل الخاصة :

أ ـ حول خط الفكرة

ب ـ حول خط الرؤيا.

فيشرح كل ممثل لزميله هذين الخطين ، من اجل خلق خط داخلي عام (جماعي) للفعل ، وهذه الخطوط الأساسية لما وراء نص الدور لابد من توطيدها بقوة اكبر وتعميقها.

22 ـ تتم الخطوة السابقة على الطاولة، ثم يقرأ الممثلون نص المؤلف وهم جالسين (أياديهم تحت مؤخراتهم حتى لا تتحرك) معبرين فيما بينهم ، بدقه قصوى عن جميع الخطوط ، عن الأفعال والتفصيلات ووحدة الدور التي تمت صياغتها.

23 ـ تتكرر هذه العملية مع تحرير اليدين والجسم وبعض الانتقالات والميزانسينات العرضية على خشبة المسرح.

24 ـ صياغة خط الديكور وإقرارها..حيث يسال كل ممثل عن المكان الذي يفضل أن يكون فيه ، ويضع كل ممثل تصوره ، ثم من جميع التصورات التي يضعها الممثلون يتم وضع تصور (خطة) الديكور !

25 ـ صياغة الميز انسين وتمديده ..حيث يجرى ترتيب خشبة المسرح وفق خطة الديكور ، ويسال الممثل عند دخوله مثلا: أين يمكنك أن تفصح عن حبك ؟ أو تقنع صاحبك ؟ أو تتحدث بصراحة ..الخ..؟ أين يكون الانتقال لإخفاء ارتباكك..

وهكذا ، يبدأ الممثلون في تنفيذ جميع الأفعال الفيزيولوجية الضرورية حسب المسرحية.

26 ـ التحقق من خطوط المكان والميزانسين ، وفتح هذا الجدار أو ذاك بصورة مقصودة.

27 ـ العودة إلى الطاولة وفتح عدد من الأحاديث حول الخطوط الأدبية والسياسية والفنية للمسرحية .

28 ـ سمات الشخصية ..إن كل ما تم صنعه حتى الآن ، قد عمل على خلق سمات الخارجية فيجب أن تظهر أثناء ذلك من تلقاء نفسها ، ولكن ماذا نفعل إذا لم تظهر السمات الخارجية؟...

في هذه الحالة علينا أن نقوم بكل ما تم صنعه ولكن في حاله عرج ما ، أو في حاله كون اللسان به عيب ، أو في وضيعه معينة للأرجل أو الأيدي أو الجسم كله ، أو في حاله وجود عادات وتصرفات خارجية معينة .!بمعنى انه إذا لم تتولد السمات الخارجية للشخصية من تلقاء نفسها ، فيجب تطعيمها من الخارج مثلما نطعم غصن ليمون عادى بليمون هندي !

ـ وبعد ...

فهذا ملخص مبسط جدا لعمل ستانسلافسكي الهام حول بناء الدور المسرحي نورده ونحن ندرك أهمية إعادة النظر في تراث فن التمثيل في المسرح المصري وهى مهمة مناط بها المخرجون بالدرجة الأولى ، حيث قد تكدست لدينا مجموعه من التقاليد والمفاهيم المغلوطة، الميتة، للتمثيل والإخراج على خشبة المسرح المصري بداية من تقاليد البروفة الأولى، وبروفات الترابيزه، وانتهاء بطريقة عمل الميزانسين، ووضع تصورات الديكور والملابس.. وكما يقول (ستانسلافسكي) نفسه مرة أخيرة انه:

" شئ مؤلم أن يعتقد الفنانون بان فنهم اصبح مكتملا، وان يتوقفوا عن الحركة.. ولكن ليس اقل من ذلك باعثا على الألم عندما ينحني الفنانون للجديد فقط لمجرد كونه شيئا جديدا...!"

---------------------------------

نُشرت للمرة الأولى بمجلة المسرح المصرية – القاهرة – العددين 25،26 ديسمبر1990، يناير1991

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption