«السعداء» مسرحيّة بلجيكيّة عن التعايش وضد التمييز والعنصريّة
مجلة الفنون المسرحية
عمل غنائي عن اندماج المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة
عمل غنائي عن اندماج المهاجرين في مجتمعاتهم الجديدة
لا يمكن إحصاء الأفلام السينمائيّة، الروائيّة منها والوثائقيّة، والأعمال الإبداعيّة الأدبيّة العربيّة والأجنبيّة، التي تناولت شجون وشؤون المهاجرين واللاجئين في المجتمعات الغربيّة، والإشكالات الاجتماعيّة، الاقتصاديّة، النفسيّة والقانونيّة التي تعترضهم، والتحولات التي تطرأ على حيواتهم ومدى قابليّتهم لعملية الاندماج في المجتمع والفضاء الاجتماعي الجديد. ولكن، نادرةٌ هي الأعمال المسرحيّة الأجنبيّة والعربيّة التي تناولت هذه المشكلات وعالجتها بطريقة فنيّة، بعيدة عن اللغة الخطابيّة - التقريريّة المباشرة. وطبقاً لما سلف، لا تأتي أهميّة مسرحيّة «السعداء» لمخرجها البلجيكي بيتر سخونآيرتس من كونها تناولت هذه القضيّة، بحساسيّة فنيّة عالية فقط، بل من تزامن هذا العرض المسرحي، مع تصاعد موجة مناهضة الأجانب، العرب والمسلمين بشكل خاصّ، في البلدان الأوروبيّة، بخاصّة بعد الهجمات الإرهابيّة التي شهدتها فرنسا وبلجيكا. وعليه، يمكن اعتبار هذه المسرحيّة، خطاباً إبداعيّاً مناهضاً لهذه الموجة، طارحاً سؤالاً عن ماهية السعادة في سياق تناول الهم الإنساني المشترك لمجتمعات اللاجئين في بلجيكا، كعيّنة من هذه المجتمعات في البلدان الأوروبيّة الأخرى.
يوحي العنوان «السعداء» أو «سعيدو الحظ» وكأنّ هذا العمل المسرحي، هو الخطاب الإبداعي المناقض، الذي يحاكي رائعة فيكتور هوغو «البؤساء» التي نشرت سنة 1862، وتحوّلت فيما بعد إلى أعمال سينمائيّة ومسرحيّة. لكن، لا رابط بين العملين عدا جزئيّة تناول الهمّ الإنساني.
قدّمت الفرقة عرضها الأول في العاصمة البلجيكيّة بروكسل، يوم 10 شباط الماضي، وكان العرض الثاني لها في مدينة أوستند الساحليّة البلجيكيّة على بحر الشمال يوم 17 من آذار 2015. وستعرض هذه المسرحيّة في كل المدن البلجيكيّة.
تتألّف الفرقة من 12 ممثلاً وممثلة، من جنسيات مختلفة، يعيشون في بلجيكا، كراوندا، زامبيا، روسيا، بولندا، البرازيل، أميركا، وسوريا.
طغت الاجواء الاستعراضيّة على المسرحيّة، بحيث ظهرت وكأنها عمل غنائي استعراضي، أكثر من كونه عملاً ينحو نحو الدراما الجادّة. وعلى قلّة الحوارات بين الممثلين، إلاّ أن العفويّة كانت السمّة الأبرز لهذه الحوارات، أثناء تقديم كل شخص لنفسه، وسبب وجوده في بلجيكا، سواء لطلب العمل او الدراسة او اللجوء السياسي والهرب من الفقر أو من حالة الحرب والقتل والتهجير التي تشهدها بلاده، كما في حالة الممثل السوري الشاب محمد سلطان، المشارك في هذه المسرحيّة. ورغم كثرة عدد الممثلين على خشبة المسرح، وأجواء الرقص والغناء، إلاّ أن حركة الممثلين كانت متناسقة ومنضبطة ومنسجمة، لا يشوبها خلل أو ارتباك أو توتّر. زد على ذلك، نجح المخرج في توظيف الإضاءة بشكل ذكي ومؤثّر في المسرحيّة، بحيث يمكننا القول: إن الممثل الثالث عشر في هذه الفرقة، كان الإضاءة. ولا ننسى أن المخرج لم يمنح أياً من الممثلين دور البطولة المطلقة، بحيث تظهر البقية وكأنهم أبطال من الدرجة الثانية، أو لزوم الحشو والكومبارس. فظهر كل ممثل وكأنّه هو البطل الرئيس للعمل، بالتساوي من زملائه الآخرين.
حاول العمل الإحاطة بسؤال السعادة، من خلال تعبير كل ممثل عن مفهوم السعادة بالنسبة إليه، مضافاً إليه، التأكيد على أهميّة الاندماج في المجتمع الجديد، عبر تعلّم اللغة الفلامانكيّة (الهولنديّة البلجيكيّة) على أنها أبرز المفاتيح التي تفتح أبواب التواصل والنجاح والاستمرار في المجتمع البلجيكي أمام الأجانب. وما يمكن تسجيله حيال هذا العمل، أن كثرة الأغاني الهولنديّة المشهورة التي تمّ توظيفها في هذه المسرحيّة، مع قلّة الحوارات، جعلت العمل المسرحي أقرب إلى حفلة موسيقيّة منه إلى العرض المسرحي. بمعنى، تعثّر السيناريو في خلق حالة توازن بين الحوارات والأغاني التي قام الممثلون بأدائها. ومعلوم أنه حتى في الأعمال المسرحيّة الغنائيّة والاستعراضيّة، لا مناص من الحفاظ على مساحة كافية ومهمّة للحوارات بين أبطال العمل، وتوخّي عدم تضييق هذه المساحة على حساب توسيع مساحة الموسيقى والغناء والاستعراض.
كاتب ومخرج هذه المسرحيّة هو بيتر سخونآيرتس، الذي تخرّج من جامعة لوفن البلجيكيّة، ويحمل إجارة من مدرسة الدراما في نيويورك. قال أنه عمل نحو 15 سنة في المسرح التوجيهي - التعليمي الذي يحفّز المهاجرين واللاجئين في بلجيكا على تعلّم اللغة الهولنديّة، مشيراً إلى أنه «ترك حرية تحديد الملابس للممثلين، شريطة ان تكون باللونين الأحمر والأسود، لخلق وحدة حال بين الممثلين. ومنعاً للبهرجة اللونية التي يمكن ان تشدّ أنظار المشاهد إلى الهندام أكثر منه إلى التركيز على فحوى الاغاني والحوارات، «اللون الأحمر، دافئ، باعث على الحبّ والمودّة».
حول سبب الإطار الغنائي - الاستعراضي للعمل، قال سخونآرتيس: «أعتقد أن الموسيقى يمكن أن تصل إلى جميع الناس، حتى الذين لا يعرفون التحدّث كثيراً بالهولنديّة (الفلامانكية)». قائلاً إنهم استنفدوا 140 ساعة في البروفات على الغناء والرقص والأداء، وأن أمامهم نحو 30 عرضاً في المدن البلجيكيّة، مع احتمال أن يرتفع إلى 50 عرضاً.
الممثل السوري الشاب محمد سلطان (22 سنة) المشارك في المسرحيّة، له عدة أعمال مسرحية منها، «ضمائر منفصلة»، «القدس تحترق»، «المهرج». وكان شارك في أعمال درامية سورية من بينها «ذلك الحنين» و»حكايا من الشعوب». قبل مغادرته سورية في أيلول 2011، بعد اندلاع الثورة، كان من المفترض ان يشارك في عملين مسرحيين، «عنبر رقم » المقتبس من قصة الكاتب الروسي انطون تشيخوف، و»كلوميديا». وبعد رحلة مريرة، وصل سنة 2012 إلى بلجيكا. وفي 2013 عاد إلى عالم التمثيل عن طريق صناعة الأفلام القصيرة وتحميلها على مواقع التواصل الاجتماعي. بدايته الأولى في المسرح البلجيكي، كانت في مسرحية «الشتاء تحت الطاولة» للمخرج ديرك موسيلمانز.
عن مشاركته في المسرحيّة، قال سلطان: «كانت مفاجأة وتجربة ممتعة، تعرّفت خلالها على ثقافات الآخرين. وكيف يمكن صناعة شيء من لا شيء». وأضاف: «المهم بالنسبة لي، أنني استطعت التعبير عن أوجاع المهاجرين، وآلام الكثير من المهاجرين العرب، خصوصاً السوريين الذين ظلموا كثيراً من قبل الطغاة».
----------------------------------------------
المصدر : هوشنك أوسي - المستقبل
0 التعليقات:
إرسال تعليق