أختيار لغة الموقع

أخبار مسرحية

آخر المنشورات في صور

الاثنين، 23 مارس 2020

كتاب "مواسم مسرحية " تأليف نوري عبدالدائم أبو عيسى

مجلة الفنون المسرحية







مقدمة


   تفتقر المكتبة الليبية الى دراسات تعني بالشأن المسرحي الدولي بصفة عامة والليبي بصفة خاصة ، رغم مساهمات العديد من الكتّاب الليبيين ، منها ماحالفها الحظ للنشر . وظلت الأخرى متناثرة في العديد من الصحف والمجلات الليبية التي  لم تجمع إلى الأن لتأخذ طريقها نحو النشر . 

 هذا الكتاب محاولة لإلقاء الضوء  ومتابعة " التظاهرات والمهرجانات الليبية إضافة إلى " مهرجان القاهرة التجريبي ، وأيام قرطاج المسرحية " مع التأكيد على المساهمات المسرحية الليبية  في هذين المهرجانيين ، مع متابعة لبعض الأحداث   المسرحية العربية والعالمية ورموزها .   
هذه المساهمات نشرت في صفحة المسرح بمجلة المؤتمر من " 2003 – 2007 " .

                                                       نوري عبدالدائم أبوعيسى 
جنزور / قامارا  15-3-2007 م


أيام قرطاج المسرحية….
البحث عن الجديد


 في الموعد تطل الدورة الحادية عشر لأيام قرطاج المسرحية التي تعتبر من أهم المهرجانات العربية التي حافظت على مواعيدها حتى أنها أصبحت من ثوابت معالم مدينة تونس . تعاقب على إدارتها_ أي الأيام_ مجموعة من المبدعين الذين أثروا الثقافة التونسية والإبداع التونسي العربي، بداية من المخرج " المنصف السويسي، المخرج محمد إدريس، الكاتب عزا لدين المدني، الدكتور محمد المديوني، وأخيرا الممثل هشام رستم ".  يصادف في هذه الدورة - التي تقام كل سنتين - احتفالها بمرور عشرين سنة  على تأسيسها(أكتوبر1983 _أكتوبر(2003. وقد احتضنت الأيام العديد من الأعمال العربية والعالمية وعرفت بالمسرح العربي والأفريقي وفتحت نافذة عما يجري في المسرح الأوربي، والمسرح الأفريقي، وصولا إلى المسرح الصيني، والياباني، والروسي، ومسرح أمريكيا اللاتينية. ،كما استضافت العديد من رموز المسرح العالمي. وكرمت العديد من المبدعين. _ المسرح الليبي كرم من خلال الممثل عمران راغب المدنيني والممثل والمخرج محمد شرف الدين_.كما تبنت الكثير من الورش الفنية بإشراف العديد من المبدعين المسرحيين الدوليين، والعرب، والأفارقة . إضافة لترتيبها للعديد من المحاضرات لمخرجين ومسرحيين ومهتمين من أنحاء العالم.واعترافا منها بدور المسرح الجزائري الفعال في النهوض بالمسرح العربي وتطويره والذي يعتبر بحق من أهم التجارب الفاعلة في الوطن العربي لولا الأحداث الأخيرة التي راح ضحيتها العديد من المبدعين الجزائريين أهمهم المخرج عبدا لقادر علولة الذي يعتبر أحد رموز التجديد في المسرح العربي  و بهذه المناسبة ثم تكريم المسرح الجزائري وبعض رموزه الذين رحلوا عن الساحة الإبداعية  مثل الراحل كاتب ياسين بقراءة بعض النصوص،مثل ( حضور كاتب) لمحمد القاسمي التي قرأها الممثل الجزائري الكبير سيد أحمد عقومي، و  (توائم نجمة ) لبنعمار مديان ،مع شهادة للمخرج التونسي  محمد إدريس  . أما المخرج الجزائري الكبير عبدا لقادر علولة الذي راح ضحية أحداث الجزائر تميزت بمشاركة أسرته فقد أشرفت رجاء علولة على معرض يضم سيرته الخاصة والإبداعية، و ( نصوص أبي ) قرء آت قامت بها ابنته رحاب علولة. وأناشيد قدمها الممثل الأثير لديه  محمد حيمور ، وشهادة للسينمائي محمد إفتسان  إضافة إلى عروض لبعض أعماله أهمها مسرحية ( ناسين وسلاطين ) التي شاركت في المسابقة الرسمية في هذه الدورة وهو نص لعلولة عن عزيز ناسين. وقراءة لمسرحية ( لجواد) وعرض فيديو( لمجنون غوغول ). كما يقدم المخرج الجزائري شريف عياد الزياني، والممثل سيدي على كويرات،والممثلة التونسية منى نورالدين شهادات عن مصطفى كاتب .
تميزت هذه الدورة باستضافتها للعديد من فرق( مسرح الشارع) التي أضفت على الدورة مسحة من التوهج، والحيوية، والحياة في الشارع التونسي عبر منابرها، ساحة تمثال ابن خلدون، وأمام المسرح البلدي ، وشارع الحبيب بورقيبة ، وأمام البلماريوم. وللحديث عن هذه الدورة فأن مستوى العروض المسرحية المشاركة  لم تكن في مستوى عراقة المهرجان _ يستثنى القليل منها_ والأسباب عديدة فهي تفتقد لعروض لفرق لها أهميتها فقد بدأت الدورة تأخذ شكل( مهرجان الهواة) ، فمن الواضح بأن اللجنة لم تبذل جهداً في اختيار عروض مميزة فهناك الكثير من العروض المميزة بتوقيع فرق شابة .فنحن لا نطلب من اللجنة استضافة فرق عريقة_ كما حدث في دورات سابقة_فربما لا تكفي موازنة الدورة للتغطية المادية لفرق بهذه العراقة فأعضائها  بطبيعة الحال  لهم التزاماتهم مع  السينما والتلفزيون(المرئية) إضافة لالتزامهم الرئيس  في المسرح، فمن حقهم بأن يطلبوا مقابل تجميد عقودهم مع هذه المؤسسات. كما أعتقد أنه  من حقنا على اللجنة المشرفة   بأن تحترم رحلة هذه الأيام وتاريخها الإبداعي ومجهود أجيال من الإداريين والمبدعين لإنجاحها فنحن دائما نطمح للأفضل. كما نلاحظ بجلاْ غياب مشاركة الرموز بإنتاجهم  .مثل الطيب الصديقي، سعد أردش، اسعد فضة، روجيه عساف ، شريف عياد الزياني ، حتى وإن كنت الدورة تحمل شعار( الشباب حامل المشعل). بينما شارك جيلهم في المسرح التونسي في عروض موازية للمهرجان، محمد إدريس، فاضل الجعايبي، المنصف السويسي، ولا ادر هل قاطعا المخرجان توفيق ألجبالي و المنجي بن إبراهيم الدورة  أم العكس .
يشارك في المسابقة الرسمية ثلاثة عشرة دولة عربية وأفريقية  وهي تونس ، مصر ، الجزائر، فلسطين ، المغرب ، سوريا ، لبنان ، المملكة العربية السعودية ، الأردن، بوركينا فاسو،السينغال،الكاميرون.      
. أريد أن انوه أخيرا بأن هذه الدورة تبنت الجيل الجديد من  المسرحيين العرب التي نعتبرها التفاتة ايجابية تحسب لصالح الدورة.حتى وإن كان العديد منهم مازال يتحسس طريقه .
  
 أعلنت النتائج مساء السبت 18/ أكتوبر /2003
وكانت 
*جائزة أفضل ممثل للجزائري  بوعناني سمير لأدواره التي جسدها في مسرحية ( ناسين وسلاطين ) للمسرح الجهوي بوهران .
*جائزة أفضل ممثلة للأردنية ساندرا ماضي لتجسيدها لدور الليدي ماكبث في مسرحية( ماكبث)، لمجموعة حكيم حرب، الأردن
*جائزة أفضل تقنية لمسرحية ( حرب على البلكون) لفرقة عمر الراجح، لبنان.
*جائزة لجنة التحكيم الدولية لمسرحية ( فام) لفرقة فام ، السينغال. 
* التانيت البرونزي يكون من نصيب مسرحية( هبة المالك )، لفرقة ناغوتي ، الكاميرون.
*التانيت الفضي لمسرحية ( عشاق القمر ) لفرقة المسرح الحي بسوسة، تونس.
* التانيت الذهبي لمسرحية ( قصص تحت الاحتلال) لفرقة مسرح القصبة، فلسطين . وهي المرة الثانية التي تفوز بها بعدما حازت على جائزة أفضل عرض مسرحي في مهرجان القاهرة التجريبي .

*لجنة التحكيم الدولية 
وحيد السعفي كاتب وأكاديمي (تونس) رئيساً
فلادمير بيتكوف مخرج مسرحي (بلغاريا) عضواً
بهجاجي محمد ، كاتب وصحفي( المغرب) عضواً
أمبروزا أمبيا مدير مهرجان ودرامي(الكاميرون) عضواً
محفوظ عبدالرحمن كاتب سيناريو ودرامي (مصر)عضواً
هيام عباس ممثلة (فلسطين) عضواً
ليونارد يانكو كاتب ومخرج (توجو) عضواً
*يكرم المهرجان ثلاثة من المبدعين
الحبيب شبيل سينوقرافي ومخرج (تونس)
سامية بكري ممثلة ومخرجة ( فلسطين)
إمبرواز إمبيا مدير مهرجان ودرامي( الكامرون)

*من قصص الاحتلال 
   للمرة الثانية يشارك مسرح القصبة (فلسطين) بمسرحية (قصص تحت الاحتلال) التي شارك بها في مهرجان القاهرة التجريبي وتحصل وقتها على جائزة أفضل عرض، المسرحية هي عبارة عن مجموعة من  مشاهد متلاحقة  تجسد من خلال ستة ممثلين _خمسة ممثلين وممثلة _ معاناة الشعب الفلسطيني 
. عند افتتاح العرض يطالعنا  الديكور البسيط وهو عبارة عن أكوام من ورق الصحف المختلفة موزعة على ثلاثة أكداس  يختفي تحتها الممثلين وطاولة صغيرة في أسفل يمين الخشبة.. .يبداء الممثلون في الخروج من تلك الأكداس لسرد وتجسيد المعاناة اليومية بشكل لا يخلو من الطرافة فهم يتكلمون عن الموت، والهدم، والحصار ومعاناة أطفالهم، والمخيمات، والتشرد، والفاقة   بكل بساطة وبسخرية مرة يضعونك أمام موقف متردد  إزاء تعاملك مع  هذه الحالة ، كأن تشاهد مكالمة  بين أب وابنه في الخارج يردد الأب لازمة" بأن كل شيء بخير" بعد كل إجابة عن أسئلة ابنه المتلاحقة ، البيت  هدم.... ، فلان استشهد.....، فلانة ماتت في حالة ولادة بسبب الحواجز التي منعتها من الوصول قي الوقت المناسب للمستشفى ،  فلان فصل من العمل ، الحقل اقتلعت أشجاره وبني مكانه مستوطنات ، وتتكرر لازمة كل شيء بخير ، نحن بخير ، الكل بخير ....،وممثل يجسد سيرة حياة حقيبة  ملت الحالة التي تلازمها من تشرد، أب يخاطب  حقيبته طفله الذي لم يعد من المدرسة _ قتل على أيدي الجنود الإسرائيليين_ حتى انه لم يتمكن من أكل تفاحته  .، يكمن سر المسرحية في صياغة الحوار بطريقة عبثية وساخرة،و في المفارقة ، فأن العمل يغلب عليه الطابع المحكي فنحن أمام جوقة تروي الحدث وتعلق عليه وتجسده فالحوار عنصر رئيس في العرض . فهم لا يسمحون لك بالتعاطف المبتذل التعاطف المجاني، التعاطف الخارجي، ولكنهم يضعونك في قلب الحدث   بوضعهم أسئلة كبيرة، وأحيانا أسئلة معروفة ولكن إعادة صياغتها يضعك أمام حالة اكتشاف جديدة للمعاناة. يضعونك في مواجهة عقلك للتفكير بعمق وبحياد أحيانا. فالعمل لا يخاطب متفرج عربي لديه حالة إشباع قوامها أكثر من خمسين عاما بل يضعك أمام حالات إنسانية تخاطب الإنسان في كل مكان، مدعمين فكرتهم بأرقام وحوادث حقيقية فهو يميل أحيانا إلى المسرح التسجيلي، الحركة كانت بسيطة وسلسة وكذلك الإضاءة والملابس _ التي كانت واقعية_ الموسيقي والمؤثرات كانت مركزة  ومؤثرة ، العمل تأليف جماعي وإخراج نزار زابي . عمل يستحق عن جدارة جائزة التانيت الذهبي. 

*مراد الثالث
  المسرح الوطني التونسي بإدارة محمد إدريس  يقدم على تجربة لا تخلو من المغامرة الجريئة بإعادته إحياء  نص كلاسيكي  قدم منذ أكثر من خمس وثلاثون سنة ((1966 بإمضاء  المخرج والممثل الراحل علي بن عياد_ النص مهدى له من قبل المؤلف_  ولاقى نجاحا كبيرا ما يزال حياً في ذاكرة المشاهدين والمتتبعين للمسرح التونسي
 ، النص(مراد الثالث) للحبيب بولعراس ومن إخراج محمد إدريس ،تجري أحداث المسرحية في الفترة مابين(1699  _(1702 م ، أبان فترة حكم مراد الثالث أخر البايات المراديين و بنهايته ينتهي حكم المراديين في تونس. تحكي المسرحية سيرة حياة مراد الثالث الذي استولى على الحكم وهو في ريعان الصبا بعدما فر من سجن عمه رمضان باي الذي أمر بسمل عينيه تحت تأثير نديمه ( مزهود ) المغني الأثير لديه ، ولكن الطبيب تحايل على تنفيذ الأوامر بأن أحدث أضرار خارجية وتزويده بدواء يزيل  الأثر مع الزمن ومن هنا تبداء الأزمة الخاصة التي ملأت قلب مراد بالحقد على حاشية عمه وكل من وافقه على تنفيذ الحكم ، علماء الدين، الأئمة، أعيان البلاد، الزبانية ، وبالتالي كل حاشية النظام_ أي نظام_ فهو يرى بأنهم سبب بلواه  ، ومن هنا وبعد توليه العرش يبدءا رحلة الانتقام... ،"كلما أشتعل قلبي حبا أحرقته نار النقمة والثأر"، رحلة الدماء، رحلة الحرب ..."سبيل الحرب ضد النفاق والجبن وراحة البال وسراب الحياة" رحلة الطغاة . يذكرني إلى حد بعيد ب "كاليجولا / البير كامو " فهناك الكثير من نقاط التلاقي بينهما فكل منهما مر بأزمة خاصة_ تتمثل في موت عشيقة وأخت كاليجولا، وسجن وسمل عيني مراد_ وكلاهما مثقف وذكي ولماح ومجادل من طراز رفيع ، اعتلائهما سدة الحكم صغيرين،  ،  ردة أفعالهما الدموية على المقربين منهما ، .،ازدرائهما  المتملقين والمنافقين أعمدة النظام. وأخيراً نهايتهما المتشابهة.  فمراد ضحية مرحلة فتن ودسائس عاش في كنف الدماء والحروب شهد حروب الأشقاء_ والده مع عمه_ أبصر الفواجع وهو غضاً خبر الحياة من بابها المظلم ،فلا مكان للبهجة في حياته حتى الموسيقى يتحاشاها لأنها تذكره بمزهود المغني، و لم يكن للمراءاة مكان في قلبه أو تأثير على أفعاله فهو لم يعرف الحب إلا ذكرى قديمة مع ابنة خاله التي يربطها بمصيره دونما وعد بزواج، أو ابنة عمه التي يزوجها بابن عمهما وسرعان ما يتهمه بالتآمر فيرملها بقتله . فالمرأة  غير حاضرة في هذا العمل وغير فاعلة ،حتى أن ابنة خاله تصل في الوقت الغير مناسب لتحذره من الموأمرة التي تحاك ضده. لاعشق  إلا ل " البالة"_ اسم سيف مراد_  ولا إرضاء إلا لها كما جاء على لسانه " البالة جاعت هاتوا البالة" فبعدما أسرف في القتل ضاق به  الأهالي وضاق به من حوله  بعدما حاول جر البلاد إلى حرب جيرانه( الجزائر)، يقتله قائد فرسانه إبراهيم الشريف_بعدما أحضر فرمانا من الباب العالي بتوليه مقاليد البلاد_، بالاتفاق مع الحاشية والأعيان، تلك البطانة التي كان يحاذرها مراد دائما .
حاول المخرج قدر الإمكان استغلال مساحة  مكان العرض. فقاعة القصر الرئيسية _ قصر باردو_  عبارة عن نصف دائرة قسمه إلى مستويين النصف الأسفل يتخلله مجموعة أبواب تفضي إلى القاعة الرئيسية إضافة إلى باب في  أعلى  وسط الخشبة  يعطيك إيحاء بأنه يفضي إلى دهليز . المستوى العلوي تتخلله أيضا مجوعة من الأبوإب تفضي إلى شرفات التي بدورها تطل على القاعة الرئيسية ، وعلى امتداد مقدمة  الخشبة يمتد مستوى (ممر)حتى نهاية صالة المشاهدين بذلك يقسم المشاهدين إلى نصفين لإعطاء الإيحاء بالحميمية أو ربما بأنك شاهد على الحدث ،كما أستغله_ أي الممر أو المستوى_ المخرج  لتتم عليه كثير من المشاهد، كدخول موكب مراد إلى القاعة،  ودخول المبايعين،  و مشاهد عرس للا أمينة . استغلاله للستائر الشفافة المتحركة التي تمتد على طول المستوى الذي يقسم الصالة. وأحيانا يستغلها لتمتد على طول مقدمة الركح تعطيك إحساس بالجلال والفخامة ، والأجواء الممزوجة بالأسطورة .فتصميم  الديكور بمساعدة الإضاءة  تيسر طريقة الانتقال من مشهد إلى أخر إضافة  للستائر المتحركة والإكسسوارات التي يتم بها تحديد مكان الحدث . الملابس مصممة بدقة تنقلك للأجواء التاريخية  لتلك الفترة .تمت اختيار الموسيقى التصويرية والقراءة القديمة المنتقاة من القران الكريم والتواشيح الدينية .و المؤثرات الصوتية بشفافية عالية وعن دراسة واعية . تعامل المخرج مع المجاميع _حوالي أربعين ممثل_ والرقصات التعبيرية وكيفية ربط كل هذه العناصر و المفردات ليشكلون عملاً متجانسا فيه الكثير من المتعة والفرجة على مدى ثلاث ساعات . العمل نفض الغبار على نص تقليدي بعدما كان منسيا لعقود من الزمن  بروح لا تخلو من المعاصرة .  
     
*العروض الجزائرية
يشارك المسرح الجزائري بعرضين في الوقت الذي يكرم فيه في هذه الدورة .العرض المشارك في المسابقة الرسمية لفرقة المسرح الجهوي بوهران يحمل اسم ( ناسين وسلاطين ) النص أعده المرحوم عبدالقادر علولة عن ثلاث قصص قصيرة للكاتب التركي عزيز ناسين قسمها على ثلاث مشاهد منفصلة  تحمل أسماء ليلة مع أحمق، الملك والغربان ، الوسام.. قام المخرج غوتي عزري  بتوليف بين المشاهد من خلال التحايل في تصميم الديكور بحيث يجعله ينتقل بكل بساطة من مشهد لأخر بتغيير بسيط في بعض عناصر الديكور أو من خلال الإضاءة المخرج راهن على قدرة الممثلين_ ستة ممثلين_ وحركتهم في توصيل الفكرة دون الإخلال بعناصر العرض الأخرى في هذا العرض تحصل الممثل بوعناني سمير بجائزة أفضل ممثل.
*جمعية الفنون الدرامية "محفوظ طواهري" يقدمون عملاً من المسرح العالمي ( الملك يموت) يوجين يونسكو بترجمة ( بن رابح احمد)  الترجمة كانت بالدارجة الجزائرية التي أعطت للعرض روح عربية وكأننا أمام نص عربي حكاية المسرحية بأن الملك يرفض نباء قرب موته  رغم تأكيدات الملكة وطبيب القصر ، العرض مر هادئا وسلسا وأبتعد عن التشنج الذي يصحب عادة هذه النوعية من الأعمال . الحركة كانت بسيطة ومركزة . الممثلون يغلب عليهم الطابع العفوي في الأداء الصوتي والحركي  .
*المسرح الوطني بنغازي
يقدم المسرح الوطني بنغازي مسرحية " توقف " ل" منصور بوشناف " من إخراج " فرج أبو فاخرة "  ولأنها المسرحية الأكثر حظاً لمنصور فقبلها قدمتها فرقة الجيل الصاعد بإخراج " أحمد إبراهيم " وتمثيل محمد الطاهر وفاطمة غندور كما كانت _المسرحية_ مادة حية لطلبة المركز العالي للمهن المسرحية في مادتي التمثيل والإخراج ، ولكي لا أظلم مجهود مقدمو العرض وكاتب النص أرى أن تفرد مساحة متأنية للحديث عن عمل قدم من رؤيتين. العرض الذي شارك في المهرجان من تمثيل ناصر الأوجلي وحنان الشويهدي.   
*من داخل الندوة الفكرية الدولية
الكتابة المسرحية......النص، الركح، الجمهور
*كان انفتاح التجربة المسرحية التونسية على ممارسة فن الكتابة المسرحية( الدراماتورجيا) متزامنا مع ظهور بوادر يمكن أن يشكل حركة مسرحية طليعية على غواية ما يسمى بالمغامرة الدراما تورجية ، وهي مغامرة أذابت الجليد المسافة بين استقلالية الكاتب المسرحي وبين المخرج الذي كانت مهمته نقل النص من دفتي الكتاب إلى مساحة الركح.
أ-عبد الحليم المسعودي (تجليات الحس التجريبي في الدراماتورجيا التونسية من خلال تجربة المخرج المؤلف)
*إن التطور التاريخي للعلاقة ما بين النص والإخراج لم يعمل إلا على شرح وتوضيح عنصري العرض ديالكتيكيا وهذه العلاقة تختصر نفسها في :- أما أن الإخراج يبحث عن الكيفية التي يقول بها النص . وإما أنه يعمل على خلق مسافة مابينه وبين النص أو عقد علاقة نسبية معه من خلال خلق رؤيا لا تعمل على قراءة النص بطريقة مختلفة فحسب وإنما تتجاوزه .
د – محمد سيف ( النص ، العرض ، وبعض تجارب مسرحية )
* إن العلاقة بين المخرج والكاتب محددة وواضحة ، لكن إذا اختلطت تلك العلاقة وتداخلت فيها صراعات الإرادات والنرجسية، ومحاولات كثيرة من المخرجين الدائبة تهميش دور المؤلف أو حتى إلغائه كما يحدث في كثير من العروض التي تعتمد على الرقص والغناء وما يسمى بلغة الجسد واغتصاب دور المؤلف لينسبه إلى نفسه ، وادعاء أن المخرج هو الذي ألف نص العرض متناسيا بأن ما يقوم به المخرج مستلهما من نص المؤلف.
أ- عبدالغني داود (مصير النص بين الكتابة والركح والجمهور)
*المتعة المسرحية والتي هي أعلى درجات التفكير تتحقق مرة من خلال خلق البعد الجمالي ، والثانية من خلال عملية التفكير ، فرؤية الواقع شيء ، وتمييز حركة الواقع وجدليته شيء أخر . بعض المسرحيين يكتفي بالبعد الجمالي فيسقط في الشكلانية والأخر يكتفي بالبعد الفعلي فيسقط  في التعليمية والدعائية
 والأيد ولجية . ولكن المهم والأهم في تحقيق الخطاب المسرحي هو الوصول الى مرحلة التطابق حيث يمنح للفن المسرحي معايير اجتماعية وبهذا يتحقق فعل الوسيط بين المبدع والمجتمع.
أ-عوني كرومي (الخطاب المسرحي وفن المشاهدة)
* تحمل الصورة منطلقات فكرية وجمالية لمضامين فلسفية ضمن إشكالية الوعي قائمة على البحث عن الروح المطلقة أو سر الأسرار، إنها تتكلم لغة الجسد ، والضوء، والخطوط، والمساحات الفارغة ، والألوان ، والكتل السحرية........مسرح الصورة بحث جمالي في فلسفة الروح المطلقة ، تشييد للإرادة البشرية المعبرة عن غموض العلاقات ، ذاكرة مرئية تخاطب اللأوعي ، أحلام مستوطنة في الذاكرة الجمعية تفجر الصورة مكنوناتها ويتحرك هذا العالم السحري كله ليضفي الأجواء القدسية على العرض ومن هنا تتشكل بنية النص وتحولاتها في تشكيل العرض المسرحي.
أ.د-صلاح القصب (مسرح الصورة أنموذجا) .













مهرجان المسرح التجريبي القاهرة 
دورة أخرى بلا مفاجأت 


التجريب كلمة كبيرة لم يتفق النقاد على تعريف شامل لهذا المصطلح الوافد ، وكثيرا ما يحدث خلط بين النقاد في تعريف هذه الكلمة مع اختلاف أرائهم وأمكنتهم وأزمنتهم .
لقد اوجد الأولون تعريفات لأعمالهم الفنية وابداعاتهم ، كما اطر النقاد كثير من الحركات والتيارات الفنية والمدارس في تعريفات وأسماء لهذه التيارات أحيانا أسماء لا تدل على مسمياتها ، هنا تصبح المهمة صعبة وعسيرة .
السؤال ؟؟؟؟ الم يكن الكلاسيكيون اليونانيون المسرحيون مجربون عظام بإتيانهم بشيء جديد من الإبداع الإنساني للبشرية ؟؟؟ الم يكن نزول الدراما من السماء – أي الخروج بالشخصيات من آلهة وأنصاف الهة – إلى الأرض تجريبا ؟ الم يكن ( تسيبس ) الممثل المجرب الأول في تاريخ المسرح ؟ الم يكن المسرح الروماني بنزعه لقداسة النص تجريبا ؟
خروج المسرح من الكنيسة في العصور الوسطى الم يكن تجريبا ؟ بل ماذا نسمي "  شكسبير ، موليبير ، راسين "  ونقلتهم النوعية على صعيد النص والإخراج ؟ ماذا نسمي "  جودن كريج " وابداعاته العظيمة والمتطورة على مستوى المناظر المسرحية ؟  .
" ستانسلافسكي "  في اعداده للممثل إضافة جديدة لهذه المهنة – التمثيل – أسس صارمة وجادة وواعية من خلال نظامه التدريبي ، " ماير هولد "  كان مجربا كبيرا بإحيائه للمسرح الايمائي والكابوكي والمسرح القناع وتمرده على النص وإدخاله للجمهور كعنصر رابع بعد المؤلف والمخرج والممثل ، ماذا عن بريخت اشهر مخرج في القرن العشرين على الإطلاق وثوراته الصارخة والصدامية ؟
ماذا عن تجارب " ارفين بسكاتور "  ؟ ماذا عن رموز مسرح العبث ( اللامعقول ) " يونسكو ، بيكت ، البي ، بنتر " ، وتجريبهم على صعيد النص ؟ ماذا نقول عن تجارب "  جوزف شاينا " وابحاث وتجارب "  بيتر بروك "  ؟ ماذا نقول عن اعادة احياء المسرح التقليدي في اليابان ( النو، الكابوكي ، بونراكو ) بمساعدة التقنيه الحديثة وإعادة خلق منهج معاصر ؟ 
" يعقوب صنوع ، القباني ، نجيب سرور ، الطيب الصديقي ، سعد اردش ، كرم مطاوع ، يعقوب شدراوي ، الامين ناصف ، عبدالله القويري ، سعد الله ونوس "  بعض التجارب التونسيه والجزائرية والليبية ، بل ماذا نقول على النقاد والمهتمين الذين استوعبوا هذه المدارس والتيارات والمناهج ، والشواهد كثيرة جدا لا وقت لحصرها ، هؤلاء الرموز المسرحية ، قدموا شياء جديدا بعد استيعابهم بل أحيانا انصهروا في التجارب التي سبقتهم ومنهم من اكمل مسيرة اساتذتهم ، أي لم يقدموا جديدا دون رجوعهم وعيهم ووقوفهم على التجارب التي سبقتهم ، وبعد زمن ليس باليسير من التجارب والتدريبات المضنية والصارمة ، والمسؤولة عندما التفت الى الخلف دايما يراودني سؤالا لم استطع الإجابة عنه !!؟ ماذا ترك لنا الأولون !!؟
ودائما تحضرني كلمة للكاتب يوسف الشريف ( كلما قرأت كتابا ازدادت إذناي طولاً ) إذا لم يتبقى لنا سوى أن نراهن على روح المبدع المتمردة التي تتوق للجديد دائما وما يخبئ لنا العصر وشروطه  من مستجدات .

 عرض الافتتاح كان للبناني وليد عوني الذي يمثل مصر في المسابقة الرسمية بعنوان ( تحت الأرض ) وكعادة وليد عوني تم تركيزه على الجماليات ودقته في اختيار الموسيقى والإيقاعات التعبيرية مع استغلاله لخشبة المسرح بكل مساحتها ، الرؤية المسرحية عبارة عن شخصيات تتحرك تحت قطعة كبيرة من القماش الطيع لتكون هذه الشخصيات إشارات ورموزا عن الموت القهر الاستبداد المقاومه هذه الإشارات والرموز تتخلق عبر مستويين الاول خاص بالفضاء الأمامي للخشبة والذي تحتويه قطعة القماش الكبيرة والمؤطرة بأربعة مسوخ غير محددي الملامح يفردونها ليغطوا بها أرضية الركح والثاني هو ( البانوراما ) الخلفية الستارة البيضاء وما يحدث من عوالم عبر تقنية خيال الضل ، يقول وليد عوني ( ابحث عن صور في المسرحيه تعبر عن جوهر الحياة هذه الصور تشبه الفلم ومنتاجه ، فكرت في كيفية وضع الموضوع والفكرة في إطار سينوغرافيا ، لا توجد وجوه واضحة او أجساد أربع شخصيات تظهر على المسرح ولا استطيع تحديد ملامحها او هويتها اترك ذلك لخيال المتلقي ) . 

* عندما يكون الحبل نقطة ارتكاز لعمل فني ماذا بإمكان مخرج ان يبتكر ؟ هكذا كان العرض الياباني( الحبل) ست شخصيات وسط أ أكوام من الحبال موزعه بالتساوي..،ثلاثة ممثلين وثلاث ممثلات، وأيضاً ست بكرات تهبط من الأعلى ، الآن الأمر على خير ما يرام ..ً لكن الحبال تبداء في تفعيل الصراع ، تتشابك  وبالتالي تتشابك الشخصيات ولا تتواصل  بل  تحاول الفكاك والخلاص والتفرد وكلما حاولت الشخصيات بالتفرد والفكاك كلما زاد الأمر تشابكا وتعقيدا إنها هنا تحاول الدفاع عن تفردها عن خصوصيتها عن كيانها  قد يقراء من هذا النفور وعدم الانصهار في الكل محاولة بائسة للدفاع على إرثها وحيزها وحريتها وكينونتها. ورغم هذا يجدون أنفسهم لامناص للتجاذب والتفاعل ولكنه تفاعل سلبي واضطراري مقادون إليه ومجبرون عليه. في هذا الصراع المحموم الدائري تتغير ألا مكنه، تتغير مجالات كل شخصية ، المخرج هنا وظف الحبال واستثمرها جماليا لتكوُن مرآة ، سقف، قناع،حيز مكاني،إطار،..هذه الجماليات كوٌنت بمساعدة الإضاءة- بألوانها المتعددة- التي لعبت دورا فعالاً في العرض، إضافة للموسيقى. ...الملابس كانت بسيطة وجميلة مجرد قميص ابيض وبنطلون  اسود ..  المسرح الياباني مسرح شديد الصرامة  ، هذا نراه في تعامل الممثل مع جسده بدقه متناهية لاشك في انه  كان نتاج تمارين طويلة وصارمة . العرض كان لفرقة ( ستار هاوس) والمخرج ( شينقوهانورا) .

* العرض التشيكي( عرائس شارون) لفرقة دانكان للرقص الذي حصد جائزة التقنيه المسرحيه يعتمد على دقة الاداء الجسدي بالإضافة إلى الموسيقى التعبيرية التي تصاحب العرض.
نشاهد  بداية المسرح خالي تماما إلا من أكداس صغيرة من مسحوق ابيض و بؤرات ضوئية مركزة على الركح، بعدها تبداء شخصيات العرض في الظهور وهم عبارة عن خمس فتيات ارتدين ملابس سوداء معاصرة، يأخذن أماكنهن حسب التوزيع على الفضاء المسرحي بحيث تستقر كل واحده منهن جانب إحدى الأكداس أو الأكوام ويبدأن في تنظيم إيقاعات تعبيريه جسديه تتمدد تارة وتنكفي على نفسها تارة ويلتحمن تارة أخرى ليكوٌن إيقاعات سلسة مصممه بعناية فائقة ومدروسة ويرسمن تشكيلات حركيه متلاحقة ومركزة، صحبة المؤثرات الموسيقية والصوتية بمشاركة الإضاءة التي تلعب دورا كبيرا في العرض ويبدأن في نثر هده الأكوام   التي تحال إلى دخان ورياح وضباب وهالات أشبه بهالات الجسد اعتمد المخرج على التشكيل استطيع القول ان هذا العرض تشكيلي مستفيدا من المدارس الفنية والرقص الحديث بحيث يكوّن العرض تناغم موسيقي جسدي جمالي ، قد تقرءا من خلاله تجسيداً لمعاناة الإنسان وفرحه ،وفكرة التضاد بين المسحوق الأبيض والسواد الذي يتشحن به المجسدات، وقد يحتمل العرض أكثر من تأويل، الملفت في هذا العرض بساطة السينوغرافيا التي تتكون من هذا المسحوق الذي في متناولنا جميعا ليجعل منه عنصرا ملهما يشغل الفضاء المسرحي ،وأيضا  مدته التي لم تتجاوز (12) أثناء عشرة  دقيقه.

* دخلت الى المسرح القومي لمشاهدة العرض البلغاري ( كلب نائم ) فجئت بالمخرج يعرض عليّ الجلوس على الركح الذي وزعت عليه ثماني صفوف من الكراسي موزعة على جانبي الخشبه لجلوس المتفرجين والتي ستدور الأحداث بينهما،ولأني تعودت على الانسحاب اذا لم يرق لي العرض علني استطيع اللحاق على عرض موازي أكثر إثارة رفضت العرض المقدم فأشار إلي بالجلوس في الشرفه (المقصورة) وهذا ما كان... بداية كانت مصادر الإضاءة من أربع رؤوس إضـاءة موزعة على الخشبة، يخرج ممثل يؤدي حركه بطيئة جدا وصعبه تحتاج لتمارين  صارمة ومضنيه للتمكن من إتقانها، وتتبعه امرأة في نفس الإيقاع مما جعل الملل يتسرب إلى الجمهور الذي على الخشبة  وبيداء في الانسحاب  من الربع ساعة الأولى من بداية المسرحية التي مدتها ستون دقيقه . لوحة أخرى الرجل يحمل قفصا على كتفه إمام مرأى المرأة  على كتفه وكأنه " سيزيف " بطريقة الية ، علاقة الرجل والأنثى بين مد وزجر طوال العرض إلى أن يتم اللقاء النهائي،بعد محاولات متكررة من المرأة ،تصاحب العرض موسيقى حالمة وشجية وأخرى مستفزة وصاخبة وحادة، إضافة إلى أصوات حيوانات متنوعة ..العرض البلغاري  استلهم أسلوبه من الرقص الياباني الذي يدعى (البوتوه) وهو أسلوب ابتكره الياباني( تاتسومي هيجيكاتا) في اوائل ستينيات القرن الماضي وتدعى مدرسته ( البوتوه الاسود) اما هذا العرض فأعتمد على ( البوتوه الابيض) الذي ابتكره مواطنه( ماسكي ايوانا) ان رقص البوتوه يسعى لاكتشاف مكنون الطبقات العميقة في العقل واستخراج ماهو دفين من تخيلات وصور اللاوعي أي ان العرض يدعو كل من المتفرجين والممثلين الى الإبحار معا إلى ما يسمونه (رقص الظلام) العرض مستمد من حكاية يابانيه قديمه عن مأساة عاشق بطلها صياد حيت فجرت قصته أحلام الرياح، وتطهير الموت،وأخرجت المثل الأعلى للوجود... السؤال هل وصلت هذه الفكرة للمتلقي الذي قاوم_ربما خجلا_ إلى نهاية العرض!!!؟؟؟
*  من إعداد وإخراج "  فتحي كحلول "  قدم المسرح الوطني طرابلس على المسرح العائم الكبير بالمنيل مسرحية (قطار الموت) المأخوذة عن مسرحية( العائلة توت) للمجري " اشتفان اوركني " العمل كان ضمن الأعمال المصاحبة للمهرجان .. ولأن الحديث عن عمل لم تتجاوز فترة تدريباته الشهر يعتبر تجنياً عليه، بالإضافة إلى قاعة العرض الصيفية التي لم تتوافر فيها شروط العرض جعلتني اكتفي بانطباع عن العرض مع الأخذ بالاعتبار كل هذه التفاصيل .... الحكاية تقول إن عائلة تتكون من أربعة أفراد الأب توت  ورجل المطافي (علي القبلاوي) وزوجته مريم(منيرة الغرياني) وابنتهما نورا ُ(ثريا محمد) تنعم بالإقامة بإحدى القرى الجبلية حيث الهواء النقي والسكون والراحة، وبمنأى عن لهيب الحرب المشتعلة  على الجبهة ، لا يكدر صفو العائلة الصغيرة سوى ابنها المجنَد آدم ، التي تترقب أخباره بفارغ الصبر من ساعي البريد(مهيبة نجيب)وما تجود به من رسائل ،ولأن ساعي البريد تحب الأعداد الزوجية و بالتالي تحب هذه الأسرة حتى لو تطلب الأمر لتغيير فحوى الرسائل، وبالفعل تتلقى الأسرة رسالة من الابن يخبرها فيها إن الكوماندا(محمد الطاهر) المسؤول على كتيبته سوف يقوم بزيارة استرخاء إلى القريه لإراحة أعصابه من أهوال الحرب ، ويجدد الابن تأكيده على توفير الهدؤ للكوماندا، للتغلب على الأرق الذي أصابه في ساحة القتال...تستنفر الأسرة كل إمكاناتها لإحالة بيتها إلى جنة للقادم المبجل ، ولم تكتفي بهذا بل لجأت لجيرانها لمساعدتها على توفير الراحة والهدؤ ولإقامة استقبال يليق بمكانته من اجل ابنها الوحيد الذي سيلقى الرعاية من قبل " الكوماندا" إذا ما نجحت في إرضائه طيلة إقامته معها ... وبالفعل يدخل " الكوماندا" البيت الهادئ ليعيد صياغته ونسقه، وليحيل الأسرة إلى فصيل عسكري يمارس عليه تشوهاته وتسلطه، ولينقل الجبهة الى هذا البيت الأمن ... حالة من الطوارئ القصوى تعيشها الأسرة وهي تتفانى في تنفيذ أوامره أملاً في سلامة ابنها الوحيد الذي تكمن سلامته في إرضاء " الكوماندا"  ...بإستتناء رب الأسرة الذي يجد صعوبة في الامتثال لأوامره التي تحرمه من ابسط عاداته، التمطيء والتتأؤب، بل وفرض عليه تنكيس قبعة المطافئ التي بمثابة شرفا لكيانه المهني إضافة إلى حرمانه من  النوم . ..الكاتب هنا حاول ان ينقل حالة الهلع التي أصابت الشعوب إبان الحرب العالمية الثانية وأيضا حالة الرعب التي يعيشها العسكر فالكل هنا ضحايا  ... تنتهي المسرحية بقتل " الكوماندا " على يد الأب " توت " لتسدل بعبارة مؤثرة من الأم (ولدي.. يا ولدي الصغير الحبيب)  كإشارة إلى موت آخر آمل للأسرة ،  ولكن المعد " فتحي كحلول "  غير الجملة ب: ( ليرعاك الله يإبننا الوحيد) كإشارة منه لبارقة آمل في حياة الابن... لا ننسى إن المعد المخرج ابتكر ثلاث شخصيات ليقول من خلالهم خطابه الخاص " علي الشول، عيسى أبو القاسم، صلاح الأحمر "  الذين يشكلون خطابا موازيا للحدث أحيانا بالمشاهد القصيرة والأغاني، و أحيانا يدخلون في صلب الحدث كالتقاطه ذكية من المخرج المعد عندما زرع مجموعة كوماندات داخل بيت توت عن طريق الثلاثي. كان بإمكان المعد آن يدمج( ساعي البريد) التي_ اي الممثلة _  تخبرنا بالحدث قبل حدوثه مثل قدوم " الكوماندا " ، وموت الابن، وأيضا بالإضافة إلى مشاركتها في الحدث فمهمتهم أي الثلاثي " علي، صلاح ،عيسى "  مع( ساعي البريد) " مهيبة نجيب "  يقومون بمهمة الجوقة ( الكورس) بالمفهوم الأرسطي...أنا شخصيا مع فكرة الاختزال والتكثيف في هذه الحالة ، وأيضا ابتكر المخرج شخصية بديل الكوماندا (فوزي برباش) الذي نراه في الخلفية أثناء غياب " الكوماندا " كإشارة واضحة لهيمنة الكوماندا على المكان.. بالإمكان استعاضته بإحدى أدوات الكوماندا الخاصة أو ملابسه كدلالة لهذه الهيمنة، الديكور كان عبارة عن حالة من الفوضى وهذا ما يقوله النص فعلا ،ولكن يحتاج  إلى فوضى مرتبه ومقننه، فمهمة الفن تقديم القبح بصورة لا تخلو من الجمال ،استخدم المخرج (الفيديو بروجكتور) وهذه سابقه ايجابيه تحسب للمخرج، كنا عهدنا هذه التقنية في الحفلات الموسيقية، والحفلات الخاصة، ولم يتم توظيفها في المسرح الليبي، وإن كان بعض المخرجين استخدموا الشريط المرئي والشريط السينمائي.... فهي تتيح لك التركيز على بعض المشاهد أو الشخوص لتبث عبر شاشة في الخلفية لإيصال التعابير المراد التأكيد عليها بوضوح للمتلقي .  ويبدو لضيق الوقت لم تستثمر هذه التقنية بشكل يسهم في إثراء العرض . لا ادر لماذا كانت  قرأه المخرج المادية والنفسية الكوماندا بأنه شخص ذو وجهين_أي  تقسيم الوجه نصفين نصف قبيح ونصف جميل_ مع طغيان روح البشاعة شكلا وأداً، علما بأن الطغاة ودودون، حالمون،  يضاجعون أجمل النساء ، هادئون وجميلون،يتعطرون بأفخر أنواع العطور ، ويستخدمون أجمل المساحيق،  ناعمين ، يتعاطون الشعر والأدب،  .. و يطلقون أ حكام الإعدام  بسلاسة ونعومة،ورقة،مثلما يردون تحية المساء على عشيقاتهم الأثيرات  ...   العرض اتكاء على عكازي خبرة " على القبلاوي ، ومحمد الطاهر"  وسند بتوهج " مهيبة نجيب،  صلاح الأحمر، علي الشول، عيسى أبو القاسم _ الذي أربكته  متطلبات الإدارة _منيرة الغرياني، ولأول مرة  الإذاعية ثريا محمد " ...الفنيين لم تسعفهم سؤ قاعة العرض لتقديم إمكاناتهم الإبداعيه،  " صلاح الهجني، عبد السلام الزنتاني، التنكر فوزي الداكشي "  ساعد في الإخراج "  فوزي برباش، هدى عبد اللطيف " . ويلاحقني الشك  بأن تصميم  الديكور ( السينوقرافيا) للفنان "  محمد شعبان " كما هو مدرج في الكتيب .
* عز الدين المهدي مخرجاً دءوبا عرفته من حوالي خمسة عشر سنه شاهدت له أكثر من ستة أو سبعة أعمال ،حاول في هذي السنين جاهداً ليوقد شعلة المسرح في تلك المنطقة الجبلية الساحلية الخلابة،وأيضا أرسى دعائم مهرجان المسرح التجريبي بمدينة البيضاء وهذا إنجاز يهمنا كمسرحيين للاحتفاء به ودعمه.... عز الدين الذي يمثل ليبيا في المسابقة الرسمية بفرقة (المسرح الحديث الجبل الأخضر)، قدم نصا للمغربي  المسكيني الصغير(سرحان) يتناول قضية الفلسطيني " بشارة سرحان " الذي اتهم باغتيال السيناتور الأمريكي " روبرت كندي "  ، وأيضا مروراً بطغيان "  نيرون "  وعلاقته بالفيلسوف " سينكا "   في روما، بالإضافة إلى مشكلة العبيد  وسعيها للإنعتاق ، مسرحية ذات ثلاث مستويات،  واذكر إن هذا النص قدم إلي من قبل العزيز " عبد الحفيظ الشريف "  كمشروع إخراج في نفس الفرقة ويبدو إن السيد "  الشريف "  لم يسعفه الحظ لتقديمه... لسؤ حظي لم أتمكن من مشاهدة العرض وأيضا لم أجد متابعة له في نشرة المهرجان سوى متابعتين إحداها للأستاذ " محمد التهامي "  رأيت جدوى عدم الاعتماد عليها أفضل من ذكرها. لغة " المسكيني الصغير "  لغة تقليدية خطابية عفاء عنها الزمن وهذا سؤال للمخرج؟؟  . السؤال الثاني وهو محلي صرف لم نشاهد فريقه الذي اعتمد عليه في مسيرته الفنية!!؟...  ما يميز عزالدين في هذا المهرجان اعتماده على الجسد كلغة للعرض



أقوال :- 


_" هل يكون المسرح سببا في ازالةاسباب مايحدث في العالم الان؟" 
مارثا كوانييه رئيس لجنة المشاهدة الدوليه

_ " تحت الارض اصعب عمل فني قدمته من بين اربعين عملا مسرحيا خلال مسيرتي المسرحيه ، لاتوجد دلالات سياسيه للعرض ولكن محاوله للبحث عن الجوهر
وليد عوني /  مخرج لبناني مقيم في مصر 
* " تكمن الاهميه والخطورة الحقيقيه في طريقة تعاملنا مع ما يحدث ، وفي درجة استيعابنا لما هو جديد ، بعيدا عن المألوف والتقليدي والمتعارف عليه ليلعب المبدع العربي دورا فعالاً للإسهام في بلورة الإشكاليات المطروحه " 
فتحي كحلول /  مخرج وممثل ليبي 
* " أنا لا أحب وضع خطوط فاصله عندما نتحدث عن الفن ولاأحب تصنيف ان هذا المسرح تجريب وهذا غير تجريبي ولكن كل عمل مسرحي تجربه في حد ذاته فمجرد دخولك الى خشبة المسرح  كمخرج فأنت في حالة ابداع وابتكار وتجريب وتطرير.. فإذا اردت انا تقدم الالياذة والأوديسا الان فيجب ان تخضعها لتجربة التغيير والتحديث .. ولي ان أسأل هل يكون المبدع هنا تجريبياَ أم تقليديا!!!" 
_ماريا جراستيا / مخرجة العرض الايطالي
* " التجريب كلمة مطاطيه، فالعمليه المسرحيه تأتي من خيال الفنان،ويمكن ان يكون ذلك في إطار واسع ، اذا كنا نلم بالمسرح بالمسرح الكلاسيكي والتيارات المسرحيه ..بمعنى الالمام بتراث المسرح ومحاولة تطويره نحو الافضل .. من هنا تأتي فكرة الأتصال بين الفنان المسرحي والجمهور، إذاًيجب الإتجاه الى التجريب إنطلاقاً من الجذور المسرحيه حتى حتى يمكن للتجريب اتجاه صحيح " .
المخرج والممثل الهولندي المكرم /  تين كيت

*   " حاولت من خلال تقنيات عرضي تقديم الجو السياسي القائم في عالمنا العربي وتجرأت بإدخال شخصيات جديده على هاملت شكسبير مثل شخصية تاجر السلاح التي ساعدت في تطوير المأساة وتصاعد التوثر الداخلي داخل العرض المسرحي. " 
المخرج الكويتي سليمان البسام /  مخرج مؤتمر هاملت 
* "  نحن نستطيع أن نبحث عن اشكال مسرحيه من البيئة العربيه الغنيه بالظواهر المسرحية وان ننتزع الصور الدراميه من الشعر العربي وحكايات الليل والنهار ، والاخبار التي كانت تنقلها رحلات القوافل... لاحدود نهائيه طالما بقي الانسان قادرا على التنفس والإبداع " .
عزالدين المهدي / مخرج مسرحية سرحان 
* " المسرح فن يؤكد الرابطة الإنسانية وتعميقها وإثرائها .... المجتمعات الغربية  أعطت شكلاً للمسرح ، ولكن إنفتاحه على الثقافات الأخرى أعطى للمسرح غناء وثراء وخصوبة وتنوعاً جعلته يتجاوز حدودج الإقليمية " 
مفتاح إبراهيم الفقيه /   ممثل مسرحي    
* ليس هناك أي إختلاف بين الفكرة الأساسية للمسرحية الشكسبيرية وبين العرض ، حاولت إظهار الصراع بين المادة والحب كما أعتمدت على التجريب في الأداء وكيفية التعامل مع الجسد .
  علا المافالاني /  مخرجة مسرحية " تاجر البندقية " 
* - عندما نتحدث عن  المسرح التجريبي مثلا نجد إن التجريب لا يأتي من فراغ ... وإنما نتاج حركة مجتمع ثقافية وفكرية ، فوجود تيار تجريبي مرتبط بوجود حركة مسرحية ، فالتجريب ينبع دائما من تجديد الحركة المسرحية التي تنتج من خلال حركة المجتمع .
اسعد فضه /  مخرج وممثل سوري .
*- " التجريب في العمل المسرحي هو عملية تفاعل كما يحدث في التفاعلات الكيميائية ، حينما يتفاعل مركبان معا ليعطيا مركبا ثالثا مختلفا ، فالتجريب عبارة عن مختبر ... لكنه لا يتحرك بآليات علمية بحثه في القياس والكم .
نورهان جوة ( تونس ) /  أخصائية تحاليل طبية واحترفت التمثيل .
* " هناك نقطة أحب أن أوضحها أولاً أننا لانختار العروض من خلال أشرطة الفيديو والحقيقة أن الشاشة لايمكن أن تعطيك صورة كاملة أو حقيقية لما ستراه بالفعل على خشبة المسرح ... مسألة العروض معقدة جداً وأنا أشاهد عروضاً كثيرة من مختلف دول العالم إلا أننا نبحث عما يفاجئنا ويحدث لنا نوعا من الإندهاس .... فلتجريب فعل وليس أسماً فلا يمكن ن نضح له حدود أو قالباً معيناً فأنت حين تقوم فلا بد أن تبحث عما يميزك كمبدع وأن تطور عملك إذا ً أنت في حالةو تجريب حتى لو كنت تقدم عملا لشكسبير أو سوفكليس فلا بد أن تتناوله مع فكرك والزمن الذي تقدمه فيه " .
مارثا كوانيه /  رئيسة مشاهدة العروض 
" التجريب مصطلح علمي  اخترعه العالم الفرنسي (كاندي بيرنارث) لتغيير الطريقه العلميه فهو الذي عمل ثورة في البحث العلمي وهذه الثورة كانت بمثابة تقدم في اسس البحث العلمي وبالاضافه لكونه عالما كان( برنارث) كاتبا مسرحيا وصديقا لاميل زولا وكان  مواطنه اندريه انطوان اول من اصطدم بهذا المصطلح وارادوا ان يوصلوا فكرة ان المسرح يجب ان يتحقق من خلال الاسلوب ... اذا فالتجريب يقترح البحث في المسرح.... العروض التي شاهدتها بها ملامح تجريبيه ولكن ينقصها السيطرة على التقنيه ...فهناك خلط بين التجريب وعدم الاحتراف فالممثل في المسرح التجريبي يحتاج الى التدريب المحترف مثل اختبارات المعمل ...فالعالم المحترف هو الذي يدخل المعمل وليس المبتديء ، وهكذا الامر بالنسبه للممثل والمخرج" . 
المؤلف والمخرج المكسيكي المكرم/ " لويس دي  تافيرا "
      
* مفهوم التجريب يبقى مفتوحاً لعدة مفاهيم ولم نتوصل حتى الأن الى تحديد مفهوم  محدد ودقيق حول التجريب وبالنسبة لي يبقى المسرح  تجريبياً بطبيعته . فالظاهرة المسرحية عبر تراكم تجربتها في العالم كانت متغيرة ومجددة ومغيرة للحياة ومجددة لها ، إن مسرحاً ليس به تجريباً هو مسرح يولد ميتاً ودونما قبر . ولكن ماذا نجرب ؟ وكيف نجرب ؟ ولماذا نجرب ؟ ونجرب بالنسبة لماذا ؟ هذه الأسئلة تحتاج الى أجوبة دقيقة . فلابد أن ينطلق التجريب من معرفة دقيقة بالمسرح ، مروراً بتقنية الكتابة والدراما والإخراج وأداء الممثل ، وكذلك معرفة المذاهب والإتجاهات المسرحية على الصعيدين الفكري والفني فضلاً عن التمكن من الأدوات التقنية للتعبير الفني وعندما نكون قد أمتلكنا هذه المعرفة سواء بالتكوين الأكاديمي أو الميداني مع الإطلاع الواسع على ما جرى في المسرح العالمي منذ ظهوره وبداياته الى يومنا هذا .... عندها يمكننا أن نضيف ونتجاوز ونسهم في إثراء المسرح .
المنصف السويسي /  ممثل ومخرج تونسي . 

_ هوامش كواليس إنطباعات  

* لجنة التحكيم تكونت من:-
1_جينيكا تشولاكافاهينلي من المانيا
2_ادوارد الخراط مصر
3_المنصف السويسي تونس
4_تاتسيوروايش اليابان
5_دانيال جيرار فرنسا
6_روبرت مالجرات الولايات المتحدة
7_فيونلد مازوركيفيتش بولندا
8_كارين جوتسون انجلترا
9كالينا استيفا نوفا بلغاريا
مارتن إكوستا المكسيك
11_ماديو ايروسبيري ايطاليا

* لجنة مشاهدة العروض الدوليه
 1مارثا كوانيه امريكيه
2_ريشار مارتان فرنسيه
3مارجريت والترز انجليزيه

*  فاز بجائزة افضل عرض مسرحية(مؤتمر هاملت) لفرقة مسرح زاؤوم الانجليزية ، وكان مرشحا لنفس الجائزة العرض الصيني (ووشانج ونودياو) لفرقة مسرح فنون شعب بكين الصينيه.
* فاز بجائزة افضل اخراج الكويتي سليمان البسام مخرج العرض الانجليزي (مؤتمر هاملت)وكان مرشحا للجائزة الصيني وانج يانسونج عن عرض ووشانج ونودياو.
* فازت بجائزة افضل ممثلة الصينيه هاو زيانج هونج عن عرض ووشانج ونودياو وكانت مرشحه له الانجليزيه تي ألاجيك عن عرضها مؤتمر هاملت 
* وفاز بجائزة افضل ممثل الصيني زاوزينج عن عرض ووشانج ونودياو وكان مرشحا لها الالباني رولا تربيبيكا عن عرض (الملك يموت) لفرقة المسرح القومي الألباني.
* وفازة بجائزة تقنيه مسرحيه مسرحية العرض التشيكي (عرائس شارون) لفرقة راقصي مركز دانكان وكان مرشحا له مؤتمر " هاملت " . 
- كرم المهرجان عشرة من رموز الابداع المسرحي :-
1- المخرج والباحث الانجليزي ريتشارد جوف
2- المخرج والممثل الهولندي ريتسيرت تين كيت
3- المخرج والمؤلف المكسيكي لويس دي تافيرا
4- المخرج والممثل والكاتب الياباني اوتاشوجو
5- الممثلة المصرية سناء جميل 
6- المخرج والممثل والكاتب التونسي أحمد السنوسي
7- المخرج والممثل والكاتب العراقي سامي عبدالحميد
8- الاستاذة مارثا كوانييه من امريكا
9- الممثلة الايطالية ماشا موزي
10- المخرج والممثل السوري " أسعد فضه "

_   كواليس  

* - حملات متبادلة بين المخرج اللبناني " روجيه عساف " و إدارة المهرجان ، قد يكون سببها عدم تمكينه للمشاركة في المسابقة الرسمية ، وقد يكون اهمال ادارة المهرجان المتطلبات التي طالب بتوفيرها لعرضه ( لوسي المرأة العمودية ) مع فرقة شمس ، اضافة إلى هذا استنكر عساف عدم مشاركة فلسطين ... ومن الطبيعي ادارة المهرجان عن طريق ( نشرتها ) تنفي اتهامات عساف .

* - كثير من الفرق الاجنبية والعربية لجأت إلى التراث الإنساني والمسرحي لتقدم من خلاله تجاربها المسرحية وصياغتها بقالب معاصر ورؤية متماشية مع العصر سوى في التقنية أو الأداء الصوتي أو الاعتماد على الجسد أو السينوقرافيا أو لتقدم رؤية جديدة في إسقاط هذه النصوص على الهم الأني أو رؤيا فيما يجري في العالم الان من متغيرات مثل خاب سعي العشاق ، الملك لير ، حلم ليلة صيف ، انتيجونا ، مذكرات رجل مجنون ، الدرس ، مؤتمر هاملت ، تاجر البندقية ، الارض الخراب ، قابيل وهابيل ، وكعادة كل المهرجانات كان شكسبير الأوفر حظا في العروض والأكثر إثارة للجدل في ندواته .

  
* - يستضيف المهرجان 46 دولة تقدم 118 عرضا مسرحيا منها 14 دولة عربية تشارك بعشرين عرضا و 39 فرقة تمثل 32 دولة اجنبية ، تستقبل العروض 12 قاعة عرض يوميا ، اضافة الى 18 اصدارا في جماليات المسرح وفنونه وتقنياته .
* - خدوجة صبري – علي أحمد سالم – د. حسن قرفال – محمود البوسيفي – علي الفلاح – ادريس المسماري – خالد كافو – مفتاح الفقي ، حضورهم اضفى جوا من الالفة على زملائهم وأصدقائهم من الفرقتين المشاركتين ... شكرا أولا .

* - بتاريخ 1. 9 . 2002 ف الفنان فاروق حسني وزير الثقافة يعلن بداية فعاليات الدورة الرابعة عشر لمهرجان القاهرة التجريبي .
*- عرض الافتتاح للبناني وليد عوني الذي يمثل مصر والختام للكويتي سليمان البسام الذي يمثل انجلترا في المسابقة الرسمية .
*- المسرحي الفنان السيد راضي لم ينسى مدة اقمته في ليبيا فكان حريصا على تواجده مع الوفد الليبي المشارك ، كان غاية في الود ... لا ننسى الممثلة سناء يونس – د. ايمان الصيرفي – الاستاذ محمد التهامي – الكاتب السيد حافظ .
*- الفنانون الليبيون عندهم قدرة استثنائية على اختراق الوفود المشاركة بسلاسة ويسر وسرعة يحسدون عليها .


المسرح التجريبي القاهرة 2003
((بيان المسرح الختامي))

*مهرجان القاهرة التجريبي يظل المهرجان الأطول نفسا والأكثر التزاما ضمن المهرجانات العربية الذي  حافظ على موعده  سنويا ولم يتغيب ألا دورة واحدة أثناء حرب الخليج الأولى سنة 1990م لتأتي بعده  أيام قرطاج المسرحية وهي دورة كل سنتين أملنا كبير في أن تحافظ هذه المهرجانات على مواعيدها وقيام مهرجانات جديدة تتبناها دول عربية أخرى كما نأمل استئناف مهرجان دمشق الدولي ومهرجان بغداد المسرحي .
 بتاريخ  1/9/2003 يعلن وزير الثقافة الفنان فاروق حسني عن بداية فعاليات الدورة الخامسة عشرة لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي كما يعلن إقامة الدورة السادسة عشرة في شهر نوفمبر من كل عام.

جوائز عربية
 على مدى خمسة عشرة دورة نورد هنا أهم الجوائز التي تحصل عليها المسرح العربي خلال مسيرة المهرجان الذي بدأت أولى فعالياته سنة 1988 وتوقف مرة واحدة سنة 1990 أثناء حرب الخليج الأولى
  تحصل العرب على العديد من الجوائز يستهلها الممثل العراقي (جواد الشركجي ) في الدورة الثانية 1989بجائزة أحسن ممثل، الفلسطينية ( دلع الرحبي ) في الدورة الثالثة1991 للمهرجان وتتحصل على جائزة أحسن ممثلة ، الدورة الرابعة 1992يتقاسم جائزة أحسن عرض العرض اللبناني( الجيب السري) والعرض السوري( النو).
 و الأردنية " كفاح سلامة " تتحصل على جائزة أحسن ممثلة . 1993الدورة الخامسة تتحصل التونسيات الثلاث جوائز عن التمثيل وهن " جليلة بكار" و "صباح بوزينة " و " فاطمة بن سعيدان". ويتحصل المخرج العراقي   " جواد الاسدي " جائزة أحسن إخراج.الدورة السادسة 1994 العرض السوري (الآلية) يتحصل على الجائزة الأولى للتقنية كما يتحصل المخرج البحريني " عبدالله السعداوي  "على جائزة أحسن إخراج ,الدورة الثامنة 1996يحصد العرض المصري  ( الطوق  والاسورة)على جائزة أحسن إخراج العرض من إخراج " ناصر عبدا لمنعم ".وأيضا يحصد الممثل التونسي " بشير الغرياني " على جائزة أحسن ممثل لأدائه المتميز لدور امرأة في مسرحية ( رجل وامرأة)، وتتحصل الفلسطينية "إيمان عون " على أحسن ممثلة، الدورة العاشرة 1998 أيضا من نصيب المسرح التونسي والمصري تتحصل مصر على جائزة أحسن عرض بمسرحية ( مخدة الكحل) من إخراج المخرج " انتصار عبد الفتاح "، وتتحصل مسرحية عطيل على جائزة أحسن سينوقرافيا وهي من اخراج المخرج  " توفيق الجبالي "..الدورة الحادية عشرة((1999 التونسيتان " صابرة الهميس " و " ليلى طوبال " جائزتي تمثيل ، يتحصل الممثل السينمائي سامي العدل جائزة احسن ممثل عن دوره في مسرحية ( طبول فاوست) وهي أيضا من اخراج المخرج " انتصار عبدالفتاح " الدورة الثانية عشرة(2000) تتحصل المسرحية المصرية ( حيث تحدث الأشياء ) من اخراج " محمد شفيق"  على جائزة احسن عرض مسرحي وتتحصل اللبنانية " برناديت حديب " على جائزة احسن ممثلة  ، الدورة الثالثة عشرة(2001) يفاجيء الجميع العرض الفلسطيني ( قصص تحت الاحتلال) لمسرح العقبة وينتزع بجدارة جائزة احسن عرض رغم فقر الإمكانيات والصعوبات التي واجهتهم للمشاركة في هذه الدورة ، وتكون جائزة احسن ممثل للتونسي " المنصف الصايم "، الدور الخامسة عشرة(2003) للمرة الثالثة تحصل مصر على جائزة احسن عرض إلا أن هذه المرة مناصفة مع العرض السويدي ( هاملت اذا كان هناك وقت) العرض يحمل اسم ( أقنعة وأقمشة ومصائر) وهو من إخراج وإعداد المخرج العراقي  " قاسم محمد " ، وفاز بجائزة احسن ممثل الجزائري  " هلال عنتر"  عن دوره في مسرحية ( ديوان العجب) الذي قدمته فرقة مسرح قسنطينة .
أجمالا فنحن لا نعول كثيراً على الجوائز بقدر مانعول على تقدم المسرح في الوطن العربي الذي يمر بأزمة حقيقية هذه الأعوام يعكسه تدني مستوى الدورات الأخيرة في مهرجانين يعدان من أهم المهرجانات العربية والأطول نفساً ، بعد توقف العديد من المهرجانات العربية، مثل مهرجان دمشق ومهرجان بغداد ومهرجان المسرح العربي المتنقل، كانت ستكون دعما حقيقيا للرقي بهذا الفن نأمل الاستمرارية للمهرجانات الخليجية الوليدة ومهرجان عمان المسرحي. المهم الأسباب كثيرة على تردي أوضاع المسرح في وطننا العربي والموت واحد. 
تأتي مساهماتنا الليبية القليلة في هذه المهرجانات متسرعة ومرتبكة وفي كثير من الأحيان ينقصها الوعي والخبرة ، الأمر ليس سيئاً إلى هذا الحد عندما نعرف أن المسرح الوطني طرابلس الأكثر حظاً في المشاركات الدولية لا يتجاوز عدد مشاركاته في هذين المهرجانيين ألأربع دورات، وهذا ينعكس على المسرح الوطني بنغازي  والفرق الأهلية الأخرى.هذا من أصل ست  وعشرين دورة منها عشر دورات لمهرجان قرطاج وستة عشرة دورة لتجريبي القاهرة ، إذا حضورنا معدوم مقارنة بعدد الدورات التي أقيمت .هذا عن دول الجوار تونس ومصر لم نتمكن من المشاركة ، ولا يطمح المسرحيين مشاركاتهم في مهرجانات عالمية مثل ( مهرجان افينون )( ومهرجان أدنبرة) الأمر ليس سيئاً كما أسلفت عندما نعرف إن المؤسسة الثقافية لم تستطع الالتزام بمهرجان وطني واحد كما لم تستطع الالتزام بالمشاركة في مهرجانات دولية . بالذات عندما ندرك إن المشاركات السابقة كانت بمجهود شخصي وتكاثف خاص وأحيانا على نفقتهم الخاصة.الأمر ليس بهذا السوء عندما ندرك إننا في هذه المشاركات البائسة  أخر من يصل وان الفرق الليبية الوحيد ة التي لا يتضمنها كتيب المهرجان لأنها غالباً ما تصل فجأة للمهرجان لتجد نفسها وجها لوجه أمام اللجنة المنظمة للمهرجان لتبادل الإحراج و لتدخل في دوّامة الإقامة وإدراج الفرقة ضمن  العروض _لا يهم داخل المسابقة أو على هامشها_ ودوّامة  مكان العرض ، تفاصيل مربكة لا حد  لها،  المبدع الليبي الوحيد في العالم الذي يقبل على العرض وهو منهكاً تماماً  . 
 * ينتمي " عبدالله الزروق " للجيل الثاني من المخرجين بعد جيل " محمد شرف الدين،عبدالفتاح الوسيع، والراحل الأمين ناصف "  الذي يعد أهم رموز الجيل الأول، والحديث عنه _أي عبدالله_ يضعك في مفترق طرق فهو المخرج الأكثر إنتاجا أستطيع القول بأنه( مخرج المتاح) فلا تعيقه الإمكانيات من أجل إنتاج عمل فني،  ويعتبر بحق مخرجا مسكون بالعمل ولا أغالي إذا قلت بأنه تعامل مع أكثر من 80% من المبدعين الليبيين اعني هنا بعمله في المسرح والمرئية والخيالة بل وان الكثير من هؤلا الفنانين والفنيين خطوا الخطوة الأولى من خلال أعمال كانت بتوقيع عبدا لله الزروق هذا بالإضافة الى كونه كاتب للعديد من أعماله والعديد منها اخرج من قبل مخرجين آخرين فهو مخرجا دؤبا ودائم البحث..يشارك عبدا لله الزروق مع فرقة الجيل الصاعد في هذه الدورة بمسرحية من تأليفه وإخراجه تحمل أسم ( تساؤل) تدور أحداثها في مكان ما من العالم في احد شوارع الإعلانات حيث بطالعنا المصور_مفتاح الفقيه_   منهمكا في ترتيب بعض النماذج لصور من إنتاج الآلة الإعلامية الغربية وبعض الشخصيات التاريخية وفتاة الإعلان_ خدوجة صبري_ التي تمارس عملها كعاملة ملصقات في هذا الشارع ومن خلال الحوار الذي يدور بينهما نستشف تدمرهم من أوضاعهما المتردية التي يسلم بها المصور على عكس الفتاة التي تطمح في تحسين مستوى معيشتها نحو الأفضل  مما يفيدنا بأنها ضحية مهنتها بتأثير الملصقات التي تتعامل معها يوميا حتى تأتي الفرصة  على طبق من ذهب حسب منظورها .  هبوط قدمين ضخمتين من الأعلى مما يثير رعبهما، ولكن إصرار الفتاة على اقتناص الفرصة النادرة لتحقيق حلمها لا تترك الفرصة للمصور بالتراجع بل  وتحت إلحاحها تجبر ه على الدخول معها في اللعبة التي تجعل منهما الناطقان الرسميان لهذا الحدث النادر أمام وسائل الأعلام  حتى إنها تقنعه بالزواج كي تكتمل لعبتها لنجد المصور منساقا أمام رؤيتها الجنونية .لا تسير الأحداث باردة بل تسارع الحكومة في إرسال تحذيراتها من خلال مكبرات الصوت _عبدالله الزروق_ وإرسال عالم الفضاء_ جمال ابوميس_ لتحليل هذه الظاهرة وتتم محاصرتهم بالطائرات بعدها يتفا جاء الجميع بتغيير الطقس إلى برودة شديدة في أيام الصيف وهبوط الثلج ثم ذوبانه لتعود الفتاة من حيثما بدأت  لتنظف الشارع الذي غمرته المياه لتبدأ سيرة العذاب الأولى حاملة معها صفة مطلقة بعدما أعلن المصور انفصاله عنها، الديكور عبارة عن ملصقات كثيرة ومتنوعة تملا جانبي الخشبة لأشرطة خيالة عالمية وعربية ومع طاولة صغيرة متحركة في أسفل يسار الخشبة ، مع نماذج خشبية لصور بعض الشخصيات الفنية والتاريخية أسفل الخشبة يمينا ويسارا، العمل يقوده ثلاث ممثلين بالإضافة لصوت عبدا لله الزروق، نلاحظ من خلال مشاهدتنا بان العمل لم يحظى بتدريبات كافية وهذا يتجلى عند مفتاح الفقيه خدوجة صبري من خلال الأداء _ وهو مزيج بين الفصيحة والعامية الليبية لغة النص_ فهذه الخاصية لا تذوب إلا بالتمرينات والتي لم نشعر بها عند جمال ابوميس، الحركة كانت في كثير من الأحيان مرتبكة وغير متقنة لتعيدنا لنفس السبب ، الملابس كانت أنيقة ومرتبة ونظيفة_ استثني عالم الفضاء_ وهي لا تتماشى مع الشخصيات التي تلعب بضم التاء، فكرة النص عبارة عن دخول حدث غرائبي في سياق واقعي فهو يحيلنا لكثير من الأعمال من مسرح العبث أو لوحات دالي فكرة جميلة وأسرة   لكنها لم تكتمل مع اللغة وبناء المسرحية ، في الوقت الذي اشكر فيه فريق العمل بإدارة الفنان علي ألبركي نأمل منهم إعادة هذا العمل ليشاهده الجمهور الليبي فأنا أدرك تماما مدى معاناتهم .
* للمرة الثالثة يتورط المسرحيون الليبيون في العرض بقاعة المسرح العائم الكبير بالمنيل ، في الدورة الرابعة عشرة استهلها  المسرح الوطني طرابلس بمسرحية(  قطار الموت). والجيل الصاعد بمسرحية ( تساؤل). وفرقة مسرح المختار ( الجبل الأخضر) بمسرحية ( وقع الأحذية الخشنة ) ومخرجها عبد الحفيظ الشريف الذي لم يتحمل وضع هذه القاعة التي لم يتوافر فيها  الحد الأدنى من الإمكانيات الفنية المطلوبة فأستهل عرضه بسيل من الاحتجاجات ضد المسئولين على المهرجان والقائمين على هذه القاعة ، و بعدما صب جام غضبه من موقعه بغرفة المراقبة أعلن عن بداية العرض المسرحي، مسرحية ( وقع الأحذية الخشنة) أعدها للمسرح عبدا لحفيظ الشريف عن رواية للكاتب الجزائري واسيني الأعرج تحمل نفس الاسم ، وهي المرة الأولى على حد علمي تعد مسرحية عن رواية في المسرح الليبي ليدعمها  بمحاولتين إعداد نص مسرحي يحمل أسم (الغريب والحسناء) إلى سهرة مرئية من إخراج عزالدين المهدي، ورواية من مكة إلى هنا للصادق النيهوم إلى عمل مسرحي، وأيضا من إخراج المخرج عزالدين المهدي. أحداث المسرحية تدور في ذهن ليلى _ الممثلة جميلة الحضيري_  في ليلة دخلتها، التي كانت تحت تأثير كاتب_ قبل الزواج_ من خلال كتاباته رأت نفسها وكينونتها وأحلامها وحريتها ، إلى أن تصدم بالواقع منذ الليلة الأولى معه _ الممثل سعد صالح _ هنا بداء صراعها الداخلي معه كواقع أي زوج أو معه كفكرة أي كاتب _ الممثل سعد الدلال_ هنا نرى انفصام الكاتب بين ما يريد وبين ما يكتب، فالمراءاة هنا صنيعة  أفكار الكاتب المتمردة ، المسرحية تريد أن تقول أن الرجل الشرقي يحتاج الى ليلتين ليلى أفكاره وأحلامه وليلى واقعه وعندما يحاول جمعهما تذوب ليلى الأحلام في دوامة الواقع . يستهل المشهد بموسيقى حالمة في غرفة نوم مرتبة مع الإضاءة التي تخدم شاعرية  الحدث الى أن يبدأ الحدث في التصاعد والارتباك حتى ترتبك معه كل قطع الأثاث وهي عبارة عن مكعبات حاول المخرج توظيفها حسب متطلبات الموقف بتفكيكها وإعادة صياغتها و إحالتها الى قطع منزلية( كرسي، أريكة، وسرير،...الخ ) زمن العرض ليلة واحدة ومن خلالها نرى أحداث في أ زمان مختلفة عن طريق الاسترجاع ( الفلاش باك)الى أن يعود إلى الهدؤ والاستقرار باختتام المسرحية كما بدأت وعودة المشهد كما رأيناه في البداية لتجبر المرآة على اختيار الزوج الواقع لا الحلم المسرحية عبارة عن حلم تحريضي  يدعو فيه المراءاة الى التمرد لامتلاك حقوقها . .إيقاع المسرحية متسارع الأمر  الذي عكس أداء الممثلين فتسارع وتيرتهم أحيانا يصل بهم الى حالة التشنج ، وهذا مرده   غياب الوقفات والصمت الذي كان من الممكن أن يخدم الأحداث بالذات موضوع المسرحية أحيانا يدعوك الى التأمل ، إضافة الى لون الأداء الواحد يجعلني اشعر بأني أمام ممثل واحد فالأداء يفتقد الى التلوين الصوتي ، أريد أن انوه هنا بأن العرض الثاني قام بدور الكاتب _كما أراه_ الفنان عبدالرحمن عباس. الديكور من تصميم الفنان التشكيلي سعد فرج والموسيقى التصويرية لخالد لطفي ، ونحن في انتظار العمل القادم للفرقة ، فشكرا جميعا.  
 *وليد عوني أصبح سمة من سمات افتتاحات مهرجان القاهرة التجريبي يقدم وليد عوني لهذا العام   النحات العالمي المصري محمود مختار في عرضه رياح الخماسين   أو (  حلم نحات   ) الاسم الأول للعرض نسبة لأشهر تمثال لمحمود مختار فهذه ليست المرة الأولى التي يتناول فيها وليد عوني سيرة ذاتية في أعماله فقد قدم قبلها نجيب محفوظ وشادي عبد السلام وتحية حليم للمتتبع لأعمال عوني يجد طغيان روح التشكيل وقدرته في جمع مفردات العرض من موسيقى وإضاءة وحركة حتى انك ترى تماثيل مختار مجسدة من راقصين محترفين 
لتنساب معها روح مبدعها،كان اختيار الموسيقى التصويرية مزيج من التراث المصري أضفت على العرض روح الانتماء والعراقة وكما يقول مخرج العمل بأن مختار ينحت وطناً. 

* ضمن الأعمال التي عرضت في المهرجان وتظل في الذاكرة مغامرة سويدية_ فرقة هولاند السويدية_ تحمل اسم( هاملت ....  إذا كان هناك وقت) وهو قراءة كوميدية لأهم وأشهر نص تراجيدي لشكسبير . المسرح خال إلا من خلفية بسيطة تحمل أربع فتحات باب وثلاث نوافذ تمثل قلعة ملك الدنمارك ، يجسد العرض أربعة ممثلين ثلاث رجال وإمراءة يخرجون على المسرح ليبدءوا التعاطي مع المتفرجين واختراقهم لإشراكهم في لعبة هاملت كما يرونه هم، تقود اللعبة الممثلة التي تلعب دور اوفيليا والملكة_ التي اختارت أداءً صوتيا متقنا ومميزا_ بمساعدة زميلها الذي يلعب دور الملك بروح فيها الكثير من الطرافة والسخرية ، وبمساعدة الملقنة التي تتواجد تحت الركح للحفاظ على النص الأصلي ، حتى أن هاملت يرفض علانية الحواريات الطويلة والاكتفاء بسطور قليلة منها، واقتناص أول فرصة لأحد المتفرجين لدعوته للركح كي يحكي له عن حبه لا فيليا  ، أو دعوة أوفيليا احد المتفرجين وتبثه حبها لإيقاد غيرة هاملت ،الملفت للنظر بأن الممثلين عند دعوة احد المتفرجين يحاولون تطويعه لخدمة العرض لا للسخرية منه وعندما يلاحظون ارتباكه يتعاونون جميعا لمساعدته حتى يتخلص من ارتباكه وعودته الى كرسيه. قدرة ووعي الممثلين للنص يجعلهم يمسكون بزمام اللعبة من خلال خروجهم عن النص والعودة له ومن خلال التماهي مع الجمهور والرجوع لفكرتهم حتى أنهم في كثير من الأحيان ينطقون بعض العبارات بلغة عربية وسؤال الجمهور عن معنى تعليقاتهم التي تنطلق منهم . هنا بدءوا بإعطاء فكرة عن هاملت الخاص بهم ليظل الجمهور عنصر مهم من عناصر العرض وهي الفكرة التي كرسها الممثلين ، الممثل يتعامل مع الشخصية بسخرية كما يتعامل مع نفسه وأدائه للدور بسخرية، الملابس أضفت روح الكوميديا على العمل هي عبارة عن ملابس تاريخية بشكل هزلي كما أضفى التنكر الذي أشبه بماكياج مهرجي السيرك والبهلوانات ، كل شيء جعل من المأساة لعبة حتى المبارزة والموت جسد بشكل ساخر ينتزع منك الضحك ،    
*أعضاء لجنة التحكيم برئاسة المخرج والكاتب الايرلندي برايان سينجلتون وبعضوية كل من الممثلة الأرجنتينية آنا رووزا باريفو والمخرج الروسي اناتولي فاسيليف والمخرجة الألمانية الزا شير ومواطنها المخرج جون لاديتش ، الممثل الفرنسي جون ميشيل مونييه،الكاتب الإيطالي سالفو بيتونتي ،الناقد المسرحي الكندي ميشيل فاييس، الناقدة المصرية نهاد صليحة ، الكاتب والمخرج المغربي يونس الوليدي،
* بتاريخ 11_9_2003 يعلن رئيس لجنة التحكيم  الدولية براين سينجلتون نتائج المهرجان ليفوز بجائزة افضل عرض جماعي العرض المصري ( أقنعة وأقمشة وستائر) لفرقة مركز الهناجر للفنون ، مناصفة مع العرض السويدي (هاملت... إذا كان هناك وقت )لفرقة مسرح هالاند وقد رشح لهذه الجائزة كل من عرض عودة اوزوريس لفرقة ارتوس من المجر، وتورانس وجرادي لفرقة فروم من سويسرا ، وعرض ( الحدس ) لفرقة مسرح الدولة للفكاهة والنقد من الاتحاد الروسي.
*  الممثل هلال عنتر يفوز بجائزة أحسن ممثل عن دوره في مسرحية( ديوان العجب ) الذي قدمته فرقة قسنطينة الجزائرية وهي المرة الأولى التي يفوز بها ممثل جزائري بهذه الجائزة ، وقد رشح لهذه الجائزة كل من فيليب نوير عن دوره في مسرحية تورانس وجرادي لفرقة فروم السويسرية ، والممثل فيروت لفوف عن دوره في عرض( الحدس) لفرقة مسرح الدولة للفكاهة والنقد من الاتحاد الروسي.
*عن جدارة تفوز الممثلة السويدية جوزفين ادرسون على جائزة افضل ممثلة عن دورها في مسرحية( هاملت...إذا كان هناك وقت) وقد رشحت لهذه الجائزة كل من الممثلتان تشانج أي لي، وكيم سونج، من كوريا الجنوبية عن دورهما في مسرحية (كارما ) ، والممثلة أنا ليفوانتوفا عن دورها في مسرحية ( الحدس) من الاتحاد الروسي، والممثلة واليو ناكوزانتوفا عن دورها في مسرحية ( تغييرات نينا ) الذي قدمته فرقة معمل تشيكوف من روسيا.
* فاز بجائزة أفضل سينوقرافيا العرض المصري ( حلم نحات ) من اخراج وليد عوني ، وقد رشح لهذه الجائزة كل من عرض ( كارما ) الذي قدمته فرقة يوهانجزا من كوريا الجنوبية ، والعرض المجري ( عودة  اوزوريس ) الذي قدمته فرقة مسرح ارتوس ، والعرض السويسري ( تورانس وجرادي) لفرقة فروم .
*فاز بجائزة افضل اخراج المخرج المجري جابور جودا عن عرض ( عودة اوزوريس) لفرقة مسرح أرتوس وقد تنافس على هذه الجائزة كل من المخرج البحريني إبراهيم خلفان عن عرضه( يوم نموذجي ) لفرقة مسرح الصواري والمخرج يونجونج يانج عن عرضه ( كارما) الذي قدمته فرقة مسرح يوهانجزا الكورية ، والمخرج لوكاس بانجرتر عن عرضه ( تورانس وجرادي) لفرقة فروم السويسرية.
*فاز بجائزة افضل عرض مسرحية (كارما) لفرقة مسرح يوهانجزا الكورية، وقد رش لهذه الجائزة كل من عرض ( هاملت ... اذا كان هناك وقت) لفرقة هولاند السويدية ، والعرض المصري ( أقنعة وأقمشة وستائر) ) لفرقة مسرح الهناجر،( عودة اوزوريس ) لفرقة مسرح ارتوس من المجر. 
يختتم المهرجان بتكريم ثمانية من المبدعين العرب والأجانب .
-الممثلة والكاتبة الفرنسية أني ميريسييه
 المخرج  " اندرو ماكنون "                                                        
الممثلة الايطالية ميتا ميدتشي 
الكاتب الاسباني خيسوس كامبوس جارثيا
المخرجة والكاتبة المريكية روبرتا ليفيتوف
المخرج اللبناني شكيب الخوري
الممثل البولمدي كشيشتوف واكوميك
والفنانة العربية الراحلة الممثلة امينة رزق                                                            
بيان القاهرة للمسرح التجريبي
تود الفرق المشاركة في الدورة الخامسة عشر لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي أن تصدر البيان التالي :-
1_انه لمن الضروري أن تقوم كافة حكومات العالم بتشجيع المسرح التجريبي سواء بالمساعدات المالية أو بتخصيص الفضاءآت لتقديم العروض ، فالمسرح التجريبي هو البذرة والطريق الذي يحملنا لمسرح المستقبل .
2_على كافة المسئولين عن الثقافة ان يأخذوا في عين الاعتبار أن المسرح التجريبي لايمكن ان يأتي بثماره على الأمد القصير مثل المسرح التقليدي فالمسيرة في المسرج التجريبي اهم من النتيجة ، وهي غير مستقيمة في خط ، سيولد مسرح الغد.
3_من المهم ان تقام مهرجانات مثل مهرجان القاهرة حيث تستطيع الفرق المسرحية من الالتقاء ومقارنة عروضها وعروض ومستجداتها في هذا المجال كما ان مهرجان مثل مهرجان القاهرة يفيد في كسر العزلة التي تعيش فيها فرق المسرح التجريبي.
4_من الضروري مساندة النساء والرجال العاملين في مجال المسرح التجريبي ففي عالم التجارة والعولمة نجد ان هؤلاء الرجال والنساء هم الذين يحافظون على المسرح التجريبي حيا ،وهو المسرح الذي بدوره يفسر العالم الذي نعيش فيه ويعد مراءاة له في مواجهة التنميط الذي تسعى له المنظومة ، وهؤلاء النساء والرجال يخصصون أفضل سني حياتهم للبحث المسرحي كثيرا ما يقابلون بعدم الفهم والتجاهل .
5_وأمام هذا الوضع ، على المسرح التجريبي أن يواصل عمله بكل جدية متفاديا معاودة السير في طرق ارتيادها والحلول السهلة والنتائج المتعجلة . وان يعمل خاصة عن الحيلولة دون أن يصاب المسرح التجريبي بآفة الملل.
                                                                     
                                                                                                                   




أيام قرطاج المسرحية .....
تغيب المشاركة الليبية .... كالعادة . 
                                                                    

  وصولنا المتأخر عن بداية الدورة بأيام التي يديرها هذه المرة وللمرة الثانية المخرج المسرحي " محمد إدريس "  صحبة الأصدقاء " عبدالباسط باقندة ، لطفي العارف ، عبدالحميد الغرياني " أسفر عن  قلة العروض التي لاحقناها مما جعلني أعتمد على نشرات المهرجان وبعض الصحف ، إضافة إلى بعض أراء المتتبعين  لهذه الدورة التي تخلو من أي حضور ليبي بإستثناء بعض أساتذة المركز العالي للمهن المسرحية والموسيقية " أبولقاسم فرنانة ، سالم الشايبي ،عبدالرزاق العبارة ، د. علي خليفة " الذين حضروا بصورة شخصية وعلى نفقتهم الخاصة أيضاً . هذا الغياب لم يكن مفاجئاً ، فالمشاركة الليبية  ولأكثر من خمس دورات ولما يزيد عن عشر سنوات غائبة  عن هذه الفعالية المهمة التي تتمثل في " أيام قرطاج المسرحية " أهم مهرجان عربي مسرحي  في دورته الثانية عشر " 24_11 _2005 م الى 3_12 _ 2005 م " باستثناء محاولة قام بها المخرج " فرج لبوفاخرة " وبصورة شخصية هوالأخر  حيث عرض مسرحية " توقف " ل "منصور بوشناف " في الدورة السابقة " 2003 م " . يتغيب الحضور الليبي في الوقت الذي تشارك فيه فلسطين بثلاث فرق مختلفة . لم يتخلف    المسرحيون  المقدسيون  من عرب " 48 م عن المشاركة   " من خلال فرقة القصبة " بمسرحية " الجدار "  التي تعتبر إمتداداً لعملهم " من قصص الإحتلال " الذي لافى نجاحاً مكنه من حصد جائزتي العرض المتكامل في مهرجاني القاهرة التجريبي وقرطاج التونسي  رغم العراقيل التي يواجهونها والضغوطات التي تفرضها الأجراءت الإسرائلية المتعسفة . " فرقة سرية رام الله للموسيقى والرقص " بعرض " ع الحاجز " سينوقرافيا " " معاذ الجعبة "  وهو عرض يحكي على الجدار الذي فرضته اسرائيل على الشعب الفلسطيني وما سببه من معاناة لايغيب على أي متتبع وهو عمل يعتمد على التراث الفلسطيني  موسيقى رقص كان تأسيس هذه الفرقة سنة 1962 م وتوقفت أثناء حرب 1967 م وأعيد إحياءها سنة 1985 م   . و أخيراً فرقة مسرح " تل الفخار عكا " بمسرحية " خطبة لاذعة ضد رجل جالس " وهي مونودراما تمثيل وإخراج " سامية قزموز بكري " التي كرمت في الدورة السابقة بعدما أعلنت عن وجودها وبشكل شخصي من خلال مراسلتها لإدارة المهرجان وهي الممثلة التي لاقت صدى طيباً في دورة مهرجان القاهرة التجريبي "1992 م " من خلال مونودراما " " الزاروب " فرقة من إمراءة واحدة تحكي هموم الشعب الفلسطيني تلفت اهتمام كتاب وشعراء كبار أمثال " عبدالقادر القط ، والشاعر أحمد دحبور ، وفريدة النقاش "  . يحضر الأفارقة ويكون لهم شرف افتتاح الدورة من خلال ملحمتهم " سولغولون " بإيقاعاتها التقليدية وموسيقاها ورقصاتها وثقافتها بينما  تتغيب ليبيا رغم فعالياتها في الإتحاد الإفريقي ، تتواجد بفعالية كل من تونس والجزائر والمغرب وتتغيب ليبيا رغم تواجدها الفاعل في اتحاد المغرب العربي ، يتغيب الحضور الليبي رغم استحداث أمانة للثقافة والإدارة العامة للمسرح وإدارة المهرجانات ، ورغم الدعوات المتكررة من كل المهرجات العربية والعالمية  لتنام في أروقة وأرفف المسئولين ، سؤال يثير أكثر من الأسى ونحن نستهل القرن الواحد والعشرين في ذات الوقت الذي كانت فيه ليبيا مواكبة لكل المحافل العربية والعالمية وتبنيها أحيانا في فترة الستينيات والسبعينيات والنصف الاول من ثمانينيات القرن الماضي وربما قبل ؟!! .    
* تحت شعار " الأنفتاح على الأخر " و بمشاركة كل  " تونس ، المغرب ، الجزائر ، مصر ، لبنان ، سوريا ، الأردن ، العراق ، فلسطين ، الكوت ديفوار ، منتخب من البلدان الأفريقية ، بلجيكيا ، فرنسا ، إيطاليا ، هونج كونج  "  .
* على غير عادة الدورات السابقة ولأول مرة  تلغى  فيها المسابقة والتقييم والجوائز الذي أحدث ردات فعل متباينة في الأوساط المسرحية . 
* كرمت هذه المرة مسارح التونسية كان لها الأثر الفاعل في إثراء الحركة المسرحية التونسية المعاصرة " الفن الرابع ، التياترو ، الحمراء ، نجمة الشمال ، بئر الأحجار ، المركز الوطني لفن العرائس " .
* الختام ايضا كان افريقيا فهي قراءة جديدة  لسنفونية " سترافنسكي " بتوقيع الجزائري الفرنسي " هادي معلم " وهو عمل اختلطت فيه الايقاعات الافريقية وعاداتها مع الرقص  من خلال اربعة عشر راقصاً  افريقياً مستعينا بالتقنية الحديثة ..     










مهرجان القاهرة التجريبي
" دورة متشحة بالحزن   "

  حادثة قصر الثقافة ببني سويف التي راح ضحيتها أكثر من أربعين مسرحياً كانوا أداة فاعلة في دورات المهرجان السابقة _ " محسن مصيلحي ، أحمد عبدالحميد ، بهائي الميرغني ، مدحت أبوبكر ، حازم شحاتة ، صالح سعد ، نزار سمك... وأخرون " _  إثر حريق شب على خشبة المسرح قبل أسبوعين من بدء فعاليات الدورة السابعة عشر لمهرجان القاهرة التجريبي هذه الحادثة ألقت بضلالها على سير برنامج هذه الدورة  ولم تفلح جهود وزير الثقافة في التخفيف من وقع الحدث رغم إلغاء حفل الأفتتاح والختام وأهداء هذه الدورة لشهداء الحادثة فقد قاطع العديد من المثقفين والمهتمين أنشطتها الأمر الذي جعل قاعات العرض  تشكو من قلة  الحضور  خلاف ما تميزت به الدورات السابقة وظل الأمر سجالاً في الصحف المصرية  بين مؤيد لإلغاء هذه الدورة والمهرجان بالكامل  وبين مدافعاً عن استمراريتها الأمر الذي جعل اللجنة المشرفة عن المهرجان تستخرج بياناً موقع من المسرحيين الدوليين " الأوربيين "  المشاركين  يفيد دفاعهم على أستمرارية المهرجان . كل هذه التفاصيل أترث  سلباً على البرنامج العام للمهرجان . الملفت للنظر وبعيداً على تفاصيل الحادثة أن العروض المنتقاة لهذه الدورة تناسقت مع المناخ العام للدورة فأغلب العروض تقريباً لم تكن في مستوى قيمة هذا المهرجان الذي يحتفل بعيد ميلاده السابع عشر ولم تكن في مستوى عروض الدورات السابقة فتراجع القيمة الفنية للمهرجان بدت ملحوظة وأخشى بأنه سيلفظ أنفاسه قريبا. أنعكست هذه الحالة  على أجندة الندوات ومن يديرها فهي تعتمد نفس الوجوه وكأن المهرجان وعلى مدى سبعة عشر سنة  لم يأتي بجديد لتفعيل ندواته . فالحضور لا يخلوا من أسماء لاحقتنا من سبعينيات القرن الماضي " أحمد سخسوخ ، نهاد صليحة ، فريدة النقاش ،_ وإن كانت هذه الدورة عضو لجنة تحكيم بديلة لنهاد صليحة في الدورة السابقة _ سمير سرحان ، سعد أردش ،المخرج المسرحي أحمد زكي ، طبعاً حضور السيد " بول شاؤل " الذي يعد علامة ملحة في كل مهرجان كان هذا في  قرطاج او دمشق او القاهرة " فمحاور الندوات لا تخرج من قراءت لمسرحيين كلاسيكيين أو عصر النهضة مروراً بستانسلافسكي وبرخت وكتاب العبث هذا من جانب ومن جانب أخر " مفهوم التجريب ، نزع القداسة على النص ، سيطرة الصورة ، البحث عن تقاليد جديدة ، إعادة قراءة النصوص القديمة ، البحث في التراث ، تهشيم النص ، الأحتفاظ بسلطة المؤلف ، التمرد على الجسد ،  مسرح المؤلف أم مسرح المخرج ، سيكو دراما التجريب ، آلية التحوّل في الدراما ، التجريبي ... واقع وطموحات " .... والقائمة تطول إلى حد الإعياء    . انعكس هذا أيضاً على التنظيم ومواقيت عروضه الأمر ليس مفاجئاً إذا ما تم إلغاء عرض أو أخر ربع ساعة أو نصف ساعة ، وقد تمنع من الدخول بحجة امتلاء الصالة في الوقت الذي تشكو فيه صالات العرض  من الخواء  . هذا الأمر عانى منه المسرحيون الوافدون من أوربا واليابان وأمريكا فنحن أعتدنا على هذه الحالة . لو لم يتم تدارك هذه النقاط في الدورات القادمة  سيخسر المسرحيون العرب مكسباً ثقافياً من الصعب تعويضه .
* تشارك الفرقة الوطنية للفنون المسرحية بعرض " القفص "  الإنتاج الثاني للفرقة بعد عرض " نحن الملك " للمخرج المعد " فتحي كحلول " عن " الملك هو الملك "  ل" سعدالله ونوس " الذي عرض بمسرح الكشاف بطرابلس . " القفص " من  تأليف وإخراج " عمر هندر " الذي يعد رصيده الثاني بعد  مسرحية " اللحظة " هنا لا أريد أن أتكلم على العرض فهو بحاجة لمشاهدة أخرى فالمشاهدة الانطباعية الأولى أعطتني إحساس بأنها تعد  المشاركة الجادة الثانية في هذا المهرجان بعد عمل " محمد العلاقي " الميت الحي " الذي رشح ليتنافس على جائزة " السينوقرافيا" ، فمفردات العمل في " القفص "   " موسيقى ، ‘إضاءة ، مع حركة ممثل " شكلت  تجانساً وترابطاً جعل من العمل يسير بهدؤ وشفافية الى غاية إنتهاء ومضته " فلاش "  الني لم تتجاوز العشرون دقيقة .  ليس أكثر من أن أقول شكراً مع استغرابي لعدم إدراج العمل في المسابقة الرسمية . جسد العمل كل من  " علي الشول ،مفتاح الفقي ، منيرة الغرياني ، علي سعيد ، وليد بلعيد " . موسيقى ومؤثرات فتحي كحلول ، عرض خلفي محمد كرازة ، تنفيذ الموسيقى جمال أبوسعود ، إضاءة سالم البركي ، هندسة مناظر عون الشبلي ، صوت خليفة عويطي ، تنكر ، فوزي الداكشي ، ساعد في الإخراج فوزي برباش .
* أصدرت الدورة تسعة عشر كتاباً في جماليات المسرح وفنونه مع نصوص من المسرح الصيني والأسباني والمسرح النمساوي وكتاب " علم إجتماع المسرح " بجزئين من ترجمة "د. كمال عيد " ، مع دراسات في المسرح الأفريقي ومسرح أمريكيا اللاثينية ومسرح ألمانيا الشرقية . بالإضافة للكتاب التذكاري إلى شهداء الفن والواجب دراما الخامس من سبتمبر . تحرير " د. حسن عطية " .   
تضم لجنة المشاهدة الدولية الأمريكية " مارثا كوانييه " الرئيس الشرفي للمؤسسة العالمية للمسرح منذ 1995 م ولمدى الحياة . 
جينيكا تشولاكوفا هينلي " المانيا " كاتبة ومخرجة مسرحية عملت مخرجة للدراما الأوربية في المانيا ، بلجيكا ، النمساء ، وتعلونت مع المخرج والمؤلف الالماني " هاينر موللر " .
جون ميشيل مونييه " فرنسا " احد ابرز مخرجي وممثلي المسرح الفرنسي المعاصر وله مساهمات في السينما والمرئية .
تتكون لجنة التحكيم الدولية من :- 
مارك هول اميتين " امريكا " رئيساً وبعضوية كل من :-
أدريان دي أستيفتانو " الأرجنتين " . بيور الكسندر " روسيا . ثريز شرورز " هولندا " . جو يي ان " الصين " . دومنيك برودان " فرنسا " . فريدة النقاش " مصر " . مادالينا فاللوكي " ايطاليا " . هيديناجا اوتوري " اليابان " . فولف بونجيه " المانيا " . يوسف العاني " العراق " .
تم تكريم كل من :- الممثلة " سهير المرشدي " والممثل " عبدالرحمن أبوزهرة " و المرحوم الكاتب "  نبيل بدران " من مصر . والناقد والكاتب اللبناني " بول شاؤول " . والمخرج المسرحي الألماني " الكسندر ستيلمارك " . والمخرج والكاتب  الأمريكي " جان رولر " . ومن أسبانيا يكرم الكاتب والناقد " جوان ابيلان " . والكاتب والمؤرخ والناقد البلجيكي " روجيه أرتيل " . والكاتب والمخرج الإيطالي " فرناندو بالسترا " . والمخرج البولندي " بيجي زيلينيك " .والكاتبة والناقدة الفلسطينية " ماري إلياس " .
أعلن رئيس لجنة التحكيم الدولية لمهرجان القاهرة الدولي التجريب في دورته السابعة عشر ( 20 الى 30 -9 -2005 م  الدكتور / مارك هول أميتين وهي على النحو التالي :-
رشح لجائزة أفضل إخراج كل من " حيدر منعتر " من العراق عن عرض " حريق البنفسج " و " بيت سيكنر " من أمريكا عن عرضه " تغير البحر " وفاز بها " عبدالمنعم العمايري " من سوريا عن عرضه " فوضى .
رشحت لجائزة أحسن ممثلة   " كاترينا لورا " من قبرص عن عرض " عرض " وفازت بها " شروق محمد " من اليمن عن عرض " أنت " .
رشح لجائزة أحسن ممثل  البولندي " كريزتوف لاكوميك " عن عرض كاليجولا " وفاز بها المجري " فيرنيك فيلر " عن عرض نظرة ميدوسا الحادة " .
رشح لجائزة أحسن سينوقرافيا المخرج " وليد عوني " عن عرضه " بين الغسق والفجر " وفاز بها " حيدر منعتر " من العراق عن عرضه " حريق البنفسج ".
منحت اللجنة جائزة أفضل عمل جماعي مناصفة بين أندونيسيا " عن عرض " صفر " و الأردن عن عرض " الخروج الى الداخل " .
رشح لجائزة أفضل عرض مسرحية " حريق البنفسج " من العراق " وفاز بها العرض السوري " فوضى " .
كما قررت اللجنة أن تمنح جائزتين خاصتين هما :-
جائزة أفضل عمل فردي الذي رشح له العرض المجري " نظرة ميدوسا والحادة " وفاز به عرض " إمراة الباراشوت " الياباني ".
جائزة الإشادة بأكثر العروض إرتباطاً بالمجتمع منح منافصة بين عرض " القيد " الأوزبكستاني .وعرض " وجه كلب " من جمهورية الصين الشعبية .        
      

























الممثل " ديفيد بارون "
  جائزة نوبل للآداب

 :"لقد حملنا للشعب العراقي العذاب والقنابل العنقودية، واليورانيوم المخصب، والعديد من عمليات القتل العمياء، حملنا إليه البؤس والانحدار، وكل ذلك تحت غطاء الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط". هارولد بنتر .
  
للمرة الخامسة  تمنح أكادمية أستكهولم السويدية  جائزة نوبل لكاتب مسرحي بعد " ديرك والكوت، ول سوينكا ، وصموئيل بيكت ، وداريو فو" . أخيراً وبعد تجاوزه سن الخامسة والسبعين تعطى هذه  الجائزة للكاتب المسرحي الأنجليزي " هارولد بنتر " الذي ظل يلازمه أسمه المستعار" ديفيد بارون "  الذي أختاره في بداية حياته كممثل هاو في فرقة " رويال كورت " ثم ممثلاً محترفاً في أغلب أعماله المسرحية أخرها مسرحية " حفلة عيد الميلاد " فقد كان " بنتر " كاتباً و مخرجاً وممثلاً لأغلب أعماله المسرحية منذ سنة 1957 م  التي من أهمها "  الغرفة ، حفلة عيد الميلاد ، الخادم الاخرس ، ألم بسيط ، المنزل الساخن ، منولوج ،  مقابلة ، متاعب في العمل ، الحارس ، ضوء القمر ،  ، خيانة ،من رماد لرماد (1996)، احتفال (1999) ، العودة الى البيت ، الأرض الحرام ، ومؤتمر صحفي 2002 م  "  ، ولم يكتف بهذا فقد كتب ومثل في العديد من الأعمال التلفزيونية وألف العديد من السيناريوهات السينمائية  ومثل في  العديد من الأعمال السينمائية فقد كتب سيناريو " الطاغية الأخير "  للمخرج الكبير " اليا كازان " و عشيقة الضابط الفرنسي " للمخرج " كارل راميز " . و " الخادم ، والمرسال ، والحادث " للمخرج " جوزيف لوزي " . شريط " قاعدة " اخراج " روبرت التمان " ، " الصديق العائد " جيرزي شاتسبرج " ، تكيف الغرباء " للمخرج " بول شرودر "  و " البحث عن الزمن الضايع " للمخرج الألماني " فولكر شولندورف " كل هذه الأعمال عن روائيين عالميين . في نهاية التسعينيات من القرن الماضي  كتب سيناريو لمسرحيته " الخادم الأخرس " باسم " الخادمة الخرساء "  بعدما غير شخصية الخادم الى خادمة من إخراج الألماني " شولندورف " والذي شارك  فيه كممثل ، كما مثل في شريط " بذرة النمر الهندي " بطولة " عمر الشريف " واخراج "  بليك ادواردز ". كان أخر ظهور " ديفيد بارون " أو " هارولد بنتر " كممثل في السينما في شريط " حائك بانما " من إخراج " جون بورمان " لم يكتف بنتر بالتأليف والإخراج المسرحي فقد كان له  شريط "  الساقي " من إخراحه  . لم يكن بنتر كاتباً مسرحياً ومخرجا وسيناريست بل  كان إضافة إلى ذلك روائياً وشاعراً ومتمرداً على سياسات الظلم والقهر الاجتماعي مدافعاً بشدة عن القضايا الإنسانية  ورافضاً لأي  شكل من أشكال الحروب ومنذ بدايته عندما رفض الانضمام للخدمة العسكرية " 1946 م " مفضلاً السجن على الانخراط في العسكرية الا أن القاضي أشفق عليه وأغرمه " ثلاثون جنيهاً " كما يروي " بنتر " الذي أحضر معه حاجياته وفرشاة أسنانه استعدادا لدخول السجن . " هارولد بنتر " كاتب  يكتب نفسه وقناعاته ومواقفه وهو ابن الحي العمالي ب" هاكني " شرق لندن _ " 10 اكتوبر 1930 م " _  الفقير ، لأب خياط متشبعاً بمرارة أزقته وتفاصيل الحياة في شوارعه وقسوتها فرفضه نبع من إحساسه بالظلم هذا الإحساس الذي تطور الى مناهظاً للحرب في سن مبكرة ثم مناهضاً  لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية عام 1973 بعد الانقلاب الامريكي علي نظام الرئيس اليندي في التشيلي . ما ارتكبته القوات الاندونيسية المدعومة من الولايات المتحدة في تيمور الشرقية، ونصف مليون ضحية نتيجة للسياسة الخارجية الامريكية في غواتيمالا والتشيلي والسلفادور ونيكاراغو والاروغواي والارجنتين وهاييتي. ولا ينسي بنتر تذكير العالم بالجرائم الامريكية التي ادت لمقتل الملايين في فيتنام وكمبوديا. ،  وكان في الثمانينات من اشد منتقدي الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر، وانتقد تدخل الناتو (حلف شمال الاطلنطي) في كوسوفو . وكان منحازاً للقضية الفلسطينية  التي يعتبرها قضية مركزية ويعدها سبباً مهماً في عدم استقرار العالم منتقداً بشدة الممارسات الاسرائيلية على الفلسطينيين  . وعارض الحملة الامريكية علي افغانستان عام 2001، وفي عام 2002 انضم بنتر لعدد من الناشطين السياسيين والمثقفين لشجب الحرب الوقائية التي اعلن عنها بوش، حيث قال لن نسمح ان تكون أسلحة العالم الأكثر سوءا ان تبقي في يد أسوأ رئيس في العالم .  كما كان رافضاً لتبعية بريطانيا لأمريكيا في سياساتها الخارجية وانتقد بشدة سياسة  بلير وبوش في حربهما على العراق وتظاهر مع الملايين في " الهايدبارك رافعاً الشعارت المناهضة لحرب الخليج  في أحدى لقأته يقول بنتر :- "حين اسمع بوش يقول "باسم كل عشاق الحرية..سنمضي قدماً في حربنا على الإرهاب".. أتساءل كيف تبدو أشكال كارهي الحرية! قصف العراق كان عملاً إجرامياً مع سبق الإصرار والتصميم، وأن ما يتحدث عنه سياسيونا، استثنائي في مدى جمعه بين النفاق الأصلي وعدم فهم اللغة". فقد زار العراق ووثق الزيارة بكتاب بعنوان " زيارة الى العراق " ، وديوناً بعنوان "الحرب" عام 2003، وضمنه قصائد تتناول بشاعة الحرب التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا على العراق وأفغانستان،  . 
كتب العديد من القصائد تدين الحرب على العراق ففي قصيدة " حفظ الله أمريكا " يقول :- 
  ها هم مرة أخرى، اليانكي في زحفهم المصفح..
 يرددون أغانيهم الشعبية بجذل..
 يقعقعون في أنحاء العالم... 
ويهتفون بحياة رب أمريكا . 
كتبت في بداية عام 2003 اي قبل أشهر قليلة من سقوط بغداد
وفي  قصيدة " القنابل " يقول :-  
لم يعُد لدينا المزيد من كلماتٍ تقال
كلُّ ما تبقّـى ، القنابل
التي تنفجر خارجةً من رؤوسنا .
كل ماتبقّـى ، القنابل التي تمتصُّ ما تبقّـى من دمنا .
كل ما تبقّـى ، القنابل التى تصقل جماجمَ الموتى .
 وعلق بنتر تعتقد الولايات المتحدة ان الثلاثة الاف امريكي الذين قتلوا في نيويورك هو الموت الوحيد الذي يستحق التكريم، الموت الذي يمكن حسابه، لانه موت امريكي، والانواع الاخري للموت غير حقيقية، مجردة ولا اثر لها . 
فالثلاثة الاف ضحية في افغانستان لا احد يتحدث عنها، كما يقول بنتر، ومئات الالاف من الموتي من بين الاطفال العراقيين نتيجة للحصار الذي تفرضه امريكا وبريطانيا عليهم لا يشار اليهم ابدا. ولم يتحدث احد عن استخدام اليورانيوم المنضب اثناء حرب الخليج عام 1991، ويشير بنتر الي ان مستوي الاثار الاشعاعية علي العراق عال جدا، فهناك اطفال يولدون بلا دماغ، وبلا عيون وبلا اعضاء تناسلية  ويقول بنتر إن العالم الذي لا ينسي، العذاب والقتل، لا يكتفي بالنسيان فقط ولكن يرد علي الظلم، مشيرا إلى إن الهجمات علي أمريكا العام الماضي تم التكهن بها منذ زمن وكانت محتومة. وإنها رد فعل انتقامي  على إرهاب  الدولة الذي تمثله أمريكا وتقوم به لأعوام طويلة وفي كل انحاء المعمورة.
يعد " هارولد بنتر " من أكبر كتاب " العبث _ اللامعقول " وكان من أشد المعجبين ب "صمؤيل بيكت "  حيث يقول "أجده مصدر إيحاء لي، ولا أعتقد أن هناك كاتباً يشبه بيكيت، حين قرأت أعماله للمرة الأولى بين عامي 1949ـ 1950،  فكرت أن هذه الكتابات، استثنائية بالفعل" . الأمر الذي جعل الأكاديمية السويدية تعلن بأن الجائزة منحت له لمواقفه السياسية الواضحة وكتاباته العظيمة . 

  


ليلاً يسافر الطائر المهاجر
 وغريباً ينام  

 لم يكن الراحل " د. عوني كرومي " وحده الذي هاجر وحمل " العراق "  في قلبه وبين كفيه مكتفياً بفنه وهمّه المسرحي فقد كان " د . جواد الأسدي ، د. صلاح القصب ، د . محمد فريد حسون " والقائمة تطول  "  وأخرون من الشعراء والمثقفين والتشكيليين  الذين كانت تؤنسهم " ديرة حمد ، واعزاز والله اعزاز  ، وحاسبينك مثل كل الناس " ويتدثرون بأشعار "  الجواهري وبدر شاكر ،  والنواب " علها تسد رمق  حنينهم للعراق " فقد كانوا في الغربة ينحتون العراق ويفترضون عراقاً جديدة عراق الأم . 
 كان يوم السبت 27-5-2006 م  عندما أعلن  نباء وفاة المخرج العراقي " عوني كرومي " عن عمر يناهز الواحد والستين عاماً ،  بالعاصمة برلين بألمانيا ، إثر جلطة قلبية أصيب فيها قبل يومين من وفاته أثناء  حضوره العرض الأول لمسرحية " مسافر ليل " لصلاح عبدالصبور " التي جسدت شخصياتها الممثلتان الألمانيتان بوليا ريبكي و كلوديا كريمر  " التي  اخرجها لمسرح برلين‏,‏  بعد بدء العرض بأقل من نصف ساعة ‏.
بداياته عام  1961 م من القرن الماضي ، عندما درس الإخراج المسرحي بمعهد الفنون الجميلة ببغداد متخرجاً منه بامتياز الذي أهله لاستكمال دراسته العليا في جامعة ( همبولدت ) في العاصمة الألمانية برلين متخصصاً في  مسرح برتولد بريخت لينال شهادة الدكتوراه سنة 1976 م . ،  في عام  1977  م عاد الى العراق ليعمل أستاذاً للإخراج في أكاديمية الفنون قسم المسرح  إضافة لعمله كمخرج للمسرح قدم في هذه الفترة العديد من الأعمال حاز عليها بجائزة أفضل مخرج في أربع مواسم مسرحية متعاقبة .  
 أخرج أكثر من 70 مسرحية ، منها :  المساء الأخير، منطقة الخطر، كاليجولا، غاليلو غاليليه، كريولان، مأساة تموز، القائل نعم القائل لا، تداخلات الفرح والحزن، فوق رصيف الرفض، الغائب، حكاية لأطفالنا الأعزاء، كشخة ونفخة، الإنسان الطيب، صراخ الصمت الأخرس، ترنيمة الكرسي الهزاز، بير وشناشيل، المحفظة، المسيح يُصلب من جديد، الصمت والذئاب، عند الصلب، في المحطة، الشريط الأخير، المساء الأخير، الطائر الأزرق، أنتيجونا، فاطمة، السيد والعبد  ، تساؤلات مسرحية ،  رثاء اور، مأساة تموز ،  كوريولان، رؤى سيمون ماشار ، تداخلات الفرح والحزن، مبادرات، الآنسة جولي،    مساء السلامة، المسيح يصلب من جديد، مشعلوا الحرائق،  مسافر ليل . 
 شغل عدة مناصب أكاديمية في معاهد وكليات الفنون المسرحية في بغداد وعمان ودمشق وبرلين التي كانت المحطة الأخيرة . شارك في معظم المؤتمرات ومهرجانات المسرح العالمي في ألمانيا ، رومانيا، روما وقرطاج ونال العديد من الجوائز والشهادات التقديرية من مهرجانات عربية ودولية. أبرزها جائزتان لأفضل عرض مسرحي مشارك في مهرجان قرطاج التونسي ، إلى جانب العديد من الجوائز الأجنبية، خصوصاً في برلين وهافانا . أقام ورش عمل مسرحية لموسمين مسرحيين بمسرح الهناجر بالقاهرة كما أخرج له عملين أخرهما مسرحية " مشعلو الحرائق " ل " ماكس فرش "  ، كما أخرج العديد من المسرحيات في  والقدس وقطر والكويت والأردن والإمارات العربية المتحدة وسوريا والبحرين وبيروت كما قام بالتدريس في أكثر من عاصمة عربية .. أسس المخرج الراحل، في بغداد، فرقة مسرحية، وعمل في التمثيل التلفزيوني والمسرحي . 
ألف العديد من الكتب التي اتخذت طابعاً نقدياً، أو تربوياً، منها : / وظيفة المخرج في المسرح/ ، / اطروحات في المسرح العراقي القديم/ ، /كروتوفسكي والمسرح الفقير/، / الاغتراب في المسرح العربي/، / فن التمثيل/، / الحركة لغة المسرح/ ، / طرق تدريس التمثيل/ ،/ المسرح الألماني المعاصر ، روبرتو تشولي " مسيرة عشرين عاماً مع مسرح الرور " يحكي فيه تجربته مع المخرج الإيطالي روبرتو تشوللي وتجربة " طريق الحرير "  .
منح لقب " وسيط الثقافات " من مركز برخت بألمانيا سنة 2002 م بمناسبة مرور اربعين سنة على عمله بالمسرح . هذا اللقب جاء تتويجاً لتجربته من خلال تقديمة وإخراجه ومؤلفاته وترجماته ومحاضراته وورشه المسرحية ، منذ حصوله على درجة الدكتوراة في العلوم المسرحية سنة 67 م . 
   كانت  ألمانيا مركزاً أساسياً لعمله ، محتكاً بمسرحها، متحاوراً ومنسقاً مع العديد من مسرحييها. التي أقام فيها بعد هجرته من العراق اثر فرض الحصار في العام .1990 م الى أن احتضنته إحدى كنائسها يوم السبت 27 / 5 / 2006 م  
برحيله تفقد  الساحة المسرحية واحدا من أهم المخرجين الفاعلين الذين خدموا المسرح العربي وأوصلوه الى أوروبا عبر العديد من العروض التي قدمها في عواصم اوروبية عديدة . كما لا يخلو مهرجان او ملتقى مسرحي عربي من أحد أعماله وأبحاثه . عندما تراه يتزاحم محفوفاً بطلبته من أجل الدخول لحضور عروض المهرجان  وهو بكامل حيويته لا يرد بذهنك بأنك لن تراه في الدورة المقبلة .... هكذا الأقدار.


وليد عوني ...
 رحلة ربع قرن 
                                                                
  زيارته الأولى  للقاهرة صحبة المصمم العالمي" موريس بيجار" عام 90 م من القرن الماضي ربما تكون النواة الأولى التي مهدت له الطريق لتأسيس أول فرقة للرقص المسرحي الحديث بدار الأوبرا سنة 93 م بتكليف من وزير الثقافة المصري الفنان التشكيلي " فاروق حسني" و التي تعد الاولى من نوعها في البلاد العربية بعد تجربتين مع فرقة الباليه عامي  90_ 91 م . وليؤسس مهرجان سنوي عالمي  للرقص المسرحي الحديث في مصر 1999م  ثم مديراً لأول مدرسة في القاهرة للرقص الحديث .  بدايته في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي في بلجيكيا مع ظهور حركة الرقص المسرحي الحديث عندما قام بتأسيس " فرقة التانيت للرقص الحديث " منجزاً بذلك ثمانية من أهم أعمالها   من تصميمه وإخراجه  ليحصد بذلك  اعترافا من وزارة الثقافة البلجيكية به  كمصمم معاصر عام 1986م . إضافة لعمله مع فرقة الرقص المسرحي كمخرج ومصمم والمدير الفني  لها  ، قام بإخراج حفل الافتتاح لمكتبة الإسكندرية والاحتفال بمرور مائة " 100" عام على إنشاء متحف الآثار المصرية . كما قدم العديد من الأعمال في احتفالات وزارة الثقافة والقوات المسلحة المصرية. اختياره كأفضل مخرج لسنتي  1997 و 2003 م جاء تأكيدا لنيله للعديد من الجوائز العالمية  والأوسمة من بلجيكيا واليابان والأردن . وعلى مجمل أعماله منحته فرنسا وسام برتبة فارس للفنون والآداب الذي يعد  من أرفع الأوسمة التي تمنح للشخصيات الثقافية . ووسام الشرف برتبة فارس من الحكومة اللبنانية . تحصل " وليد عوني " على جائزتي أحسن " سينوقرافيا " في دورتين لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي لعرضي " الأفيال تختبيء لتموت" سنة 1995 م  ,وهي أول جائزة تحصدها مصر في هذا   ،  و" محمود مختار ورياح الخماسين " سنة 2003 م . كما مثل مصر في العديد من المهرجانات الدولية .
"    كنا على موعد باحدى قاعات دار الاوبرا المصرية حيت يجري تدريباته علىعرض شهرازاد " استعداداً للذهاب الى المانيا  لعرضها ب" أوبرا فرانكفورت " في اليوم المقبل
المؤتمر:- علاقتي بأعمالك منذ مسرحية " موميا شادي عبدالسلام " التي عرضت في مهرجان قرطاج المسرحي في النصف الأول من التسعينيات من القرن الماضي .
وليد:- هذا زمن كبير قدمت بعد " شادي عبدالسلام " حوالي ثمانية عشر عملا .
*  :- في رصيدي تقريبا ثلاث او اربع اعمال وشاهدت عرض " محمود مختار " بنقل  مرئي سيء ولكنه أوصل الفكرة على كل حال  .
وليد :- دائما أشكو من الإخراج " التلفزيوني ". واليوم أتيحت لك مشاهدة " شهرزاد" وإن كان ينقصها عناصر العرض الأخرى .
* :- وأخيراً " كلارا  والرمال متحركة " . . هل  يمكننا  القول بأنه  في  أغلب اعمالك تعتمد على الرؤيا البصرية معتمداً على الجماليات  كأولوية لرؤيتك الإبداعية ؟.
وليد:- نعم..  ولكن في "  شهرزاد " اعتمدت على الموسيقى .
* :-  وايضاً " كلارا  و الرمال متحركة " تم الاعتماد على الموسيقى.. هل بإمكاننا تسميتها أمسية بيانو؟ خاصة بأن البيانو الشخصية الرئيسية في السينوقرافيا ومصدراً لمقطوعات " روبرت شومان " الخالدة .
وليد:- أمسية بيانو ؟!!.. لا أدري . 
*: - شخصيات العرض_ اي الراقصين _  بلباسها الأسود والأبيض _ التضاد _  يمثل تجسيداً لأصابع البيانو الذي يمثل الشخصية الرئيسية في العرض .
وليد :- نعم ... ولكني وظفت هذا التضاد ليتماشى أيضا مع لون الرمال ، ولخوفي من إزعاج لون الرمال وأيضاً اعتمدت اللون الأحمر لشخصية لاعبة البيانو التي تمثل كلارا  .
* :- نلاحظ في عرضك هذا _ كلارا والرمال المتحركة _ طغيان الرومانسية. 

وليد :- أجل فهو  من العروض القليلة التي اشتغلت فيها على الرومانسية خاصة في الحركات التي لها علاقة مباشرة  بالبيانو وموسيقى " شومان" الذي عاش في القرن التاسع عشر وهي فترة رومانسية وأيضاً  يزخر بالعديد من الموسيقيين الكبار فحياة " شومان " التراجيدية والرومانسية فيها الكثير من الغنى .
* :- كيف تفسر الحضور التشكيلي في أغلب أعمالك ؟
وليد :- أنا بدايتي تشكيلية فقد درست ثلاث سنوات الفن التشكيلي البصري ،  كما درست الدعاية في بدايات " الفيديو ".. فأنا  فنان تشكيلي  بالأساس وأقمت العديد من المعارض وهذا الأمر كان دعماً لي في عملي كمخرج .
* :- يتم توقيع  اغلب أعمالك بأسماء اشخاص شادي عبدالسلام، تحية حليم، محمود مختار، شهرزاد، وأخيراً كلارا  ..
وليد :- ونجيب محفوظ .. نعم انا اسميها الثلاثية المصرية ، " نجيب محفوظ" ومحاولة اغتياله  في " الغيبوبة " كأدب . تحية حليم في  " المقابلة الأخيرة " كفن تشكيلي ،" شادي عبدالسلام" في  " موميا شادي عبدالسلام "   كسينما ، ومحمود مختار في " رياح الخماسين "  كنحت  ، وأخيراً" شومان"  . " شومان " و " محمود مختار" لم يكونا ضمن الثلاثية . إجمالاً فأنا لا ألجاء للاقتباس حتى شهرزاد لم أقتبسها بل كتبتها من جديد ،  ف" ألف ليلة وليلة "  إرث إنساني على مر العصور و من حق المبدعين إعادة كتابتها من جديد، حتى أن مبدع " ألف ليلة وليلة " مجهول الهوية  ، فالمبدع الى هذه اللحظة بإمكانه كتابة الف ليلة وليلة ... من قال ان هذه الأسطورة رهينة زمن محدد ؟ . 
* :- لكن مجرد  ذكر اسم " شهرزاد"  يحيلنا لتلك المرأةالتي زودتنا بها اسطورة " الف ليلة وليلة " .
وليد :- شهرزاد هي رمز للمرأة الشرقية. وكثيراً ما ألهمت الشعراء والأدباء والمفكرين الغربيين في كل العصور."  شهرزادي"  أنا عارضة أزياء فهي رمز للأنوثة رمز للجمال رمز للحكمة " فشهرزاد"  ربما تكون" ماريا كالاس " وقد تكون " مارلين مونرو " أو " الليدي ديانا" وقد تكون أي إمراءة تمثل شهرزاد  . أعود وأقول من الممتع أن  تستدعي الشخصيات والعمل عليها دونما إرباك حياتها _ أي حياة الشخصية _    فأنا أشتغل على عصر الشخصية وحياتها  وتوليدها من جديد  لتواكب هذا العصر أنا لا أربك حياة شخصياتي وانتزاعها من عصرها ، أنا أعمل على عصرها  وحياتها  .
* :- في عمل " محمود مختار " حاولت تجذيره الى عصر الفراعنة .
وليد:- نعم حاولت ربط العلاقة بين النحات الفرعوني ونحات العصر الحديث الذي ينتمي له  " محمود مختار "  مثلما استدعيت "هدى شعراوي" و" سعد زغلول"  الذين عاصروا" أم كلثوم "  هنا اشتغلت على العصر.
*:- هل هذا ينعكس على عملك الأخير " كلارا والرمال المتحركة" ؟
وليد :- " مانوش مية بالمية " في هذا العمل لم استدعي حياة " شومان و كلارا " ولكني استدعيت لمحات عن علاقة " شومان "  ب " كلارا " لم تكن دراسة شخصية توثيقية. مثلما عملت مع " جبران خليل جبران  وماري " و " فرويد وهتلر " هنا اقوم بإفتراض علاقات و افتراض  لقآت وأشتغل على هذه الافتراضية .
* :- في عرضك يقوم شخوص العمل بإخراج بعض المقتنيات  والإكسسوارات  ... علامة  مرسيدس ، ساعة صغيرة ... الخ . ماذا أنبتث الصحراء برايك ؟
وليد :- هذه الأشياء التي فقدت تحت الصحراء ، وقد نكون نحن تحت الرمال وفقدنا هذه الأشياء مثل مخيلة" شومان" عن " كلارا " .
* :- وصلني مفهوم بأن الصحراء تنبث الجمال .
وليد :- أجل .. النفط بالصحراء " قيلت هذه الجملة ممزوجة بضحكة " ..  لقد فكرت بإخراج " مقبض نفط "  من الرمال ولكني رأيت بأن هذه المفردة مباشرة فتم إالغائها ورأيت من الأفضل استبدالها بعلامة " مرسيدس" . وأيضاً تم تعليق " بيانو" سائل الذي يحيلنا لسوريالية " سلفادور دالي "  .
* :- نلاحظ في شخصيتك كممثل وهي الشخصية الموازية لعازفة البيانو اقتران حركتك مع نغمة " الباز" .
وليد:- للصحراء علاقة وطيدة مع " الباز " . حتى أني حاولت إظهار تموجات الإيقاع الصحراوي .
* :- " الرقص المسرحي " هل بالإمكان اقتراح مسمى جديد لهذا الشكل من المسرح ؟
وليد :-   " الفن المسرحي " أو "  فن المسرح " فهو أكثر شمولية وجامع لكل الفنون ، لكم سرني حصول الراقصة  " كريمة نايت " على جائزة أفضل ممثلة . فهل  بالضرورة على الممثلة أن  تحفظ " كلام " وتلقيه  لتحصل على هذه الجائزة ؟ ..  كأن تعمل " الليدي ماكبت " أو"  كليوباترا "  وساعتين من الحوار ، فالممثلة يجب أن تكون متكاملة .  ف " كريمة " راقصة، ومغنية،  وممثلة وعندها قدرة على التعبير الجسدي . وحصولها على هذه الجائزة أكدت وجهة نظري .
* : - لاحظت في تدريبات اليوم ثمة توافق بينك وبين الممثلة " كريمة نايت " وقدرتها السريعة على الاستجابة لملاحظاتك ،  لا أظلم بقية الفريق ولكنها الأكثر قدرة على التقاط  التوجيهات . .  
وليد :- نعم.. فكريمة معي منذ خمس سنوات ، لدي أربع  ممثلين جدد ، وثلاثة ممثلين غائبين لإتمام أجرأت السفر. علاقتي بالممثلين تتسم بالحميمية والجدية والثقة .
* :-  كيفية سير العمل في تدريباتك والى أي مدى يظل العمل قابل للتغيير عن طريق الإضافة والحذف  ؟  
 وليد :- بالبداية أضع خطة الإخراج والملاحظات  كخط عريض ثم يتطور العمل مع التدريبات . اليوم مثلاً أضفت سبع أشياء جديدة وغيرت اتجاهات في الحركة. مع أن هذا العمل _ شهرزاد _  عمره أربع  سنوات .
* : - في هذه الدورة  لم يكن عرض  افتتاح المهرجان بتوقيع " وليد عوني " . ألم يزعجك هذا الأمر ؟ 
وليد :- طبعاً أزعجني  .. . لأن الافتتاح لم يكن مرضي ولا الختام . لم تزعجني عدم مشاركتي فأنا قدمت اعتذاري في اللحظة الأخيرة وقدمت عملي خارج المهرجان حسب البرنامج المعد له سلفاً .. كان بودي افتتاح مهرجان يقام في مصر أن  يقدم بصورة مشرفة .
* :-  تولي اهتماما كبيراً في أعمالك للموسيقى ،  كما عملت مع العديد  من الموسيقيين العامليين " ريمسي كورساكوف " و" نصير شمه " والمايسترو " نادر عباسي "  في شهرزاد ، وطارق شرارة " في " الأفيال تختبي وسمرقند وشادي عبدالسلام "   " وأخيراً عازفة البيانو " شومان " و " مارسيل متى " ماذا في الأفق ؟       
وليد : -   " بين الأفق والغسق "  عمل مشترك _ لم أعلن عنه بعد_  مع  قائد الأوركسترا " نادر عباسي " الذي ألف المقطوعة .  يحكي لقاء إفتراضي مابين الماضي السحيق  والمستقبل  البعيد ، الماضي الذي يمثله الفراعنة، والمستقبل الذي يمثله سكان مابعد القنبلة الذرية أو العصر الذري بمئات السنين ،  يختم العمل أثناء ليلة من الليالي بقصة حب مابين الفوق والتحت... إلى هذه اللحظة لا أدري من الذي يصعد الى فوق  ومن الذي ينزل الى تحت ؟ .
 تركت   "  وليدعوني " يعد الترتيبات للسفر مبدياً حرصاً شديداً للتأكد   بنفسه  على كل متطلبات العرض مرورا بالإكسسوارت وأدوات التنكر. بعدما  زودني ببعض المطويات التي  تمثل سيرته الإبداعية على مدى ربع قرن .
* وليد عوني لبناني الأصل فرنسي الجنسية مقيم في مصر  
     
    
      











    الـدرس .... رؤية مغايرة  
" المسرح لعبة عظيمة عمل حر ولغة حية " 
يوجين يونسكو

 يمر على رحيل الكاتب المسرحي الفرنسي  الروماني الأصل  " يوجين يونسكو " 1909- 1994 ف "  أكثر من إحدى عشر سنة ، ولم تخلو أجندة مسرح من مسارح العالم من عمل ليونسكو منذ بداياته _ وإن كانت البدايات أتفق على استهجانها الجمهور والنقاد معاً  _  إلى هذه اللحظة فهو كاتب مثير للجدل ومحركاً للساكن وهو ضمن نخبة من الكتاب من مؤسسي مسرح العبث " اللامعقول " " صمؤئيل بيكت ، فرناندو أرابال ، هارولد بنتر ، إدوارد ألبي ... الخ " تعد  " الدرس " من أشهر مسرحيات " يونسكو " ولا تقل شهرة عن بقية أعماله " المغنية الصلعاء و الكراسي "   . " المستأجر الجديد "   " فتاه في سن الزواج " .الجوع والعطش "  مشاجرة رباعية " . تخريف ثنائي " . لعبة الموت" " الخرتيت "  . كتب يونسكو الدرس سنة 1951م والمفارقة بأن عرضها الأول كان  في لندن قبل عرضها  بباريس _ مسقط رأسه _  بإحدى عشر سنة فقد عرضت في    بريطانيا سنة م 1955 من إخراج " بيتر هول " وباريس سنة 1966 م من إخراج " مارسيل كوفالييه " على مسرح الجيب .
   تحرك أحداث العمل ثلاث شخصيات " الأستاذ ، الفتاة ، الأخت الكبرى " التي تدور  في منزل "  الأستاذ " بغرفة الأستقبال التي تقوم بمهام فصل دراسي يعطي فيه "  الأستاذ "  دروسه الخصوصية لرواده فهو بمثاية مصيدة وفخ لضحاياه .  أستطيع إختزال  المسرحية في جملة "  للأخت "  العانس الستينية محذرة أخيها"  الأستاذ "  من مغبة الدخول في درس الرياضيات  لأن " الرياضيات تؤدي لفقه اللغة وفقه اللغة يؤدي للقتل " أشتغل "  يونسكو "  على تقنية  اللغة وتطورها في النص التي تكون نتيجتها " القتل _ الأغتصاب " للضحية الأربعين " الطالبة _ الفتاة " ينتهي العمل بمحاولة جادة من  "الأخت والأستاذ "  وكيفية إخفاء الأربعين جثة ، حتى  يصلنا جرس المنزل إذاناً منه بقدوم ضحية جديدة .
  في إعداده لمسرحية الدرس " أعتمد  المخرج المعد " علي بحيري " " المونو دراما _ الممثل الواحد " كتقنية مغايرة للنص الأصلي  محملاً  شخصية " الأستاذ " كل حواريات المسرحية ليقوم بمهمة توصيل الفكرة عن طريق إسناد بعض حواريات " الفتاة " للأستاذ _  التي استبدلها المعد ب " دمية " _ فكان حضورها في النص من خلال حواريات " الاستاذ "   كما اعتمد  اللغة العربية  لغة لحواره ، في الوقت الذي نسف فيه شخصية الأخت العانس . هذه الفكرة التي أعطت للنص مذاقاً مختلفاً ورؤية مغايرة .
عرضت " الدرس " في بنغازي ، ومصراته بالملتقى الأول للإبداع ، وطرابلس بالتعاون المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر . والمركز العالي للمهن الموسيقية والمسرحية . وأخيراً بمهرجان 24 ساعة مسرح دون توقف بمدينة " الكاف " بتونس . كان لي فرصة مشاهدتها في " مصراته " بقاعة فندق " قوز التيك "  و" طرابلس " بقاعة المركز العالي للمهن الموسيقية والمسرحية . وهذان العرضان قد يجعلانك اللجؤ إلى المقارنة بينهما رغم أختلاف الزمان والظرف . أريد هنا أن أسجل بعض النقاط السريعة وربما بدون ترتيب . 
المشهد عبارة عن غرفة إستقبال كما يشير النص الأصلي للكاتب أضاف له المخرج "  سرير " لتوضيفه في عملية " الأغتصاب _ القتل " وكان من الممكن توضيف "  الطاولة "  لتقوم بهذه المهمة إذا ما تمت العملية بالأتفاق مع مهندس الديكور " عادل جربوع " الذي لم يكن حاضراً في هذا العرض فالتشكيل في المجمل يشعرك بالأكتظاظ من كثرة المفردات الغير متجانسة _ ويبدو المخرج قد تلافى هذا الخلل في عرضه بتونس . في تقديري بأن العرض الذي أقيم بمدينة مصراته كان أكثر تجانساً وتناسقاً كمنظور عام للمشهد .
أعتمد المخرج المعد في تطور الحالة على قنينة "  الشراب " التي يخرجها الممثل " خالد الفاضلي " من جسد " الدمية " لتصل به إلى ذروة الحدث الذي يؤدي لمشهد " القتل _ الاغتصاب " مع  أن منطقية الأحداث تشير_ سواء كان هذا في النص الأصلي أو النص المعد " _ بأن الأحداث تسير وفق خطة محكمة من قبل الأستاذ عبر غرفته التي استطع تسميتها بالمصيدة وعبر خبرة أربعين " جثة " ضحية لمنهجه اللغوي ولم يكن تحت تأثير الخمر ، أي بمعنى لا وجود لإمكانية التواصل مع الأخر الذي يؤدي بدوره للطريق الدموي المسدود  " القتل _ الاغتصاب " أو أي مفاهيم أخرى .
تألق الفتاة " الدمية "  وتوهجها في بداية العرض انسياقا مع  مفهوم النص الأصلي والمعد من قبل المخرج ، جعلنا نتسأل عن مبرر لتهميشها وإهمالها والعبث بها بطريقة تخلو من الأنسنة  من خلال الحركة التي أعطيت للممثل ف " الدمية "  تضل هي نفسها " الفتاة _ الطالبة " المتوهجة . السؤال لماذا لم يتم أنسنة الدمية في طريقة تعامل الممثل معها وتحديداً في النصف الثاني من زمن العرض ؟ .
ثمة العديد من الدلالات المستوردة في النص كان بودنا مشاهدة دلالات محلية كرقصة التانغو والترنيمات التي يتغنى بها.
 الممثل " خالد الفاضلي " حافظ وبجدارة على ايفاع العرض العام وهو من الممثلين الذين يملكون قدرة عالية على التعبير الجسدي والصوتي ونحن نعلم جميعاً ماذا يعني ان يقوم ممثل بأعباء عرض كامل لا تقل مدته عن الساعة إضافة لهذا فقد قام بأعباء مجموعة الشخوص التي ألغيت في المسرحية .  أسجل تقديري  ل" خالد الفاضلي " في عرض مصراتة  والعرض الأول في المركز العالي للمهن المسرحية وإن كانت بعض الهنات التي وقع فيها الممثل نتيجة عدم كثرة التدريبات ..


مهرجانات ... تظاهرات ... أيام مسرحية                   
 حيلتان  محليتان …. وحيلة مستوردة وثلاث مهرجانات بدون تعليق !!

منذ المهرجان الوطني الأول للمسرح  سنة 1971 م الذي يقام كل سنتين والمسرحيون الليبيون والإداريون يتحايلون لإرساء قواعد ونظم للم الشمل  وحسب الموعد يطل علينا المهرجان الوطني  الثاني للمسرح  سنة 1973 م ليختفي مدة تسع سنوات إلى غاية 1982م الموعد الغير رسمي للمهرجان الوطني الثالث . أثناء هذا الغياب لم يعجز المسرحيون الليبيون  والإداريون   لتدارك هذا الأمر بنقلة واحدة و "بحيلة لغوية" تم اختراع عنوان "المواسم المسرحية " لكل فرقة. وهي عبارة عن لم شمل مجموعة من الأعمال قدمت في السابق ولا بأس بإضافة عمل جديد ليشد أزر الأعمال القديمة. وبهذه الحيلة تحصل الفرقة  على موسم مسرحي قوامه من أسبوعا مسرحياً .  وكان سيد هذا الاختراع " المسرح الوطني_ طرابلس" الذي استطاع  خلال مسيرته التي تزيد على الثلاثين سنة أن يسد الفراغ بهذه الحيلة اللغوية  _ الموسم المسرحي _ ليحقق وبجدارة ثلاث مواسم مسرحية في خلال ثلاثين سنة وهو رقم ليس بالهين مقارنة بالفرق التي حاولت أن تلعب بهذا المصطلح. فمنها من حقق موسمين مسرحيين ومنها من حققت موسماً مسرحياً واحداً  .أما بقية الفرق وهي الغالبية العظمى   لم تنطل عليها هذه الحيلة و اكتفت بانتظار المهرجانات الرسمية. ولو أن بعض الفرق زودت المتلقي الليبي المتتبع المتعطش  للمسرح_ كل حسب استطاعته ببعض الأعمال لعرضها للمتفرج  المسرحي  وهو عبارة_ أي المتفرج_ عن  وجوه مكرورة في كل العروض المسرحية. فالمرء بمجرد أن يحقق ثلاث مشاهدات مسرحية ، لا يبذل جهداً كبيراً للتعرف على هذه الوجوه  حتى من خلال تبادل التحايا الممزوجة  بالخجل، و قد تتطور هذه التحايا إلى الجلوس مترافقين للاستمتاع بعرض مسرحي وتبادل الآراء وتقاسم الضحك والتصفيق والإعجاب.. والملفت للنظر برغم كثرة الفرق وتباينها الثقافي، والمادي. فهي تتحد في جمهور مسرحي واحد. فالمرء لا يستطيع تمييز متفرج   " الفرقة الوطنية " على متفرج   " فرقة المسرح الحر " أو"المسرح الجديد". وفي هذه المسألة لم يتميز   " المسرح الوطني " أيضا على بقية الفرق المسرحية، فهو أيضا يقدم عروضه لذات المتلقي ونفس المتفرج . رغم التزام هذا المتلقي بالحضور ومسايرة بعض العروض الركيكة والمملة والساذجة والمسطحة والطويلة  عن طريق تقديم  التهاني  لفريق العمل ، إلا أنه لم ينجو من العقاب فبعض الفرق لم تكتفي بتقديم عروض اقل من مستوى الفرجة وعروض ابعد عن الفهم  . بل لجأت إلى حرمان جمهورها من المشاهدة بنقل عروضها  إلي خارج نطاق مشاهديها،بل أن بعض الفرق تنقل عروضها المسرحية  إلى  خارج الوطن ليستمتع به المشاهد العربي  إمعاناً في القسوة. ورغم هذا فالمتفرج الليبي يغض الطرف على هذه الإهانات المتكررة ولا يأتي بأي ردة فعل تجاه نجومه المسرحية. قد يحدث أحيانا ًأن يشاكس ويخرج من العرض   للفت الانتباه ليس إلا .
و أحيانا يضحك في غير مواقع الضحك ويتقلص وجهه لسماع " نكتة " تطلق من ممثل. إلا أنه لم يستطع منع يديه عن  التصفيق وبشدة  عند سماع أي كلمة تقال ثلاث مرات  بطريقة تصاعدية في الأداء . وعنده قدرة أيضا على إدعاء الفهم لعروض يعجز المسرحيين أنفسهم على  فك شفرتها، بما فيهم أصحاب العرض، وفي هذه الحالة يجلس المتفرج مبهوتاً. وبدون أي  تعابير تدل على الرضاء أو الامتعاض. حتى لو أجبره العرض على الخروج فهو يخرج بهدؤ شديد _خوف ملاحظته_ وبخجل أشد . ولكنه والحق يقال فالمشاهد الليبي يعطيك النصف الساعة الأولى قبل ان يبادر بأي ردة  فعل . وأحيانا يعطيك فرصة العرض الثاني كل حسب كرمه .
 الحيلة اللغوية الثانية _ بعد ما فشلت حكاية المواسم المسرحية _    كانت من اختراع المسرح الوطني طرابلس أيضا وهي " التظاهرة المسرحية " وهي حيلة  تسعينية_ عقد التسعينيات _ خرجت  بعدما عادت المهرجانات الوطنية إلى السطوع ، ولكن هذه الحيلة خرجت لتسد عدم انتظام مواعيد المهرجانات المسرحية فهي عبارة عن مهرجان مصغر ليلم شتات أعمال الفرق الأهلية بقيادة المسرح الوطني والاتفاق على عروض مسرحية تغطي فترة أسبوعين متتاليين وعادة ما تستدعى فرقة من  خارج مدينة طرابلس لتحل ضيفأً مبجلاً على هذه التظاهرة.
 أهمية هذه " الحيلة اللغوية " لا تكلف تبعات إقامة ولا إعاشة .
 فهذه  الحيلة خرجت لتخفف على المسرحيين حدة عناء انتظار المهرجان الوطني للمسرح وأيضا مكافاءة للجمهور المتعطش للمسرح السالف الذكر.
الحيلة اللغوية الأخيرة " أيام طرابلس المسرحية " و"أيام بنغازي المسرحية " فهي حيلة مستوردة من " ايام قرطاج المسرحية " الذي يعد اهم مهرجان دولي عربي يقام في الشقيقة " تونس " وأكثرهم ثباتاً .
 لكن السؤال من كان له سبق التسمية مسرحيو طرابلس ام مسرحيو بنغازي ؟.
 هذه الحيلة حديثة العهد وببساطة شديدة يتنادى  المسرحيون في هذه المدينة أو تلك  بالاتفاق مع أمين شعبيتهم أو أمين  أعلامهم. لإقامة أيام مسرحية حسب عدد العروض  الجاهزة ولا بأس أيضا من تواجد بعض العروض الجديدة لطرد العين . أخرها "  أيام طرابلس المسرحية " التي تدخل فعالياتها يوم 22_ 6 _ 2004 م ، برصيد أحدى عشرة مسرحية .
مهرجان المسرح الجامعي... لا تعليق
مهرجان النهر الصناعي العظيم.... لا تعليق
مهرجان البيضا التجريبي..... لا تعليق 
دعوني اشكر اللغة التي أسعفتنا كثيراًُ 
وهذا ليس بجديد على شعب  يسمي الأعمى بصيرا
والسواد " بياض"
والملح " يدام "
والثعبان " حبل "
والنار" عافية" .






أيام طرابلس المسرحية ..... دورة الكاتب الليبي 

قبل ثلاثة أيام من تسيير الموازنة المالية وبعد ثلاث تأجيلات لابتداء هذه الدورة ، حرص المسرحيون وبحسن نيتهم المعهودة على انطلاق دورتهم التي تعنيهم وحدهم برعاية جمهورهم على إنطلاق دورتهم  المسرحية بقاعة مسرح الكشاف بطرابلس مصحوبين بثلاثة عشر عرضاً مسرحياً من 7 الى 20 _ 7 _ 2005 م . هنا لا أريد إقصاء مجهودات الفنان " عبدالله الزروق " كرئيس لهذه الدورة . والمخضرم " عمران المدنيني " مديراً لها والإدارة الشابة التي تتمثل في الفنان " سالم سلطان "  أمين اللجنة الشعبية للثقافة والأعلام لشعبية طرابلس الذين يوافقونني حجم المعاناة التي يعانيها قيام أية مناشط إبداعية  .
  المبدع الليبي بحاجة الى ملتقيات منتظمة ليحقق روح التواصل والتجديد والمثابرة مع إعطاء مساحة أرحب _ مادياً وزمنياً _ للتجهيز لأعمالهم بشكل أكثر تأني وتروي لإطلاق هذه الأعمال .
 أستطيع تقسيم أعمال هذه الدورة الى قسمين أساسيين قسم منها أختار المسرح الاجتماعي الواقعي  بمرجعية المسرح التجاري المصري .  كان من الأجدى الرجوع لأعمال الستينيات والسبعينيات  من القرن المنصرم التي يشكل مسرح  " شرف الدين / الأمير "  أكثر حضوراً لمثل هذه الأعمال ... ولا ننسى " سعيد السراج وسليمان المبروك "  . ومسرح الكاتب " فرج قناو / بإخراج عبدالله  الزروق و محمد القمودي " والشواهد كثيرة . المؤلم بأن هذه  العروض التي شاهدناها _ أقصد الاجتماعية _  بأنها بدت على صعيد التقنية وعلى صعيد الفكرة والإخراج اقل مستوى من تلك الأعمال التي عرضت منذ أكثر من نصف قرن على مسارحنا المحلية ... هذا الأمر يشعرك بالخيبة لما آل إليه مسرحنا المعاصر ونحن و بعد سنوات قليلة على أبواب الاحتفال بمئوية المسرح الليبي .
القسم الثاني تبناه  خريجي المعاهد و الأكاديميات المسرحية أي الأجيال الشابة التي تحاول البحث على موقع في الساحة المسرحية الليبية .... يكتنف عروض هذه الأعمال الغموض. التي مردها مرجعية غير معروفة ربما " الفيديو كليب " لأعمال موسيقية غريبة او ربما أعمال المخرج المرئي السوري " نجدت أنزور " كمسلسل  " الكواسر "  فالقاسم المشترك بين هذه الأعمال " الأكروبات " والحركات الاستعراضية وبدون هدف . فالحركة تجنح إلى حركات " السيرك " الأمر الذي أبعدته كثيراً عن روح المسرح ورائحته . فالذائقة المستلبة أبعدتهم على الموروث الثقافي المحلي " موسيقى ومعمار وفنون وآداب.... الخ " الجانب الإيجابي لهؤلاء الواعدين بأنهم يمتلكون الحرفية المسرحية فهؤلاء المخرجون متمكنون إلى حد بعيد من أدواتهم المسرحية ف " الفن فكر وصنعة " كما يقول " أميل زولا " والمبدع من أولوياته توصيل فكرته الذهنية أو الجمالية  للمتلقي وهذ شرط مهم من شروط الإبداع التي لم يستطع المخرج البولوني  " جيرزي  جروتفسكي "  إلغائه في تجاربه المسرحية وإن كان الحضور نوعياً ومتخصصاً  الذي يتمثل في عشرات المهتمين فقط .... ونحن في انتظار أعمالهم القادمة التي نرجو أن تكون أكثر مقاربة للتواصل مع المتلقي وأكثر مقاربة من روح المسرح .
يضل عندنا عملين خارج هذين القسمين عمل " عبدالله الزروق " الميراث " وعمل "شهرزاد تنهض من نومها " لمحمد العلاقي "  اللذان خرجا من مفهوم الغموض والمرجعية المستلبة باعتمادهما على خبرتهما المسرحية لولا أن العملين خرجا للنور دونما اكتمال نضجهما . كان بإمكان إنقاذ عمل " العلاقي " من خلال استبدال شخصيتي العمل النسائية الرئيسة لتجسد بذلك الممثلة " تركية فتحي " دور " شهرزاد"  بديلاً عن الممثلة " سالمة المرغني " التي قادت العمل نحو الهبوط الأيقاعي مع التقليل من الأغاني والرقصات  التي أخذت مساحة جعلها تضربسياق وترابط العمل  . كما  لم تستثمر إمكانيات  " عبدالله الشاوش "  في هذا العمل .  يظل عمل أخير أريد التنويه عليه وهو بدايات لكل من المخرج "  محمد المسماري "  كأول محاولة منه لإخراج  عمل مسرحي و " القذافي الفاخري " كأول محاولة له في التأليف  المسرحي وهو عمل  " الوسواس " فهذا العرض يتفق مع القسم الأول في اكتنافه للغموض وإبعاد المتلقي عن التواصل خاصة  عندما أستغرق النص في نصوص من " علم المنطق السلفي " فالمسرح لا يعتمد الشرح بكثرة الحوار  فقط وإنما يعتمد بالأساس  الحدث والفعل المسرحي . ربما سيكون العمل أكثر حضوراً لو اعتمدت العامية الليبية لغة لحواره . لم يحتوي العرض على عمق في المضمون وخاصة في قراءته للشخصيات وأسلوب التنكر الذي اتبع في تقديم هذه الشخوص .... يحسب للمسماري والفاخري هذه التجربة التي تعتبر بداية ليست بالسيئة عندما نراها كتجربة أولى .
في مجمل عروض الأيام المسرحية  لم نشاهد اي عمل من أعمالها تكاملت فيه شروط العمل المسرحي المتقن  الذي من أهم شروطه المتعة ..... يحسب لهذه الدورة كم ليس باليسير من الأجيال الشابة الواعدة من مخرجين وممثلين صحبة جمهورهم _ وهو الأهم _  المتتبع لهم الذي يعتبر مكسباً حقيقياً لإثراء الحركة المسرحية الليبية كما قدمت لنا الدورة ثلاث أصوات نسائية قمن بكتابة ثلاثة أعمال وهن "  فيروز عون " في قدمت مسرحية " شهرزاد تنهض من نومها " من إخراج " العلاقي " و" كريمة الترهوني " التي قدمت مسرحية " الاختناق " من إخراج  " علي سعيد " التي قدمت فيه " أمال بوشناق "  دوراً متميزاً يحسب لرصيدها كان بإمكان المخرج الاهتمام بالممثل " وليد بلعيد " الذي كان غائباً طيلة العرض أمام الممثلة المقابلة له . وأخيراً " نور " التي قدمت نص  " المتاهة " من إخراج " نادر اللولبي "  . 
على هامش الدورة 
  * أقيمت عروض مرئية لبعض من الأعمال المسرحية في ساحة الكشاف لا أنسى تواجد المقهى المتحرك الصيفي " كرافان "  أسبغ على الدورة نوعاً من البهجة والحيوية .
 كما أقيما  معرضان للتصوير الثابت " لغة المحاكاة " ل" أحمد الترهوني " . وذاكرة الخشبة " لصبرية الجرساني .  و معرضاً للكتاب المسرحي . ومعرضين للرسم الساخر للفنانين " عوض القماطي ، وجمال الترهوني " كما صاحبتها العديد من البرامج المسموعة منها برنامج لإذاعة طرابلس المحلية تقديم " عبدالباسط باقندة " ومساء الفن تقديم " أنور البلعزي " والبرنامج المرئي  " أضواء حول أيام طرابلس المسرحية "  تقديم " فوزي المصباحي " وبرنامج "  ليلة " تقديم " خدوجة صبري " مع تغطية مستمرة من كل الصحف المحلية إضافة الى صحيفة العرب " اللندنية " .
كرم العديد من المبدعين الرواد والكتاب المسرحيين المعاصرين :-
الفنان / أحمد البيزنطي . الفنان / الهادي المشيرقي . الفنان / المرحوم / سعيد السراج . الفنان المرحوم / سالم بوخشيم . الفنان / مصطفى الأمير . الفنان المرحوم / الهادي راشد . الفنان / عبدالحميد المجراب . الفنان المرحوم / سليمان 
المبروك . الفنان / عبدالحميد بيزان . الفنان / محمد عبدو الفوراوي . الكاتب الأديب / عبدالله القويري .
الفنان الكاتب / الأزهر أبوبكر حميد . الكاتب الشاعر / فرج قناو . الفنان / ابراهيم العريبي . الكاتب الأديب د. أحمد ابراهيم الفقيه . الفنان / الطاهر يوسف القبايلي . الفنان / رمضان القاضي . الفنان / زهير التونالي . الكاتب / البوصيري عبدالله  . الكاتب الأديب / منصور ابوشناف . الكاتب الشاعر / مفتاح العماري . الكاتب / عبدالباسط عبدالصمد . الكاتب الصحفي المرحوم  / عمر السويحلي . الفنان الكاتب / عبدالله هويدي .
أخيراً أعتقد بأن المحافظة على هذا المكسب الثقافي بهؤلاء الشباب الذي كانوا الأكثر إثارة للجدل بجمهورهم لاشك سيضمن لنا تراكماً متجدداُ في فضائنا المسرحي.





" لوركا ".............
 عاشق غرناطة  الخالد (1 )
" في الذكرى السبعين لإغتياله " 
" إذا أنا مت
فدع شرفتي مفتوحة
الصبي يأكل البرتقال
ومن شرفتي أراه
الحصاد يحصد القمح بمنجله
من شرفتي أسمعه
إذا أنا مت ..
فدع شرفتي مفتوحة .." .
" لوركا " 
     لم يصدق الجلاد هذه المرة عندما قال ل " لوركا " قبيل إطلاق الرصاص عليه :-"  لن ينجيك حتى الله من الموت ".  فقد عاش " لوركا "  في ضمير العالم بأسره ولم يمت . وصار اغتياله حياة لشعره وأدبه ومسرحه وسيرته و مثار جدل  كحياته التي تضج بالنشاط والغنى والثراء والعطاء  . عاش لوركا ومات الجلاد .
   في قرية " فوينتي فاكيروس " بغرناطة ، وفي الخامس من شهر الصيف / يونيو 1898 م ولد " فيدريكو غارثيا لوركا " من أب فلاح ميسور الحال  وأم معلمة يرجع الفضل لها في إدخاله الى  فضاءآت المعرفة وحب الموسيقى المتأصل في أسرته " أماه! طرزيني على وسادتك.." تربّت روحه على حب  الحضارة  الأندلسية الإسلامية العربية  " قصر الحمراء ، حدائق الخلفاء ، نوافير المياه ، جماليات النقوش " التي نراها حاضرة في تصريحاته :-  "حضارة رائعة, نسيجها شعر وعلم فلك, فن عمارة ورقة فريدين في العالم"  . ومحترماً للموسيقى العربية كما يقول في كتابه " الروح المبدع " : " عند العربِ في موسيقاهم أو رقصهم أو غنائهم يحيا تجلّي الرّوح المبدع بصيحات تهتف " الله.. الله " غير البعيدة عن " أُولي " صراع الثّيران وفي غناء جنوبيِّ إسبانيا تتلو صيحة فيفاديوس ( يحيا الله ) تجلّي الروح المبدع " 


كما نراها حاضرة في قصائده :-
 " أريد أن أهبط إلى البئر،
أريد أن أتسلق جدران غرناطة "
..........
" فوق قصر الحمراء، كان هناكَ ارتعاش عظيم لضوء مذهّب ".
......... 
" أنا أهفو هنا، فوق قصر الكابوس هذا... لأنّي أؤلّف جزءاً منه، ولا أستطيع أن أنسحب من هذه المدينة، لأنّي المدينةُ ذاتها ". 
...............
" روحي ليست في السّماء، لأنَّ هذه هي جنَّتي ".
..........
" القلوب الأندلسية تفتش دائماً عن أشواك قديمة "
..............
" غرناطة مدينة عطلة، مدينة للتّأمّل والتّخيّل، مدينة حيث يكتبُ العاشقُ أفضل من أيّ مكانٍ آخر، اسم حبيبته على الأرض ".
................
" مر فرسان أربعة،
يمتطون مهوراً أندلسية،
يرتدون أزياء زرقاء وخضراء،
ومعاطف طويلة عتمة.
"ـ تعالي إلى غرناطة يا صبية "
لا تستمع إليهم الطفلة.
مر ثلاث مصارعي ثيران شباب،
هيف الخصور،
يرتدون أزياء بلون الليمون،
ويحملون سيوفاً من فضة عتيقة.
"ـ تعالي إلى إشبيلية، يا صبية"
لا تستمع إليهم الطفلة.
عندما أصبحت العشية
بنفسجية، وضوءها مبهم،
مر فتى كان يحمل
وروداً وريحان قمر
" ـ تعالي إلى غرناطة يا صبية"
...................


  في مرحلة دراسته الأولى بمدرسة " الميريا " الريفية تعلم  العزف على آلتي الجيثار والبيانو حتى تمكن وهو  في سن الحادية عشرة من عزف مقطوعات لبيتهوفن ، نمّى هذه الموهبة عندما تعرّف على الفنان " إيمانويل دي فالا " أكبر موسيقيي أسبانيا في عصره وتتلمذ على يديه  الذي أهلّه لأن يكون مؤلفاً موسيقياً كما تركت أثاراً واضحة في شعره الغنائي وحسه الإيقاعي . بعد إتمامه الثانوية في غرناطة عندما أنتقلت الأسرة إليها ، التحق لدراسة الحقوق والفلسفة والأداب بجامعتي " غرناطة "  و" مدريد " مؤثراً التوقف عن دراسة القانون بعد رسوبه في " اللغة الأسبانية " اللغة التي كتب بها أعظم أثاره الشعرية والمسرحية .  
  إثر رحلة دراسية عبر مدن ( قشتالة ) الأثرية وهو لم يتجاوز الثامنة عشر ، كان نتاجها باكورة إنتاجه  كتابه  " انطباعات و مشاهد سنة 1918م  " وهو كتاب نثري وفيه حضور قوي لغرناطة وللماضي الأندلسي نشر بعده  اي سنة "   1921 م " ديوانه ( سفر القصائد ) الذى  عده الكثيرون   على أنه إحدى النقاط المهمة لانطلاق  الشعر الحديث والذي تجلى فيه إحساسه الغنائي واهتمامه بالمحتوى الأندلسي للشعر، وقد استخدم فيه مفردات تدل على مدى ارتباطه بالبيئة الأندلسية مثل : الغجر، والقمر الأخضر، والريح، والماء، والزيتون، والنهر،  . كانت الفترة بين " 1919 – 1928 م " مرحلة ضاجّة بالعطاء الإبداعي تنقل فيها بين صنوف الإبداع شعراً وموسيقى ومسرح ورسم وصحافة  عندما كان مقيماً في بيوت الطلبة في جامعة مدريد متردداً على المنتديات في مدينة غرناطة التي تعرّف خلالها على العديد من المبدعين أهمهم  المخرج السينمائي لويس يونونيل ، والكسندر رافييل البرت ولويس جونيل وبابلو نيرودا وسلفادور دالي  الذي قال عنه :- " ما من صورة شعرية لم تحضره بلون فاقع، محاطة بذلك النغم الموسيقى الرائع الذي يدلنا على مقدرته غير العادية لإعطائنا الألوان بشعاعها الصافي المصقول دائماً بصور طفولته البراقة .... "  في هذه الفترة أيضاً أطلق  ديوان " الأغاني الغجرية 1927 م " الذي أستمده من الأغاني والأزجال الأندلسية التي كانت تغنى في غرناطة في حقبة الحكم العربي لها كما يرى بعض النقاد ويتفق أيضاً  بأنه  أصبح بسببه  من أشهر شعراء جيله ، وقد تُرجمت هذه المجموعة إلى أكثر من عشرين لغة . في هذه الفترة أيضاً أقام معرضاً للوحاته في برشلونة عام 1928 م التي تقترب من لوحات صديقه " سلفادور دالي " كما كانت تستهويه الرسوم الكاريكتورية ليجسد فيها معان تعجز اللغة عن وصفها أحياناً منتزعاً فيها الابتسامة الكامنة خلف الحزن والقلق والوحدة . هذه الرسوم أراد أن يقول فيها بأن الرسم لا ينفصل عن الشعر كان وقتها يرسلها إلى أصدقائه في غرناطة  فترة إقامته في مدريد . هذه الحركة الدائمة مارس  فيها كل ألوان الإبداع من موسيقى وشعر ورسم وأدب و مسرح  إلى مؤسس لصحيفة " ديك " التي لم يصدر منها إلا عددين . كلها كانت مخاضاً لتجربة قادمة في " نيويورك والأورجواي والأرجنتين " ومخاضاً لتجربة المسرحية المتفردة . كان لوركا " وهجاً من الإبداع . عبَّر عنها الشاعر ( بدرو ساليناس ) إذ قال: " كنا نتبعه جميعاً ، لأنه كان العيد و الفرح . حركة دائرية، دوّامة مؤلمة مشدودة  إلى الأسفل ، إلى التراب الأبدي و العشب الكامن  في الأجساد المتآكلة . وأرهب ما فيها ذلك النسيان الذي يمر بمياهه على الوجوه الحميمة، فيطمسها إلى الأبد، تلك المساواة في الموت ، حيث تتشابه الكائنات جميعاً دونما استثناء " .











" لوركا ".............
 عاشق غرناطة  الخالد (2 )
" في الذكرى السبعين لإغتياله " 



 " وعرفت أنني قتلت 
وبحثوا عن جثتي في المقاهي والمدافن والكنائس 
فتحوا البراميل والخزائن 
سرقوا ثلاث جثثٍ 
ونزعوا أسنانها الذهبية 
ولكنهم لم يعثروا عليّ "   
فيدريكو غارسيا لوركا (1898-1936)
في الفترة بين " 1929-1930 " قضى " لوركا "  عشرة أشهر في أمريكا  . لم يعرف مبعث هذه الرحلة ، ربما رفقة صديقه  " دلوس ريوس " هي التي شجعته على هذه المغامرة ، وربما  رغبة والده في تعلّم ابنه اللغة الإنجليزية ، وربما أراد طرق أبواب جديدة رغم شهرته الذائعة في ذلك الوقت . وربما هروباً من الجو المشّحون في وقت كان فيه أعلام الفكر والفن بأسبانيا  يتجهون بكتاباتهم  نحو التقارب الأسباني الأوربي  والتخلص من الماضي الأندلسي . فكان  " مارثيلينو بلايو "  يحاول جاهداً عبر كتاباته  أن يثبت أن أسبانيا لم تكن عربية ولا إسلامية . بينما كان "  أورتيجا إي جاسيت " يسخّر مجلته " ريفيستا ديأوكتيدنت " لكي يؤكد القرابة الوثيقة بين الأسبان والآريين الشماليين مستمداً مقالاته من الفلاسفة الألمان . " وكان " راكون دي أنكلان " متأثراً  في شعره ومسرحياته بالكتّاب الفرنسيين مثل  " كوباسان ، وفاليري ، ومارسيل بروست " . كان " لوركا " مع العديد من الكتّاب والشعراء والفنانيين بما يسمّون بجيل " 27 " يبحثون عن الروح الأسباني الأصيل النقي  فكان " لوركا " ينهل من إرث الحضارة الأندلسية الإسلامية . ويعيد صياغة الأغاني الغجرية حتى لقب ب " شاعر الغجر " . وربما هذه الأسباب مجتمعة  هي التي قادته الى الذهاب " أمريكيا "  مسجلاً  في  جامعة " كولومبيا " ومقيماً في بيت طلابها . لم تستهويه كثيراً الحياة هناك ولم  يواضب على دراسة اللغة ولم يخالط الأوساط الأدبية والفنية قي أمريكيا ، مؤثراً الحياة في أحياء الفقراء " حي هارلم " حيث موسيقى الزنوج " الجاز "  التي استهوته كثيراً . فقضى معظم وقته بين النقاد والشعراء الأسبان المقيمين هناك  مثل " فيديريكو دي اونيس, داماسو آلونسو, انخيل دل ريو " ومصارع الثيران " ايناثيو سانتس مينمياس " . لم يأنس الحياة الأمريكية بل نفرها  . في الوقت الذي كانت  تستهويه دور السينما ، وأحياء هارلم وموسيقى زنوجها ، والمسارح ، وزيارة  المتا حف . كان يؤلمه بؤس الزنوج في الأحياء الفقيرة التي تذكره بأحياء " الغجر - الموريسكيين الغرناطية " الذين يندرجون في أسفل السلّم الإجتماعي . هذا الزنجي دفعه الى إسترجاع  صورة المضطهدين الغرناطيين الذين خضعوا للقهر في محاكم التفتيش, وفي حملات نظافة الدم  في مجتمع حاقد لا إنساني بعد سقوط غرناطة أخر المعاقل الإسلامية عام 1492 م .   هنا في نيويورك مدينة الأسمنت وناطحات السحاب, وعالم الحضارة المادية, التي لا تُعرف لها جذور, والتي حوّلت انسانها الى مجرد رقم  , تحركه الاصابع بآلية في مكاتب الزجاج الخاوية على حد تعبيره  . من هنا ولد ديوانه " شاعر في نيويورك " معلنا فيه رفضه لحضارة الآلة .
" أنا أتهم كل أولئك
الذين يتجاهلون النصف الآخر
النصف الذي لا يفتدى بالمال
والذين يرفعون جبالهم الأسمنتية
حيث تخفق قلوب الحيوانات الصغيرة المنسية
وحيث سنسقط جميعاً في الحفلة الأخيرة لآلات الحفر 
أني  أبصق في وجهكم
والنصف الآخر يسمعني
وهو يلتهم ، يتبول ، ويطير .....  في طهارته " .
ونراه يقول :- 
" اواه يا اميركا الشمالية المتوحشة! اواه يا وقحة! يا متوحشة ممدودة عند حدود الثلج
و:
اي هارلم مقنعة,
اي هارلم المهددة من حشد ثياب بلا رؤوس.
واي وول ستريت...
اواه! اي! اي! اي! 
آي وول ستريت! " .
وفي موضع أخر يقول :- 
" احتضار. احتضار. حلم. تخمر. حلم.
هذا هو العالم يا صديقي, احتضار. احتضار.
آي عالم! هارلم! هارلم!
ليس هناك قلق يشبه عينيك المضطهدتين
ودمك الذي يرتعش في كسوف غامض... "
ونراه يخاطب نيويورك :-
" يا نيويورك العار
يا نيويورك الأسلاك والموت ،
أيّ ملاكٍ تُوارين
في وجنتيكِ
أيّ صوت حقّ سيحكي حقائقَ القمح ؟ "



وهنا يعبر عن بؤس ومعاناة المقهورين والزنوج  حتى شبههم بالغجر  يقول :- 
" الغجر 
 لغجر نيويورك
أربعة أعمدة من وحل
وإعصار ليمامات سودٍ
تتخبط في المياه الراكدة.
فجر نيويورك يئن
في السلالم اللانهائية
باحثاً بين الزوايا
عن سنبل قلق مرسوم
يطل الفجر ولا أحد يتلقاه في فمه . "
رغم إقامته القصيرة في أمريكا إلا أنه رصد بحس شاعر فنان مكوناً عليها قراءته الخاصة به كمبدع . و من أعماق جحيم الحياة في نيويورك, ولد ديوان " شاعر في نيويورك ",الذي يوازي في أهميته القصائد الغجرية اللوركية لأنه صداها الآخر والأبعد, وإن كان تعبيراً خاصاً عن مرحلة مختلفة في النتاج اللوركي الشعري النبيل . ديوان كان فيه  الرفض ، والقلق ، والوحدة ، والغربة ، والغضب ، ديوان ضمّن فيه تجربته وموقفه من عالم أسره المال وسحقه الأسمنت والآلة . فيه عبر عن التصادم العنيف بين حضارتين نقيضتين حضارة الروح وحضارة المادة . 
وبدعوة من " المعهد الأسباني الكوبي للثقافة " ذهب الى " كوبا " مباشرة  ألقى خلالها مجموعة محاضرات في " هافانا " ، رغم إقامته القصيرة هناك إلا أنه كتب فيها مسرحيتين هما " بعد مضي خمس سنوات " و " الجمهور " ، كانت هاتين المسرحيتين إمتداداً لمسرحيتين سبقتهما " دراما العاطفة البدائية " الموجودة في المكتبة الوطنية بمدريد لم ينشرها حيث كان يعتبرها مادة أولية للتمرين على التأليف ويعود تاريخ كتابتها إلى عام 1918 . و " رحلة بوستير كيتون " التي أعيد اكتشافها  في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وأثارت اهتمام مجموعة واسعة من مخرجي المسرح ، وهي واحدة من المسرحيات اللوركوية القصيرة ، وهذه المسرحية وحسب رأي النقاد كانت النواة التجريبية الأولى لهاتين المسرحيتين الطويلتين (الجمهور) _ الذي قال عنه لوكا في إحدى خطاباته بأنه سيتفوق على " أوسكار وايلد " _ ، ومسرحية (بعد مضي خمس سنوات) .‏ كانت مسرحية  (رقية الفراشة المشؤومة) أول مغامرة مسرحية له في مدريد حيث عرض منها فصل واحد ولم تلق صدى لها  ، وأما أولى مغامراته المسرحية الناجحة فكانت المسرحية النثرية التاريخية (ماريانا بنيدا) التي قدمت في مدريد عام 1927م .
عند عودته عام 1930م ، أستأنف مشروعه الذي  يمثل حلم حياته مع مسرح " البارّاكا _ الكوخ " وهي فرقة كان قد أسسها " لوركا " من شباب الجامعة هدفها تعريف  الجمهور في الريف والقرى النائية الفقيرة بروائع المسرح الكلاسيكي الأسباني، كانوا يتنقلون بين قرى أسبانيا على ظهر شاحنة، فإذا حلُّوا بإحدى القرى نصبوا مسرحهم المتواضع لكي يقدموا عروضهم المسرحية مجانا . أخرج له " لوركا " العديد من الأعمال الكلاسيكية بروح متجددة لكتّاب كبار أمثال " لوب دي فيجا ، وكالديرون ، وثيرفانتس ". عام 1931 م أعلنت الجمهورية وأطلق دستور إعلان الحريات . بسط وزير التعليم " فرناندو دي لوس ريوس " رعاية الدولة على مسرح " البارّاكا " وكلّف  " لوركا " وصديقه " إدواردو أوجارتي " بإدارته حيث أنشاء " لوركا " مجموعة من نوادي الثقافة المسرحية في أنحاء أسبانيا . كانت الفترة " 1930 _ 1936م " سنوات  خصبة لإنتاجه المسرحي  فقد كتب وأخرج العديد من الأعمال منها " الزفاف الدامي أو عرس الدم " ، " الدونيا روزيتا العانس " ، «يرما» ، «بيت برناردا ألبا» ، " الإسكافية العجيبة " ، " خراب سدوم " ، " السيدة البلهاء " ومسرحية " بوداس دي سانجز "  التي  شارك بها في احتفالات الذكرى الثانية لإعلان الجمهورية 1933. كان إخراجه يتبع فيه روح أساليب الإخراج المعاصرة ، كما كان يصمم المناظر لأعماله والموسيقى وكان في بعض الأحيان يرافق أعماله بالعزف على البيانو . ذاعت شهرته كمخرج ومصمم مناظر حتى ان مسرحيته "السيدة البلهاء " عندما عرضت في " بيونس أيرس " بالأرجنتين خصصت لها حلبة مصارعة الثيران ليشاهدها ستين ألف متفرجاً في عرض واحد . حضى بالعديد من الدعوات لتقديم أعماله وإلقاء المحاضرات  في دول أمريكيا اللاثينية "  الأرجنتين وأورجواي . 
   قد تأثرت مسرحياته بشكل واضح بالحياة العربية والريف الأندلسي، ويتجلى ذلك من خلال تركيزه على معاني العرض والشرف و طلب الثأر وكذلك من خلال تسليطه الضوء على العادات والتقاليد الأندلسية ، يمزج في أعماله الحب مع الموت في صورة متداخلة مستفيداً من الشعر والموسيقى في تصوير مشاعر شخصياته وعواطفها وقوتها في آن  كما نرى في " عرس الدم ، يرما ، بيت برناردا ألبا  " أو " الثلاثية الأندلسية " كما يسميها النقاد وربما يضاف إليها مسرحية " ماريانا يبنيدا " . كما نلاحظ التركيز على العنصر النسائي لقيادة أعماله وكأنهن مركز دائرة المجتمع الأسباني عبر عنها الناقد الأمريكي :-  " تبدو المراءة في أعمال " لوركا " جياشة العواطف وكأنها كل شيء في المجتمع . وهو يصور بطلاته كأنهن مجالات مغناطيسية تجلب على أنفسهن المآسي بطبعهن الحار ، وهن أشبه " ب " جزائر " قائمة بذاتها في بحر الحياة لا تخضع لقوانينها أو لمنطقها وإذا أرادت الحياة أن تخضعهن لنظامها فلا مفر من أحد أمرين : إما أن تتحطم البطلة وإما أن يتحطم منطق الحياة نفسها "
يعتبر (فيدريكو جارسيا لوركا 1889 - 1936) من أكبر وأشّهر كتّاب  أسبانيا الحديثة  رغم أن حياته الأدبية لم تستمر سوى ثمانية عشر سنة وإنتاجه القليل  _على النقيض من الإنتاج الغزير لمعظم كتّاب الأسبان _ محددا باثنتي عشرة مسرحية حتى ساعة إقتياده الى موته  بالضرب ودفعه لينقلب على سلّم البيت الذي لجاء إليه ، وعندما سألتهم صاحبة البيت على تهمته أجابها أحدهم : أعماله . بعد سجنه  في مبني الحكومة المدنية  أخرج بعد أيام في فجر   19  (أغسطس)  1936 م  ، كان مقيدا إلي جانب ، جاليندو جونثاليس، مدرس القرية ، ومصارعا  ثيران . في حراسة خمسة رجال. اقتيد المعتقلون الى تلال  قرية " فينزار" علي بعد عشرة كيلومترات من مدينة غرناطة . غرناطة التي عشقها وعشقته . كانت ليلة بلا قمر . وقتها ...  تكلّم الرصاص .
هكذا أصابوا قلب أسبانيا عندما أطلقوا عليه الرصاص كما يقول " بابلو نيرودا " :- 


" لقد أحسن اختيارَهُ أولئكَ الَّذين أرادوا،
 وهم يُطلقون عليه نيران بنادقهم،
 أن يطلقوها على قلب أمَّته نفسها. 
إنهم لكي يُخضِعُوا إسبانية ويعذّبوها،
 اختاروا أن يفرغوها من طيبها الأكثر بقاءً وأن يحطّموها ،
 وأن يفجعوها في روحها. الأكثر زخماً ".   



0 التعليقات:

تعريب © 2015 مجلة الفنون المسرحية قوالبنا للبلوجرالخيارات الثنائيةICOption